|
مدوّنة لأنوار العشاق
|
جديد المدونة أحد أهم كلاسيكيات السينما الحديثة كابوي منتصف الليل جون شلسنجير دستن هوفمان جون فويت أوسكار أحسن مخرج أوسكار أحسن سيناريست أوسكار أحسن فيلم Midnight Cowboy
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: محسن خالد)
|
Reflections On "The Book of Eli" Original article by: Muhsin Khalid*
A friend posted a comment on my thread in one of the internet forums on cinematic issues to the effect that he did not like the movie "The Book of Eli". I advised him to give it another thought as I believed the movie's subject-matter is not as superficial and aimless as it might appear at first sight. As a synopsis to the movie, a man by the name Eli (portrayed by Denzel Washington) drifts non-stop across the United States from east to west in the aftermath of an apocalyptic destruction of the human civilization.While Eli is walking through total destruction, sweeping famine and enormous degradation of human beings, another man, a villain by the name Carnegie (Jerry Oldman) is searching all along for a certain book which, it is clear, is in Eli's possession. The two men cross paths and Carnegie wants the book at any price. The conflict on the book erupts between the two men. We notice that Eli (DW) is protected by a formidable supernatural power. By an invincible divine force. We also discover in the end that Eli has the book reserved in his inner recesses not as a physical belonging and that it is a sacred book. Eli, then, lies down to rest from the intensity of the pains and tragedies he has endured on his way and be able to dictate the full text of the book while someone is ready to pen down his words.This is of course after he has reached the point in 'the West' that was sought, where humanity has saved some of the books and collected a library for human heritage of all kinds. The symbolism here is clear. Christianity as a matter of history has moved to the west from the east after it faded in its native origin. It is also clear that the encoding refers to the Bible, which in fact had not been saved that way. The Qur'an is the only book that was preserved this way i.e in the hearts of believers and via auditory frequency. It is preserved this way to this day. Eli (DW) himself matches well in his skin color to Imam Nafi 'ibn Abi Naim Al-Laithi, a Qur'an reader from whom the two most important accounts of the Qur'an had descended viz. the Warch and the Qalon accounts. Imam Nafi was a black man who lived in Medina (in which prophet Mohamed sought resort from the oppresors in Mecca in the early days of his calling). Despite the fact that all sources agreed without exception as to this description of Imam Nafi, he was reported to descend from Isfahaan as if Persia (Iran of today) became, with the pride of this man, the natural habitat of the dark races, or as if we do not know where lies the geography of black people! No one, Roman or Persian, argues that Kafur, the black eunuch who ruled Egypt for two decades, was Ethiopian or Sudanese. But this Nafi, without whom the most important accounts of the Qur'an would have disappeared, is of course a black Persian! Imagine! The story told by the movie "The Book of Eli" is only valid if it were to describe the preservation of the Qur'an. One can say that it is a story that is wrongly attributed. Other scriptures will elude the provision of such preservation and recording as those which were bestowed on the Qu'ran.
Denzel with the twin directors The Book of Eli (2010) 118 min - Action, Adventure, Drama - color Denzel Washington (Eli) Gary Oldman (Carnegie) Mila Kunis (Solara) Producer: numerous producers Directors: The Hughes Brothers: Allen and Albert Hughes (also made American Pimp, Menace II Society, From Hell) Cinematography: Don Burgess Music by: Atticus Ross, Leopold Ross and Claudia Sarni
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: mustafa mudathir)
|
سلام يا محسن موضوع مثير حقاً وعمل كبير من جانبك في استقصاء أصل النزعة التوحيدية في فهم الانسان للكون وعلاقته به. وهو يصلح ك(ريفيو) راق لفيلم "أفيتر" رغم وعورته على المشاهد العدي للسينما. أعتقد أن من يقرأ مثل هذا التناول قبل مشاهدة الفيلم سيخرج من الفيلم بفهم وبصيرة جديدين. هنالك جمهور لا يستهان به يتعاطى مع موضوعات بهذه الدرجة من التفكير الفلسفي. سمح هاك المفاجأة! هذا المقال هو من صميم اهتماماتي ولن أجد صعوبة في ترجمته! وسأعود بالمزيد لك شكري على بذلك كتاباتك في السينما كمصدر لي. ومصدر هام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: mustafa mudathir)
|
سلام يا محسن موضوع مثير حقاً وعمل كبير من جانبك في استقصاء أصل النزعة التوحيدية في فهم الانسان للكون وعلاقته به. وهو يصلح ك(ريفيو) راق لفيلم "أفيتر" رغم وعورته على المشاهد العدي للسينما. أعتقد أن من يقرأ مثل هذا التناول قبل مشاهدة الفيلم سيخرج من الفيلم بفهم وبصيرة جديدين. هنالك جمهور لا يستهان به يتعاطى مع موضوعات بهذه الدرجة من التفكير الفلسفي. سمح هاك المفاجأة! هذا المقال هو من صميم اهتماماتي ولن أجد صعوبة في ترجمته! وسأعود بالمزيد لك شكري على بذلك كتاباتك في السينما كمصدر لي. ومصدر هام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: محسن خالد)
|
Quote: ظلال فلسفية للأفاتار محسن خالد
|
شكرا محسن خا لد .جهد مقدر تجميع لكم هائل من القراءات ونية حسنة جدا فى مقاربة ترميزاتها بوحى من فيلم افاتار. كاتب الفيلم ومخرجه جيمس كاميرون ( تعرض لاتهامات بانه لفح القصة من كتاب قدم له بغرض الانتاج.تغاضى عنه ثم بنى عليه قصته) سوف احاول ان اتحصل على ذلك الاصل المزعوم لمزيد من السياحة. العديد من النقاد ممن تعرضو للفيلم اشاروا للعمدية الابداعية فى ازاحة الرتابة من قيم هوليود. على كل تظل فكرة امبرتو اكو حول قصد المعنى سواء كان نصا مقروءا او مشاهدا مقبولة (احتمالية تبدد قصد النص). شكرا مرة اخرى لايقاظ فن تاملات النسج المتشابك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: EL fahal Abdelatif)
|
فعلاً مدونتك دي طابقت (يا سلام يا مصطفى) يا سلام يا رجل عقدتني عديل، قلت أجيب ليك كتابة فيلم بلم لقيتو اترجم واتعنكل بالضربة القاضية، أحيي الطاقة وحسن الصنعة ما شاء الله تبارك الله. لو أنجزت بتاعة الأفاتار ما بكون عندي أي حل غير أقعد أتم ليك الشغل فهو مبتور لو لاحظت من كسل اجتاحني عموماً. شكراً يا صديقي العزيز، في ميزان حسناتك يا عملات عصام جبر الله :)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: محسن خالد)
|
عزيزي الفحل، تحية طيبة وكتّر خيرك على بَرَد الكلمات لم يطقش أضاني مسألة التهمة هذه للمخرج والكاتب فنوِّرنا بها ما استطعت إلى ذلك سبيلا بل، الشكر لك أنت في الاحتفاء بفنون النسج المتشابك هذه ومرّات كمان النجر (أم ميطي ساكت من المادَّة -النص) حسب النجرة هذه
Quote:
في تقدير هذه القراءة التي تستنبط، وأحياناً، تصطنع ظلالاً فلسفية للفيلم! في بناء موازٍ محسن خالد |
يضحك نهارك وكن بألف خير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: محسن خالد)
|
شكرا محسن تعرف يا محسن مرات الواحد يكلفت حاجاتو على عجل ومن غير اى مبرر غير عادة العجلة. ويبدو وكما يقال:- اذا انتابك الحذر المفرط عادت اليك وخائمه. من اجمل قيم التعايش الراقى والمتكامل ان يجد الانسان من ينبهه الى خطئه.ويصوب خطئه. الاجمل ان يحس الا نسان بحاجته المستمرة للكفاءة.
سوف ارجع قريبا
مع الود والتقدير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: EL fahal Abdelatif)
|
الأصدقاء..مصطفى ، محسن ، عبد اللطيف.. حبابكم كتر خيركم على هذه المسامرات اللطيفة..
يا محسن ياخي الجهجهة حصلت (غايتو انا اظرط من اخونا عبد اللطيف)..و اخونا مصطفى القال راجع برضك ح يرجع متجهجه زينا كده.. للفائدة.. هذا ما جادت به جخانين النت..
فيلم الأفاتار:الإيربندر الأخير..في الأصل كان سلسلة افلام كرتون..و هو فيلم اطفال.. الإنتاج و التأليف (المسلسل): مايكل دانتي دي مارتينو..راين كانتوزيكو..ارون ايحاش (قاعد اقراهو هارون اعجاز).. الإنتاج (الفيلم): شركة بارامونت و شركة نيكولوديون (لديها قناة اطفال تلفزيونية)..اضافة لمانوج شيملان ، فرانك مارشال ، كاثلين كيندي ، سام ميرسير ، اسكوت افيرسانو.. المخرج: مانوج شيملان ( امريكي من اصول هندية).. الممثلين: نوح رنقر (امريكي من اصول هندية) ، ديف باتيل (بريطاني من اصول هندية) ، نيكولا بيلتز (امريكية) و جاكسون راثبون (امريكي).. التصوير: قرينلاند و بنسلفانيا.. بث الفيلم 2010..حذفت كلمة افاتار حتى لا يختلط بفيلم جيمس كامرون..
الذ ما في السنما الأمريكية..اي اسطورة حبوبتي ام سماح حجتني بيها قاعد القاها فيلم أو مسلسل..
و دمتم جميعا..
كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: محسن خالد)
|
كبّر ليك وحشات وينك يا رجل في رهاب هذه الحياة ودهسيرها أما مشتاقين غايتو أخوك انتكل على اللنك الفووق داك، بتاع سودانيات، لو رجعت ليه بتلقى أي حاجة الفيلمين ديل شفتهن بمجرد ظهورهن لأن التريلر بتاعهن كارب
http://sudanyat.org/vb/showthread.php?p=353608
Quote: يؤسفني أنني لم أرَ سلسلة الأطفال التي سبقت هذه الأفلام، ولكنني رأيتُ فيلم الأفاتار الآخر، والأيربندر الأخير هذا. العمل عناني ومسّني، لأنَّه يُعَوِّل على الثقافة الشرقية من منطلقها الروحاني بالمفهوم السائد عن الروحانيات، حاكم لدي تنظيرات جديدة لماهيّة الروحانيات الأصلية، كيف كانت، وما هو عقلي، وكيف كان في الماضي. وكما قلتَ، مما معناه، تنتهي عصور الرأسمال في المناحي كلّها، لحرب الطاقة والوقود والسيطرة، ودحرها لعداها من ثقافات الإنسانية، أو إبادتها. مثلما رأينا الكولنيل العسكري في فيلم الأفاتار الأقدم وهو يبيد شعوب الأفاتار ويجتث الشجرة "معين" الحياة، المتحدِّرة فكرتها عن الوثنية الكوشية، ليقيم مدينة الحديد والرأسمال. وهي بالأصل الشجرة المُحَرَّمة من الجنّة الإلهية التي أكل منها حواء وآدم، فطُرِدَا، وعليه فقد تأسّست الحياة الثانية هذه امتداداً لتلك الشجرة وللعنتها، والوثنية السودانية حملت مفاهيم خاطئة ما عن تلك الشجرة. وكما رأينا كذلك، أمّة النار في هذا الفيلم تبيد المونكس، أو "رهبان" الأيربندرز وتسيطر على الأمم الأخرى، لتقيم هي أيضاً مدينة الحديد والرأسمال، والكلام سيأتي فيما هو قادم لي من حديث. م. خالد
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: محسن خالد)
|
