|
عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان
|
رجل من بلادنا Updated On May 2nd, 2011
كتبهاعمر جعفر السّوْري ، في 31 مايو 2009 الساعة: 09:13 ص
عبدالخالق محجوب عثمان : عند المحجوب وأمير العود وإسحق الخليفة شريف وبابكر كرار ومحمود محمد طه وجمال محمد أحمد وشاخور ورجل الشارع
عمر جعفر السّــــوْري
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (صدق الله العظيم)

ذات شتاء و الستينيات من القرن الماضي تلفظ أنفاسها جلستُ الى ثلة من الزملاء الصحافيين في مقهى السليماني في الخرطوم 2 بالقرب من دار جريدة الصحافة. كان النهار قد انتصف و ارتفعت درجة الحرارة ارتفاعا ملحوظا أرغم بعضنا على التخفف مما ثقل من أردية، فشتاء العاصمة السودانية، هو صيف بلاد تعرف تفاصيل الفصول و تؤرخ للمواسم. في الخرطوم يصفع وجهك هواء بارد فجرا طيلة أيام طوبة و بعض أيام أمشير حينما يعمي الغبار العيون و يملا الخياشيم و الأفواه، و لكن تلسعك أشعة الشمس بسياط من “عنج” فور بزوغ قرصها أو توسطه قبة السماء. كانت مجموعة الصحافيين وحدها هناك مسترخية تحت شجرة المقهى الظليلة، لا تأبه ببعض مما تساقط من أوراقها على المنضدة أو فوق رؤوسهم و أك########م. كانت المائدة فارغة من أية أكواب أو أقداح أو صحون، فالشهر كاد أن ينصرم و الجيوب شبه فارغة. أحكم الزميل صديق محيسي قبضته على مجلتي “شعر” و “دراسات عربية”، و أبى على الآخرين تصفحهما خشية ان يذهب احدهم باحداهما أو كليهما. إلا ان المجلتين لم تشغلاه عن متابعة حديث يدور بين عبدالرحمن احمد و يحي العوض و شيخ إدريس بركات و يوسف الشنبلي حول مشروع الدستور الاسلامي المقترح و تصرف الكتل النيابية في الجمعية التأسيسية و الأحزاب غير ذات التمثيل النيابي حيال ذاك المشروع. كان صاحب الأخبار، الصحافي الكبير رحمي محمد سليمان، ينصت الى ما يدور بلا تعليق، و يتلفت يمنة و يسرى مترقبا وصول بقية المدعوين الى مأدبة غداء في منزله، و يبتسم بين فينة و أخرى لملاحظة ساخرة بليغة رمى بها محمود محمد مدني بصوت خفيض من غير اكتراث. ثم جاء مصطفى عابدين الخانجي حاملا كومة من الصحف الإنجليزية، أتى بها من مكتبه في السفارة اليوغسلافية القريبة من المقهى، و لكن تأخر عن الحضور سكرتير تحرير جريدة الصحافة، الزميل شريف طمبل، و قد كان مهنيا بارعا صبورا يدقق في السطور و العبارات و الكلمات و الحروف و الفواصل و النقاط.
فجأة أطل الفنان حسن عطية دون ان ينتبه احد من أين أتى؛ فحرك رتابة الجلسة، إذ نهض الجميع هاشا باشا بمقدم أمير العود، ثم تحلق الجمع حوله. كان حسن عطية، كدأبه، في كامل أناقته، يرتدي حٌلةً زاهيةً، و ربطة عنق حريرية، و على رأسه قبعة بنيّة اللون من الجوخ الإنجليزي الرفيع تلائم الحُلّة و تكملّها، و ينتعل حذاءً لامعا، يبدو انه من صنع “شيرش”. حينئذ نفضت الجيوب عنها خيوط العنكبوت لتتزين المائدة بأكواب الشاي و أقداح القهوة. دار الحديث حول رحلته الأخيرة الى لندن و مشاهداته هناك و الذين قابلهم من السودانيين و ما سجله للقسم العربي من هيئة الإذاعة البريطانية. و بينما نحن في هذا الحديث عبرت الشارع – آتية من الجنوب و متجهة نحو الخرطوم – سيارة عبدالخالق محجوب، الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني، متخطية المقهى ببضعة أمتار، إلا انه التفت يميناً فرأى الجالسين في المقهى. أوقف السيارة و عاد بها الى الوراء حتى حاذى الشجرة من الجهة الأخرى و ترجّل. كان “راشد” يرتدى حُلة لونها يماثل لون سيارته الصغيرة و هو لون الى شراب الكاكاو المخلوط بقليل من الحليب أقرب. قاد عبدالخالق طيلة الفترة التي عرفه الناس فيها “فولكس واقن” كانت شركة سفريان، وكيل الشركة الألمانية المصنّعة، تبيع الواحدة منها بثلاثمائة جنية سوداني، بما يعادل تسعمائة دولار اميركي وقتذاك، أقل أو أكثر.
عبر عبدالخالق الشارع الى حيث نحن و صافح الجميع بوجه بشوش ثم جلس الى جانب حسن عطية. كانت تلك سانحة لمعشر الصحافيين يسألون فيها الرجل عن موقف الحزب الشيوعي من مجريات الأمور في البلد المحتقن. لكن حسن عطية لم يمهلهم فابتدر الحديث دون ان يلتفت الى الجالس بجانبه. قال الأمير: لم يتح لي ان أدلي بهذا من قبل، إذ لم يسألني صحافي قط و لم تسنح مناسبة سابقا. لكن لابد أن تعرفوا ان الفضل يرجع الى عبدالخالق محجوب في إلمامنا – أنا و جيلي – باصول الموسيقى. لقد كان الرجل يحثنا على سماع الموسيقى العالمية و تعلم النوتة حتى ننهض بالغناء السوداني. كان يخصص لنا وقتا يشرح فيه مؤلفات كبار الموسيقيين الكلاسيكيين دون كلل و لا ملل، فهو من العارفين بأسرارها و جمالياتها و تأريخها. و هنا قال احدنا بخبث، و من خلال الموسيقى، كان يشرح لكم التعاليم الشيوعية. فرد حسن عطية بالقول: ان الرجل لم يأت على سيرة كارل ماركس أو لينين مطلقا أثناء تلك اللقاءات، بل لم يذكر لنا اسم موسيقار روسي واحد حتى سأله التاج مصطفى عن شايكوفسكي و بحيرة البجع. عبدالخالق محجوب من العالمين بالغناء السوداني، مضى أمير العود الى القول و أسهب في ذلك، بينما الدهشة تعلو وجوه مستمعيه. لم يعلق الزعيم الوطني الكبير على ما قاله الفنان المخضرم، إلا بسؤال واحد: أما زلتم تستمعون الى الكلاسيكيات؟ ثم استأذنا سويا، و انصرفا معا. و بعدها بقليل اكتمل عقد المدعوين و ذهبنا الى دار رحمي سليمان الذي كانت تنتظرنا فيه وجبة شهية أعدتها والدته، و ما يُستوجب تناوله مع مثل تلك الوجبة الدسمة من شراب و سياسة و صحافة و أدب و فن و مِلَح و طرف. كان رحمي سليمان أعزباً معظم حياته، لكنه أدرك قطار الزواج متأخرا.
كان عبدالخالق من أهل النهى يسعى الى بذل معارفه الى كل أهل السودان و غيرهم حيثما حل و في أي بقعة حط رحله، و لذلك ظل ذكره حاضراً عند كل ملتقى و مناسبة.
يوم عُقد اللقاء الصحافي العالمي لإحياء مئوية لينين في ليننقراد (سان بترسبرق حاليا) في نوفمبر/تشرين الثاني العام 1969، و هي من الفعاليات العديدة التي سبقت الاحتفال الرئيس في العام 1970، كنت و محمود محمد مدني من السودان، و من مصر احمد حمروش و حسين فهمي (رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم حينئذٍ، و ليس المشخصاتي المعروف)، و واثق الشاذلي من اليمن “الجنوبي”، و حسين العودات من سورية نجلس في أروقة قاعة المؤتمر أو في أرجاء الفندق الى لفيف من الصحافيين و الكتاب من شتى المشارب و العقائد و المذاهب أتت بهم الرياح الأربع الى قصر سمولني و فندق سوفتسكايا الذي أنشئ حديثا يومذاك. لم يكن لينين هو محور النقاش، بل عبدالخالق محجوب و رؤيته الى الأحداث في سودان 25 مايو/أيار، و موقفه من حركة اليسار الجديد في أوربا، و تداعيات ما بعد ربيع براغ، و مساومة برلينقوير التاريخية و موقف حزبه منها جميعا و من الانقلابات العسكرية. كان رواد تلك الحلقات من سيرلانكا و السويد و جزر الرأس الاخضر و الاروقواي و الفلبين و إيران و غيرها. يذهبون ثم يأتي غيرهم من أماكن اخرى و الموضوع واحد، و هكذا دواليك، طيلة أيام الاجتماع. و بالقرب من تلك الحلقات كانت تنتثر في مناضد تتوزع الممرات و الأروقة، صحف و مجلات و كتب دعائية سوفيتية بلغات مختلفة، إلا ان ما لفت الأنظار هو العدد الأخير من مجلة (أنباء موسكو) بمختلف اللغات و هو يحمل في الغلاف صورة ثلاثي فرقة (البلابل) السودانية، و في داخل العدد تحقيق صحافي واسع عنهن مع صور اخرى. كان ذلك التحقيق في بعض الأحيان مدخلا الى حديث يدور عن السودان ثم يدلف الى الحزب الشيوعي السوداني و زعيمه و يقف هناك فلا يبرح الى موضوع آخر.
ظل راشد محط احترام الجميع من مختلف التيارات السياسية و غيرها. كان ذلك واضحا جليا في جلسات الجمعية التأسيسية أو في مقصفها، قبل دخول القاعة أو أثناء الاستراحة بين الجلسات، و حينما ينعدم النصاب لتغيب أعضائها. في هذه الأحايين، كان رئيس الوزراء، محمد احمد محجوب، يصحب عبدالخالق الى الركن الشرقي من المقصف لينضم إليهم زعيم جبهة الميثاق الاسلامي، حسن الترابي، و قطب حزب الأمة، اسحق محمد الخليفة شريف، و الشريف زين العابدين الهندي، و أحيانا زعيم المعارضة، محمد إبراهيم دريج. انقسم حزب الأمة آنذاك الى قسمين يقود احدهما إمام الأنصار حينذاك، الهادي المهدي، و الأخر ابن أخيه الصادق الصديق المهدي؛ و كان أحمد إبراهيم دريج من قسمة الصادق. الى ذلك الركن يُهرع الصحافيون ليشهدوا حديثا في الفكر و الأدب و المشاكسة السياسية و الحوادث و النوادر و الطرائف و المزاح الرفيع. لذلك لم يكن مستغربا البتة ان ينعى محمد احمد محجوب في كتابه “الديموقراطية في الميزان” الصادر عن دار النهار البيروتية في العام 1973 عبدالخالق و يصف اغتياله الإنسان رخيص بأنه نهاية عهد التسامح في السودان. ورد في ذلك الكتاب ما يلي:
“ان إعدام زعيم الحزب الشيوعي السوداني يشكل نهاية عهد التسامح و الحلول الوسطى في حياة السودان السياسية. إنني أعرف عبدالخالق محجوب منذ 20 سنة. كان يتحلى بنزاهة و شجاعة بالغين، و كانت الأخلاق السودانية تأتي في الطليعة في تفكيره السياسي، و قد ساهم كثيرا في إيجاد توافق بين تاريخ السودان الاسلامي و الآراء الماركسية الثورية، و هذا ما جعلني دائما اصف الحزب الشيوعي السوداني بأنه حزب سوداني لا يدين بالولاء لموسكو أو أي بلد شيوعي آخر في العالم.”
كلام صريح و واضح سطّره احد رموز اليمين المستنير في السودان، و أحد الذين دانوا بالولاء لإحدى الطائفتين الإسلاميتين الكبيرتين اللتين صبغتا المشهد السياسي و الصوفي بألوانهما و ما زالتا، ألا و هي طائفة الأنصار التي يتوارث مرجعيتها الدينية و السياسية آل المهدي، مثلما يرث المراغنة مرجعية الطائفة الختمية. و لهذا فقد كتب بازل ديفدسون مؤلف كتاب ” أفريقيا تحت أضواء جديدة” – الذي ترجمه الأديب و الدبلوماسي الراحل، جمال محمد احمد(1) – في معرض نعيه لعبدالخالق “انه قد استطاع تأسيس طائفة ثالثة في السودان الى جانب الطائفتين الدينتين الرئيسيتين، الأنصار و الختمية”. و أردف القول ان تلك الطائفة التي أسسها عبدالخالق محجوب كانت تضم مريدين من كل أبناء السودان بمختلف انتمائهم القبلي أو الديني أو الطائفي أو الجهوي أو العرقي، و هو ما تفتقده طائفة الأنصار و منافستها طائفة الختمية. نشر بازل ديفدسون نعيه في “أفريكا كونفدينشيال”، و هي نشرة غنية، تصدر نصف شهرية و تطبع في أوراق زرقاء اللون تشبه أوراق الرسائل البريدية و في حجمها، و ترسل الى المشتركين فقط. أطلعني على هذا النعي – و الخرطوم تحت قهر ُبسطار العسكر الجامحين الذين ما كانوا يتسامحون مع من يحمل مطبوعة فيها مثل هذا الكلم – الزعيم الإرتري عثمان صالح سبي، و كان من المشتركين فيها، تأتي إليه في مقره الدمشقي. كان سبي في زيارة الى الخرطوم يومئذ يحاول مرة بعد مرة مع رفاقه الآخرين رأب الصدع الذي أصاب جبهة التحرير الإرترية و أسال دماء ما كان لها ان تسيل في غير سوحها، و ما زالت الى يومنا هذا، للأسف، تهدر بين الإخوة الأعداء في غير طائل، سوى نهم السلطة و شراهة لا مثيل لها الى سبل التسلط و القهر و المال الحرام. لكن تلك المحاولات، التي بذلها و رفاقه، ذهبت سدى، و سدت في وجهها سبل الوفاق و فتحت أبواب الشقاق الى يومنا هذا.
(نواصل)
المصدر
الميدان
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
Quote: ظل راشد محط احترام الجميع من مختلف التيارات السياسية و غيرها. كان ذلك واضحا جليا في جلسات الجمعية التأسيسية أو في مقصفها، قبل دخول القاعة أو أثناء الاستراحة بين الجلسات، و حينما ينعدم النصاب لتغيب أعضائها. في هذه الأحايين، كان رئيس الوزراء، محمد احمد محجوب، يصحب عبدالخالق الى الركن الشرقي من المقصف لينضم إليهم زعيم جبهة الميثاق الاسلامي، حسن الترابي، و قطب حزب الأمة، اسحق محمد الخليفة شريف، و الشريف زين العابدين الهندي، و أحيانا زعيم المعارضة، محمد إبراهيم دريج.
|
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
Quote: لذلك لم يكن مستغربا البتة ان ينعى محمد احمد محجوب في كتابه “الديموقراطية في الميزان” الصادر عن دار النهار البيروتية في العام 1973 عبدالخالق و يصف اغتياله الإنسان رخيص بأنه نهاية عهد التسامح في السودان. ورد في ذلك الكتاب ما يلي:
“ان إعدام زعيم الحزب الشيوعي السوداني يشكل نهاية عهد التسامح و الحلول الوسطى في حياة السودان السياسية. إنني أعرف عبدالخالق محجوب منذ 20 سنة. كان يتحلى بنزاهة و شجاعة بالغين، و كانت الأخلاق السودانية تأتي في الطليعة في تفكيره السياسي، و قد ساهم كثيرا في إيجاد توافق بين تاريخ السودان الاسلامي و الآراء الماركسية الثورية، و هذا ما جعلني دائما اصف الحزب الشيوعي السوداني بأنه حزب سوداني لا يدين بالولاء لموسكو أو أي بلد شيوعي آخر في العالم.” |
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
Quote: و لهذا فقد كتب بازل ديفدسون مؤلف كتاب ” أفريقيا تحت أضواء جديدة” – الذي ترجمه الأديب و الدبلوماسي الراحل، جمال محمد احمد(1) – في معرض نعيه لعبدالخالق “انه قد استطاع تأسيس طائفة ثالثة في السودان الى جانب الطائفتين الدينتين الرئيسيتين، الأنصار و الختمية”. و أردف القول ان تلك الطائفة التي أسسها عبدالخالق محجوب كانت تضم مريدين من كل أبناء السودان بمختلف انتمائهم القبلي أو الديني أو الطائفي أو الجهوي أو العرقي، و هو ما تفتقده طائفة الأنصار و منافستها طائفة الختمية. نشر بازل ديفدسون نعيه في “أفريكا كونفدينشيال”، |
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|

“ان إعدام زعيم الحزب الشيوعي السوداني يشكل نهاية عهد التسامح و الحلول الوسطى في حياة السودان السياسية. إنني أعرف عبدالخالق محجوب منذ 20 سنة. كان يتحلى بنزاهة و شجاعة بالغين، و كانت الأخلاق السودانية تأتي في الطليعة في تفكيره السياسي، و قد ساهم كثيرا في إيجاد توافق بين تاريخ السودان الاسلامي و الآراء الماركسية الثورية، و هذا ما جعلني دائما اصف الحزب الشيوعي السوداني بأنه حزب سوداني لا يدين بالولاء لموسكو أو أي بلد شيوعي آخر في العالم.”
محمد احمد المحجوب
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
كيف أصبحت شيوعياً؟

عبد الخالق محجوب 2007 / 10 / 19
إن هذه الحوادث لها خطورتها وهي في رأيي تمسني شخصياً لأنني أنتهج السبيل الماركسي في ثقافتي وتصرفاتي وأومن بالنظرية العلمية الشيوعية، وكل معارفي وأصدقائي يعرفون منذ زمن بعيد هذه الاتجاهات والثقافة التي احملها، وأنني أتحمل مسؤولية إزاء هؤلاء الأصدقاء والمعارف وبينهم من يحمل اتجاهات معادية لأفكاري وبينهم من حضي بثقافة إسلامية أو مسيحية، وبينهم الشخص العادي الذي يضطرب في الحياة دون فلسفة أو ثقافة.
إن انزعاج هؤلاء الأخوان يضع على عاتقي مسؤولية أدبية في توضيح رأيي وفق الثقافة التي اعتنقها ثم أن المدرسة الثقافية الشيوعية من المدارس الفكرية التي تعيش في بلادنا منذ فترة طويلة...... إن اهتمامي الكبير بمصير هذه الثقافة التي اعتز بها وأكن لها كل احترام ..... يلقي عليّ أيضاً مسؤولية في توضيح موقفها إزاء الحوادث الأخيرة.
عبد الخالق محجوب
لكي أوضح الموقف وغوامضه استميح القارئ عذراً إذا بسطت له جزءاً من تجربتي المتواضعة: كيف أصبحت شيوعياً؟
تجاربي
في نهاية الخرب العالمية، عندما دبّ الوعي الوطني في أرجاء بلادنا انتظمتُ كغيري من الطلبة المتحمسين في غمار هذه الحركة يحدوني أمل هو المساهمة في تخليص بلادي من النير الاستعماري، تحدوني حالة الفقر والبؤس التي كان وما زال يحس بها جميع المواطنين المتطلعين إلى مستقبل مشرق مليء بالعزة والكرامة، وقد علقت الآمال حينذاك على زعماء حزب الأشقاء في تحقيق تلك الأهداف التي أمنت بها. وهكذا وبهذه الآمال العريضة ودعت وفد السودان في مارس (آذار) من عام 1946 .
ولكن هذه الآمال العراض والأماني الحلوة ابتدأت تتضاءل أمام ناظري في القاهرة، وبعيدا عن أعين السودانيين دب التراخي في بعض هؤلاء الزعماء واستسلموا للراحة الشخصية. وفي غمار هذه الحياة الجديدة تناسى هؤلاء الزعماء ما قالوه بأن " قضيتنا لا يحلها اى من الذين ودعونا في الخرطوم واستقبلونا في القاهرة"..... تساءلت ضمن عدد من الشباب الحر، لماذا يتنكر الرجال لما قالوه بالأمس؟ ما هو السر في هذه التحولات التي طرأت على الزعماء ولا يدري الشعب كنهها.
نظرية سياسية
وبمجهودي المتواضع وحسب حدودي الفكرية اتضح لي أن هؤلاء الزعماء لا يحملون بين ضلوعهم نظرية سياسية لمحاربة الاستعمار وإنهم ما أن دخلوا غمار مجتمع متقدم معقد كمصر حتى صرعتهم النظريات المتضاربة فأصبحوا يتقلبون كما تشاء مصالحهم، عرفتُ أن الاستعمار له نظريته السياسية التي يحارب بها الشعوب الضعيفة وان هذه النظرية نشأت على تطور الرأسمالية الأوربية خلال القرن الخامس عشر. وإذا كان لشعبنا المغلوب على أمره أن يتحرر فلابد أن يسير على هدى نظرية توحد صفوفه وتصرع الاستعمار - على هدى نظرية تسلط أضوائها على كل زعيم أو متزعم ولا تترك له الفرصة لجني ثمار جهاد الشعب لنفسه - على هدى نظرية سياسية تخلص الشعب من الجهل والكسل الذهني الذي يتركه كقطع الشطرنج تحركه أيادي الزعماء أينما شاءت.
لقد هداني هذا الجهد المتواضع إلى النظرية الماركسية - تلك النظرية السياسية التي نشأت خلال تطور العلم والتي تقوم على أساس اعتبار السياسة والنضال من اجل الأهداف السياسية علما يخضع للتحليل. ولأول مرة عرفتُ أن الاستعمار ليس شيئا أبديا وإنما هو تطور اقتصادي للرأسمالية الأوربية وانه كبقية الأنظمة خاضع للتطور أي انه سينتهي ويحل محله نظام جديد. وهكذا عرفت أن جميع الزعامات السياسية التي لم تهتد إلى هذا التحليل العلمي للاستعمار واكتفت بإثارة العواطف ضد "الأجانب" لم تصل إلى أهدافها ولم يجن الشعب المؤيد لها ما كان يصبو إليه، أسماء كثيرة تحضرني - سعد زغلول وغاندي ومصطفى كمال أتاتورك وغيرهم. واقتنعتُ بأن زعمائنا يسيرون في نفس الطريق وإننا لن نجني من ورائهم أكثر مما جنت الشعوب الأخرى التي سارت وراء تلك الأسماء.
تناسق الماركسية
وكشخص وضعته ظروف الحياة لا كزارع أو صاحب أملاك - بل كمتعلم نال من بعض التعليم المدرسي، كان لابد لي كغيري أن أقوم بجهد لأنال شيئا من الثقافة ينفعني في تطوير فكري وتوسيعه. ولم أكن أهدف إلى أي ثقافة ولكن الثقافة التي تعطي تفكيرا غير مضطرب أو متناقض للظواهر الطبيعية والاجتماعية... إن النظرية الماركسية تمتاز بالتناسق ولأول مرة تضع قيماً عالية للأدب والتاريخ والفن والفلسفة مما كنا نعتقد أيام الدراسة إنها بطبيعتها لا يمكن أن تكون لها قيم أو تستعملها قواعد وإلا فقدت طبيعتها. إني كفرد يحاول تثقيف نفسه وجدت في النظرية الماركسية خير ثقافة وأنقى فكرة.
إن تجربتي البسيطة توضح أنني لم اتخذ الثقافة الماركسية لأنني كنت باحثا في الأديان، ولكن لأنني كنت وما زلت أتمنى لبلادي التحرر من النفوذ الأجنبي - أتمنى وأسعى لاستقلال بلادي وإنهاء الظروف التي فرضت علينا منذ عام 1898، أتمنى واسعي لإسعاد مواطني حتى تصبح الحياة في السودان جديرة بأن تحيا - ولأنني أسعى لثقافة نقية غير مضطربة تمتع العقل وتقدم البشرية إلى الأمام في مدارج الحضارة والمدنية.
الشيوعية والإسلام
هل صحيح إن الفكرة السياسية الشيوعية في السودان تدعو لإسقاط الدين الإسلامي؟ كلا أن هذا مجرد كذب سخيف. إن فكرتي التي أؤمن بها تدعو إلى توحيد صفوف السودانيين... ضد عدو واحد هو الاستعمار الأجنبي وبهدف واحد هو استقلال السودان وقيام حكم يسعد الشعب ويحقق أمانيه، وان القوى التي تقف حائلا دون إسعاد وحرية السوداني المسلم أو المسيحي... لا يمكن أن تكون الإسلام لأننا لم نسمع أو نقرأ في التاريخ إن الجيش الذي غزا بلادنا عام 1898 هو القرآن أو السنة ولم نسمع أو نقرأ في بوم من الأيام إن المؤسسات الاحتكارية البريطانية التي تفقر شعبنا جاءت على أساس الدين الإسلامي أو المسيحي. إن الفكر الشيوعي ليس أمامه من عدو حقيقي في البلاد سوى الاستعمار الأجنبي ومن يلفون حوله، فأين هذا الهدف من محاربة الدين الإسلامي؟
إن الفكرة الشيوعية تدعو في نهايتها إلى الاشتراكية حيث يمحي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. أين هذا الهدف من محاربة الدين الإسلامي؟
إن الفكرة الشيوعية تدعو إلى إخضاع العلم والمعرفة لحاجيات البشرية من بحوث علمية وطبية وأدبية وتشذيب الإنسان من الخوف والحاجة بإنهاء الظروف الاقتصادية والفكرية التي تنشر الخوف من المستقبل وتدفع الإنسان تحت ضغط الحاجة إلى درك لا يليق بالبشر من سرقة ودعارة واحتيال وكذب. أين هذا الهدف من محاربة الدين الإسلامي؟
بقي أن أقول للدوائر التي أصدرت هذا المنشور: إن الرجل الشريف يصارع الفكرة السياسية بالفكرة السياسية ويعارض فكرة معينة بالحجة والمنطق. إن محاولة تزييف أفكار أعدائكم - أو من تتوهمون إنهم أعداؤكم - بهذه الطريقة الصغيرة لا تليق، فوق أنها عيب فاضح. أما أساليب الدس فهي من شيم الصغار جداً حتى ولو كبرت أجسامهم وتوهموا في أنفسهم علو المقام.
المصدر :- الحوار المتمدن
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
الفن من وجهة نظر ماركسية بقلم: آلان وودز في هذا اليوم، 28 سبتمبر نخلد ذكرى موت أندريه بريتون (André Breton) * الذي يعتبر واحدا من أهم ممثلي الفن السريالي. لقد حاول بريتون جاهدا ربط الفن بالسياسة الثورية، وتعاون لفترة مع الزمن مع ليون تروتسكي.
واليوم حيث توجد الرأسمالية في مأزق لا مخرج منه، وحيث بلغ انحطاطها حدوده القصوى، تصيب أزمة هذا النظام جميع جوانب الحياة وكل مظاهرها. فقوى الإنتاج جامدة، ملايين البشر محكوم عليهم بالبطالة والتشغيل المحدود (sous-emploi)، واللامساواة ترتفع إلى مستويات غير مسبوقة. وليست الحروب والإرهاب ظواهر استثنائية بل صارت هي القاعدة. وقد بدأت حتى بعض عناصر البربرية تظهر في البلدان الأكثر ازدهارا و"حضارة"، كما رأينا ذلك في نيو أورليانز.
إن بقاء النظام الرأسمالي يهدد بتدمير أسس الحضارة والثقافة. كيف يمكن للفن ألا يتأثر بهذا؟ وهكذا فإن فكرة ربط الفن بالثورة- التي كان بريتون وتروتسكي في مقدمة المدافعين عنها- تحتفظ الآن بكل صحتها وآنيتها.
تنتج السريالية نظرة متناقضة (غير منطقية) عن الواقع. إنها تسعى إلى التعبير عن عناصر العنف والوحشية الكامنة تحت الطلاء الباهت للحضارة البرجوازية. ليست سلوكات المجتمع البرجوازي المتأنقة و"ذوقه الرفيع" سوى واجهة تختبئ ورائها أفظع الآلام والاستغلال والقمع. السريالية تمزق هذا القناع المنافق وتفضح الحقيقة الفضيعة المثيرة للاشمئزاز التي يغطيها.
والمفارقة هي أن الرجل الذي ارتبط اسمه أكثر بهذه المدرسة الثورية: سلفادور دالي، كان مدافعا ذليلا عن الجمود، كان رجلا يمينيا معجبا بهتلر وفرانكو، ملكيا وعبد الطبقات السائدة. وعلى الطرف النقيض كان لويس بونويل (Louis Buñuel) ثوريا حقيقيا، تعرض للعقوبة لأنه أخرج فيلما ملحدا، فسارع دالي للتبرؤ منه، مما جعل بونويل يشكره ببعض اللكمات.
على عكس دالي، كان بونويل ضد الطبقة السائدة، ضد الدين وضد الكنيسة. لقد كان، من الناحية السياسية، قريبا من الفوضوية، التي ربما، أفكارها هي التي تعكس بشكل أفضل وجهة النظر السريالية. لكن مع بيرتون اقتربت السريالية من الماركسية أيضا. سنة 1937، كتب، مع تروتسكي، "بيان من أجل فن ثوري مستقل". لا يزال يحتفظ بكل راهنيته لحد الآن.
هناك عنصر آخر في السريالية: هو فكرة أن كل شيء في تحول، لا شيء مستقر، كل شيء متغير. لهذا نجد أن الموت والتحول (métamorphose) يحتلان عندها مكانة مركزية. نكتشف هنا وجود فكرة جدلية في جوهرها: فكرة التغيير الدائم الذي بواسطته كل شيء يتحول إلى نقيضه، لا شيء كما يبدو في الظاهر. وكل شيء يحتوي داخله التناقضات.
ليس من قبيل المصادفة أن تزدهر السريالية في الأراضي الكاثوليكية: اسبانيا، فرنسا، ايطاليا. فمن المعروف أن التزمت الكاثوليكي ينتج نقيضه على شكل حركات جبارة معادية للكنيسة.
فجميع الانتفاضات الثورية الكبرى، التي عرفتها هذه البلدان، كانت مصاحبة دائما بموجات من التحركات المعادية للكنيسة. إن ظاهرة من هذا القبيل، لم تكن لتزدهر في البلدان البروتستانتية لأوروبا الشمالية، حيث صفت البرجوازية، منذ قرون عديدة مضت، الحساب مع الكنيسة الكاثوليكية. فقد قضى منطق البرجوازية البارد، منذ وقت طويل على ظلامية الكنيسة اللاعقلانية. لكن في بلدان جنوب أوروبا لا يزال من الضروري القضاء على هذا الصنم.
تسعى السريالية، وكما يشير إلى ذلك اسمها إلى النظر إلى ما فوق مظاهر الأشياء، من أجل استكشاف كنهها. وعلى العكس من ذلك، يكتفي العقل الشمال أوروبي البارد، المفتقد للخيال، المقولب بتقليد طويل من الفكر التجريبي، بما هو معطى «بالأشياء كما هي». غير أن «الأشياء كما هي» غالبا ما تكون مختلفة عما تبدو عليه.
نعم إن عالم السريالية عالم غريب، حيث الأشياء والعلاقات "العادية" مقلوبة رأسا على عقب. لكن في الواقع، الرأسمالية هي التي تحول جميع العلاقات الطبيعية إلى نقيضها. إن التناقضات واللاعقلانية مكونات بنيوية لهذا النظام. إن الفن السريالي يستطيع التعبير بشكل جيد عن هذه التناقضات، لكن هذه التناقضات لا يمكن حلها، في الواقع، إلا بالثورة الاشتراكية.
ما هو دور الفنان في عصرنا؟ من الأسهل أن نقول ما ليس هو دور الفنان. ليس دور الفنان أن يبقى على الحياد، في الوقت الذي تخاض فيه المعارك الكبرى التي ستقرر مستقبل الإنسانية. لا يمكن للفن الذي ينفصل عن المجتمع والذي لا يبالي بمصيره أن يتطلع إلى المجد. إن فنا من هذا القبيل ليس في مستطاعه سوى أن يتمرغ في مستنقعات التاريخ وحضيضه. لن يصل أبدا إلى القمم.
يجب على الفن العظيم أن يهتم بالقضايا العظمى. لا يمكن للفنان الحقيقي ألا يبالي بمصير الرجال والنساء الآخرين. إن الخاضعين والموافقين على كل شيء الذين يكتفون بأن يتبعوا، مثل الغنم، آخر صيحات الموضة، لا يمكنهم أبدا أن ينتجوا فنا أو أدبا عظيما.
على الفن مسؤولية الاحتجاج بقوة وشجاعة ضد جميع مظاهر الاضطهاد، الاستغلال، الكذب والنفاق. يجب عليه أن يشير إلى إمكانية تحقيق حياة أفضل في عالم أفضل. ليس هنالك من مشكلة كبيرة في أن تكون الرسالة مفتقدة للوضوح، وغير مكتملة وناقصة، وألا تتناول إلا هذا الجانب أو ذاك من الأشياء. فالفن ليس هو العلم أو السياسة. إن لديه هويته الخاصة ويتكلم بصوته الخاص به. فمع تبنيه لموقف مهتم بالمشاكل التي تواجه الإنسانية، يجب عليه دائما أن يبقى وفيا لنفسه.
