من يجرأ على قيادة سيارة في الخرطوم يعد بطلاً عالمياً!!..

Quote: المرور ... مشاكل سودانية محضة أنا اسكن في حي الطائف بالخرطوم.. وأحمل رخصة قيادة عالمية تم إصدارها لي العام 1998م في العاصمة الاسكتلندية أدنبره.. و رغم أنني كنت أقود السيارات بالرخصة السودانية منذ العام 1960م في السودان قبل الهجرة إلى بريطانيا فإنني إجتزت إختبار القيادة لمنحي الرخصة البريطانية بعد ان رسبت مرتين بسبب صعوبة الإختبار أولاً، ولأن حركة السير في بريطانيا مازالت على اليسار ثانياً، وبعد قيادة السيارة لمدة ثلاث سنوات دون إرتكاب أية مخالفة، وبعد ان برهنت لهم بالوثائق إنني كثير السفر إلى الدول الأوروبية قامت السلطات بمنحي رخصة القيادة العالمية، ولكن بشرط توثيق الرخصة العالمية في عاصمة أوروبية أخرى لأن سير الحركة في أوروبا على اليمين، وتم ذلك بحمد الله في العاصمة البلجيكية بروكسل. عند عودتي إلى السودان في إجازة قصيرة كنت متفائلاً جداً بأني سأتمكن من قيادة السيارة بنفسي إلى حيث اشاء رغم التغييرات الرهيبة التي حدثت لشوارع ومباني العاصمة خلال غيابي من السودان، فتوكلت على الحي الدائم وركبت السيارة في طريقي إلى شارع »عبيد ختم« كبداية لرحلتي إلى السوق الأفرنجي بالخرطوم، ولكني أصبت بصدمة نفسية شديدة بمجرد إقترابي من شارع عبيد ختم، فقد جاءتني أصوات آلات التنبيه والسيارات من كل حدب وصوب إلى جانب عشرات »الركشات« التي سارت على يميني ويساري وربما من فوق وتحت أيضاً.. فذهلت تماماً مما حدث لأنني كنت والله العظيم أقود السيارة وفقاً للقانون، ولم أجد خياراً غير الخروج إلى أول شارع صغير صادفني عائداً إلى منزلي بالطائف، ومنذ ذلك الوقت أوكلت أمر قيادة السيارة لزوجتي، وما زال ذلك الوضع مستمراً، وسيستمر حتي أعود إلى بريطانيا. أما الذي حدث بعد ذلك خلال المشاوير العديدة التي خرجت فيها أقنعني تماماً ان كلا من يجرأ على قيادة سيارة في الخرطوم يعد بطلاً عالمياً!!.. »قيادة السيارة فن وذوق و أخلاق«.. لا يا شيخ!! لقد آمنت بأن أي شخص، وبدون أي فرز، يقوم بقيادة سيارة في الخرطوم لم يسمع بالعبارة أعلاه، أو ربما سمع بها، ولكن لسان حاله يقول: »العب غيرها«.. لا يوجد فن ولا ذوق ولا أخلاق مطلقاً، والأدهى من ذلك إنعدام أي إحترام لأبجديات القانون.. وقيادة السيارة في شوارع الخرطوم تتطلب التسلح بالكثير من الجرأة والإنتهازية و»الرجالة« وقوة العين، وفي ساعات الذروة أيضاً بالصبر الجميل والمزيد من الوقود ووضع الأعصاب في ثلاجة.. ومن الأحسن ترك الأعصاب كلية »بالمنزل«.. والذي أضحكني هو ان السلطات قد قررت ان عدم ربط الحزام أصبح مخالفة يعاقب عليها القانون.. ولا تعجبوا لضحكي لأنني أعتقد ان مثل هذا القانون هنا بمثابة نزف لا مبرر له.. ليه؟! لأنه -وبحكم الواقع- مجرد تقليد لما يحدث في باقي دول العالم.. فربط الحزام الغرض منه حماية الأرواح.. في الوقت الذي يرتكب فيه السائقون مخالفات قاتلة أخرى تحت نظر وسمع القانون، فالدخول لأي شارع للإنضمام إلى بقية السيارات يتم فقط عن طريق القوة والمغامرة، واستخدام إشارات السيارة يعتبر مبرراً للقيام بأية حركة لف دون إكتراث للتوقيت أو التقدير الصحيح للوقت أو المسافة، وعدم إحترام إشارات المرور حكاية عادية جداً.. وما يدهشني حقاً هو عدم سماعي بحوادث أو وفيات حركة المرور بالرغم من ان واقع الأحداث يشير إلى ان قيادة سيارة في شوارع الخرطوم ما هي إلا إلقاء بالأنفس إلى التهلكة. ثم يأتي دور المشاة الذين برعوا في التسلل بين السيارات المتحركة بطريقة يعجز عن الإتيان بمثلها بهلوان محترف.. ونفس الشئ لسلوك »الركشات« التي لا تتورع عن إرتكاب أي موصية مرورية مع ترك مسألة تفادي الإصطدام لسائقي السيارات.. وفوق كل ذلك إستخدام آلات التنبيه بدون أي مبرر مصحوباً بوابل من الشتائم والألفاظ النابية، ورجال شرطة المرور- وهؤلاء سأتحدث عنهم في موضع آخر- لا يوجدون إلا في أوقات ومواضع معينة، بل لاحظت انهم في أغلب الأحيان يصبحون معوقين لحركة السير بدلاً من المساعدة على سريانها.. ولا يجب ان ننسى المتاجر المتحركة التي يمارسها الباعة الجائلون الذين