من برعي إلى زرياب وبالعكس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 09:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-21-2011, 07:07 PM

Rayah
<aRayah
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من برعي إلى زرياب وبالعكس

    من برعى إلى زرياب وبالعكس


    طال ارتحالك ايها النجم المسافر
    في ظلال الاقبية
    دهر من السأم المديد تكلست اوصاله
    وطغت عليه لزوجة الابد الهلامى المفاصل
    رنة العتق الصموت
    وغفوة الأمواه في جوف الدهاليز العتيقة
    عمر عبد الماجد
    عندما كتبت مؤلفي عن الفنان أبوداؤود (أبوداؤود .. كيف الحياة غير ليمك) كان في ذهني أن أكتب عن برعي بنفس الطريقة التي كتبت بها عن أبوداؤود لأنه لا يمكن أن يذكر أبوداؤود إلا ويذكر معه برعي ولا يذكر برعي إلا ويذكر أبوداؤود فالأثنان كالسبابة والأبهام ولا تتم نقرشة على العود أو الكبريتة بدونهما. وقد كان.. وقرأت ما كتبه الأديب المبدع صلاح شعيب عن برعي في هذا البورد فأردت أن أشرك معي قراء هذا المنتدى لعل في ذا المنتدى لعل في انعاش الذاكرة خيراً كثيراً.
    وتمر الأعوام وتنسلخ من جسد الزمن وتدق على ابواب ذاكرتنا الجماعية ذكرى رحيل الفنان الموسيقار العبقرى برعي محمد دفع الله عليه الرحمه من ربه وواسع مغفرته . في الليلة التى انطفأت فيها اخر الحانه التى لم تر النور كان أبناء جيلي على موعد مع الفقد العظيم والخسارة التى لاتعوض .
    مضى
    لم يقل متى
    هكذا
    مثلما اتى
    مضى
    لقد عشنا زمن برعي محمد دفع الله ونشأنا في محيطه الابداعى وتشكل وجداننا بقاموسه اللحنى وكانت موسيقاه المبتدأ والحانه الخبر الذى عم القرى والحضر .
    شلالات من الاحاسيس الانيقة التى تفجرت فينا فوهبتنا القدرة على الصمود وحالت بيننا وبين السقوط في قاع الركاكة والضحالة والتذوق الردئ . برعي تناثر فينا قوالب موسيقية متجددة وايقاعات شعورية عالية التردد والذبذبات .. وانغاما متحركة لايخبو بريقها .. تحملنا الى اكوان من الاحساس بذلك الجمال السرمدى .
    لم يذهب برعى مذهب الاوائل في تراكيبه الموسيقية .. لم يساير اللحن بموسيقاه بل كان التاليف الموسيقى عنده هو الاطار الذى يتحرك في داخله البناء" الميلودي"
    للنص الشعرى او الدراما الشعرية على النحو الذى نجده في " مصرع زهرة " وذاك نص فلسفي ملئ بالاشارات الرمزية الموحية .. وكان من اوائل الالحان التى البسها لذلك النص الشعري الفلسفي .. في ذلك الزمن " الأربعينيات " لم يكن احد يجرؤ او يدور بخلده ان يجري حنجرته على نص فلسفي يتناول قضية الموت والحياة لان ذلك لم يكن مما اعتاد الناس على تناوله شعراً ناهيك عن تلحينه والغناء به . ولكن ما الذي يمنع فنانا موهوبا يرى ابعد من الاخرين ويسمع من الموسيقي الداخلية للاصوات ما لايسمعه غيره .. ما الذى يمنعه من امتطاء رياح الكلمات الى سماء النغم الأرحب وهو الذى برع في إدارة الأصوات غير المنتظمة وتدويرها وتحويرها في عمل إبداعي راسخ .
