|
|
فشل رؤية الانقاذ: الخدمات الصحية
|
خبير نظم صحية
احتفاءا باستعادة الاطباء السودانيين لنقابتهم بعد 23 عاما من اجل خدمات صحية افضل، اهدى هذا الجزء الخاص بالخدمات الصحية من كتابى: كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل
الخدمات الصحية السودانية
يطلق على الخدمات الصحية والتعليمة، واضيف اليها فى السودان المياة، اسم البضائع العامة وهى الخدمات التى يجب ان تتوفر فى اى دولة لمجموع السكان. هذا هو المجال اللذى تعرض للتخريب الاقصى فى الحكم العسكرى الثاني والثالث، فاحيانا كاستجابة للروشتة الضارة للبنك الدولى وشبيهاتة من دعاة الخصخصة وخروج الدولة من الخدمات، واحيانا من استثارة الدافع الوطنى فى حماية البلاد وهو فى حقيقتة تثبيت لانظمة الحكم العسكرى ومركزية الحكم وفرض التيار العروبى او الاسلاموعروبية ضد من قاوموا وحاولوا الوصول لنموذج وطنى عادل ومتنوع. ودائما التلاعب بشعارات مشاركة المجتمعات و ابتذال الشعارات النبيلة لنماذج التنمية المستدامة والمجتمعية حتى عنى هذا الشعار كابوسا للمجتمعات اذ كان دائما نذيرا لعبء جديد بعد ان خرجت الدولة من توفير الخدمات (الصحة، التعليم، المياة وغيرها). ان بداية المسألة هى فى دخول الدولة فى معطف الراسمالية الطفيلية وخروج الدولة من التمويل. من المهم اعادة النظر فى تمكين المجتمعات ودورها فى رسم سياسات الخدمات التى تقدم لها والتخطيط لها. لقد تم فى العقدين السابقين الاحتماء بالجماهير والمجتمعات لتمرير الكثير من السياسات الضارة بهم وتبرير كثير من المظالم. ان الديمقراطية لن تغتنى وتتجذر الا اذا وصلت الى عمق كافة المجتمعات. ان هذا الشعار يفترض ان يترجل من المواثيق الدولية و مجلدات التنمية المستدامة الى صلب القوانين والمناهج والسلوك اليومى.
الخدمات الصحية عندما اكتب عن الخدمات الصحية تصيبنى الغصة، فانا اساسا خبير صحة وقضيت عمرى فى هذا المجال ورايت الخدمات الصحية تنهار بشكل مريع وصلت فى العقود الاخيرة الى الجريمة الكاملة. وكنت اظن اننى سابدأ بكتاب عن الصحة وتقديم رؤية للخدمات الصحية السودانية، المشكلة اننى على قناعة كاملة ان هذا لايفيد وقد بنيتها على تجربتى الطويلة فى ارقى مؤسساتها فى منظمة الصحة العالمية. لانعرف فى التاريخ الحديث عن خدمات صحية جيدة الا فى ظل نظام جيد ( لاتعنى بالضرورة الانظمة الديمقراطية ولكن الانظمة التى بها رؤية واضحة للبناء الوطنى وهناك الامثلة الشهيرة من عمان، كوبا، سريلانكا ..ألخ). دفعنى هذا للانخراط فى كتاب عن الرؤية وتأجيل كتاب الصحة. يعطى البروفسير احمد بيومى فى كتابة القيم (تاريخ الخدمات الصحية السودانية 1979 ) لمحة ممتازة عن نظام صحى يحقق الاهداف المرجوة منة، قائما على بناء من اوائل العهد الاستعمارى والذى رغم ان تركيزة كان على خدمة اماكن تواجدة الا ان التطورات اللاحقة وبوجود افضل اطباء الصحة العامة فى قيادة العمل الصحى تركت لنا عند خروج الاستعمار احد اكثر النظم الصحية كفاءة وطرائق مبتكرة فى ايصال الخدمة الى بيئات السودان المختلفة ( نقاط الغيار، الشفخانات والمستشفيات الريفية) والعاملين الصحيين الملائمين (قابلات القرى، الزائرات الصحيات، مفنشى الشفخانات، مسئولى صحى البيئة...الخ). حافظت القيادات التى استلمت القيادة بعد الاستقلال على جودة الخدمة مع محاولات حثيثة لتوسيع رقعتها ودائرة المنتفعين منها. ظلت هذة السمات تميز الخدمة حتى منتصف السبعينات والتى بدا التدهور المتصل بعدها. عوامل عديدة ساهمت فى هذا التدهور يمكن اجمالها فى التالى: اولا: ادى التغيير السياسى لنظام نميرى واتجاهة الايديولوجى اليمينى الى تبنى اتجاهات البنك الدولى الداعية انذاك الى اخراج الدولة من الخدمات والذى قاد الى التراجع التدريجى فى تمويل الخدمات الصحية مما انعكس بشكل سلبى على توفر الخدمات وتوسعها وجودتها. التحولات الدرامية من اقتصاد انتاجى لحدما الى الاقتصاد الطفيلى كان قاصمة الظهر. ثانيا: الانهيار المصاحب فى الانشطة الداعمة للصحة من توقف تغذية طلاب المدارس الاولية، بدء تصفية الداخليات والفقر المتنامى الذى اثر على تغذية الشعب السودانى بكاملة بشكل تدريجى ادى لانتشار امراض التغذية بين الاطفال والامهات، الدرن والانخفاض فى المناعة بشكل عام.
