أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 11:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-29-2011, 09:17 AM

عثمان الحسن أبوروف
<aعثمان الحسن أبوروف
تاريخ التسجيل: 11-14-2010
مجموع المشاركات: 433

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي

    أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي(دراسة فقهية، اجتماعية، أخلاقية)

    الدكتور نذير حَمَادُو

    جامعة الأمير عبد القادر- قسنطينة



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين. وبعد. ..

    فقد أدى اكتشاف البصمة الوراثية لما تتصف به من مزايا في الإثبات دخولها حيز التطبيق، وأصبحت وسيلة رائدة لدى المحاكم والجهات الأَمْنِيَّةِ، خاصة لدى الدول المتقدّمة، فأصبحت وسيلة مهمة في هذا العصر؛ لتعقب المجرمين والتعرف على الجثث المتفحمة أو المتحللة، خاصة أمام فشل الوسائل التقليدية المعروفة في التعرف على هُوية الْمَعْنِيِّينَ.

    وإذا كان استخدام البصمة الوراثية في هذا المجال لا غبار عليه؛ فإن استخدامها في مجال النسب يُثِيرُ تساؤلا حول مشروعيتها في الفقه الإسلامي، ومدى أثر الأحكام المترتبة عليها من الناحية الاجتماعية والأخلاقية.

    وللإجابة عن هذا التساؤل، بَاتَ من الضروري أن أركّز على المباحث الآتية:

    - عناية الإسلام بالنسب.

    - أهمية البصمة الوراثية في الإثبات.

    - التكييف الفقهي للبصمة الوراثية في إثبات النسب.

    - الحكم الشرعي للبصمة الوراثية في إثبات النسب.

    - مَنْزِلَة البصمة الوراثية من أدلة إثبات النسب.

    - أثر استخدام البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي.

    أولاً: عناية الإسلام بالنسب: لقد اعتنى الإسلام بالنسب، وجعله رابطة سامية، وصلة عظيمة؛ حيث نظّمه، وأرسى قواعده؛ حفاظاً له من الفساد والاضطراب، وجعله من النعم التي امتن بها على عباده، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾ [الفرقان 54]، وكرّم سبحانه الإنسان وفضله على كثير من خلقه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء 70]، ومن هذا التكريم أن جعل له سبباً واضحاً للتوالد والتناسل يليق بمقامه وتكريمه وهو النكاح، وجعل حفظ النسب (ضمن كلي حفظ النَّسْلِ) الذي هو كلي من الكليات الخمس، ولم يتركه لأهواء الناس ورغباتهم، فأبطل طرقه غير المشروعة التي كانت شائعة في الجاهلية: من التَّبَنِّي، ومن إلحاق الأولاد عن طريق الفاحشة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهْكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [الأحزاب 4]، ويقول الرسول الكريمr: )الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ([1].

    ومما تجدر الإشارة إليه أن الإسلام لما حرّم التبني؛ فإنه لم يمنع من كفالة الولد والإحسان إليه خاصة إذا كان يتيماً، ويثاب ويؤجر على ذلك، على أن يبقى هذا الولد محافظا على نسبه الحقيقي. وشدد النكير على الآباء الذين يجحدون نسب أبنائهم، فيقول النبيr: )وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ [2]، احْتَجَبَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ([3]؛ لأن في الإنكار تعريضاً للولد وأُمِّهِ للذُّلِّ والعارِ.

    كما توعّد الأبناء الذين ينتسبون إلى غير آبائهم بقولهr: ) مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ ([4]؛ لأن الانتساب إلى غير الآباء من أكبر العقوق لهم. قال الرملي في نهاية المحتاج: "إن حصول الولد نعمة من الله، فإنكارها جحد لنعمته تعالى، ولا نظر لما قد يعرض للولد من عقوق ونحوه"[5]. وكذلك حذّر النساء من أن يَنْسِبْنَ إلى أزواجهن مَنْ يَعْلَمْنَ أنه ليس منهم؛ فيقول الرسولr: ) أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَّن لَّيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللهُ جَنَّتَهُ([6].

    ويتبيّن مما سبق ذكره أن الإسلام كان حريصا كل الحرص على صدق انتساب النسل إلى أصله، ووضع لذلك أحكاما. يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية: "وفي التحديدات التي جاء بها الإسلام – أي: التي سبق ذكرها- نظرة عظيمة إلى حفظ حقوق النسل عن تعريضها للإضاعة والتلاشي، وفساد النشأة التي لا تصاحبها الرعاية"[7].

    ثانياً: أهمية البصمة الوراثية في الإثبات: قبل الخوض في أهمية البصمة الوراثية في الإثبات، علينا أن نعرّف معنى البصمة الوراثية أَوَّلاً، ثم نتكلم عن أهميتها في المجال التشريعي.

    البصمة الوراثية تقنية علمية جديدة، وكثيراً ما نجد الذين كتبوا في هذا الموضوع يركّزون على الجانب العلمي المتعلق بها ويُغفلون تعريفها، وبعد البحث عن تعريف دقيق لها، وجدتُ محاولات جادة في تعريفها:

    التعريف الأول: هو للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية: " البصمة الوراثية البنية الْجِينِيَّة التفصيلية التي تدل على هُوية كل فرد بعينه"[8].

    التعريف الثاني: هو للمجمع الفقهي الإسلامي: "مركب كيميائي ذو شِقَّيْنِ؛ بها ينفرد كل إنسان عن غيره"[9].

    التعريف الثالث: هو لمفتي جمهورية مصر العربية – سابقاً- فضيلة الشيخ فريد واصل: " البصمة الوراثية في اصطلاح العلماء: يُقصد بها تحديد هُوية الإنسان عن طريق جزء أو أجزاء من حمض ADN الحمض المتمركز في نواة، أي: خلية من خلايا جسمه"[10].

    التعريف الرابع: للدكتور وهبة الزحيلي: " هي المادة المورثة، الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، وهي مثل تحليل الدم أو بصمات الأصابع، أو المادة المنوية، أو الشعر، أو الأنسجة؛ تبيِّنُ مدى التشابه والتماثل بين شيئين أو الاختلاف بينهما"[11].

    التعريف الخامس: للأستاذ عارف علي عارف: " المقصود ببصمة الجينات، هو الاختلافات في التركيب الوراثي لمنطقة الأنترون، وينفرد بها كل شخص تماماً وتورث"[12]

    والمقصود بمنطقة الأنترون هنا المنطقة التي تظهر عليها الاختلافات، وهي مكان من الحمض النووي تظهر فيه هذه الاختلافات؛ لأن 99.9 % من الحامض النووي متماثل عند كل الناس، بينما يقع الاختلاف بين الأفراد في 0.1 % منه فقط[13].

    هذه التعريفات وإن اختلفت في التعبيرات؛ فإنها لم تختلف في الاعتبارات، ويمكننا استخلاص مما سبق تعريفاً للبصمة الوراثية فنقول: " البصمة الوراثية هي البُنية الوراثية التي يتفرّد بها كل شخص عن غيره، والتي تمكّننا من التّحقق من الشخصية، والوالدية البيولوجية.

    وتتجلى أهمية البصمة الوراثة في إثبات النسب أو نفيه، أنها قادرة على إثبات الأبوة البيولوجية أو نفيها، وبالتالي يمكن أن يستفاد منها في قضايا النسب، والنازعات التي يثيرها هذا الموضوع، كاختلاط المواليد في المستشفيات، وضياع الأطفال واختطافهم، وحالة ما إذا وقع خطأ في أطفال الأنابيب؛ فهي تمكننا من التحقق من الشخصية لأي فرد من ناحية، وتمكننا من التحقق من الوالدية البيولوجية من ناحية أخرى؛ لتمييزها عن الوالدية الشرعية، أو النسب الشرعي؛ لأن النسب الشرعي هو الذي يأتي ثمرة نكاح صحيح أو فاسد أو وطء بشبهة، أما النسب البيولوجي فيعني: صاحب الماء الذي تخلّق منه الولد، فلا يتعلق بوجود العقد من عدمه، ولا بنوع العلاقة بين الرجل والمرأة سواء أكانت شرعية أو غير شرعية.