    كان الساميون وقدماء اليونانيين والبيزنطيون يعتقدون ان كل كائن ارضي يكون متأثرا او مكملا لكائن اخر سماوي فنغمات السلم (الطبقة ) السبع تساوي الكواكب السيارة السبع .وصور البروج الاثني عشر تقرن الى ملاوي العود الاربعة ودساتنيه الاربعة واوتاره الاربعة وتتأثر اوتار العود الاربعة بالطبائع الكونية القديمة وهي الرياح والفصول والامزجة والقوى العظيمة والالوان والعطور وارباع دائرة البروج والقمر (فارمر 1928 ). وفنان مطبوع بفطرة سليمة وموهبة حقيقية راسخة لابد ان يعرج في معارج السمو محققا ذلك الاعتقاد .فيمضي تياره الموسيقى الخالص مرتبطا بالمعنى الدرامي او الدلالي الذي تشير اليه القصيدة :
    اينعت في الروض زهرة
    واكتست سحرا ونضرة
    وبدت تزهو حمالا فاح منه الطيب نشرا .
    فهي للنفس امان وهي للالهام سحرا
    فالتي اينعت هي زهرة .. زهرة من بين ملايين الازهار الا انها هنا تكتسب خصوصية شعرية محددة ..شي يرمز للحياة والتفتح والنضار ومباهج الحياة ..ومن واقعها الحي يبسط برعي يده على الاوتار راسما كونا موسيقيا يكمل اللحن الذي يسيل " شلالات من الافراح من حنجرة الفنان عبد العزيز محمد داود .. ذلك الكون الذي عبر عنه بتلك النقرات المتسارعة النابضة بالحياة وعندما فجر الفنانون التشكيليون ثورتهم في مجال الحركة عام 1929 ببزوغ فجر المدرسة المستقبلية كانوا يرون ان الحركة هي اساس الجمال .. فالاجسام الخامدة التى لاحركة لها يظل جمالها خامدا حتى تتحرك .. والاصوات الخامدة لاتؤثر .. اما الموسيقي المتحركة السريعة فهى عنوان الحياة والموسيقار الذي يصور حركة انسياب الماء داخل خلايا ورقة الشجرة هو الذى يعطي للحركة بعدها الموسيقي .
    ومن قمة التضاد الحياة والموت . الحركة والسكون يهبط برعي الى شئ اشبه بالاصوات المتقطعة وهو يصل بلحنه حاملا معه حنجرة ابو داؤود في رحلتها الصاخبة الى بحيرة السكون في :
    اينعت لكن اراها ذبلت في ناظريا
    اينعت لكن اراها تندب القطر النديا
    اينعت لكن اراها ساقها الموت فتيا
    فهوت في الروض زهرة ...
    وتخمد الحركة ولايعود برعي الى المقطع الاول وذلك بعد ان يصل الي الختام
    FINALE
    كانت الزهرة روحا قدسية
    ظنت الدنيا ربيعا ابديا
    عصف الموت بها شيئا فشيئا
    فهوت في الروض زهرة
    تامل ياصديقي صوت ابو داؤود وموسيقي برعى في كلمة " عصف " وكلمة
    " هوت " التى تعقبها وقفة تعرف عند اهل الصناعة بالرست REST او الـ RECESS وليس من المهم ان يكون برعي قد خطط لكل ذلك ولكن من المهم ان ندرك ان الفطرة السليمة والموهبة الحقيقية تقود صاحبها الى ادراك ما لايدرك .
    ومصرع زهرة ليست هي اقوى او اجمل الحان برعي الا انها تمثل تلك البداية التى حدد فيها برعي منذ زمن بعيد منهجه في الموسيقي والتلحين . فعلي قلة الالحان في ذلك الزمن كان من المفترض ان يتبع برعي منهج من سبقه من الاوائل .. ولكنه كان نقطة تحول في مسيرة الغناء والموسيقي السودانية . لم يقف عند حدود الميلودي التى تدرك بالاحساس فقط بل تعداها الى الجمل الموسيقي المركبة التى تسمع بالاحساس والعقل في آن واحد .. لانها تخاطب وحدات منطقية تعني بنظام موسيقي هندسي . فمثلا في اجراس المعبد رائعة الشاعر الراحل حسين عثمان منصور الموسيقي لاتحاكي لحن الكلمات بل تبنى هندسة نغمية يتحرك في داخلها النص الشعري والذى تحول الى نص نغمي يملأ به الساحر عبد العزيز محمد داؤود كل فضاءات الجمل الموسيقية .