ثالثا: عدم قدرة المجالس المحلية على مواصلة التصدى لقضايا البيئة من النظافة، ردم برك المياة ورش الناموس..الخ – خاصة بعد تطبيق اللامركزية والتى اعطت الاقاليم كافة السلطات السياسية والتنفيذية وادت فيما ادت الى تضخم الجهاز الادارى ولكنها حرمتها من الميزانيات التى ظلت مركزية بطرق ملتوية وبيرقراطية (تصدير المشاكل والمسئوليات وحجز الاموال). كان السودان من اوائل الذين تبنوا استئصال الملاريا ولكن شهد السودان من النصف الثانى للسبعينات انتشارا كاسحا لها فى كافة ارجاء الوطن بما فيها المدن التى كانت تخلوا منها مثل مدينة بورتسودان.
رابعا: شهدت نهاية السبعينات لاسباب متنوعة هجرة عشوائية ضخمة الى دول البترول ( الخليج العربى، ليبيا واليمن) من كافة القطاعات وخاصة من الكوادرالفنية. كان القطاع الصحى من اكثر القطاعات التى تاثرت بالهجرة والتى كانت اشبة بالنزوح الجماعى ( كان الكاتب شاهدا على سفر اربعين طبيبا فى طائرة واحدة الى ليبيا فى نهاية السبعينات، كما كان شاهدا انة بعد اربعة اعوام من تخرجة (1976) وعند قيام نقابة اطباء السودان باحصاء الاطباء عام 1980، كان يوجد فى السودان خمس اطباء من دفعتة التى كانت تناهز الثلاثمائة طبيب). مسالة الهجرة باب طويل ليس هذا مجال نقاشها ولكن سنورد اثارها على المهنة. بنى النظام الصحى السودانى على الاطباء الذين يتلقون شهادتهم من كليات الطب ولكن يتم تدريبهم فى المستشفيات اساسا بواسطة نواب الاخصائيين بشكل مستمر والاخصائيين بشكل اقل بانتقال منظم للحرفية والمهارات والخبرات، وكان هذا هو الحال للكوادر الصحية الاخرى. ادت الهجرة الى تفريغ المستشفيات من الاخصائيين ونواب الاخصائيين مما خلق نقصا فى الكوادر الصحية وبالتالى انحدارا مخيفا فى الاداء. من جانب اخر فان نقص الكوادر التى تتولى التدريب ادت لانقطاع انتقال الخبرة بين الاجيال واعتماد الكوادر الجديدة على التعلم من الخطاوالصواب. خامسا: رغم ان السودان كان من انشط المشاركين والمساهمين فى المنظمات العالمية العاملة فى الصحة ( منظمتى الصحة العالمية واليونسيف) وكانت تدرس وتقدم المشورات للعمل على تطوير النظام الصحى، عجزت القيادة الصحية عن تطوير واصلاح الانظمة والهياكل الادارية والتوجة العلاجى للخدمات والتى عجزت عن التصدى للتحديات الجديدة التى واجهت المجتمعات. سادسا: رغم ان السودان كان سباقا فى اصلاح التعليم الطبى والصحى وانشاء جامعة الجزيرة اواخر السبعينات والتى تبنت مداخل التوجة المجتمعى منذ السبعينات، الا ان هذا الاصلاح عجز عن اختراق الجامعة العتيقة – جامعة الخرطوم- واجهض عملية التغيير المنشودة وهذا صحيح لكل التعليم الصحى. العملية التعليمية الطبية والصحية فشلت فى تآهيل العاملين للتصدى للمستجدات والتحديات الصحية وادت لتفاقمها. دخل السودان فى بداية السبعينات كاحد الدول التى كانت تقدم نموذجا فاعلا فى التصدى وتقديم الخدمات الصحية المجانية. فقد كان السودان سباقا الى ادخال توجة الرعاية الصحية الاولية ( التى تبنتة كافة دول العالم فى مؤتمر الما اتا 1978) واعطت للعالم الصحى مداخل المناطق الصحية، كما قدمت العديد من الخبراء والعلماء الذين ساهموا بشكل كبير وفى تواضع وصمت سواء فى المنظمات الدولية او الدول العربية والغربية. كان اول توجة لانفكاك الدولة من الخدمات الصحية انشاء ماسمى الثورة الصحية فى منتصف السبعينات كاول دفع للوصفة الشائهة للبنك الدولى والتى بدات بفرض مبلغ رمزى على زيارة المرضى فى المستشفيات والتى انتهت الى ان تصبح المصدر الاساسى لميزانية تسيير المستشفيات واطعام المرضى ومصدر ومقر الفساد فى الوزارة. اما المراكز الصحية و الشفخانات ومراكز الرعاية الصحية الاولية فقد تركت للمجتمعات. لابد من الاشارة هنا ان المستفيد الاكبر من انسحاب الدولة من الخدمات كان تيار الدولة الدينية، فقد انطلقوا وحلوا محل الدولة عن طريق المنظمات الطبية والاغاثية التى انشاؤها وتاريخها مكتوب ومسطور فى كيف استغلت للتأثير والتراكم السياسى، ولاحقا التكاثر السرطانى للخدمات الخاصة وشركات التامين والادوية وحل تيار الدولة الدينية ليس فقط على الدولة ولكن جعلت من الوطن سوق شركاتها التى حلت محل الدولة.
الانقاذ والصحة
تم الالتفات للاطباء منذ اليوم الاول للانقاذ وتم احالة عدد من كبار المتنفذين فى رئاسة الوزارة منذ اليوم الثانى للانقلاب، وكان هذا ايذانا بترصد الانقلاب للقوى الناشطة فى المجتمع وفى مقدمتهم الاطباء. الكارثة الحقيقية لتدخل الانفاذ فى الخدمات الصحية انها بدات بجوهرة العمل الصحى "العاملين"، فبدات بالتشريد المنظم لكافة العاملين وهى فئة مكلفة الاعداد التقنى ومطلوبة فى العالم الخارجى كسلعة نادرة. عندما حطت الانقاذ على الوطن كانت مجموعة محدودة جدا لاتستطيع ملء كافة الوظائف الشاغرة، خاصة القيادية. احلت محل من شردتة مجموعات ضعيفة الخبرة والكفاءة، بسلطات غير محدودة، لايخضعون لاى رقابة او توجية فعملت تخريبا فى العمل الصحى ونشرت فية العشوائية الادارية و الفساد والتدهور المريع.