يزيدون الطين بلة دون أدنى مراعاة لأوقات وظروف الناس والأعطال التي يتسببون بها.. فالوضع العام في حركة المرور باختصار شديد عبارة عن »جبـانة هايصة«.. القصور الواضح من السلطات أرى ان الدولة مقصرة في أمر من الأهمية بمكان، ألا وهو عبور الشوارع ذات الحركة المكثفة بالنسبة للمشاة.. فمن يكون راجلاً ويضطر إلى عبور الشارع لبلوغ مكان معين عليه ان يبحث عن مكان به إشارة مرور ليتمكن من عبور الشارع عندما تتوقف السيارات.. وربما تبعد أقرب إشارة مرور له عشرات أو مئات الأمتار، وبالتالي يجد العابر أنه لا خيار له سوى المجازفة للتسلل بين السيارات التي تكون أحياناً مندفعة بصورة جنونية معرضاً نفسه للتهلكة وأعصاب السائقين للتلف الشديد. والحل المنطقي والعملي لهذه الظاهرة من البساطة بمكان، ففي كل دول العالم تعمد السلطات إلى بناء كباري للمشاة فوق الشوارع أو عمل أنفاق تحت الشوارع الرئيسية ذات الحركة المكثفة.. وهذا يوفر الكثير من الوقت والجهد والأرواح.. ويساعد على سير الحركة بصورة متناغمة ويمنع اللجوء إلى إستخدام آلات التنبيه.. دور رجال شرطة المرور هنالك مثل معروف يقول »لا دخان بلا نار«.. وطبعاً هذه حقيقة، ولكن ما أنا بصدد الحديث عنه أمر جلل ويتطلب التدخل والردع الفوري من كل ذوي الإختصاص.. فهناك شبه إجماع بأن رجال شرطة المرور من أسباب كوارث المرور لأنهم يغضون الطرف عن كثير من المخالفات مقابل الحصول على (رشاوى) من السائقين المخالفين للقانون.. فأنا بالطبع لم أكن بعد طرفاً في أي من مثل هذه الحالات، ولكن الحكاوى كثيرة.. ويقولون أن دفع رشوة لشرطي المرور ضمان أكيد لعدم تسجيل أية مخالفة مهما كانت كبيرة وواضحة المعالم.. فهل هذا صحيح؟.. وهل السلطات لها أدنى إلمام بمثل هذه الممارسات لتضع العلاج الناجع؟!.. والقانون واضح جداً هنا: إرتكاب مخالفة يعد جنحة، ولكن اللجوء إلى دفع رشوة جريمة ما في ذلك شك. أنجع السبل لعلاج الإزدحام لقد توصلت دول العالم إلى أن العلاج الناجع لإزدحام السيارات هو تشييد الشوارع المعلقة والشوارع الدائرية.. أي بناء شارع آخر فوق الشارع المزدحم.. أو الربط بين نقطتين مرغوبتين ببناء شارع دائري مباشر.. وبالطبع كلنا يرى ذلك في دور الخيالة وأفلام التلفاز، وأنا أعلم جيداً ان تنفيذ مثل هذه المشاريع مكلف للغاية.. ولكن العبرة بالغرض.. فالشوارع المعلقة والدائرية توفر الكثير من الوقت والجهد والوقود، وفوق ذلك توفر عنصر السلامة، وقد آن الآوان لأن تفكر السلطات بصورة جادة في استقدام مثل هذه المشاريع.. نعم، ان تنفيذها يحتاج لبعض الوقت.. ولكن في النهاية سيتضح أن الوقت لم يذهب سدى.. درس لا أنساه مدى الحياة أنا أسكن في وسط لندن.. وفي شارع رئيسي معروف اسمه »ميدافيل« لا تنقطع عنه الحركة المكثفة طوال ساعات النهار وإلى وقت متأخر من الليل.. ومن عادتي ان استيقظ مبكرا جداً لأداء فريضة الفجر في موعدها.. أذكر انه في احد الأيام وقبل نحو »12« عاماً تركت الفراش حوالى الساعة الرابعة والنصف صباحاً لأداء فريضة الفجر، ولسبب مجهول دفعني فضولي لإزاحة ستار النافذة لأنظر إلى الشارع.. وكان خاليا تماماً من أية سيارة أو أي شئ آخر، يعني »مافيش ولا قرد« كما يقولون.. وبالطبع ليس هنالك شرطة مرور لأن السلطات أوكلت مهام الشرطة إلى الكاميرات المثبتة في مواضع استراتيجية في الشوارع الرئيسية لتسجيل كل شاردة وواردة. وقد لفت نظري وجود صبي لا يتعدى عمره العشر سنوات تقريباً.. وكان يقود دراجة، ولكنه كان متوقفاً لأن إشارة المرور كانت حمراء.. ولم يتحرك ذلك الصبي إلا بعد ان تغير الضوء إلى أخضر... حدث هذا والشارع يخلو تماماً من أي شئ.. وبعد الصلاة جلست أفكر في هذه الواقعة البسيطة في واقعها والعميقة في مدلولها، فسألت نفسي: متى نصل إلى هذا المستوى في إحترام القانون والتمسك بالأخلاق؟! وهل يمكن ان نحلم بحدوث مثل هذا في السودان؟!.. والإجابة متروكة للسادة القراء الكرام!

Quote: الاخ اشرف مصطفى التجارب كثيرة والعله فينا وليس فى غيرنا وللحديث بقية

Quote: وقيادة السيارة في شوارع الخرطوم تتطلب التسلح بالكثير من الجرأة والإنتهازية و»الرجالة« وقوة العين،