يمكن أن يكون الفن ملتزما وثوريا دون أن يتحول إلى مجرد دعاية خالصة. يجب أن يكون الفن متحررا من جميع الاكراهات. يجب أن لا يعترف بأي سيد سواء كانت الكنيسة أو الدولة أو الرأسمال الكبير. يجب أن يكون الفنان حرا في إتباع مشاعره الخاصة ومعتقداته الخاصة. إن مثل هذه الحرية الفنية مناقضة للنظام الرأسمالي حيث تقرر الابناك والاحتكارات، لما فيه مصلحة الربح، في كل شيء ابتداء من إنتاج الأقمصة إلى الرسم والموسيقى وكذلك الأدب.
لن يصبح الفن حرا إلا في ظل مجتمع يكون فيه جميع الرجال وجميع النساء أحرارا، حيث ستُعوض علاقات المال بعلاقات إنسانية حقيقية: أي في ظل الاشتراكية. في ظل مجتمع مبني على التخطيط المتوازن والديمقراطي لقوى الإنتاج، سيتمكن الرجال والنساء أخيرا من التحكم بعقلانية في مصيرهم. عندها فقط سيفقد الفن ميزات العبودية وسيرتقي إلى مكانة الفن الإنساني. للفن في مجتمع طبقي، طابع طبقي. يميل إلى الانفصال عن المجتمع، ويعتبره أغلبية الناس شيئا غريبا ومفارقا. من أجل تدمير سور الصين العظيم الذي يفصل الفن عن المجتمع، يجب أولا القضاء على الأسس المادية لهذا الاستلاب.
كتب تروتسكي في أحد المرات قائلا:« كم هناك من أرسطو يرعون الخنازير؟ وكم من رعاة الخنازير جالسون فوق العروش؟» فعبر القضاء على الحدود بين العمل اليدوي والعمل الذهني، سترفع الاشتراكية، بشكل نهائي، العائق الذي يمنع الشعب من الوصول إلى الفن والعلم والثقافة والحكم. سيفتح هذا عصر نهضة جديد سيخطف الأضواء عن جميع منجزات أثينا القديمة وفلورنسا القرنين 15 و16.
تطور الفن وازدهاره يتناقض مع كل أشكال ضيق الفكر، بما فيه ضيق الفكر القومي. لقد كانت السريالية تيار أمميا حقيقيا. يعكس وجود مشاعر ومشاكل مشتركة للعالم بأسره. إنها كانت استباقا لما ستكون عليه الثقافة والفن العالميين في ظل الاشتراكية.
منذ وقت طويل و التراث الثقافي الأوروبي يعيش في مأزق، مما يعكس الأفول الطويل للرأسمالية الأوروبية، في مواجهة خصوم أكثر شبابا وأكثر حركية منها. لم يعد للعالم القديم أي شيء مثير للاهتمام ليقوله. وكما توقع تروتسكي، فبعدما تحول مركز التاريخ من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي فإنه ينتقل الآن من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، حيث سيقرر مصير العالم بأسره.
إن الحدود القديمة، التي تقسم الجسم الحي للإنسانية، قد فقدت منذ وقت طويل كل ضرورتها التاريخية. لقد صارت تشكل الآن عائقا أمام التطور البشري، مثلما كانت عليه الحدود المحلية الفيودالية في الماضي. لقد حان الوقت لكي يتم كنسها، وسوف يتم كنسها. إن هذا يكتسي ضرورة خاصة في حالة أمريكا اللاتينية، هذه القارة الرائعة، التي تمتلك كل ما هو ضروري لخلق جنة فوق الأرض، لكنها تعرضت للتقسيم وفرض عليها الاستعباد طيلة قرنين من السيادة الرأسمالية.
في ظل عالم اشتراكي، سوف تشكل عبقرية شعوب أمريكا اللاتينية مكونا أساسيا للثقافة العالمية، وسيعرف التراث العظيم للمايا والأزتيك والإنكا وجميع شعوب القارة الأخرى نهضة جديدة وسترتفع إلى مستوى نوعي أعلى.
كيف ستكون طبيعة الفن في المجتمع الاشتراكي؟ من المستحيل أن نقول، كما أنه لا يجب علينا أن نعطي الدروس للأجيال المستقبلية. سوف ينضبط الفن دائما لقوانينه الخاصة والداخلية، التي لا تنضبط لأي نظرية مسبقة، لكنها تعكس حاجيات وتطلعات كل جيل. لكن بإمكاننا أن نكون متأكدين من شيء واحد هو أن الفن لن يفتقر آنذاك إلى التنوع. سوف تتبارى مئات التيارات الفنية فيما بينها وتتنافس، في مدرسة رائعة للديموقراطية، التي سينخرط فيها، ليس فقط حفنة من المتبجحين، بل ملايين الأشخاص. وستنبع من ذلك ثقافة جديدة ومتفوقة على كل ما وجد حتى الآن.
من أجل هذا المستقبل نناضل. وفي هذا النضال يجب على الفنانين المعاصرين أن يحتلوا مكانهم: على جبهة النضال من أجل الاشتراكية.
ونورد في الختام، استشهادا من بيان بريتون- تروتسكي: «أهدافنا: استقلالية الفن من أجل الثورة. والثورة من أجل التحرر التام للفن!».
عنوان النص بالفرنسية : Pour un art revolutionnaire ! ــــــــــــــــــــــــــــــ * : كاتب وشاعر فرنسي، وأهم منظري التيار السريالي. ولد يوم 28 فبراير 1896 وتوفي في 28 شتنبر 1966. انتمى إلى الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1927 وطرد منه سنة 1933. تعاون مع تروتسكي لفترة من الزمن، حيث كتبا معا: "بيان من أجل فن ثوري مستقل". ومع صعود حكومة فيشي الفاشستية في فرنسا لجأ إلى المارتينيك ثم أمريكا سنة 1941 ثم كندا، ليعود سنة 1946 إلى باريس.
المصدر :- مركز الدراسات الاشتراكية - مصر
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
عبد الخالق محجوب: اسم وضئ فى سماء الوطن :
بقلم: الدكتور محمد محجوب عثمان
هذه وريقات قصدت أن أبحر فيها قدر المستطاع بعيدا عن بحور السياسة، رغم غرابة هذا فى سيرة رجل كرس حياته فى هذا الميدان . الا أن عذرى أن المهمةأضخم من قدراتى ، ولهذا آثرت أن تجىء كلماتى عفو الخاطر وأكثر تلقائية علها تضىءبعض جوانب شخصية عبد الخالق محجوب .
فى مدارج طفولته ، عاش عبدالخالق عالمه الصغير كواحد من أقرانه سواء بسواء فى لعبهم ولهوهم وحيويتهم الدافقة . وصادف أن قامت عبر هذا روابط مع بعضهم امتدت حقب من الزمن. فى حى العرب ، فى تلك الفترة ، حيث استقر المقام بجدته آمنة بت على ، كان عبد الخالق يتوجه مع شقيقهالأكبر عثمان لقضاء نهاية الاسبوع معها .
وكان بين جيران جدته فى حى العرب ، العم صافى الدين ، والعم عبدالعزيز ، والد الشاعر سيد عبدالعزيز . لعب عبدالخالق كرة "الشراب" مع الجنيد صافى الدين ، الذى أصبح فيما بعد لاعبا مشهورافى فريق المريخ فى الخمسينات (القرن الماضى) . وظلت علاقتهما متينة لأمد من الزمن . وربما يكون ذلك سببا فى أن عبدالخالق كان مريخى الميول ، رغم أنه لم يكن يرتاد دور الرياضة . ومن الطريف أن والده ، محجوب عثمان ، كان من الأعضاء المؤسسين لنادى الهلال . ولم يبتعد عن النادى الا فى منتصف الخمسينات .
فى منتصف الستينات ، أيام الحكم العسكرى للفريق عبود ، تم اعتقال زعماء المعارضةالسودانية وابعادهم الى الى جوبا ، حيث وضعوا رهن الاعتقال فى احدى ثكنات الجيش. وقد قرأت فى جريدة الزمان فى سنى مابعد انتفاضة مارس/أبريل مع العم عبدالرحمن شاخور ، قطب المريخ المعروف . ذكر فيه أن الراديو الوحيد داخل المعتقل كان بحوزةالسيد اسماعيل الأزهرى . وقد أسر عبدالخالق للعم شاخور ذات مرة بأن هنالك مبارةستقام مساء نفس اليوم بين فريقى الهلال والمريخ . وقد تمكن شاخور بطريقة ما منالاستحواز على جهاز الراديو من الزعيم الأزهرى لمتابعة المباراة بصحبة عبدالخالق . واكتملت سعادتهم بفوز المريخ . وعلق شاخور بأن عبد الخالق لو لم تشغله السياسةلكان مريخيا "على السكين" .
فى حى السيد المكى، حيث تسكن الأسرة، كانت طبول الطائفة الاسماعيلية تملىء الآفاق أمسية كل خميس , وتزدحم حلقات الذكر، وتقام فى حلقتهم كل عام ، حولية العارف بالله ، الشيخ اسماعيل الولى . وقداستأثرت تلك المناسبات بقلوب المريدين . وكان أطفال الحى ومن بينهم عبدالخالق أسعدالناس بهذه الأمسيات الروحية العامرة . كذلك كانت احتفالات المولدالنبوى ، التىتمتد لاحد عشر يوما ، بجامع الخليفة عبدالله . ولنا أن نتساءل عن مدى التأثير التى خلفته النشأة الباكرة فى مثل تلك الأجواء الروحية والاجتماعية على شخصية عبدالخالقفى مستقبل أيامه حيث انبرى لفهم مشكلات الوطن المستعصية وتقديم بعض الحلول لها .
فى احدى المناسبات سألنى صديق لنا ، ان كانت تسمية عبد الخالق قدتمت تيمنا بعبدالخالق ثروت ، رئيس وزراء مصر عام 1922 ، بعد نفى سعد زغلول وبعضأعضاء حزب الوفد فى عام 1919 . وكان عبدالخالق ثروت من كبار الباشوات فى مصر وضمن أكثر اقطاعييها ثراءا وعسفا بفلاحيها . ولكن فى حقيقة الأمر ، أن والدنا قد سماه تمجيدا لأحد المآمير المصريين العاملين فى السودان فى تلك الفترة . وكان شجاعا،شهما ، ووطنيا غيورا . وفى عهده خرجت أول مظاهرة سودانية ضد الاستعمار الانجليزى فى مدينة أمدرمان . وقد أبدى المأمور عبدالخالق حسن حسين تعاطفا وتأييدا للحركةالوطنية السودانية الناهضة . وكان لموقفه دلالة على عمق مشاعر الصلة والتضامن بين نضال شعبى مصر والسودان . وبنفس القدر الذى قصد به والدنا تمجيد المأمور المصرى ،كان عبد الخالق محجوب شديد الوفاء للمناضل عرفات محمد عبد الله حيث أسس بعد ثورةاكتوبر مجلة اسبوعية أطلق عليها اسم "الفجر الجديد" تخليدا للمبادرة الوطنيةالكبرى التى استهلها عرفات بتأسيس مجلة "الفجر" ، التى تحولت الى منبر للحركةالفكرية والسياسية فى منتصف الثلاثينات . وكان الموات الثقافى والسياسى قد خيم على البلاد منذ هزيمة حركة 1924 .
وعلى ذكر عرفات محمد عبدالله ، فقدكان كثير التردد على بيتنا طلبا للاختفاء من ملاحقة قلم الاستخبارات ، أى جهازالأمن فى عهد الاستعمار . غير أنى غير متأكد من ان شيئا من ذلك قد علق بذهن عبدالخالق وهو لم يزل فى ميعة الصبى .
ولد عبد الخالق فى يوم 23سبتمبر 1927 . وبدأ مسيرته التعليمية بخلوة الشيخ اسماعيل بجوار منزلنا فى حى المكى . حفظ القرآن وتعلم مبادىء اللغة والنحو الواضح . ومن ثم انتقل الى مدرسةالهداية الأولية وقد أسسها المربى الجليل الشيخ الطاهر الشبلى (والد نقيب المحامين الأسبق أمين الشبلى) . ومنها انتقل الى مدرسة أمدرمان الوسطى، المعروفة بالمدرسةالأميرية .
حدثنى شقيقى ، على محجوب الذى سار فى خطى عبدالخالق فى المراحل التعليمية وهو أصغر منه سنا ببضعة أعوام أن عبدالخالق منذ نعومة أظفاره ،حباه الله بذكاء ملحوظ ، وهكذا ظل متفوقا فى كل مراحل دراسته . وفى المرحلةالثانوية شهد له أساتذته بنبوغ مبكر . وفى تلك المرحلة أيضا كان له أستاذ أسمه مستر كرايتون ، متخصص فى اللغة والأدب الانجليزي . وقد كرر مرارا أمام طلابه أن عبد الخالق من الكفاءة وامتلاك ناصية اللغة والأدب الأنجليزى التى تمكنه من تدريسها . فقد انهمك عبدالخالق فى دراسة روائع الأدب والشعر الانجليزى التى تضمنت روايات شكسبير وأشعار شيلى وأليوت وكيتس وغيرهم من العمالقة . ومثل هذه الشهادةوالتقدير جاءت على لسان آخرين منهم أستاذ التاريخ هولت المعروف لمعظم السودانيين . وعلى ذكرتفوقه الأكاديمى وسعة اطلاعه ، لا بأس من الاشارة الى أن عبد الخالق قدبعد اكمال المرحلة الثانوية ، جلس لامتحان شهادة كمبردج فى سنة 1945 وأحرز درجةالامتياز فى كل المواد التى أداها وهى اللغة العربية والرياضيات واللغة الانجليزيةوالكيمياء والفيزياء والأحياء والجغرافيا والتاريخ .
وقد تناولعبدالخالق الموضوع متنقلا من طفولته وصباه The Changing Sky
ومطلع شبابه والتغيرات التى طرأت على حياته وأفكاره ومايترجاه فى مستقبل أيامه . هذه الواقعة على بساطتها قصدت ايرادها لالقاء الضوء على شخصيةعبدالخالق وملكاتها العالية في تلك المرحلة المبكرة واطلاقه العنان لخواطره التى لاتحدها آفاق .
وفى هذا السياق أستصحب ماكتبه الدكتور محمد سعيدالقدال فى كتيبه "ذكريات معتقل فى سجون السودان" حيث يقول : سألت عبد الخالق محجوب عن الطريقة التى اتبعها فى تحمل وطأة الحبس الانفرادى التى تعرض لها ، حيث يتم عز المعتقل عزلا تاما عن كل مظاهر الحياة ، فلا مذياع ولا كتاب ولا أدوات للكتابة . فقال بأنه كان يستلقى على ظهره ويأخذ فى كتابة مقال أو قصة فى ذهنه ويعود المرةتلو المرة لمراجعة فقراتها وتجويدها. ومن ثم ينتقل الى مهمة مماثلة كرياضة لصون الذهن والبدن من أهوال الحبس الانفرادى . ولشدة انغماسه فى ينابيع الأدب الأنجليزى أكاد أجزم بأن عبدالخالق لو لم يكرس حياته لخدمة الاشتراكية وبناء الحزب الشيوعىفى السودان لأصبح أديبا يتعدى أسهامه حدود السودان . فقد تلازمت ملكته فى اللغةوالأدب الانجليزى مع عناية فائقة باللغة العربية ودراسة الشعر العربى .