لقد عمل تيار الدولة الدينية بجهد علمى حثيث فى محاولة الابدال والاحلال وابتعاث كوادر الحزب فى طيلة السنوات الماضية، معظم الذين يقودون الخدمات الصحية فى كافة المواقع وهم بين 40-55 عاما هم كادر الحزب الملتزم. الذين نشأوا فى ظل الحكم المطلق والصلاحيات بلا حدود وانعدام المراقبة. ورغم ان الوزارة من اكثر الوزارات التى ادخلت مفاهيم الخطط الاستراتيجية، الوثائق الاساسية و دلائل العمل(بمعونة المنظمات المتخصصة)، الا انة كان من المستحيل عليها ان تستطيع الفكاك من اسر النظرة الواحدة والحركة كفراكشن. ان لهذة الظاهرة تفسيرا واسما فى علم الادارة "الادارة السلطوية او الاستبدادية"، ومهما حاول الافراد تغييرها لاساليب حديثة فهذا متاح فى حدود ضيقة جدا. عندما بدا ان هناك تقدما فى مباحثات السلام الشامل فى نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان تمت دعوة الطرفين الى ورشة عمل تحت رعاية مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية التابع للخارجية الامريكية فى واشنطن خلال اكتوبر 2003 لمناقشة قضايا الصحة. واتفق الطرفان على تولى منظمة الصحة العالمية تنسيق جهود اعادة بناء النظام الصحى كما تم الاتفاق ان يتم هذا عن طريق عمليتين منفصلتين للشمال والجنوب. تم تكليفى بتولى هذا الملف كمنسق عام بين كافة الادارات المختلفة فى داخل المنظمة وبين الهيئات والشركاء الاخرين. بدا العمل بتكوين لجان عليا فى الشمال والجنوب ودعمت بخبراء فى المجال من المنظمة لتجميع كافة المعلومات عن الوضع الصحى فى البلاد، والتحديات والنواقص ومن ثم وضع مسودة عن الوضع الصحى وخيارات السياسة الصحية. شاركت سكرتارية الصحة التابعة للحركة الشعبية لتحرير السودان وكافة الشركاء فى ورشة عمل عقدت فى نيروبى، كينيا ايام 16-21 توفمبر 2004 وتمت اجازة وثيقة الوضع الصحى وخيارات السياسة الصحية فى جنوب السودان. عقدت ورشتى عمل فى الخرطوم تناولت الاولى عقد لقاء تشاوري فى الخرطوم يوم الاول من مارس 2004م، ضمت كافة خبراء الصحة من مختلف الاجيال ومنظمات المجتمع المدنى العاملة فى الصحة لابداء رايهم فى المسودة المطروحة ومن ثم نوقشت فى ورشة عمل ايام 8-9 مارس 2004 وتمت اجازة وثيقة الوضع الصحى وخيارات السياسة الصحية فى شمال السودان. هذة الوثائق هى التى شكلت الاساس للجزء الخاص بالصحة فى الوثيقة الضافية "البعثة المشتركة لتحديد احتباجات السودان" التى اعدتها الامم المتحدة والبنك الدولى تحت اشراف الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان ونشرتها فى 18 مارس 2005 . لقد اضيفت الوثيقة لغيرها من الوثائق السابقة وهى فى انتظار التنفيذ لان اهم بنودها الجوهرية هى ارتباطها برؤية الصحة كضرورة حياتية وانها مسئولية الدولة.
لقد تدهور الوضع الصحى بالانسحاب الكامل للدولة من الخدمات الصحية فى حياة المجتمعات فقد انتشرت الامراض التى كانت قد اختفت او لم تكن اصلا موجودة فى كافة انحاء الوطن الى حد ان مرضا كالملاريا التى اصبحت من التاريخ فى معظم دول العالم، يمثل اكثر من ثلث اسباب الوفيات وصار السودان متحفا لكل الامراض التى وجدت فى العالم عدا ما يسمى مرض شاقس الذى لايوجد الا فى امريكا الجنوبية. وقع عبء انسحاب الدولة على السكان، فقد بلغ ما يدفعة الافراد من جيوبه عند تلقى العلاج 65 % من تكلفة العلاج كمتوسط عام وتزداد الى 80% فى الاقاليم المهمشة. ( الحسابات الوطنية الصحية، موقع منظمة الصحة العالمية). ولان الصحة مجال حيوى من مجالات الضجر والاثارة السياسية المباشرة فقد شغلت الجمهور بوصفات معقدة من مايسمى التأمين الصحى الاجتماعى والخاص.
