سياحة بين فيينا و أبيي و أخواتها. الفاضل عباس محمد علي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 09:33 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-01-2011, 04:06 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10834

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سياحة بين فيينا و أبيي و أخواتها. الفاضل عباس محمد علي

    الفاضل عباس محمد علي ------------ أبو ظبي
    سياحة بين فيينا و أبيي و أخواتها!
    متاهات سيل العرم الذي شتّت السودانيين أيدي سبأ.

    في يناير المنصرم، و في عزّ الشتاء الأوروبي، كنت بمدينة فيينا لبضع أسابيع ضيفاً على رئيس الجالية السودانية السابق الصحفي عبدالله شريف، و بدعوة من منظمة السلام العالمية.....لتقديم محاضرة عن مسألة جنوب السودان و مآلاتها فيما بعد 9 يوليو 2011؛ و لا أريد أن أعيد عليكم ما ورد من طرح و مداخلات في تلك الليلة، فتلك أمور أصبحت مكرورة، و لكني أعرّج على أمسية أخرى قضيتها بالنادي السوداني في الحاضرة النمساوية، مشاركاً في احتفال الجالية بعيد الاستقلال.
    و تلك الدار، خلافاً لأي مركز لأي جالية رأيته في حياتي، شعلة من النشاط الاجتماعي و الثقافي و الترفيهي للسودانيين و أسرهم، و لكنها أيضاً موئل لعمل إنساني من نوع نادر، ففيها يقيم الكثير من الشباب المصطفّين بانتظار تحسين أوضاعهم، أي منحهم حق اللجوء، و يساهم الآخرون الذين نجحوا في تأمين ذلك الحق وتوابعه من سكن و ضمان اجتماعي، و ربما وظيفة في سوق العمالة (الأسود)، في ترتيب الوجبات الجماعيّة التي تقام للقاطنين بالدار، بما تيسّر من أدام يقيم الأود...إذ (عيب الزاد و لا عيب سيده،)، أما في رمضان فإن الشهر كله يتحول إلى إفطارات جماعية تساهم فيها العديد من الأسر و الشخصيات.
    و بالجلوس إلى الشباب القدامى و الجدد..... خرجت بالعديد من القصص الدرامية التي لا تقل هولاً و إثارة عن قصص المهاجرين الأمريكان الأوائل و هم يتوغّلون غرباً في البراري و جبال الروكيز.... تلك القصص التي كانت تدور حولها أفلام الكاوبويات و أفلام الكوميديا مثل The Gold Rush لشارلي شابلن.
    و أكثر ما لفت نظري وأودعني مشارف البكاء، لولا قليل من رباطة الجأش، هو ذلك الشاب الفلاتي السوداني القادم من قرية مايرنو على بعد خمس كيلومترات جنوب سنار، و الذي تعرّفت عليه بالشبه لأني أذكر أهله و جيرانه أسرة بامنقا.... وإسم هذا الشاب محمدٌ وهو في التاسعة عشر من عمره، و جاء لتوّه من السودان و بصحبته شاب مغربي بنفس العمر و الملامح كذلك، فمحمد قريب الشبه بالقرعان و الطوارق سكان الصحراء الكبرى؛ و لقد تكبّدا هذا العناء الرهيب و خرجا من الموت عدة مرات، لتحقيق هدف واحد عقدا عليه العزم وهو التعليم الجامعي، و رفضا كل المغريات الأخرى من وظيفة ودعة و سكن مريح و بهجة و مسرة تطفح بها المدائن الأوروبية، و لا يخالجني أدنى شك في أنهما سيحققان طموحهما ، وسيكون لهما أيما شأن ذات يوم.
    إلتقى محمد برفيق دربه المغربي على سطح قارب مهترئ ومتهالك بجزيرة مالطا، يحمل فوق طاقته بفارق ضخم، و يقوده قبطان مخمور و مسطول، و قبل أن يبلغ بهم الشواطئ الإيطالية... تساقط منه الكثيرون الذين أخذتهم سنة من النوم و هم جلوس على الحافّة، والذين ماتوا من الجوع وألقيت جثامينهم في عرض البحر، وفي النهاية كان العدد الناجي أقل من نصف الركاب الذين اعتلوا ذلك القارب في مالطا.