    ثالثاً: التكييف الفقهي للبصمة الوراثية في إثبات النسب: البصمة الوراثية كغيرها من النوازل التي ظهرت حديثاً بفعل تقدم العلوم بمجالاتها المختلفة، والتي فتحت باباً لإمكانية استخدام تقنيات جديدة كوسائل للإثبات أمام القضاء، كانت محل دراسة من قبل الفقهاء في السنوات الأخيرة؛ بهدف تحديد قيمتها الثبوتية، ومدى جواز العمل بها كدليل أمام القضاء. وتتميز البصمة الوراثية بأنها دليل مادي يعتمد الحسَّ؛ لذلك يمكن تكييفها شرعاً بأنها من القرائن، والتي ذهب فريق من الفقهاء إلى قبولها كدليل في الإثبات كابن قيم الجوزية؛ حيث ألف كتاباً في هذا المجال سمّاه " الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ". والقرينة شرعاً هي: "كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً، فتدل عليه"[14]. أو: "ما يدل على المراد من غير أن يكون صريحاً فيه"[15] . غير أن القرائن بدورها يمكن تقسيمها إلى قرائن قطعية وقرائن ظنية، والقرائن القطعية هي البالغة حَدّ اليقين، والتي تمثل دليلا مستقلا في الإثبات؛ بحيث تقوم مقام البَيِّنَةِ، أما القرائن الظنية فلا تمثل دليلا مستقلا، ويُستعان بها على سبيل الاستئناس والترجيح[16].

    وهذا ما يدعونا للتساؤل حول موقع البصمة الوراثية ضمن القرائن، فهل هي قرينة قطعية أو هي قرينة ظنية؟ انقسم فقهاء في الإجابة عن هذا التساؤل إلى فريقين:

    الفريق الأول: يرى أن البصمة الوراثية قرينة قطعية[17]. وفي ذلك يقول أحدهم: ويمكن القول بأن البصمة الوراثية هي ذات دلالة علمية قطعية يقينية؛ لإثبات هُوية الإنسان، وتُعَدُّ سبباً شرعياً؛ لحسم نزاع النسب"[18]. ويقول آخر: " فقد أثبتت التجارب العلمية المتكررة أن البصمة الوراثية إذا توفّرت شروطُها وأكثرُ عيّناتها مع ملاحظة الدقة والضبط والتكرار دليل قطعي وأكثر نتائجها 100 %"[19].

    الفريق الثاني: يرى أن البصمة الوراثية لا ترقى إلى مستوى القرائن القطعية، وهو الرأي الذي تبنّاه الدكتور عمر بن محمد السبيل، حيث قال: " إن النظريات العلمية الحديثة من طبية وغيرها، مهما بلغت من الدقة والقطع بالصحة في نظر المختصين، إلا أنها تظل محل شك ونظر؛ لِمَا عُلِمَ بالاستقراء للواقع أن بعض النظريات العلمية المختلفة في طِبٍّ وغيره يظهر مع التقدم العلمي الحاصل بمرور الزمن إبطالُ بعض ما كان يُقطعُ بصحته علمياً"[20].

    وقد برر مؤيدو هذا الرأي بأن الأصل في البصمة الوراثية القطع غير أن الظروف أهدرت من قيمتها؛ ذلك بأنها تفتقر إلى التأثير في نفسية القاضي؛ كون أن إجراء التحليل يتم في غيابه، وعدم وقوف القاضي على نوعية القائمين على المختبر، بالإضافة إلى أن الظروف المحيطة والإجراءات المعقدة عند التحليل أهدرت من قيمتها[21].

    وقد ذهبت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية من خلال ندوتها الحادية عشرة المتعلقة بالهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني، المقامة في الكويت في الفترة الممتدة بين 23-25 جمادى الثانية 1419 هـ/ الموافق 13-15 أكتوبر 1998 م إلى أن: " البصمة الوراثية من الناحية العلمية، وسيلة لا تكاد تُخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، والتحقق من الشخصية، ولاسيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القاطعة التي أخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية"[22]. وقد أَيَّدَ هذا الموقف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، شريطة استيفاء شروطها الكاملة؛ حيث جاء في توصياته أن: " البصمة الوراثية إذا استوفت الشروط الكاملة، واجتنبت الأخطاء البشرية؛ فإن نتائجها تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نَفْيِهَا عنهما، وتصل نتائجُها إلى 99.9%"[23].

    رأيي في المسألة: والذي أراه في هذه المسألة هو أن قطعية نتائج البصمة الوراثية مرهونة بمدى توفر شروطها من حيث سلامة الأجهزة وكفاءة القائمين عليها، واتباع الخطوات العلمية الصحيحة؛ لذلك فإنني أقول: إن الأصل في البصمة الوراثية اليقين والقطعية، إلا أن عامل اليد البشرية والمراحل المعقدة التي يتطلبها التحليل قللت من مصداقيتها، وجعلت نتائجها قريبة من القطع، بمعنى أنها قرينة قطعية من الناحية العلمية، وقرينة ظنية من الناحية العملية.

    رابعاً: الحكم الشرعي للبصمة الوراثية في إثبات النسب: أدى اكتشاف البصمة الوراثية لما تتصف به من مزايا في الإثبات دخولها حيز التطبيق، وأصبحت وسيلة رائدة لدى المحاكم والجهات الأَمْنِيَّةِ، خاصة لدى الدول المتقدّمة، فأصبحت وسيلة مهمة في هذا العصر؛ لتعقب المجرمين والتعرف على الجثث المتفحمة أو المتحللة، خاصة أمام فشل الوسائل التقليدية المعروفة في التعرف على هُوية الْمَعْنِيِّينَ.

    وإذا كان استخدام البصمة الوراثية في هذا المجال لا غبار عليه، فإن استخدامها في مجال النسب يُثِيرُ تساؤلا حول مشروعيتها في الفقه الإسلامي. وللإجابة على هذا التساؤل فإنه يمكن القول بجواز استخدام البصمة الوراثية شرعاً؛ بناءً على أنها قرينة قريبة من القطع؛ للأدلة الآتية:

    من القرآن الكريم:

    1- قوله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يوسف 26-28]، فكان موضع قَدِّ القميص دليلا على صدق أحدهما وتبرئة الآخر. قال القاضي ابن عطية الأندلسي في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: "ونزع بهذه الآية من يرى الحكم بالأمارة من العلماء؛ فإنها عتمدُهم"1. وقال ابن فرحون في تبصرة الحكام: "ومن العلماء من يحتج بهذه الآية، فيرى جواز الحكم بالأمارات والعلامات فيما لا تحضره البيّنات"2.

    2- قوله تعالى: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ [يوسف 18]، فقد أراد إخوة سيدنا يوسف عليه السلام أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم، وقرن الله تعالى هذه العلامة بعلامة تعارضها وهي سلامة القميص من التمزيق[24].

    ولابن قيم الجوزية كلام نفيس في هذا المعنى؛ إذ يقول: " فَالبَيِّنَةُ اسم لكل ما يُبين به الحق ويُظهره، ومَنْ خصها بالشاهدين، أو الأربعة، أو الشاهد لم يوف مُسَمَّاهَا حقه، ولم تأت البينةُ قط في القرآن مراداً بها الشاهدان، وإنما أتت مرادا ًبها الحجةُ والدليل والبرهان، مُفْرَدَةً ومجموعة، وكذلك قول النبي r: )البَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي[25]( المراد به: أن عليه بيان ما يُصَحِّحُ دعواه؛ لِيُحْكَمَ لَهُ، والشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، لدلالة الحال على صدق الْمُدَّعِي؛ فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة متقاربة في المعنى؛. . . فالشارع لم يُلْغِ القرائن والأمارات ودلالات الأحوال، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهداً بها بالاعتبار، مُرَتِّباً عليها الأحكام"[26].

    من السنة النبوية الشريفة: حكم الرسول الكريم r في مناسبات عديدة بالقرائن، ومن ذلك: روى مسلم بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ r ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُوراً فَقَالَ: )يَا عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزاً الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ، فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْداً وعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا، وقَدْ بَدَتْ أَقْدَامُهُمَا(، فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ"[27]. حيث يُستفاد من هذا الحديث الشريف جواز العمل بالقيافة، فقد كان أُسامة شديد السواد، وأبوه زيد بن حارثة شديد البياض، وكان الكفار والمرجِفون في المدينة يقدحون في نسب أسامة بسبب ذلك؛ فإنه لَمَّا سمع النبي عليه الصلاة والسلام ذلك سُرَّ بِهِ، والبني r لا يُسَرُّ إلا بالحق[28]، والبصمة الوراثية من جملة القرائن التي يمكن التعويل عليها في إقامة العدل بين الناس.

