|
|
الموت المفاجئ
|
بمتابعة تصريحات المسؤولين الحكوميين، وكتاب الاعمدة الموالية للنظام، نتوصل الي حقيقة واحدة، وهي ان النظام قرر قرارا نهائيا لا رجعة فيه، بالتضحية بالوطن عن طريق السير في ذات الطريق الذي قادنا الي وضع الاحتضار الذي فيه السودان اليوم، وهذا امر متوقع بالنظر الي سلوك النظام في السابق وطريقة تفكير منسوبيه.
ندوة نافع في جامعة النيلين التي قال فيها ان الهوية الفكرية اهم من الاكل والشرب، وأيضا حديثه عن ان الدولار تم توفيره عن طريق دعم من بعض الاصدقاء، وحديث عمر البشير عن الدستور الاسلامي في اصرار غريب على المتاجرة بشعارات ما عادت تسمن او تغني عن جوع، وتصريح وزير المالية بأن الاقتصاد السوداني في وضع افضل من امريكا، هي كلها مؤشرات على ان النظام لايملك ولا حتى ادنى فكرة لكيفية حل الازمة الاقتصادية –السياسية –الاجتماعية الحالية، وأثبتت حكومة الكيزان انها على استعداد للتضحية بالوطن لتجنب الخروج من السلطة، في تفكير غبي يليق بهم تماما.
أن السيناريو الذي يزداد رجوحا يوما بعد يوم، هو انهيار الدولة السودانية بشكل مفاجئ، يفوق حتى توقعات اكثر المتشائمين من امثالي، وهذا السيناريو يصير اقرب في ظل تردد المعارضة وعدم فعاليتها، وهو امر ساهم فيه النظام بشكل كبير باالاختراق الامني وشراء الذمم والمواقف السياسية، في سلوك قمئ بنم على ان قادة النظام ليسو رجال دولة بحق وحقيقة، ولم يكن لهم رغبة في يوم من الايام في جعل السودان دولة قوية تحقق الرفاه لمواطنيها، بل هدفهم هو السلطة لا اكثر ولا اقل، بغض النظر عن الطريقة التي تبقيهم فيها.
أن توقعات الانهيار الشامل والتام ليست مجرد كوابيس شخص متشائم يخشى على وطنه وأهله، بل هي نتيجة منطقية لمعطيات بعضها واضح وضوح الشمس، وبعضها يحتاج الي القليل من بعد النظر والوقوف والتأمل، وكلها منطقية تماما وتسوقك سوقا الي هذه النتيجة، وهذه العوامل ليس من المؤمل ان يأخذها النظام في حسبانه، بل سينظر اليها بإستخفاف يليق بكل طاغية ومتجبر، يعتمد على رزق اليوم باليوم في تجاوز المشكلات، ويمتهن الكذب والتضليل إمتهانا.
أولى هذه المعطيات هي الازمة الاقتصادية الخانقة، التي لازال النظام في مرحلة التردد حيالها، ليس التردد في اي حلول يختار، بل التردد في الأعتراف بها كمهدد لوجود البلد بحالها، وهو امر لابد منه في حال اردنا المحافظة على الوطن من الانزلاق في المصير المظلم الذي ينتظرنا.
التجربة علمتني ان الارقام لا تكذب أبدا، مهما قال السياسيون ومهما فعلوا من اجل تغبيش الوعي واللعب على الذقون، تبقى الارقام في صدقها متفردة، والسبب في ذلك ان الارقام لا تقول شيئا جديدا ابدا، بل تعيد عكس ما تعبر عنه في صيغة لا تقبل الجدال والمماحكة.
إن صادرات السودان غير البترولية في عام 2010 كانت 1.7 مليار دولار، وأستوردنا طعام فقط ب 2 مليار و625 مليون ( أنظر تقرير البنك الدولي في يوليو 2011) منها اكثر من 600 مليون دولار قمح فقط !!. إن الارقام تقول إننا في ازمة اقتصادية حقيقية، تسبب فيها النظام الحالي بإعتماده على الموارد البترولية، وتدميره للزراعة والصناعة ، وتبديده لموارد البلاد في الصرف على تأمين النظام، وفي الفشخرة والتفاخر والمظاهر الكذابة،و إهماله للتنمية والاستثمار في مستقبل البلاد عن طريق دعم التعليم والصحة والمشروعات الانمائية، أزمة تهدد وجود الوطن بأكمله. إن الانهيار الاقتصادي سيتبعه انهيار النظام مباشرة، لأن النظام أعتمد طيلة سنوات وجوده على جهاز امني شديد الضخامة، جهاز مكون من عدة اجهزة تعمل في مستويات متباينة وتستهلك جل موارد البلاد، جهاز امني متمدد في كل مناحي الحياة في الدولة ، من الخدمة المدنية الي الجامعات الي الاحياء والتنظيمات السياسية والنقابية. النظام وجهازه الامني صار اشبه بشركة تصرف 80% من دخلها كمرتب للمدير ومخصصات لحرسه الخاص، ومن المؤكد ان شركة مثل هذه ستنهار عند اول زنقة.
حافظ تنظيم الكيزان على ولاء العديد من الناس عن طريق المال والمناصب، ومع نقصان الموارد المالية سينفض الكثيرون من حوله وليس من المستبعد ان يناصبونه العداء، لأن طبيعة جل الموالين للنظام هي طبيعة إنتهازية قصيرة النظر لا تنظر أبعد من أرنبة انفها، وهؤلاء تكاثروا وطغوا على العقائديين الذين يظنون انهم يحسنون صنعا بالوطن حتى يكاد لا يسمع صوتهم.
طبيعة التفكير الامني المنصب على تأمين النظام اولا، هي المهدد الاكبر لسلامة الوطن في ظل الازمة الاقتصادية، وهذه الطريقة من التفكير هي التي ستدفع بالبلاد الي الانهيار المفاجيء والتفكك والصوملة، والنظام الحالي غير قادر ولا يملك الادوات اللازمة للتفكير في مستقبل البلد، حيث ربط وجود السودان كدولة بوجوده هو، ووجود النظام يعتمد على التفكير الامني ، وهذه الدوامة الخبيثة ستغرق البلد في النهاية وسيغرق معها، شاء النظام ام ابى.
المعطى الثاني هو الحروب التي اشعلها النظام في كل اطراف الوطن بعنجهيته والعنصرية المقيتة التي تضرب بأطنابها جوانبه، فالنظام ليس قادر على ادارة التعددية الثقافية والاثنية في السودان، بل هو لايريد حتى الاعتراف بها، والذين يقاتلون في كل الاطراف سواء في دارفور او جبال النوبة او النيل الازرق، دفعهم النظام دفعا الي الحرب رغما عن ارادتهم، فبدلا عن الاعتراف بالمظالم التاريخية للمناطق المهمشة والعمل على ازالتها، عمل النظام على المزيد من التهميش بتوصية من عراب سياساته الاقتصادية العرجاء، عميل الامبريالية عبدالرحيم حمدي ومثلثه الشهير، وكلمة عميل هذه اصر عليها بناء على تقييم سلوكه وسياساته الاقتصادية التي تصب في مصلحة الشركات العابرة للقارات والأغنياء خصما على الفقراء.
النظام اليوم غير قادر على القول بأن تلك الحروب هي جهاد مثلما فعل في حرب الجنوب، لأنه يعلم مسبقا بوار هذه البضاعة ولا جدوها بعد ان اكتشف الناس متاجرتهم بالدين والجهاد عقب المفاصلة، كما انه في ذات الوقت غير قادر على الحسم العسكري رغم رهانه عليه، وهو رهان من لا يتعلم لا من تجاربه ولا من تجارب غيره.
المعطى الثالث هو تمزق النسيج الاجتماعي للشعب السوداني، وإنتشار القبلية والعنصرية والتجهيل المتعمد للشعب، وكذلك الجريمة والسلاح وثقافة القوة والعنف، والتدني في مستوى الاخلاق العامة التي كان يتميز بها الشعب السوداني، حيث صارت الرشوة شيء طبيعي ومن الامور المقبولة التي لا تجد استنكارا من احد، وصرنا نسمع عن جرائم لم يعرفها المجتمع السوداني طوال تاريخه، مثل اغتصاب الاطفال وقتلهم، وإرتفاع نسبة تعاطي المخدرات بصورة مذهلة حقا، وتدني سن التعاطي، ودخول المخدرات المصنعة مثل الحبوب والبدرة الي اسواق المخدرات ، وزيادة اعداد المشردين بسبب الحروب والظروف الاقتصادية السيئة. إن ما حدث للمجتمع السوداني هو تخريب كامل وشامل ومتعمد لنظمه وأعرافه وتقاليده وأخلاقه، وكل ذلك من اجل هدف واحد، هو السيطرة على مقدراته من اجل نهبها فقط لاغير.
كل هذه المعطيات تقول شيء واحد، هو ان السودان الوطن والدولة، في طريقه للإنهيار وبخطى حثيثة تتسارع يوما بعد يوم، وليس هناك امل في المستقبل المنظور، فلا المعارضة قادرة على رؤية هذه الحقائق لتتخذ موقفا حازما وحاسما تتوحد به ضد المصير المظلم الذي ينتظر الوطن، وليس هناك امل بالطبع في النظام، فهو للأسف الشديد ولسؤ حظ السودان، حرم من العقلاء حرمانا تاما.
|
|

|
|
|
|