    ولآن برعي بني رؤيته واقتحامه لمجال التجديد ممتطيا صهوة اوتار عوده .. كان القوام المسيطر في تلحينه هو العود فمثلا في اغنية " احلام الحب " او زرعوك في قلبي للشاعر محمد علي عبد الله الامي . نجد ان العود يبسط سيطرة كاملة في قيادته لزمرة الالات الاخري وكذلك في تجل موسيقي بهيج في " اجري يانيل الحياة "
    لقد استفاد برعي فائدة عظيمة من ذلك الميل الطبيعي الى التأليف الموسيقي .. إن النزعة الى التعامل مع الكون ومظاهره من خلال ابعاد صوتية نغمية تفسر مكوناته ودقائقه حررت الموسيقار برعي من القوالب الموسيقية المتعارف عليها .. فمثلا في مقطوعته " جبل مرة " وهذه تطرح عدة قضايا .. كيف تحول منظور مكاني جغرافي .. لقيمة شعورية موسيقية ؟ .. ربما لو كنت تملك آلة تصوير لاستخدمتها في تسجيل لحظة بصرية تقع في حدود عدسة الكاميرا .. فما الذي اراد ان يقوله لنا برعي في مؤلفه ذلك " جبل مرة " ؟ .. لو اردنا ان نجيب على هذا السؤال يتطلب الامر منا تحديد ادواتنا في الاستقبال .. لان " جبل مرة " تحول الى تجربة صوتية .. تتغلغل الى صميم وجداننا من خلال حاسة السمع .. وهذا بدوره يقودنا ان نحدد هل نحن ازاء عمل واقعي يحاكي الطبيعة ام ازاء عمل تجريدي بحت ياتي بالمعادل الموضوعي للتجربة الشعورية وهي تقف امام جبل مرة بكل مايمثله من جمال طبيعي وخيرات وفيرة . اذا كان العمل يستلهم الاصوات الموجودة على الجبل من تدفق الشلالات من القمة وصوت الاغنام والشياه وشقشقة عصافير الجبل ويستخدمها ليخرج منها تكوينا موسيقيا يعبر عنها فهذه معالجة واقعية مثلما جاءت في " قطار الشمال " حيث استلهم برعي حركة القطار على القضبان وذلك الايقاع الذي يسرع عندما يبتعد القطار عن المحطة ويبطئ عندما يقترب القطار منها وكذلك صوت صافرته والمشاعر المتضاربة للمودعين والمسافرين والباعة الذين يقفون على الارصفة .. ولكن في " جبل مرة" يتحول البناء الموسيقي الى قيم تجريدية بحتة .. من تمازج الاصوات الغليظة والرفيعة التى تاتي في الخلفية والتى تتحرك في الامام تعطي المعادل لتلك البهجة والانشراح وانت تهم بدخول منطقة الجبل .. ولايعدو ان يكون الاحساس والتفسير هنا ذاتيا .. فربما لايشعر اخرون لم يألفوا الموسيقي المجردة ولا منهجيتها بمثل هذا الشعور .. ولكن للأذن التي تدربت على سماع الموسيقي الكلاسيكية بكل انواعها تستطيع ان تصل الى قيم جمالية مجردة ، تتبع فيها المسيرة الاساسية للحن واشتقاق الالحان الاخرى المساندة . والحال كذلك مع " ملتقي النيلين " حيث تتحول تلك الرؤية الجمالية الي جمال مطلق من نوع اخر .. يدخل بهجة كتلك التى يدخلها منظر " ملتقى النيلين " .
    ان تأليف الموسيقى الصرفة التى تبني معمارها خارج نطاق معمار اى نص شعري تجعل مؤلفا مثل " فاجنر" الالماني يقف طويلا امام تعامله مع الكلمات المنطوقة وخاصة وهو يؤلف للاوبرا الايطالية ويقول د. ثروت عكاشة في كتابه عن فاجنر :
    " واستعرض فاجنر انفصال "الكلمات المنطوقة" عن الميلودية ونمو كل منهما في اتجاه مختلف ، حتى استحال تطابق سيرهما معا تطابقا صحيحا . واذا كان