كان والدنا ، كما هو حال كل الأباء ، يتطلع الى أن يلتحق عبدالخالق بالخدمة العامة فى جهاز الدولة ، وهو آنذاك أقصى مايطمح اليه المرء حيث الأمتيازات والسطوة التى تأتى فى طيات مناصب الخدمة المدنية . غير أن صديق والدناالشاعر المعروف أحمد محمد صالح ، الذى عمل آنذاك كمدير بوزارة المعارف ، كأول سودانى يحتل ذلك المنصب الرفيع فى ظل الادارة اليريطانية. وقد أختير فيما يعد عضوابأول مجلس للسيادة . كان للعم أحمد محمد صالح الفضل فى اقناع والدى بايفادعبدالخالق لمواصلة دراسته فى المملكة المتحدة نظرا لما أظهره عبدالخالق من تفوق علمى . وقبل ذلك كان عبدالخالق قد التحق بكلية الخرطوم الجامعية وغادرها لضعف الامكانات المتاحة لها آنذاك . ومن ثم سافر للقاهرة والتحق بجامعة فؤاد الأول ،التى تحول اسمها لاحقا الى جامعة القاهرة . مكث عبدالخالق لمدة ثلاثة أعوام قبل ان يضطره المرض من العودة مبكرا الى السودان . وخلال سنى دراسته فى القاهرة قام بترجمة كتاب "الأدب فى عصر العلم" للكاتب الانجليزى هيمان ليفى . وسنعود فى سياق لاحق لتناول فترة دراسته واقامته فى الخرطوم نسبة لتأثيرها العظيم فى مسار حياتهالسياسية . عاد عبدالخالق الى السودان وقد توثقت صلته السياسية والفكرية مع أبرقادة الحركة الشيوعية المصرية . وأهم من ذلك تعززت صلته مع نفر من الطلاب السودانيين الذين وفدوا القاهرة للدراسة . ومن بين هذه الكوكبة تكونت النواةالأساسية للحركة السودانية للتحرر ، المعروفة اختصارا باسم "حستو" . وقد تحول اسمها فيما بعد الى "الحزب الشيوعى السودانى" . ويجدر هنا أن نذكر بأن عبدالخالق بعد أن قفل راجعا من القاهرة ، حل ضيفا على عمال السكك الحديدية فى عطبرة . وكان لتواجده بينهم أثر عظيم على مستقبل الحركة الوطنية فى السودان ، حيث تمكن من جذب طلائع العمال ومن بينهم قاسم أمين والشفيع والحاج عبدالرحمن والجزولى سعيدوابراهيم زكريا وغيرهم ممن تولوا قيادة الحركة العمالية والسياسية لحقب قادمة .
وأعود ثانية لصلتى بشقيقى عبدالخالق ، فالحق يقال بأننى لم أتلق توجيها عقائديا لحملى على تتبع خطاه . وقد حددت مسارى وانتمائى للحزب الشيوعى لاحقا طواعية واختيارا . وكان حفيا ، ودودا ، شديد العناية باحترام حقى فى التطور كانسان مستقل . وامتدادا للحديث عن بعض جوانب صلتى بعبد الخالق ، أذكر بأنه عندعودته من مصر فى عام 1947 قام عبدالخالق بالحاقى بمدرسة حى العرب الابتدائية الت ىضمت آنذاك أساتذة أفذاذ أذكر من بينهم آدم أبوسنينة ، الذى عمل فى أول جمعيةللسلام فى السودان . وخرج مطاردا الى باريس نتيجة لنشاطه الواسع الذى أقض مضجع المخابرات البريطانية . ومن بين أولئك الأساتذة أيضا أحمد محمد خير الذى عمل لفترةمن الزمن كمندوب للحزب فى مقر مجلس السلم العالمى فى فيينا .
فى تلك الأيام ، أذكر تماما بأننى كنت كثيرا عند بزوغ الشمس أحمل أوراقا من عبدالخالق الى المناضل الراحل جعفر أبوجبل فى منزلهم بحى بيت المال . وكنت شديد الاعتزاز والزهو بأداء تلك المهمة المحفوفة بالمخاطر ، وأنا أعلم بأن تلك الأوراق على قدر كبير من الأهمية . وبعد انجاز كل مهمة كنت أشعر بأننى قد أحرزت نصرا على جهازالمخابرات الانجليزية .
غير أن الأثر الباقى على مر الأيام ، هى الرابطة الثقافية التى نشأت بينى وأخى عبد الخالق . وقد كانت أخصب مراحل تلك الصلةعندما كنا سجينين ، (كنت أقضى فترة السجن مدى الحياة لاشتراكى فى انقلاب الشهيدالبكباشى على حامد فى عام 1959 وكان عبدالخالق آنذاك معتقلا بالسجن المركزى وهو واحد من عدة اعتقالات قضاها متنقلا بين سجون السودان من كوبر الى زالنجى وجوبا ) . كانت رسائل عبد الخالق لى ، والكتب التى يوصى أهلى بارسالها لى من مكتبته الخاصة، حبل وثيق للتواصل لم ينقطع . وطوال فترة سجنى التى امتدت الى خمس سنوات قبل اندلاع ثورة اكتوبر واطلاق سراحنا ، بعث الى ببعض من أمهات الكتب أذكر منها البيان والتبيين ، والحيوان ، والبخلاء للجاحظ ، شرح ابن عقيل (النحو وقواعد اللغةالعربية) ، مقدمة ابن خلدون ، مجموعة قصص تشيكوف ومكسيم جوركى ، ايليا اهدنبرجودوريث لسينج ، سومرت موم ومجموعة كتاب أمريكيين منهم وولت ويتمان (شاعر أمريكى) وكذلك كتاب فرانس فانون "المعذبون فى الأرض".
ومن الناحيةالاجتماعية كانت لعبد الخالق وشائج اجتماعية وثيقة مع اناس من مختلف الطوائف والأحزاب والطبقات . وأذكر من بين أعز أصدقائه المرحوم أحمد داؤود ، وكانت له صيدلية قرب نادى الخريجيين . وقد تأثر أيما تأثر لاغتيال عبدالخالق . وكذلك من بين أصدقائه عبدالله محمد فرح ، الذى مازال يحتفظ بأطيب المشاعر نحو عبدالخالق . وكذلك أصدقاؤه عبد الله عبدالوهاب ، من أبناء دفعته فى المرحلة الثانوية ، والمهندس أحمدعمر خلف الله الذى يعمل فى الأمارات والدكتور أحمد حسن آدم (شقيق النقابى المناضل السر حسن آدم من عطبرة) وفى هذا الصدد نشير الى الصداقة الحميمة بين عبدالخالق والأستاذ عبدالكريم ميرغنى ومحمود بابكر بدرى والأستاذ محمد داؤود الذى لازم عبدالخالق خلال سنى الدراسة والنضال فى مصر وتولى فيما بعد مناصب رفيعة فى مصلحةالتعاون . كذلك أذكر الدكتور عبدالغفار عبدالرحيم وهو صديق عبد الخالق فى الحى والدراسة . ومن بين أصدقائهالأقربين وجيرانه أيضا مولانا ميرغنى مبروك الذىأصبح رئيسا للقضاء أبان فترة الانتفاضة . ومن أبناء دفعته وأصدقائه العديدين أذكر فاروق ميرغنى شكاك وأحمد اسماعيل النضيف والمرحوم د. ابراهيم الشبلى والقائمةطويلة لايتسع الحيز لحصرها.
ومما يذكره شقيقى على محجوب أن الاستاذ أبراهيم نور وكان من أصدقاء عبدالخالق الأثيرين حكى فى جلسة بمنزل الأستاذعبدالكريم ميرغنى – طيب الله ثراه – ذكر الأستاذ نور أنه فى احدى زياراته لانجلترا، التقى بمستر كرايتون وهو من أساتذة عبدالخالق الذين أوردنا ذكرهم آنفا ، سأل عن عبدالخالق – بعد يوليو 1971 – وقد هزه هول ماذكر بأن السفاح نميرى قد دفع بعبدالخالق الى حبل المشنقة – وعلق على ذلك "ألم يكن من الأجدر الأبقاء على حياة رجل فى قامة عبدالخالق وعلمه و فكره الثاقب لدفع عجلة التطور فى بلدكم " .ومثل هذه كثير ما سمعناها من أساتذته السابقين وكل الذين تعرفوا عليه من كثب . ويجمعون جل هؤلاء بأن عبدالخاق لم يكن فقدا لأسرته وعائلته بل كان فقدا عظيما للوطن . ونذكرمن بين هؤلاء صديق والدنا الأستاذ الراحل أحمد محمد صالح ، والأستاذ بشير عبادى ،والأستاذ خالد موسى ، والأستاذ أمين زيدان أستاذ الرياضيات المعروف ، وكذلك الأستاذ الطيب شبيكة الذى درس عبدالخالق فى المرحلة الوسطى وكذلك معلم الأجيالالأستاذ الصائم محمد ابراهيم .
ويواصل شقيقنا على أنه فى أبريل 1970 قام بزيارة عبدالخالق حيث كان مبعدا فى القاهرة ، وقضى معه نحو عشرين يوماويذكر بأن من بين الذين قاموا بزيارة عبدالخالق فى منفاه ، الأستاذ أمين الشبلى المحامى . وكان يتردد عليه الكاتب المصرى المعروف عبدالرحمن الشرقاوى كما لازمه طوال فترة منفاه الأستاذ الصحفى والكاتب المعروف أحمد حمروش . كذلك لم ينقطع عن زيارت العديد من رفقاء نضاله فى مصر أمثال زكى مراد والأستاذ محمود أمين العالم . ويجدر هنا الى أن صلة سياسية وشخصية متينة قد ألفت بين عبدالخالق والرئيس الراحل جمال عبدالناصر . وقد توثقت هذه الصلة بواسطة المناضل المصرى ، أحمد فؤاد وكان عضوا فى منظمة "حدتو" الشيوعية وكان قاضيا ، وهو الذى أسس لعبد الناصر صلة بحدتو قبل قيام ثورة يوليو وتولى تنسيق المساعدة لحركة الضباط الأحرار بطبع بياناتهمالسرية وتوزيعها ، وكان اسم عبدالناصر الحركى هو "موريس" ، وقد درج على على الحضور بسياره ليتسلم المطبوعات السرية وتوصيلها الى خلايا تنظيم الضباط الأحرار .
كان الرئيس عبدالناصر يسارع الى دعوة عبدالخالق فى كل مرة يحل فيهاعلى القاهرة ، ويتبادل الرجلان الآراء فى شئون السياسة وخاصة العلاقات المصرية - السوفيتية التى توطدت آنذاك ، خاصة الجوانب المتعلقة بالعمران الاقتصادى والعسكرى لمصر.
لقد كانت تجربة العمل الحزبى الشيوعى شديدة الوطأة على طلائع الشباب الذين انخرطوا فيه بتضحيات عالية . فالفكرة فى حد ذاتها كانت جديدةوعصية بمعنى ما فى مجتمع تقليدى تتحكمه النزعات الدينية وقوة العادات التليدة ،وكل ماينجم عن التخلف والجهل المتفشى فى المجتمع طولا وعرضا ، مما سهل من مهمةالادارة البريطانية فى رسم صورة شيطانية وكالحة عن الفكر الشيوعى ، لاستثارةالمشاعر الدينية المتأصلة ووصم الشيوعية بأنها تسعى الى الغاء الدين ونشر التحلل الخلقى ونسف القيم الفاضلة .
سئل الفريق ابراهيم عبود مرة عن سر معاداته للشيوعية . فكان رده لأن هؤلاء يعملون فى الظلام ، وهذه عينة منالانطباعات التى تصم الشيوعين أنهم أشباح تتحرك فى الظلام . وبالرغم من أن مثل هذه الأفكار تبدو على قدر من السذاجة والابتزال الا أنها كانت من بين الصعوبات التى دفع الشيوعيون ولازالوا جهدا وتضحية عالية لدحضها وكشف خوائها وسوء قصدها . وعبدالخالق ، على سبيل المثال كان متيقظا ومفرطا فى احترام مشاعر عامة الناس ومثابرا فى الكتابة والحديث عن تجربته وكثيرين ممن تبنوا الأفكار الشيوعية . (أرجوأن يجد القارىء سبيلا الى قراءة مقالته الرصينة بعنوان "كيف أصبحت شيوعيا" ومقالته عن الشيوعية والدين) وخلاصة ماذكره بأنهم اهتدوا للفكر الشيوعى بعد عناءوكد فى البحث عن أكثر الأفكار مضاءا فى فهم طبيعة الاستعمار وسبل مكافحته وفيمابعد أجدى النظريات العلمية لحل معضلات التنمية والحكم .
لقدعاش عبدالخالق حياة حافلة بالعمل والتجرد وكان أخا كريما لنا ، رقيق الحواشى ،حفيا بنا وأسرته وأصدقائه العديدين . وكان مهموما بهموم الوطن ينام ويستيقظ عليه . أرجو أن يوفيه الوطن حقه بحسبانه واحدا من أبر أبنائه به . وفى استشهاده العظيم كتب الشاعر محمد الفيتورى :
لا تحفروا لى قبرا
سأرقد فى كل شبر من الأرض
أرقد كالماء فى جسدالنيل
أرقد كالشمس فى حقول بلادى
فمثلى لا يسكن قبرا
الدكتور محمد محجوب عثمان ، شقيق الشهيد عبدالخالق محجوبالأصغر . عمل ضابطا بالقوات المسلحة لفترة وجيزة قبل أن تتم محاكمته وهو فى رتبةملازم ثان ضمن مجموعة الشهيد على حامد فى مارس 1959 . صدر الحكم بسجنه مدى الحياةقضى جزءا منها وأطلق سراحه فى 21 اكتوبر 1964 . اختير ضمن أعضاء مجلس الثورة الذىأعلن الرائد هاشم العطا فى 19 يوليو 1971 . كان الدكتور محمد محجوب فى مهمة خارجالسودان عند وقوع الانقلاب المضاد وعودة نميرى للسلطة
المصدر :- مكتبة عبد الخالق محجوب
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: عاطف مكاوى)
|
Quote: هذا الرجل الاستثنائي يستحق أن نحتفي بذكراه يا متوكل التحية له في عليائه .... والتحية لك صديقنا العزيز. |
إسموعبد الخالق ختاي المزالق أب قلبا حجر يا أرض الوطن يا أمو العزيزة ختالك ركيزة دائما باقية ليك في الحزب الشيوعي طيري يا يمامة وغني يا حمامة وبلغي اليتامى والخائفين ظلاما عبد الخالق حي وبالسلامة في الحزب الشيوعي الفارس معلق ولا الموت معلق حيرنا البطل طار بحبلو حلق فج الموت وفات خلا الموت معلق في عيننا بات وسط الناس نزل بالحزب الشيوعي
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: باسط المكي)
|
الاعزاء عاطف مكاوى باسط المكى شكرا جويلا على المرور والمشاركة اهديكم رائعة مظفر النواب
---------------------------------------
فى رثاء عبدالخالق محجوب
مظفر النواب الحوار المتمدن - العدد: 1528 - 2006 / 4 / 22 المحور: الادب والفن
وسافرت الى الغابات ظبى ذبح الان وللنبع عصافير نقطه ضوء حرقتنى فى الفخذ اليسرى ملت.... فضج الكون عصافير ملونه صعدت على سلم زقزقه فاهتز الشجر الموغر بالتمر الهندى غطانى السندس أغمضت وصدع من خرزه أمس وفى رأسى نهد والنهد لقد فر مع الطير صباحآ وتحريت مطارات العالم لم أسمع غير الكذب واقعى طفل فى عفن الشمس تغوط فى دعه وتمسح كالجن بآخر تصريح فى صحف الأمس وللنبع المجرور الى الظل وتسحبه الشمس ببطء كل عصافير الغابات ومأتم ظل فى قلبى والخرطوم تذيع نشيدآ لزجآ يحمل رأس ثلاثه ثوريين ووجه نميرى منكمش كمؤخره القنفذ أين ستذهب يا قاتل يا قنفذ الناس عراه فى الشارع الناس بنادق فى الشارع الناس جحيم اى الابواب فتحت فهنالك نار ولله جنود من عسل وعلى رأسك يا ,,محجوب رأينا سله خبز تأكل منه الطير فى ساعات الصبح سيمثل إسمك فيك وضج الكون دمآ وعصافيرآ خرساء مفقأه الأعين وارتفعت أدخنه الكيف الدولى الهى اى مزاح تمزح هذا ليسدل شئ فوق المسرح
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
شاهدتهم يحاكمون عبدالخالق محجوب..!
