أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 06:27 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-08-2011, 09:51 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)...

    التقنية والأبعاد الآيديولوجية و الجمالية والمعرفية والدلالية في القصة القصيرة العربية المعاصرة (1 – 3)
    أحمد ضحية (*)
    مقدمة :
    هذة القراءات, لهي قراءات ضد شتات الإنسان .. ضد إلغاء إنسانيته .. ضد هذه الألفة السوداء مع سائد الثقافة "القروسطية" .. هذه الألفة مع "البطريركي" المستبد والقمعي , من هنا تحاول - هذه القراءات - أن تؤشر على بعض القضايا في القصة القصيرة العربية الشابة - إذا جاز لنا هذا التعبير – تحاول أن تنظر من خلال عيون جيل جديد ,من القاصات والقصاصين العرب , لتكشف عن مدى القلق الوجداني والسياسي , والتوتر الفكري والإجتماعي والنفسي , الذي يتجلى في القصة التي يكتبها الشباب العربي الآن , وهو يعيش مخاض تحولات صعبة .. تحولات تعيشها جغرافيا وإنسان المنطقة..ربما هي التحولات ذاتها ,التي بمثابة ربيع التحرر والتغيير العربي منذ ظهر"ويكليكس" كمتمرد على الأطر والقوانين,كاشفا عن الإسفير كسلطة خامسة -تماما كما تجلى في الحالة التونسية- وهي تحولات يعيشها عالم اليوم الواسع ,الذي تمخض في القطب الأكبر (أميركا) عن ظاهرة أوباما ..
    من هذا الحراك الحاد والمتوتر الذي يجتاح العالم ,ملقيا بظلاله على العالم العربي تتخلق قصة تحمل ملامح هذا الأتون المنطفيء -في عالمنا العربي- لكن الساخن لا يزال في ..
    أنه مخاض إجتماعي وفكري صعب ومعقد , لكن القصة القصيرة تؤكد خلاله مرة أخرى, قدرتها على الإستجابة السريعة للعابر في الواقع , والجوهري في الإنسان والتاريخ ..
    إذن ثمة نوع من حساسية وخصوصية للكتابة السردية القصيرة الآن , إذ تتشكل بمفردات زمن التحولات والتمزقات الكبيرة , تقاطع هذه المفردات أو تلك وتفارقها في الآن نفسه , لتنهض في هذه الحراك متوترة بمرارات "العنوسة" .. عنوسة المنطقة الزمنية,فخصوبتها تجتهد فلا تلد إلا البوار!!..
    لكنها – مع ذلك - مثلما تنهض في لوعة الإحساس بالفقد النبيل : فقد الأحباب في عسف الإجتماعي , القدري , السياسي..والإحتلالي تنهض أيضا ,في هموم لحياة سرية متوارية في المعلن , ربما تخلف آثاراً لبقع ,لا تزال تحملها "ملاءات بيضاء"لوثها الإغتصاب! ..
    ثمة رؤى قوِّية ,متنازعة بين الذاتي والموضوعي, تكشف عنها "الطوابير" العريضة , وثمة "أصوات داخلية" تتنازعها الرغبات , وثمة عالم يعج بالصراعات ,يحاول أن ينتصر لموقعه في العالم الكبير , وهكذا بين كر وفر البنى الحكائية –في النماذج موضوع دراستنا في هذه الورقة- تتشكل المتغيرات. في القضايا التاريخية الثابتة لهذا الجزء من العالم .. متغيرات تنكفيء آخيرا على الإنساني الهاديء.. الحميمي .. تتشكل في النص الدافيء الشكل والقوي المضمون ..
    يحاول السرد هنا أن يجيب على الأسئلة الصغيرة في ظاهرها , لكن الكبيرة بإنفتاحها على معنى وجودنا الإنساني المحفوف بالحيرة, والمزيد من التساؤلات الحارقة ..
    ربما ثمة تعثرات طفيفة أنتجها فائض اللفظ والدلالة .. ربما ثمة بعض هنات في التقنية أو اللغة ..ولكن ثمة حساسية واضحة تجاه موضوعات مراوغة ومعقدة .. هي حساسية السرد "الشاب" المولود في خضم الإضطراب والتناقضات والتحولات من المحيط الى الخليج , ومع كل هذا الإرتباك ,ليس ثمة راديكالية في الرؤية . بل قدرة على تحمل وجود الآخر المختلف , تتأسس بدء بعلاقة المرأة/الرجل, إنتهاء بإنسان المكان /الآخر.. الغريب.. أنه سرد مفتوح على الآخر ..مفتوح على التنوع ..على القلق الميتافيزيقي والبحث المستمر, عن مرفأ في الرحيل الذي لن يدوم ..
    نواصل...
                  

02-08-2011, 09:53 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    النماذج التطبيقية :
    (1) قصص قصيرة لعمرو العامري – السعودية
    (2) صورته : ذكي العيلة –فلسطين
    (3) الأصوات الداخلية – عبد الله البقالي – المغرب
    (4) المتطابر – محمد شمخ – مصر
    (5) مقاطع من سيرة عقلة الأصبع – حنان بيروتي – الأردن
    (6) الملائكة لا يأتون أبدا – جلاء عزت الطيري - مصر
    (7) صحراء الأربعين – سلوى الحمامصي – مصر
    (8) قبلة في فم أخرس – حواء سعيد – السعودية
    (9) قصص قصيرة – منال حمد النيل – السودان
    (10) على حافة الليل – دريسي مولاي عبد الرحمان –المغرب
    (11) الراية الحمراء – إيمان الدرع – سوريا
    (12) حتى إنتهى – عائدة محمد نادر - العراق
    نواصل-
                  

02-08-2011, 09:56 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (1) النص والآيديولوجيا : عند عمرو العامري ..

    قصص قصيرة :
    (برنت,علاج,إستقالة وشقاوة)(1)
    لعمرو العامري(السعودية)

    (*) : الآيدولوجيا التي أعنيها هنا هي نظام الأفكار المخفي بين ثنايا النص , والذي يتبدى كمقولات , أو مسكوت حديث سردي ,ينهض في تأويل القاري ,وفقا لخلفيته المعرفية وموقعه - في قراءته للنص - ومن هذا المنطلق نقرأ قصص عمرو العامري القصيرة جدا (برنت – علاج – استقالة - شقاوة ) , فنلاحظ :
    (1-6): سلسلة من العلاقات الجدلية, التي تتفاعل في الثقافي والإجتماعي والسياسي والإقتصادي اليومي , كاشفة عن سؤال مركزي كبير نتحسسه في التساؤل البريء لطفل –كما في قصته برنت- والتساؤل الناضج لمناضل – كما في قصته علاج- لينهض بين هذين المفصلين سؤال وجودي كبير , هو سؤال الموت (الطريقة التي يتم بها والأسباب التي تؤدي إليه) - كما في قصته استقالة- .. وصولا إلى الإستعادة لعالم الإكتشاف الباكر "لآيدولوجيا السترة والعيب"– كما في قصته شقاوة- ..