    ثم واصل الشابان، و معهم زمرة متعددة الجنسيات عبر إيطاليا، ثم أراضي يوغسلافيا السابقة، إلى أن وصلوا المجر، و قد مشوا على الأقدام لأكثر من ستمائة كيلومتراً، و مرة أخرى تساقط العديدون من فرط الجوع و الإعياء و البرد في الجبال المغطاة بالجليد، كما التهمت الدببة إثنين أو ثلاثة منهم. و لقد تجلّت أصالة إبننا محمد، كما روى لي صديقه المغربي، في أنه كان قليل الكلام وبشوشاً ومتفائلاً في أحلك الظروف ولا يشكو و لا يتأوّه، و باستمرار يؤثر الآخرين على نفسه في ما يتناهى إليهم من طعام أو غطاء.... و قد بلغ الإعياء بالشاب المغربي حداً جعله يستسلم و يستلقي على قفاه بالجبل الأسود و يجزم بألا يتحرك من مكانه، فحمله محمد على كتفه لمسافة طويلة جداً كأنه حزمة عنكوليب، و أخذ بيده حتى وصلا فيينا.
    و في المجر نصب عليهما سمسار و أخذ كل ما لديهما من دولارات وجوازات بدعوى أنه سيشتري لهما تذكرتين للقطار الذي سيحملهما إلى فيينا، و سيحوّل الدولارات إلى يورو، ويسلمهما كل شيء عند باب عربة القطار. و بالفعل ذهب بهما عبر المحطة إلى باب الدرجة السياحية بتوقيت عبقري، و دخلا أمامه، و بينما هو يهمّ بالصعود أطلقت القاطرة صفارتها و انزلقت جميع الأبواب لتنغلق أوتوماتيكياً، و ذلك السمسار الإنسان رخيص بالخارج و محمد و زميله المغربي بالداخل، بلا أوراق و لا جوازات و لا فلس واحد و لا تذاكر، و ركضا من أول القطار لآخره و لم يجدا مخرجاً، فتوكلا على الحي الذى لا يموت وجلسا بإحدى الكابينات.
    جاء الكمساري وسردا عليه ما حدث بالضبط، عملاً بقول الشيخ فرح ود تكتوك الذي حمله محمد معه في وجدانه من سنار (إذا الصح ما نجاك.....الكضب ما بنجيك)، فعاملهما الكمساري بلطف و لم يأمر باعتقالهما كما يحدث عادة، فقط طلب منهما أن يترجّلا في المحطة القادمة. و هناك انتظرا لبضع دقائق، و ركبا القطار التالي باتجاه فيينا..... و تكررت نفس القصة...إلى أن وجدا نفسيهما في محطة فيينا. وهناك توجها نحو سيارات التاكسي حيث وجدا مصرياً ابن حلال، قالا له: (يا ابن العم...هل تعرف أي سوداني في هذه المدينة؟) فضحك طويلاً و قال لهما: (على قفا من يشيل. أنا ممكن أذهب بكما للنادي السوداني.) و هناك استوقفاه قليلاً إلى أن طرق محمد الباب ليخرج له أحد المسؤولين باللجنة فقال له: (كدي أدفع لبتاع التاكسي و بعدين نحكي ليك القصة.) و قد كان دون تردد، ثم أخذهما في سيارته لشقته الخاصة وأعدّ لهما وجبة شهية (حلّة مدنكلة) وبعد يومين أتى بهما للنادي، و كنت من أول من جالسهما هناك، و عرفت منهما أن المغربي لديه شقيق بباريس يتحرّق شوقاً لهما وعد بتسهيل الدراسة لكليهما، ولكن محمد لا يريد أن يذهب... وقد أقسم الشاب المغربي أنه لن يفارق محمداً هذا ما بقي له عمرٌ في الدنيا.
    و قد أخبرني الإخوة الآخرون بالنادي أن هناك عشرات بل مئات من مثل هذه القصص، و ما زال سيل المهاجرين طالبي اللجوء متواصلاً، و سيظل كذلك ما دام هذا النظام جاثماً على أنفاس الناس في السودان. و لقد كانت تلك سياسة ثابتة للنظام في أول أيامه، و هي إفراغ البلاد من كل من يرغب في الهجرة لعل ذلك يخفف عنه ضغوط المطالبة بفرص العمل أو التعليم، و علّه يكون منفذأ مريحاً للمعارضين الذين فصلوهم من العمل بالجملة. و في غفلة منا جميعاً، نزفت البلاد كوادرها جميعاً من مهنيين و فنيين و ناشطين نقابيين و مثقفين من كل شاكلة و نوع، باستثناء الإخوان المسلمين الذين خلا لهم الجو فباضوا و أفرخوا و تمكنوا للنهاية، واوصلوا بلادنا إلى هذا المنعطف المأساوي الخطير وهذه النهاية المشؤومة.
