|
|
 عبدالواحد كمبال .. أي جميل خسرناه . هذا الفرد الحشود منقول من الرأى العام
|
«... يا منايا حومي حول الحمي
واستعرضينا واصطفى
كل سمح النفس بسام العشيات الوفي
الحليم العف كالأنسام روحاً وسجايا
أريحي الوجه والكف افتراراً وعطايا..
فإذا لاقاك بالباب بشوشاً وحفى
بضمير ككتاب الله طاهر
أنشبى الاظفار في أك######## واختطفى
وأمان الله منا يا منايا..
كلما أشتقت لميمون المحيا
ذي البشائر
شرفي تجدينا مثلاً في الناس سائر
تقهر الموت حياة ومصائر..»
شعر: صلاح أحمد ابراهيم
*... كلما سقط فارس في زمان المسغبة هذا صحت:« صارت أغلى كنوزنا تحت التراب» كما صاح ود المكي يوم رحل البروف علي المك وكأنه يرفع راية الانذار المبكر مطلع التسعينيات فكان ان تتبعه كثر من كنوزنا واصفيائنا. وها هو عبدالواحد كمبال يعز على كل استطاب له البغاء بكبده الرطب ان يراه في التأبين.. أو الصاق لفظ الرحيل به:
«نصبح أغربة في التآبين
ننعي زهور البساتين
فيما قال أمل دنقل إنه «الفرد الحشود» في تعبير درويش.. يألفه الكل أينما حل، حيوية وروحاً جياشة كدأب الجيل الجميل الحياة هبة للعامة.. الحياة للناس.. الوقت والجهد والدراهم.. الهم العام وصناعة مجد الوطن.
وجاء زمان علينا المثقفون فيه يستمتعون بعذابات اقرانهم من الشرفاء .. كمبال حبيبنا .. رمز ذاك الجيل الاريحي الذي لم يكتب الجيل اللاصق مثلما كتب ولم يفكر كما كان يفكر ولم يغن كما كان يغني ولم يزرع ولم يمد بساط الخلق ، قال شيخي يصرخ ونحن في المنافي وامرأة لم تحترم هيبتهم : «انزعوا عنها هذا الثوب الذي ترتديه»!! تعجبوا ماذا يقول شيخ السجادة ونار القرآن.
.. عاد كمبال الكريم.. سمح النفس.. الضاحك الذي تمسه من عزائمه الايام الصعبة، عاد غداة انتصار الثورة الشعبية ضد الدكتاتورية الثانية، وقد هاجر الجيل الثاني من الصحافيين وما كان لهم ذلك لولا قسوه تلك الايام وكيف لهم والخرطوم آنذاك (زهرة افريقيا) في زعم احد الرواد الافارقة «سنغور».. ولكن حتى استقامت الحياة في ظل النظم الغبية.. وانظروا للدماء تملأ الاسفير.. عاد كمبال شعلة وضاءة.. يلم الناس من حوله.. والخرطوم ساحرة وساهرة وآثرة وثائرة، وهو ضمن اختصهم الله بحب الناس.. وجعل نفسه واسطة عقدهم بالقدر الذي يدخل قلوبهم.
التقاني الاستاذ هشام جحا قبل فترة وسألني عن كمبال وبينما نحن نقف في احد الشوارع في قلب الخرطوم، مرّ بنا أحدهم فعاد القهقري.. وقال أعذروني ياسادة.. سمعت اسم عبدالواحد كمبال.. كيف هو.. الله على الزمن الجميل.. هل أحصل على رقم هاتفه..!!
.. لم يكن يعرف له عنوان فهو المتنقل ما بين بري وبحري والثورة.. عمر الطيب الدوش.. سامي سالم .. محمد بخيت محمد علي .. هاشم كرار.. عبد المنعم عوض الريح.. موسى بيرق وغيرهم كثر.. وكان له في منزلنا مرقد غير وثير كما كان يقول لي :«ان مراقد المنافي على جمرها مهيأة لا ستقبالك ويمكن ان تحصل على عمل يوفر لك ما يسد الدمق لكنه لا يوفر لك اشياء أخرى».
* ضاعت رسئلنا المبعثرة ما بين القاهرة ومراكش بفعل المناخ التي استطالت وكثرة من تداولوها ممن يعشقون كلمة.
كتب برتي صديق له في صحيفة الشرق الاوسط ويلعن الزمن الذي يحرمه حتى الوصول لبيت البكاء.. وها نحن نردد معك تلك المقولة.. ونطلب السماح من روحك الطاهرة اذ عز علينا ان تضم الارض التي احببت رفاتك . طاب قبرك يا حبيب .. وطابت روحك.. حبيب الفقراء..