الصلاة على النبي يا محسن! جيت وجبت معاك ناس لذاذ جداُ عبداللطيف أظنك مشدوه بفكرة نقدية طاغية أنستك إلقاء التحية! سلام يا ايها الفحل ومعاك كبر الصديق الناقد منتزع الكهرمان من سحيق النصوص! يا كبر "لاوي الهوا" دا ما غباني وفرقو من شغل جيمس كاميرون ما فايت علي يا كبر لأني أول ريدي بديت في مقالة محسن المهيبة. إنتو في كدا ولا جيمس كاميرون والواد بتاع جوجل أنقروا شغالين في شنو؟ تنجيم الكواكب عدييييل كدا! شفتو الافتراء قالوا بدأوا مشروع ما ليهو علاقة بالسينما خالص. ح يمشوا يعملوا مناجم للذهب والماس (تعدين) النيازك والكواكب وحتى ديك ال" جعلانها رجماً للشياطين"! شفتو قروش الخيال لما تكتر بيبقى الخيال هو الواقع المتعيّن ذات نفسو! ودهباً يجيبوهو ناس كاميرون وجوجل منو بيقدر يقالعهم فيهو؟ المهم يا محسن صلحت ليك الاسم! وجاييكم راجع!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: EL fahal Abdelatif)
|
سلام يا عزيزي عبداللطيف شيئ مفرح أن تكون هنا! هناك متسع لك يا صديق، حتى نوع الونسة طوع بنانك! ومال إيه؟ تقعد تقوم تسأل تنوم لو حصّلت أطلب نجيب ليك النجوم هههههه والكواكب حاكم أنا جيمس كاميرون بقى صاحبي ونجمة (إن شا الله من غير ضنب) ما بيبخل على بيها!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: EL fahal Abdelatif)
|
أيا المحسن
موجود أخوك يخطف أصابعه تارة للمحبة والأشواق ولا يكفيه البتة خطفه ذا ومن ثم يلقيها كحمل ثقيل لمفرمة تكدسات العمل وبينهما أرزح تحت ضربات رغبات آخر ليس أولها أن أراك منغمساً أيضاً في نتف الخضرة عن أغصانها ههههههه وإن شاء الله تطلع بتنا نجيضة في الفرك شان ما يبقن عليك التنين تورق وتفرك ههههه
العزيز مصطفى منغمساً جدًّا في فتوحات صاحبي أعلاه وبالطبع لا تغيب من قدامي فتوحاتك أيضاً
لكما التحايا والمحبات
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مدوّنة يا مصطفى تستضيف محسن خالد (Re: بله محمد الفاضل)
|
Thank you Balla Elfadil Mohsen Is Absent Tell him I am working on his article about the airbender Meanwhile I made some changes to the ad above hope you like it
We don't need no education We dont need no thought control No dark sarcasm in the classroom Teachers leave them kids alone All in all it's just another brick in the wall All in all you're just another brick in the wall
أذكر مرة في حفل في واحد من مدرجات كلية الطب بالخرطوم غنت هذه الأغنية فرقة جاز ناشئة لا أذكره إسمها الآن. الكلام دا بعد شوية من صدور الألبوم 1979 وقبل انتاج الفيلم 1982. كنا لسع بنتغشى الحتات ديك ساكت وفاء للذكرى. والحقيقة أداء الفرقة كان مذهل والجملة الاولى في قصيدة 2-Another Brick in the Wall وهي الجزء الثاني من ثلاثية ترجمتها هي (طوبة أخرى في بناء الحائط) كتبها الشاعر الكبير وعازف البيز بالفرقة روجر واترز هذه الجملة كانت مثار كهربية وتململ عاجز وسط الجمهور (اولاد الاقاتعليم بالذات) لكن الفيلم ذهب أبعد من ذلك في نقد النظام القائم (الرأسمالية) The Establishment. طبعاً من السخرية أن نفس القرووب استثمر مسألة جدار برلين ومشوا غنوها هناك عند سقوط حائط برلين وعندي واحد صاحبي عنده شوية فلوس قال مستعد يجيبهم عند سقوط حائط الصمت بينه وبين واحدة كدا! أفكر في إيقاف هذا الخيط لانه باي ناو المهتم بيكون وضع لينك المدوّنة في مأثوراته. هيا بنا لتحديث اليوم:
Movie Critic Review: Truly a Dystopian Movie
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المدوّنة في stumble upon (Re: mustafa mudathir)
|
تدبير الإمبريالية في فيلم الخرطوم محسن خالد
طالبَ كثيرٌ من المهتمين والمثقفين السودانيين بأن تُخصَّص ميزانية لإنتاج بعض الأعمال السينمائية، خصوصاً تاريخ "المهديّة" لسد الطريق أمام محاولات إعادة كتابة التاريخ بأيدٍ أجنبية. ذلك لأنَّ هذه الأجيال الحاضرة أصبحت تعتمد على المادة البصرية وتعتقد في صحتها دون محاصصة أو مراجعة. لقد أفلح الليبيون كثيراً في توفيرهم ميزانية لصنع فيلم "عمر المختار" فجاء العرض التاريخي فيه منصفاً لحد كبير. أمَّا فيلم الخرطوم فهو نموذجٌ لتزييف التاريخ عبر الكتابة البريطانية له، وكذلك ما كتبوه عن تاريخ أمريكا وصراعهم مع الفرنسيين والبرتغاليين، وأيضاً صراعهم مع الأفارقة والدتش في حروب البوير. هذه دعوة للانتباه ولمراجعة هذه الأعمال نقدياً ومعرفياً، ولتشريح دسائسها وسمومها. ادعاء محمّد أحمد للمهدوية هو ادعاء لا يجد ما يسنده بالتأكيد، وهو باطل لبطلان المنظومة السياسية الإسلامية في أساسها المعرفي بالأصل، كما أُقَدِّر، فلا عجب حين تفشل على أرض الواقع بين يدي تورشين. ولكن هذا كلّه لا يسمح بالتجاوز في قراءة ما تم تاريخياً بالفعل. إذ نلاحظ مثلاً في فيلم الخرطوم، أنَّ معركة شيكان تتم في الصحراء بينما هي في الحقيقة قد وقعت بقلب غابة شيكان. وهي حيلة لجأ لها معدو الفيلم لنفي قدرات المهدي العسكرية وتصويره على أنه شخص محظوظ وليس كفؤاً لهم. كما نلاحظ أنَّ المهدي في حواره "المزعوم والمفبرك" مع غردون، يقول له بأنه سيقتل النساء والشيوخ والأطفال وكل روح، ما يستقصد نظرية الإسلام المعرفية ذاتها، التي تأمر بعدم التعرض لهذه الثلاثية على وجه التعيين. والهدف من ذلك هو الإلقاء في خاطر المتلقي الغربي أن هذه الشعوب هي شعوب متوحشة وسافكة دماء، فلا عجب أن تذهب لها قوات الإمبريالية في ديارها وتبيدها. كما يزعم الفيلم أيضاً محبّة غردون للسودان التي لا نعرف من أين أتت وهو قضى معظم عمره قاتلاً ومفنياً لشعوب آسيا خصوصاً الشعب الصيني الذي لُقّب به (غردون الصيني). يمكن أيضاً رؤية اثنين من الأوبجيكت التي تُنْفَى خارج مدى الفعالية من الفيلم بفعل العطش، وهو مشهد عربة المدفع التي تتدحرج وحدها وتسقط بعيداً، وأيضاً مشهد الجمل أو الناقة التي تبرك وحدها من تأثير العطش. لنلاحظ بعد انجلاء المعركة التركيز على هاتين (المفردتين المنفيتين) بفعل العطش، واستعادتهما لأجواء الفيلم من جديد. إذ تعود هاتان المفردتان مرة ثانية إلى حيوية الأحداث بعد أن يقوم أحد الأنصار باستعدال عربة المدفع المنقلبة، ويقوم آخر بمساعدة الجمل أو الناقة على النهوض. ما يستبطن أنَّ ما أخذه المهدي وأنصاره قد منحهم له (العطش) وليس كفاءتهم وقدرتهم على انتزاعه أهليةً واستحقاقاً. يتساءل الناريتر أو (الراوي) في مقدمة الفيلم، لماذا هي الأشياء في الخارج أكبر منها في الواقع؟ ليكون المدخل إلى هذه البلاد المتابع للراوي بصرياً هو التماثيل الضخمة والكبيرة الرابضة في مياه النيل، ليسأل الراوي من ثَمَّ مستتبعاً: أهذه الضخامة في الخارج دون الواقع، أهي الرؤى (visions) أم الزهو (vanity)؟ ليقرر بعدها أنَّ الرؤى دائماً ممزوجة بالزهو.. ولكن الإجابة على سؤال الضخامة هذا سنجدها في المشهد (المفبرك) الذي يلتقي فيه المهدي بغردون، ويلوح فيه المهدي كسايكوبات واضح المعالم، سأتعَرَّض إلى ذلك لاحقاً من خلال قراءة شخصية المهدي في الفيلم بأكمله. ما يهم حالياً أنَّ (قامة) المهدي الجسمانية تُظَهَّر على أنها أقصر من قامة غردون. ومعروف طول المهدي كجسد، أو كتمثال كوشي ضخم مما عزل الناريتر في مقدمة الفيلم ضخامته عن الواقع، وخَلُص إلى أنَّه نتاجٌ لخلط الرؤى الكذوبة والمريضة حالياً من شخصية المهدي، بالزهو المريض الذي يتوعد بقتل النساء والأطفال والشيوخ، لتتقاصر قامة المهدي المتوحش والمهووس أمام قامة غردون المتحضر. وهذا هو التغليب للصفات البطولية عبر الترميز المعروف في علوم السينماتوغرافي. كما شاهدناه مثلاً مع شخصية الغلادييتر لراسل كراو القصير نوعاً ما مع بقية المجالدين، أو كما شاهدناه مع سوبر مان وبات مان وهيل بوي، الشخصيات التي يُراد لها في الإسكرين بلاي أن تطغى، وهنا أرادوا لشخصية غردون أن تطغى بزعم أنَّ معها الحق في مواجهة شخصية سايكوبات تدعي الرؤية كذباً ويدفعها الزهو والغرور الإنساني غير المستحق. وإنَّه لمن المهم جداً، أن نعرف، أنَّ المهدي كان أكثر الناس حرصاً، على حياة غردون وعدم التعرض إليه بأذى. لماذا؟ لأنَّه كان يريده حيَّاً ليقايض به أحمد عُرابي الذي كان معتقلاً لدى الإنجليز حينها. فكيف لمُعدي الفيلم تسفيه كل هذا الوعي الإقليمي والثقافي للمنطقة!؟ فلا يكاد معدو الفيلم يعطون لقطة واحدة ذات مهارة أو فن للأنصار، فكل لقطة طريفة أو ملعوبة بفن من حظ الإنجليز. الذي يفتح البوابة من الأنصار، فيرشقه أحد الجنود الإنجليز من الداخل بطلقة مسدس مفاجئة وطريفة ترديه قتيلاً ومفقوء العينين، والذي يأتي مندفعاً في شكل عارٍ، كأنَّه سمكة قفزت من جوف محيط، فيلتقطه أحد الضباط بغدارته بكل رشاقة، والذي يحاول رمي متفجرات من الأعلى فيقتنصه قناص بشكل درامي مضحك للغاية. ولا تجد أنصار المهدي رغم انتصاراتهم، الماحقة هذه كلها، يفعلون شيئا واحداً ذكياً أو قتالياً محترفاً، أو طريفاً. انظر إلى أنصار المهدي في الفيلم بطوله تجدهم قوماً مندفعين ويصيحون بجنون، ولا وعي، ويبدون في شكل أقرب إلى التغييب والبهائم من شكل المجالدين المحترفين الصاحين والواعين للمعركة. أفيعقل هذا؟ ألا يوجد منطق؟ كيف هزموك إذن وانتصروا عليك؟ إن كانوا بكل هذه البلاهة وقِلِّ الحيلة! إذن أنت أبلهَ وأقلّ حيلة منهم. وما أذكى عنترة بن شداد حينما قال إنه لا يأخذ من الفرسان إلا المجالد الصنديد، الذي لا يشق له غبار في القتال. لأنَّ عنترة بذلك يحفظ لنفسه مقام الشجاعة والمهارة الأعلى من الخصم:
ومدجج كره الكماةُ نزالَه ... لا ممعنن هربا ولا مستسلمِ جادت له كفي بعاجل طعنة ... بمثقف صدق الكعوب مقوَّمِ
أو ما قاله الشاعر والمُجالد عبد يغوث بن صلاءة الحارثي، الأسير اليمني الشهير، وصاحب القصيدة الشهيرة:
وقد علمت عرسي مليكةُ أنَّني ... أنا الليث معدوَّاً عليَّ وعاديا
فهو ليثٌ إن كَرَّ على الأعداء، وليس بوسع أحدٍ أن يكرَّ عليه إلا إذا كان ليثاً مثله، نظيره، وندَّاً له. فالخلل الرؤيوي هنا والفنّي الفادح، قبل المنطقي، يكمن في سؤال ما قيمةُ الفروسية ضد مساكين وضعفاء وبلهاء!؟ فالانتصار على خصم قوي وذكي، لا يساوي الانتصار على خصم غبي وغير مؤهل، ما وجه الفَخَار هنا إن سألنا معدي الفيلم!؟ ولكن في الحقيقة هم لم ينتصروا في معركة واحدة، ولذلك كانوا يُتَفِّهُون نصر من انتصر عليهم في المعارك كلّها. فنحن اليوم في القرن الحادي والعشرين، لن نشعر بالأسف على الإنجليزي الكولنيالي الذي كان يغزو الشعوب الآمنة، ائتماراً بأمر الملكة وقوانينها، وربما نعذره من منطلق الظرفية التاريخية. ولكن سنشعر بالأسف حقاً، ونحن في عرض هذا المُستقبل كلّه، لأن هنالك إنجليزياً آخر، في القرن الحادي والعشرين، يُريد أن يدافع عن ذلك الكولنيالي المُغَيَّب. ولماذا يُوجد حتى اليوم من يدافع عن الصلف الإمبريالي بإنتاج الأفلام وغيرها من الوسائل؟ لأنَّ الكولنيالية بَدَّلت وجهها فحسب ولم تنقرض من على وجه الأرض، والمسألة لم تنته بعد لأن الأمريكان ما يزالون في العراق والصومال وأفغانستان. والإسرائيليون (النظام) صنيعة هذه الثقافة ذاتها، ما يزالون في فلسطين وأجزاء من لبنان وسوريا! فلا بُدَّ من وجود أفلام كهذا، وتحريض يتوسّل بالتاريخ الزائف للكولنيالية، يقول إن المسلمين يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ، كما لفقوا للمهدي كلاماً من عندهم ومن مبتنى أكاذيبهم البلقاء. ولنأخذ هذه العبارة المقتبسة عن لسان شخصية المهدي، المؤلَّفة بالفيلم، لنتأمَّل مدى وحشيتها ولؤمها وفجورها في التشويه. عبارة لا يمكن أن تصدر حتى عن مصَّاص دماء، ناهيك عن رجلٍ يدّعي بأنَّه مهدي الرحمة. لنقف عندها، وسآتي للمس حواف شفراتها متى ما تسهَّلت التدابير. أتمنى أن تُسمع في الفيلم مضافاً إليها نظرات الممثل الهازئة بمتعة، والمجنونة بالشر دون لبس:
Egypt opposes me, and so, the Egyptians must remain in Khartoum, for I shall take it in blood, and the street will run in blood, and the Nile will taste of blood for a hundred miles, and every Egyptian will die, every child, woman, man. Sudanese too, who opposes the will of my lord Mohammad will die. This is how it must be in Khartoum, great and terrible thing
ترجمة للعبارة {مصر تعارضني، وعليه، يجب أن يبقى المصريون في الخرطوم، لآخذها بالدم، والشوارع ستجري بالدم، والنيل سيكون طَعْمُهُ الدم لمئات الأميال، وكل مصري سيموت، كل طفل، امرأة، رجل. السودانيون أيضاً، من يعارضون إرادة سيّدي محمد سيموتون. هذا ما يجب أن يكون عليه الحال في الخرطوم، أمرٌ جَللٌ ورهيب}. اللحظة الدرامية الأعلى للعبارة، مكثَّفة في قفلتها، في الخاتمة {أمرٌ جللٌ ورهيب} فشخصية المهدي المستأجرة في الفيلم هي نفسها التي تقول ذلك. مثل أن يقول لنا الغول (سآكلكم كلكم، ههههاااي) فهي بمثابة ضحكة الغول الخاتمة هذه، ليست الشريرة فحسب، لا، بل المستمتعة بالشر أبعد من لهاتها، مستمتعة بالشر كلّه في مدى أعماقها، ومؤهَّلة لهضمه فهو خبز حياتها، وبهجتها بهذه الحياة الضارية. أمَّا المشهد البشع لدرجة أن يسبق طرافة الجحيم بأميال، هو الأُخيولة المُبتكرَة في لقاء المهدي بغردون، التقاه في مرتين أسطوريتين بداخل الفيلم، أعني ما جرى في اللقاء الثاني من وقائع جهنمية. يتماوج ضوء نار الشموع في النافذة البعيدة خلف غردون، ثم ينتقل المهدي إلى مكان أخفت إضاءة، لتصبح الخلفية وراءه أكثر عتمة. يتحرَّك كادر إضاة إضافي، بمشعل جديد وخافت تترَدَّد أضواؤه عِدَّة مرات على ظهر غردون في اللحظة التي يتحرَّك فيها المهدي. حينما يتواجه الرجلان، يصبح بذلك الشق الأيسر من وجه غردون منيراً في خفوت طوال باقي المشهد. بينما يبقى الشق الأيسر من وجه المهدي، الذي يعطينا ظهره، منظوراً خشناً في العتمة مع صوته المبحوح بتوعداته الشريرة. يتم ما أُسمّيه تكنيك التقزيح. هل رأيت كيف تكون صفحة السماء حانية، مهيبة، ورحيمة في تأثير بليغ على الروح، حينما يُبَلِّلها ماء المطر فتحنو حتى تنتج لنا ألوان قوس قزح!؟ نعم، يبقى وجه غردون مُعلّقاً في فضاء المشهد، متقزِّحاً، يُشابه تلك الأيقونات الفنية العظيمة، على جدران الكنائس المهيبة، للصالحين من رجال المسيحية. والمهدي، يستلم نيشاناً آخر من العتمة الشيطانة في ذهنية الغربي، علاوة على نياشين سمرته، ومادة الشر والوعيد التي يتفوَّه بها بلا انقطاع. هذه التوطئة البصرية تتم لكي يزيحَ المهدي، بعدها، غطاءً عن جَرَّة تقطر دماؤها، بوسط مَضْيَفَتِه التي يستقبل فيها ضيوفه ومريديه. ثم يُخْرِجَ رأساً بشرياً مفصولاً عن جسمانه، ويسأل غردون بشماتة وطريقة لا تصدران إلا عن نفسٍ يقوم شَرُّهُا في مَراقٍ عالية، أعلى من منزلتيْ الخسَّة والوضاعة بسماوات: {أليس هذا بالرجل الإنجليزي الذي كان اسمه فرانك بَوَر!؟}، ثم يُغلق تلك الجَرَّة المغطاة بالخيش ويفتح أخرى، ليستل منها رأساً بشرياً آخر معزولاً عن أوصاله، ومقطوفاً عن جسمانه، ويسأل من جديد {أليس هذا بالرجل الفرنسي الذي كان اسمه إيربان!؟}. ولا تكتفي هذه الأوفر أسطوروكوميك لدى هذا الحد، لا وهيهات، يفتح المهدى لمرَّةٍ ثالثة جرّةً جديدة، وينخل منها يداً مبتورة عن ضحيتها الهالكة. هنا، تتصاعد الموسيقى الخلفية، المشجونة بلوعة فتَّاكة، فيما يَرثي المصير البشري إجمالاً من هذا الوحش. نعم، لأنَّه ستكونُ هناك أحزانٌ تفيض على مصائر قاطني السودان، فهم بالأصل سيهلكون جميعاً على يديّ هذا الطاغية المُتَجَبِّر. مشهدٌ غرائبي بالفعل، تتواتر فيه الأحداث وتتأسطر كما يحدث في أدب الميرابيليا تماماً، وبيوت السعالي والغيلان والصَّفَر والهَام، وكل كائنات الهلام آكلة البشر. وقبل أن يتم إغراق المشهد كليَّةً في الانحياز المُرتّب، بعرض وجهي الرجلين والتركيز على ما حَلَّ بهما من نتائح الحوار، أي في اللحظة بالضبط التي يناول فيها المهدي اليد المبتورة لغردون، وقبل أن يفرغ من عرض مقتنيات متحفه للأوصال بهنيهة تقل عن ثوانٍ. هنا، تبلغ الموسيقى التصويرية ذروتها، وتقذف بلعناتها على هذا الوحش. وذلك بأن يتم إسكات آلات النفخ -إلا في مؤخرة كل مقطع، لأجل تضخيم الإحساس بالبشاعة- بينما تسيطر الآلات الوترية على الأذنين، فهي حادَّة وطاعنة، كما الغدر من خنجر المهدي، قاتل الرسل ومبلغي البريد، الذين لا يُقْتَلون، كما جرى العهد والعرف، في كل الأمكنة والعصور. بعدها مباشرة يرتفع الوجهان لمواجهة المُشاهدين، ويتم التركيز عليهما، كي يصل المتفرِّج إلى خلاصات نهائية من خلال ما حلّ بالوجهين. بالطبع بعد رؤيتنا لمقتنيات متحف المهدي للأوصال والأشلاء. فيجد المشاهد أنَّ وجه غردون، أيقونة الكاتدرائيات العظيمة والنبيلة تلك، ما يزال وجهُهُ النوراني مُعلّقاً في فضاء المشهد، متقزِّحاً، هذه المَرَّة، بمطرٍ حقيقي من دموعه الحانية والرحيمة، لا بالضياء ونداه الإنساني فحسب كما في السابق. وفي مسحة من التأثُّر القوي والشفوق على تلك المصائر البشرية التي يملأ بها المهدي جِراره، وسيملأ بها شوارع الخرطوم مستقبلاً، حتى يطمي النيل بالجثث. بينما نجد أنَّ المهدي قد تصالب كلّه في جمود، بصفحة وجه تمثالي، شيطانة العتمة كما في الميثولوجيا الغربية. كحال تلك التماثيل المزهوَّة، التمساحة بربوضها في مياه النيل، مما تابَعَ صوت الناريتر في مطلع الفيلم. خذوا إذن، هذا هو المهدي، وجهه لا يحدّق بل يفتك، من خلال نظرة مستقيمة مثل مسمار لامع، نَفَّاذةً وخارقة، إذ يدفعها تركيز غول ثبتت عيناه في محجريهما حتى صارتا لجارح لا بشري. وهذا التكاتف الملحمي كلّه، للصور، والإضاءة، والموسيقى، ومادة الحوار الوحشي، والأدوات العجيبة، والموحية، من جرار تملأها الرؤوس ويغطيها الخيش، وأنهار الجحيم التي تسيل لمئات الأميال بطعم الدم، هذا كلّه ذروته هي اللحظة التي يُفرِد فيها المهدي لغردون كفيه المرتعشتين من الرحمة، كي يناوله يداً مبتورةً عن ضحيتها، بينما يسأله: Is it not your honouring? تعال لتشريفي، تعال إليَّ إذن يا غردون، أنا كاهن الموت ورسوله الأعلى، لأُبَصِّمَك وأُوَسِّمَك بالدم، مُقَدَّماً، ومنذ الآن. والإشارة المدفونة تحت سطح مشهد اليد المقطوعة، علاوة على نقد الشريعة الإسلامية في قطع الأيدي والأوصال، هو الدور السري للمشهد، الذي يتكشَّف لاحقاً. حينما يُلَيِّثُ المهديُّ بدماء تلك اليد المقطوعة يديَّ غردون ويلطخهما، مع تقطيبة وحش طبعاً. وللطرافة يناوله بعدها منديلاً كي يمسح الدم، تخيَّل! الوحش يناول منديلاً، هااه، هذا عنوان فاره لمسلسل رومانسي، رمضاني، وأشدّ فراهة! بأي حال، معروفٌ عن غردون أنَّه كان مسيحياً متديناً، فالمُراد بذلك تثبيت أنَّ المهدي قد "عَمَّد" الشهيد غردون بالدم، مثلما فعل اليهود بمسيح الناصرة. فيكون غردون بذلك مسيحاً آخر، ما دام أنَّه قد فشل في أن يكون مندوباً ناجحاً لإمبراطورية لا تغرب عنها الشمس. فالحقيقة المُرَّة بالنسبة للإنجليز أنَّ بالونة مقولتهم هذه قد نفَّسها لهم المهدي. الذي لم يخسر ولم يتعادل في أيَّة معركةٍ خاضها، كلها انتصارات ساطعة ضد الأتراك. وضد تحالف الأتراك، ومصر التركية حينها، مع هذه الإمبراطورية، ذاتها، التي لا تغرب عنها الشمس. فالحوار المتقاتل بين المهدي وغردون، مما قبل أن يعرض علينا المهدي متحف مقتنياته من الأوصال وإسبيرات "البني آدمين" تلك، كان قد انتهى إلى تقاتل حوار ديني بحت وصريح، يُؤَسِّس لمسألة تعميد غردون هذه على أكمل وجه ووضوح. إذ يضع غردون نفسه في موضع خادم لتعاليم ربِّه، حسب ما جاء في الحوار، وفي المقابل يكون المهدي أيضاً خادماً لتعاليم ربِّه. ليقول غردون بعد أن يتحدَّث عن مائة ألف مقاتل للمهدي سيدخلون الخرطوم ويحطمونها بتلك الوحشية، المُخترعة، التي بيّناها سابقاً. إذن حينما يحدث ذلك، فــماذا!؟ يسأل غردون: Who will be remembered from Khartoum, your God or Mine? من الذي سيُذْكَرُ "بمعنى يبقى" من قِبَل الخرطوم، إلهك أم إلهي؟ فهنا تتم الإحالة، لهذه الدماء كلّها، التي سيأخذ بها المهدي الخرطوم، والتي سترمح في الشوارع، وتجعل من النيل نبيذَ دراكولات أحمر لمئات الأميال، ودماء الأطفال والنساء المتحولين تحت سنابك الخيل إلى معجون طماطم، هذا الاختلاق كلُّه، لا يحال إلى تسبيب سلوك فردي يخص المهدي المتوحش والسايكوبات، أبداً، بل يُحال إلى إله المهدي، ودينه الإسلام. حقيقي رفاقنا من العلمانيين الغربيين، الذين ينتجون مثل هذه الأفلام، التي تدعم حيزة الإثنيات والديانات والأقاليم، يحتاجون إلى تربية وإعادة تأهيل، تخلصهم من هذه الردَّات المعاصرة. لقد أعجبتني بالفعل، الكثير من مكوِّنات الفيلم الفنيَّة من ناحية منظورها الفنّي البحت. وما أضرَّ به إلا الانحياز السَّاذَج والفكاهي. فالكذب مادَّة فكاهية فاشلة بالأساس، وليست من جنس قِوامة النجاح في ذاتها، كي تُنْجِحَ غَيْرَها. لورنس فَنَّان كبير، ونابه بالفعل، وإن بحثت عن مقدراته الحقة، ستجدها في أدائه لمجموعة من الأعمال السينمائية المقتبسة عن مسرح شكسبير. ولكن دوره هنا كان مقيَّداً بالحماقة المحدودة والمرسومة على طول الفيلم لشخصيَّة المهدي. وأوسَعَ هو أيضاً من رقعة بلاهتها الحوارية بالمبالغة في التجسيد. ما حَوَّل الفيلم إلى مسرح بشكل جليٍّ. انظر مثلاً إلى آخر لقطة خاتمة للفيلم من الجزئية التي أمامنا أعلاه. بعد أن يُهَلِّل أنصارُ المهدي المزعومون أمامه ويعرضون. بينما يُفْتَرَض لرأس غردون أن يكون منشوباً، ومصلوباً كالمسيح، على رؤوس القَنَا وسونكيّات البنادق التي يعرضون بها. رأس غردون لا يُظَهَّر على الرماح، من باب تكريمه قطعاً، كما تفعل السينما المصرية مع وجه علي بن أبي طالب مثلاً. تأمَّل الكذب، ومناصرة تاريخ الكولنيالية البائس، كيف يجعلان فنّانين غربيين، عِلْمانيين، من هذا العصر، يتقاطعون مع رؤى العالم الثالث -كما يزعمون هم- تجاه الفن والمقدَّس! قلتُ إنَّها ردَّة علمانية معاصرة. المهم، يتلجلج وجه لورنس على نحو مُسرف، وترتعد معالم وجهه بشكل أوفر دووز. ليصيح بعدها: Take it away أبعدوه عنّنني، أبعدووه، بصورة مسرحية فكاهية، مائة بالمائة. مع موفمنت يتدلَّى فيها فَكُّه الأسفل ويرتخي بسماجة، كأنَّه بعير سقوه ملحاً لأجل بيعه وهو منتفخ ومتورّم بالكلور. حقاً تكون هذه الجزئية من المشهد بمثابة الإلكتروليزا، الأداة أو الطريقة التي تستخدم في الكيمياء لاستخلاص أو فصل بعض العناصر عن مُركّباتها. فوجه لورنس المتورِّم بالكلور، جَرَّاء مقتل غردون وحمل رأسه على الأسنَّة، قد عُزِل تماماً عن كلّ مركّبات الشخصية الأسطورية لغول المهدي. من تمتلئ الجِرارُ في مضافته بالرؤوس المقطوعة عن جثثها، مغطاة بالخيش الكوشي، والأيدي المقطوفة عن ضحاياها. لقد أحال لورنس المشهد، عبر وجهه المُتَكَلِّر ذلك وساقط الفك. وبكثرة تهويله، وإسرافه، إلى نقيض فكاهي سَمَّم الحصيلة المَرجوَّة من المشهد. لأنَّ الكلور، لو كنا نذكر، مفيدٌ حينما نحرّره ونعزله بالقدر الذي لا يذهب به أبعد من تطعيم الساندوتش، وإلا تحوَّل إلى غازٍ مُصْفَرِّ الخضرة وفتّاك. فزوم الكاميرا السينمائية المستدير والمحدود، لا يحتمل حريّة فضاء خشبة المسرح، ولا حريّة حركة الممثل عليها، ولذلك المسرح أعظم. فأنت تجد فيه مادَّة الحياة كما عبأها الخالق، وليس ككبسولات من مادَّة الحياة كما تسمح بتعبئتها الشاشة. أمَّا خلط تقنيات هذا بتقنيات ذلك، إن لم يتم بوعي كامل لهذه المسألة، فهو الحماقة من ذَنَبِها إلى قرونها. ذات الحماقة التي ارتكبها بيترسون Wolfgang Petersen في فيلم طروي، إذ جعل براد بيت "أخيل" يصيح بشكل هيستيري، ملحمي ومسرحي يوناني. حينما جاء قاصداً منازلة هكتور، وأخذ يصيح فيه من أسفل أسوار طروادة بتوتر وهيستريا مبالغ فيها. لا يمكن أن تُبْتَلع مطلقاً، لا فنيَّاً، من ناحية السينما أعني. ولا رؤيوياً، لكون "أخيل" الذي كان يصيح بكل هذا الانفعال هو في الحقيقة بطلٌ أكبر من الانفعال، لأنَّه يعرف أنَّه يقتل من يُريد، فرباطة الجأش والغضب الفاتر به أحرى. بيترسون فعل ذلك كي يُبَرِّر قتل أخيل لهكتور أخلاقياً، بأنَّه محموق جداً جداً من حادثة قتل قريبه. فتأمَّل! وكذلك تأمَّل، انتفاضات وجه لورنس هنا، حتى تهتز لها عِمَامتُه. ومن خلال أداء تعبيري تمرق روحُهُ كُليَّاً، وتتناقض تماماً، مع روح الوحش الذي كان يعرض علينا مقتنيات متحفه من الأوصال والأشلاء قبل قليل، مستمتعاً ومتشفياً، لآخر مدى بحوزة المرض الضاري. فمالِ لورنس لدى هذه الجزئية، يحشر شططاً مسرحياً بائساً، لا علاقة له مطلقاً بروح أو طبيعة السينما: لقد حَرَّمتُه، حرررررمته، آهـ..