كتب الأستاذ ادريس حسن فى عدد الأيام بتاريخ 1 أبريل 1987 :
"قادتنى الصدفة ، والصدفة وحدها لحضور أخطر محاكمة جرت خللا تلك الأحداث (انقلاب الرائد هاشم العطا) وهى محاكمة الأستاذ عبدالخالق محجوب الأمين العام للحزب الشيوعى السودانى آنذاك. وقد اتصل بى فى صباح ذلك اليوم عن طريق الهاتف بمنزلى الأستاذ فؤاد مطر ، رئيس تحرير مجالة التضامن التى تصدر الآن من لندن . وكان وقتها يعمل رئيسا لقسم الشئون العربية بمجلة "النهار" البيروتية . وقد كنت مراسلا لها فى الخرطوم . وذهبت للأستاذ فؤاد مطر حيث كان ينزل بالفندق الكبير . وقد جاء خصيصا لتغطية الأحداث ذات الأصداء الواسعة فى العالم . وقد صاحب اهتمام العالم بأحداث السودان نقد عنيف فى تعليقاتالصحافة والاذاعات العالمية ، بل واحتجاجات من بعض الهيئات العالميةعلى الاعدامات والطريقة التى تمت بها بالنسبة لقادة الانقلاب وقادة الحزب الشيوعى السودانى ، وعلى رأسهم حتى تلك اللحظة المرحوم الشفيع أحمد الشيخ الذى كان معروفا فى كثيرمن الدوائر العالمية بوصفه أحد قادة الحركة النقابية العالمية . وجلست فى أحد أركان الفندق أتحدث مع الأستاذ فؤاد مطر.. وفجأة بدأت فى المكان حركة غير عادية . اذ أخذ رجال الاعلام والصحافة العالمية يحملون معداتهم ويهرولون خارج الفندق ويجمعون حول عدد من العربات الحكومية .. وعنما استفسرت عن حقيقة الأمر ، قيل أنه سمح للصحفيين الأجانب فقط بحضور محاكمة عبدالخالق محجوب . والتى أعلن أنها ستكون ميدانية اسوة بالمحاكمات الأخرى التى تمت من قبل.. كان أغلب ظنى بعد تحرك العربات بنا ، أن الضباط الذين كانوا يشرفون على عملية ترحيل الصحفيين الأجانب ، اعتقدوا أننى وزميل المصور (بشير فوكاف) موظفان من موظفى وزارة الاعلام ، والا لما سمحوا لنا بالذهاب خاصة بعد أن تعرضنا بعد انتهاء المحاكمة الى مصادرة أوراقنا والأفلام التى التقطها فوكاف . مع عبدالخالق وجها لوجه: تحركت بنا العربات من الفندق الكبير متجهة من شارع النيل الى شارع الحرية، فى اتجاه الجنوب على طريق الشجرة ، وكان الطريق حتى منطقة الشجرة محطما تماما بسبب ما أحدثته الدبابات حتى بات كالأرض المحروثة لكثرة مالحق به من أخاديد.. وبعد مسافة ثلث ساعة وجدنا أنفسنا أمام مقر قيادة سلاح المدرعات بالشجرة . وبع التأكد من هوية الضباط المرافقين لنا سمح جنود الحراسة للعربات ومن فيها بالخول الى مقر القيادة ، حيث تجرى المحاكمة . كل المحاكمات جرت هنا وكل أحكام الاعدام رميا بالرصاص بالنسبة للعسكريين نفذت هنا ، كما علمنا فيما بعد. أدخلونا أحد المكاتب وكان يجلس فيه ضابط برتبة عقيد ، فتلى علينا تعليمات مفادها عدم التحدث الى المتهمين . وكانت تنعقد فى ذلك المكان محاكمات أخرى غير محاكمة عبدالخالق محجوب . وأذكر أننى كنت أول الخارجين من ذلك المكتب ، فأذا بى أفاجأ بالسيد عبدالخالق محجوب وجها لوجه . وعقدت الدهشة لسانى وأضطربت اضطرابا شديدا لأم أستطع أن أحييه الا باشارة من يدى رد علي بمثلها . كان بادى الارهاق والتعب حتى خيل لى أنه مريض . وكان يرتدى جلبابا أبيضا ولكنه متسخ ‘ مع حذاء أبيض أكثر اتساخا . وكان واضحا أنه لم يتمكن من حلاقة ذقنه لبضعة أيام . وكانت عيناه محمرتين ، كأنه لم يذق طعم النوم دهرا كامى . وقطع على هذا المشهد السريع ، القاسى أحد الضباط الذى اقتاد السيد عبدالخالق ، واختفى به من المكان تماما لمدة تزيد عن الساعة . كنا خلالها ننتظر فى قاعة المحكم التى تم اعدادها فى احدى ورش سلاح المدرعات . بدأ رجا الصحافة والاعلام الأجانب فى تجهيز معداتهم وكاميرات التصوير مختلفة الأنواع وآلات التسجيل. كان المكان أشبه بخلية النحل من شدة الحركة . ثم زاد المكان حركة وضجيجا عندما دخل عبدالخالق محجوب قاعة المحكمة مع حراسه و (صديق المتهم) العميد محمود عبدالرحمن الفكى ، الذى اختير حسب النظم العسكرية التى تقضى بأن يكون للمتهمين الذين يمثلون أمامها أصدقاء لهم يعاونونهم فى الدفاع عن أنفسهم . دخل عبد الخالق محجوب المكان وأنطلقت الكاميرات هنا وهناك تصوره . وكان قد القى التحية للحاضرين عند دخوله القاعة . وتبادل التحايا الخاصة مع أحد الصحفيين الأجانب الذين يعرفونه باسمه . بل أن السيد أريك رولو وهو مراسل "ليموند" الفرنسيه قد شد على يده مصافحا . كان مظهر عبدالخالق قد تغير تماما عما بدا عليه فى المرة الأولى . كان حليق الذقن ، بادى الحيوية والاطمئنان ، وعلى وجههه لمعة واشراق . كان يرتدى جبة افريقية أنيقة للغاية (سمنية اللون) ، وينتعل حذاءا بنيا لامعا يكاد أن يكون قد تسلمه من المصنع لحظتها . وكان يحمل فى يده اليسرى بعض علب السجائرالبنسون. جلس فى المكان المخصص له فى المحكمة ، على مقعد خشبى أمام طاولة صغيرة وجلس بجانبه صديق المتهم ، ووقف خلفه حراسه المخصصون . وخيم على المكان صمت شديد بعد أن هدأت حركة الآلات . لم يقطعه الا صوت أحد الجنود الذى فتح الباب فى جلبة وضوضاء صائحا بالجملة التقليدية ..محكمة ! أشبه بفرسان الأساطير: انتظمت هيئة المحكمة وكانت برئاسة العميد أحمد محمد الحسن وعضوية عدد من الضباط من بينهم المقدم منير حمد ثم شرع رئيس المحكمة فى توجيه قائمة الاتهامات الوجهة الى عبد الخالق محجوب وهى تتلخص فى شن الحرب على الحكومة ، احداث تمرد فى القوات المسلحة، ادارة تنظيم محظور، التسبب فى مقتل عدد من ضباط وجنود القوات المسلحة . وقد أجاب عبدالخالق على كل تلك التهم بأنه غير مذنب . بعد ذلك طلب رئيس المحكمة من ممثل الاتهام العقيد عبدالوهاب البكرى أن يتلو مرافعته . وكانت خطبة منبرية قاسية الكلمات . وصف فيها عبدالخالق محجوب بالدكتاتور المتسلط الذى أعمته شهوة الحكم عن كل شىء سواها ، وحمله نتيجة كل ما حدثمن مآسى . وكانت الخطبة متأثرة بالجو الذى كان سائدا . بعد ذلك أتيح لعبدالخالق وكان منظره مهيبا مثيرا أشبه بفرسان الأساطير القديمة . بدأ حديثه وصوته هادئاصافيا ، فنفى التهمة الأولى المتعلقة بشن الحرب على الحكومة ، وقال أنه لايملك أدوات تلك الحرب ، لا هو ولا التنظيم الذى يتولى قيادته . وسرد فى هذا المضمون حديثا طويلا عن طبيعة الفكر الماركسى ، قاطعه خلاله رئيس المحكمة أكثر من مرة بلهجة مصرية صارمة بقوله (هذا الكلام لايفيدك) . ثم تطرق عبدالخالق محجوب للاتهام الذى يله وهو احداث تمرد فى القوات المسلحة _ قال عبدالخالق أن حزبه ضد الانقلابات العسكرية وأن موقف الفكر الماركسى من هذا واضح ، وسبيله للتغيير هو الثورة الشعبية .. ,قال أنه وحزبه كانوا ضد انقلاب 25 مايو قبل حدوثه ، وأنهم تعاملوا معه بعد ذلك كأمر واقع مع تبنى أغلب شعاراتهم وعن عدم مشروعية الحزب الشيوعى ، قال ان مايو عندما تولت السلطة حظرت جميع الأحزاب ما عدا الحزب الشيوعى . بل على العكس أنها طلبت التعاون معه واختارت عددا من وزراء فى حكومتها بصفتهم الحزبية . وقال ان مايو كانت فى بدايتها تعمد فى مسارها اليومى على (مانفستو) يعده الحزب الشيوعى . وقال انه عندما حدث الخلاف على بعض المسائل الجوهرية بين مايو والحزب لشيوعى كانت هنالك لقاءات وحوارات بين ممثلى الطرفين. اشترك فيها من جانب الحزب الشيوعى الشهيد الشفيع أحمد الشيخ ومحمد ابراهيم نقد ومن جانب مايو الرئدان أبوالقاسم محمد ابراهيم ومامون عوض أبوزيد عضوا مجلس الثورة . وقال أن السيد بابكر عوض الله نائب رئيس مجلس الثورة كان يحر بعض هذه الاجتماعات وأضاف متسائلا كيف يمكن أن يكون الحزب الشيوعى محظورا والسلطة على أعلى مستوياتها تتعامل معه . وطلب شهادة أعضاء مجلس الثورة الذين ذكر أسماءهم . ولكن رئيس المحكمة رفض طلبه . أما فيما يتعلق بمقتل بعض الضباط والجنود فأن الأمر يبدو متعلقا آنذاك فى بيت الضيافة ، وقال أن ذلك الحدث معروف ومعلوم ولا دخل لنا فيه . وقال أن كل مافى الأمر أنها تهمة يريدون الصاقها بنا للقضاء علينا . وقال أن كل مايعلمه عن انقلاب 19 يوليو هو أن الشفيع أحمد الشيخ كان قد أخبره بعد هروبه من معتقله أن بعض الاخوان (يقصد الضباط الشيوعيين – ادريس) نقلوا للشفيع بأنهم يدبرون لاحداث انقلاب ، وقال أنه لم يعلم من هم أولئل العسكريين و لا متى ستم الانقلاب . بل أنه لم يعر الأمر برمته اهتماما لأن الجو كان مشحونا بالشائعات والتوتر. ولأن نظام مايو كان قد دخل فى خصومات كثيرة مع وى سياسية متعددة . وقال أنه لم يعلم بالانقلاب الا بعد حدوثه . وأنهم تعاملوا معه بعد ذلك ليجنبوا البلاد المشاكل . ونفى أن يكون للحزب الشيوعى كادر عسكرى داخل القوات المسلحة . وقال أن هاشم العطا وبابكر وفاروق حمدالله ليسوا أعضاء فى الحزب الشيوعى (ذكر عبدالخالق حسب روايات أخرى من داخل قاعة المحكمة أن هاشم وبابكر أعضاء فى الحزب الشيوعى وأن فاروق لي عضوا ولكنه متعاطف معهم – المحرر) . تأجيل وكتمان وسرية : وبعد هذا الحديث أعلن رئيس المحكمة تأجيل الجلسة بعض الوقت وكانت قد استغرقت أكثر من أربع ساعات . وقد أخطر الصحفيين الأجانب أن المحكمة قد انتهت بالنسبة لهم . وأن الجلسة التالية ستكون سرية وكان فى تقديرى أن الغرض من احضارهم لمحامة عبدالخالق بالذات يعود الى أهمية شخصية عبدالخالق نفسه والى أهمية الحزب الشيوعى السودانى بحسبانه أكبر حزب شيوعى فى المنطقة . هذا بالاضافة الى ما صدر من تعليقات فى وسائل الاعلام العالمية حول المحاكمات وتننفيذ أحكام الاعدام ووصفهم للنظام بالهمجية . ةلهذا أراد القائمون على أمر النظام أن يظهروا ما هو جارى وكأنه أمر عادى . فيه قانون ومحاكم وعدالة. بدأت الجلسة السرية للمحاكمة فى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر . وكانت عبارة عن اعادة استجواب من المحكمة لعبدالخالق محجوب ومناقشة أقواله ، فمثلا قال رئيس المحكمة الذى كان يتحدث مع عبدالخالق أما الآخرون من أعضاء المحكمة كان يبدوعليهم ومأن الأمر لا يعنيهم . قال رئيس المحكمة يا عبدالخالق انت اذا ما دبرت الانقلاب . كيف هربت من المعتقل وبهذه الكيفية وبمثل هذا التوقيت المطابق تماما لتوقيت الانقلاب . وأردف قائلا ام الذى يستطيع الهروب بتلك الطريقة من معتقل داخل القوات المسلحة يستطيع أن ينظم انقلابا . رد عبدالخالق ، لقد خشيت على حياتى من الموت لأنه وأثناء وجودى فى المعتقل سمعت معلومات منها أنهم يدبرون لاغتيالى بعد اذاعة نبأ عن هروبى من المعتقل . قال رئيس المحكمة : فسر لنا يا عبدالخالق لماذا تم الانقلاب بعد هروبك مباشرة . أليس الذين دبروا هروبك من المعتقل هم نفسهم الذين قاموا بالانقلاب . وقال عبد الخالق أننى وكما ذكرت أن ليس للحزب الشيوعى أى كوادر داخل الجيش ، وأن الأمر كله لا يعدو أن يكون صدفة خاصة وأن أى شىء كان متوقع الحدوث . قال رئيس المحكمة ، فيما اختلفتم مع الثورة؟ رد عبد الخالق قائلا حول السياسات التى كانت تمارسها . قال رئيس المحكمة : مثلا . قال عبدالخالق ضربة الجزيرة أبا والقرارت الاقتصادية الخاصة بالمصادرة والتأميم . قال رئيس المحكمة أليس موضوع سيطرة الدولة على وسائل الانتاج وقيام مجتمع اشتراكى من الشعرات التى ينادى بها حزبنكم وتدعو لها النظرية الماركسية؟ والا لازم تنفذوها انتو بس . قال عبدالخالق نعم اننا ندعو لتحقيق تلك الشعارات ولكن ليس بالكيفية التى تمت بها تلك القرارات والتى تجاهلت كافة ظروف البلاد . بل أن القرارات نفسها جاءت مرتجلة وغير مدروسة وسابقة لأوانها . وقال أننا كنا قد أوحنا وقفنا فى سلسلة من المقالات فى جريدة (أخبار الاسبوع) وأخذ عبدالخالق يفيض فى الحديث موضحا أخطاء قرارات التأمين وما صاحب تنفيذها من أقاويل واشاعات حول الفساد الذى حدث فى بعض المؤسسات . وقاطعه رئيس المحكمة قائلا بلهجته المصرية الصارمة (خلص..خلص) وللحق فقد كانت هذه هى المرة الوحيدة الى رأيت فيها المرحوم عبدالخالق محجوب متأثرا عنما قال لرئيس المحكمة ياسيدى الرئيس أرجو أن يتسع صدر المحكمة بالنسبة لى لبضع ساعات فقط . وقد لاحظت أن الدهشة علت على وجوه الحاضرين بعد سماعهم لكلمات عبدالخالق محجوب . التى كانت أشارة واضحة الى أنه كان يعلم سلفا بأنهم قد قروا اعدامه . لقد كان الأمر أكبر من الدهشة وأعمق من الخوف . لقد كانت لحظة صراع رهيبة بين شخصين أحدهم يريد أن يضيف لعمره حتى ولو بضعة دقائق معدودة لعل معجزة قد تحدث . والآخر يريد أن أن يخلص نفسه بسرعة من مهمة ثقيلة حت ولو كانت حياة انسان . تجاهل واستعجال : وقد لاحظت أن رئيس المحكمة تجاهل الحديث عن ضربة الجزيرة أبا على الرغم من أن عبدالخالق كان قد ذكرها ضمن أسباب الخلاف مع مايو . وفجأة سأل رئيس المحكمة عبد الخالق : هل لدى حزبكم أسلحة ؟ وكان رد عبدالخالق أكثر من مفاجأة : نعم . وقد أرسلها لنا الرئيس جمال عبدالناصر عام 1967 عندما تعرض الحزب لهجمة شرسة من جانب القوى الرجعية أدت الى طرد نوابه من الجمعية التأسيسية بسبب ما سمى بندوة معهد المعلمين العالى (شوقى محمد على) . وبعد فان ذلك كل ما أذكره عما دار فى المحاكمة التى كانت أشبه بالمسرحية الدرامية التى تنهمر فيها الدموع . وان كان لابد أن أعلق فلا بد أن أذكر موقف عبدالخالق كانسان فقد كان شجاعا بكل ماتحمل الكلمة من معانى . وثابتا كل الثبات . كان يتحدث فى أحرج الأوقات وكأنه يتحدث فى ندوة سياسية . بالرغم من أنه كان يعلم مصيره المعد سلفا . لا ريب أن عبدالخالق كان أكثر ثباتا من الذين حاكموه فقد لاحظت أثناء المحاكمة أن القلق والاضطراب يتملكان رئيس المحكمة وأعضائها . بل أن بعضهم كان ينظرالى ساعة يده بين الفينة والفينة وكأنه يتأهب لموعد أهم . وفى حوالى الساعة الخامسة مساءا أعلن رئيس المحكمة نهاية المحاكمة . وقال أن المحكمة سترفع قرارها الى القائد العام الذى كان مرابطا هناك بصورة دائمة ، حيث اتخذ مقره فى مكتب قائد سلاح المدرعات العميد أحمد عبدالحليم . طلبت من المقدم عبدالمنعم حسن الذى كان يعمل بفرع القضاء العسكرى أن أنتظر معه حتى يتم التصديق على الحكم . وطال انتظارى حتى بلغت الساعة منتصف الليل . وكان المقدم عبدالمنعم كثير الخروج من مكتبه . وفى احدى المرات عاد وطلب منى أن أذهب معه الى حيثمقر جعفر نميرى لأرى ماذا يفعل . لقد كن المقدم عبد المنعم متأثرا بأثرا شديدا بما يحدث مما دفعه الى كتابة عريضة ينتقد فيها ما تم من اجراءات . وقد فصل من الخدمة بسبب تلك العريضة . وهبت الى مقر الرئيس نميرى ووقفت بالقرب من النافذة لأرى عجبا ، النميرى ينهال ضربا على أحد الضباط ويسبه بالفاظ بذيئة وهو فى حالة من الهياج . أخرج الضابط وأحضروا آخر وتكرر نفس المشهد معه . ولم تتوقف هذه العملية الا عندما همس أحد الضباط فى أذن نميرى الذى رفع سماعة التلفون وكانت محادثة من القاهرة . عرفت هذا من ردود نميرى على محدثه . وانتهت المحادثة التى لم تستغرق وقتا طويلا . وعلمت بمزيد من تفاصيل مادار عندما دخل على نميرى العميد أحمد عبدالحليم . وقد بدا نمير بعدها سعيدا جدا بمضمون المحادثة ، بل منفجرا من الضحك ، وقال أن السادات أخبره بأن الجماعة الرووس طلبوا منه أن يتوسط لدي لكى نبق عل حياة عبدالخالق محجوب ولكن السادات حثه بأن يسرع ويخلص عليه . وقد وصف نميرى السادات بأنه داهية وخطير. وفى الثانية صباحا حضر الى مقر المدرعات المرحوم موسى المبارك والتقى نميرى لبعض الوقت وعند خروجه كان بادى التأثر وأخبرنى أن حكم الاعدام قد نفذ فى عبد الخالق محجوب