* في تلك الايام الماجدات عادت كوكبة من الصحافيين والرموز الثقافية الطيب صالح.. محمد الفيتوري.. صلاح أحمد ابراهيم.. وكل هؤلاء اصدقاؤه ورفاق المنافي: صديق محيسي.. محمود محمد مدني.. بابكر عيسى.. يحيى العوض.. الفاتح المرضي وغيرهم.. ووسط كل هذا الزخم كان كمبال هو المقترح للمنتديات والملتقيات والجلسات.. شعلة لا تنطفيء .. بين نقابة الصحافيين.. واتحاد الكتاب.. وأجهزة الاعلام وكذا منزله في المغرب.. يعرفه الطلاب السودانيون وكل زائر وكل من فروا من النسخة الانقاذية الاولى.. ومن بينهم الصديق الراحل خلف الله حسن فضل الذي التحف الحدائق حتى التقاه كمبال وعمل معه في وكالة انباء الامارات ومن ثم صار موظفاً رفيعاً في سفارة الامارات.. وانتقل الى لندن ورحل هناك.
واعجب له فالمستشفى الذي لزم سريره.. أخريات أيامه.. كما يحكي انه كان السبب في قيامه.. حينما زار حكيم العرب الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئىس دولة الامارات العربية المغرب. ووسط الاحتفاء به ارسل له كمبال ورقة صغيرة يقول له فيها.. ان هذه المدينة في حاجة الى مستشفى فطلب منه المجئ اليه فقال له: انت الذي يقوم بتنفيذ هذا المستشفى لكن كمبال مضى الى غاية أخرى، وما كانت لنفسه الابية وروحه الكريمة ان تقول بهذه الحقيقة لادارة المستشفى مع ارتفاع كلفة علاجه..
*استلف كمبال يوماً من اعز اصدقائه الراحل خالد الكد سيارته وكانوا يجلسون حول حوض السباحة في فندق الواحة في قلب الخرطوم.. وحينما توقف في طلمبة «سان جيمس» للتزود بالبنزين قال له احدهم: لماذا لا تبيع لي هذه السيارة فوافق كمبال وتمت المبايعة في الطلمبة.. وبعد نهاية السهرة.. أعطى كمبال ما تبقى من مال لخالد لكن بعد أن دفع فاتورة العشاء..
* ويحكي ان صديقه الراحل الشاعر الكبير عمر الطيب الدوش حينما كتب اغنية الود والتي كانت فتحاً جديداً في الغناء السوداني بما اضفاه عليها وردي من توزيع موسيقى، لم يتقاض الدوش حقوقه من الشركة الموزعة للاسطوانة، وكانوا شلة من المثقفين «المفلسين» كما يقول كمبال ومعهم الدوش والكد فقرروا الخروج من حالة الفلس فجاءوا برجل شرطة واعطوه بلاغاً مزيفاً لمدير تلك الشركة ينذره بدفع المبلغ، وبينما كان صاحب الشركة يقرأ البلاغ حتى دخلوا عليه كلهم فما كان منه إلا أن دفع المبلغ مع اعتذار بالتأخير.. وقال كمبال انهم اسهموا بذلك المبلغ في زواج خالد الكد.. وسافروا معه شهر العسل.. الى كسلا..!!
* هكذا يتأسى عبدالواحد كمبال لتلك الايام الروائع حد انسكاب الدمع.. صفاء الناس وبسطة الحياة والى أي مدى كانت الاوساط الثقافية والصحفية متجانسة ومتعايشة.. ترمي بكل ثقلها في مرمى الهم العام.. وهذا ما عملنا له ذلكم الجيل الرائع ولم تتح لنا الفرصة لنعلم الاجيال التي صارت تنكفئ على همها الخاص، هذه الروح والعقلية الجمعية هي التي تصنع المعادلات الصعبة في الصعود الفكري والثقافي والابداعي ومحاصرة الغث والتبسيط والتسطيح الذي يلف أيامنا الغبراء هذه..
* لم ينتم كمبال لحزب سياسي وان كان احد حاملي مشعل الاستنارة والتقدم والحرية والديمقراطية وما اعظمه من حزب .. فهو مع الفقراء وضد التسلط والعنف والجهل.. والدكتاتوريات على طول الخط..
واختتم بالترحم على روح الاخ الاكبر الصديق النبيل عبد الواحد كمبال ليرحمه الله بقدر سماحته وبساطته «وصوفيته» وحبه للناس، قال صديقه صلاح أحمد ابراهيم:
يا أحبائي ونبض عروقي كنتم القدوة بالخير الوريق
فأهنأوا نحن كما أنتم على ذات الطريق.
|
|
 
|
|
|
|
هاشم محمد الحسن عبدالله
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست