|
د. الشفيع خضر : الوساطة الدولية تشهد أحداث جامعة زالنجي.
|
قراءة في المشهد السياسي: __________________
الوساطة الدولية تشهد أحداث جامعة زالنجي
د. الشفيع خضر سعيد
تفاصيل أحداث جامعة زالنجي، التي اندلعت في مطلع هذا الشهر، أوردتها الصحف ووكالات الأنباء، ومن بينها صحيفة الأحداث عدد 2 ديسمبر الجاري. جوهر تفاصيل تلك الأحداث يتلخص في الآتي:
1- إعتراض مجموعات طلابية على اللقاء الذي نظمته الحكومة في مبنى الجامعة بين وفد الوساطة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، بقيادة الوسيط الدولي جبريل باسولي والوسيط القطري الأحمد بن عبد الله آل محمود، وممثلي المجتمع المدني، والتظاهر سلميا ضده مع إطلاق هتافات معادية لمنبر الدوحة، وتقديم مذكرة احتجاج لوفد الوساطة.
2- قوات الشرطة والشرطة الشعبية، والتي كانت أصلا متواجدة بكثافة عالية محاصرة الجامعة، تصدت للمتظاهرين بكل عنف مطلقة الرصاص في الهواء، حسب رواية قيادة الشرطة، مما أدى لوفاة ثلاثة أشخاص، طالب في الجامعة وطالب ثانوي وتاجر، وجرح 6 من طلاب الجامعة و 3 من أفراد الشرطة الذين تعرضوا للرمي بالحجارة من الطلاب.
3- سكان مدينة زالنجي حمَلوا الجهات الرسمية مسؤولية انفجار العنف، لإصرار هذه الجهات على تنظيم اللقاء في الجامعة المتوترة أجواؤها أصلا بسبب أن إدارتها حظرت النشاط السياسي فيها، وفي نفس الوقت قيامها بإبعاد النازحين وآلية المجتمع المدني المعروفة لدى الوساطة ومنعهم من المشاركة في اللقاء، واستبدالهم بالطلاب وممثلي المجتمع المدني الموالين للحكومة.
النقطة رقم 3 في الخبر تحوي تفسيرا واضحا لما حدث في ذلك اليوم الحزين، خاصة وأن هذا التفسير جاء على لسان المواطنيين العاديين من سكان زالنجي. وعندما أقول المواطنين العاديين، اقصد غير النشطاء المنظمين في هذه الحركة أو ذاك التنظيم من تنظيمات دارفور. لكنهم، أي هولاء المواطنين العاديين، يعيشون مأساة الإقليم بكل تفاصيلها اليومية. فزيارة وفد الوساطة الدولية ليس حدثا عاديا، بالنظر لما يقوم به في الدوحة من مجهود لإختراق الأزمة، وبالنظر لوجود إعتراضات معتبرة على المنبر جعلت مجموعات كبيرة تعتبر نفسها غير ممثلة فيه وغير معنية بنتائجه، وبالنظر لإنهيار اتفاق أبوجا وإستهتار الحكومة بهذا الانهيار وتعاملها معه وكأنها، أي الحكومة، كانت منذ البداية تنظر إلى الاتفاق وكأنه مجرد حبر على ورق، وبالنظر لإستمرار العمليات العسكر ية في الاقليم.. وفي الحقيقة، كيف كان من الممكن تنظيم مثل هذا اللقاء في ظل أجواء محتقنة أصلا، وتزيدها الحكومة إحتقانا بإصرارها على أن يستمع وفد الوساطة إلى أصوات من تريدهم هي، فتعمد على حشد الموالين لها فقط لحضور اللقاء واستبعاد الآخرين؟ إنه المنطق المعوج، منطق المناجاة الداخلية، منطق من يود أن يفاوض نفسه هو على حل يقترحه هو...! بإختصار إنه منطق من لا يريد حلا حقيقيا للأزمة. ولعله من البديهي القول بأن الحل الناجع لأي نزاع عبر الوساطة والتفاوض، هو قيام الحل على مثلث اضلاعه الثلاثة هي الطرفان المتنازعان وطرف ثالث، مقبول بينهما كوسيط لحل النزاع. ولكن حكومة المؤتمر الوطني، بتصرفها في الأحداث الأخيرة، بجامعة زالنجي، كأنها تريد إبتداع حساب مثلثات خاص بها لحل الأزمة. فهي تمثل نفسها والوساطة الدولية كضلعين في المثلث، بينما تستعيض عن الضلع الثالث، شعب دارفور، بضلع وهمي، مكون من الشرطة وعدد من المؤلفة قلوبهم وخلصائها. وبالطبع ما كان من الممكن أن يتشكل ذاك المثلث، لأن ضلعه الثالث هو مجرد ضلع وهمي، مجرد ظل لضلع الحكومة. إن ردة فعل الحكومة تجاه الاعتراضات التي اطلقها المتظاهرون إبان ذلك اللقاء، جاءت وكأنها فعل مدروس يصب في خانة إضافة