    (2 -6) : وهكذا نجد أن العامري بإقتصاد في الجمل وإختزال للعبارات , وتكثيف دلالي شديد , تمكن من إلتقاط عناصر عالم متشابك , ومعقد تحاصره "الآيدولوجيا السائدة" من كل جانب , فلا يجد إزاء ذلك,سوى أن يسفر عن آيدلوجياه المضادة , مؤكدا (عمرو العامري) أن السرد في هذا العالم المعقد مرير السخرية حد البراءة!.. إنما ينهض في مواجهة الإنسان لقضايا المواطنة والديموقراطية والمرأة ..وذلك من خلال إستخدامه ,الإشارات العابرة., لكن.. النافذة والدقيقة, والمعبرة في قدرتها على مراجعة عناصر هذا العالم الذي يستمد نفوذه, من سطوة النفط ومؤشرات السوق العالمية (برنت) .. هذا النفوذ المستمد - أيضا - من تراث الإستبداد والقمع ,الضارب بجذوره في أغوار الوجدان الثقافي .. هذا العالم الذي يحيل إليه العامري , أعيد إنتاجه في المسكوتات ,والأمور غير المفكر فيها (إستقالة).. هذه الأمور التي تتمظهر في "آيديولوجيا السترة والعيب"(القوانين المقيدة للمرأة وللحريات العامة) وفي المظاهر المختلفة للحياة , بحيث يصبح مفهوم " الإنسان " غامضا إزاء التمييز والتمييز المضاد .
    ( 3 – 6 ) : برنت : في هذا النص تنبع السخرية المرّة حول أسئلة الإقتصاد من تساؤل بريء لطفل " كان يطرح تساؤلا بريئا لا أكثر .. لماذا يفطم مع أنه ما زال هناك فائض من الحليب ؟ قيل له عليك أن تتعلم تنويع مصادر الدخل , فسعر "خام برنت" يواصل الانخفاض (2)" فالإجابة مفارقة تنقلنا إلى واقع أشد تعقيدا من براءة السؤال .. هذه التساؤلات في قصص العامري ,الملقاة على لسان أطفال بين آن وآخر, تذكرني بشخصية سقراط التي تناولها جاستاين غاردنر, في روايته الشهيرة (عالم صوفي) = (بحث في تاريخ الفلسفة) إذ أن سقراط يلقي أسئلة تبدو بريئة ,وربما تنم عن الجهل أحيانا , ولكن عندما يتم التفكير فيها تقودنا إلى عالم لا نهائي (3) .. وهنا يخرج السؤال عند العامري من قلب براءة إنسان الجزيرة العربية , إزاء المعادلات المعقدة للحياة المعاصرة , التي تحاصره أكثر فأكثر يوما بعد آخر .
    (4 – 6 ) : "علاج" : وفي هذه القصة لا نلمح سوى سؤال السلطة , كمادة موضوعها مجابهة الإختلاف "وبما أن له أفكارا غير سوية , فقد أُدخل السجن لتنمو له أفكارا مستقيمة كالقضبان (4)" , حيث يتوارى سؤال البوليس الذي بداخل الإنسان نتيجة القمع , في هذه الجملة المكثفة عميقة التعبير.
    ( 5 – 6 ) : "استقالة" : وفي هذا النص أيضا يتبدى سؤال السلطة مهيمنا إلى أقصى حد , فالأب لا يستطيع أن يحكي الوقائع الحقيقية لمقتل إبنه , ويلخص كل ذلك في عبارة مختزلة , تنطوي على مدى تمكن هذا السؤال الحارق منه . فالبوليس هو مؤسسة تنهض في وجدانه , وليس على جغرافيا بلاده فحسب . البوليس داخله . البوليس في ذاته . التي تجعل الآخرين يكفون عن طرح الأسئلة , التي ربما تفضي للمساس بالسلطة :"سألنا أباه عن أسباب موته .. قال لنا : أنها فقط إستقالة مبكرة . كان لدينا أسئلة أخرى , خشينا أن نطرحها فنموت (5)" .. هذا النص يبحث في الأسباب التي تقف خلف تسمية الأشياء بأسماء غير أسماءها .. تسمية أحد أكثر الأفعال حسما في الحياة :الموت "بالاستقالة" ... وهو ما يحيل إلى مبدأ " التقية" , ويؤكد من جهة أخرى ما ذهبنا إليه في إستهلال هذه القراءة , حول الإستبداد والسلطة القامعة , الكامنة في الوجدان الثقافي, قبل أن تكون على ارض الواقع .
    (6 – 6 ) : "شقاوة": والسلطة في هذا السرد المكثف عند العامري هي كل له مظاهر مختلفة , فمن سطوتها على الواقع السياسي والإقتصادي , ينتقل – العامري - في هذا النص إلى سطوتها على الثقافي الإجتماعي , معتمدا على الآلية السقراطية التي أشرنا إليها سابقا , "كميكانيزم" دفاعي (طرح السؤال عبر لسان طفل, يحاول إكتشاف العالم حوله .. طفل لا يستطيع أحد إدانته : فهو مجرد طفل بريء!!.. طفل يتساءل عن إرتداء والدته العباءة خارج البيت , وما تحيل إليه هذه العباءة من دلالات ثقافية ,ضاربة الجذور في البنى الاجتماعية ,ذات الصلة بموقع المراة في النظام الاجتماعي ومستوياته الدلالية " سأل الطفل أمه : لماذا تلبس العباءة خارج البيت ؟ قالت له : إن الحلوى يجب أن تلف بورق القصدير . لم يفهم . لكنه تمنى أن تكون له قطعة حلوى بحجم أمه (6) " ...
    العامري قاص مميز , لصوته رنين خاص يستكنه الوعي ويحفر في تلافيفه وصولا لأعماق اللاوعي وطبقات الثقافة والمجتمع .
    نواصل-
                  

02-09-2011, 03:49 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (2) الدينامية وغياب الراوي في النص :"صورته" لذكي العيلة(فلسطين)

    يتميز هذا النص " صورته "(7) بملمحين أساسيين : (أ) عدم وجود راوي (ب) التكثيف والتركيز الشديد , بالنتيجة السيطرة الكاملة على الدلالات والألفاظ, بحيث لا يوجد فائض فيهما . هذا النص القصصي , للقاص زكي العيلة"صورته" ينبثق من قلب فضاء دينامي يعج بالصراعات والتحولات ,التي يقع النص في ظلها , مشكلا في نسيجه الداخلي ,بنية تفجير محتشدة بعالم زاخر يتشكل من نثارات وشظايا محورها أحاسيس الفقد ,ولكن الأمل ومشاعر الحزن والأسى., ولكن الإيمان بالغد ..
    فعندما نقرأ( تمدد المرأة صورة طفلها في الصندوق )في سياق السرد , نستشعر في هذه اللحظة, أن تيار الحياة والزمن وكل شيء قد توقف , لتتشابك فيه لحظة معقدة شديدة التكثيف , معطاءة بالإيحاءات والدلالات .. هذا التمدد لجسد الطفل الشهيد .. صورته .. طيفه .. هذا الإثواء لإستمارة الإنتخاب .. هذه الحياة الإنتقالية بين منزلتين , نستشعر كل ذلك ونحسه أكثر مما نقوى على التعبير عنه بالكلام ..
    فقد إعتمد "العيلة" لبناء هذه اللحظة المكثفة المتفجرة, على المفارقة كمحور تماسك لصورة السرد .. يقول شليجل "أننا لن نصل إلى المفارقة, إلا بعد أن تكون الأحداث والناس والحياة بأسرها ,مدركة وقابلة للتمثل , بوصفها لعبة , فالحياة حشد من المتناقضات والمتعارضات, التي لا يمكن الإمساك بها , في إطار موحد من الإدراك (8) . يتكيء النص"صورته" على حكاية بالغة البساطة , هي حكاية أم تمارس حقها الإنتخابي مطاردةً بطيف طفلها, الذي إستشهد برصاص الإحتلال .
    السمة الأولى التي أشرنا إليها سابقا "عدم وجود راوي" جعلت هذا النص كأنه يروي نفسه , إذ لا نلمح أثرا مباشرا للراوي .الأمر الذي يكشف عن حرفية عالية ,في إمتلاك شروط وأدوات القص . والسمة الثانية "التكثيف" منحت النص قوة وتأثير عميقين .
    و"صورته" كنص قصصي متميز يشكل فضاء مغايرا, تتفاعل فيه معطيات سوسيوثقافية سياسية , فزكي العيلة في هذا النص ليس مضطرا ,لاستحضار المرحلة التاريخية التي يمر بها الشعب الفلسطيني , عبر التخييل المجرد لإستكناه روحها ,فالنص يكشف عن إمكانية متاحة لفتح حوار مباشر معها, خلال جرح هذه المراة بنظراتها المرهقة, وردائها الأسود " صور المرشحين وسير حياتهم الملونة والبراقة ,وضجيج الإختيار الصاخب يتناثر (..)تطأ صامتة المركز الإنتخابي (..) تغادر إستمارة المرشحين, والبرامج اللامعة والسير المنمقة وحبر التصويت, دون أي التفاتة(9)" ..
    بحيث تنهض المفارقة ,بين نفسيتها المترعة بالحزن والأسى واللوعة, وواقع ممارستها الإنتخابية , بما تنهض فيه هذه الممارسة من قيم إستقرار وحرية وإختيار , لينهض السؤال كتكريس لإستفهام كبير, بين العلاقة الجدلية بين حق الحياة وحق الانتخاب, المحاصر بسير الحياة الملونة والبراقة للمرشحين ,والتضحيات وأحاسيس الفقد ومشاعر الحزن " المرأة الصغيرة التي تمتليء عينيها بحزن ,يتسرب كغابة موحشة ممتدة الفروع , تخرج من بين تلافيف القلب صورة متآكلة, لطفل حملته رصاصة القنص إلى القبر مبكرا"(10) .
    وهكذا نلاحظ أن التخييل في هذا النص المكثف, لم يكن مرغما على صياغة واقع ما ,عبر إستحضار القوانين العامة, التي حكمت حركة الأحداث, الممثلة في هذا المناخ النفسي العميق الوحشة والحزن , الذي تتبدى عنه حركة المرأة المتفاعلة ,مع ما حولها . تحت تأثير ما تضمه جوانحها من أحزان ومواجد .. التخييل هنا يتغذى على الماضي و الحاضر ,كونه حلقة متصلة ومباشرة, مكنت النص من التفجر في وجوهنا ,دون مخاطر الإنزلاق بإتجاه التجريد الذِّهنِّي والشكلانية المفتعلة , فالملمحين الذين أشرنا إليهما سابقا (رواية النص لنفسه والتكثيف) يتضافران ليسفران عن هيمنة كبيرة, تمنع النص من هذا الانزلاق .
    فبطاقة الانتخاب هي "طفل" المرأة الصغيرة "الشهيد" وهو ينبعث من جديد ,من خلال خيارات الحياة ,وهو بمثابة الثمن الذي دفع مقدما في سبيل التحرر والتغيير . فهذه اللحظة المستحضرة والمستعادة, التي تمثل طيف الطفل أو صورته /العصفور ..الحق .. تتكثف كخلاصة للقول القصصي ل"صورته" مبددة الحاضر المرير , مبعثرة الماضي القاتم , محلقة إلى رحاب زاهية .. فتيار الحياة بكاملة ينهض في هذه اللحظة ليستمر. فهذه اللحظة لهي أكثر من مجرد ممارسة لحق التصويت " تمدد المرأة صورة طفلها في الصندوق, وفي عينيها المحتدمتين تتشبث رفرفات زاهية لأجنحة عصفور لا تغيب مناغاته (11) ..
                  

02-09-2011, 04:45 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (3)انعكاس المرايا في النص : الأصوات الداخلية لعبد الله البقالي/ المغرب
    مقدمة : في مسيرتها الطويلة ,إستفادت القصة القصيرة العربية , من العديد من تقنيات القص وآليات السرد الحديث . فمضت في مجرى نهر الحياة , منسابة بإيقاعاتها المتباينة في مختلف المراحل, نحو أرخبيل الواقع العريض , لتصب فيه كصدى للوقائع والأحداث ..
