|
أولُ السَّطْرِ ...... آخِرُ الْخُزن
|
"إليكِ إشراق، وها الروح تشرَقُ حدَّ الأسى بدمعِها الطويل ........"
(إ)
...... كانَ صوتُ "نصَّار" ذاكَ النَّهار مثقلاً، على غيرِ عادتِه، بشيءٍ ما ....... هاتفَني بعد يومين مِنْ زيارتي له في بيتِه ...... تصافح صوتانا، ثُم رمى ما رمى: أُظُنُّك لم تسمع خبر رحيل "إشراق" ..... ............................. ............................. ............................. "ياااه يا عِصام ..... كم اشتقتُ لهكذا حروف ....." – آخِر رسالة إشراقية بتاريخ: 10 نوفمبر 2010 م. .... كان حرفي حينها يُشاكِسُ بحراً يروغُ أو .....:
ثَمَّةَ بَحرْ يروغُ مِن الشُّعراء وكمْ يرتَبِك ..... يُتمتِمُ كالمستجيرِ بخوفِ المياه: شِباكُهمُ، هكذا كالقصائدِ، لا تُحسِنُ الصَّيدَ فهي تلُمُّ الحصى والأسى والمحار وطَيشَ السمَكْ فإذاً .........
اليوم هو الأربعاء السادس عشر مِن نوفمبر، لكن بعد مرور سنة من تاريخ آخر رسائل "إشراق" لي ..... أنظرُ الآنَ الآنَ في هاتفي المُتنقِل، أقرأُ رسالتها بين مُكذِّب و مُكذِّب، لأجدَ أنَّ العاشر مِن نوفمبر 2010 م كان هو الآخَر يومَ أربعاء ....... ولكِنْ شتّان بين أربعاءٍ تأتِلقُ فيها "إشراق" وأخرى يغيبُ عنها قمرُها الْبَهِي .......
(ش)
أذكرُ أولُ عهدي بها، سبعة أعوام للوراء بمكتبِها في الخرطوم ..... كنا تراسلنا – عبر الإيميل – قبلها بشهور وقد قدّمني لها أستاذنا "عالِم عبّاس" وشقيقي "أحمد رجب" ..... كانت تُدير مكتب أعماِلها الخاص وقتها .... أذكرُ استوقَفني اسمها ولماذا هو خالٍ مِنْ تاء التأنيث، فقالت هو كذا أكثر تفرّداً وإطلاقا .... أذكرُ أهدتني حينها كتاب "رسائل غساني كنفاني لغادة السَّمان" وآخر هو: "تزيين الأسواق في أخبار العُشَّاق" لداؤود الإنطاكي، وأهديتها ديواني"الخروج قبل الأخير" ..... تبادلنا وتهادينا بعدها كُتباً وكُتبا ..... وتبادلنا كتاباتٍ ورسائل وخواطر وقصائد و ...... وكانت تدُلُني على كُتبٍ وكُتّاب، وأشيرُ لها إلى مِثلِ ذلك ....... ثُمَّ كان أنْ خصَّتْ موقع "سُودانيّات" بـ "خواطِرها" الْبَهِيَّة وتداخل معها الكثيرون والكثيرات حتّى أسموها عن محبّةٍ مُستحَقَّة: سيدة الخواطِر ...... هل هو "عالم عبّاس" مَنْ أسماها، وقد تشاطرا خواطِر شتّى في "سُودانيّات"، ضمّنَ بعضاً مِنها ديوانه الأخير "في انتظارِ الْكِتابة" ..... كانت خواطِرُها تبوحُ بأنوثةِ رائقة عن الْعِشقِ المُستحيل الذي لا سبيلَ إليه إلا في فضاءات الخواطِر والقصيدة ..... مثل أحاسيس وأفكار ورغبات وأشياء وأشياء قدرُها الجميل أن تظلَّ كما هي، لا لشيءٍ سوى أنَّ المُستحيلَ هو المُستحيل، والمُمكِنُ هو المُمكِن ......
(ر)
مَنْ يعرف "إشراق" الكاتِبة، قد لا يعرف كثيراً عن "إشراق" سيدة الأعمال، أو ورئيسة إدارة التمويل الأصغر بالسودان ..... أو "إشراق" التي ذهبّتْ بها ظروف عملها إلى مناطق شتى داخل السودان ..... أتذكَّرُ حين نشرتْ مرَّةً في "سودانيات" صوراً بديعة إلتقطتها في رحلةٍ لها لمنطقة النيل الأزرق ..... "إشراق" التي جابت العالم هنا وهناك، أفريقيا والبلاد العربية و أوربا وأمريكا ..... "إشراق" التي تخلق الفرص لتتعلَّم وتتأهَّل أكثر ...... حدَّثتني عن واحدة مِن رحلاتها الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك إثر دعوة وجهتها لها إحدى مؤسسات التأهيل المهني عثرتْ عليها - أي "إشراق" – مِنْ خلال بحثها في الإنترنت، فوجهوا لها دعوى، دون أن يسألوها دفع رسوم تلكم الدورة التدريبية ...... وأخرى مِن مؤسسة إيطالية، لِتُحاضِرَ هي هذه المرَّة عن تجربتها في إدارة التمويل الأصغر ......