المزيد من الزيت على النيران المشتعلة أصلا. وفي الحقيقة، فالمتأمل لتصرفات الحكومة الأخيرة، سيتفق معنا على هذا الاستنتاج: التصعيد العسكري في الإقليم لدرجة القصف الجوي الذي تقول الأخبار أنه طال سكان القرى، بل وإمتد ليشمل المناطق المتداخلة مع ولايات الإقليم الجنوبي مما ينذر بتجدد الحرب الشاملة في البلاد، اللامبالاة العجيبة تجاه إنهيار اتفاق أبوجا والتركيز على إخلاء السكن الحكومي للسيد مني اركو مناوي أكثر من بذل جهد لإنقاذ الاتفاقية، الاعتقالات المستمرة لأبناء دارفور في العاصمة والمدن الأخرى، وأخيرا إطلاق الرصاص أمام أعين الوساطة الدولية. يا ترى هل بات واضحا الآن للوساطة الدولية، إن من يسمونه اللاعب الأساسي في السياسة السودانية، وبسبب ذلك ظلوا يتجاهلون ويستبعدون القوى السياسية الأخرى من جولات التفاوض المختلفة، حتى المفاوضات المصيرية الأخيرة حول مستقبل السودان بعد الاستفتاء، هل بات واضحا لهم أن هذا اللاعب يدير العمل السياسي في البلاد بقسوة ورعونة غير مسبوقتين؟. النقطة رقم 2 في الخبر الذي أشرنا إليه في صدر هذا المقال، تتعلق بردة فعل الشرطة وتصرفها تجاه أحداث جامعة زالنجي، وهو تصرف، مثل غيره من التصرفات المنسوبة للشرطة منذ تمكن نظام الانقاذ، لا نعتبره متسقا مع مسيرة قوات الشرطة السودانية. فطوال تاريخها، حتى مجئ نظام الأنقاذ، ظلت الشرطة السودانية، كمؤسسة، مستعصمة بقوميتها وحيادها عن الانتماء الحزبي، رغم إحتفاظ كل فرد فيها بموقفه السياسي الخاص وحرصه على المشاركه في الانتخابات بالتصويت لهذا الحزب أو ذاك. بل، وحتى في لحظات هياج الفرح العفوي بتسجيل الهدف، ظلت الشرطة بعيدة كل البعد عن إظهار إنتمائها للهلال أو المريخ وهي تحفظ الأمن في دار الرياضة!. تاريخ الشرطة السودانية مرصع بجواهر إنحيازها للوطن والمواطن، ويظهر ذلك جليا في المنعطفات التاريخية الكبرى في البلاد مثل المعارك ضد المستعمر من أجل الاستقلال، ثورة أكتوبر 1964 وإنتفاضة أبريل 1985. هل تذكرون إضراب البوليس الشهير؟! في يناير الماضي، وعبر برنامج "من ذاكرة الشرطة" تحدث اللواء شرطة (م) أحمد المرتضي البكري أبو حراز لإذاعة "ساهرون"، صوت الشرطة السودانية، قائلا بأن قوات الشرطة السودانية (شكلت بحسها الأمني والسياسي رقما مهما في معارك النضال من أجل نيل استقلال السودان. ففي عام 1948، رفع رجال البوليس مذكرة للحاكم العام مطالبين بتحسين أوضاع قوات الشرطة. ورقم أن الحاكم العام وعد بمناقشة المطالب والرد عليها، إلا أنه كان يماطل ويتلكأ، وفي نفس الوقت إستمر نضال رجال الشرطة وضغطهم لتحقيق المطالب المشروعة حتي العام 1951م حيث تمت إعادة تشكيل اللجنة المطلبية الأولى، التي قدمت مذكرة 1948م، وشكلت لجنة سرية للمتابعة وللتصدي للقيادة إذا ما تم الإعتداء على اللجنة الأولى. واللجنتان كان يقودهما الأنفار وصف الضباط، حيث ترأس العريف شرطة عثمان عبد الرحيم لجنة مركز بوليس الخرطوم، بينما ترأس لجنة مركز بوليس بحري النفر محمد علي فضّال، أما لجنة مركز بوليس إم درمان فترأسها النفر عوض الكريم محمد الحسن. ومع تصاعد الحس السياسي والوطني بالسودان في تلك الفترة نفذت هذه اللجان إضراب البوليس المشهور في مايو 1951، والذي صحبته مظاهرات البوليس التي كانت تنادي بالاستقلال وخروج المستعمر من البلاد، كما ظل رجال البوليس يرفضون التصدي للمظاهرات السلمية التي قادها المواطنون ضد المستعمر. وفي معركتهم تلك، وجد رجال البوليس الدعم والمساندة من السياسيين ونقابات العمال، خاصة إتحاد العمّال بالخرطوم الذي فتح لهم داره لكي يعقدوا فيها إجتماعاتهم. ولاحقا تطورت مطالب رجال البوليس ليسمح لهم بتكوين جسم نقابي أو إتحاد للبوليس!).
