شوقى بدرى يكتب عن ... مريم عسل الجنوب ...والاديب عثمان حامد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 02:35 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-13-2011, 11:08 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شوقى بدرى يكتب عن ... مريم عسل الجنوب ...والاديب عثمان حامد










    عثمان حامد سليمان

    شوقي بدري
    -4

    عندما قرأت في جريدة الشرق الاوسط قبل ايام موضوعاً عن الكاتب السوداني امير تاج السر, تألمت لعدم اهتمام السودانيين بكتابهم . و انا الان اعيد نشر هذا الموضوع الذي كتبته قبل عقد من الزمان .
    اقتباس
    الي شبابنا و ابنائنا ،
    نحن السودانيون نشتكي عادة من قلة كتابنا و قلة انتاجنا . المشكله اننا لا نعرف بعضنا . عثمان حامد سليمان المقيم في دولة الامارات منذ دهور كاتب يستحق مني اكثر من انحناءه و هو مثل امير تاج السر، لا يكتب فقط قصه بل يرسم لوحه و يكتب قصيده كامله في كل قصه قصيره .
    امثال عثمان يعقدونني فلا ادري من اين ياتون بكل هذه الجمل الرائعه و التعابير التي تتغلغل في داخلك .
    من المؤلم ان الكثيرين لا يعرفون عثمان حامد سليمان . و انا قد سمعت قديما بالمجموعه القصصيه مريم عسل الجنوب . و لم اتمكن من دراستها الا اخيرا . لماذا نذهب بعيدا و عندنا امثال الكاتب عثمان حامد سليمان و بدون اختيار سافتح بطريقه عفويه و اقرا لكم .


    اشتعل المساء بالبراكين المعباة في الزجاجات المثقلات بالذهب ، الدم الشاحب يغمر الحانه فينطفء الضجر . جلس امام الينابيع الورديه فاقتربت اشرعة الصباح العذب.
    انفتحت شوارع المدينه علي قلق النهار . اكداس المارة علي الارصفة الدبغه ، السماء الواقفة في ردائها الازرق تظلل كائنات الطريق الودود .هياج الحافلات يجدد الوان الميدان .
    دقة طبول الوحش في مهرجان الغياب ، اصواتها العاليه تذبح الغيوم الصغيره العابره . يلملم القمر ثوبه و يدخل في صمت القصدير ، يفتح باب حجرته الفضيه لا يحفل بدم البرق .
    و في قصة مريم عسل الجنوب يقول
    قال غبريال (اما انا فقد اقتفيت اثار الطير و النهر فحملني الي بعض القري الشماليه و عندما اكتملت لي اشارات النخيل و القمح ، وقفت علي حصداها حتي تواصل الغناء علي انغام الربابه و ضرب الاكف و خطوات رقص الحمام ، فلما تبعثرت روحي نشرت قلوعي ماضيا بدراستي العاليه لمعالجه علل القمح في المدائن البيضاء البعيده ، و قد عبرت لها البحار و اخترقت سماوات غابت عنها شمس الحراره الملتهبه . في تجوالي سكنت روحي الي قرنفله اهديتها قلبي فانجبت لي فتا نابها. جلبت له صغري شقيقاتي لتلقنه حروف لهجة ابائنا لتمتد جذوره عميقا و تطل شجرته علي الغابة الكبري ) .
    و كمعالجه شعريه لمشكلة الجنوب في قصة مريم عسل الجنوب يقول الرائع عثمان
    كل صباح تدخل الشمس من نفس النافذه ، كل صباح يدخل صوت النفير مع ضوء الشمس ، من النافذه . كل صباح اخرج من الباب بعد ان اتناول افطارا جافا . كل صباح نحصي عدد الجنود فنجد واحدا ناقصا . عندما تخرج الاخبار من غمدها و تعبر الشاطئ لتدخل في علبة الاثير النقاله ، يصبح الصباح فاذا بالمدينه البعيده ارملة اخري و حفنة اطفال تيتموا .
    ياتي المساء بسطوة الظلام و السكون ، و عندما تدخل الشمس من النافذه يتبعها صوت النفير ، و يصطف من تبقي من الجنود .
    لعثمان كذلك مجموعه قصصيه قديمه هي رائحة الموت . تلفون عثمان النقال الذي اعطيه لكم بدون اذنه هو 00971506172989 و بريده الاليكتروني هو
    -5


    فالي شبابنا و كتابنا و ابنائنا ، هذا هو عثمان . انه لكم . الحديث معه رائع و كلماته كالدرر ، خذوه فالرحيق لا يبقي الي الابد .
    عندي نسخه واحده ادخرها لامير تاج السر اذا تحصلت علي عنوانه .
    و لكم التحيه
    شوقي



    السمكة
    ــــــــــ
    عثمان حامد سليمان
    ـــــــــــــــــــ
    في قفزاتها المتتابعة تلفتت السمكة النزقة يمنة ويسرة ، ارهفت سمعها لاصوات الصيادين ، كانت امسية صيفية حارة و كان النهرهادئا متكاسلا .
    نجيمة السماء الزاهرة كانت ترسل شعاعها الواهن و ترمق السمكة وهي تخطو خطوة حذرة علي رمل الشاطيء ، خطت خطوة اخري ، توغلت في اليابسة ، فارقت اصوات النهر وتناهي الي سمعها بعض اصوات المدينة ، حثت السير ، تعثرت في الحصي ، جاهدت التراب والشوك واخذت تجد في سيرها ، تباعدت اصوات المدينة وانوارها ، تقرحت لهاتها بعد ان ملأت خياشيمها من هواء الليل ، دفنت نصفها في رمل الصحراء واخذت تتطلع الي السماء ، ابتسمت لها نجيمة السماء الزاهرة مشجعة وقالت ,, ستجف هذه المجنونة حين يجف ماء النهر من مسامها ،، .
    هبت عليها ريح الصحراء وانقلبت حالة الطقس ، غسلت جلدها بقطرات المطر و تمرغت في حبيبات الرمل المبللة ، وهذا الصباح اشرقت الشمس علي فضاء فسيح ، اجفلت الصبارة و مالت علي صاحبتها الصبارة و قالت لها ،، انظري الي هذه السمكة النزقة ، حدثتني عنها النجمة البعيدة الليلة البارحة فقالت انها فارقت النهر وستجف حتما .. آه لم يبق الا السمك حتي يجئ الي هنا ،، .
    ليلة بعد ليلة والسمكة تجاهد العيش ، تلتقط الرزاز حين تجود السماء و تتمرغ في نداوة الارض ، تكاد تجف عند طلوع الشمس ، تشاكس الصبار وتنقر حوافه و في ليلة فأجاها مخاض السمك و جاءتها الولادة و هي تبكي نادمة علي فراق النهر و اخرجت بويضاتها ، دفنتها في بطن الرمل ،خرجت من جوف الارض سميكات واهنات تلفتن ونظرن للصبارات و تراكضن هنا و هناك ، انهن لايشبهن صغار السمك في النهر .
    وفي الليل كانت النجمة ترسل ابتسامتها المشفقة الشاحبة و تجول بنظراتها الواهنة ، ترمق السمكة و هي تجمع صغيراتها من حولها لتقص عليهن قصة النهر و الاعيب صويحباتها و تحكي لصغارها عن السباحة في الاعماق و كيف كانت تفلت من شباك الصيادين و من انياب السمك الكبير.
    توارت النجمة بين السحاب فقالت السمكة ،، يا صغيراتي ان النهر صحراء كبيرة كبيرة ممتدة تفيض بالدموع ،،
    و بدأت السميكات الصغيرات يفهمن ان النهر ماء كثير ، ماء كثير ، ماء بعيد .
    نشر بتاريخ 13-10-2011

    (عدل بواسطة الكيك on 10-13-2011, 11:11 AM)

                  

10-13-2011, 12:13 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شوقى بدرى يكتب عن ... مريم عسل الجنوب ...والاديب عثمان حامد (Re: الكيك)

    تكريم الكاتب والقاص الأستاذ/ عثمان حامد سليمان .


    Re: منتدى السودان الفكري - أبو ظبي (4)
    وكذلك احتفى به منتدى السودان الفكري 2009 :
    *
    الشكر للصحافي " الكيك " والكاتب الأم درماني " شوقي بدري "



    منتدى السودان الفكري بأبو ظبي
    يستضيف القاص :الأستاذ / عثمان حامد سليمان
    التاريخ 16-2-2009 م
    و 24-2-2009


    تجربة الكاتب الروائي :
    ا لأستاذ عثمان حامد سليمان و قصته
    ( مريم عسل الجنوب) أنموذجاً
    بسم الله نبدأ
    البرنامج :
    ـ تقديم
    ـ حديث الكاتب
    ـ قراءة أنموزجاً من قصصه القصيرة ( مريم عسل الجنوب )
    ـ المُداخلات
    (أ)
    التقيته أول مرة قبل عدة سنوات . ودود كثيف العبارة . أم درماني . ( بانكر ) . مهنة تُمسك بعصب الحياة و الاقتصاد وتعرف قيمة الزمن . أكثر دقة هي في عالم دراسات الجدوى وتمويل الاستثمار والأرقام خسارتها و ربحها . فكان حسه الروائي التدقيق في اللفظ وفي المعنى:
    إني أرى الكاتب عثمان حامد سليمان صاحب سبكٍ رائق . اختار من أصناف الكلام المكتوب : ( الرصين الجزل ) وجمع من صفات الكتابة (الفخامة والعذوبة ). نراه في القصص القصيرة يُكثف الحدث ويوجز السرد ويفجر الفكرة.
    (ب)
    صدر للكاتب الأستاذ / عثمان حامد سليمان :
    ـ رائحة الموت ( مجموعة قصص )
    دار الحوار ـ سوريا 1990 م
    ـ مريم عسل الجنوب ( مجموعة قصصية )
    دار الشرقيات ـ مصر طبعة أولى 1995 م.
    حوت المجموعة القصصية ( مريم عسل الجنوب ) على خمس قصص:
    (1) الظلام
    (2) فاطمة الحمرا
    (3) سِكة الصمت
    (4)مريم عسل الجنوب
    (5)غناء في العدم
    نعرف أن القص هو حصيلة تجربة حياة كمزرعة تنبت فيها بذرة الخيال العاصف .تختمرُ في ذهنٍ مُتفتح يعيش حياته و يقرأ الكون من حوله قراءة مُتأنية ويسجل وقائعه بتفاصيلها وتجلس جميعاً في ذاكرته تتنظر زمانها لتخرج علينا من عالم القص. يُمسك هو نماذج هلاميةً من الحياة حين يكتب . يرسم شخوصها ويقيم أحداثها ويسقيها من شرايين خياله الوثاب دماً لتحيى.
    كتب القاص الأستاذ/ عثمان حامد سليمان قصصاً متفجرة بالأحداث. ابتناها من مُعضلات اجتماعية . قطف باقة منها وأقام عليها بُنيان القص :من أفعال شباب المستعمرين وفعلهم في نساء المستعمرات اللائي أخرجهُن المجتمع من سُترة حمايته . ومن الحياة و جمال الفتنة النسائية عندما تشب في منبتٍ ضعيف لا يقوى على حمايتها و يُغري السابلة بالصيد . ترصَّد الكاتب المسكوت عنه في أضابير الحياة الاجتماعية من وراء الأستار . يُضيئه ما استطاع ببنان ماهر حاذق العبارة . دوماً يترك مساحة للقارئ أن يملء فراغات ما بين السطور ، وتلك سماحة من الكاتب حين يُشرك قراءه التصوير الفني الدقيق للشخوص وللأحداث والمصائر.
    وفي قصة ( مريم عسل الجنوب) التي سمّى بها مجموعته القصصية يدلف الكاتب عثمان حامد سليمان إلى عوالم القص من بوابة أرّقت حياتنا في السودان ، وهي مُعضلة حياة أهلنا في الجنوب وعلائقهم بأهلنا في الشمال ومسببات الحروب الطويلة الآماد بسبب غياب عدالة التنمية في الأرياف البعيدة وعدالة تقسيم السلطة وعدم توفر رؤية لمن حكموا السودان . نثر الكاتب بُدرة شفاء اجتماعي وافق وجدانه القصصي . ملامح مُتفائلة قابلة للتصالح . أو هو جُرح اجتماعي قابل للشفاء وترك الأمر لنا نحن القُراء لنحكم .
    مرحباً بك أستاذ / عثمان حامد سليمان في منتدى السودان الفكري وأنت من قبل ومن بعد شريكنا في المنتدى و نُصرة الوعي .
    تفضل سيدي