    و لا يقل السودانيون (الشماليون) المقيمون بالخارج عن ربع سكان السودان، و معظمهم من الذين كانوا شباباً أيام ثورة أكتوبر 1964 وانتفاضة إبريل 1985 ، والذين كانوا وقوداً محركاً لتلك الثورات. وما تبقي في السودان، بالإضافة للإخوان المسلمين، هم الأيفاع الذين ترعرعوا في كنف نظامهم الذي جاء للحكم قبل إثنين وعشرين عاماً..وتلك هي الكارثة بعينها، فلقد انقطع تاريخ السودان من وسطه، وماعاد هناك تواصل بين جيل البطولات والأجيال التي تمخضت عنها سنوات حكم هؤلاء الأراذل. ولكن رغم ذلك، فقد بدأ حراك صحي وسط الشباب يستهدف الإطاحة بالنظام أسوة بما حدث في تونس ومصر؛ وليس ذلك كنوع التداعي الطبيعي لقطع الدومينو بالمنطقة، ولكن لأن هناك حاجة موضوعية للتغيير، ولأن النظام قد استنفد كل أحابيله للبقاء في السلطة وما عاد يجديه البطش واعتقال التقدم الاقتصادي والتحول الاجتماعي، وبدأت آثاره السلبية تعلن عن نفسها بلا غطاء أو تمويه:-
     هذا هو الجنوب، ثلث الوطن، يودّع البلاد في غضون أيام معدودات، ولقد حمل الجنوبيون أسرهم وأطفالهم وما خف حمله ...متجهين نحو مصير غير معروف لا لأنهم لبوا نداء الوطن، ولكنهم لأنهم يخشون بطش الإسلاميين الذين توعّدوهم بالثبور وعظائم الأمور وضايقوهم....وطردوهم.
     وهذه هي أبيي التي تقطن بها أقلية جنوبية....تلفظها لفظ النواة ......وتلاحقها بالانتنوف والراجمات ....وتحيل الدينكا نقوك إلي مجموعات مشردة في العراء....تستجير بمنظمات الإغاثة الدولية.
     وكذا الحال بالنسبة لنوبة جنوب كردفان الأفارقة الذين لهم مظالم شبيهة بأهل الجنوب، والذين ضربوا كذلك ضرب غرائب الإبل، وشردوا في وديان وسهول جبال النوبة، في غفلة من الأسرة الدولية المشغولة حالياً بدول الشرق الأوسط حيث الثورة العربية.
     وثمة مصير مشابه ينتظر قبائل الإنقسنا والبرون والوطاويط الذين يعمرون منطقة النيل الازرق.
    لقد رفع هذا النظام رايات الشريعة الإسلامية في بلد متعدد الأديان و لم يكترث للشعوب المسيحية و غيرها التي ظلت موجودة بهذه البلاد منذ آلاف السنين، علماً بأن العرب المسلمين جاؤوا قبل 500 عام فقط.
    كما رفع النظام رايات الشوفينية و العنصرية لدرجة التشنّج، و أصبح الحديث كلّه يتركّز حول : هل أنت جعلي أم شايقي أم بديري دهمشي؟...... و ما دون ذلك فيما يبدو سقط المتاع.
    و عمل النظام منذ أول أيامه بسياسة التمكين، ففتح أبواب الرزق الحلال و غير الحلال لأعضاء التنظيم، و نكّل بالآخرين و لاحقهم بالضرائب و الزكاة القسرية و الجبايات، فانهارت الطبقة الوسطى التقليدية برمّتها و نشأت في مكانها الرأسمالية الطفيلية السرطانية التي تنقصها الخبرة التجارية و الأخلاق المتعارف عليها في السوق، كما تنقصها العلاقات الدولية التي كانت تتمتع بها البيوتات المعروفة منذ التركية... آل أبو العلا و آل عبد المنعم و آل عثمان صالح و الشيخ مصطفى الأمين....الخ.
    و في هذه الأثناء تم القضاء على البنية التحتية من سكة حديد و بريد و تعليم و صحة، و حتى الطرق البرية التي تم رصفها لم تسبقها دراسة استراتيجية ذات بال، فليس فيها طريق واحد يربط الشمال بالجنوب أو بدارفور أو بجبال النوبة أو جنوب النيل الأزرق، و لو تم ذلك منذ عقدين من الزمان لما كان هناك مشاكل و تظلمات و تخلف اقتصادي كالذي تعاني منه هذه المناطق، بل ربما تمازج السودان أكثر، بما لا يسمح بهذا الإنفصال الذى تم.
    مهما يكن من أمر، فإن هذا النظام هو أس البلاء وسبب الهجرة القسرية و الطوعية، و السبب المباشر لانفصال جنوب السودان و من بعده دارفور و جنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق. و سيتبع كل ذلك حروب داخلية إلى يوم الدين لأن القضايا العالقة لم و لن تحل طالما هذا النظام جالس في السلطة، و لأن الحدود بين شمال السودان و كل من هذه المناطق غير واضحة تماماً حتى الآن، و ستظل عظمة يتواصل التنازع حولها إلى ما شاء الله.
    فنسأل الله أن يلطف بأهل السودان و يخفف عنهم البلاء الذي لا مردّ له. و السلام.