أأه، I forbid it حَرَّمتُه، أآآ أآآ يعني بذلك قتل غردون. مبالغات أدائية من لورنس لا ضرورة لها، ولا حاجة. في وجود كوادر مدجّجين بكاميرات للسينما، أشطر من رقيبٍ عتيد. وبوسعهم صناعة مسلسل كامل من اهتزازات شعرة باهتة وواحدة فقط على حاجبك. فبمسرحة لورنس الطائشة والفائضة هذه، انزلقت منه شخصية المهدي في زوائد كثيرة ومبالغات، حركية، صوتية، وتعبيرية دائرية، لا داعٍ لها. فلو أنَّهم قَوَّلوا المهدي -كما قوَّلوه إفكاً من قبل، ح يحصل شنو يعني!؟- بوضع عبارة راكزة على لسان المهدي، طبيعية ومنطقية. يمتدح فيها غردون بشكل شبه مُباشر، ويتماشى مع روح الوحش، المتحدِّية، التي صوَّروه عليها بطول الفيلم. كأن يقول المهدي مثلاً مع مسحة تأثُّر قليلة وغير متكلّفة: كنتَ خصماً لئيماً ونِدَّاً جَبَّاراً يا غردون، أعترف لك بذلك، ولكن قوود باي يا خواجة ويا استعمار. لأدَّت لهم هذه العبارة المصداقيَّةَ الفنيَّة أوَّلاً، قبل التاريخية، ولكالت لغردون أضعافاً مضاعفة مما قصدوا تحميل بعيره به، من خلال تهريج لورنس. وعلى عكس لورنس، جاء أداء هيوستن رصيناً، ومحكماً غاية الإحكام، مُعَبِّراً ودقيقاً على مقاس النأمة، والإلماحة، دون تهريج أو تقتير، ما يجعلك فعلاً تحب عمله وتقول مع نفسك Good Job يا رجل. انظر إلى أحد المشاهد المهيبة والعظيمة لهيستون في المقطع أعلاه. الذي يبدأ، بالتنغيم الشجي، والزافر لوعةً كابية للموسيقى. من أجمل اللحظات الموسيقية في هذا الفيلم لحظة بداية هذا المقطع أعلاه. توطئة صوتية حزينة للغاية، تُصوِّر الموقف الحرج الذي فيه غردون ورجاله. تعقب ذلك لحيظات غردون وهو يختبر آلات حربه. نراه يُحَرِّك مَنَفِلَّةَ المدفعِ للتأكد من صلاحيتها وجاهزيتها. لاحظ لفتنة الحكمة، في الطريقة، التي ينفّذ بها هيستون حركاته وخطواته. تأمَّله كيف يتحَرَّك بفتنة للحكمة، فهو حكيم الجيش، وللقيادة الثابتة، فهو الرجل الأوَّل، ويُحتمى بثباته حين يحمى ا########س! أشبع عينيك من تنفيذ هيوستن لهذا المشهد. كي تلاحظ التعثُّر الخفيف لِرِجْلِه، تَعَثُّرٌ يشبه الخطو، فوق سيبيا المدفع غير المنظورة في المشهد، قبل أن يصيح الجندي محذِّراً. هذه إضافات هيستون، فهو فنّان كبير بالفعل، ويستطيع أن يَنْفُذَ بروحه عبر التاريخ ليبتكر حركة خطو متعثّرة، جميلة وذكية كهذه. فهنا يتعثَّر تاريخ الرجل الذي فَتَكَ، قَدْرَ ما مكّنته القدرةُ، بالروس والصينيين. الضابط الإنجليزي العظيم الذي تعامل مع حصار سيفاستوبُل Siege of Sevastopol في روسيا، ها هو يتعثَّر في حصار الخرطوم. هناك أيضاً مَدَّد الإنجليز، أعني ورثة الإمبريالية منهم، مدَّدوا أكاذيبهم وافتراءهم على التاريخ، ولكن يُوجد مؤرِّخون لا عدّ لهم، كما يوجد كتابٌ مستلهمٌ من الحصار، للكاتب الروسي ليف ليو تولستوي. يتفقَّد غردون مدافعه من هنا، ثم يخطو فوق المدافع فيما يشبه التَعَثُّر الخفيف، بكل ما في ذلك من كنايات وإشارات مدفونة لفارس يخطو فوق المدافع، كي تتلو ذلك مباشرة صيحة الجندي من أعلى الطابية: Sir, the river النهر يا سيدي. يلتفت غردون ناحية النهر إثر تنبيه الجندي له، ثم يدخل علينا مباشرة، المشهد المهيب، للسفن وهي تملأ النيل، مشحونة بالبواسل والمجالدين والفرسان، متجهة إلى حيث طوابي غردون الحربية بأمدرمان. أجدُ المشهدَ أمضى عظمةً من مشهد المراكب، وهي تدخل إلى طروادة في فيلم بيترسون. فعلاوة على فارق الزمن، وقِدَم فيلم الخرطوم، فبيترسون نَفَّذ مهمّته بالكمبيوتر، من خلال تضخيم عدد السفن بمحاكاتها، ظلالياً، أو بواسطة الأنيميشن. هنا المشهد حقيقي مائة بالمائة، مراكب مستأجرة، وكومبارس، تعب وتخطيط لجانب النهر، وقيادة تصوير عبر اللاسلكي.. إلخ مع التفاتة غردون بالضبط، لاحظ للموسيقى، يقوم المخرج باستخدامها، في شطر المشهد إلى قسمين تماماً كأنَّه استخدم نصلاً. شِطْرُ المشهد ما قبل ظهور السفن، وشِطْرُ المشهد ما بعد ظهورها. وذلك بأن تختفي اللحظة الموسيقية المؤسِّية وذات الشجن فجأةً، ويدفع بجموح طاغٍ للموسيقى، كنمر تندهسُ الغابةُ أمامه، بالنذير والوعيد، وبالموت المطوِّف في الأرجاء. ولا يخلو المشهد من صوت الموسيقى المتوعِّد، إذ تخفت.. تخفت، كي يُمْلأ هذا الفراغ الصوتي، وأيضاً فجأةً، بالتهليل والتكبير وزعيق جيش المهدي الذي يتفجَّر عن البريَّة كلها والأكمات. استخدام بارع للأصوات في التمثيل مع الناس. ولا يتوقَّف هذا الاستخدام هنا، وإنَّما يتتابع بأن تُبَدِّل الموسيقى جلدها بآخر، وهو صوت اليأس هذه المرَّة. يتمَدَّد اليأسُ ثعباناً ضخماً مما يُسمَّى بـ(الأصلة) في الثقافة الكوشيَّة. وتستمر نغمات اليأس الفاترة، وهي تخالجها صيحات التكبير والتهليل البعيدة، المتدفّقة عن الأجمات والبراري لجيش الأنصار. لا مخرج إذن، الغيلان أتت، بحراً وبراً، ومن كل فجٍّ، وما هي إلا هنيهة ويمتلئ الجو بالجوارح الباحثة عن لقمة عيشها. ليقول غردون نتيجة كل هذه المرارة التي تقطر من أي ثقب في السماء: So? In real {إذاً؟ في الحقيقة}. ما هو (الشيء) الذي في "الحقيقة"؟ المقصود بذلك ما دار في الحوار بينه وبين المهدي من وعيد، وأنه -المهدي- سيدخل الخرطوم بالدم وسيفعل ويفعل، ها هو الأمر قد تَحقَّق، وصارت له قدمان يخطو بهما في عالم الحقيقة..إلخ (سو؟ إنْ ريال)، ويلتفت هيستون مُباشرة، ليصنع حركة أخرى عظيمة وأنيقة. حينما يدفع بيده لإصلاح زرار بِزَّة الضابط الذي يقف لجواره، ما يعني رباطة الجأش وانضباط غردون كعسكري عظيم، بوسعه أن يهتم بأمرٍ تافـــه كهذا وسط ذلك الموقف العصيب. لاحظ التعبير الذي يؤدِّيه بفمه قبل أن ينصرف. غاية في الكمال "الحركي"، يتمّمها صوته المتحسِّر على ضياع المدينة لا ضياعه الشخصي، من قوله: All right then, gentlemen حسناً أو (فليكن) إذن يا سادة. ما يعني، إنَّها مصائرنا وأقدارنا وسنواجهها كمقاتلين وجنود. حقيقي أدَّى هيستون دوراً عظيماً في الفيلم، ولو كنتُ أمتلك أوسكاراً لمنحتُه منها دستة. انتصر بعظمة أدائه التمثيلي المُحْتَرِف على نهر كامل تملأه الفُلْك المشحونة برجال الجحيم، وعلى مدى كامل يتفتّق عن جِيَاد وراجلين ومجاذيب وثوَّار بلا حد. ونجح تماماً بتعابير وجهه في أن يَجُرَّ الأحداث من هذا الموقع الدَّاعي للشفقة الراثية (الشفقة الراثية: Pathos) كما يقول عنها المُعَلِّم نيتشه في كتابه "عدوُّ المسيح". بعد أن يُعَرِّفها ملفوفة باللاهوت ومسماة بالإيمان هكذا: {إغلاق الأعين دائماً عن كلّ ما يقابلها حتّى لا تعاني من رؤية الباطل الذي لا يمكن أن يُعَالج}، عدو المسيح. لقد عالج هيستون بعظمة تمثيله، باطلَ الإمبريالية الذي لا يعالج، ولا يمكن الدفاع عنه. مهارته وذكاؤه مكّناه من تحويل مفاجر ومقابر الاستعمار كلَّها، إلى (أسى) على مدينة يُريد لها غردون أن تنبت وتُثمر بالخير كما يفترض الفيلم، بينما يُريد لها أهلها أن تنبت على أيديهم هم، وإلا سيكون طَلْعُهُا الزُّقُومَ. ما حقنوه من بشاعة صورية، في مشهد المهدي مع غردون، وهو اللقاء المختلق الثاني له بالمهدي. يجعلك تسأل نفسك، يا تُرى متى شاهدت شيئاً طريفاً كهذا من قبل؟ عن نفسي شاهدته في فيلم الغلادييتر حينما صوروا الأمازيغ المغاربة، بذات الطريقة التي يستخدمونها الآن مع المهدي. وتبدأ المعركة بأمازيغي يشرب الخمر في جُمْجَمة الرسول الروماني. فالكَذْبَةُ هي أنهم جعلوا القيصر المتخيَّلة حياته في الفيلم، ماركوس أورليوس، وهو حاكم وفيلسوف إغريقي معروف وحقيقي، يرسل رسولاً إلى الأمازيغ كي يفاوضهم، فيقتلونه لأنهم "برابرة". كما أطلقت روما هذا اللقب "برابرة" على كل ما يقع خارج حدود أسوارها، ليكون مرادفاً لمعنى "الوحشية والهمجية". فكلمة برابرة مفردة صراع حضاري ذميمة يجب أن لا نستخدمها اليوم. تطابق بالضبط مفردة "إرهابي" المعاصرة، التي يريدون إلزاقها بكل ما هو شرقي أو إسلامي تحديداً. فالمهدي في فيلم الخرطوم غولٌ، ومصاصُ دماءٍ أسود، تملأ مضافتَه الجرارُ الملأى بالرؤوس المقطوعة، كما يتوعَّد بقتل النساء والأطفال وكل روح. والأمازيغ في فيلم الغلادييتر، مثل أخيهم المهدي تماماً، يشربون خمورهم في جماجم الرسل ومبلغي البريد، الذين لا يُقْتَلُون، كما جرى العهد والعرف، في كل الأمكنة والعصور. والإيرانيون في فيلم 300 "يُطابق العدد بالمناسبة عدد الرجال الذين كانوا مع عبد الله ود سعد ضد محمود ود أحمد" جاؤوا لمقاتلة الإسبرطيين بجيوش العالم السفلي، والميرابيلي، بمخلوقات عجيبة مكوَّنة من كائنات بحرية وأمساخ، حينما تهجم في المعركة ينحشر الأطفال والنساء بين فرقات ظلوفها وثناياها، بينما تعدو بهم هي في الهلكة. في فيلم الجندي الأمريكي الذي مات صديقُه بسببه، نجد إرهابياً مسلماً، لا ندري أهو فلسطيني أم مصري، لأنَّه يستخدم اللهجتين في حديثه، ممن كانوا على ظهر السفينة، بينما هم يهرِّبون الصورايخ ليلاً. نجده يهدد الأمريكان الذين هاجموهم على ظهر السفينة بنسف رأس أمه برشاشه لو اقتربوا منه، فينقذ الأمريكان العالم الغربي البرئ من رجس الصواريخ بقتل هذا الإرهابي الذي سيستخدمها فحسب "ولا يقتلون أنفسهم بحسبانهم صانعيها"، وكذلك ينقذون أمَّ الإرهابي المسكينة من الموت على يدي هذا الابن الغول. هذه هي الصورة التي تُرَوَّج عن الشرق في إطلاقه، وعن المسلم في تعيينه. والتي يُراد لها الانطباع في أذهان العالم. لكي تلاحظ بعد ذلك أنَّ كل ألعاب الكمبيوتر العنيفة، تُصَمَّم اشتباكاتها في الشرق الأوسط، هذا لكي يجلس الطفل الغربي البرئ الساعات الطوال أمام الكمبيوتر وهو يقتنص الإرهابيين في العراق وفلسطين والصومال والسودان، فهم يُسمّمونه أو يعدّونه، منذ اليفاعة عبر هذا التلقين، للانحياز ضد هذا الشرق الدموي والأسطوري المجنون. (شركة Gameloft تستحق منتجاتها من الألعاب الدراسة بالفعل، لمن يرغب في موضوعة دراسة جادة للغاية). ما يُزْعَمُ بأنَّه الحضارة الغربية قام أبداً، على الغزو والسبي والتمدد السجالي في الحدود، ومع ذلك فهم المتحضرون وغيرهم البربر وسفكة الدماء، والمتوحشون! والبربر لفظ اخترعوه هم قديماً -كما بيَّنا- لكل ما يقع خارج أسوار روما، فتأمَّل. فإفريقيا، أبداً، لا تقوم في المُخَيِّلة الغربية، إلا على كونها مكاناً متوحشاً، والناس فيها من آكلة اللحوم البشرية وشُرَّاب نخب الدماء في الجماجم. علماً بأنَّ إفريقيا المسكينة هذه، غالباً تكون في موقع المدافع الذي يرد الهجمات الغربية. وحسب ما جاء في الكتاب المقدَّس: {يثير المحاربون السود القادمون من أرض كوش الهلع -سفر الملوك} Ku####e. اللهم إلا نادراً في تاريخ الممالك، القديمة جداً، حينما قام ملوكٌ وأباطرة أفارقة بغزو الغرب، منهم على سبيل المثال، أجداد هذا المهدي الذي يستهترون به، فالمهدي "كوشي" بتسمية التاريخ القديم، و"نوبي" بتسمية التاريخ الحديث. وأجداده هم الملوك "أماني بَيَّا" المعروف بـ(بعانخى) أو صنوه "تهارقا"، الذين عُرفوا في التاريخ بـ"الأسرة الخامسة والعشرون"، وبملوك الدنيا، راجع قسمهم بمتحف التاريخ المصري، أو متحف التاريخ السوداني. وهذا حدث مما قبل المسيح بعشرات القرون، فتأمَّل! نعم، تأمَّل هذا الحيف والتحامل من مثقفين علمانيين يقيمون بالقرن الحادي والعشرين! عندما تهجم جيوش المهدي على المدينة، لاحظ لكون ضرب مدافع الإنجليز كلّه يصيب خيَّالة الفرسان الأنصار وراجليهم. وفي اللحظة التي يستعدل فيها الأنصار مدافعهم ويوجّهونها نحو غردون ورجاله، أوَّل قذيفة عاتية منها تصيب "البنيان والعمران" فتهدمه. والهدم هنا ليس هدماً سوريالياً لأجل ابتداع الواقع من جديد، أبداً، هو كناية عن كون الغربي المتحضِّر يبني، وهؤلاء الرعاع، الأوباش، يهدمون. وقبل الإحالة إلى الناريتر، كي يؤكِّد على هذه القراءة شفاهة، أحب تثبيت ملاحظة أن غردون، حينما دخلت جيوش المهدي "الرعاع" إلى باطن قصره، أمدَّه مساعده خليل بسيفه، فتركه غردون وأخذ العصا، ليهش بها على غنم الأنصار كما يبدو التأويل. الطريف أنَّ الأنصار لم يتراجعوا من المدافع بالخارج، التي كانت تحصدهم بجيادهم دون رحمة، ولكنهم تراجعوا من وجه غردون بعصاه. هو في أعلى السُّلَّم وهم يتراجعون من عصاه في قاع السُّلَّم، تحته، أسفله، أوطأ منه، هل تلاحظ الكنايات المُضْمَرة!؟ كنايات أنهم، أسفله، وأوطأ منه، بدأنا ملاحظتها منذ قامة المهدي التي هي أوطأ من قامة غردون، وهنا في مشهد السُّلَّم، وحتى نأتي لقراءة تمثال غردون وهو على جمله أو ناقته، والشعوب السودانية كلّها أسفله، عاين خاتمة الفيلم. لقد اكتظ حقاً هذا الفيلم بالواقع الفكاهي والميرابيلي، فالرجال الذين كانوا في قاع السُّلَّم الإمبريالي وتراجعوا أمام عصا الإمبريالية، هم فعلاً الرجال الذين نجدهم حتى في مذكَّرات الإمبريالية الواقعية (أشجع من مشى على ظهر الأرض، عبارة شهيرة تحتاج للتقصي). إذ هم أنفسهم الذين قال عنهم ونستون تشرشل، الذي كان مراسلاً حربياً في السودان قبل أن يصير ما صار إليه، من رئاسة وزراء لبريطانيا وحائز على جائزة نوبل، فتأمَّل الغزاة وهم يحصلون على جوائز نوبل للدنميت وليس السلام! قال تشرشل في كتابه "حرب النهر: The River War " بعد أن تحدَّث عن الأرومات السودانية، الأصول، والعِرْقات، التي تُكَوِّن الإثنيات السودانية، والتي رآها في أرومتين. هما الأرومة الكوشية التي أسماها بالزنج ووصفها بأنَها أسود من "الفحم"، لاحظ للتعبير الفكاهي (العنصري) الناجم عن الميثولوجيا الغربية في رؤية السواد، والأرومة الأخرى هي العرب المستوطنون في السودان. ويُثبِّت تشرشل نفسه الصورة النمطية للإفريقي بشكل عام، وللأسود بشكل خاص، ويقول حَرْفياً وهو يصفهم {كما يمكن أن نتخيَّل}، طيِّب، من أين تستمد خيالك هذا يا مستر ونستون؟ بالطبع من البربرية، فالوعاء واحد، وهو إفريقيا. ومن المُخيِّلة الغربية الجمعية لكل ما يقع خارج أسوار روما. ولم يفته بتاتاً أن يُقَرِّب صورة الأنصار، بعرضهم على ضوء نظرائهم، وأهاليهم، من "البرابرة" ومقارنتهم بهم، على ضوء هذه المُخيِّلة ذاتها. باعتبار أنَّ دعاية البربرية قد أصبحت استاندرد أو معياراً يقاس عليه، كما أصبحت حقائق ثابتة في المُخيِّلة الغربية ويا للأسف! ورغماً عن ذلك، نجد أنَّ تشرشل يستحي عن وصف تكوين الأنصار، الكوشي العربي، بالجبن، وإنَّما بـ(القوَّة والرجولة والحسم وبالشجاعة والنزاهة)، هذا من خلال الشتائم الإثنية والدينية الكثيرة التي يقع فيها، ومع ذلك، هو ينفي عنهم هذه الخِلَع واللبوسات التي ألبسها لهم الفيلم من كونهم يمكن أن يتراجعوا أمام عصا غردون، وإليك قوله كاملاً، من كتابه حرب النهر:
The Soudanese are of many tribes, but two main races can be clearly distinguished: the aboriginal natives, and the Arab settlers. The indigenous inhabitants of the country were negroes as black as coal. Strong, virile, and simple-minded savages, they lived as we may imagine prehistoric men--hunting, fighting, marrying, and dying, with no ideas beyond the gratification of their physical desires, and no fears save those engendered by ghosts, witchcraft, the worship of ancestors, and other forms of superstition common among peoples of low development. They displayed the virtues of barbarism. They were brave and honest
They were brave and honest كانوا شجعانَ ونزيهين
ترجمة للعبارة: {السودانيون هم من قبائل عديدة، ولكن هناك إثنيتين يمكن تمييزهما بكل وضوح. السكّان القدماء (أو البدائيون، إن شئتَ ـ م. خالد)، والعرب المستوطنون. سُكَّان البلد الطبيعيون من الزنوج، سودٌ كما الفحم. أقوياء، رجوليون وحاسمون، خفيفو العقل وبدائيون. يعيشون كما يمكن أن نتخيّل، مثل إنسان ما قبل التاريخ.. يصطادون، يحاربون، يتزوجون، ويموتون دون أية أفكار وراء إشباع رغباتهم البدنية، ولا مخاوفَ تُحَاذَر إلا تلك الناجمة عن الأشباح، السحر، عبادة الأسلاف، وأشكال أخرى من خرافات سائدة وسط أُناسٍ متدنين تنموياً. أبرزوا فضائل البربرية. كانوا شجعانَ ونزيهين}. كان هناك تنويهاً، كما أسلفتُ، للَّقطة التي يستعدل فيها الأنصار مدفعهم، الذي كانت تَجُرُّه الخيول على نحو مقلوب، تتجه فيه فوهةُ المدفع في الجهة المعاكسة لقفا الخيول كي لا تعوقها عن الحركة. إذ يمكننا التحليل، وكما كانت تُجَرُّ المدافع القديمة في تلك الآونة. انظر (اللحظة: 2:26 إلى 2:29. في اللحظة 2:43 يظهر المُدفع في توجيهه الصحيح، وتُخصَّص اللحظات التالية لذلك حتى اللحظة 2:46 لهدم البنيان والعمران، بشكل واضح، من المقطع أعلاه). ثم يقودنا معمار اللحظات التي تلي ذلك، إلى ترك غردون لسيفه وأخذ العصا، من أجل هش هؤلاء الرعاع المُخَرِّبين، وإلى أن يأتينا صوت الناريتير "الراوي" ليصيغ لنا لُغة الصور المرئية، في لغة منطوقة مُبينة تقول بحرقة مُتحَسِّرة على كون نجدة غردون بالإمداد وصلت متأخِّرة بيومين، على تحرير الخرطوم، ويُكَرِّر الناريتر، (يومان!) بصوته الفذ والسماوي قال:
for fifteen years the Sudanese paid the price with pestilence and famine
{على مدى خمسة عشر عاماً، دفع السودانيون الثمن بالأوبئة والمجاعة}. ما يعني لنا كمتفرِّجين، بعد أن أشبعنا أعيننا بلقطة مُركّزة ومُكثَّفة، وسط تلك المعمعة، من الصهيل والتكبير كلّها، وفوقها. أشبعناها بمدافع المهدي التي وجَّهها للهدم لا العمران، ضد نفسه وليس ضدنا، نحن الغربيين المُتحضِّرين. الذين بنينا، فانطلقتم أنتم من إسار كهوفكم وغاباتكم -على حد مُذكّرات جَدِّنا تشرشل- وهجمتم على المدينة (المدنية) فدمَّرتموها، وجعلتم أنهار رَغَدها تجري بطعم الدماء لمئات الأميال. فخذوا "الأوبئة، الطاعون" و"المجاعات" إذن، ذكرى لأيَّام غردون المسيح الذي صلبتموه على رؤوس رماحكم الهمجية. والمُصلح الذي قتلتموه وفي يده العصا التي كانت تدلّكم على مزايا الحضارة والعصر، هو الذي رفض طواعيةً، وبركاتٍ محسنة منه، أن يكون في يده السيف الذي يَدُلُّكم على القبر الذي تستحقون. مما سَلف ذكره، أنَّ رأس غردون لا يُظَهَّر على الأسنَّة، بل ينتقل المشهد فوراً، ودون أية فراغات، إلى رأس غردون، العالي جدَّاً جدَّاً، في التمثال الضخم له. ثم تنتقل دينامية الفيلم كلّها، بما في ذلك الموسيقى، عبر نغمة شجية أخرى، إلى حيث تمثال غردون الضخم، هل رأيت اللعبة!؟ تركيبة هذا المشهد تبدأ هكذا، بقناة الرمح، أو العصا التي تُثبَّت على قمّتها شفرة الرمح، انظر إليها، يحملها أحد الأنصار ممن يعرضون أمام المهدي، ويُفترض لرأس غردون أن يكون مصلوباً عليها مثل مسيح الناصرة. كانت القناة طويلة بلا حد، المشهد لم يسعها كلّها، لأنّ المُخرج سيكملها عبر تركيب مشهد آخر، وفكرة جديدة، تُرِيك العلو الذي سيظهر من عنده رأس تمثال غردون. فالتحدِّي ها هنا، ومفاده كالآتي، مهما طالت رماحكم فهي لن تطول هامتي لتقطفها، لأنَّ قامتي هي الأطول. القامة الحضارية التي ندخل إليها ترميزاً من خلال القامة الماديَّة، البدنية، لغردون أمام المهدي، ولغردون في سماء لا تبلغها رماح الأنصار. مما يرد في إحداثيات الإنسان، القامة ليست امتداد الجسد إلى أعلى. (انظر اللحظة 7:28 فما بعدها). فأنا، الفاره غردون، علاوة على أنَّ مردِّي الحضاري وموئلي أعلى منكم ومن أهرامكم، فانظرني وأنا أمتطي الجمل أو الناقة، وماذا يعني هذا؟ يعني أنني قبلت شروط لعبتكم، وبززتكم وكنت فيها أفضل منكم. (السودان يوجد فيه 223 أهرام، أكثر من ضعف الأهرام الموجودة في مصر. انظر الرابط http://wysinger.homestead.com/nubian105.html.
The number of pyramids in ancient Nubia (aka Kush & today Sudan) were a total of 223, (Kerma, Napata, Nuri, Naga, and Meroe), double the pyramids of its neighbor Egypt
فتمثال غردون، وهو على ظهر جمله، أعلى من الأهرام، ومن الشعوب السودانية كُلّها، بكوشييها وعربها، التي كانت متجمهرة تحته، ويلوحون بحجم النمال. حتى المراكب الضخمة العابرة في النيل، كانت صواريها العالية تجري إلى مُرساها أوطأ من استبداده. يبدو أنّ معدي الفيلم قد أصابتهم عدوى التماثيل العملاقة التي انتقدوها في مطلع فيلمهم، ووصفوها بكونها "الزهو" ممزوجاً "بالرؤى الكذوبة"! ثم يأتي صوت الناريتر، السماوي والمؤثِّر، حقاً هو صوت جميل، عميق وفاتن، يذكَّرك بأصوات الحكائيين القدماء، الفارهين والمعتَّقين، ممن كانوا يُوجدون في شمال السودان وفي مصر والمغرب وبوادي الشام. تجد الناس يتجمهرون حولهم في المساءات، وهم يحكون حكايات الزير سالم وشجاعة أبي زيد الهلالي وعشق تاجوج والمُحلّق. ولكم مجمل ما قاله الناريتر في خاتمة الفيلم:
The relief came two days late, two days, and for fifteen years the Sudanese paid the price with pestilence and famine, the British with shame and war Within month after Gordon died, The Mahadi died, Why? we shall never know. Gordon rest in his beloved Sudan, we cannot tell how long his memory will live, But there is this, a world with no room for the Gordons, is a world that will return to the sands
ترجمة لما قال: {النجدة جاءت متأخِّرة بيومين. يومان! وعلى مدى خمسة عشر عاماً، دفع السودانيون الثمن بالأوبئة والمجاعة، والبريطانيون بالخزي والحرب. خلال شهر من موت غردون، مات المهدي. لماذا؟ لن نعرف أبداً. ثَوَى غردون في سودانه الحبيب، ولا نستطيع التكهُّن بالمدى الذي ستبقى فيه ذكراه حيَّة! ولكن إليكم هذا، عالمٌ بلا مساحة (أو موقع) للغردونيين، هو عالمٌ سيعود إلى الرمال}.
{ولكن إليكم هذا}، والصوت هنا (للإنجليز) وحدهم، ليس للراوي بطبيعة الحال، ولا للبريطانيين كافَّة، الذين يشملون الأسكتلنديين والويلزيين والإيرلنديين. لأنهم ذاقوا السمّ الاستعمارية من ذات الكأس، وحتى يومنا هذا، هم يقاتلون الملكة الإنجليزية الكولنيالية وتاجها. و((التقدير)) المقابل لبناء جملة الراوي، وليس الترجمة الحرفية لها، هو كالآتي: ولكن اسمعوا عنّا، نحن الإنجليز، وخذوا هذا منّا، والحاضر منكم يكلّم الغائب، العالم الذي لا نُوجد فيه نحن، هو عالمٌ لا شيء، وسيندفن بذات الرمال التي كان مطموراً تحتها، قبل أن نأتي نحن ونُنَقِّبه من غبارها، ونخرجه كحفرية ولُقية من الآثار كي تحيى. نعم، حتى يومنا هذا يقاتل البريطانيون من غير الإنجليز تاجَ الملكة الذي زيَّنته بأن ثَبَّتت عليه عيون القتلى من البشر، المسمولة، بدلاً عن الفواريص والمجوهرات المستديرة.
{عالمٌ بلا مساحة (أو موقع) للغردونيين، هو عالمٌ سيعود إلى الرمال}.