    " جلوك" قد حاول ايجاد صلة لتوحيد نبرات انغام الكلمة الملفوظة الا ان اختياره للهجة الخطابية ادى الي تفكك بقايا البيت الشعري والى تحلل الشعر الى نثر وتحول الموسيقي الى مجرد نثر موسيقي ذلك ان الميلودية امسكت بالشعر لتمزق اوزانه وتتجاهل نبراته وتغرق قوافيه وفق هواها ، ... وكان على الشاعر ان ينسق نبرات الكلام العادي لكى يخلق ايقاعا سخيا ضروريا للشعر وللميلودية معا.
    غير اننا نري بدلا من ذلك كيف كتب جوته كثيرا من القصائد الشعرية التى بلغت من جمالها حدا تعذر معه تلحينها كما كتب مندلسون " اغاني بلا كلمات " أهـ.
    بالنسبة للموسيقار برعي لم تكن هذه معضلة فقد استمر في إنتاجه في الموسيقى الصرفة وفي الموسيقى المصاحبة لألحانه في الأغاني التى لحنها .. مثل عذاري الحي ، فينوس ، او تذكرين ، هل انت معي ، صبابة ، اجراس المعبد ، الوصية وغيرها .. كما انه تعامل مع بعض الكلمات التى لها مدلول شعري ولكنها تخرج من اطار المنطوق اللغوي .. فمثلا في اغنية " عودة قلب " .. احتفظ بكلمة "صدوري" في :
    كل كلمة حنان يفيض يغمر صدوري
    فليس هناك في اللغة كلمة " صدوري " والصحيح " صدري " اذ انه لايوجد إلا صدر واحد لكل انسان او شاعر ولكن مقتضيات اللحن استدعت ان تبقى الكلمة هكذا وتأخذ زينتها اللحنية عنده ثم تتحول الى وحدة منغمة في البناء اللحني . والامثلة غيرها وارادة ففي اغنية " من الاسكلا وحلا " للشاعر ود الرضي جاءت كلمة " ينكفشا "
    الما ليت ينكفشا
    بدلا عن " ينكشفا "
    ووردت كثيراً عند الشاعر علي المساح وخاصة في اغنية " زمانك " والتى يذكر فيها " سلوانك " و " وعينانك " والكلمة هنا تخلت عن ثوبها اللغوي والشعري لتتحول الي كلمة " لحنية " .. ولم يجد احد غضاضة في ذلك . وقد وصل برعي الي قمة عالية وبراعة مشهودة وهو يلحن هذه الاغنية " من زمن مستني عودة قلبي راحل ".. كما إن الفنان ابو داؤود يفعل فيها الاعاجيب عندما يحول الكلمات اعجابي بيهو . وعينيهو وما يماثلها من كلمات لحنية الى لزمات موسيقية لاتنفصل عن التركيب الميلودي الذي تفتقت عنه عبقرية الفنان الراحل برعي محمد دفع الله.
    ولو بحثنا في كتب الاقدمين عما كان يفعله العوادون العرب قبل وبعد التقاء الموسيقى العربية مع ما وفد على بغداد العباسية من تأثيرات فارسية انتهت الى استحداث مدرسة الطنبوريين فإننا نجد ان اسحاق بن ابراهيم الموصلي قد قال بنظرية في النغم تتلخص في :
    - شق ايقاعي يتصدر الرمز
    - شق اخر نغمي ينتهي به
    غير ان اسحاق الموصلي كان يقول ان النغمات عشر ، ليس في العيدان ولا المزامير ولا الحلق ولاشئ من الالات اكثر منها .. ويفسر تلك النغمات في عود به اربعة اوتار حتى انه عندما يأتي للنغمة العاشرة يقول انهم كرهوا ان يفردوا لها وترا فيكونوا قد زادوا في العود وترا خامسا من اجل نغمة واحدة لايخرج فيه غيرها . فطلبوها في اسفل الدساتين ، فوجدوها في اسفل دساتين الزير بالبنصر اذا جعلت السبابة من الزير بالبنصر منه " ووقعت البنصر من اسفل " الدساتين " بمقدار مسافة مابين دستان السبابة ودستان البنصر ، ولهذا استغنوا بوجودها هنا عن ان يزيدوا في العود وترا خامسا .
    لله درك يابرعي بن محمد دفع الله .. ترى كم نغمة تتحرك فيها اصابعه وكم وتر جعله يخرج من الانغام ما لم يسمع به اسحاق بن ابراهيم الموصلي في
    زمانه ..
    ( نواصل)
                  