    (2)
    القاص عثمان حامد سليمان يتحدث عن تجربته :
    أشكر الشقليني لتقديمه الضافي ، ومن قبل كان قد قدم مساهمة نيرة في ملف خاص بحوار قدمه القاص : عيسى الحلو عن تجربتي القصصية في منبر سودانيزأونلاين .
    كنتُ أمام أحد أمرين أما الحديث عن تجربتي كما تفضل الأخ عبد الله الشقليني ، وهو قد قدمني بما يجب وله شكري وجزيل تقديري ، أو أن أقدم تجربتي في ميزان التحليل والنقد ، كما سيتفضل الأستاذ / عبد الجبار عبد الله ولن أستبق الحدث فأنا لستُ بناقد ولكني سأقدم شيئاً مختلفاً :
    أن المكان كما قلتُ مراراً ولا أمل التكرار هو الوعاء المكاني الذي احتضن تجربتي بكل الحنو . فالنيل هو ابنها يلتف في خاصرتها ، فأنا أحد أبناء مدينة أم درمان و فقد ولدت وتشكلت وشب عودي واستوى على خاصرتها يسير الأبيض كتفاً بكتف مع الأزرق ، يحفانها بالبركة والرجاء. مدينة أمدرمان ونهرها ومزيجها ( خاتفة لونين )، فشرقها كله ماء عذب في انعكاس شمس الصباح على ملاءة الماء .

    سأتحدث عن المكان الذي احتضن تجربتي بكل الحنو والرفق ، كانت أم درمان ذلك الوطن الذي ينام على الضفة الغربية من النيل . يمتد من الموردة وحي الأمراء والهاشماب المدينة بأحيائها أسماء اللأسر والعائلات ، تبدو الأحياء قرية مسورة .
    حي الأمراء إلى مرقد الإمام المهدي حيث القبة والطابية وبيت خليفته ، ثم الملازمين وبيت المال و ود دورو والركابية و ود البصير وأبو روف و ود البنىا وحي القلعة و ود نوباوي إلى مقابر شرفي أفندي والبكري ثم الركابية وحي العرب والمسالمة والمظاهر والبوستة والعرضة والعباسية وأبو كدوك والشياخة وغرباً إلى مقابر العارف بالله الشيخ حمد النيل ثم بانت شمالاً والموردة الميناء النهري العتيد وخور أبو عنجة وحي الضباط ومن الجنوب الفتيحاب .
    أرض بما حوت من مصاهرات وأعراق وأجناس وثقافات. أم درمان الحركة الوطنية وأم درمان مؤتمر الخريجين وأم درمان جوامع وكنائس ودور ومدراس وبيوت حانية بأهلها وأندية النقابات وأهل الرياضة والفن والقضاء والمجلس البلدي وطير السمبر وآنسات الشاطئين والبرَدَة والصارقيل والورل . أم درمان السياسة وأم درمان الفن وأم درمان المسرح والإذاعة والأسواق والمهن والصناعات والتعليم . أهلها يمارسون حياتهم حين اجتمعت النحل والملل وكل شيء.
    هنا كان المسرح وهنا كانت شخوص القص .إنه ينبوع الطفولة وأنا أنهل منه كل قصصي . ينبوع الطفولة الذي لا تتوقف شلالاته و من علو تلال براكينها ، من هنا من طفولتي نهلت و باكراً شربتُ من أحاجي أمي . كانت امرأة حكاءة طويلة البال . اكتسبت دربة على القص تأخذنا تواً من القص إلى النوم ، من تلك الحكايات بثت الروح في الخيال ومعابثة الأجسام والكائنات .
    السينما باكراً . سينما ( برمل بك ) بطرف سوق أم درمان قبل أن تنمحي وصار الآن ذلك المكان موقفاً للعربات ثم مربطاً أولمبياً للسوائم ! .كانت السينما من مصادر الإيحاء في الطفولة الأولى . وهي واهبة المُخيلة الأولى والانتباه . شاهدت أول سينما وأنا في السادسة من عمري . كانت تتردد أصداء الجلاء والاستقلال ، ، تفتح السينما لأخيلة والصورة المتحركة واللقطة المصورة ، والتصوير والحوار وتطور الشخصيات والموسيقى والعيون التي تشاهد و تترك أثرها وذلك الموت الدرامي البارع في النهاية وهو يقود للسخرية .
    عن السينما بما تحدثه ، كان صديق طفولتي ( عبده صالح الموجي ) و من خلفه قصة عجيبة , وكان هو أصدق مثال لصناعة القص من الخيال . دخلنا مدرسة أبو عنجة الأولية في السابعة من عمرنا وبعد عام لم ينتقل للسنة الثانية . خرج صديقنا بكل ذكائه إلى الصنعة . لا يقرأ ولا يكتب. آخر مرة قابلته عام 75 . ، أما حكايتنا معه فهي قدرته على صناعته أفلامه . كان يعشق أفلام رعاة البقر والكاوبوي . لكل شخصية شكلها وجسّدها و صنع لها من خياله لغتها. كان يعشق الأفلام الهندية الراقصة . يقلد ويجسد بأوصاف لا تدري أنت آخر المطاف أ تضحك أم تبكي . هو يحب الأفلام العربية أيضاً. كان موعدنا الجمعة صباحاً مع مسرح ( عبدهُ ) السينمائي . يتقمص الشخصيات وينطق لسانه بكل اللغات وفق ما يتخيل ولم يكن يعرف الترجمة بالطبع ولا اللغة العربية أو الإنجليزية ولكن خياله الخصب . كان يدير كل شيء ، مقلداً يفتعل الحوار ويدير شخصياته . يصنع لنا قصة موازية لما شاهده بالأمس . وجاء الزمن المُر ، وتبدد صديقي أدراج الغبار بين الأزقة والحواري .
    تعلمت منه كيف تكون الحبكة وعظم القص من الخيال أو الذاكرة . كيف يتمكن الكاتب من الفكاك من سيرته الذاتية . يقولون الكاتب يكتب بتآمر داخلي بحياته الخاصة . التقاط الحكايات والفضائح .
    ذلك كان المكان الذي بدأت فيه تجربتي القصصية .
    كانت الطفولة ولم تزل هي صندوق وحيي ، هي منبعي ومن بركتها نهلت كل ذلك المعين .تركت السودان للمهجر منذ العام 1975 م . قضيت منذ تشكل وعيي في سن التاسعة عشر إلى التاسع والعشرين أي بما يعادل عشرة أعوام في السودان وإلى اليوم أربعة وعشرين عاماً في المهجر . أي أن عمري في الوعي خارج الوطن أكبر بكثير مما قضيت في وطني . أزور السودان بانتظام وأتابع وأتأمل كل هذه التحولات التي تمت في البشر والحجر والبيوت . مخادع الطفولة لم تزل هي زادي في حلم القص الطويل الذي أحمل خيوطه معي . كتبت مجموعتي الأولى ( رائحة الموت ) في أوائل التسعينات وكانت تختمر منذ الستينات ، ثم في منتصف التسعينات كتبت مجموعة ( مريم عسل الجنوب ) . كان زادي للقص طفولتي وكنوزها .ولم تزل تجربة الطفولة مُحفزة لخيول القص . هي الخيوط التي لم تزل تٌراودني فأكتب حين يشاء الخيال أن تلتف بحبائل القص وبُنيانه ورياحه العاصفة .
    تعلمت منذ الستينات والأحداث تطرق الذاكرة . وأذكر شعار الخمسينات ( أعطني قرشاً وحرر قناة السويس ) . ورأينا مجتمعنا يتغير ويتبدل . رأيت رجلاً يرسم بالدم ( شلوخاً )على وجه جميل. تأثرت بأصدقائي وكتبت .أردد دائماً أن كاتب القصة يسرب بعض من سيرته الذاتية من خلال القص .
    تعلمنا من ثورة أكتوبر 1964 م.تعلمنا من الشارع كيف صنع البشر عالماً جديداً في السياسة ، فقد أعْدَت أكتوبر ثورة الشباب في فرنسا عام 1968 ،