"سيعود" أي أنَّه بالأصل لم يكن شيئاً مذكوراً، بل كان غبراء ورمالاً جافية، جئنا نحن فمنحناه من حناننا الغرس، ونظفناه ونفضنا عنه الأتربة. وإن لم يكن لنا موقعٌ فيه، فقطعاً هو عائدٌ إلى الرمال التي منها أتى. وَيْ.. كأنَّما لم يروا تلك التماثيل الضخمة للكوشيين، منذ آلاف السنين، التي افترعوا بها فيلمهم وبنقدها! لقد نسوا "كوش" والمعابد العظيمة، وأقنية الري المحسوبة بأدقّ حسابات الفلك، والعمران الذي لا تهده تصاريف الدهر ولا مجريات العواصف. انظر لتصريف اسم غردون لُغَويَّاً بأن اشتقوا منه اسم جماعة خرافية هي (الغردونيون) بمعنى الإصلاحيين أو الرساليين أو ما شئتَ من أعمال البر والإحسان التي ينجزونها بالمدافع في سيفاستفوبل وبكين وجوهانسبيرغ والخرطوم والقاهرة.. إلخ! شيءٌ طريفٌ بالفعل، يا لقوة عين الاستعمار! حقاً القهقهات منه ومن فُكاهته، تجعل من الجنبين جناحي طائرة "جانبو" بستة عشر محركاً، أو توربينو. تضحك لمّا تطير. نعم الإنجليز بنوا وسرقوا السودان، وحكم الجبهة الإسلامية الحالية، إذا قارناه بهم، نجده قد بَرَع في السرقة فقط. وبدل التعمير دَمَّر البلاد، وأوقع المقاتل بالناس، وشَرَّد الآهلين. والتدمير هذا صحيح أنَّه بدأ منذ خروج الإنجليز ولم يتوقَّف حتى تاريخ اليوم. هذه حقيقة ساطعة، ليست من أوهام الفيلم، ولا جدال حولها مطلقاً. ولكن من تَسبَّب في حرب الجنوب؟ أليست هي هذه الروح الاستعمارية التي وَرَّثها الإنجليز لأشباههم من الشماليين السودانيين؟ الشماليون يتحملون المسؤولية التاريخية لذلك، لاستهتارهم بشركاء الوطن وبالعدالة الاجتماعية. والإنجليز يتحملون المسؤولية التاريخية لذلك، بالبذرة التي تركوها كي تخضرَّ ذات يوم باختلاقهم لـ(قانون المناطق المقفولة) تمهيداً لجعل أرض السودان كلها لغماً أرضياً، يبقى خاملاً ما بقيوا هم واضعين أرجلهم على فتيلة الموارد. وينفجر فوراً إن أزاح السودانيون أرجلَ الإنجليز من الدوس على أعناقهم ونهب مقدَّراتهم ومتاعهم!؟ دمارُ السودان بدأ منذ خروج الإنجليز، هذا رصدٌ تاريخي حق وصائب. ولكن هل تصلح هذه الحقيقة كبراهين سليمة لضرورة بقاء الإنجليز في سودان السودانيين!؟ وهل كل حقيقة تصلح لبرهنة أية معادلة مطلوبة مهما تكن، فقط بمؤهلات كونها حقيقة!؟ الماء وقود، والبنزين وقود، وحقيقتهما معاً أنَّهما (وقود). فهل تعمل السيارة بالماء، أم يعمل الإنسان بالبنزين!؟ فأنت الإنجليزي لم تبنِ للسودانيين، بل بنيت لنفسك وبدافع السرقة والنهب. ووجود السودانيين تحت إمرتك كان ضرورياً عندك للإيفاء بشرط السُّخْرَة، وليس شروط الرفاه. فصحيحٌ أنَّك بنيت مشروع الجزيرة الذي هو أضخم مشروع زراعي، على سطح الأرض، تحت إدارة موحَّدة. وصحيحٌ أنَّ الكيزان، أميبيا الإخوان المسلمين، هدموا هذا المشروع الزراعي كما هدموا مشروع النيل الأزرق، والسوكي، والرَّمَّاش والحجيرات والفاو وكنانة، وسُكَّر سنّار، وكل مشاريع النيل الأبيض للإعاشة. ولكن في المقابل أنت بنيت أسطورة لانكشاير الحاضرة هذه بقلب إنجلترا، من حَلْجِ وتقميش ما تنهبه مجاناً من أقطان ذلك المشروع السوداني. فالشعوب السودانية الغلبانة لم ينبها شيءٌ لا من لصوصيتك ولا من لصوصية أبنائها. كلكم قَتَلَة ولصوص، تبحثون عن أرزاقكم وإنامة غرائزكم ومطامعكم. فاضربوا مأكلتكم جميعاً حتى يُفَرِّقَ الموائدَ عنكم دفعُ انتفاخِ بطونكم. دون أن يُحَاضر الإمبرياليون السودانيين عن التحضُّر ودون أن تُحاضرهم الجبهة الإسلامية عن الإسلام وقطع أيدي السُّرَّاق. عمر غردون أو شارلس البشير، ما الفرق بينهما؟ كلاهما قاتلٌ، ولصٌ، واستعماري، وكلاهما يُريد انعكاساً مُزيَّفاً ومفبركاً لصورة وجهه على دماء ضحاياه، بمثل بهلوانيات هذا الفيلم، غير انعكاس مصَّاص الدماء! والدماء لا تكذب القتلة صور وجوههم أبداً. من الأشياء اللافتة حقاً، في هذا الفيلم، حركة الأنصار، لاحظ كيف يتحرَّكون! ومن المقطع أعلاه، بالوسع الضغط على هذه اللحظة لترى كيف يهرول الأنصار بعد خروجهم من السفن. اضغط على اللحظة 4:05 وراجع ما قبلها وبعدها. لولا أنَّني انتبهت للحركة في تمام الفيلم، ووجدتُها تحتوي أشياء جِدُّ غريبة لأوَّلت هذه اللحظة بكون الأنصار خرجوا من السفن على أرض الشاطئ الدبقة وذات الأوحال، ولذلك جاءت هذه الطريقة الغريبة في الحركة. ولكنني قمتُ بمراجعة الفيلم كلّه، وأيضاً من المقطع أعلاه يمكنك مراجعة لحظات دخول الأنصار لأمدرمان، وحركتهم بداخل أزقتها، لترى أنَّ هذه اللقطة التي يخرج فيها الأنصار من السفن ويتحركون باتجاه خنادق جيش غردون، تمثل نواة حقيقية، ولقطة نموذجية، لكل حركة الأنصار بالفيلم. راقب حركة الأنصار حين يخرجون من المركب، هي ذاتها حركة الكائنات مصاصة الدماء في فيلم (إنَّني أسطورة، أو ليجند I'm Legend). حينما تنقلب السيارة بـ"ويل سميث" وتتراكض نحوه هذه الكائنات لتهلكه وتمتص دمه، فهي تهرول بطريقة تتشبَّح فيها الأرجل على نحوٍ منفرج وغريب، ولا تقتل تلك الكائنات طلقة واحدة، تتمايل فقط وتواصل مسيرها، فهي مصاصة دماء، أووو سأمتص دمكم. فالحركة في مطلقها، بهذا الفيلم، قُدِّمت لكتلة بهيمة عمياء، غرائبية. كما أسلفتُ لا تجد مُشَابهاً لها، إلا في فيلم I'm Legend أو فيلم Dead and Deader أو فيلم Diary of the Dead. ومُلَخَّص الحركة في هذه الأفلام، ينطلق من فرضية، أنَّ هناك موتى من البشر، عادوا إلى الحياة، ليكونوا كائنات مَصَّاصة دماء. بالتالي يُصبح سؤال كيف يتحرَّكون؟ سؤالاً شديد الأهمية. أمَّا تساؤل كيف سيموتون؟ فيكون بذلك هو الفيصل في تصنيفنا لهذه الكائنات أهي بشرية أم غير ذلك! واربط هذين السؤالين بما ترغب الكولنيالية في تقديمه عن هذه الشعوب، وفي معالجتها للأمور ببلاد هذه الشعوب، المتوفية، والعائدة من الموت. هذه الأفلام المذكورة لمن شاهدها، يجد ذات الحركة التي دَسَّها معدُّو فيلم الخرطوم تحت أرجل أنصار المهدي، بل رموها على أجسادهم بتمامها فكأنَّك ترى (هنابيل-خيالات مآتة) تتحرَّك في الفيلم بطوله. والقصد الأوَّل من ذلك نفي العقل الفردي، عن هذه الجماعات، وتثبيت اندغامهم الجمعي في كتلة بهيمة واحدة وعمياء. لا تعقل ولا ترى، فقط تتحسَّس عبر استشعار بهيمي، أو حيواني، رائحة ما أمامها من دماء. كما تُقدِّم الأفلام التي ذكرتها أعلاه، كائنات مادَّتها الفانتازية تلك بالضبط. ولتتضح الشواهد يمكنك مثلاً مقارنة حركة الأنصار في فيلم الخرطوم، أعني الحركة الجمعية، بحركة الراقصين الجمعية مثلاً في فيلم How she Move أو فيلم Step up2-The Streets، المُخصَّصين للرقص وفلسفته. فالرقص هو أحد طرائق التفكير في رؤيتي له، وما هو بأحد وسائل التعبير كما في التعريفات الشائعة عنه. إذ لا فرق بينه وبين الرسم والموسيقى والرموز الرياضية والكيميائية. فالحركة بقلب أفلام من نوع الفيلمين المذكورين آنفاً، وخصوصاً فيلم Step up2-The Streets الذي يروي قصة راقصة كانت منضوية لجماعة راقصي شوارع، ثم تلتحق بعد ذلك بأكاديمية رقص "برجوازية". فالحركة هنا بقلب فيلم كهذا، تمثل برزخاً حقيقياً، يفصل بين عالمين كاملين، وليس بين أسلوبي رقص فحسب. باختصار تفصل الحركة هنا بين كيف يُفَكِّر ويعيش إنسان الشارع الأمريكي "البلورتاري إن شئت"، وكيف يُفَكِّر ويعيش البرجوازي؟ كُلُّ هذا الحوار المعرفي والفلسفي يتم من خلال "الحركة وحدها". في الأعمال المصرية على سبيل المثال، هل تُشابه حركة "الفلاح" وأسرته، المسخور منهم على الدوام ويا للأسف، هل تُشابه حركة أحد سليلي الباشوات وأسرته؟ قطعاً لا. كل شيء سيختلف، المشي، تحريك اليدين، فتح الفم وإغلاقه حين الحديث، طريقة الجلوس، النهوض، إبداء الاستغراب حركياً، أو المقت، الاندهاش، كل شيء. فموجز الحركة للأنصار بقلب هذا الفيلم، يرسم كتلةً لبهيمة ضارية، من شعوب كثيرة كوشية وعربية، تتخبط في عمى جهلها، وهمجيتها. وقيادتها كما رأينا بأعيننا تَفرش مضافتها وديوانها، من ضمن ما تفرش، بالجِرار الملأى بالأوصال المقطوفة عن ضحاياها. هاتكة بذلك أدنى تعارفات الإنسانية من عدم قتلٍ للرسل والأسرى والنساء والأطفال وخلاف ذلك من اختلاقات اكتظ بها الفيلم، أو بالأدق انحصر فيها ولم يزد عليها.
فالحقيقة القاطعة، والماثلة أمام أعيننا الآن، أنَّ هذا الفيلم لم ينبئنا عن فضيلة واحدة لهذه الشعوب الكثيرة التي تسكن أكبر قطر إفريقي وتتكون من مِلَلٍ ونِحَلٍ لا عَدَّ لها. والأطرف من ذلك كلّه، أنَّه حتى "فضيلة البربرية" التي تَصَدَّق بها ونستون تشرشل على هذه الشعوب، في مذكّراته عن بلاد الغيلان، حين قال {أبرزوا فضائل البربرية. كانوا شجعانَ ونزيهين}، حتى هذه! نجد أنَّ صُنَّاع الفيلم قد قاموا بتجريد هذه الشعوب منها. حينما عَمَّ صمتٌ أسطوري، المغزوون في ديارهم بالقاع والإمبريالية أعلى السُّلَّم، صمتٌ لا أجد له مثيلاً إلا ذلك الذي حَدَّثنا عنه القرآن حين يتجلَّى الله في قيامته وتخشع الأصوات والكائنات! هذا الصمت والتراجع أمام عصا غردون ممثل إمبريالية وبرجوازية رأس المال المسيحي، هو في الحقيقة ما تحلم به هذه الإمبريالية. التي لا ترى في العالم كلِّه مما عداها، إلا بهيمة واحدة تتحرَّك فيما يُطابق الزواحف وكل أنواع الـcreepers مَصَّاصَة الدماء، ما لا تقتلها طلقة واحدة، فعليك أن تحكم ضربك إذن وتفرغ عليهم كل ما معك من بارود، فهم جُثث بالأصل، عادوا للحياة من باب الخروج، فالواجب يقتضي إرجاعهم إلى قبورهم هذه المرَّة كما يجب. التتفيه المُحْكَم، إي، التتفيه للخصم، لدى أي منعرجٍ من هذا الفيلم، وهذا عدم حصافة منهم كما أسلفت، إذ لم يحفظوا لأنفسهم بذلك مقامات الذكاء الأعلى، والمهارة الأعلى، والنزال الأعلى، كما فعل عنترة بقصيدته، وكذلك عبد يغوث اليماني الحضرمي وشعراء كُثْرٌ. عمرو بن كلثوم مثلاً:
كأنَّ سيوفنا منا ومنهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا كأنَّ ثيابنا منا ومنهم ... خُضِّبنَ بأرجوان أو طُلينا