    هذه الأصداء المتلاشية , تسفر عن الجوهري والأصيل , بما إنطوى عليه من أحزان الإنسان ,ومكابداته لأسئلة الوجود الكبرى ك : الحياة والموت والحب , الخ .. وصدى ذكرياته ولوعاته التي تكشف عنها تقنيات القص ..
    انعكاس المرايا .. انعكاس الذات :
    ثمة تقنيات قليلة الإستخدام في القص العربي , مثل تقنية "انعكاس المرايا" التي تستخدم لبث التاريخ الذاتي للشخصية , والتي نجد هنا أن القاص عبد الله البقالي (12) قد اعتمدها كتقنية أساسية تعالج وقائع وأحداث قصته " الأصوات الداخلية" , مستفيدا مما تتميز به القصة القصيرة "كشكل أدبي مراوغ وماكر , تنطوي بنيته الأساسية على إجتزاء شريحة متوهجة من الحياة , تعيد صياغة ما بداخلها من بؤر دلالية وتأويلية , تجسد الواقع أو توازيه . وقد تكون في بعض الأحيان ملتحمة بهذا الواقع : بمراراته وتأزما ته والمسكوت عنه فيه . بحيث تبدو بعض الأشكال منها غرائبية اللحظة , أو لا معقولية الأزمة المتاحة داخل نسيج النص .. وبحيث غدت القصة القصيرة , في أدبنا المعاصر وكأنها وثيقة إجتماعية أو سياسية ملتصقة بما يشتمل عليه وجودنا . من صراع وتمزق وحيرة وإنهزام وتعدد في الرؤية (13) في "الأصوات الداخلية , نجد أن "الحكاية"هي حكاية شخص يعاني صرا عات داخلية ,بسبب المفارقة التي تسم حياته , فسلوكه العملي يتضارب مع التجريدات الذهنية, التي تصورها لسلوكه المثالي . هذا البون بين ما يريد أن يكون عليه وما هو عليه فعليا ,هو ما يشكل بنية الحكاية دلاليا , إذ يشتغل القص في منطقة الصراع بين الأنا والأنا العليا .. بين الواقع والمثال "يقر أن الورطات التي كان دوما على موعد معها , هي نتيجة توجيهات مستشار تمظهر بمظهر الحاذق العارف . لكنه كان يختفي كليا ساعة دفعه لثمن الفواتير الضخمة المترتبة على فتاويه الخائبة , ورغم حقده الدفين عليه, ورأيه المعروف فيه , فكل شيء كان يتغير فجأة , ولا يعرف من أين ينبعث في تلك اللحظات اللعينة (..)ولا يسمع ولا يستحسن إلا ما يشير به عليه (..) ذلك المستشار الخائب(..)ليس له من وجود خارج تفكيره (14)"فبطل القصة الذي يتوارى الراوي خلفه , لهو شخصية متشظية , تتناهبها عدة أصوات :عبارة عن نثارات لهذه الذات التي هي الآخر في الآن نفسه !. والتي تم تحديدها من قبل الراوي, في عدة مستويات :
    المستوى الأول : "صوته الآخر الذي يحمله كامل المسئولية, في كل النكسات التي عصفت به (15) " ..
    المستوى ثاني : وهو صوت تساؤلات الذات "مؤاخذات الصوت الثاني جعلته في حيرة (..) الصوت الذي يجنح إلى إخفاء معالمه الخاصة , أم ذلك الذي يعشق التحليق فوق الفضاءات المحظورة (16)" ..
    المستوى الثالث : "صوته الوليد ,الذي كان يرى أن زواجه ليس سوى زواج بالنفس, في عالم لن تعثر فيه إلا على حطامها (17) " ..
    المستوى الرابع : " الصوت الثاني الذي كان ضعيفا . بل لم يكن مسموعا بالمرة (18)" ... المستوى الخامس :"الصوت الذي يسميه رزينا من باب التميز (19)" ..
    ولكل صوت من هذه الأصوات الداخلية ,سمات تميزه عن غيره , حيث تشكل هذه الأصوات في مجموعها متناقضات الإنسان, ونوازعه المختلفة بين مستويات الخير والشر . إذن تمثل قصة الأصوات الداخلية ,إضاءة عميقة لصراع النفس البشرية, بتوجهاتها المتناقضة وحاجاتها المتباينة ..
    إنعكاس المرايا ورمزية المرايا :
    إذا كانت تقنية إنعكاس المرايا ,تعكس ما يعتلج من صراع, يدور في الذات الإنسانية , فهي تقترح أيضا صورة الذات الخفية ,مقابل الذات المعلنة , أو مجابهتهما معا .. في سبيل خلق شخصية سيكولوجية معقدة متعددة الأبعاد ..
    يتكون عنوان قصة البقالي من طرفين : (أ)(الأصوات) – (ب)(الداخلية) في المحتوى الدلالي للطرف الأول تعبير عما نسمعه أو نحسه .. ويسفر الطرف الثاني عن تحديد أكثر لما هو داخلي أو باطني , أو ما ينطوي عليه شيء ما , سواء كان هذا الشيء ماديا أو معنويا .. وطرفي العنوان من ناحية استراتيجية ,يعبران عما ينعكس على مرايا الذات, من وقائع وأحداث .. والمرايا في السرد ,سواء كانت رمزا معلنا أو منطويا ,هي أداة تعبير فني وتقنية متقدمة. يقول حاتم الصكر "المرايا مقترح شعري إرتبط بأدونيس , الذي عرف عنه إستخدام الرمز والقناع , وهما ممهدان ضروريان للمرايا (20) " ورغم أن المرايا ترينا ما تقتنصه أعماقنا فإنها – كما يلاحظ فوكو – إلى جانب كونها تضاعف, لا ترينا ما لا يظهر على سطحها , فيظل ثمة فاصل بين ما نرى ونقول , فالمرايا لا تقترح علينا آخرا , بل ترينا هذا الآخر الذي نقترحه عليها , أننا لا نبحث في المرايا عن واحدية صورنا وأجسادنا , بل نسارع إلى البحث عن تفاصيل منسية أو مطمورة , كي نؤلف منها صورة القرين ,الذي يشاركنا خطانا وحياتنا ,وهو ذو وجود سردي لأنه يمثل الجانب الثاني في حوارية شخوصنا ,وقد إستثمر القصاصون المزايا السردية ,كوجود قرين المرآة ,وطوروه ليغدو صوتا داخليا ثانيا لوجود الراوي أو الشخصية (21)" كما نلاحظ هنا على الأصوات العديدة في قصة الأصوات الداخلية .. وأخيرا , قصة الأصوات الداخلية هي محاولة مجابهة الإنسان لذاته المتشظية ,في منعطفات الحياة ومنحدراتها , وهي محاولة لتوحيد الذات مع آخرها ..هذه الذات التي تنظر لروحها المتألمة , فلا ترى سوى الجروح :" صرخ : أخرجوني من زمن الغرائز . أعيدوني إلى عصور الأرواح (22)..

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 02-10-2011, 04:46 PM)

                  

02-09-2011, 10:48 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (4) الواقعية والإنسيابية في المتطابـر لمحمد شمخ (مصر)
    من خلال وقوف راوي المتطابر في طابور المخبز , يحكي محمد شمخ قصة الروتين والملل والتكرار والإنتظار . آفة حياة الذين يعيشون على هامش الحياة , فيتبدى الحكي في المتطابر تعبيرا أسيانا ,عن أصداء الحياة في نهوضها وتلاشيها .. بإيقاعها المتسارع والبطيء .. حميميتها وقسوتها ..
    في المتطابر تستحيل الحياة الملموسة إلى محض ذاكرة مستردة ,في لحظات الملل ومجالدة الطابور الطويل بالصبر الجميل ,الذي تستحيل فيه اللقيا إلى شجن .. هذا النص أحد نصوص قليلة لفتت إنتباهي مؤخرا , بما "أنشحنت" به من شجن خفي نلمسه ولا ندركه . شجن بين مفترق طرق الأسى والحنين . عمر معلم التاريخ / بطل هذا النص وراويه , كأنه يريد تعليمنا خلال بثه لمحطات فارقة أو عابرة, في سيرته الذاتية .كيف نقاوم الملل ونفاد الصبر , إزاء طابور الحياة الثقيل , بإعادة تشييد عالمنا الإنساني الصغير , بإقتناص اللحظات المضيئة في حياتنا, ورصفها إلى جانب بعضها البعض .. لحظة حميمة إلى جانب شقيقتها الودودة " عليك ألا تتململ وتشغل نفسك بشيء ما (..) يفضل أن يعد أحجارا بيضاء (..) تشاغل بمراقبة حمار (23) " ويتذكر نجية التي تسوق الدلال إلى آخره , ليعبر بنا إلى تاريخ حياته معها وكفاحه لأجلها , في طابور الحياة المتعثر. خلال هذه اللحظات الإنسانية , التي تشيد عالم الأستاذ عمر . بين بث التاريخ الذاتي , واللحظة الراهنة في الطابور , تتبدى الحياة الشبحية لأولئك الناس, أمثاله . الذين على هامش الحياة , لكنهم في قلب لوحتها في الآن ذاته .
    يلتقط محمد شمخ كل شيء في حركة الشارع أمامه , يحفز بها ما أنطوت عليه دواخل الراوي, فيتسامى الواقعي التسجيلي, إلى قصيدة زاخرة بإيقاعات الحياة الرتيبة " بدون تفكير يأخذ عمر مكانه في الطابور , لحظة ويأتي صبي من صبية الورنيش ويقف خلف عمر :
    - حاسب يا ابني .
    - ... ... ...
    - آسف يا حاج الولد دفعني .
    - ولا يهمك يا أستاذ .. يا رب .
    - كل شيء بأوان .
    قالها عمر للرجل الذي أمامه وسكت (24)" ..وهكذا بإختزال من خلال حركة الواقع اليومي, يقدم لنا محمد شمخ راو المتطابر في لوحة ترصد كل وقائع الحياة, من خلال موقع الراوي في الطابور : "طابور الحياة" , فنرى الرصيف والبيوت والمحال التجارية والسماء, التي تنذر بمطر وشيك . حركة الناس : خفقاتهم وسكناتهم واحتكاكاتهم والعمال . من قلب هذه "التسجيلية" الراصدة لوقائع طابور الحياة ,تنهض ذاكرة الراوي, الذي يحاول الإنشغال عن الطابور برصد ما حوله , وإقتناص اللحظات الهاربة في حياته . فتنهض زوجته نجية بين آن وآخر داخله . وهكذا يمضي ليعالج مسيرة هذا الطابور ,من خلال تجربة حياته مع نجية , ومن خلال عمله كمدرس للتاريخ . يتمثل روح التاريخ : تكيف معه في منعطفاته ومنعرجاته , فعمل في مختلف المهن ,وأدرك أن قيمة الأشياء, ليست في اللحظات الهاربة في التاريخ ,بأحداثه الجسام . بل في المعنى الذي تمنحه لنا هذه الأشياء, مهما كانت ضئيلة " يفهم الفتوحات العربية والحروب الصليبية, والدويلات وفي الثورات وأسبابها ونتائجها وغير ذلك , لكنه عرف كوب الينسون وآمن بسحره (..) يكفي أن يكون من يد نجية (25)" هكذا يقاوم المتطابر هذا الطابور, الذي يسم حاضر الذين ينفقون معظم حياتهم فيه, لا يفرقهم سوى المطر , الذي بقدر ما يخشون تفريقه لطابورهم ,يتمنون هذا التفريق : تتنازعهم رغبة الحصول على خبزهم ويكرهون الوسيلة التي يحصلون بها على هذا الخبز"الطابور" ..هذه اللحظة المتضادة في الحصول على الخبز,هذه اللحظة التي ترفض الذل, لكنها ترى ألا مناص منه في هذه الحياة المقيتة , والجميلة رغم كل شيء : جميلة بتلاميذه وبنجية ,ولحظاتهما الحميمة المستردة من أغوار الذاكرة .
    يمثل طابور محمد شمخ لحظة توق أمام ألذات, والتقدم ببطء إلى داخلها ,عميقا كقوقعة تحميه من هذا الواقع الفادح . يمضي نص المتطابر, منسابا في مستويين من مستويات السرد : اللحظة الراهنة التي يقف فيها عمر في الطابور ,وهو يرصد الحياة حوله . واللحظات الماضية من حياته, التي لا تخلو من كفاح في سبيل حبه flash back ثم لا يلبث أن يعود مرة أخرى إلى اللحظة الراهنة, وهكذا دواليك .. دون أن نشعر بهذا الإنتقال من مستوى لآخر . فالحدود بين الماضي والراهن غير محسوسة , لإنسيابية النص وشعريته في آن .