بعد هذا التاريخ الناصع للشرطة السودانية في قضايا الإنحياز للوطن والمواطن، وبعد أن ظل الناس يشهدون لها بالكفاءة المهنية العالية في أداء مهامها المتعلقة بحماية الأمن وبكشف ومنع الجريمة، وبعد أن ترسخت الحقوق المدنية في العالم، وأصبحت الشرطة علما يدرس كيفية حماية وخدمة الشعب، بعد كل هذا...، لماذا يبدو لنا الأمر اليوم وكأن الشرطة أصبحت مجرد أداة منقادة تماما لخدمة سياسات الحزب الحاكم، حزب المؤتمر الوطني؟. لماذا هذه القوة المفرطة والعنف غير المبالي ضد المواطن الأعزل من أي سلاح سوى إيمانه بحقه في التعبير والتظاهر كما فعل رجال البوليس في الخمسينات؟ إلى متى يستمر حصاد الرصاص الطائش لأرواح الشباب اليافع؟ هذه التساؤلات، وغيرها، تستوجب التوقف والمراجعة والتقييم. وأعتقد أن شرطة السودان تذخر بالكفاءات الوطنية القادرة فعلا على التصدي بشجاعة لهذا الواجب المرتبط، في نظري، بالسؤال الرئيس حول قومية أجهزة الدولة وعدم خضوعها لإرادة الحزب الحاكم، أيا كان هذا الحزب. في ذات السياق، أجاز المجلس الوطني بالاجماع، في جلسته بتاريخ 29 نوفمبر 2010، بيان وزير الداخلية حول أداء وزارته. وقد تضمن البيان فقرة تقول " إن من أولويات خطة الوزارة للعام 2011، نشر مفاهيم الشراكة في عمليات الأمن الداخلي بتطوير نظم الشرطة المجتمعية وبسط الأمن والطمأنينة بولاية دارفور في إطار استراتيجية دارفور، وضبط مظاهر التسلح غير المشروع..". وبالمقارنة ما بين الأولويات الواردة في بيان السيد الوزير، والأوامر التي صرفت لرجال الشرطة لإستخدام الرصاص في جامعة زالنجي، يحق لنا أن نتساءل: هل ساحة حرم جامعة زالنجي كانت تعج بالمجرمين حتى تضطر الدولة لبسط هيبتها بقوة الرصاص؟ هل كانت مجموعات الطلاب الدارفوريين المعترضة تطلق الرصاص تجاه وفد الوساطة الدولية أم كانت تطلق الهتاف؟ هل إطار إستراتيجية دارفور يعني أن أي جسم متحرك في دارفور أصبح هدفا لإطلاق النيران عليه؟ هل نظم الشرطة المجتمعية يمكن بناؤها من وبواسطة حزب سياسي واحد، علما بأن الشعب بكل مكوناته من المستحيل أن يعبر عنه حزب واحد؟... نقول للسيد وزير الداخلية، إن جهاز شرطة يعمل في وطن يعج بالمتناقضات، وفي منطقة تعصف بها الأزمات الدامية ، مثل دارفور، يجب أن لا يؤمر بتنفيذ الأفعال الصاخبة "كالرصاص في الهواء"، لأن ردود الأفعال، في لحظتها أو في لحظات لاحقة لها، لا يمكن التكهن بها. وعموما، نعتقد أن شرطة السودان، لا تزال تملك من المقومات، قيما ومفاهيما وأفرادا، ما يؤهلها لإدارة اللحظات الحرجة بكل ما هو مطلوب من وعي ودراية وحكمة، مثلما كانت قبل الانقاذ.
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: د. الشفيع خضر : الوساطة الدولية تشهد أحداث جامعة زالنجي. (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote:
جوهر تفاصيل تلك الأحداث يتلخص في الآتي:
1- إعتراض مجموعات طلابية على اللقاء الذي نظمته الحكومة في مبنى الجامعة بين وفد الوساطة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، بقيادة الوسيط الدولي جبريل باسولي والوسيط القطري الأحمد بن عبد الله آل محمود، وممثلي المجتمع المدني، والتظاهر سلميا ضده مع إطلاق هتافات معادية لمنبر الدوحة، وتقديم مذكرة احتجاج لوفد الوساطة.
2- قوات الشرطة والشرطة الشعبية، والتي كانت أصلا متواجدة بكثافة عالية محاصرة الجامعة، تصدت للمتظاهرين بكل عنف مطلقة الرصاص في الهواء، حسب رواية قيادة الشرطة، مما أدى لوفاة ثلاثة أشخاص، طالب في الجامعة وطالب ثانوي وتاجر، وجرح 6 من طلاب الجامعة و 3 من أفراد الشرطة الذين تعرضوا للرمي بالحجارة من الطلاب.
3- سكان مدينة زالنجي حمَلوا الجهات الرسمية مسؤولية انفجار العنف، لإصرار هذه الجهات على تنظيم اللقاء في الجامعة المتوترة أجواؤها أصلا بسبب أن إدارتها حظرت النشاط السياسي فيها، وفي نفس الوقت قيامها بإبعاد النازحين وآلية المجتمع المدني المعروفة لدى الوساطة ومنعهم من المشاركة في اللقاء، واستبدالهم بالطلاب وممثلي المجتمع المدني الموالين للحكومة. |
| |

|
|
|
|
|
|
|