سودانيات
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: أبو ساندرا)
|
متابعة باهتمام لهذا السرد الهام
عريس الحما
المجرتق بالرصاص
و المحنن بالدما
الضرب حما
يوم الحارة جات
قلبو ما عـــــما
دوخ العدا في محاكما
كانوا في شمم
هو البحاكمــا
روحوا لا وجل
راح يقدما راح يقدما
عريس الحـــما
عزت البلد ود ملاحما
و طيب مواسمــا
الشمس تمش كان بلازمـــا
ا
______________________
رايتوا يا جنا
لي جنا الجنا
ما بتسلما ما بنسلما
ما بنسلما ______________________
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: Hamid Elsawi)
|
رجـــلٌ مـن بـلادنـــا (2/2) – عبدالخالق محجوب عثمان: عند المحجوب وأمير العود وإسحق الخليفة شريف وبابكر كرار ومحمود محمد طه وجمال محمد أحمد وشاخور ورجل الشارع
Updated On May 7th, 2011
عبدالخالق عصامياً موسوعياُ اصمعياً، شملت علاقاته جميع الناس و على كل المستويات سيظل اغتيال عبدالخالق محجوب عملا إنسان رخيصا دنيئا، و جريمة نكراء و إهانة بالغة و تجاوزا لكل معايير العدالة، و نقطة سوداء في تاريخ القضاء العسكري السوداني بقلم / عمر جعفر السّــــوْري بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (صدق الله العظيم) اعتدت و اسحق محمد الخليفة شريف ان نمشي الهوينى عصرا من مبنى الجمعية التأسيسية في شارع الحلواني بالخرطوم الى وكالة الأنباء الإقليمية (رويتر) في عمارة أبي العلاء. و نتوقف في الطريق لتحية هذا و مجاملة ذاك. و يطول وقوفنا في ظلال المصرف التجاري السوداني، الذي قام على أطلال مقهى الحلواني الشهير، حينما نلتقي بالمحامي عبدالوهاب بوب. كان اسحق رجلا جسيماً، لكنه رقيق الحاشية، خفيف الظل، دوما يسبقه عطره. فقد ظل الناس يعرفون بمقدمه قبل ان يروه من عطره الفريد النفاذ. كان شاعرا مرهفا، كتب الشعر بالعربية و الانجليزية و الفرنسية، و له، حسبما أذكر، عمل مشترك مع الشاعرة الفلسطينية، سلمى الخضراء الجيوسي، لعله عن انطولوجيا الشعر العربي. حينما يلتقي اسحق و عبدالوهاب تتدفق الفرنسية منهما سلسبيلا، و أنا أجاهد في فهم بعض الكلمات و العبارات الباريسية القحة الدارجة، فيفوتني المعنى لأسأل عنه اسحق حينما نتابع الطريق. و اسحق هو الذي عرفّني على أعمال شعراء عرب كتبوا بالفرنسية و منهم جورج شحاده. فبينما كنت اكتب حصيلة نهاري من أخبار لرويتر أو وكالة أخبار الخرطوم، كان يقرأ هو شعره بلغة من اللغات الثلاث أو شعرا بالفرنسية لآخرين، مشيرا الى مواضع القوة أو الضعف في تلك القصيدة أو منهج ذلك الشاعر. كنت أدرك بعضه و يفوتني الكثير، و أنا أسابق الزمن لأرسل ما لدي من أخبار، قبل ان يسبقني المنافسون. ذات صباح، كانت الجمعية التأسيسية قد انفضت مبكراُ، فذهبت الى حال سبيلي ثم عدت الى مكتبي عند الظهيرة لأجد اسحق في انتظاري، يقلب أوراقا في يده. حياني الرجل ثم مد يده بالأوراق وقال: “جئت لسببين، الأول أن ادعوك الى حفل شاي في منزلي الأسبوع القادم تكريما لعبد الخالق محجوب. سيحضر الحفل لفيف من المثقفين، و أهل السياسية، و الصحافيون الانقليز الذين يزورون البلاد هذه الأيام. أعلم ان وزارة الإعلام لن تضع في برنامجهم مقابلة هذا الرجل المفكر الكبير، و لذلك سأقوم بهذه المهمة بدلاً منهم. أما السبب الثاني، أريد منك أن تقرأ ما كتبت عن النقاب، و تحاول ان تجد من ينسخه لي على الآلة الكاتبة، حتى ابعث به الى الاسبكتاتور.” كان المتعلمون السودانيين، على عادة الانقليز، يحتفلون بالناس بإقامة حفلات الشاي في الخامسة عصراُ أو يدعونهم الى فطور صباحي. قرأت ما كتبه هذا الشاعر المرهف بانقليزية رفيعة و أسلوب سلس. كان المقال عن تاريخ النقاب و بعده عن صحيح الإسلام، بل رده الى عصور الانحطاط عند المسلمين أتى به غير العرب من سلاجقة و عثمانيين الخ.. و قد جعل “النقاب” عنوانا للمقال. انتظر الرجل بصبر حتى فرغت من قرآة المقال الطويل، و استمع إلي ما قلتُ فيما كتبَ؛ ثم دلفنا الى خبر إيداع بعض أعماله الشعرية باللغة الانقليزية مكتبة الكنقرس، و قد حدث ذلك في تلك الأيام. كتابة ذلك المقال أتت استجابة لطلب رئيس تحرير مجلة الاسبكتاتور، و هي مجلة يقرأها المثقفون، و أهل الرأي و الصفوة و من هم مثلهم، غير المجلات و الصحف الأخرى التي يطلع عليها عامة الناس، و العوام و غير العوام. و أظن ان رئيس تحريرها أو احد محرريها كان من بين أعضاء ذلك الوفد الزائر. ثم أمسك بسماعة الهاتف و أملى على بعض الصحف المحلية خبر حفل التكريم الذي سيقيمه لزعيم الشيوعيين السودانيين، فنشرته في اليوم التالي في صفحات الاجتماعيات. إلا ان علة طارئة حالت بيني و بين حضور ذلك الحفل، و ان عرفت ما دار فيه من نقاش و ملخص للكلمات التي ألقيت ترحيبا بالمحتفى به من اسحق نفسه و من آخرين حضروا ذلك الحفل. دونته في أوراق تركتها خلفي في حي العمدة بامدرمان، لا أدري ان كانت باقية أم ذوت. و لكني أدعو من حضر ذلك الحفل أن ينشر ما دار فيه قدر المستطاع. فهو وقفة سمحة من تاريخ السودانيين الحديث، لو يرجعوا إليها في زمن الإسفاف و الضحالة و الهرج و المرج هذا. و في ذات السنة رزق الشاعر عزيز اندراوس، صاحب “الشاطئ المهجور” الذي صدر في خمسينيات القرن الماضي، طفلا، فنشر في صفحة الاجتماعيات انه قد أطلق على مولوده اسم “عبدالخالق” تيمنا بالأستاذ عبدالخالق محجوب. إلا انه بعد أسبوع تراجع عن ذلك و نشر “تصحيحا” ان الاسم قد أطلق تيمنا بعبدالخالق حسونة، الأمين العام لجامعة الدول العربية يومئذ. كنت في بعض الأحيان أتوقف عند “مكتبه” و أنا في طريقي الى الجمعية التأسيسية، فيدعوني لتناول القهوة. كان الرجل يكسب رزقه من الوساطة (كومسنجي) لا من الشعر. و ذات يوم سألته عن هذا الاختلاط، إذ ان الخبر لم ينشر في صحيفة الحزب الشيوعي (الميدان)، بل نشر في صحف اخرى. بدى الرجل محرجا. قال انه تعرض الى ضغوط و الى اتهامات، بل الى تهديد بالمقاطعة التجارية، و خصوصا من جاليات معينة، كانت تنشط في مثل هذه التجارة. فقلت له لماذا لم يختر عبدالخالق ثروت ان كان لابد من التراجع عن اسم عبدالخالق محجوب عثمان، بدلا من اسم رجل بلا دور و لا اثر و لا ظل. ثم أنشدت بعض أبيات قصيدة له و انصرفت: لا تفزعي … لا تجزعي هاتي الربابة و اسمعي لحن الفؤاد الموجع ُطبع “الشاطئ المهجور” على ورق صقيل، و انتشرت بين صفحاته صور عزيز اندراوس مع أصدقائه في مصر، من القاهرة الى الإسكندرية. كان عبدالخالق عصامياً موسوعياُ اصمعياً، شملت علاقاته جميع الناس و على كل المستويات. فهو يخوض في حوار عن الرياضة مع قطب نادي المريخ، شاخور، بذات الجدية التي كان يتحدث بها عن إحداث الساعة، و يتجاذب الحديث طويلا مع مالك دكان يمني عن دقائق تقاليد يمنية و ما يقابلها من موروثات سودانية. و كانت معارفه تحوي السياسة و الفلسفة و الفنون و الأدب بمختلف ضروبه و الرياضة و الاجتماع و العلوم و هلمجرا. ظل دار الحزب الجمهوري في شارع الموردة يشهد اكتظاظا لا مثيل له حينما يطل عبدالخالق إبان أزمة حل الحزب الشيوعي السوداني. كان محمود محمد طه، زعيم الجمهوريين الذي لقي على يد الجلاد نفسه ذات المصير، يسبقه حينا و يليه على المنبر أحيانا، و خطباء آخرون من مختلف الاتجاهات السياسية و التنظيمات النقابية. يفيض دار الجمهوريين بالناس و يضيق الشارع بهم أثناء تلك الليالي السياسية. و لم يكِّن بابكر كرار، رغم الخلاف الفلسفي و السياسي و المنهجي بين الرجلين، احتراما و تقديرا لأحد من رجال السياسة في البلاد، سوى لعبدالخالق محجوب. فبابكر كرار ما تردد أبدا – و هو رجل لا يلجم لسانه قط إذا ما دعا الداعي، أو حتى بدون دعوة من أحد، لان يبدي رأيا في الطبقة السياسية – في وصف السياسيين بالجهلة، و لكنه يستثنى منهم الأمين العام للحزب الشيوعي. سيظل اغتيال عبدالخالق محجوب عملا إنسان رخيصا دنيئا، و جريمة نكراء بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني، و إهانة بالغة و تجاوزا لكل معايير العدالة، و نقطة سوداء في تاريخ القضاء العسكري السوداني، على المؤسسة العسكرية ان تعمل جهدها لإزالتها بمحاكمة ما جرى في معسكر “الشجرة”، حتى تحتفظ بسجلها ناصعا و بمناقبية أفرادها لا تشوبها شائبة. فقد كان ذلك اليوم، يوما عبوسا قنطريرا. لقد روت لي ما جرى صحافية مصرية من مجلة المصور حضرت تلك المأساة الى جانب قائد زمرة 25 مايو و أطلعتني على صور لم تنشر من قبل. التقيت بها في دار نقابة الصحافيين المصريين في العام 1988، حينما كنت و زميلي سجاد الغازي إسماعيل، نشرف على دورة صحافية نظمها اتحاد الصحافيين العرب في القاهرة ربيع ذلك العام. كانت تلك أول فعالية عربية منذ مقاطعة العرب لمصر بعد زيارة السادات الى القدس، و لذلك احتفل بها المصريون أيما احتفال. رأيتها يومئذ و قد ارتدت الحجاب. قالت لي ان رئيس نظام 25 مايو/أيار كان مخمورا، لا يتوقف عن تناول الاسكتلندي العتيق من الزجاجة مباشرة، و كذلك بقية زملائه. لقد رد حكم المحكمة مرارا، طالبا الاعدام لعبدالخالق، و كنت أظنه في وقت من الاوقات انه سيطلب من رئيس المحكمة ان يحكم على نفسه ايضا بالاعدام. تلك الهستيريا، قالت لي، لم اشاهدها حتى في افلام الغرب الاميركي، التي تصور المكسيكيين سكارى، أجلاف، و وحوش كاسرة و مغتصبين. هنا رويت لها ما درسناه في مقرر التاريخ للصف الثاني من المرحلة الوسطى عن فيليب المقدوني. قلت لها ان القصة التي رويت لنا حينذاك هي عن ريفي أتى يشكو ظلامة الى فيليب، والد الاسكندر ذي القرنين، و كان فيليب قد استبدت به بنت الحان فأصدر حكما جائرا على ذلك الريفي، الذي صاح انه سيستأنف. هنا استشاط ملك مقدونيا غضبا و صاح في وجه الرجل: ستستأنف لمن؟ فقال الرجل: سأستأنف حكم فيليب السكران الى فيليب الصاحي. هنا أدرك ذلك الملك ما أتى فعفى عن الرجل. قالت لي بسخريتها المصرية: يبدو ان صاحبنا كان غائبا عن المدرسة يوم تعلم زملاؤه ذلك الدرس! كان راشد رجلا من بلد يكثر فيه الذكور. جمع بين الشجاعة و الرأي السديد. تجلى ذلك، على سبيل المثال، في مؤتمر المائدة المستديرة الذي انعقد منتصف ستينيات القرن الماضي لمناقشة مشكلة جنوب السودان. لمّا فزع قادة الأحزاب الشمالية من طرح مسألة تجارة الرقيق، تصدى لها بقول يصدق اليوم على ما يدور في البلاد و ما يشتجر فيه الناس في هذا الأوان: “ان التغييرات التي شملت بلادنا امتدت ايضا لمفاهيم الدوائر السياسية المختلفة، فانتصر صوت العقل و أصبح هناك اتفاق جماعي حول وجود مشكلة و قضية في الجنوب، و ان الحل الديموقراطي السلمي هو السبيل، بعد ان عانينا سنوات عدة من سياسة الإرهاب و البطش و إراقة الدماء. و كنا نأمل لو شملت تلك التغييرات مفاهيم بعض إخواننا هنا الذين يسمونا بأحفاد الزبير باشا، و نحن نقول بصراحة و وضوح: نعم نحن أحفاد الزبير باشا، فنحن لا نتهرب من تاريخنا، لكننا ننظر إليه نظرة موضوعية ناقدة، و في غير مرارة، نستفيد منه الدروس و نستقي منه العبر. فتجارة الرقيق التي تتحدثون عنها كثيرا كانت مدفوعة من المستعمر الأوربي و لمصلحته، و هي عار عليه في تلك العهود و عار على كل من نفذها.” هكذا يشرق الوعي و ينبئ، فالإنكار لا يجدي، و الاعتراف عودة الى الجذور الأصيلة المنسية. و في أضابير و سجلات و محاضر لجنة الاثني عشر المنبثقة من ذلك المؤتمر ما يطفئ النيران و يخمد لهيبها لو ثابوا الى رشدهم… و لكن هيهات فإضرام الحرائق يعود عليهم بالأصفر الرنّان. (1) حينما كنت اعمل في جريدة “سودان استاندرد” اليومية التي صدرت عن دار الصحافة بعد استيلاء الدولة على دور الصحف، كان جمال محمد احمد، رئيسا لمجلس إدارة الدار. و قد ذهبت إليه في شأن يتعلق بترجمة رواية للأطفال كتبها احد الأشقاء الجنوبيين الذين عادوا من منفاهم بلندن صحبة الأديب الكبير. ثم تسرب بنا الحديث الى شؤون و شجون اخرى. حينها قال لي ان الفضل في ترجمته لكتاب بازل ديفدسون يعود الى عبدالكريم قاسم، رئيس العراق الذي أطاح بالنظام الملكي في بغداد العام 1958. و روى لي ان قاسم منع التجوال في بغداد بعد صدامات دامية بين القوميين و الشيوعيين، فلزم جمال بيته، و كان سفيرا للسودان في العاصمة العراقية، ليمضي لياليه في نقل الكتاب الى العربية. و تلك، قال جمال ضاحكاً، مأثرة لعبدالكريم قاسم.