    وكتب عبد الله الشقليني عن تجربتي كتابة فارهة ، له وغيره من المهتمين .
    أمامي إما أن أقدم نفسي أو أنظر للقصة القصيرة وأنا كاتب أفتقر للتنظير . سوف أبدأ بشيء مختلف ، وربما لا يذكره كثيراً .
    أن المكان كما قلتُ مراراً أو أمدرمان هو الوعاء المكاني الذي احتضن تجربتي بكل الحنو . فالنيل هو ابنها وتشكل في ، فالنيل أحد أبناء مدينة أمدرمان و فقد ولد وتشكل شب واستوى على خاصرتها يسير الأبيض كتفاً بكتف مع الأزرق ، يحفانها بالرجاء . أم درمان والتلهل . انعكاس يمسان حوافها بالبركة والرخاء
    مدينة أمدرمان ونهرها ومزيجها ( خاتفة لونين )، فشرقها كله ماء عذب و انعكاس شمس الصباح على ملاءة الماء فشرقها المراكب والسنبر و
    (3)
    تعليق الشقليني :
    اليوم عثرت على نص المقابلة التي أجراها الكاتب والقاص /: عيسى الحلو . فرِحت ثم بدأت القراءة . كأنني أخطو حافياً في مَعبد لُغة فارهة . معِدتي لا تحتاج ، لا الماء ولا الطعام . جسدي كمن يقوم من نومه دب فيه النشاط . الطقس يتوسط الخيارات لا حر ولا برد . أنا حين أقرأ أجد نفسي مع رفقة هادئة ، لا تُشغلني عن الانتباه عما أريد :
    قلت لنفسي :
    عزيزنا الأديب القاص عثمان حامد ، وقد نثر بطانته اللغوية ، وكشف المخبوء بأيجاز ، أجلس عقولنا مجلِس الأرائك وأعطانا فوق ما نستحق من التكريم . فاللغة الواجدة المُنضدة ، لم تترك لنا أن نطوف الهرولة ، أو أن نقرأ كما يقول خبراء القراءة : العجلة مع قطف الثمار اليانعة .
    بدأت وهالني السرد المُدهِش ، والفِكر الواضح والموجز . عجبت أول ما عجبت أن أقرأ لكاتب يصنع من الحوار معه أقاصيص قصيرة ، مكثفة ، ينثرها بمهارة تتحدى ، وتفتح ذهن من يقرأ إلى قراءة خليطاً من الرؤى والقص بكل رياحينه !
    لكي لا يصفني أحدهم بالخطرفة اقرأ معي عزيزي هذا القطف من النص :

    {نحن نعيش في عالم شديد التغيير، والتغيير هنا مفروض بحد السيف فالكون كرة يدحرجها لاعب مجرد من القلب، صنع لنا حبالاً للاتصال دون المواصلة ، والقى بنا في مسارب ودروب لا تقودنا إلى منابعنا، فنحن في ذهاب صاعد إلى العدم.. الا يشكل الاستعمار الجديد الفريد كاشفاً ومعرياً إلى تهالك العالم واندحار ثقافات الأمم وارثها المتراكم الذي تعتدى عليه العولمة، وتقتله دون رحمة.. وإنسان هذا الزمان ينساق راضياً الى المستنقع. }
    نشكر الكاتب الأستاذ / عثمان حامد سليمان مشاركته المنتدى وهو ركن ركين من أركانه ، تمنعه الصحة وتقلباتها أحياناً من أن يُداوم الحضور . أهلاً به في بيته .
    سيقدم الأستاذ / عثمان حامد سليمان موجزاً عن تجربته ثم نقوم من بعد بقراءة أنموذجاً ولتكُن القصة القصيرة ( مريم عسل الجنوب ) .
    *
    العبارة المكثفة الموحية :
    كرصاصة لا تزيد عن سنتيمترين تُصيب فيلاً في مقتل .
    زغاريد التصوير من فرحٍ :
    هو فرح اللغة حتى وهي تصف الحُزن والكآبة التي تُمسك بجماع المقاتلين .
    لقطات سينمائية :
    لقطات موجزة ومُعبرة . اللغة عند القاص ( عثمان حامد ) كائن حي ، تعتمر ما تشاء على رأس كل عبارة أو جملة . وتأتزر ما تشاء من عَباءات الوصف ، يتداخل الحسي والمعنوي بتبادل رفيق . تترصع في سردها وهو يصعد قمة العقدة من السفوح ببروقٍ مُتناثرة . تكاد تنتظم بخيط كحبات اللؤلؤ في عقدٍ يطوق جيد هيفاء مُقبلةٌ .
    :
                  

10-14-2011, 05:26 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شوقى بدرى يكتب عن ... مريم عسل الجنوب ...والاديب عثمان حامد (Re: عبدالله الشقليني)

    تجربة الأستاذ / عثمان حامد سليمان جديرة بالتأمل
                  

10-16-2011, 08:57 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شوقى بدرى يكتب عن ... مريم عسل الجنوب ...والاديب عثمان حامد (Re: عبدالله الشقليني)

    شكرا للاديب الكبير الاخ
    عبد الله الشقلينى وهو رجل مهتم بالادب والادباء وهذا شىء طبيعى الا ان نشاطه الجم الذى يقوم به هنا وفى مواقع اخرى اهمها منتدى السودان الفكرى
    ..... يستحق هو الاخر التكريم ..


    اقرا هنا

    حوار مع القاص عثمان حامد........نقلا عن الراى العام

    القاص عثمان حامد سليمان:

    الآن لن تجد ما تبكي عليه!

    حاوره عيسى الحلو

    مدخل

    القاص عثمان حامد سليمان من كتاب بواكير السبعينات هاجر الى دول الخليج منذ مدة طويلة وهناك يشارك في الحياة الثقافية العربية، اذ يرفدالكتابة بابداعه القصصي حيث نشر الآن مجموعتين قصصيتين هما « رائحة الموت» و« مريم عسل الجنوب»، تلتقي به «الرأي العام» هذه المرة لتدير معه نقاشا حول ارتباط الكتابة بالتطور الحضاري العصري.

    « المحرر»

    انت من كتاب السبعينات الباكرة.. الآن ألمت تحولات عميقة بالواقع الاجتماعي محليا وعالميا.. كيف هي الكتابة عندك تحت هذا الظرف؟

    - تنتمي فترة سنوات الستين الزاخرة بالتحولات لانفجارات ما بعد الحرب العالمية الثانية، من اهم ظواهرها المعارضة القوية خارج البرلمان بدايتها كانت، ليس محليا ولكن عالميا بثورة اكتوبر 1964 بعدها بسنوات انطلقت ثورة الشباب والطلاب من فرنسا ربيع 1968 وتوالت الانفجارات هذا واحدثت تغيرات عميقة في عالم الكتابة والغناء والموسيقى والسينما والمسرح واشكال الاحتجاج بدايات انطلاق منظمات المجتمع المدني وحقوق المرأة والاقليات الاثنية والعرقية ثم بدايات ثورة المعلوماتية والاعتماد على الاجهزة الالكترونية والحاسبات الآلية، والآن ابرز مظاهر العولمة وانفتاح الاسواق العالمية على كل شئ في ظل قبضة اليد الواحدة للقطب المهيمن. سؤالك اين يجد الكاتب نفسه في كتابته وقلمه من الصراعات الاسفينية بمواقع الانترنت؟ واين الكتاب والصحيفة والمجلة والكتابة التي اصبحت بكافة مدارسها تقليدية بالمعنى الكلي للكلمة.؟

    -هاجرت وعمرك 29 سنة .. معك عشر سنوات «وعي محلي سوداني» وكان ان تغيرت .. كيف ؟ واين ظهر هذا في كتاباتك؟

    تذكر يا استاذ عيسى انني قلت لك في حديثنا السابق ان مدينة امدرمان قد شكلت الحاضنة الحانية لشخوص ومشاهد كتابتي القصصية وانها بهذا المعنى كانت المحول الرئيس لمكونات الوجدان والذاكرة ربما حدثت تغيرات ظاهرة في بنية المحول الامدرماني ولكن بقى من المدينة القديمة وسيبقى حتما الى ان تطوى الارض شرقها بمائه النيلي ، النيل من ابناء امدرمان ولد في زمان سحيق في خاصرتها الجنوبية عند الملتقى، وقد تدفقت قهوة الازرق المنسابة من الهضبة الاثيوبية لتلاقح كرات ماء النيل الابيض القادمة من افريقيا، هذه المدينة كانت وستظل منبعاً للالهام.. مكان فريد وتاريخ اجتماعي متدرج انتصر كثيرا على التناقضات والتباينات التي فرضتها التنوعات القبلية والعرقية الاثنية هذا النسيج المتمازج يزخر بالقصص والحكايات ، يحمل قماشات تصلح لنسج الروايات اكتب الآن وبعد كل هذه السنوات في الغربة - وهي ليست غربة بعيدة مكانياً- اكتب بذات الروح ، ولكنها ملونة بالوان غير مألوفة هنا، فالتعرف على الآخر والاطلال من نوافذ السفر على اقطار الدنيا اتاح لي افقا اكثر اتساعا ورؤية فيها شمول وتنوع الآن تأخذ الغربة مفهوما جد مغاير.. فهي ليست كالمهاجر التقليدية الماضوية التي انجبت شعراً وشعراء ولغة كتابة مختلفة خالطتها اخيلة من بيئات مختلفة ، فحتى وقت قريب اصبح الناس مثل البدو الرحل ولكن في بطون الطائرات وانفتحت حدود الكرة الارضية بل تكسرت اقفالها امام ضربات المهاجرين والمتنقلين في عصر العولمة.

    الملاحظ في الكتابات السودانية الحديثة.. ان هناك تناقضا ما بين المضمون والشكل، فالكاتب المحدث يأتي بشكل جمالي جديد «FORM» لمضمون قديم... لان الواقع المحلي لم يتغير ويتطور على الصعيد الحضاري... وان شكل الافكار اصبح عالميا ومتطوراً لذا فنحن نشهد هذا الانشطار على صعيد الكتابة العربية الآن؟

    استأذنك ان اتحدث عن الكتابة باللغة العربية وليس الكتابة العربية، ففي رأيي ان الانفصام سببه عدم احترام « الساعة » اعني « الزمن» فالزمن مختل هنا في السودان لا أحد يلتزم بأي موعد كان ولا حتى مواعيده الشخصية اعنى وقت اكله وشربه وعمله وزيارته وترفيهه وانتاجه ووقت راحته كل هذا مزلزل ومحطم يحطم كل ما حوله وكل من معه والعالم لن ينتظر ، فالايقاع سريع ومتناغم والحياة اكتسبت هارموني يختلف عن هذا النشاز، فالى ان يدرك الناس ان للساعة والدقيقة اهميتها ستمضي صواريخ الحضارة الجديدة مثل القذيفة ونحن وانتم في ذهول.!!

    ستصدق حتما انه لا توجد ساعات بالميادين والساحات او المرافق العامة بالخرطوم ولا المكاتب الحكومية والخاصة ولا بالجامعات والمدارس وغيرها من الدور التي يرتادها الناس وهم في خدرهم اللذيذ الى ان يدرك الناس اهمية الوقت سيكون للكتابة تفعل خلاق وكعامل اجتماعي بناء اثره الملموس.

    وفق توقيت هذه الساعة الحضارية الكبرى.. نجد اختلالاً في الموقف بالنسبة للكتّاب داخل الوطن وخارج الوطن حيث الاغتراب هو اغتراب حضاري في الاساس؟

    ان الذي يدرك قيمة الوقت لا يستسلم مثلاً لمرض الملاريا الذي سقط من ذاكرة العالم.. فكيف يسمح اي مجتمع لمثل هذا الداء المنتشر ان يعطل حركة الانتاج بصورة تكاد تكون شاملة.. انظر كيف يمكن لهذ الحشرة الضئيلة الحقيرة ان تعطل قوة انتاجية هائلة لملايين ساعات العمل دون ان تتحرك اي يد بمبيد يقضي عليها.

    الاغتراب الداخلي هو ضرب من الموت الاجتماعي أدى الى الانهيارات الراهنة ومنها كثافة نزيف اغتراب القوى الاجتماعية الفاعلة هروبا الى عوالم اخرى لا يتحقق في كثير منها شرط البقاء على قيد الحياة الهادئة الكريمة فان في الخارج نملة عاملة. عبدة في تلقيط رزقها الذي سيطؤه الفيل حتما..

    الاغتراب الحضاري يصطدم بصخرة الذهنية السودانية التي يستعصى عليها قبول الجديد، تلك العقلية شديدة الانغلاق التي تختفي في الجيتوهات التي انشأتها بمنازلها تجتر فيها كل ما في الوطن من تراجع، انك لن تجد ما تبكي عليه وانت تسترجع ذكريات العمر ناهيك عن الكتابة ذلك الوجع العظيم.



    الراى العام الثقافى10-8-2006
                  

10-19-2011, 09:42 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شوقى بدرى يكتب عن ... مريم عسل الجنوب ...والاديب عثمان حامد (Re: الكيك)

    القاص عثمان حامد سليمان
    عودة الجارية تودد
    في سكة الصمت

    يخرج السرد بنا إلى أعالي الفضاءات القديمة ثم يعود إلى تهشيم الوقائع الراهنة بلغة تفجر فيها الكلمات معانيها وتبيحها على بساط المأساة لتبين تعقيدات المأزق المعاصر (يا أيها الفتاة الرمح يا أيتها العذوب، مدي يدك اغرفي من ينبوع النغم وتعالي إلى طفلك الأول والأخير، كان دم المفاجأة المتخثر، فاضت به الأحشاء ولفظته من صباح القيء مضخة ناقصة).


    هذا ما ذكره الراوي الحاضر دوماً في قصة (سكة الصمت) للقاص السوداني عثمان حامد سليمان والمنشورة في الملف الثقافي لجريدة (الشارع السياسي)) وعثمان حامد سليمان واحد من أهم الأدباءالسودانيين المهاجرين في الخليج وله مجموعة قصصية بعنوان (مريم عسل الجنوب) صدرت من دار شرقيات بالقاهرة العام الماضي وهي الدار التي يرأسها الأديب المصري المعروف إدوارد الخراط.. وهي الدار المعنية بأدب الحساسية الجديدة وكتابة الحداثة العربية.


    أهم ما يميز (سكة الصمت) هي الوجود المباشر للراوي فيما يخدم فكرة الشكل باختراقها من خلال تفتيت بنية السرد الهيكلية بجعلها متعددة الرواة حيث أن المتعارف عليه في الكتابة القصصية المألوفة بأن موقع الراوي محدد سلفا إما أن يكون من الخلف أو مع أو من أمام.
    (جلست وقلمي مشرع في يدي وتصاعدت نية الكتابة وتفتحت شهية الورق قلت لها فلنبدأ بذلك الرجل الفضي الذي رشحته رئيسة القوالات بالحي كي يكون زوجا لك ثم أدخلته مع رفيقاتها مثل مطواة صدئة في أحشاء الحكايا).
    هكذا نجد أن هناك عددا من الرواة يتوزعون مهام السرد حول الشخصية المركزية في القصة وهي البطلة /الأنثى/ المستباحة التي جاءت هنا بلا اسم وبلا هوية وملامحها هي مأساة مصيرها لتتوسع الدلالة وتنفتح احتمالاتها لتشمل الأنثى المقهورة بلا حدود. والتي تولد في فضاء وجودي متربص لها بهذا المصير التاريخي الذي بدأ تأسيسه منذ القدم وقد سكت عنه في كل الطبقات وجميع أضابير التاريخ ومصنفاته إلا لماما وأحياناً قد تتعرض كتابات التاريخ لقهر النساء وباعتباره شيئاً مألوفاً ولا مندوحة علي أما الشاذ والغير طبيعي أن تبرز امرأة فوق رؤوس الرجال لتمارس القهر المضاد كالملكات والاميرات إلا أن هناك أرشيفاً إبداعياً يخرج من صلب الأساطير والحكايا يفجر المكبوتات وما أخفاه التاريخ الرسمي للملوك والسلاطين، هذا الأرشيف هو ما احتمل أحداث الصراعات والمصائر المأساوية للجموع المقهورين وهو الذي ثبتها لنا لنقرأ ما بين (فتية كيف كان يصارع المقهورين مأزق قهرهم).