انظر إليه، يشمل خصمه معه ولا يستثنيه أو يُتَفّهه، نعم أبدعنا وأبدعوا (لو كان في الحرب إبداع!؟) ثبتنا وثبتوا، نزفنا ونزفوا، فنحن جيشُ ليوثٍ لن يفخر بهزيمته لجيش أغنام. "مِنَّا ومنهم" انظر التركيبة الفكرية العميقة، والبديعة، المحسوبة جيداً ودقيقاً، بحسابات الشعر. التوليفة التي أصبحت مفتاحاً في قراءات كيف يصف الشاعر خصمه، أو ما عُرف في الأدب العربي بـ(المُنصفات)، ومن أشهرها مُنصفة عامر بن أسحم النكري، التي يقول فيها {(أشبعنا السباع وأشبعوها..)، (أبكينا نساءهم وأبكوا نساء..) (بكل قرارة منا ومنهم..) (فكم من سيد فينا وفيهم..).. إلخ}. نعم، هذا منطق الدنيا والأشياء، ستفعل؟ قطعاً.. سيُفعل بك، وإلا فمن تُقاتل؟ آآلعدم!؟ ولكن هذا تفكير شعراء راقٍ وأكثر ذكاء، فالشعر حساباته أعسر. الشعر حساباته أعسر، لأنَّ ((التفاعل)) فيه ومعه يتم عبر عمليات فكرية بحتة، لدى أصالتها الأولى، قبل ترجمتها إلى سوقية حواس. فسوق الحواس ومشاعتها من نظير السينما، تنتصب عبر دعامات وأدوات كثيرة جداً جداً، كي نُحَصِّل بها، تقليداً لا أصالةً، لُقى القصيدة الواحدة. فالشعر يقدِّمُ شخوصَه وصورَه وأخيلتَه وموسيقاه، ألوانَه وروائحه وطعومه، وإكسسواراته، كل ذلك عبر الدماغ فقط. أي في هذا المقام، وامتداداً لهذا السياق تحديداً، بوسعنا القول، إنَّ السينما هي سيولة الشعر، التي تفكّه في شخوص ممثلين وموسيقى تصويرية وألوان ديكور وإكسسوارات ومكياج.. إلخ. كما تحاول أن تُقَلِّد ملكات الدماغ الداخلية ليس عبر فكّها إلى خمس حواسٍ فحسب، لا، هذا لا يكفي، وهي قطعاً ستقف حائرة، وستحتاج إلى ما لا يمكنها أن تُحيط به من حواسٍ بوسع الشاعر الواحد، والوحيد، أن يُحيط بها، وأن يقتنيها. باختصار، السينما هي الهبوط بآدم الشعر من الفراديس إلى الأراضين. فالشاعر إذن سينما وحده، لذلك عمله متقن ويلتزم حرفية الفطنة والصنعة أكثر من أيدولوجيا السينما، أعني غير المنذورة منها لإتقان وتجويد الصنعة أوَّلاً. دعنا من شعراء العربية، فلنتلمَّس نضال المهدية هذا ذاته، لدى شاعر الإمبريالية الأكبر ومسخها الشهير، الشاعر الإنجليزي الكبير جوزيف روديارد كيبلنغ. ماذا قال عن خصومه الأنصار؟ فدلال وسمسار حروب العصور الفكتورية عينه، الشاعر الإنجليزي روديارد كيبلنغ Rudyard Kipling Joseph (حائز على نوبل الدنميت بالمناسبة، بل كأوَّل كاتب إنجليزي يحصل عليها إطلاقاً). فهذا الإمبريالي الموسَّم بنوبل نفسه لم يجرؤ على جعل الأنصار يتراجعون أمام عصاهم، بل أسماهم بالفظي وظي Fuzzy-Wuzzy أي هم الشُّعْث، القساة حين الذود عن حريتهم. الهاجمون على القَدَر ومدافع المكسيم برماحهم لينتزعوا مصيرهم، بعكس الذين تراجعوا أمام عصا غردون الإمبريالية. ووصفة الفظي وظي هنا هي ذات الجائزة التي استحقها أجدادهم من الأمازيغ كما أسلفت. فروما القديمة ما أسبغت عليهم نعماء (البرابرة) إلا حينما تعقّدت في قتالهم، أهو قتالٌ فوضوي؟ فليكن، مع ذلك فقد دكَّ تنظيمك وبشَّع بالقدرات الفردية لفرسانك. وإن شئت فالـ"فظي وظي"، مُهَوَّشو الشَّعْر، بالمختصر المفيد تعادل "البرابرة". أي: المقاتلون الفوضويون، القساة البدائيون، شاربو الدماء في كؤوس جماجم الرسل، كما تشاء دعايتهم وسينماهم. فهذه هي الإمبريالية الأوروبية، تأتيك مدرعة سلاحها وجبخانتها في عُقر دارك، فإن هزمتك فأنت متخلّف وأدنى تحضراً منها، وإن هزمتها فأنت فظي وظي وبربري، وحشي، همجي.. إلخ روديارد أثبت لهؤلاء الناس الشجاعة التي لا مراء ولا جدال حولها بالمرَّة، في أشهر قصيدة له على الإطلاق، كما أنَّها ارتبطت بأشهر واقعة في تاريخ الحروب حينها، وهي حادثة اختراق الأنصار لتشكيلة الصندوق الإنجليزي المعروفة في تاريخ وعلوم العسكرية. والحديث عن هذه الواقعة، أي حادثة اختراق الأنصار للمربَّعة أو الصندوق الإنجليزي سينتقل بنا إلى بؤس فيلم آخر وشهير عن معارك الفيكتورية، أو الإمبريالوساكسونية، ضد (المهدية السودانية). فيلم (الريشات الأربع) هذا حكاية بحالها وثانية، غير حكاية فيلم الخرطوم. ما يهمنا منها حالياً هو أنَّ هذا الفيلم رَكَّز تحديداً على هذه الحادثة الشهيرة، والوحيدة، لاختراق الأنصار للمربَّعة الإنجليزية، التي أوردها كُلُّ من أرَّخ للمهدية بدون استثناء، ومعظمهم من البريطانيين والمصريين، أعني المؤرِّخين. الفيلم بالتأكيد لم يجد حيلةً لنفيها، ولكنه حاول أن يُبَرِّر لحدوثها بطريقة أكثر بلاهة من الطريقة التي جعلوا بها المهدي في فيلم الخرطوم يُظهر جَذَعاً درامياً مضحكاً حين موت غردون، ما أسميته بتهريج لورنس الأدائي، المسرحي. في فيلم (الريشات الأربع) وبالرغم من المحاولة الممتازة للمُخرج في تخمين كيف حدث ذلك؟ أو محاولة الاستنتاج التاريخي والعسكري للكيفية التي اقتحم بها الأمير عثمان دقنة المُربَّعة! وذلك من خلال الطريقة التي جعل بها خيول الأمير عثمان تهاجم الإنجليز، الطريقة المنظمة، والانسحاب التكتيكي المنظم، من الجهات الأربع. ولكنه في النهاية اضْطُرَّ للتلفيق من عنده خجلاً لانهدام أسطورتهم الثانية، وهي، اسمع من قولهم وبلغتهم:
it was considered impregnable to infantry or cavalry (though vulnerable to artillery fire); until Abu Klea, a fully-formed British square had never been broken by assault
المُربّعة الإنجليزية، أو "الصندوق، كما في أدبيات الجيش السوداني" كان يعتبر غير قابل للاقتحام أبداً، ولم يسبق أو يلحق لأحدٍ من العالم كلّه أن اقتحمه غير الأمير عثمان دقنة في شرق السودان، لا مشاة ولا فرسان ولا حتى نيران مدفعية من بعيد بوسعها فك منعته، كما تقول القطعة أعلاه. إلى أن جاءهم الأمير عثمان دقنة القائد الفذ وهدم هذه الأسطورة الثانية على رؤوس جنودهم. وعن سيرة هذا الرجل الباسل في هذا المقام، مقام المجالدة أعني، يكفي هذا السطر الوحيد مما قاله عنه "الزركلي" في قاموسه الأعلام، برغم تخليط الزركلي وإتيانه بعجائب عن سيرة الرجل المعروفة للغاية. فقد تُوفي الأمير عثمان قريباً (1837-1926م). يُعَرِّف به الزركلي: {كان موصوفاً بالمقدرة، والدهاء، وسعة الحيلة في الحروب}. أمَّا الأسطورة الكبرى، عن إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ولا تُقهر فقد هدمها لهم المهدي بنفسه، وأخرجهم بقوة السلاح من السودان، كرجل وحيد من العالم كلّه استطاع أن يفعل ذلك في تلك الآونة التي كانت من شُرورهم أحقاباً. الإنجليز حتى تاريخ اليوم يكرهون المهدية كُرهاً جاداً، وغير متسامحين نحوها كشيء من التاريخ أبداً. وإن سألنا لماذا؟ أوَّلاً لكون الحاضر الإمبريالي لم يتغيّر فما تزال أمثال رؤى المهدي تُمَثِّل خطراً على الإمبريالوبرجوازساكسونومسيحية. وثانياً لكون المهدية أذلَّت صلفهم الإمبريالي على نحوٍ لا داحض له، ولا اشتباه حوله. وكل ما فعلته في وجههم كان "استثنائياً" و"مفرداً". وهذا لا يعني رضانا عن "المهدية" بمواصفات الوعي والتفكير المعاصر، وإنَّما يعني حقائق وقعت ببطن ذلك الغيهب التاريخي، ونحن نرصدها كما هي. فنقمة الإنجليز لم تَزُل حتى بعد مجازر الانتقام التي قام بها كتشنر بعد ما يقارب العشرين عاماً من موت المهدي، ولم يشفِ ذلك غليلهم ولم يسترد لهم اعتبارهم الاستبدادي. فالمهدي قد أفلت منهم بانتصاراته وأمجاده ولا سبيل لإرجاعه وجعله يتقيأ ذلك، وهو لم يضع جنبه للموت إلا بقلب الخرطوم بعد تحريرها منهم.
أو كما سمعنا بآذاننا راويهم ببطن فيلم الخرطوم، وهو يقول بالحرف الواحد:
and for fifteen years the Sudanese paid the price with pestilence and famine, the British with shame and war
السودانيون دفعوا الثمن كما يقول الراوي، بالأوبئة أو الطاعون، وبالمجاعات. ولكن كيف دفع البريطانيون الثمن؟ بالصَغَار، الخزي، وبالعار، والحروب المتواصلة مع المهدية التي أعياهم أن يجدوا لها حلاً جذرياً مع هؤلاء الدراويش كما يحلو لهم التعريف بهم. قلتُ الإخراج لفيلم (الريشات الأربع) يُريدُ حيلةً يدفع بها عن أسطورة المربّعة الإنجليزية؟ ولكن كيف؟ الحادثة قطعية الثبوت والوجود ولا يفيد معها النفي والإنكار، أو كما يقول المثل السوداني {سِيِك سِيِك، مَعَلَّق فيك}.
لم يجدوا غير أن جعلوا الجنود الإنجليز يطاردون القوات المهاجمة من كتائب الأمير عثمان دقنة، كي تصبح هذه المطاردة بمثابة الـclue الأساسي، من هنا يجعلون قوات عثمان دقنة تجد الثغرة التي تُمَزِّق بها الصندوق إرباً! ولماذا فعل الجنود الإنجليز ذلك!؟ بحجة أخرى، نسبوا ذكاءها وعبقريتها للأنصار هذه المَرَّة، أيضاً ككتلة بهيمة واحدة، فهم لم ينسبوها لقائد المعركة، الأمير عثمان. بل كل أفلامهم ضد الزولو، والهنود الحمر، السودانيين، وكل من حاربوه.. إلخ لا تركز على الشخوص في حد ذاتها، أبداً، هذه أوهام، ومثلما تتشابه الغيلان والكائنات التي تهجم من المريخ في الأفلام المخصصة لذلك، نجد أعداءهم البشريين كذلك يتشابهون ولا يحملون أسماء، ولا حبيبات لهم، كما يصورون أبناءهم هم، لكي يتم التعاطف معهم، فأنت ستتعاطف حتى مع الظالم لو كنت تعرف اسمه وأبناءه وحبيبته وأمنياته وأحلامه، وتراه يسقط أمامك، الإنسان السوي في أعماقه يتمنى الخير لكل بشري مثله، ولا يريد له أن يسقط، بل أن ينعدل لو كان معوجاً. ولكن لا، أعداء الإنجليز جميعاً، وفي أفلامهم كلها، هم كتلة صماء، وبهيمة مقطوعة من شجرة، ليتم عدم التعاطف معهم بهذه الحيلة. وحتى حينما يسقط فارسٌ إنجليزي من ضرب قوات الأمير عثمان، نحن لا نرى فارساً سودانياً بعينه هو من أسقط ذلك الفارس الإنجليزي، كي تترسَّخ صورة لمجالد في أذهاننا، أبداً، ولا، بل تأتي رصاصة من اللايقين فتأخذه، من الهَبَاء. ومع ذلك ففيلم (الريشات الأربع) مقاربته تحتاج للتمييز بينه وبين فيلم (الخرطوم) جوهرياً، فهو عمل سينمائي مقتبس عن رواية، بينما فيلم (الخرطوم) عَمَلٌ مُكَرَّسٌ لتكريم غردون دون حياء أو مواربة، وحفظ ذكراه لأطول مدى، أي لتكريم العهود الفيكتورية الاستعمارية. فنقده ومحاربته من الطلائع العلمانية واجب الجميع، وأبناء الإنجليز أنفسهم من العلمانيين الحقِّين يهاجمون تاريخ غردون والاحتفاء به بهذا الشكل الذي يفتقر إلى الأخلاق والمبادئ العلمانية لا إلى الحساسية فحسب.
والحيلة الذكية التي وجد معدّو فيلم (الريشات الأربع) أنفسهم مضطرين للتنازل عنها لكتلة بهيمة الأنصار هي، جَعْلُهُم في الفيلم يتنكرون بالزي العسكري الإنجليزي ويتقدمون ضاربين البوق الإنجليزي في اللحظة، بالضبط، وبالثانية والدقيقة، التي تتراجع فيها قوات الأنصار عن مهاجمة الصندوق لدى المحاولات الأولى. فتأمَّل!؟ الحقيقة أنَّ الشخص الوحيد الذي بوسعه توفير الزي الإنجليزي والبوق الإنجليزي في تلك اللحظة الحرجة والحاسمة من لُب وقلب المعركة، كي تجري الأمور على هذا النحو الطريف للغاية، هو المُخرج الهوليودي وحده. (دي بقدر عليها المخرج الهوليودي أب إمكاناتاً بَرَّه، عثمان دقنة ما بقدر عليها، بعصر بس علي سكينه وحُمرة عينه!). فهو بالفعل، وحقاً لا باطلاً، استطاع أن يقتحم الصندوق الإنجليزي، كعسكري شاطر لا كمخرج في هوليود، برغم مدفعيتهم المتفوقة والضاربة، وحتف أنف التكنيك والعلوم العسكرية الأوروبية المتقدِّمة بمواصفات زمانها. فتصنيع مثل هذه الحيل السَّاذجة في الفيلم لا يزيد على أن يجعل من جنودهم مجرّد بلهاء، لم يتحرّك أحد من الصندوق، وإنَّما قوات الأمير عثمان دقنة هي التي كانت تتحرّك بأقصى ما تستطيع من حول الصندوق، وتهاجمه من الجهات الأربع بالفعل كما عرف المخرج نفسه الحقيقة البائنة وحاول أن يحيد عنها بدس حيل ساذجة تقول إن جنودهم كانوا شجعان وحاولوا مطاردة قوات الأمير بعد انهزامها في المحاولات الأولى لاقتحام الصندوق. الأمير عثمان هو الذي كان يلف ويهاجم الصندوق من الجهات الأربع في لحظة واحدة، وبذلك لم يعطِ مدفعيتهم فرصة لتنال من جنوده باعتماده على سرعة الخيل وأمهر الرماة السريعين عنده! (سيك سيك، معلّق فيك). والطريف أنَّ قبائل الهدندوة هذه معروفة بالسرعة والمهارة في استخدام الأسلحة، لدرجة أنَّ الأسطورة السودانية تروِّج لكونهم يطيرون مع الطيور، لشدَّة سرعتهم. فإن أخبرت أحد السودانيين بانَّك اشتبكت مع أحد هؤلاء الناس في معركة عتادها الحركة والسلاح الأبيض، لن يمتلك سوى الضحك منك، ستخسر.. ستخسر، لا شك، السرعة مسألة حاسمة في كل شيء، وليس المعارك وحدها. ولكن انظر إلى البطل الكولنيالي يقتل أربعة من الهدندوة واحداً تلو الآخر، وبسلاح أبيض، هذا شيء طريف للغاية! الفكرة الفاندامية، الشوارزغنرية، والسيلفسترونية، الجاكيشانية، "البلهاء" عينها. لعله من سابع المستحيلات أن تقتل أربعة من فرسان الهدندوة بسلاح أبيض الواحد تلو الآخر. شيءٌ طريف للغاية!