المصدر : الميدان
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
نأسف للانقطاع --------------------
عبر عبدالخالق الشارع الى حيث نحن و صافح الجميع بوجه بشوش ثم جلس الى جانب حسن عطية. كانت تلك سانحة لمعشر الصحافيين يسألون فيها الرجل عن موقف الحزب الشيوعي من مجريات الأمور في البلد المحتقن. لكن حسن عطية لم يمهلهم فابتدر الحديث دون ان يلتفت الى الجالس بجانبه. قال الأمير: لم يتح لي ان أدلي بهذا من قبل، إذ لم يسألني صحافي قط و لم تسنح مناسبة سابقا. لكن لابد أن تعرفوا ان الفضل يرجع الى عبدالخالق محجوب في إلمامنا – أنا و جيلي – باصول الموسيقى. لقد كان الرجل يحثنا على سماع الموسيقى العالمية و تعلم النوتة حتى ننهض بالغناء السوداني. كان يخصص لنا وقتا يشرح فيه مؤلفات كبار الموسيقيين الكلاسيكيين دون كلل و لا ملل، فهو من العارفين بأسرارها و جمالياتها و تأريخها. و هنا قال احدنا بخبث، و من خلال الموسيقى، كان يشرح لكم التعاليم الشيوعية. فرد حسن عطية بالقول: ان الرجل لم يأت على سيرة كارل ماركس أو لينين مطلقا أثناء تلك اللقاءات، بل لم يذكر لنا اسم موسيقار روسي واحد حتى سأله التاج مصطفى عن شايكوفسكي و بحيرة البجع. عبدالخالق محجوب من العالمين بالغناء السوداني، مضى أمير العود الى القول و أسهب في ذلك، بينما الدهشة تعلو وجوه مستمعيه. لم يعلق الزعيم الوطني الكبير على ما قاله الفنان المخضرم، إلا بسؤال واحد: أما زلتم تستمعون الى الكلاسيكيات؟ ثم استأذنا سويا، و انصرفا معا
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
الرجل الشريف يحارب الفكرة بالفكرة
عبد الخالق محجوب الحوار المتمدن - العدد: 1384 - 2005 / 11 / 20 المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
وزعت بعض الدوائر منشورات ممهورة باسم السيوعيين ، فى الأيام القليلة الماضية . تدعو فيه المواطنين الى نبذ الدين الاسلامى واسقاطه ، واعتناق الشيوعية . معلى أثر هذه المنشورات نظمت حملة فى المساجد ضد الشيوعيين "الذين يهاجمون معتقدات أغلبية سكان السودان ، وطالب بعض خطباء المساجد فى ذلك اليوم بوجوب اهدار دم الشيوعيين .
دفاع عن أفكارى :
ان هذه الحوادث لها خطورتها وهى فى رأيى تمسنى شخصيا لأنى أنتهج السبيل الماركسى فى ثقافتى وتصرفاتى وأؤمن بالنظرية العلمية الشيوعية ، وكل معارفى وأصدقائى يعرفون منذ زمن بعيد هذه الاتجاهات والثقافة التى أحملها . وأننى أتحمل مسئولية ازاء هؤلاء الأصدقاء والمعلرف وبينهم من يحمل اتجاهات معادية لأفكارى . بينهم من حظى بثقافة اسلامية أو مسيحية وبينهم الشخص العادى الذى يضطر فى الحياة دون فلسفة أو ثقافة . ان انزعاج هؤلاء الاخوان يضع على عاتقى مسئولية أدبية فى توضيح رأيى وفق الثقافة التى أعتنقها ثم أن الدراسة الشيوعية من المدارس الفكرية التى تعيش فى بلادنا منذ فترة طويلة – وهى ككل ثقافة تسعى الى توسيع دائرة مؤيديها ، وقد دارت بينه وبين مؤيدى المدارس الفكرية حرب ما زالت قائمة حتى اليوم . بل هى أشد الآن منها فى أى وقت مضى . أن اهتمامى الكبير بمصير هذه الثقافة التى أعتز بها وأكن لها كل احترام وتجلة ، يلقى على عاتقى مسئولية توضيح موقفها ازاء الحوادث الأخيرة . لكى أوضح الموقف وغوامضه أستميح القارىء عذرا اذا بسطت له جزءا من تجربتى المتواضعة : كيف أصبحت شيوعيا .
تجاربى :
فى نهاية الحرب العالمية ، عندما دب الوعى الوطنى فى أرجاء بلادنا ، انتظمت كغيرى من الطلبة المتحمسين فى غمار هذه الحركة يحدونى أمل ، هو المساهمة فى تخليص بلادى من نير الاستعمار . تحدونى حالة الفقر والؤس التى كان ومازال يحس يها المواطنون المتطلعون الى غد مشرق ، ملىء بالعزة والكرامة . وقد علقت الآمال حينذاك على زعماء حزب الأشقاء ، فى تحقيق تلك الأهداف التى آمنت بها . وهكذا وبمثل تلك الآمال العريضة ودعت وفد السودان (لمفاوضات الستقلل) فى مارس 1946. ولكن هذه الآمال العراض والأمانى الحلوة بدأت تتضاءل أمام ناظرى . فى القاهرة ، وبعيدا عن أعين السودانيين . دب التراخى فى بعض هؤلاء الزعماء ، واستسلموا لراحة الشخصية . وفى غمار هذا الواقع الجديد تناسى الزعماء ما قطعوه على أنفسهم من أن "قضيتنا لا يحلها الا الذين ودعونا فى الخرطوم ، واستقبلونا فى القاهرة ." ... تساءلت ضمن عدد من الشباب عن سر هذه التحولات التى طرأت على مواقف الزعماء ولا يدرى الشعب كنهها .
نظرة سياسية :
وبمجهودى المتواضع ، وحسب قدرتى الفكرية اتضح لى أن هؤلاء الزعماء لا يحملون بين ضلوعهم نظرية سياسية لمحاربة الاستعمار . وأنهم ما أن دخلوا غمار السياسة ى مجتمع متقدم ومعقد كمصر ، حتى صرعتهم النظريات المتضاربة فأصبحوا يتقلبون كما تشاء مصالحهم . عرفت أن الاستعمار له نظريته السياسية التى يحارب بها الشعوب الضعيفة . وأن هذه النظرية نشأت فى مجرى تطور الرأسمالية الأوربية فى القرن الخامس عشر . واذا كان لشعبنا المغلوب على أمره أن يتحرر فلا بد أن يسير على هدى نظرية توحد صفوفه ، وتصرع الاستعمار. على هدى نظرية تسلط الضوء على كل زعيم أو متزعم ولا تترك له فرصة لجنى ثمار جهاد الشعب وتصحيته . على هدى نظرية سياسية تخلص الشعب من الجهل والخمول الذهنى الذى يحوله الى قطع من الشطرنج يحركها الزعماء أنا شاءوا. لقد هدانى هذا الجهد الى النظرية الماركسية ، تلك النظرية السياسية التى نشأت خلال تطور العلم ، والتى تقوم على أساس اعتبار السياسة والنضال من أجل الأهداف السياسية علما يخضع للتحليل . ولأول مرة عرفت أن الاستعمار ليس شيئا أبديا وانما هو تطور اقتصادى للرأسمالية الأوربية ، وأنه كبقية الأنظمة خاضع للتطور أى أن سينتهى ويحل محله نظام جديد ...
تناسق الماركسية :
وكشخص وضعته ظروف احياة ، لا كزارع أو صاحب أملاك – بل كمتعلم نال بعض التعليم المدرسى ، كان لابد لى كغيرى أن اقوم بجهد للأنال قدرا من الثقافة ينفعنى فى تطوير فكرى وتوسيعه . لم أكن أهدف الى أى ثقافة ولكن الى الى الثقافة التى تعطى تفكيرا غير مضطرب أو متناقض مع الظواهر الطبيعية والاجتماعية . ان الكثيرين يقرون بأن الثقافة الغربية نقصها التناسق وهى مضطربة لا استقرار لها . وليس أدل على ذلك من الفلسفة الوجودية التى تمخضت عن هذه الثقافة . ان النظرية الماركسية تمتاز بالتناسق . ولأول مرة تضع قيما عالمية للأدب والتاريخ والفن والفلسفة مما كنا نعتقد أيام الدراسة أنها بطبيعة الحال لا يمكن أن تكون لها قيم أو تشملها قواعد والا فقدت طبيعتها . اننى كفرد يحاول تثقيف نفسه وجدت النظرية الماركسية خير ثقافة وأنقى فكرة . ان تجربتى البسيطة توضح أننى لم أتخذ الثقافة الماركسية لآننى كنت باحثا فى الأديان . ولكن لأننى كنت ومازلت أتمنى لبلادى التحرر من النفوذ الأجنبى – أتمنى وأسعى لاستقلال بلادى وانهاء الظروف التى حطت علينا منذ عام 1898 – أتمنى وأسعى لاسعاد مواطنى حتى تصبح الحياة فى السودان جديرة بأن تحيا . ولأننى أسعى لثقافة نقية غير مضطربة تمتع العقل وتقد البشرية الى الأمام فى مدارج الحضارة والمدنية .
الشيوعية والاسلام :
هل صحيح أن الفكلرة السياسية الشيوعية تدعو لاسقاط الدين الاسلامى؟ كلا ، ان هذا مجرد كذب سخيف . ان كرتى التى أؤمن بها تدعو الى توحيد صفوف السودانيين المسلمين منهم والمسيحيين والوثنيين واللادينيين ضد عدو واحد هو الاستعمار الأجنبى بهدف واحدهو استقلال السودان وقيام حكم يسعد الشعب ويحقق أمانيه . وان القوى التى تقف حائلا دون اسعاد وحرية السودانى المسلم أوالمسيحى.. لا يمكن أن تكون الاسلام لأننا لم نسمع أو نقرأ فى التاريخ أن الجيش الذى غزا بلادنا عام 1898 هو القآن أو السنة . ولم نسمع فى يوم من الأيام أن المؤسسات الاحتكارية البرطانية التى تفقر شعبنا جاءت على أساس الدين الاسلامى أو المسيحى . ان الفكر الشيوعى ليس أمامه من عدو حقيقى سوى الاستعمار الأجنبى ومن يلفون فى فلكه . اذن أين هذا الهدف من محاربة الاسلام ؟ ان الفكرة الشيوعية تدعو فى نهايتها الى الاشتراكية حيث يمحى استقلال الانسان لاخيه الانسان . أين هذا الهدف من محاربة الدين الاسلامى ؟ ان الفكرة الشيوعية تدعو الى اخضاع العلم والمعرفة لحاجيات البشرية من بحوث علمية ,ادبية وتشذيب الانسان وتحريره من الخوف من المستقبل الذى يدفع الانسان الى الحاجة والى درك لا يليق بالبشرية من سرقة ودعارة واحتيال وكذب . أين هذا الهدف من الدين الاسلامى ؟ بقى أن أقول للدوائر التى أصدرت هذا المنشور أن الرجل الشريف يصرع الفكرة السياسية بالفكرة السياسية ويعارض فكرة معينة بالحجة والمنطق . ان محاولة تزييف أفكار أعدائكم أو من تعتقدون أنهم أعداؤكم ، بهذه الطريقة الصغيرة لا تليق ، فوق أنها عيب فاضح . أما أساليب الدس فهى من شيم الصغار...
الحوار المتمدن العدد 1384
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
(ان الفكرة الشيوعية تدعو فى نهايتها الى الاشتراكية حيث يمحى استقلال الانسان لاخيه الانسان . أين هذا الهدف من محاربة الدين الاسلامى ؟ ان الفكرة الشيوعية تدعو الى اخضاع العلم والمعرفة لحاجيات البشرية من بحوث علمية ,ادبية وتشذيب الانسان وتحريره من الخوف من المستقبل الذى يدفع الانسان الى الحاجة والى درك لا يليق بالبشرية من سرقة ودعارة واحتيال وكذب . أين هذا الهدف من الدين الاسلامى ؟ بقى أن أقول للدوائر التى أصدرت هذا المنشور أن الرجل الشريف يصرع الفكرة السياسية بالفكرة السياسية ويعارض فكرة معينة بالحجة والمنطق . ان محاولة تزييف أفكار أعدائكم أو من تعتقدون أنهم أعداؤكم ، بهذه الطريقة الصغيرة لا تليق ، فوق أنها عيب فاضح . أما أساليب الدس فهى من شيم الصغار...)
عبد الخالق محجوب
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
ان النظرية الماركسية تمتاز بالتناسق . ولأول مرة تضع قيما عالمية للأدب والتاريخ والفن والفلسفة مما كنا نعتقد أيام الدراسة أنها بطبيعة الحال لا يمكن أن تكون لها قيم أو تشملها قواعد والا فقدت طبيعتها . اننى كفرد يحاول تثقيف نفسه وجدت النظرية الماركسية خير ثقافة وأنقى فكرة . ان تجربتى البسيطة توضح أننى لم أتخذ الثقافة الماركسية لآننى كنت باحثا فى الأديان . ولكن لأننى كنت ومازلت أتمنى لبلادى التحرر من النفوذ الأجنبى – أتمنى وأسعى لاستقلال بلادى وانهاء الظروف التى حطت علينا منذ عام 1898 – أتمنى وأسعى لاسعاد مواطنى حتى تصبح الحياة فى السودان جديرة بأن تحيا . ولأننى أسعى لثقافة نقية غير مضطربة تمتع العقل وتقد البشرية الى الأمام فى مدارج الحضارة والمدنية . عبدالخالق محجوب
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
Quote: ان إعدام زعيم الحزب الشيوعي السوداني يشكل نهاية عهد التسامح و الحلول الوسطى في حياة السودان السياسية. إنني أعرف عبدالخالق محجوب منذ 20 سنة. كان يتحلى بنزاهة و شجاعة بالغين، و كانت الأخلاق السودانية تأتي في الطليعة في تفكيره السياسي، و قد ساهم كثيرا في إيجاد توافق بين تاريخ السودان الاسلامي و الآراء الماركسية الثورية، و هذا ما جعلني دائما اصف الحزب الشيوعي السوداني بأنه حزب سوداني لا يدين بالولاء لموسكو أو أي بلد شيوعي آخر في العالم.” |
وهل من مقارنة بين صراع فكري يشغل عقل الفكر , وسُلطة وجاه ولا اخلاق يشغلان عقل الانقاذ , كل النبل محط اشارة من ابهام عبدالخالق .
يا للسمو والنبل والاخلاق .
لك التحية بحر .