    مع المتطابر نرى الحياة بكاملها في شريحة مقصية , إرتبطت حياتها بالطوابير , وترى التوق لطفل ينتظر (المستقبل) ونرى الماضي (الجدة المتوفاة) واللحظة الحاضرة(عمر) .. نرى التاريخ في الأجيال ,والوقائع الآتية التي ستصبح تاريخا هي الأخرى .كل هذه الأمور تراصت إلى جانب بعضها, لكن يظل المستقبل والحاضر مقيدان إلى هذه الظاهرة , ظاهرة التطابر المؤذية , التي لم يتحرر منها الماضي بثقافته المثقلة بتركة البيروقراطية .
    نواصل-
                  

02-10-2011, 04:45 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (5) النص والحوار :
    " مقاطع من سيرة عقلة الأصبع" (26)" لحنان بيروتي(الأردن)
    (1 -6) : بدء أرغب في التأكيد على أن عبارة "أدب نسوى" أو "أنثوي" عندما ترد في متمن هذه القراءة لا تنطلق من موقع تمييز , بل من موقع نوع إنساني مختلف , ومن هذا الموقع المختلف , يدخل هذا النوع في العملية , الجدلية للحوار السردي , بكل ما ينطوي عليه السرد من دلالات ورؤيا ومقولات , بالتالي لا تمت هذه القراءة بصلة للسجال حول ما يطلق عليه "أدب المرأة" . إذ تنهض بالدرجة الأولى في إنسانية النص والأدب عموما .ف"مقاطع من سيرة عقلة الإصبعالتي تقيم حوارا مع "هوامش من سيرة حمال نوبي للقاص السوداني محمد خلف الله سليمان ,بإشتراكهما في" طرح سؤال جوهري حول "هوِّية الإنسان" وتعريفه كنوع مذكر أو مؤنث..
    (2 -6) : على غير العادة في السرد الذي تطرحه الأنثى (27) يتقمص صوت الراوي عند حنان بيروتي, في هذه القصة صوت المذكر " الذي يمضي في الكشف عن القمع ,الذي مارسته عليه قوانين البنى الإجتماعية (العادات , التقاليد , الأساطير , الخرافات ...) فقط لكونه ضئيل الحجم , فالتاريخ الدلالي ل"الضآلة" يمكن إستشفافه في بنية الثقافة في مثل قديم – على سبيل المثال –(لا يطاع لقصير أمر) . فالقصير والضئيل , لا يأخذ وجوده الإعتباري الكامل في المجتمع , وغالبا ما يكون"موضوعا " للسخرية وتقليل الشأن. إنطلاقا من هذه الخلفية الدلالية في ثقافة تفضل ما هو طويل , حتى أن بعد " مهوى القرط " كناية عن جمال المرأة – أي المسافة من شحمة أذنها إلى إلتقاءها بلحمة كتفها , كلما كانت بعيدة كلما كان ذلك تعبيرا عن مدى جمالها – بالطبع هذه معايير تتعلق بالجمال العربي الكلاسيكي فقط - يتخبط راوي بيروتي الضئيل في مأزقه الوجودي , محالا إلى النظام الدلالي العربي , هذا النظام الذي شكّل الحصار النفسي لبطل / راوي (مقاطع من سيرة عقلة الإصبع) حيث ينطلق صوت هذا الراوي / الزوج للكشف عن سيرة مأساته الإجتماعية ,التي سببها حجمه الضئيل , فتقيم حنان بيروتي هنا , وإنطلاقا من هذه المنطقة –أيضا- حوارا نصيا مع قصة(عقلة الإصبع)الخرافية ل"هانز كريستيان أندرسن"(28)وإذا كانت عقلة إصبع أند رسن تحكي عن توق إمرأة بأن يكون لها طفل صغير,الى درجة اللجوء إلى إحدى الساحرات, التي تمنحها طفلة صغيرة ضئيلة جميلة بحجم"عقلة الإصبع" (29) والتي تمر حياتها بكثير من المنعطفات الخرافية الحرجة ..
    تجدر الإشارة هنا إلى أن نص حواء سعيد(ملاءات بيضاء)(30) يقيم حوارا نصيا هو الآخر مع هذا النص لبيروتي أو العكس , إذ كلا النصان ينطلقان من بؤرة واحدة : الأنوثة المجروحة بخذلان الرّحم أو الفقد أو الحرمان من الإنجاب . مع إختلاف نص بيروتي في تشعب القضايا التي يطرحها .
    (3 – 6) : إستعانت بيروتي في هذا النص بقدرة الأنثى الفائقة, على فهم الرجل أكثر من قدرته هو على فهم نفسه , بسبب الخبرة العميقة للمرأة .هذه الخبرة التي منحها لها الميراث الرهيب, من القمع الموجه ضدها عبر التاريخ . فتجربتها الطويلة مع القمع الذكوري, منحتها دقة كبيرة في التعبير عن هذا الفهم للرجل .وهذه القصة "مقاطع من سيرة عقلة الإصبع" ليست هي القصة الوحيدة لحنان بيروتي, التي تروى بصوت المذكر , إذ نجدها في قصص أخرى مثل (قتامة)(31)على سيبل المثال, يروي بطلها المذكر, مأساته الفادحة بخسارة رجله ,إثر إنفجار لغم , مبينا فداحة الحرب وكلفتها الإنسانية العالية ,التي لا تضاهيها كلفة ..
    ولذلك عندما يعبر صوت الراوي المذكر عند حنان بيروتي في "مقاطع من سيرة عقلة الإصبع" عن همومه وأحزانه ,فإن هذا التعبير يأتي أكثر دقة ,في إستكناه مغاليق النفس الإنسانية المعذّبة ولا يخلو – التعبير – من إنطوائه على الفكرة التاريخية حول تحميل مسئولية "العقم" في الثقافة الإجتماعية السائدة للمرأة – فالزوج يستبعد غالبا من الإتهام, في الأمور التي يتصور أنها تمس رجولته , بل ويباح له ما لا يباح لها . ويتم غض الطرف عن بعض ممارساته, التي لوفعلتها هي, تجد نفسها موضع مسائلة حادة .
    إذن خلف هذه الأسئلة المباشرة يتوارى راوي بيروتي .. موحيا بها دون أن يطرحها ,من خلال الوضعية المعكوسة ,التي تمثل المرأة زوجته, أكثر مما تمثله هو , فينطوي النص على هذه المسكوتات, دون أن يعلنها. مكتفيا بإنعكاسها على سطحه, كمرآة ترى فيها صورة الوجه ,لكن لا تستطيع تحسس أبعاد حقيقته . فهو مسكوت الحديث السردي, الذي لا يطرح مباشرة . إذ يتم تمثيله في "عقلة الإصبع" ..هذا الرمز الغائر في النظام الدلالي والبنى الإجتماعية التي شكلت الثقافة السائدة : كمرجعية للسؤال "المراة التواقة للإنجاب", إلى درجة اللجؤ إلى ساحرة , تمنحها عقلة الإصبع كما عند أند رسن, فمن هذه الإحالة النصية ينهض العالم القصصي في مقاطع من سيرة عقلة الإصبع ,حيث تشتبك المقولات والمسكوتات ,مع رؤيا النص في المنطقة الفاصلة بين الواقع والخرافة : الذكر والأنثى , فيتحاور النصان : نص أند رسن ونص بيروتي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أي نص, إنما ينهض في الحوار مع نصوص أخرى , ولكن غالبا ما ينطلق هذا الحوار – التناص من منطقة محددة ,هي منطقة الجدل في النصوص التي يتحاور معها , وهنا تقيم بيروتي حوارها, مع نص اندرسن من منطقة"العقم" : الحاجة لطفل ليس هو الوليد الذي يتمنى الراوي إنجابه , أنه الراوي نفسه"عقلة الإصبع" .
    (4 – 6 ) : قدر عقلة الإصبع الذي شيده أندرسن(أنثى) قدر مختلف عن قدر عقلة الإصبع الذي شيدته حنان بيروتي "ذكر" فسيرة حياة أنثى أندرسن عقلة الإصبع عبارة عن قضية مطلوبة " أنثى جميلة ترغب الكائنات – بمختلف أنواعها وأجناسها – الزواج منها . لكن قدر عقلة أصبع حنان بيروتي "الذكر" معاناة التشكيك والإتهام ,فزوجته تحمله مسئولية عدم إنجابها, ووالده لا يعتبره ذكرا مكتملا "أربع بنات وولد يا شيخة معتبرة هذا القليل عقلة الإصبع ولد ؟! هذا يكون زلمة ويخلف ؟!(32)مقولات النص هنا ,تنطلق من الإتهام الذي يخفي عن قصد أو قصور ,الحقيقة العلمية : أن عدم إنجاب الرجل أو المرأة, أو عدم إكتمال الجنين, لا علاقة له بحجم العضو الذكوري, بقدر ما يتعلق الأمر بفاعلية الأداء الوظيفي, أو التوازن الهرموني أو أي سبب آخر .
    وقد يكون عدم الإنجاب بسبب الطرفين أو أحدهما , لكن ليس بسبب ضآلة عضو الرجل بحال من الأحوال .. إذن تتحرك بيروتي من منطقة عكسية , فالمتهم هو الذكر , بمعنى أن الأنثى كانت دائما "موضوعا" للذكر باعتباره "ذات" ما جعل علاقتهما محكومة بقانون الذات /الآخر على الرغم من أن الحقيقة العلمية تجعل كلاهما ذاتا , موضوعه العلاقة التي تربطهما . هذه الذات التي تتشظى في نص بيروتي ,تبحث عن موضوعها الحقيقي , إنسانيتها التي أهدرتها مفاهيم خاطئة, تداعت عليها من بنى ثقافة تاريخية مغلقة ,هي الثقافة التقليدية التي تشكك في القصير الذي"لا يطاع له أمر" بغض النظر عن كفاءته ومعارفه .وتجعل خير النساء هي"الولود"مستمدة نفوذها من نظامها الدلالي, الذي يمجد الطول ويلقي بلائمة الفشل في الإنجاب على المراة عادة .
    (5 – 6) : عقلة إصبع حنان بيروتي, هو الإنسان المنتهك , المتشظي سواء كان الذكر أو الأنثى , الذات أو صورتها.. المرآة أو ما ينعكس عليها , هذا الإنسان المنتهك أقصى حدود الواقع ببناه الإجتماعية والثقافية غير الموضوعية ,والقاسية حد الجرح والأذى , حيث تتبدى فجيعته في أقصى حدود ألمها ,عن منطقة المسكوت عنه في الثقافة"الجنس" فحتى في هذه المنطقة ,لا يحظى بالإعتبار الذي يحظى به الآخرين, فلا يعتبر وجوده في منطقة "غير المصرح به"ذو أهمية, فقط لكونه قزم . أو ضئيل الحجم "ربما قامتي الضئيلة هي السبب المباشر (..)بيتنا غرفة . غرفة لم تمنعني من رؤية ظل والدي في العتمة, وهو يمسك بثوبك ويفح (..) البنات نامو ! نامو . بيتنا .. والعقلة ..(33)فوالده لا يخشى ممارسة الجنس مع والدته في"ظل" وجوده !.. فهو آخر من يتم التفكير فيه ..فوضعيته كعقلة إصبع ناقصة"نوع"غير مكتمل . هذا الزوج المعذب "عقلة الإصبع" الذي يروي سيرته ,في قصة حنان بيروتي يتحرك في منطقة معتمة من الواقع الثقافي الاجتماعي, فالقوانين التي شكلتها البنى الاجتماعية الثقافية تتواطأ على وجوده وتسحقه, منذ طفولته الباكرة وحتى لحظة زواجه,وبعد مرور عام ونصف على هذا الزواج " ما زلت حائرا , كيف تطورت الأمور على هذه الصورة . كنت أشعر بإختناق نفسي حاد وأنا أتابع وجه زوجتي الممتقع . المتأففة عن تأخر الحمل, رغم مرور سنة ونصف على زواجنا ,وأكاد ألمس بطيخة الإتهام وهي تتكور في عينيها : أنت السبب ! وأحس بجرح رجولي خاص ,ورغبة ما في البكاء لكن الرجال لا يبكون(34).. الرجال لا يبكون؟!.. والده أيضا يعتقد أنه السبب لأنه قزم . كنتيجة طبيعية لغياب النظرة العلمية ,وتبني أسلوب حياة تقليدي , لايمت للحقائق والبيولوجيا ووظائف الجسم البشري بصلة .