.They are not armed sir- .Fire them- ينيشوهم نيشاً Fifty yards تتتت.. تتتت.. تيف، تيف، تيف. بل يحصدوهم حصداً. ولا يتبقى سوى رجل واحد غير مسلّح، أيضاً ينادي الضابط الإنجليزي ببرود وقسوة .Fire him- في تقديري، الشغل السينمائي في الريشات الأربع بديع، وفيه اجتهادٌ كبير، وتعويلهم على خلق قصة سينمائية ناجحة بأكثر من صب الأيدولوجيا ملحوظ في الفيلم. وأعجبني محاولة تقليدهم لما روته كتب التاريخ ولما رواه كيبلينغ في قصيدته أيضاً، عن أولئك الرجال الذين يخرجون من باطن الأرض، من رأيناهم في الفيلم يقطعون الفارس وجواده إلى قسمين بضربة سيف واحدة، لاحظ لهذه اللقطات ومحاولتهم لتجسيدها ورسمها، كانت جميلة. أعتقد أنَّهم يعيدون إنتاج هذه الصورة من قصيدة كيبلنغ:
'E squatted in the scrub an' 'ocked our 'orses, 'E cut our sentries up at Sua~kim~,
ترجمة: قنصوا لنا في الأدغال وعقروا خيلنا قطعوا نقاط حراساتنا المُوصلة حتى سواكن
http://oldpoetry.com/opoem/13539-Rud...ng-Fuzzy-Wuzzy
على كلٍ، لا أريدُ أن أنساق وراء فيلم "الريشات الأربع" إلا بالقدر الذي يساعدني في إلقاء إضاءات على مشاهد فيلم الخرطوم، فذاك فيلم حكايته ثانية وتطول كما أسلفت. ولكنّي أردتُ فقط حادثة الصندوق هذه، لأنَّها عقّدت كلّ إنجليزي أيامها، ومن خلالها ثبّتت قوات المهدية ذاتها في تاريخ تعقيد جيوش الوحشية الغربية. الجيش الإنجليزي تحديداً، وملكته، وتعقيد روديارد سمسار ودلاّل إمبراطورية الدم نفسه. ليجعل ما عقّدوهم به لازمة نصّه عن الفظي وظي بكامله وقافيته العُقدة. فكل مقطع من نصّه ينتهي بذكر اختراق الأنصار للصندوق الإنجليزي، تشكيلهم العسكري المُعْجِز، وما فخروا به على الفرنسيين عبر التاريخ، وتحدّوهم بأن يخترقوه. فالشاعر كيبلينغ بذلك يضع الفظي وظي في مرتبة أعداء محترمين أكثر من الفرنسيين أنفسهم، ناهيك عن المُسْتَعْمَرين! لنقل إنها إحدى "المُنصفات الكبلينية" اقتباساً من ثقافة العرب. فأين هذا الإنصاف من مشاهد هذا الفيلم الضلّيل؟
مما يرد عن قصيدة الفظي وظي:
Fuzzy-Wuzzy
One of Kipling's most famous poems salutes the Sudanese warriors who broke through to the center of a British square at the battle of Abu Klea. The term "Fuzzy-Wuzzy" was used for the black Dervish warriors, especially the Hadendowah, who wore their long hair in a wild exaggerated style.
ترجمة: {إحدى أشهر قصائد كيبلنغ، يُحَيِّي فيها المقاتلين السودانيين، الذين اخترقوا الصندوق الإنجليزي إلى مركزه (قلبه) في معركة أبو قليع (تحتاج لنظر، م. خالد). مصطلح "فظي وظي" أُستخدم لمحاربي الدراويش السود، خصوصاً الهدندوة، المكسوون بشعرهم الطويل على نحوٍ مبالغ في إستايله}. روديارد قَفَل مقطوعاته الشعرية بلازمة هذه العُقدة ثلاث مرات عَبْرَ تراكيبَ وصياغات مختلفة:
But for all the odds against you, Fuzzy-Wuz, you broke the square
{رغم أنَّ الاحتمالات كلّها وقفت ضدك، ولكنك يا فظي وظي قد حَطَّمت الصندوق}.
For if you have lost more than us, you crumpled up the square
{وإنْ خسرتم أكثر منَّا، فقد قهرتم الصندوق}.
You big black bounding beggar—for you broke a British square
{أنت أيّها الشَّحَّاذُ الأسودُ المُتكالبُ، لتحطيمك الصندوق البريطاني}.
عفواً، على ترجماتي هنا، لبعض المقتبسات من قصيدة كيبلنغ. فهي لمقاربة المعاني ولا ترتقي لأي مضارعة أو مفارسة فنية. أرجو قراءتها في هذا الحيّز وبمرافقة هذه الصفة.
We've fought with many men acrost the seas, An' some of 'em was brave an' some was not:
{قاتلنا رجالاً كثيرين عبر البحار بعضهم شجعان كانوا وبعضهم لا}.
The Paythan an' the Zulu an' Burmese; But the Fuzzy was the finest o' the lot. {البتهانيين والزولو والبورميين ولكنَّ الفظي وظي كانوا الأروع من كثير}.
'E squatted in the scrub an' 'ocked our 'orses, 'E cut our sentries up at Sua~kim~,
{قنصوا لنا في الأدغال وعقروا خيلنا قطعوا نقاط حراساتنا المُوصلة حتى سواكن}.
An' 'e played the cat an' banjo with our forces.
{كما لعبوا بقواتنا لُعبة القط والبانجو}.
You're a pore benighted 'eathen but a first-class fightin' man;
{لأنتَ ترشحُ جهلاً عبر المسام ولكنك مقاتل درجة أولى}.
We gives you your certificate, an' if you want it signed We'll come an' 'ave a romp with you whenever you're inclined.
{نمنحك شهادتك، وإن أردتها موقَّعة سنأتي ونأخذ معك صولةً وقتما تشاء}. مما سبق ذكره أنَّ الإشكال الفكري والأخلاقي الأساس، مع فيلم الخرطوم هو أنَّ ذلك الفيلم قد صُنع لأجل تكريم روح ذلك الرجل الإمبريالي. والحقيقة أنَّ هذه الورطة ليست ورطة الإنجليز وحدهم، بل هي ورطة متعلّقة بالتصور للعالم القديم في إجماله، ولما هو حق والذي هو باطل. إنَّ السودانيين أنفسهم لا يستطيعون تجاوز المهدية بوصفها تاريخاً بطولياً عاشته بلادهم، مهما كانت لهم من التحفظات على تاريخ المهدية، وبشاعاتها هي الأخرى بخصوصهم هم، كمواطنين عاشوا تحت إمرة تلك الدولة الدينية المتعسفة. ولكن فكرة البحث عَمَّا هو مجيد، من التاريخ الإنساني، وتاريخ السلالة والجغرافية، والذي هو بَطَلٌ وسامٍ، نجدها فكرة أساسية لدعم العيش ذاته، ومقاتلة العدم، ولدعم تقبّل الوجود وبناء المستقبل في غَيْبِه الذي يأتي منه. وربما هذا التناقض الوجودي، هو ما يجعل بلاداً علمانية في مؤدَّاها الإداري، مثل بريطانيا، لا تستغني عن تاريخ التاج بالمرَّة بعد حصولها على حكم تشرِّعه هذه الشعوب البريطانية. فهذا يكون في الوقت ذاته، الذي ما يزال فيه التاج رمزاً، أسطورياً، تتواصل المحافظة عليه، بوصفه جزءاً من تاريخ بطولي ما، يشجِّع على ارتياد المستقبل ويكفل لمن يعيشون تحت ظله ثقة ما كان في الماضي من عز إمبراطوري، مهما كان إمبريالياً وظالماً، كما يملي عليهم طموحُ ما يحتاجه الريادي، ومهما كان خالقُ بواعثه هذه شريراً من جنس هذا التاريخ. والتدقيق العلماني الحق، لن يكتفي بالتساؤل عن تكريم أمثال غردون وحده بمثل هذه الأفلام، فذاك رجلٌ مفروغ من النظر في حياته وتقلبات سيرته. وإنَّما سيلاحق رجالاً من أمثال و"وزن" ونستون تشرشل. الكاتب والصحفي الذي حاز نوبل، والذي تمتلئ كتاباته وخطبه بالصلف الإمبريالي والعرقي المسيحي إلى باطوزها، كما استشهدتُ بعبارته السالفة، من كتابه حرب النهر، الذي هو ملآن بمثل هذه الإشارات، التي يعوزها الوعي المعاصر، العلماني النظيف. بل إنَّ الرجل في أواخر عمره، أخذ يهرف –كلما وجد مايكروفناً شاغراً، باستعادة الأمجاد (الإنجليزية)، أي الإمبريالية. والحديث عنه ذو أذقَّة، ومتابعة سلوكه السياسي والفكري، بعد أن صار رئيساً لوزراء بريطانيا مليء بخيران الدَّنَس والخَبَث إلى باطوزه أيضاً. ولكن ما يهمنا من أمر الرجل هنا، في مناسبة فيلم الخرطوم وفيلم الريشات الأربع، هو أنَّه أيضاً ممن تم تكريمهم بصنع فيلم عن حياتهم، وأيضاً يتناول الفيلم صراع التاج الملكي مع المهدية السودانية، إذ كان الرجلُ في مطالع شبابه مراسلاً حربياً في السودان، وشهد كل تفاصيل حملة كتشنر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المدوّنة في stumble upon (Re: محسن خالد)
|
Quote: عند انعدام وزن ولا انوزان عدم
مدثر |
لا انوزان عدم دي مناسبة جدا بالنسبة لي، عدمي مرتفع جداً هذه الأيام، وأنت الصيدلي الماهر وقد ابتدعتم حباية لكل شيء، ما عندكم حبة تنزيل عدم زي حبة تنزيل الضغط والسكري! :)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المدوّنة في stumble upon (Re: محسن خالد)
|
محسن تحياتي الجزء الخامس والأخير سينزل بعد قليل. كان الجزءان الأخيران بؤرتين في معنى الاشارة الثقافية وتفكيك الرمز. وأنا في غاية السرور باستضافة مقالاتك في مدوّنتي! هكذا نمضي من مجرد الحض على المشاهدة لبيان قدرات السينما التي قد تتفوق على الرواية من حيث القدرة على حشد مئات الاشارات في لقطة واحدة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المدوّنة في stumble upon (Re: محسن خالد)
|
سلام يا محسن و لله يا محسنين (بالله متداخل غيرك مافي ياكافي البلا) طيب يا صديق وللتنويع تشوف مقالك في بعض الميديا وهو شيئ هام. قراؤك يا محسن في السودان ما شاء الله ويتفوقون على الولايات المتحدة. وكذلك صعد عداد السعودية وعداد الامارات كذا مرة وتفوقوا على كندا والمملكة المتحدة. طبعاً قراء الانجليزية في العالم لا زالوا هم الأعلون وعشان كدا أنا عملت المدونة بالانجليزية. http://www.stumbleupon.com/stumbler/tafaglobe
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المدوّنة في لذيذ دوت كام (Re: mustafa mudathir)
|
أقترح تسمية الإيربندر الهوائي بـ(الرِّيِحَنْدَى). والإيربندر الناري بـ(النَّارِنْدَى). الأرضي بـ(الأرِنْضَى). المائي بـ(المَاهنْدَى).
وهذه مصطلحات مصطنعة لتتماشى مع هذا النحت والتركيب الإنجليزي. فالسعي في تطوير الاصطلاح مسألة ضرورية للغاية في الإبقاء على روح الثقافات. خصوصاً أنَّ مصطلحات الحضارة الغربية، التي تُنتج المعرفة والتكنولوجيا الآن تتطوَّر بشكل ضخم، بينما ثقافات الدنيا الأخرى لا تستطيع مجاراتها ولو على صعيد التسميات واختراع المصطلحات فقط، لمجاراة ذلك التطوُّر. وربما يأتي يومٌ تصحو فيه الدنيا كلّها وهي ليس على فاهها سوى المصطلح الغربي عموماً، والإنجليري خصوصاً. هناك مفردة (سَرَنْدى) في لغة العرب، وتعني {الجريء من الرجال الذي لا يهولُه شيءٌ} العين. {والسَّرَندى القويُّ الجريء من كل شيء، والأنثى بالهاء} ابن منظور. {وسيفٌ سرندى، ماضٍ في الضريبة ولا ينبو}، تاج العروس من جواهر القاموس. وما أردتُه من هذه المفردة علاوة على إيشاءِ معناها، هو أنّني أجدها بديعة ومُهْمَلَة في الوقت ذاته، ومتميّزة في طريقة تصريفها النَّحوي. فابن منظور يقول {ومن جعل سرندى "فَعَنْللاً" صَرَفَه، ومن جعله "فَعَنْلَى" لم يصرفه}. لنأخذ منها روح صياغتها هذه، وحسّها الأخير "نْدَى"، فنزيده على المفردات الأربع عن أصل الوجود، ونلحقه بها. بعد استعراضنا لشيءٍ يسير من أثارتها الباقية في الفلسفة والأسطورة ومجمل الإرث الإنساني، كي نخلق منها اسم الفاعل ذهنياً بخصوص هذه الرباعية أعلاه. فنصنّع بذلك هذا الأفاتار على نحوٍ عربي، لأنَّ هنالك سلسلة طويلة من الأفلام والرسوم والألعاب، الموجّهة إلى الأطفال، تحمل اسم هذا الأفاتار. والنون الساكنة هنا ("نْـ"دَى)، أقصد منها علاوة على تمتين وقع الكلمة لتشبه سرندى، يمكن التوجّه بها أيضاً إلى الفعل "كُنْ" بحمولاته الإلهية الفارقة كُلّها. فـ(الرِّيِحَنْدَى)، هو هذا الأفاتار الأسطوري، الذي يُوجِّه الريح بالفعل "كُنْ" فتتوجَّه، وكذلك يفعل نظيره من النَّار (النَّارِنْدَى) بالنّار، و(الأرنْضى) بالأرض، والمياه يأمرها بفعل ذهنه (المَاهِنْدَى)، فتكون حيث أراد. وبما أنَّه مصطلح مُخلّق ومُركّب فيمكن استخدامه مع المؤنَّث والمُذكَّر، المثنّى، وكذلك جمع المذكّر والمؤنّث السالم، على حدِّ السواء، وعلى النحو الذي لا يستثني أحداً من النارنديين والنارنديات. أعتقد أنّ نقل مسلسل الأطفال الياباني عن كرة القدم من خلال الاسم "كابتن ماجد" جاء موفّقاً لحدٍّ كبير، ولكن "الباكيمون" هو الباكيمون! واجتهادي الحاضر هذا، مجرَّد إلفاتة تعني "الاهتمام" بعلاج هذه النوعية من تعقيدات الحضارة، فيمكن تصويبها، أو تحسينها، وأيضاً استبدالها كُليَّاً بما يفيد. كي لا يصبح الأفاتار هو الأفاتار، والأيربندر هو الأيربندر والباكيمون هو الباكيمون.. إلخ.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المدوّنة تحديث (Re: Mohamed Adam)
|
سلام هاكم فيلم "تيزا2008" لصاحبه هايلي جيريما الفيلم أثيوبي المخرج بروفيسور أثيوبي يعيش في أمريكا أستاذ بجامعة هاوارد بواشنطون دي سي. الفيلم يوّثق لفترة حكم الديرج (منقستو ومعاه 120 نفر) كانوا عاملين فيها اشتراكية وذبح وتصفيات وكمان جات عليهم المجاعة والحركات الاريترية وهكذا! لكن الفيلم دراما مش تاريخ. ممتع وبلغة سينمائية بالغة الفصاحة وحائز على جوائز مهمة. المناسبة انو الآن متوفر دي في دي. شوف أقرب سوبرماركت إتناولو وتعال! تعال وين؟ تحفة هايلي جيريما"تيزا"
| |
|
|
|
|
|
|
|