..............................................................حجر.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: متوكل بحر)
|
UP
على يد عبد الخالق محجوب، و عبر نضال نظري و عملي شاق و عظيم، صارت الماركسية حالة سودانية خاصة،

صارت الماركسية في السودان نظرية لتفجير الفائض الإقتصادي الكامن عبر طرائق التطور الوطني - الديمقراطي الماركسي، وليس عبر التجميع القسري الستاليني، صارت الماركسية نظرية لقانون القيمة السوداني وهو يتمظهر في إقتصاد الإنتاج السلعي البسيط و التبادل غير المُتكافىء فدخلت الماركسية في سوق تمبول و سوق ابوجهل، و سوق ام دفسو، و في كنارات الجزيرة، .. كشفت الماركسية السودانية أسرار التراكم و الأزدهار في مشاريع الحُرقة و نورالدين، بوصفه تراكم غرس رايته الإبتدائية الشرسة في ثرى اراضى عنبر جودة
صارت الماركسية نظرية سودانية لفهم كيف تلاشى قانون القيمة الإقتصادي في معمان فوضى سوق المواسير القومي السوداني، فصارت النقود لا تعبر عن قيمة السلع، بل تعبر عن نفسها هي كنقود فقط
على يد عبد الخالق، صارت الماركسية نظرية لفائض القيمة السوداني المُتمظهر في نهب عائد منتجي الصمغ و الماشية و السمسم و الكركدى النهب عبر فورم الصادر المعروف بفورم (أكس) داخل بنك السودان، صارت الماركسية نظرية للريع التفاضلي على الصعيد الوطني، كما في حالة بيع مشروع الجزيرة بوصفه اشد الاراضى الافريقية - العربية خصوبة و قابلية لحركة الري الإنسيابي غير المُكلف .. صارت الماركسية على يد عبد الخالق محجوب، حالة سودانية اصيلة،
- زي قصبة مدالق السيل - زي لفة النيل في ابوحمد - زي تمساح الكبلو الضارب اللّية، و زي تمساح بحر ازرق المُتابع عود الكليت الجاي من هضبة الحبشة - صارت الماركسية زي عقد السوميت السوداني - كان لقاء عبد الخالق مع طلائع العمال الاوائل في عطبرة هو ايضا حالة سودانية اصيلة و مُبدعة، زي لقاء سرور مع العبادي، و زي لقاء كرومة مع عمر البنا، و زي لقاء عشة الفلاتية مع على محمود التنقاري
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: خالد العبيد)
|
النص الكامل لمحاكمة الاستاذ عبد الخالق محجوب ظهر الثلاثاء 27 يوليو 1971م
انعقدت المحكمة المكونة برئاسة العقيد احمد محمد حسن رئيس القضاء العسكري ، والمقدم منير حمد جلستها في تمام الساعة الثانية بعد ظهر يوم الثلاثاء 27 يوليو1971 . وتولى الادعاء المقدم محمد حسين طاهر والمقدم عبد الوهاب البكري .
رئيس المحكمة : المتهم عبد الخالق محجوب هل تعارض في ان اكون رئيسا للمحكمة ؟ عبد الخالق محجوب : نعم . لي اعتراض لا يتعرض لشخصك ، ولكن هذه المحاكمة سياسية . ورئيس المحكمة ذو اتجاه سياسي ينتمي للقوميين العرب . هذا الاتجاه الذي دفع البلاد في طريق شائك ولم يتفهم الابعاد الوطنية والتقدمية للحزب الشيوعي . ولي اعتراض على العضوين الاخرين اللذين لا اعرفهما ، ولكن يستطيع رئيس المحكمة التاثير عليهما . ان اعتراضي لا ينصب على الاشخاص وانما يتعلق بطبيعة المحاكمة والاحداث السياسية والصراع الذي وقع بين الاتجاه القومي العربي والاتجاه الشيوعي الديمقراطي . الرئيس : انت تحاكم بمقتضى قانون العقوبات السوداني المادة 69 بتهمة اثارة الحرب ضد الحكومة السودانية . ليس هناك اتجاهات سياسية في القوات المسلحة ، الا ما اثاره بعض الضباط الشيوعيين . محجوب : هناك اتجاه قومي عربي فانت تنتمي اليه . الرئيس : ليس هناك تنظيمات في القوات المسلحة ، وانما هناك الضباط الشيوعيين الذين اثاروا الاحداث الاخيرة . وعلى كل ستتداول المحكمة في اعتراض المتهم . انسحبت هيئة المحكمة في الساعة 2,10 ورفعت الجلسة ثم عادت للانعقاد بعد 15 دقيقة حيث اعلن رفض اعتراض المتهم وتصديق رئيس مجلس الثورة على القرار . ثم اقسم رئيس المجلس العسكري الميداني واعضائه على ان يسلكوا سبيل العدل والحق بمقتضى قانون الاحكام العسكرية المعمول به الآن دون مراعاة الغرض والميل والهوى وان لا يذيعوا الحكم إلا بعد التصديق عليه أو يدلوا باي راي صادر من اعضاء المجلس ما لم تقض بذلك الواجبات المرعية . الرئيس : عبد الخالق محجوب . انت متهم بالآتي : ـ 1/ مخالفة المادة 3 من الامر الجمهوري الثامن بالدفاع عن السودان مقرونا بالمادة 96 بان تعمدت اثارة المعارضة ضد الثورة بقصد الاطاحة بنظام الحكم واثارة البلبلة والفوضى . 2/ مخالفة المادة 14 الامر الجمهوري ، بان نظمت وادرت منظمة غير شرعية قامت بعرقلة مسيرة ثورة 25 مايو ، وعملت على تفتيت الوحدة الوطنية مما يؤدي الى الانقسام وتفتيت وحدة البلاد . وبالاشتراك والتستر على قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة بغرض الاستيلاء على الحكم . 3/ مخالفة المادة 96 من قانون العقوبات ، باثارة الحرب ضد الحكومة ، وبالتآمر مع بعض الضباط المطرودين من القوات المسلحة لقلب نظام الحكم الشرعي، مما ادى الى انقلاب 19 يوليو، ونتج عنه خسائر في الارواح والاموال. هل انت مذنب او غير مذنب في الادعاء الاول ؟. محجوب : غير مذنب . الرئيس : هل انت مذنب او غير مذنب في الادعاء الثاني ؟ محجوب : غير مذنب . الرئيس : هل انت مذنب او غير مذنب في الادعاء الثالث ؟ محجوب : غير مذنب . الادعاء : سيدي رئيس المجلس العسكري ، السادة الاعضاء يقف امامكم متهم وجد كل الفرص والامكانيات ليخون وطن اعطاه اكثر مما اعطى لابنائه ، ولكنه لم يعمل لصالحه . متهم ظل حجر عثرة في سبيل التقدم الوطني استغل ما استثمره فيه الوطن من عرق البسطاء لتعويق مسيرة هؤلاء البسطاء . خيل له انه عظيم متميز على ابناء وطنه يسير الوطن كما يراه ... انه تابع مقاد ، متأثر لا مؤثر . يريد ان يبيع عرق السنين للتبعية يحكم عليهم بالتبعية لمن يتبع ، مستغلا طيبتهم ، يسعى لمصلحة فئة ضالة كفرت بالله وبالقطر السوداني .. تآمر حتى جاء 19 يوليو فقتلوا الابرياء قتلوا اشرف الرجال .. وهذا يظهر لمحكمتكم الموقرة ما اراده هؤلاء الاشرار .. لو لا رحمة الله وشجاعة الرجال المؤمنين التي انقذت البلاد . فجاء الحق ممثلا في هزيمة من يعملون ضد مصلحة الوطن .. وهيئة الاتهام لديها من البيانات المستمدة من آراء المتهم نفسه واقوال الشهود ما يثبت التهمة . ( ونودي على الشاهد الاول حامد الانصاري ) الادعاء : منذ متى تعرف المتهم ؟ الشاهد : منذ عام 64 الادعاء : كم مرة قابلته بعد 19/ 7 الشاهد : مرة واحدة في منزلي الادعاء : هل تعرف السبب الشاهد : للسلام علينا الادعاء : هل انت الصديق الاول له الشاهد : اعتقد الادعاء : هل له اصدقاء آخرون في بيتك الشاهد : زوجتي الادعاء : هل له صلة قرابة بزوجتك الشاهد : لا الادعاء : هل تربطهم صداقة شخصية الشاهد : يربطهم الفكر الماركسي الادعاء : هل زوجتك من التنظيم في القمة الشاهد : في القمة .. يقال انها عضو في اللجنة المركزية الادعاء : بحكم معايشتك لزوجتك في المنزل ، هل تباشر اي عمل حزبي داخل بيتك الشاهد : ابدا الادعاء : هل يحدث ان يتواجد في بيتك اكثر من واحد من الشيوعيين في وقت واحد الشاهد : يحصل الادعاء : آخر مرة اجتمع عدد غير عادي في بيتك اكثر من 3 او 4 متى الشاهد : لم يحدث اكثر من 3 او 4 الادعاء : هل تعقد اجتماعا في بيتك دون علمك الشاهد : اذا كان دون علمي كيف اعرف الادعاء : هل انت على علم بكل الاجتماعات التي عقدت بمنزلك الشاهد : ليس لي علم باي اجتماعات عقدت الادعاء : قلت ان عبد الخالق قابلك مرة واحدة في منزلك للسلام عليك بعد 19 يوليو ماذا دار بينكما الشاهد : كنت في المنزل ، نزلت وجدته في الصالة سلمت عليه ، عرضت عليه الفطور قال مستعجل الادعاء : هل انت على علم بكل ما يدور في منزلك ( رئيس المحكمة يعترض على السؤال ) الادعاء : هل هناك وحدة فكرية بينك وبين زوجتك ، هل انت شيوعي الشاهد : ابدا الادعاء : متى علمت بحركة 19/ 7 الشاهد : من الراديو الادعاء : هل تناقشت مع زوجتك عن تحليلاتها للوضع بعد 19 / 7 الشاهد : ماحصل الادعاء : مصدر دخلك الحالي ماهو يصلني 250 جنيه شهريا من الشركة بتاعتي المصادرة الادعاء : ماهو سبب المصادرة الشاهد : ماعلمت حتى الآن . الا اني سمعت اني متهم بمساعدة الحزب الشيوعي بالاموال الادعاء : اين تسكن الآن الشاهد : بجوار منزل عبد الخالق محجوب الادعاء : قلت انك على علم بكل ما يدور في منزلك كيف تفسر اشياء خطيرة تحدث ولا تقول عنها الشاهد : على ما اعلم لا يوجد شئ خارق للعادة يحدث إذا كان يحصل شئ خبرني به الادعاء : جاء في اقوال احد الشهود ، ان اجتماعا تم يوم الخميس بحضور زوجتك وفي منزلك وحضره المتهم واتخذت فيه قرارات الشاهد : لا احضر هذه الاجتماعات ولست على علم به الادعاء : ( للمحكمة ) واضح من اجابات الشاهد انه ممتنع أو متحفظ . واطلب اعتبار الشاهد ، شاهد عدائي ( ليس في مصلحة الاتهام ) . محجوب : اطلب سؤال الشاهد الرئيس : فيما بعد . وتوافق المحكمة على معاملة الشاهد كشاهد عدائي . الادعاء : هل يلجأ اليك افراد الحزب كأفراد أو باسم التنظيم للاستعانة باموال أو مطبوعات . الشاهد : كتنظيم لا ، وبعض الاصدقاء يطلبون مساعدات مالية كاصدقاء الادعاء : آخر واحد استدان منك من هو وما المبلغ الذي استدانه . الشاهد : كان المبلغ 75 او 90 جنيها لا اذكر للشفيع احمد الشيخ . الادعاء : بالتفتيش في منزلك وجدت مستندات تتعلق باحداث 19 يوليو . وقد ذكرت انك تعرف مافي منزلك . وضح اسباب وجودها ؟ الشاهد : المستندات التي وجدت في البيت كما تقول . لم اكن موجودا في البيت لا انا ولا زوجتي اثناء التفتيش ، وما انا متاكد من انها وجدت في بيتي . الادعاء : ( يعرض على المحكمة المستندات وهي خطاب من عبد الخالق محجوب الى السيدة سعاد ابراهيم احمد عقيلة الشاهد حامد الانصاري ، وورقة عليها ترشيحات لحكومة ) الشاهد : لا أعلم شيئا عن هذا الرئيس : ( يعرض الخطاب على عبد الخالق محجوب ) محجوب : نعم هذا خطي وهو خطاب من القاهرة بتاريخ 22/ 6 / 1970 ( وطلب رؤية المستند الثاني ) محجوب : كانت هذه الورقة في جيبي وتركتها مع علبة السجاير في منزل الشاهد وهذه ليست ترشيحات وانما مشاورات واقتراحات بعد نجاح 19 يوليو . الرئيس : منذ متى كنت تعرف بحركة 19 يوليو محجوب : كنت اعلم ان هناك ضجرا الرئيس : تكلم في الموضوع محجوب : كنت اعلم ان هناك ضجرا في البلاد الرئيس : تكلم في الموضوع محجوب : كنت اعلم ان هناك ضجرا وقلقا في البلاد وفي القوات المسلحة . ولكن هذا الضجر متى يعبر عن نفسه بحركة ، لم اكن اعرف . لم اكن اعلم بالتوقيت والمكان والاشخاص ولم تكن اللجنة المركزية في الحزب تعلم شئ عن الانقلاب ولكننا اجتمعنا بعد الاعلان عنه في الراديو وساندناه الرئيس : ذكرت في اقوالك انك قمت بتدوين البيان قبل الانقلاب . محجوب : غير صحيح الرئيس : ( للادعاء ) .. الم يذكر المتهم في بيانه انه يعلم الانقلاب وقام بتدبيره الادعاء : نعم الرئيس : استمر مع الشاهد الادعاء : المستند رقم 5 وبه ترشيح لعقيلتك كعضو في الوزارة . الشاهد : ليس لي علم الرئيس : لماذا يقوم الحزب بترشيح الوزراء محجوب : في كل تغيير وطني يطلب من القوى الوطنية دعمه . حدث هذا في 25 مايو بل ونوقش قبل شهر من 25 مايو في اشياء كثيرة . ونوقش ايضا بعد 25 مايو . الرئيس : كل الترشيحات شيوعيين محجوب : الاسماء المكتوبة في هذه الورقة ليست كلها لشيوعيين فالوضع لا يحتمل كل هذا العدد . ويتطلب وجود كل العناصر الوطنية والتقدمية . ومن بين الاسماء المقترحة اسماء وزراء حاليين . الادعاء : ( للشاهد ) هل كنت تعلم بتحركات زوجتك ليلة 18 ، 19 ، يوليو الشاهد : يوم 18 يوليو كانت معتقلة في البيت محددة الاقامة . الادعاء : هل تطلعك زوجتك على نضالها في الحزب الشاهد : لا الادعاء : هل توافقني ان الاسرة نوع من التنظيم الشاهد : نعم الادعاء : بماذا تفسر عدم اطلاع زوجتك لك عن نشاطها في الحزب الشاهد : هذا تنظيم لست فيه وليس لي الحق في الاطلاع على اسراره ولا اسألها عنه . الادعاء : هذا الموقف فيه عدم منح الثقة للزوج . نوع من عدم الولاء للتنظيم الاسري . الرئيس : ترفع الجلسة لمدة نصف ساعة ( وتحولت بعد ذلك الى جلسة سرية )
ولم تستمر الجلسة المهزلة طويلا وتم اعدام الاستاذ عبد الخالق سريعا
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالخالق محجوب . رجل من بلادنا (عمر جعفر السّــــوْري) عن الميدان (Re: خالد العبيد)
|
(وثيقة حول البرنامج) .. عين على المشنقة و القبر .. و عين أخرى ترقب فضاءات الوطن و ترى عبر العتمة و و ظلال المِحنة شواطىء خضراء لانهائية .. شواطي النيل الخالد مصفوفة بأشجار الهشاب و الكِتر، و نخيل العشميق، شواطىء مصفوفة بالهِجليج، و القورو، و السرو، و التبلدي و صندل الردوم شواطىء الحداثة المليئة بناس جُدد أنقياء .. ناس قادمين من جهات السودان الأربعة .. إنهم جِماع لقبائل و شعوب و قوميات و إثنيات أهل السودان

.. حقا" فقد كان عبد الخالق محجوب من اهل (النُهى) أشقاه عقله طوعا" و إختيارا" .. وظل مع ذلك ذو ضمير يقظ و سعى دؤوب للمعرفة
.. وثيقة حول البرنامج، ابرز معالم الصراع داخل الماركسية و داخل حركة الثورة، إنها عُصارة و سنام العطاء النظري المُستخلص في مجرى النضال الثوري - الماركسي للشهيد عبد الخالق محجوب متوكل يا صديق، اسمح لنا ان نحاول بكامل التواضع قراءة الوثيقة مُجددا، عطفا على برنامج المؤتمر الخامس، و بعيون الألفية الثالثة
| |
 
|
|
|
|
|
|
|