                  

07-02-2011, 04:07 PM

Sinnary
<aSinnary
تاريخ التسجيل: 03-12-2004
مجموع المشاركات: 2770

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سياحة بين فيينا و أبيي و أخواتها. الفاضل عباس محمد علي (Re: Nasr)

    Quote:
    إلتقى محمد برفيق دربه المغربي على سطح قارب مهترئ ومتهالك بجزيرة مالطا، يحمل فوق طاقته بفارق ضخم، و يقوده قبطان مخمور و مسطول، و قبل أن يبلغ بهم الشواطئ الإيطالية... تساقط منه الكثيرون الذين أخذتهم سنة من النوم و هم جلوس على الحافّة، والذين ماتوا من الجوع وألقيت جثامينهم في عرض البحر، وفي النهاية كان العدد الناجي أقل من نصف الركاب الذين اعتلوا ذلك القارب في مالطا.


    من المسئول عن مصير الشباب السودانيين الذين يموت علي الحدوووووووووود والبحاااااااااااااار
    في الحدود المصرية الإسرائلية وفي البحر الأبيض المتوسط ... من يطرق قضاياهم

    شكراً الفاضل عباس
    إنه والله قلم جدير بمتابعة كل ما يكتب
                  

07-02-2011, 04:12 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10834

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سياحة بين فيينا و أبيي و أخواتها. الفاضل عباس محمد علي (Re: Sinnary)

    Up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de