    من القياس: تشير الأبحاث العلمية إلى أن عدد الكروموزومات في خلايا جسم الإنسان هي 46 كروموزوماً، نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم، وأن كل كروموزوم يحتوي على الرسالة الوراثية، والمتمثلة في مجموعة الصفات التي يتميّز بها كل شخص عن غيره، بداية من لون العينين، وطول القامة، وشكل القدمين، ودرجة الذَّكاء، ومدى الاستعداد للإصابة بمرض وراثي، وصولا إلى أدق المميزات الموجودة في الجسم؛ لذلك فإن تكوين البصمة الوراثية لكل فرد هو نتاج انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء، وهذه الصفات الوراثية هي التي تصنع الشبه بين الأصول والفروع؛ مما يعني أن البصمة الوراثية هي امتداد لما يسمى بالقِيَافَةِ[29]، فهي تمثل تَطَوُّراً عصريا ضخما في علم القيافة التي أجازها جمهور الفقهاء كطريق لإثبات النسب. وإذا كان الفقهاء قد أجازوا الأخذ برأي القائف في إثبات النسب، فمن باب أولى الأخذ بتحاليل البصمة الوراثية؛ بناء على أن كِلَيْهِمَا يعتمد الشبه[30].

    كما أن البصمة الوراثية نوع من الخبرة الطبية يمكن قياسها على ما ذهب إليه الحنابلة عندما أجازوا اعتماد وزن اللبن للترجيح ؛ حيث قال ابن قدامة المقدسي في المغني: " وإن ولدت امرأتان ابناً وبنتاً، فادعت كل واحدة منهما أن الابن ولدها دون البنت، احتمل وجهين: أحدهما: أن تَرَى المرأتين القَافَةُ[31] مع الولدين؛ فيلحق كل واحد منهما بمن ألحقته به، كما لو لم يكن لهما ولد آخر، والثاني: أن نعرض لَبَنَيْهِمَا على أهل الطب والمعرفة؛ فإن لَبَنَ الذَّكَرِ يخالف لَبَنَ الأنثى في طبعه ووَزْنِهِ، وقد قيل: لَبَنُ الابن ثقيل ولَبَنُ البنت خفيف، فيعتبران بِطِبَاعِهِمَا ووزنهما، وما يختلفان به عند أهل المعرفة، فمن كان لَبَنُهَا لَبَنَ الابن فهو ولدها، والبنت للأخرى"[32]. وهذا الحكم يعني جواز اللجوء إلى الخبرة؛ لإثبات النسب، وعلى أساسه قاس بعض الفقهاء جواز اللجوء إلى خبرة تحليل الدم، اعتبارها قرينة معتبرة لإثبات نسب الولد، وإلحاقه بالرجل باعتباره أباه أو بالمرأة باعتبارها أُمَّهُ؛ بناءً على تشابه الدم[33]. مع العلم أن تحليل الدم الذي يعتمد على الزُّمَرِ الدَّموية يعتبر دليلَ نفيٍّ فقط، وليس دليلَ إثباتٍ للنسب، ونتائجه غير دقيقة، خلافاً للبصمة الوراثية. والبصمة الوراثية دليل مادي للتحقق من الْهُوية الشخصية، وقد تم قبول وسائل مستحدثة لإثبات الْهُوية، أثبتت جدواها علمياً، ويسَّرت التعامل بين البشر، ومن ذلك:

    1- بصمة الأصابع: فإن الله العليم القدير جعل بصمة الأصابع لكل إنسان منفردة لا تلتبس ببصمة إنسان آخر، وبعض المفسرين في هذا العصر يأخذ الإشارة إلى هذا من قوله تعالى: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾[القيامة 4].

    2- التوقيع الخطي، كما هو معلوم، والمعتاد أن التواقيع لا تتماثل في نظر خبراء الخطوط.

    3- الصور الشمسية المأخوذة بانعكاس الأشعة، المثبتة على البطاقة الشخصية، والتي تكتفي بها جميع الجهات الرسمية في إثبات الشخصية.

    ولم نسمع أحداً من الفقهاء أنه أنكر العمل بشيء من هذه الوسائل الثلاث المستحدثة، بل استخدموها هم أنفسهم كما استخدمها غيرهم، إضافة إلى ذلك أن هذه الوسائل الثلاث قد أثبتت فعاليتَها وصحةَ نتائجِها، وهو الأمر الذي جعل لها الاستمرار والثبات[34].

    الأصل في الأشياء النافعة الإباحة: الإسلام دين علم، يحث على طلبه والعمل به، ولا تعارض بين الدين والعلم، وفي القرآن الكريم ما يدعو إلى التأمل والتدبر في آياته، وكل ما توصل إليه العلماء أشار إليه قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت 53]، حيث وعد سبحانه وتعالى بأن تظهر دلائل حقيته في الآفاق البعيدة عنهم، وفي أنفسهم فتتظاهر الدلائل على أنه الحق، فلا يجدوا لإنكاره سبباً[35]، وأكّد ذلك في آية أخرى بقوله تعالى: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات 21]، أي: ألا تفكرون في خلق أنفسكم، وكيف أنشأكم الله من ماء، وكيف خلقكم أطواراً؟[36]. واكتشاف البصمة الوراثية هو تجسيد لآية من آيات الله في خلقه، يستطيع الإنسان من خلالها معرفة الحقائق بطريقة علمية ملموسة[37].

    وبما أن الأصل في كل ما يُستجد من أمورٍ، ولم يرد نَصٌّ من الكتاب أو السُّنَّةِ، ولم يُنقل فيه إجماع يدل على منعه؛ فإنه يُحْكَمُ بإباحته أو جوازه؛ بناء على البراءة الأصلية، أو القاعدة الكلية: الأصل في الأشياء النافعة الإباحة.

    البصمة الوراثية تحقق مصلحة مشروعة: إن النظر في شرعية البصمة الوراثية باعتبارها من النوازل الحديثة، تتحقق حسب المصلحة التي تحققها أو المفسدة التي تنجم عنها؛ فيُحكم بجوازها إذا أدت إلى تحقيق مصلحة راجحة، أما إذا أدت إلى مفسدة راجحة، فالحكم بعدم جوازها، والعبرة بالغالب، ولما كان وضع الشريعة جاء أساساً لمصالح العباد، وإثبات النسب من المصالح التي سعت الشريعة الإسلامية إلى تحقيقه، والبصمة الوراثية من الممكن أن تحقق ذلك؛ فإنها تدخل ضمن أدلة إثبات النسب التي أجازها الشرع الإسلامي، وبناءً على أنه يمكن أن ينجم عن استخدام البصمة الوراثية مفسدة تناقض مقصود الشارع، فإنه يجب أن توضع لها ضوابط وشروط؛ تفادياً للمفسدة المتوقّعة، بحسب ما تدعو إليه الحاجة فقط.

    كما أن المنطق التشريعي يقتضي أن نحكم بكل أمارة مُحَقِّقَةٌ للعدل؛ لما في ذلك من المصلحة، يقول ابن قيم الجوزية: " فإن ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأيِّ طريقٍ كَانَ، فَثَمَّ شرعُ الله ودِينُهُ، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يَخُصَّ طرقَ العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهرُ منها وأقوى دلالة وأَبْيَنُ أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بَيَّنَ سبحانه بما شرع من الطرق أن مقصودَهُ إقامةُ العدل بين عباده، وقيامُ الناس بالقسط؛ فأيُّ طريق اسْتُخْرِجَ بالعدل والقسط فهي من الدِّين، وليست مخالفةً له"1.

    خامساً: مَنْزِلَة البصمة الوراثية من أدلة إثبات النسب: اتفق فقهاء الإسلام على أن: الفِرَاشَ، والبَيِّنَةَ، والإِقْرَارَ أَدِلَّةٌ في إثبات النسب، وأما القيافة فمختلف فيها، واليوم وقد ظهر دليل جديد وهو البصمة الوراثية، فما مَنْزِلَتُهَا من أدلة إثبات النسب السالفة الذِّكْرِ؟

    اختلف الفقهاء المعاصرون في تحديد مَنْزِلَةِ البصمة الوراثية كطريق لإثبات النسب بالنسبة إلى الطرق الأخرى على قولين:

    القول الأول: يجب تقديم البصمة الوراثية على الطرق الشرعية الأخرى؛ لأنها تحقق ما تحققه الأدلة الأخرى وزيادة. وبه قال بعضهم؛ بدليل:

    1- من القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ﴾ [الأحزاب 5]، إن منطوق الآية يدعو إلى أن يُنسب الشخص إلى الأب الحقيقي[38]، ومقتضى قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ ﴾ أن نعرف الأب الحقيقي، وأن نبذل في ذلك جهداً في المعرفة؛ لكي يأتي نسب الولد لأبيه حقاً سواء أكان شرعياً أو غير شرعي، سواء أكان من زنى أو من زواج ضاعت وثائقه[39].

