|
الرقم المُرادِف لبلدك! .. (الهوية والهوا) .. بقلم: عوض محمد الحسن
|
Quote: طلّقت مُشاهدة التلفزيون طلاقا بائنا لا رجعة فيه حتى وإن توسّط " أصدقاء الإيقاد" وناس الزنتاني ومن لفّ لفّه. ومردّ ذلك ما أصابني من تلفزيونات السودان كافة، (قوميّها وخاصّها؛؛ فضائيّها وأرضيها؛ أمدرمانيّها وخرطوميّها، (وتلك التي تبثّ من دبي وما جاورها من إمارات متصالحة) من ألم وغضب وحزن ومغسة وفقدان للشهيّة وتشنجات وغيرها من أعراض تسمم الدم والكيان. ترى مقدمي ومقدمات البرامج، والمذيعين والمذيعات، المتحذلقين والمتحذلقات، المتقعرين والمتقعرات، يقرأون نشرات الأخبار (وكأنهم شاركوا في صنعها) في محاولة يائسة لإحياء اسلوب محمد صالح فهمي رحمه الله من "هرش" في غير "مهترش" يفضحه غث ما يقرأون، ورصانة مفتعلة يكشف زيفها "ديكورات" الأستديو بخفتها وفساد ذوقها. يُحاورون ضيوفهم في مواضيع يُفترض جديتها، ثم لا يلبثون بين الحين والآخر مفاجأة الضيف والمشاهدين : "كدي خلينا من موضوع وباء الإيدز؛ تحب تسمع شنو يا بروف ؟" ولا أتحدث عن ألوان الطيف التي تصبغ وجوه المذيعات وثيابهن وكامل زينتهن، و"الحنّة" التي لا يتركنك تغض البصر عنها إذ يكدن "يطبزن" عينك بالأصابع "المقمّعة". وكما يقول الفرنجة :"تستطيع أن تهرب من التلفزيون ولكنك لا تستطيع الاختباء منه". تزور الأهل والصحاب فتجدهم يتحلّقون حول هذا الجهاز، يُشاهدون المسلسل التركي في استغراق، في الغرفة ذات الستائر التركية، والأبواب التركية، وأمامهم طبق الحلويات التركية. يسألونك بنصف انتباه ونصف التفاتة: "الحاجّة كيف؟" وحين ترد تجدهم قد عادوا بكامل انتباههم للمسلسل فلا يسمعون جوابك وإن قلت: " كويسة تسلم عليكم..... وتنعل أبو خاشكمّ." ثم تأتي فترة الاعلانات فينتبهون لك لثوانٍ بينما يُشغلك إعلان المسابقات من نوع "ارسل كلمة كذا على الرقم المُرادف لبلدك" ولك جائزة قيّمة، ويتبع ذلك أرقام الهواتف لكل البلدان العربية، بما في ذلك اليمن وموريتانيا وفلسطين المحتلة. تمحِّص القائمة التي تتقافز فوق الشاشة فلا ترى رقما مُرادفا للسودان (حتى بعد أن انفصل الجنوب واصبحنا جميعا من أحفاد العبّاس). ثم تلاحظ أن نفس الإعلان أو مايشبهه أعيد مرات ومرات لا تجد بينها الرقم المُرادف للسودان بين أرقام هواتف بلاد العرب. وربما يحدث الشئ نفسه في تلفزيونات ملاوي وتوجو وتنزانيا وغيرها من بلاد أفريقيا، ولا تجد بين الأرقام المرادفة للبلدان الأفريقية رقما للسودان. حين يحصي العرب البلدان العربية ينسون السودان (رغم مشاركة المتطوعين السودانيين في حرب 48 في فلسطين، وقطعنا للعلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الغربية عام 1965 حين تبادلت التمثيل الدباوماسي مع اسرائيل، ومع الولايات المتحدة لمساندتها لإسرائيل في حروب1967 و1973، ورغم حزب البعث العربي ، ورغم آلاف المصاحف القديمة التي تُرجع نسبنا إلى العباس عم الرسول، ورغم عبدالله الطيب والسرّاج والعبّاسي رحمهم الله)؛ وحين يحصي الأفارقة البلدان الأفريقية لا يذكرون السودان (رغم مساندتنا الفاعلة لحركات التحرير الأفريقية، وتصدرنا لجهود ازالة الاستعمار في الأمم المتحدة، وقطعنا للعلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا عام 1965 بسبب استقلال روديسيا البيضاء، ومساهمتنا الفاعلة في انشاء منظمة الوحدة الأفريقية وبنك التنمية الأفريقي، وفوزنا بكأس أفريقيا عام 1970، ومنقو زمبيري والغابة والصحراء). شئ عجيب! ما خطبنا ونحن دوما في "كشف السواقط" عربيا وأفريقيا؟ أهو ما يُسمّى في الموروث الإسلامي "المنزلة بين المنزلتين"، أم أن السودان كُتب عليه أن يظلّ في "بيرقاتوري" دانتي، التي هي محطة بين الجنة والنار في "الكوميديا الإلهية"؟ أكثر من نصف قرن من الزمان ونحن في جدل مستمر عن هوية السودان، أهو عربي أم أفريقي أم بين- بين، أدلى فيه علماء الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا والتاريخ والجغرافيا والإثنوغرافيا بدلوهم "وشرّقوا وغرّبوا" في عروبة السودان وأفريقانيته وسودانويته، وسكب المثقفون وخبراء الاستراتيجيات وعلماء أصل الكائنات والمتفيقهين حبرا كثيرا عن موضوع الهوية وما وصلوا إلى بر ولا اتفاق، وظلّت هوية السودان تنتظر الحسم . وفي انتظار الحسم، لجأ السجل المدني في أرانيك الرقم الوطني إلى وصف سوداني قديم للهوية هو" القبيلة"! غير أن علوم البيطرة ربما أفلحت في تلمس أول الطريق لتوصيف علمي لهوية السودان إذ وصفته بأنه مثل جزئية معينة من البقرة: لا هي من اللحم، ولا هي من الجلد! ولمن أراد التحقق من هذا الوصف العلمي للهوية من أهل الأرياف فعليه النظر إلى أول بقرة تمر في الطريق. اما سكان المدن الذين لم يروا البقرة حيّة تسعى، أو الذين تشابه عليهم البقر والحيوانات المستأنسة الأخرى، فننصحهم بزيارة معرض البقرة الحلوب أو زيارة الزرائب في تخوم الحاج يوسف أو مزارع الموسرين في أطراف الخرطوم الكبرى. أما الراغبين في المشاركة في مسابقات "ارسل كلمة كذا للرقم المرادف لبلدن" فعليهم الاتصال بالرقم الدولي المذكور في آخر القائمة وتحمل تبعات ذلك! |
|
|
|
|
|
|