(ا)
سأحفظُ وتحفظُ الكثيراتُ والكثيرون لـ "إشراق" إحتفاءها الذي لا ينطفئ بما جنته أيادينا مِنْ الحِبر المسفوك ...... كُنَّا نبعثُ لها بقصائدنا وكِتاباتنا الأخرى، أو ننشرُها على الإنترنت، فتهرعُ كفَُّها الحانية إليها تُعينُها على الْجمال، وهي ترُشُّ عليها مِنْ جمالِها دائمِ الإشراق ...... "إشراق،
كل يوم يكبرُ يقيني أن اشراقك أكبر من أن يحبسه اسمك .... ماذا أقول في حضرة كل هذا الحب إلا /
"ما أفقره من لا يجدُ من الكلمات لكي يتحدَّثَ عن فرحتِهِ ..... إلا أن يهتفَ إني فرحان ..." صلاح عبد الصبور
تكون القصيدة عندي نائمةً شيئاً ما، فأرسلها لك فتنفخين فيها من روحك فتدبُّ فيها حياةٌ أخرى أكثر جمالا .... جمال التواصل الذي يتوارى من بهائه جمال الحِبر .... أنا يا سيدتي فرحان وكلي امتنان ....و ...."
"موقع: سودانيّات – السادِس مِن مارس 2006 م."
(ق)
الساعة الرابعة عصراً أو نحوها ........ ونصَّار وأنا نُقِلُّ "إشراق" إلى بيتها في "أمدرمان" ...... كانت، ربما الإجازة الأولى التي ألتقي فيها نصّار في "الخرطوم"، لا دار الْهِجرات ...... كانتِ "البلابل" رفيقاتِ رحلتنا وهُنَّ يُغنين: أحسَنْ تسيب سِكتنا / سِكّة مدرستنا / شوف غير طريقنا طريق / شوف حارة غير حار تنا ..... كانت المرَّة الأولى التي أسمع فيها تلك الأغنية، تواضعَ ساعتها شيئاً ما زعمي أني أعرف الكثير عن غابةِ الغناء السوداني ....... كانت "إشراق" تُغنِّي بانشاءٍ تام: أحسَنْ تسيب سِكتنا ..... سألتها: ما هذه الأغنية ...؟! فأجابَتْ: هي مِنْ أغاني البلابل الباكِرات، للحلنقي ..... وأنَّها سمعتها كثيراً في صِباها ...... ماذا سيفعلُ "نصَّار" وأنا بتلكم الأغنية وها قد رحلَتْ "إشراق" .....؟! تُرى هل سنمعها دون أن يهب علينا دُعاشٌ بليل مِنْ تلقاء "إشراق" .....؟! ............................. ............................. ............................. حزينون يا "إشراق" لِفِراقِكِ الْمُر ......حزينون واللهِ حدَّ الْحُزن والوجعِ والفاجِعة ........ كَمْ مضى على رحيل "خالد الحاج" رفيقُكِ في "سودانيات" ..... وبعدُ لمَّا تجفْ قصائدنا عليه:
لمتين رحيلْ .... هوي يا صِحابْ يا إلفة الروح والْعَقاب مَ خلاص إذاً ملّيتو مِنْ سفَرَنْ طوييييلْ لي ها التُراب .....؟!
تسألُ القصيدةُ الثكلى أيتها الـ "إشراق": لمتين رحيل ...... لمتين .....؟!
عصام عيسى رجب الأربعاء 16 نوفمبر 2011 م
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أولُ السَّطْرِ ...... آخِرُ الْخُزن (Re: عصام عيسى رجب)
|
يكبر الحزن فينا فنكتب أنه قد عبأ كل القلب وأنه ما من حزن سيليه بإدعاء الاعتياد بإدعاء أن ما ابتلينا به حينها هو الأبعد فينا والأضخم بإدعاء أننا ربما سنغادر قبل بلوغ حزن قادم بإدعاءات جمة نقابل أحزاننا وتتالى علينا تنهال على أرواحنا تقضم من قلوبنا ونحسب أنه ما من فرح ستتلقاه القلوب في الغد . . . حنى نفيق على صوت الحياة يرتعش في أوردتنا وأنا من الأنيق أن نستعيد اللحظات الأروع مع من فقدنا... أن نتغلب على أحزاننا نقهقه على وقعها الموحش فينا ...
لكن ما نفعل في الأدمع التي لا تتوانى تتقاطر إلى سقف سفحها وتؤوب...!!!
ما نفعل والنبض لم يزل يترقب سقوطه في الكمين الأجمل...!!!
ما نفعل والأصابع تعالج دورات الشجن المستشري في الكون بمزيد من الصراخ المُجابه بالصمم...!!!
ما نفعل ما نفعل... وما نفعه...!!!
لم أزل أبحث عن دمع يريح الروح من تحديق الأحزان إليها وإشراق تتوارى جسداً ولم تزل روحها تطل بالدفء المعهود
تحايا لروحك صاحبي ولنصار ولكل من عرف الإشراق إشراق وبخاصة أسرتها الكريمة المكلومة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أولُ السَّطْرِ ...... آخِرُ الْخُزن (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)
|
يا عصام ما زالت إشراق بكامل بهائها هي التي تبدو أمامي وذاك النهار المتواصل حتى العصر، الدافق بالأمطار وهي وبيتها وكامل الاناقة في كل شئ .. دعوناها لحضور مسرحية تعرض تلك الأيام بالمسرح القومي وأعتذرت لعودتها من يوم عمل طويل شاق ومنهك ذهبنا ولم تشأ الأمطار أن يقدم ذلك العرض .. ربما لانها لم تأتي معنا .. إشراق، ظلّت دائماً إشراق ..
لها الرحمة والمغفرة ولأهلها وكل معارفها وأصدقائها وصديقاتهاالعزاء والصبر.
| |
|
|
|
|
|
|
|