    وأهم أرشيف يوضح مأساة الأنثى وكيف واجهت مصيرها هو ما ورد في ليالي العرب (ألف ليلة وليلة) وأخبار شهرزاد التي قاومت بالحكايا المتواصلة وأنقذت نفسها من مصير الموت العاجل واستسلمت للزوج وهو المصير المؤجل.
    مما لاشك فيه أن هناك تناصا إبداعياً عميق الدلالات بين شهرزاد تلك وأنثى سكة الصمت هذه ويوجد هذا التناص في امتداد القهر الوجودي الأنثوي عبر مراحل التاريخ. والتناص أيضاً يوجد في تبني الحكاية أن تحكي البطلة تفاصيل مصيرها المأساوي (ومضت الليالي إلى أن أخذها الدليل إلى شقيقتها حواء.. ولكن كانت تقول لنفسها عودي إلى رشدك فهذه أختك حواء تأكل الذهب ولا ترضى بالقليل.. وقالت أما أنا فلن يمتطي صهوات خيولي الصماء إلا من في رأسه عقل وفي صدره قلب ولسانه من ذهب) وصرخت في أعماقها أن كنوز الأرض والذهب والتبر لن تزنها.
    وهذا الحديث المعبر عن اعتزاز كبير بالذات وقدرة على مغالبة المحن وويلات الصراع تحيلنا مباشرة لحكاية الجارية تودد صاحبة الحكاية الأخيرة في الليلة الأخيرة من ليالي شهرزاد تلك الجارية التي واجهت الرجال مباشرة ووجه لوجه جميع الرجال: السلطان والأمراء والعلماء والقادة العسكريين والحاشية والتجار، واجهتهم جمعيهم بكل الثقة والعزة والإنسانية وكان سلاحها الوحيد هو المعرفة فقد كانت جميلة حد الجمال وفي نفس الوقت عالمة بكل ضروب العلم والمعرفة وانتصرت في مجلس السلطان ذاك الذي خاضت فيه صراعها ضد السلطة الشاملة بالمعرفة والجمال فنالت حريتها.
    أما مصير بطلتنا في (سكة الصمت) هو الهروب المستمر حتى وجدت مقتولة تقبض بأصابعها المضمخة خصلة بنية مدماه تبين أنها من لبدة أسد.
    فواضح أنه مصير محتوم يعبر عن استمرار حالة القهر واستمرار حالة مقاومته بشتى السبل وسيظل القاتل يستجدي الضحية وتظل الضحية تغوي فإنها من بين ثنايا جدلية القاتل والضحية هذه ستخرج الحكايا تباعا وبمختلف الأشكال الإبداعية والأكثر حداثة مثل أعمال القاص السوداني عثمان حامد سليمان.


    معاوية البلال
    من كتابه " الكتابة في منتصف الدائرة"


    =================

    سكة الصمت
    عثمان حامد سليمان

    أهذا فضاء النهر أم فضاء المقبرة؟

    قال لنفسه – القمر وحيد والنجيمات تناثرون متباعدات – ورأى السماء وهي تنشر غطاءها الرمادي الخشن على وجه المدينة فوق سجادة الرمل المطوية.
    ساعة الترقب آتية لا ريب، تشير إلى انفطار الفؤاد. نَبَشَها من الذاكرة زنبقة بيضاء، وأرهف سمعه لحكايتها المهموسة.
    "أما وقد قلبت الدنيا وجهها الكالح المجدور لأبي بعد أن بارت تجارته ونفقت ماشيته، ورحَّلت الحكومة ابنه وسنده الوحيد إلى سجن المدينة..
    أما بعد، فقد وصلت إليه مراسيل ابن الجوار، جاء هذه المرة يطلبني حليلة في داره، بعد أن أتعبه الطراد بلا طائل.. نكس أبي، الشيخ الجليل، راياته وأطرق وطال إطراقه، ولم يخرج من صمته لليالٍ كثيرة.
    كان عليّ أن أضمد جراحه وأن أقبل خاطبي اللدود وأنا كارهة له، فقد زج بشقيقي في السجن بعد أن قاده إلى مخالفة الحكومة ودفعه للاعتداء على مآميرها دون ما تبصر.. كما أحاطه بعيونها وصنائعها غير مبال بعسفهم وقساواتهم عليه حتى تشابكت خيوطه معهم وانتهى إلى الأسر.