    2- من المعقول:

    أ- إن أدلة النسب التي ذكرها الفقهاء لا تخرج في الحقيقة عن أُطُرِ الأدلة الشرعية في الإثبات مطلقاً؛ لأنها تهدف إلى كشف وإظهار الحقيقة المتاحة، وليس فيها ما يُتعبّدُ به سواء بعدده أو بهيأته إلا ما ورد في حَدِّ الزنى والقذف.

    ب- إن وسائل الإثبات التي عمل بها الفقهاء ردحاً من الزمن، حتى حسبها بعضهم أصولا وقواعد ثابتة هي في الحقيقة لا تعدو أن تكون عملا بالممكن الْمُشَاهَدِ، وتفسيراً للنصوص بأدوات العصر، ولم يكن في المقدور الحكم بأبعدَ من ذلك، والمقصود من ذلك أن الفتوى تتغيّر بتغيّر الزمان والظروف، والمفتي إنما يُفتي على عُرف أهل زمانه، وليس زمن المتقدِّمين كزمن المتأخرين[40].

    ويُعترض على ذلك: بأن القول بتقديم كل دليل علمي جديد على أدلة الشرع سيؤدي في النهاية إلى جحود كتاب الله، وإهدار سنة نبيه الكريم r؛ من أجل آيات شاء الله تعالى أن يُنعم بها على البشر؛ ليستفيد منها الناس، وليعلموا أنه الحق من ربهم، وليس لضرب النصوص الشرعية بِعُرْضِ الحائط[41].

    وخلاصة هذا القول تقوم على أن النسب المعتبر هو النسب البيولوجي وليس النسب الشرعي.

    القول الثاني: إن البصمة الوراثية تأخذ حكم القيافة؛ بحيث لا تُقدَّم على الأدلة الشرعية المتفق عليها، حتى مع التعارض معها؛ لأن الأدلة الشرعية في إثبات النسب أقوى في تقدير الشرع، ولكن يجب تقديمها على القيافة؛ لأنها أدقُّ منها، والقيافة أصبحت طريقة بدائية بالنسبة إلى البصمة الوراثية التي هي طريقة متقنة. وبه قال أغلب الفقهاء المعاصرين[42].

    وأدلة أصحاب هذا القول يمكننا تقسيمها إلى قسمين: القسم الأول: الأدلة التي من خلالها تُقدّم الطرق الشرعية على البصمة الوراثية، والقسم الثاني: أدلة تقديم البصمة الوراثية على القيافة.

    القسم الأول: الأدلة التي من خلالها تُقدّم الطرق الشرعية على البصمة الوراثية: فبالنسبة لقديم الأدلة الشرعية على البصمة الوراثية، فقد احتجوا بالآتي:

    1- من القرآن الكريم:

    أ- قال تعالى: ﴿وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة 233]، فقد نسب الله تعالى الأولاد للأمهات؛ للقطع بولادتهن لهم، بخلاف الآباء وقد عبر عنهم بقوله: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ﴾؛ لأن المولود له قد لا يكون الأب الحقيقي، لكنه لما ولد على فراشه نسب إليه؛ إعمالا للأصل وإطراحاً لما سواه[43]. بمعنى أن الأصل هو أن ينسب الولد لصاحب الفراش مع الاكتفاء بذلك، وعدم البحث فيما إذا كان صاحب الفراش هو الأب الحقيقي أم لا.

    ب- وقوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ﴾ [البقرة 282]، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة 283]، وقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ﴾ [الطلاق 2]، وفي هذه الآيات الكريمات أمر بإقامة الشهادة وعدم كتمانها، وتقديم البصمة الوراثية على الشهادة يؤدي إلى تعطيلها، والتعطيل نوع من الكتمان[44].

    2- من السنة النبوية: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اختصم سعدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ وعبدُ بنُ زَمْعَةَ في غُلاَمٍ، فقال سعدٌ : "هذا، يا رسولَ اللهِ، ابنُ أخي عُتْبَةَ بنِ أبي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَيَّ أنه ابْنُهُ، انظر إلى شَبَهِهِ. وقال عبدُ بنُ زَمْعَةَ: هذا أخي يا رسولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، مِنْ وَلِيدَتِهِ، فنظر رسولُ الله r إلى شَبَهِهِ فرأى شَبَهاً بَيِّناً بِعُتْبَةَ. فقال: )هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ(، قالت: - أي: عائشة- فلم يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ"[45].

    فَدَلَّ هدا الحديث النبوي الشريف بمنطوقه الصريح على إثبات النسب بالفراش مع وجود ما يخالف ذلك، وهو وجود شبه الغلام بصاحب الفراش[46]، ودليل الشبه هنا يعتمد على الصفات الوراثية؛ فهو أشبه بالبصمة الوراثية، ومع ذلك لم يَقْوَ على معارضة الأصل الذي هو الفراش.

    3- من المعقول:

    أ- إنه لا ينبغي تعطيل النصوص الشرعية النَّقْلِيَّةِ الصحيحة الثابتة من القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة؛ بمجرد دليل علمي حديث قد يشوبه الخطأ والتلاعب لمجرد هفوة أو شيء من الغبار أو غيره.

    ب- إن النظريات العلمية الحديثة من طبية وغيرها مهما بلغت من الدقة والقطع في نظر المختصين إلا أنها تظل محل شك ونظر؛ لِمَا عُلِمَ بالاستقراء للواقع أن بعض النظريات العلمية المختلفة من طبية وغيرها يظهر مع التقدُّمِ العلمي الحاصل بمرور الزمان إبطال بعض ما كان يُقطع بصحته علمياً، أو على الأقل أصبح مجال شك ومحل نظر، فكم من نظريات طبية على وجه الخصوص كان الأطباء يجزمون بصحتها وقطعيتها، ثم أصبحت تلك النظريات مع التقدُّمِ العلمي الطبي ضرباً من الخيال1. ويمكن الاعتراض بشأن هذه النقطة، أن إطلاق مصطلح النظرية العلمية على البصمة الوراثية فيه نوع من مجانبة الصواب؛ ذلك أن البصمة الوراثية قد تجاوزت مرحلة النظرية إلى مرحلة التطبيق، وقد أثبتت النتائج التجريبية دِقَّتَهَا؛ لذلك فهي حقيقة علمية بكل المقاييس.

    القسم الثاني: أدلة تقديم البصمة الوراثية على القيافة: استدلوا على تقديم البصمة الوراثية على القيافة بالأدلة الآتية:

    1- إن البصمة الوراثية تعتمد على الشبه وعدمه، لكن عن طريق النمط الوراثي، ولما كانت تَتِمُّ من خلال مختبرات وتقنيات دقيقة ومعقّدة جداً، فإن نتائجها تكون دقيقة جداً، وفيها زيادة علم وحِذق.

    أما القيافةُ فنتائجها غير دقيقة، فالقائف إنما يتكلم من حدس وتخمين وفراسة، ولا ينعدم احتمال الخطأ في حكمه بحال، بل قد يقول الشيء ثم يرجع عنه إذا رأى أشبه منه؛ وذلك لأن الصفات الظاهرة في البشر قد تتشابه وقد ينخدع القائف بالتشابه الظاهر؛ فيكون حكمه بإثبات الأبوة مجانباً للصواب[47].

    2- القيافة طريقة بدائية قديمة، تعتمد في معرفة الشبه بالمطابقة بين الأعضاء كَلَوْنِ الأقدام أو اليدين أوالعينين، وتعتمد البصمة الوراثية على الخبرة الفنية المعملية والتقنية المتطوِّرة[48].

    3- إن كُلاًّ من القيافة والبصمة الوراثية تقوم على دراسة الشبه، ولكن البصمة الوراثية تعتمد الشبه الخفي، بينما تعتمد القيافة على الشبه الظاهر[49]، وقد ذهب أهل العلم إلى تقديم الشبه الخفي على الشبه الظاهر؛ حيث جاء في مغني المحتاج: "ولو ألحقه قائفٌ بالأشباه الظاهرة وآخرُ بالأشباه الخفية، كالخلق وتشاكل الأعضاء، فالثاني أولى من الأول؛ لأن فيها زيادة حذق وبصيرة"[50].

    وللأدلة السابقة تبنّت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية هذا الرأي، وجاء في توصياتها: " أن البصمة الوراثية تمثل تطوّراً ضخماً في مجال القيافة الذي تعتدّ به جمهرة المذاهب الفقهية"[51].

    ملاحظة: من الفقهاء المعاصرين من اعترض على قياس البصمة الوراثية على القيافة؛ حيث يرى أن البصمة الوراثية باب، والقيافة باب آخر؛ اعتماداً على أنها تقوم على أساس علمي محسوس فيه دقّة متناهية، كما أن العمل بها يكون في مجالات متعدّدة، على خلاف القيافة فهي مبنية على الظن، ومجالها إثباتُ النسب فقط؛ لذلك فإن البصمة الوراثية تُعَدُّ بَيِّنَةً أو قرينةً مستقلة يؤخذ بها في الحكم الشرعي إثباتاً ونفياً[52].

    خلاصة القول: من خلال تعرضي لأدلة الفريقين بشأن مَنْزلة البصمة الوراثية، وترتيبها ضمن أدلة إثبات النسب، يمكنني ترجيح القول الثاني، القائل: إن البصمة الوراثية تأخذ حكم القيافة؛ بحيث لا تُقدَّم على الأدلة الشرعية المتفق عليها، حتى مع التعارض معها؛ لأن الأدلة الشرعية في إثبات النسب أقوى في تقدير الشرع، ولكن يجب تقديمها على القيافة؛ لأنها طريقة متقنة وأدقُّ منها.

    المبحث الخامس: أثر استخدام البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي: إن استخدام البصمة الوراثية في إثبات النسب يؤدي إلى ظهور أثر يتحدد حسب مَنْزِلتها ضمن أدلة إثبات النسب.

    فالقائلون بأولوية البصمة الوراثية على الطرق الشرعية، يعني: تغليب النسب البيولوجي على النسب الشرعي، فينسب الولد لأبيه البيولوجي وفقاً لما أثبتته البصمة الوراثية. وهذا التوجه يؤدي إلى ظهور نوع جديد من الدعاوى أمام القضاء لم تكن من قبلُ، اسمها " دعوى تصحيح النسب"[53]، وهذا النوع من الدعاوى لم يكن معروفا من قبلُ؛ إذ أن المتعارف عليه فِقْهاً هو عدم جواز نفي أو إبطال النسب الثابت، فمتى ثبت النسب بأي طريق من الطرق الشرعية؛ فإنه لا يمكن إبطاله أو نفيه بأي طريق كان وتُستثنى من ذلك دعوى اللعان التي تَرِدُ وَفْقَ شروط محددة[54].

    ومثل هذا التوجه قد يؤدي إلى حدوث نزاعات كثيرة وإلى عدم الاستقرار، وتخلق فوضى عارمة داخل الأسرة؛ بسبب الشكوك التي تَدُبُّ بين أطرافها، فيسارعون إلى التأكد من أنسابهم، فتتوتر العلاقة الحميمية التي كانت تجمعهم، وتتلاشى العواطف النبيلة، وتنهار الروابط الأسرية التي كانت فيما سبق صلبة متينة.

    والأخذ بهذا القول لا يتوقف عند كون البصمة الوراثية تقع في المرتبة الأولى في الإثبات فحسب، بل إنه يقترح إيجاد إجراءات كفيلة لتحقيق هذا المبدأ، والتي تتمثل في استصدار تعليمات حكومية يتم من خلالها تسجيل البصمة الوراثية لكلا الزوجين في عقد الزواج على أن تُقرن بوثيقة الزواج، فإذا رُزِقَا بِوَلَدٍ يتم تسجيل اسمه في شهادة الميلاد مع إرفاق بصمته الوراثية، والتأكد من توافق بصمته مع بصمة والديه المسجلة في عقد الزواج، وهذا الإجراء في نظر قائليه يحقق نوعا من الانضباط الاجتماعي والأخلاقي، ومحاولة جادة؛ لحفظ حقوق الأطفال في هذا العصر[55].

    والحقيقة أن إجبارية هذا الإجراء فيه مساس بالحرية الشخصية للأفراد، كما أن الأصل في الناس الاستقامةُ والتزامُ الحدود الشرعية، وإجبارهم على مثل هذا الإجراء فيه تجريم للنفس البشرية؛ ولهذا يعتبر إجبار الأزواج على الخضوع لتحليل البصمة الوراثية اتهاماً لهم، ومساساً بكرامتهم؛ وهذا ما جعل كثيرا من الفقهاء يعترضون على هذا الإجراء[56]، ويرى بعض الفقهاء المعاصرين أن الحل الأمثل لهذه القضية هو أن يكون إجراء التحليل بموافقة الزوجين معاً [57]، بمعنى أنه يدخل ضمن الشروط الاتفاقية التي يمكن أن يُبْرِمَهَا الزوجان أثناء العقد أو بعده.

    وأما القائلون بأولوية الطرق الشرعية المتفق عليها على البصمة الوراثية فالنسب الشرعي هو المعتبر وليس النسب البيولوجي، فينسب الولد لأبيه الشرعي وفقاً لما أثبتته الطرق الشرعية المتفق عليها، ويترتب على ذلك أثران:

    الأثر الأول: عدم استخدام البصمة الوراثية بديلا عن الطرق الشرعية المنصوص عليها: إن تقديم البصمة الوراثية على الطرق الشرعية المتفق عليها يعني: الاستغناء عن الوسائل التي اعتمدها الشرع، وهذا ما يرفضه أصحاب هذا الرأي؛ لأن الطرق الشرعية المتفق عليها في إثبات النسب هي أقوى في تقدير الشرع، فإن وُجدت هذه الطرق كلها أو بعضها؛ فإنها تقدّم على البصمة الوراثبة، أما إذا حدث تعارض أو تنازع عند تساوي الأدلة، فإنه يُحتكم إلى البصمة الوراثية[58]. وبناء على ما تقدّم فإن استخدام البصمة الوراثية بديلا عن الطرق الشرعية المتفق عليها؛ اعتمادا على قطعية نتائجها، قول مردود، لأن فيه تعطيلا لنصوص الشرع، وهذا لا يجوز.

    واستند أصحاب هذا الرأي في الدفاع عن رأيهم؛ بأن الطرق الشرعية المتفق عليها تتفاوت من حيث قوتها الثبوتية، بحيث يأتي الفراش في الدرجة الأولى، وهو أقوى الأدلة، وهو الأصل الشرعي المقرر في إثبات النسب، فلا يصح أن يعارضه شبه ولا إقرار ولا فراسة؛ فقد اعترف عتبة بن أبي وقاص بأن ابن أَمَةِ زمعة هو ابنه، واعترض عبد بن زمعة على ذلك فقال: هو أخي، وُلِدَ على فراش أبي زمعة؛ فحكم الرسول r لعبد بن زمعة؛ لقرينة الفراش، وقال: )هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ(1، وفي هذا الحديث النبوي أمران مُهمّان: الأول: إسقاط شبه الغلام البيِّن بمن ادّعاه، والثاني: إسقاط إقراره له؛ لأن الفراش أقوى منهما. ونخلص إلى أن النسب الثابت بالفراش لا ينتفي إلا

    باللعان؛ إذ لا يجب أن يُعارِض الفراش ما هو أضعف منه، مع أن تخلف البصمة الوراثية في هذه الحالة لا يُعتبر إلغاءً لها، بل هو إعمال للأصل2.

    الأثر الثاني: عدم التأكد من الأنساب الثابتة: إذا ثبت النسب بالطرق الشرعية المتفق عليها فلا مجال لاستخدام البصمة الوراثية لإثبات النسب من جديد أو محاولة التأكد منه، أو لإبطال الأبوة؛ لما يترتب على هذا العمل من مفاسد، وبلاء عظيم وفتن لا يحمد عقباها؛ لما فيه من التشكيك في ذمم الناس وتوجيه التُّهَمِ إليهم، ويُلحق بهم أنواعاً من الأضرار النفسية والاجتماعية، وينشر بين الأزواج سوء الظن ويقوي الرِّيبة بين أفراد المجتمع، وبمجرد أن يذهب الزوج إلى التأكد من نسب ولده يُعَدُّ اتهاماً لزوجته وشكاً في عفّتها، وهذا يتعارض مع ما هو ثابت في الشرع من أن الأصل هو حملُ الناس على العفاف والطُهْرِ، وهذا العمل من الزوج سينعكس بالسلب على الحياة الزوجية حيث تُصبح جحيماً بعد أن كانت نعيماً.

    والدليل على عدم جواز التأكد من النسب الثابت هو ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " إن رسولَ اللهِ r جاءه أعرابيٌّ فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاماً أسودَ، فقال: )هَلْ لَكَ مِنَ الإِبِلِ؟ ( قال: نعم، قال: )مَا أَلْوَانُهَا؟(، قال: حُمُرٌ، قال: ) فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟( قال: نعم، قال: )فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ ؟(، قال: أَرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ، قال: )فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ [59](؛ فقد دلّ الحديث على حكمين:

    الأول: أن المخالفة في اللون بين الأب وابنه لا يُتيح الانتفاء[60] .