ترجع علاقتى بالتامين الصحى الى منتصف التسعينات حيث تابعت عن كثب اللجنة الخليجية للتامين الصحى ثم بعدها بعد ان عملت فى منظمة الصحة العالمية. ان كل هذة الوصفات التى تبيعها الدولة تحت مسميات متعددة لم تثبت نجاحا فى اى مكان سواء فى اوربا التى تنتهج الخدمة الصحية العامة المرتكزة على الضرائب او اسيا وحتى امريكا مصممة انظمة التامين وتوجهها فى ظل اوباما للخروج من مآزق التامين الصحى المكلفة والفاشلة. صحيح ورثت الانقاذ نظاما صحيا متهالكا – ساهمت هى فى زمن نميرى فى هزالة- لكنها بدلا ان تبدأ اصلاحة غيرتة كعادتها بالكامل، وحولتة الى منظومة شركات الراسمالية الطفيلية تحت اسم التأمين الصحى. الموضوع واضح جدا فالخدمات الصحية يمكن اصلاحها بخطوة واحدة – وقد قامت الوزارة الحالية بادخال كافة مفاهيم الخطط الاستراتيجية، الوثائق الاساسية و دلائل العمل- ووقعت الدولة على اعلان ابوجا الذى ينص على ان يكون الانفاق الصحى 15% على الاقل من الانفاق الحكومى. لقد كان مقتل الخدمات الصحية فى الانحدار المتواصل من 12% فى اول حكومة وطنية والحل فى زيادة الانفاق واشياء اخرى. ان الناظر الى الخدمات الصحية الان يراها من اهم مواقع الراسمالية الطفيلية (يجب عدم الاستهانة بالصحة كمجال للاثراء فميزانية الولايات المتحدة تصل الى 12-15% من الدخل القومى وهى اسوأ دول العالم الاول فى خدماتها الصحية من ناحية المساواة). وقد لاحظت انتشار مؤسستين فى انحاء العاصمة بشكل مبالع فية، العيادات الخاصة للاطباء والصيدليات والمراكز الطبية الخاصة من ذات النجمتين الى السبعة نجوم ( حتى هذة لاتقدم خدمة مفيدة ولا اظننا فى حاجة الى الاسترسال ولكن دليلنا ان السودانيون ينفقون حوالى 250-300 مليون دولار سنويا فى الاردن ولاندرى كم ينفقون فى مصر) والمؤسسة الاخرى المصاحبة التى تضاهى المستشفيات الخاصة تمددا وانتشارا هى قاعات الافراح وليس لدى تفسير. ان الدولة ذات الرؤية الواضحة والاستراتيجيات وخرط الطريق هى التى سترى فى التعليم الاساس العلمى وان الصحة الجيدة هى السند الحقيقى لتحقيق اى تطور وتنمية الوطن. هناك بيِّنات وفيرة على وجود ارتباط كمِّي وثيق بين معايير الوضع الاقتصادي، مثل الدخل والثروة، وبين المحصلة الصحية. غير ان التفسير الوافي لاتجاه التسبيب وعلَّة هذا الترابُط، كان موضع جدل عنيف بين الباحثين. ولكن الثابت ان الأُسَر ذات الدخل المتواضع، تضطر لدفع جزء كبير من دخلها للخدمات الصحية، مما يدفع بها إلى الفقر. فتضطر للاقتراض أو بيع الأصول أو العزوف عن تلقِّي الخدمات الصحية اللازمة والتعايش مع المرض. وكنتيجة للرابطة الديناميكية المتبادلة بين اعتلال الصحة والفقر، فان العديد من الأُسَر لن يمكنها الفكاك من براثن الفقر واعتلال الصحة إذا ما وقعت فريسة لهما. (اللجنة الإقليمية لشـرق المتوسط، الدورة الحادية والخمسون: تأثير الانفاق الصحي على الأسرة، والخيارات البديلة لتمويل الرعاية الصحية، موقع منظمة الصحة العالمية). ليس هناك حلول سهلة، حتى عند رحيل هذا النظام، وسوف نواجة بوضع صعب والحاجة لقرارات صعبة ولكننا نحاول ان نتلمس بعض المداخل العامة:
اولا: الخروج من اسار اعادة هيكلة الاقتصاديات ووصفات البنك الدولي حول تكلفة الخدمات الاجتماعية وان تعود الخدمات الاساسية التعليم والصحة جزءا من المسئولية الاجتماعية للدولة ورفع المخصصات الى 15% من الناتج الاجمالى القومى لكل منهما، وهذا سهل اذا توقفنا عن الحرب الاهلية واعدنا ميزانية الدفاع والامن الى على الاكثر 15-20%.
ثانيا: العودة الى دولة مجانية الصحة فى خطى افضل واعدل واكثرها كفاءة وهو النظام الصحى الوطنى فى تطبيقاتها الحالية والمبنية على الرعاية الصحية الاولية واللامركزية الحقيقية ورفع قدرات العاملين. نظام مجانى يعتمد على الضرائب فى التمويل ويخصص لة 15% بالمائة من ميزانية الدولة السنوية. يقوم النظام الصحى على طبيب الاسرة فى المدن والمجتمعات الكبرى والاشكال المبتكرة فى القرى والفرقان، مما ابدعت فية العقول السودانية. كل هذة تتولاها المجالس المحلية والبلديات اشرافا وتمويلا حسب ميزانيات حقيقية وليست ورقية.
ثالثا: المهمات والواجبات و الاولويات تمت دراستها مرارا وتكرارا من منظمة الصحة العالمية والمنظمات الاخرى العاملة فى الصحة ولكنها لم تمثل اولوية فى اجندة النظام منذ اليوم الاول ووضعت فوق الارفف. لقد نشطت الوزارة فى مجالات عدة ولكن كل جهودها تضيع لانها محكومة بنظام شمولى وسياسات رزق اليوم باليوم واسس الاختيار الحزبية وعدم الانصاف فى الترقيات وتجريد العاملين من منظماتهم النقابية الديمقراطية. المشاكل والتحديات التى تواجة الصحة ليست وقفا علينا والحلول لاتحتاج لاعادة اختراع العجلة ولكن لقيادة تجىء نتاج الاختيارالعادل والشفاف واعادة الحياة للتقاليد المحترمة والمصداقية والنزاهة. يحتاج العاملين الصحيين الى الرعاية والعناية والمدخل الرئيسى يبدا باعادة النظر واصلاح التعليم الطبى والصحى وانهاء الفصل القسرى بين انتاج الكليات الصحية والخدمة والتى ادت لكثير من الاختلالات الهيكلية والوظيفية والكفاءة.
|
|

|
|
|
|
|
|
|
Re: فشل رؤية الانقاذ: الخدمات الصحية (Re: د. عمرو محمد عباس)
|
UP مرحب عمرو، نناقش رؤيتك تحت ظلال صحبك .. صحبك المُتمِم كيفك .. ثبات عقلك، درقتك و سيفك ..

يا ( اب آمنة) حوبتك جات ..
علي يا فضل .. رجعت النقابة مولودة ولادة المُرسلين ذوى المهام الكبيرة، مولودة تحت جذع شجرة في مستشفى الخرطوم ولادة مريم للمسيح عيسى تحت جذع شجرة ذات رطبا" جنيا
( لا صحة جيدة بدون نظام سياسي جيد) .. او قل، الرابطة الديناميكية المتبادلة بين إعتلال الصحة و الفقر ! الفقر يا علي يا فضل : لا زلنا على الوعد .. لن ناخذ اموال الأغنياء لنوزعها على الفقراء .. فقط سنوقف الفساد و الهدر المالي .. و نؤسس لنظام ضرائبي راشد، و نفتح الطريق لتراكم وطني ديمقراطي نعيد توظيفه في الصحة و التعليم و سلع غذائية أساسية مدعومة و كهرباء تعلية خزان الرصيرص معقولة الثمن و بديلا" لجمرتهم الخبيثة ..
| |
 
|
|
|
|
|
|
|
Re: فشل رؤية الانقاذ: الخدمات الصحية (Re: أحمد طراوه)
|
عزيزى طراوة
لك الود والاعزاز
ربما هذة مناسبة جليلة لنتذكر معا اول شهداء الحركة المدنية الوطنية السودانية الشهيد على فضل. لقد كنت احد اخر الذين قابلوا الشهيد قبل ان يفدى اخاة ويتقدم لتسليم نفسة الى جزارية.
لقد كان راى، ولازال ان لايسلم نفسة وان يسافر معى للفاشر وكنت مدير الخدمات الصحية انذاك، ومبرراتى، ولازلت، ان الوطن ملك للجميع وعلى الجميع تقديم التضحيات وجزء منها تضحيتنا ان نرى اهلنا واعزائنا يعانون.
لكن انت تعرف ان الشهيد كان رمزا حيا للتضحية حتى فى العمل العام. كان يغطى تكاسلنا وينجز ما ننساة او نهملة، باختصار كان النبل على قدمين.
ان جزءا كبيرا من ثبات مواقفنا ضد النظام الفاسد المستبد عززها دائما اننا رافقنا الشهيد واثر فينا استشهادة البطولى بشكل حاسم. اننا عند استعادة الوطن والذى اراة قريبا سوف يكون دافعنا فى العمل على اعادة الصحة للشعب السودانى وفاءا لتضحيات رجل سار الى الموت من اجل هذة القضية وقضايا الوطن بكاملة.
| |

|
|
|
|
|
|
|