05-21-2011, 07:19 PM

Rayah
<aRayah
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من برعي إلى زرياب وبالعكس (Re: Rayah)

    UP
                  

05-21-2011, 08:13 PM

Rayah
<aRayah
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من برعي إلى زرياب وبالعكس (Re: Rayah)

    في كتابي " ابو داؤود .. كيف الحياة غير ليمك ؟ " قمت برحلة خيالية الى قلب التاريخ العباسي حيث وصلت الى بغداد لثلاثة بقين من شهر المحرم عام 227هـ الموافق 842 في خلافة الخليفة العباسي الواثق بن المعتصم بن الرشيد بصحبة الفنان عبد العزيز محمد داؤود والموسيقار برعي محمد دفع الله .. ولو قدر التاريخ ان يشهد لقاء مثل هذا لحدث بين برعي محمد دفع الله وابي الحسن علي بن نافع المكنى بزرياب .. وقد كني بذلك لسواد بشرته وفصاحته وهو اسم لطائر اسود اللون رخيم الصوت كما ان زرياب في الفارسية تعني ماء الذهب الذي يستعمل لجلي الذهب وتلميعه .
    والذي يجعل هذه المقابلة مطلوبة فان لبرعي ابنا اسماه زرياب تيمنا باشهر موسيقي عرب المغرب في الاندلس .
    وقد كان ذلك في بلاط الخليفة هارون الرشيد وزرياب يهم بمغادرة قصر الرشيد وكان قد تتلمذ على اسحاق الموصلي عندما كان مولي من موالي المهدي .. دعانا زرياب الي منزله وهو يمسك بيد زرياب بن برعي محمد دفع الله
    - اهذا هو ابنك زرياب الذى حدثتني عنه ؟
    - بلي ..
    - هل له في هذه الصنعة كثير شئ ؟
    - هو يعزف على الكمان ..
    - لماذا لاتعزف مثل ابيك على العود ؟
    - ويرد زرياب .
    لا استطيع ان اجاري ابي فاستحسن زرياب منه هذا الرد الا انه قال :
    الم تسمع قول الشاعر :
    وينشأ معظم الفتيان منا على ما كان عوده ابوه ..
    في منزل زرياب وبعـد ان تناولنا طعام العشاء كان زرياب متلهفا لسماع عزف برعي بن محمد دفع الله ..
    في تلك الليلة اخذ برعي العود .. ونقرشه وبسط اصابعه عليه ثم انهمرت الانغام كالمطر واستبد بزرياب الطرب حتي انه خلع قلنوسته والبسها لبرعي..
    وتناول عوده واخذ يجاري برعي في العزف حتي بان عليه الاعياء ثم توقف قائلا :
    - اترى هذا العود ؟
    - نعم ..
    - انه سبب بلوتي ..
    - كيف ؟
    - لقد كنت في مجلس الخليفة هارون الرشيد ذات يوم وطلب مني ان اضرب بعود استاذي اسحاق بن ابراهيم الموصلي فاعتذرت واخرجت هذا العود بعد ان اضفت له وترا خامسا .. ومن يومها تعلق بي الخليفة تعلقا شديدا ولم يعد يصبر عن السماع لي فاثار هذا حسد استاذي ومعلمي اسحاق وافهمني ان البلاط لايتسع لنا وانني لابد ان اغادر بغداد ولهذا فانني ساغادر غدا الي المغرب حيث اكون في ضيافة سلطان بني الاغلب في مدينة القيروان المجاورة لتونس .. فان شئت اصطحبتك حيث تنشر فنك هناك كما نشرته في بغداد وفي بلاط الخليفة هارون الرشيد .
    ولما كان برعي محمد دفع الله هو سفير السودان لدى جميع دول المشرق والمغرب ينشر فن السودان واهله .. فقد رافق زرياب صديقه الى المغرب وكان ذلك في عام 821.. وبعد ان غادر مدينة القيروان والتى مكثا فيها مدة قصيرة .. اذ ارسل الحكم الاول بن هشام ركبا ينتظر قدومهم ( برعي وابنه زرياب ) من البحر وعلي رأسه " منصور اليهودي " المغني رسول الحكم الاول . وقدمت لهما اسني الجوائز باسم العاهل ثم ورد الخبر بوفاته فاراد زرياب الرجوع فثناه الرسول عن ذلك ورغبه ان يقصد القائم مقام الحكم وهو عبد الرحمن ولم يكن هذا بأقل اجلالا وتكرمة لهم من ابيه فاكد دعوته وجاء كتابه اليهما يذكر تطلعه وسروره بقدومهما وكتب الى عماله على البلاد ان يحملوهما اليه ويوصلوهما قرطبة .. وامر كبير غلمانه ان يتلقاهما بل خرج الي ظاهر المدينة لاستقبالهما وانزلهما في دار من احسن الدور وحمل اليهما جميع مايحتاجان أليه وخلع عليهما الحلل واقطعهما من الدور والضياع بقرطبة ما يقوّم بثمانين الف دينار . وانتشرت طريقة العزف على العود التى ابتكرها برعي في جميع بلاد الاندلس وظلت تدرس الى يومنا هذا ويستعان بها في دوزنة ووزن الجيتار الاسباني . ثم يعود برعي وابنه زرياب من رحلة التاريخ تلك الى ضفاف النيل حيث يؤلف برعي " ملتقي النيلين " ليبهج بها اهل السودان .
    ولو عاش برعي في جميع العصور لما نال الا التقدير والاحترام لانه يبدع في صمت ويعيش في صمت وان تكلم ففي صمت .. قد حوي كل الكلام .
    من بين الخنصر والبنصر والسبابة
    تبني الحانك
    مجدا للشعر
    وتاجا للكلمات
    وشمسا للمعاني
    كي تومض فينا كالبرق
    الخاطف
    فتشعلنا وجدا وتباريح

    المتطفل على مائدة برعي وأبوداؤود
    محمد بن عبدالله الريّح
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de