    الثاني: عدم جواز نفي النسب بعد ثبوته مهما ظهرت من أمارات وعلامات.

    وإذا كان لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته بغير اللعان؛ فإنه لا يجوز أيضا استخدام أي وسيلة قد تدل على انتفاء النسب ونفيه عن صاحبه؛ لأن للوسائل حُكْمَ الغايات، فما كان وسيلة لغاية محرّمة، فإن للوسيلة حُكْمَ الغاية[61].

    وقد نص المجمع الفقهي الإسلامي في توصياته بشأن البصمة الوراثية على عدم جواز استخدامها؛ للتأكد من النسب الثابت، وأكّد على ضرورة أن تكون مخابر البصمة الوراثية تابعة للدولة، وعدم السماح للقطاع الخاص بالولوج في هذا الميدان؛ كي لا تُستخدم لأجل الربح، وأن يتم إجراء الاختبار بناء على تعاون بين السلطة التنفيذية والقضائية[62].

    وتطبيق مثل هذه التوصية من شأنه أن يمنع حدوث أي محاولة؛ للتأكد من النسب دون إِذْنٍ من السلطة القضائية، وأن يمنع حالات التحقق من النسب سواء كان ذلك بصفة فردية أو جماعية.

    لكن إذا تأكد أحدهم من النسب الثابت بالفراش بالبصمة الوراثية، وجاءت النتيجة مخالفة لدليل الفراش؟ فليس من المستبعد أن يلجأ أحدهم إلى مخبر البصمة الوراثية لاسيما إذا كان في دولة أجنبية تسمح بمثل هذا الإجراء. وهذا ما لم يُجِبْ عليه أصحاب هذا الرأي، وهذه من أعقد المسائل التي اختلفت فيها أنظار الفقهاء المعاصرين، فمنهم من استبعد البصمة الوراثية، وقال: لا يمكن أن يكون لها أيُّ أثر، بل الولد للفراش، ومنهم من قدّم البصمة الوراثية على الفراش، ومنهم من حاول أن يُعمل الدليلين معاً، بحيث يُعمل بدليل الفراش في التحريم والميراث والنفقة والولاية، ويُعمل بدليل البصمة الوراثية في الْمَحْرَمِيَّةِ والخلوة والنظر، وعلى هذا الأساس لا يكون الولد مَحْرَماً لِعَمَّاتِهِ وأخواته لأَبِ، ويُفسخ النكاح إذا ثبتت القرابة بالبصمة الوراثية. وهذا الرأي مُخَرَّجٌ على مذهب المالكية[63].

    مسألة: إثبات نسب الولد غير الشرعي بالبصمة الوراثية: اختلف الفقهاء قديما بشأن نسب ولد الزنى من جهة الأب على قولين:

    القول الأول: ابن الزنى لا يُلحق بالفاعل، بل يَثبت نسبه من أمه فحسب. وبه قال الجمهور الأعظم من الفقهاء[64] ؛ بدليل:

    قول الرسول الكريم r : )الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ([65] فقوله: ) وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ(، العَاهِرُ هنا: هو الزاني، والمقصود بِالْحَجَرِ هنا: الرجم أو الخيبة والحرمان[66].

    ونقل ابن رشد الحفيد في هذا الشأن اتفاق الجمهور على أن أولاد الزنى لا يُلحقون بآبائهم[67]. واعْتَرَضَ على هذا التوجيه للحديث الشريف الفريقُ الثاني، وقالوا: إن الرسول الكريمr حكم بأن )الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ( عند تنازع الزاني وصاحب الفراش، فإذا لم يُوجد فِراشٌ فما المانع من إثبات نسب ولد الزنى؟[68]

    القول الثاني: ابن الزنى يُلحق بالفاعل إذا ادّعاه ولا فراش يعارضه. وبه قال: عروة بن الزبير،، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، ووافقهم في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية[69]؛ بدليل:

    - إن الأب أحد الزَّانِيَيْنِ، وهو إذا كان يُلحق بِأُمِّهِ، ويُنسبُ إليها، ويثبت النسب بينه وبين أقارب أُمِّهِ مع أنها زنت به، وقد جاء الولد من ماء الزَّانِيَيْنِ، فما المانع من لُحُوقِهِ بالأب إذا لم يدّعيه غيرُه، فهذا هو محض القياس.

    - ومن الأثر: أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُلِيطُ: أي: يُلْحِقُ أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام[70].

    ورَدَّ ابن عبد البر على توجيه هذا الأثر: "بأن ذلك جهل وغباوة، وغفلة مُفرطة، وإنما الذي كان عمرُ يقضي به: أن يُلِيطُ: - أي: يُلْحِقُ - أولاد الجاهلية بمن ادعاهم إذا لم يكن هناك فراش، وفيما ذكرنا من قول الرسولr: ) الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ( ما يكفي ويُغني، ونحن نزيد ذلك بَيَاناً بالنصوص عن عمر رحمه الله، وإن كان مستحيلاً أن يظن به أحدٌ أنه خالف بِحُكْمِهِ حكم رسول الله r في: ) الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ( إلا جاهل، لاسيما مع استفاضة هذا الخبر عند الصحابة من بعدهم"[71].

    واستدل بحادثة شيخ بني زُهرة؛ حيث أرسل عمر بن الخطاب إليه يسأله عن ولد من أولاد الجاهلية، وكانت المرأة في الجاهلية إذا طلّقها زوجُها أو مات عنها نكحت بغير عِدَّةٍ، فقال الرجل: أما النطفة فمن فلان، وأما الولد فَعَلَى فِراش فلان، فقال عمر: صدقتَ، ولكن قضي رسول الله r بالولد للفراش[72]. وبظهور البصمة الوراثية، واعتمادها – في الراجح – كدليل في إثبات النسب، ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أنه يجب إعادة النظر في نسب ولد الزنى[73]. واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالآتي:

    1- من القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ﴾ [الأحزاب 5]، إن منطوق الآية يدعو إلى أن يُنسب الشخص إلى الأب الحقيقي[74]، ومقتضى قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ﴾ أن نعرف الأب الحقيقي، وأن نبذل في ذلك جهداً في المعرفة؛ لكي يأتي نسب الولد لأبيه حقاً سواء أكان شرعياً أو غير شرعي، سواء أكان من زنى أو من زواج ضاعت وثائقه[75].

    2- من السنة النبوية: قول الرسول الكريمr : )الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ(، حيث قالوا: إن الولد للفراش على حقيقته لا على مظنّته، وعملاً بكامل الحديث : )هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ (، قالت: - أي: عائشة- فلم يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ"[76]. وأمرها رسول الله r بالاحتجاب منه؛ لما رأي الشبه بَيِّناً بعتبة بن أبي وقاص[77].

    3- من القياس: أنه يجب أن يُلحق ابن الزنى بالزاني قياساً على وطأ الشبهة.

    4- من المعقول: إن الشارع الحكيم يتشوّف إلى إثبات النسب؛ لِئَلاَّ يضيع الأولاد الذين جاءوا نتيجة خطيئةٍ من رجل وامرأة. والأخذ بهذا الرأي في اعتقاد قَائِلِيهِ يحقق جملة من الأهداف، هي:

    أ- الاستفادة من نعمة الله سبحانه؛ بظهور هذا الفتح العلمي وهو البصمة الوراثية، كآية من آيات الله تعالى في الإنسان التي تحقق الْهُوية الشخصية بصفاتها الذاتية والمرجعية.

    ب- إنقاذ الطبقة المتشرّدة من أولاد المسلمين، والتقليل من ظاهرة رمي الْمَوْلُودِينَ الجدد في الشوراع، أو في أماكن رمي القمامات.

    ج- تحميل المتسبب مسؤولية الرعاية من تربية وإنفاق؛ إعمالا للقاعدة الشرعية: "الغُنْمُ بالغُرْمِ ".

    د- التقليل من ظاهرة تزوير الأنساب عندما تستغل المرأة غفلة زوجها، فتلحق به من ليس منه[78]. وذهب بعضهم[79] إلى أن إثبات النسب للزاني يحقق مصلحة؛ حيث سيؤدي إلى التقليل من فاحشة الزنى؛ فإذا عرف الزاني أنه سيتحمل نتيجة جريمته، فإنه سيحسب لهذه الفاحشة وآثارها الوخيمة ألف حساب قبل أن يُقدم عليها، وخاصة إذا عرف أنه إذا حاول إنكار الولد سيجرى تحليل ADN أو أن المرأة إذا حملت من غير زوجها فسيُنكره الزوجُ، ويلجأ إلى التحليل؛ فلن تُقدم على هذه الجريمة، وستنضبط الأمور، وليس معنى هذا أن قول الجمهور: إن ماء الزنى هَدْرٌ، أن رأيه هو الصحيح، فقد يكون الرأي صحيحاً في عصر وغير صحيح في عصر آخر نظراً؛ لاختلاف الدواعي، وفي عصرنا هذا حيث فَقَدَتْ كثير من الضمائر رعايتها لحقوق الله سبحانه؛ فإن كثيراً ممن يتزوّجون عرفياً يستولون على ورقة الزواج ويُعدمونها، ثم لا يعترفون بأبنائهم؛ فيحكم القضاء بأنه زنى ولا يُنسب الولد للزوج؛ لأن القاضي ليس أمامه أوراق. وقال آخر: إن الأخذ بالبصمة الوراثية لا ينافي قاعدة السِّتْرِ؛ حيث إن السِّتْرَ في نسبة الولد لأبيه وليس في عدم نسبته؛ فعدم النسبة لأبيه سيؤدي إلى أن الولد سيظل معروفاً بأنه ليس من أَبٍ شرعي، وتُعَيَّرُ بهما أُسرتُهما، بل إن نسبة ولد الزنى لأمه هو فضح دائم، وضرورة أكبر تتطلب إثبات الولد لأبيه[80].

    واعْتُرِضَ على هذه الأقوال؛ بأن الزنى غير معتبر، وأيضاً إن زنى المحارم لا نستطيع أن نُحِلَّ فيه المشكلة، فماذا لو زنى الأب بالبنت، أو الأخ بالأخت؟! فنحن الآن إذا اعترفنا بنسب ولد الزنى سنكون أمام حالة سنفرّق فيها بين الناس، فالزنى بين الرجل والأجنبية غير معتمد وحرام، والزنى بين الأب والبنت، أو الأخ وأخته غير معتمد وحرام، فهل يُعقل أن نثبت في الأولى النسب، وفي الثانية لا نثبته؟! وإذا أردنا أن نثبت النسب لكل زَانٍ فإننا سنرفع نظام القرابة، وهو أول مِعْوَلٍ في القضاء على الاجتماع البشري؛ إذن عندما لا أعتمد الزنى فأنا لا أرتكب جريمة، بل على العكس فأنا أُحافظ على الاجتماع البشري[81].

    كما يؤدي إثبات نسب ولد الزنى إلى إسقاطِ الحكم الشرعي الذي جاء به الحديث النبوي الشريف : )الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ(، وفتحِ باب واسعٍ للفجور بمساندة المرأة الزانية في إلحاق ولدها بمن حصلت مواقعته إياها؛ مما يؤدي إلى إزالة إحدى المعوقات الطبيعية في طريق فاحشة الزنى؛ بتشريعٍ يزيد الزانية اطمئناناً ضمنه لها القانون سلفاً بإلغاء عقوبة الزنى المقررة شرعاً، بالإضافة إلى التشهير بأحد الوالدين أو كليهما، ومن ثَمَّ إثبات الرذيلة قضائياً وإذاعتها اجتماعياً.

    اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] - أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب: الرضاع، باب: الولد للفراش وتوقي الشبهات، رقم الحديث 3613، ص 589-590.

    [2] - ومعنى قولهr: )وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ(، أي: أنكره ونفاه، وهو يعلم أنه ولده. انظر: عون المعبود

    [3] - أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب: الطلاق، باب: التغليظ في الانتفاء، رقم الحديث 2263، ص 344

    [4] - أخرجه ابن ماجه في سننه، في كتاب: الحدود، باب: مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أو تَوَلَّى غيرَ مَواليهِ، رقم الحديث 2610، ص 444.

    [5] - نهاية المحتاج شرح المنهاج لشمس الدين الرملي 5/107.

    [6] - أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب: الطلاق، باب: التغليظ في الانتفاء، رقم الحديث 2263، ص 344.

    [7] - مقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ الطاهر بن عاشور ص 163.

    [8] - هذا تعريف المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها العلمية حول الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني، المنعقدة بالكويت في الفترة ما بين 23-25 جمادى الثاني 1419 هـ/ الموافق 13-15 أكتوبر 1998 م.

    [9] - هذا تعريف المجمع الفقهي الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة. تقرير اللجنة العلمية عن البصمة الوراثية، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 16، السنة 14، 1424 هـ/ 2003 م، ص 291.

    [10] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، لفضيلة الشيخ فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية سابقاً مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 17، السنة 15، 1425 هـ/ 2003 م، ص. 59

    [11] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، للدكتور وهبة الزحيلي، أعمال وبحوث الدورة السادسة عشر للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرّمة، 1422 هـ/ 2002 م، 3/15.

    [12] - بصمة الجينات ودورها في الإثبات الجنائي – رؤية إسلامية - للأستاذ عارف علي عارف، دار التجديد للطباعة والنشر والترجمة ماليزيا، الطبعة الأولى، 1422 هـ/ 2002، ص 14

    [13] - البيولوجيا الجنائية والبصمة الوراثية، للأستاذ أحمد محمد خليل، مجلة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، جامعة عجمان، العدد 1، 1421 هـ/2001 م، 6/82.

    [14] - المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى أحمد الزرقا 2/936.

    [15] - معجم لغة الفقهاء للدكتورين محمد رواس قلعةجي وحامد صادق قنيبي ص 362

    [16] - انظر: المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى أحمد الزرقا 2/936-937، ومعجم لغة الفقهاء للدكتورين محمد رواس قلعةجي وحامد صادق قنيبي ص 362، وحجية القرائن في الفقه الإسلامي للأستاذ محمد أحمد حسن القضاة، مجلة دراسات عمادة البحث الأردنية، المجلد 30، عدد 2، تشرين الثاني 2003، ص 465.

    [17]- انظر: البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، لفضيلة الشيخ فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية – سابقاً- مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 17، السنة 15، 1425 هـ/ 2003 م، ص 65، والبصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للأستاذ سعد الدين هلالي، أعمال وبحوث الدورة السادسة عشر لمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، 1422 هـ/ 2002 م، المجلد 3، ص 65، والبصمة الوراثية من منظور الفقه الإسلامي للأستاذ علي محيي الدين القره داغي، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 16، السنة 14، 1424 هـ/ 2003 م، ص 55، والبصمة الوراثية وحجيتها للأستاذ عبد الرشيد محمد أمين قاسم، مجلة العدل، وزارة العدل السعودية عدد 23، رجب 1425 هـ، ص 61.

    [18] - انظر: البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، لفضيلة الشيخ فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية – سابقاً- مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 17، السنة 15، 1425 هـ/ 2003 م، ص 65.

    [19] - انظر: البصمة الوراثية من منظور الفقه الإسلامي للأستاذ علي محيي الدين القره داغي، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 16، السنة 14، 1424 هـ/ 2003 م، ص 55.

    [20] - انظر: البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في النسب والجناية، للدكتور عمر بن محمد السبيل، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 15، السنة 13، 1423 هـ/ 2002 م، ص 55.

    [21] - انظر: البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية، للأستاذ خليفة علي الكعبي، رسالة ماجستير منشورة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، مصر 2004 م، ص 205

    [22] - انظر: الحلقة النقاشية حول الهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني، موقع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية www. islamset. com

    [23] - انظر: تقرير اللجنة العلمية عن البصمة الوراثية، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 16، السنة 14، 1424 هـ/ 2003 م، ص 292.

    1 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي ابن عطية الأندلسي 3/237.

    2 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون 2/118.

    [24] - انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي ابن عطية الأندلسي 3/227، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 9/149، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون 2/117.

    [25] - أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 10/252، وتمام الحديث: )لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، وَلَكِنَّ البَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ (.

    [26] - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص 17-18.

    [27] - أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب: الرضاع، باب: العمل بإلحاق القائف الولد، رقم الحديث 3618، ص 590.

    [28] - انظر: الفروق للإمام القرافي 3/126، ونهاية المحتاج للرملي 8/375.

    [29] - القِيَافَةُ: هي التعرف على نسب الولد بالنظر إلى أعضائه وأعضاء والده. انظر: معجم لغة الفقهاء للدكتورين محمد رواس قلعةجي وحامد صادق قنيبي ص 373.

    [30] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، للدكتور وهبة الزحيلي، أعمال وبحوث الدورة السادسة عشر للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرّمة، 1422 هـ/ 2002 م، 3/23، والبصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، لفضيلة الشيخ فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية – سابقاً- مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 17، السنة 15، 1425 هـ/ 2003 م، ص 78، والبصمة الوراثية من منظور الفقه الإسلامي للأستاذ علي محيي الدين القره داغي، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 16، السنة 14، 1424 هـ/ 2003 م، ص 56، والبصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية، للأستاذ خليفة علي الكعبي، رسالة ماجستير منشورة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، مصر 2004 م، ص 225.

    [31] - القَافَةُ: قوم يعرفون الأنساب بالشبه، ولا يختص ذلك بقبيلة معيّنة، بل مَنْ عُرِفَ منه المعرفة بذلك، وتكرر منه الإصابة؛ فهو قائفٌ. انظر: الشرح الكبير مع المغني لشمس الدين بن قدامة المقدسي 6/406.

    [32] - المغني لموفق الدين بن قدامة المقدسي 6/406.

    [33] - المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم للدكتور عبد الكريم زيدان 9/414.

    [34] - أبحاث اجتهادية في الفقه الطبي للدكتور محمد سليمان الأشقر ص 264.

    [35] - انظر: التحرير والتنوير للشيخ الطاهر بن عاشور 25/18.

    [36] - انظر: التحرير والتنوير للشيخ الطاهر بن عاشور 26/353

    [37] - والبصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، لفضيلة الشيخ فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية – سابقاً- مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 17، السنة 15، 1425 هـ/ 2003 م، ص 61



    1 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص 21.

    [38] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للأستاذ سعد الدين هلالي، أعمال وبحوث الدورة السادسة عشر لمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، 1422 هـ/ 2002 م، المجلد 3، ص 276.

    [39] - ذهب إلى هذا الرأي كُلٌّ من الدكتور محمد عثمان رأفت، والدكتور عبد المعطي بيومي. نقلا عن: ما بين الدين والعلم علائق متواصلة www. raya. com

    [40] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للأستاذ سعد الدين هلالي، ص 267.

    [41] - البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية، للأستاذ خليفة علي الكعبي، رسالة ماجستير منشورة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، مصر 2004 م، ص 212.

    [42] - البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية، للأستاذ خليفة علي الكعبي، ص 255، والبصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، للدكتور وهبة الزحيلي، المرجع السابق 3/23، والبصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، لفضيلة الشيخ فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية – سابقاً- المرجع السابق ص 78، والبصمة الوراثية من منظور الفقه الإسلامي للأستاذ علي محيي الدين القره داغي، المرجع السابق ص 56، وأبحاث اجتهادية في الفقه الطبي للدكتور محمد سليمان الأشقر ص 264، واستخدام البصمة الوراثية في إثبات النسب للأستاذ الهادي الحسين الشبيلي، مجلة المعيار، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة، عدد 5، 1424 هـ/2003 م، ص 98، والبصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في النسب والجناية، للدكتور عمر بن محمد السبيل، المرجع السابق، ص 59.



    [43] - البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في النسب والجناية، للدكتور عمر بن محمد السبيل، المرجع السابق، ص 70

    [44] - البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية، للأستاذ خليفة علي الكعبي، ص 212.

    [45] - أخرجه بهذا اللفظ مسلم في كتاب الرضاع، باب الولد للفراش، وتوقي الشبهات، رقم الحديث 3613، ص 589-590، وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الفرائض، باب: الولد للفراش حُرَّةً كانت أو أَمَةً، رقم الحديث 6749، ص 1366.

    [46] - البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في النسب والجناية، عمر بن محمد السبيل، المرجع السابق، ص 148.

    1 - البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في النسب والجناية، عمر بن محمد السبيل، المرجع السابق، ص 55.

    [47] - انظر: البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في النسب والجناية، للدكتور عمر بن محمد السبيل، المرجع السابق، ص 60، وأبحاث اجتهادية في الفقه الطبي للدكتور محمد سليمان الأشقر ص 263، البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، لفضيلة الشيخ فريد واصل المرجع السابق ص 56.

    [48] - انظر: البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية، للأستاذ خليفة علي الكعبي، ص 172

    [49] - البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في النسب والجناية، عمر بن محمد السبيل، المرجع السابق، ص 60.

    [50] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج للخطيب الشربيني 4/491.

    [51] - ندوتها العلمية حول الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني، المنعقدة بالكويت في الفترة ما بين 23-25 جمادى الثاني 1419 هـ/ الموافق 13-15 أكتوبر 1998م.

    www. Islamset. com

    [52] - البصمة الوراثية وحجيتها للأستاذ عبد الرشيد محمد أمين قاسم، مجلة العدل، وزارة العدل السعودية عدد 23، رجب 1425 هـ، ص 61-62.

    [53] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للأستاذ سعد الدين هلالي، ص 275.

    [54] - المبسوط لشمس الأئمة السرخسي الحنفي 17/99.

    [55] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للأستاذ سعد الدين هلالي، ص 277.

    [56] - راجع ندوة مدى حجية البصمة الوراثية لإثبات البنوة – توصيات الحلقة النقاشية -، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية www. islamset. com.

    [57] - ذهب إلى هذا الرأي الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي. انظر: الفقه الإسلامي والبصمة الوراثية. www. aljazeera. net

    [58] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للشيخ نصر فريد واصل المرجع السابق، ص 78.

    1 - أخرجه بهذا اللفظ مسلم في كتاب الرضاع، باب الولد للفراش، وتوقي الشبهات، رقم الحديث 3613، ص 589-590، وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الفرائض، باب: الولد للفراش حُرَّةً كانت أو أَمَةً، رقم الحديث 6749، ص 1366.

    2 - انظر: البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية، للأستاذ خليفة علي الكعبي، المرجع السابق، ص 151.

    [59]- انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد 4/69، ونيل الأوطار للشوكاني 8/67

    [60] - انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد 4/69، ونيل الأوطار للشوكاني 8/67

    [61] - البصمة الوراثية ومدى مشروعيتها في النسب والجناية، د. عمر بن محمد السبيل، المرجع السابق، ص 72

    [62] - تقرير اللجنة العلمية عن البصمة الوراثية، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 16، السنة 14، 1424 هـ/ 2003 م، ص 293.

    [63] - انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر 8/193، وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض 4/650.

    [64] - انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر 8/193، وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض 4/650، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد 2/291، والمبسوط للسرخسي 17/154، ونيل الأوطار للشوكاني 8/68.

    [65] - أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب: الرضاع، باب: الولد للفراش وتوقي الشبهات، رقم الحديث 3613، ص 589-590.

    [66] - انظر: فتح الباري لابن حجر 12/31، وتكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم لمحمد تقي العثماني 1/60.

    [67] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد 2/291.

    [68] - انظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 4/190.

    [69] - انظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 4/190.

    [70] - المصدر السابق 4/191.

    [71] - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر 8/193.

    [72] - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر 8/194.

    [73] - ذهب إلى هذا الرأي الدكتور سعد الدين هلالي في بحثه: البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، وكذلك الدكتور عبد المعطي بيومي، والدكتور عثمان رأفت. انظر: الفقه الإسلامي والبصمة الوراثية، www. aljazeera. net

    [74] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للأستاذ سعد الدين هلالي، أعمال وبحوث الدورة السادسة عشر لمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، 1422 هـ/ 2002 م، المجلد 3، ص 276.

    [75] - ذهب إلى هذا الرأي كُلٌّ من الدكتور محمد عثمان رأفت، والدكتور عبد المعطي بيومي. نقلا عن: ما بين الدين والعلم علائق متواصلة www. raya. com

    [76] - أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب: الرضاع، باب: الولد للفراش وتوقي الشبهات، رقم الحديث 3613، ص 589-590.

    [77] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للأستاذ سعد الدين هلالي، مرجع سابق ص 276

    [78] - البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها للأستاذ سعد الدين هلالي، مرجع سابق ص 276

    [79] - ذهب إلى هذا الرأي الدكتور عبد المعطي بيومي. نقلا عن: ما بين الدين والعلم علائق متواصلة www. raya. com للأستاذ حسن علي دَبَا.

    [80] - وهو رأي الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إلا أنه اشترط في إثبات نسب ولد الزنى لأبيه أن تكون المرأة بلا زَوْجٍ. نقلا عن: ما بين الدين والعلم علائق متواصلة www. raya. com للأستاذ حسن علي دَبَا.

    [81] - وهو اعتراض قدّمه الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، رداً على القائلين بثبوت النسب من الزنى. نقلا عن: ما بين الدين والعلم علائق متواصلة www. raya. com للأستاذ حسن علي دَبَا.
                  

08-29-2011, 02:40 PM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي (Re: عثمان الحسن أبوروف)

    إجتــرار إنتاج الغيـر.




    شكرا للاخ عثمان
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de