    ثم أغدق على والدي الشيخ المنكسر، وقدم له الذهب والفضة والحلل، وجلب له اللبن والسمن والعسل وقطيعاً من الماشية، وأفسح له في المرعى والسُّقيا. مس جلد كفيه الذي سلخته الضراعة، وأدى إلى مهري نقداً وعيناً فتغنت بعطائه نساء الجوار، وأطلقن أصواتهن بمناقبه…
    نسي الجميع تآمره ووضاعته، فالفرح قائم والولائم حارة، وهو فارس الحلبة المغوار"
    جلس الكاتب وحيداً، انتحى بمقعد قصيٍّ في حديقة الليل، وقطط الظلام تصارخ بعضها بنداءاتها الممطوطة المشعثة. انكفأت قارورة النبيذ، وتفرق الحزن المسائي بين الطاولات، الدخان دثار واهٍ واللفافات انكمشن في ذبالاتهن.
    جلست وقلمي مشرع في يدي، وتصاعدت نية الكتابة، وتفتحت شهية الورق، قلت لها، فلنبدأ بذلك الرجل الفضي الذي رشحته رئيسة القوالات بالحي كي يكون خليلاً لك، ثم أدخلته مع رفيقاتها مثل مطواة صدئة في أحشاء الحكايا، وعندما أصابه الوهن، أخرجنه من جديد ثم أدخلنه ثلاثاً بثرثرتهن أمام دهشة المشاهدين، فقد كانت حكايتهن تشخيصاً مرعباً، وقالت المتربعة على رأس مجلسهن:
    "هي دفقة من رمل الصحراء، ملعقة سمهرية طفت على صفحة الكثبان لتراقص الأمواج في الأفق القرمزي".
    وقصت عليهن ما تبقى من الحكاية:
    "حملها فارس الجوار غانماً وأقام لها عرساً ببطن الصحراء" بعيداً عن مساقط دموع أبيها وحشرجات عاره وخزيه. نُصبت الخيام ونُحرت الذبائح ودقت الطبول، رقصت النساء وسكر الرجال حتى طلوع الروح".
    لما دخل عليها كادت أن تسلمه للجنون، أنشبت أظافرها حسنها في عقله – دفنت أشواك الوعيد إلى حين وقلمت أظافرها – الآن وقد غادرت حافلتها محطة العذرية على صخب الطبول ورزيم الأرجل تهز أرض الاحتفال، فما بقي لها إلاّ أن تمدد دفاتر حسابها بفطنة، وتعد عدتها لما سيأتي.
    أخذت تساير رجلها العميق كبئر، المتربّع على كرسي ملكه بصولجانه الفتاك وأحاديث لسانه الذي يقطر شهداً، وثنائه على أغصانه الريانة وأزهار أنوثتها الفواحة العطر، لكنه كان ليلة بعد ليلة يغرس نابه في أحشائها.
    يا ترجمان الأغاني تناول ربابتك وأخرج لنا من عصبها آخر الرنين، وانظر حتى نملأ أقداحنا بالشراب، ثم اجلب لنا شمساً جديدة طرية العود.
    ويا أيتها الفتاة الرمح يا وميض الغروب، مدي يدك أغرفي من ينبوع النغم، وتعالي إليّ:
    طفلك الأول الأخير كان دم المفاجأة المتخثر، فاضت به الأحشاء ولفظته في صباح القيء مضغة ناقصة.
    "وعندما خرجت إلى الطريق وعلى كتفيها أحمال الليل وأثقاله، زفرات رجلها وحشرجاته الثملة بعد أن أهرقت له كاسات العرق، شخصت ببصرها للشاحانات القادمة، واستجاب لنداءاتها الرجال.
    مدت سجادة الهروب إلى مدينة الصباح التي يشقها النهر، وتشممت روائح النبات والطمي، صمّت أذنيها عن أزيز الصحراء، ونفضت عن وجهها حبيبات الرمل التي ذرتها الرياح.. دعاها أحدهم لتغادر معه سكة الصمت، ودخلت في عباءة المدينة، بطن الفيل.
    ومضت الليالي إلى أن أخذها الدليل إلى شقيقتها حواء.. ولكنها كانت تقول لنفسها عودي إلى رشدك فهذه أختك حواء تأكل الذهب ولا ترضى بالقليل، وقالت: أما أنا فلن يمتطي صهوات خيولي الصماء إلاّ من في رأسه عقل وفي صدره قلب ولسانه من ذهب. وإن كانت تزدرد طعامها وهي تنتحب بعد كل مضاجعة عابرة، ولما اشتد عودها في هذه المدينة الملونة بألوان القسوة لمن كان مثلها، صرخت من أعماقها "أن كنوز الأرض والذهب والتبر لن تزنها".
    أما الأسد الوحشي الذي يدخل في أحلامها ويخرج كل ليلة من نافذة كابوسها، فلم يعد يرهبها، قال لنفسه:
    جئت إليها في تلك الليلة ومعي صديقي الشاعر، غمسنا رأسينا في ينابيع الشراب فأخذ يهذي بكلامه المموسق وتعابيره الجديدة الغامضة. وعندما غفا وحيداً، أيقظتني ابتسامتها الفضية وأنعشتني بضيائها الباهر، فألقينا بظهرينا المتعبين على سرير الزعفران ووضعنا رأسينا على وسائد الراحة من ذلك التعب. قفزت من على صهوة حصاني في لجة الكأس وسبحت حتى الثمالة، أما هي فقد أخذت تغرد في غلالتها الحريرية الرقيقة. أفقت عند الصباح فإذا أنا موغل في النشوة، وهي سادرة في نعاسها المعطر.
    كنت أختلف اليها في بعض الصباحات فتلاقيني هاشة، وتغمرني بفيض ابتساماتها المشرقة وتقبل وجهي بحنان، فتغسل تعبي . أفتقدها الآن كثيرا ، فقد عثروا عليهامضرجة بدمائها وسيف بتار قد اخترق صدرها واقتلع الحياة من قلبها.
    استلقى بجوارها جسد ذلك الرجل الفارع الذي كان زوجها وقد لفه الموت، وتيبست أطراف فمه بالزبد، وتصمغت أسنانه بعد أن سقته سماً قاتلاً.
    رددت مدينة الصباح الأٌقاصيص عن فارس قدم من غرب المدينة. كان يلح في السؤال عن امرأة مليحة هاربة وكان يصفها بصوت متهدج، إلى أن عثر على من دله عليها. قيل أن حضوره لم يفاجئها فقد كانت قد أعدت أحبولتها. فهدأت من ثائرته، وربتت على جزعه واضطراب نفسه. وقادته إلى مجلس شرابها. وقبل أن يسري السم في عروقه، عاجلها بطعنة مميتة من سيفه.
    وعندما جاء من يفحص جثتها الباردة، كانت تقبض بأصابعها المصممة خصلة بنية مدماة، تبين أنها من لبدة أسد.

    ==========





    عثمان حامد سليمان
    صدرت له :
    رائحة الموت - قصص - دار الحوار- سوريا
    طبعة اولى 1990م
    - مريم عسل الجنوب - قصص - دار شرقيات طبعة اولى 1995م
    - مريم عسل الجنوب يليها غناء في العدم- نشر خاص - امتوبر 2003م
                  

10-19-2011, 04:07 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شوقى بدرى يكتب عن ... مريم عسل الجنوب ...والاديب عثمان حامد (Re: الكيك)

    عثمان حامد سليمان
    صدرت له :
    رائحة الموت - قصص - دار الحوار- سوريا
    طبعة اولى 1990م
    - مريم عسل الجنوب - قصص - دار شرقيات طبعة اولى 1995م
    - مريم عسل الجنوب يليها غناء في العدم- نشر خاص - امتوبر
    2003م
                  

10-20-2011, 10:33 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شوقى بدرى يكتب عن ... مريم عسل الجنوب ...والاديب عثمان حامد (Re: الكيك)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de