|
حرب طواحين الهواء!
|
حرب طواحين الهواء! راشد مصطفي بخيت
المشهد في السودان، أقرب منه إلي مشاهد رواية (سرفانتس) الشهيرة (دون كيخوتة)، فالكل منهمكٌ في حرب طواحين الهواء! الحكومة تحارب الفساد بكل قوتها علي سبيل (المضمضة اللفظية)! والفساد يحارب من يحاربونه بانتشاره يوماً بعد آخر! والمعارضة تحارب الحكومة أيضاً علي سبيل (المضمضة اللفظية)، فهي تنشئ لجانها وتفاوض وتتفاوض، وفي نفس الوقت.. ترفض التفاوض مع النظام! والصادق المهدي يمهل الحكومة دوماً لكنه لا يهمل التصريحات! يحاربها بالاتفاق علي الشريعة والهوية! ثم يضغطها عبر تصريحاته بأنه (قادر) علي الإتيان بالقوى السياسية للمشاركة معها! وإذا رفضت، يمكنه أن يعمل على توحيد المعارضة ضدها! وهو محق في ما ذهب إليه، فالمعارضة نفسها لا عمل لديها سوي انتظار مخرجات التفاوض بين الصادق المهدي والحكومة! وهي تأمل تطوير عملها كما قال أبو عيسي عبر مراجعة أداءها التنفيذي ووضع (خطة) لتحسين أداءها للأفضل! ومع ذلك.. فهي تغيب غياباً شبه كاملاً عن انتخابات اللجان الشعبية بالأحياء السكنية، ويضطر المواطنين مواجهة المؤتمر الوطني بمفردهم ويفوزوا بالعديد من هذه اللجان! حكومة ولاية الخرطوم تدفع من حُر مال الشعب أكثر من 17 مليار لمحاربة الفقر، وتواصل أسعار السلع الاستهلاكية الرئيسية في الزيادة المهولة يوماً بعد يوم! كأنما هذه ال17 ملياراً لم تفعل سوى مفاقمة الأزمة نفسها! البرلمان يتوعَّد بالرد علي الغارة الإسرائيلية علي بور تسودان، ويسمع الجميع جعجعة ولا يرو طحين، ذلك لأن البرلمان نفسه يحوز علي وثائق تكشف تورط وزارة الزراعة في قضية التقاوي الفاسدة التي أودت بحياة الموسم الزراعي كاملاً للعام 2009! لكنه لا يعرف إجراءات طلب استدعاء الوزير أمامه للدفاع عن الاتهام أو الاعتراف به! فهو برلمان صدق فيه وصف نائب رئيس المؤتمر الوطني عندما قال أن الأغلبية الميكانيكية لم تمنع تعدد وجهات النظر! فالحكومة نفسها المعارضة، لكنها مع ذلك تختلف! يختلف الجميع مع الجميع ويحارب الجميع الجميع ومع ذلك، كأن بهذه الدولة حكومة أخرى غير هذه التي نعرفها وهي تنتظر أن تقوم الأخرى بمهامها في الوصول بالاختلاف إلي نهايته المأمولة. يُقر نائب رئيس المؤتمر الوطني نافع علي نافع بفشل مستشارية الأمن في أداء مهامها لأنها لا تمثل الحكومة! ويُصرُّ رئيس هذه المستشارية الفريق صلاح (قوش) علي أنها جاءت بمباركة من السيِّد الرئيس ونائبه الأستاذ علي عثمان! ومع إقرار الأخير بانسحاب (حزب) الأمة ورفض (المؤتمر الشعبي) و (الحزب الشيوعي) الحوار معها، إلا أنه يُصرُّ علي أن انسحاب (بعض) الأحزاب، لن يوقف عمل المفوضية! وهو يعلم أنه لم يتبق لها سوى حزب واحد هو الاتحادي الديمقراطي الأصل! اللهم إلا إذا كان يقصد بقية الثمانين حزباً ونيف تلك، التي علي شاكلة الأحزاب الميكروسكوبية التي لا ترى بالعين المجردة! الجميع يتطاحنون في هذه الدولة.. حكومة معارضة! والجميع يحاربون طواحين الهواء المتمثلة في الفساد السحري الذي لا يعرف أحد متى يسمع العالم بالبت في إحدى قضاياه، والجميع يكافح الفقر، وتتسع رقعته يومياً! لشاعرنا المبدع صلاح احمد إبراهيم قصيدة شهيرة تصف تسعة مفردات منها فحسب هذه الحالة من التيه العام التي تضرب أصقاع البلاد وحواضرها يقول فيها: النيلُ هنا.. وخيرات الأرض هنالك. ومع ذلك... ومع ذلك!
|
|
|
|
|
|