    هذه القصة تذكرني برواية رشيد بوجدرة (ألف وعام من الحنين ) فقد كان بطلها (محمد عديم اللقب) محل إعتقاد نساء بلدة "المنامة" بسبب ضخامة حجم عضوه !.. هذه الفكرة في الثقافة السائدة لهي من الأفكار الشائعة , ولدى بعض الأقزام إعتقاد – ربما بسبب أنهم أقزام – حيث لا يعتبر هؤلاء الجنس خطيئة , ولكنهم يعتقدون بأن الحياة الجنسية, تجعل الرجل ضعيفا ومعرضا للإصابة بالأمراض,وقد ألزموا النساء بالإبتعاد عن المعاشرة, ليس فقط أثناء فترة الحمل , بل لعدة أعوام بعد الولادة(35).
    ( 6 – 6 ) : إذا كان أندرسن قد إختار عالم موازي لعالم ألف ليلة وليلة ,ليجترح قصصه الخرافية للأطفال , فان العالم الذي تكتب عنه حنان بيروتي ,هو عالم واقعي .. يعاني فيع عقلة إصبع حقيقي طفولة العقل وبداوته , هذه الطفولة التي تحاول بيروتي العبور بها إلى الشاطيء الآخر , مخترقة مناطقها الحساسة والمظلمة, لتقارب قصور العقل (36)
                  

02-10-2011, 10:58 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (6) بنية النص في الملائكة لا ياتون أبدا لجلاء عزت الطيري...

    مقدمة:
    في قراءته للكتابات الأنثوية المصرية , يشير أبو عوف في الفصل الخاص بثورة الكتابة الأنثوية (37) إلى أن اكبر ما أضافته الكتابة الأنثوية الجديدة ,يتمثل في إتجاهها لتنحية المتفق عليه والسائد في الرؤى , لتسود المعرفة الأنثوية بنسقها الكلي, عن الوجود والروح والجسد , ليكون النسق والبناء الجمالي , خارج النسق البطريركي , الذي ظل مسيطرا على عمليات الإبداع الأنثوي . هذه التنحية للنسق البطريركي ,هي ما لاحظناه سابقا في قراءتنا ل"صحراء الأربعين – لسلوى الحمامصي"وهي هنا أول ما يكشف عنه نص جلاء في " الملائكة لا يأتون أبدا (38), في ما أنطوى عليه من قول . إذ تجابه راوية قصة جلاء هذا العالم , بعالمها الطفولي الحلمي .. بمخاوف إنتقالها , وبتجربتها البريئة مع العتبات الأولى للأنوثة .
    وقبل أن نتوغل أكثر في بنية هذا النص , نؤكد أن قراءتنا هذه , تشتغل في مناطق محددة من هذه البنية النص : (العنوان – الحكاية – القول – الوصف – الراوي ) , بالتالي هذه القراءة في نص جلاء, تختلف عن قراءتنا السابقة (39) التي إشتغلت في منطقة (السياق التعبيري) فهذه القراءة والقراءتين اللتين ستليانها (40) تركز على عدد من قضايا البنية النصية .
    إستراتيجية العنوان والحكاية والقول:
    بدء ألاحظ أن العنوان لا يتناسب مع مضمون النص , إذ أن العنوان إستراتيجي بالنسبة لأي نص , وهذا النص :"الملائكة لا يأتون أبدا " , يكشف عن التجربة التي يمثلها عالم منطقة نائية , في حياة الأنثى , هي منطقة الطفولة بتجاربها البريئة وما تنطوي عليه من مخاوف ,وغموض العوالم التي تنتقل الأنثى في بداية ترقبها, لإكتمال أنوثتها .. إنتقالها إليها أو منها .. بالتالي - في تقديري الخاص - يتوجب على العنوان دائما أن يعبر عن هذا " القول " . وإذا كانت الحكاية هي الأحداث المروية والشخصيات المتحركة بين إحداثيات النص, وغير ذلك من العناصر. التي تحيل إلى تجربة القارئ ,وتعد محاكاة للواقع. فإن "القول" في الملائكة لا يأتون أبدا, هو المظهر لهذه الحكاية. التي لم يتم تحديد زمنها . ف"زمن الحكاية" شيء مختلف عن زمن "القول" , زمن الحكاية في الملائكة لا يأتون أبدا متعدد الأبعاد , حيث تجري أحداث مختلفة في الوقت نفسه , لكن على مستوى القول نجد هذه الأحداث ,تصطف حدثا تلو آخر , وهكذا تعرض لنا جلاء ببراعة شكلا معقدا – كما هو معتاد في السرد الحديث – في خط مستقيم , يكسر بالضرورة التتابع المنطقي للأحداث (41) فما هي الحكاية في الملائكة لا يأتون أبدا ؟!..
    إنها حكاية بنت في العاشرة من عمرها, لا تزال تلعب الحجلة مع رفيقاتها, ويشكل اللعب واللهو محور عالمها الطفولي, حيث تجد في اللعب واللهو نفسها, إلى درجة كراهيتها لانقضاء الوقت , فقدوم الليل يحرمها من هذا العالم البريء الذي تحبه . في عالمها الطفو لي تبدأ تتلمس حدود الوعي الوليد بأنوثتها , هذا الوعي الذي يتبدى لها غامضا , غير واضح الملامح , يتبدى فقط من خلال أسلوب تعامل أمها معها , ومداعبات الولد بائع الحلوى " مع الوقت أدركت أن هذين المسمارين – على صدرها – سيحرمانها من اللعب ومن الخروج من البيت , كما فعلت أمها مع أختها الكبرى (..) أمي التي أتت من بلاد يتيمة لا تولد بها شمس , وتنمو في طرقاتها أشجار الشوك , تحاول فك أطرافي الملتفة على سري الصغير , فتفشل (42)" وهكذا تكشف عبر علاقاتها برفيقاتها ,أمها ,بائع الحلوى ,ناظر المدرسة وعم بسطا ,عن مفاصل عالمها الطفو لي , الذي تقف عند تخومه , مستشرفة مملكة إكتمال أنوثتها الوشيك .
    هذه الأنوثة المرتقبة الإكتمال ,والتي ستحرمها من عالمها الطفو لي اللاهي, الذي لا ترغب في إستبداله بأي عالم آخر. فهي لا تزال تذكر تجربة الختان المريرة " لا أتذكر سوى ألم اللحظة التي قطع فيها قطعة من جسدي (43) " هذا الألم الذي لا محالة سيتكرر, في مملكة الأنوثة كثيرا . كل ما تريده هو البقاء في عالمها الطفو لي , الذي يتبدى كشرنقة ناعمة الملمس ,تحتويها بلطف " بغير إرادة مني إستيقظت فيّ ذكريات موحشة , تلبستني بهذا الشعور القديم ,حين تخرج العفاريت من مكامنها فتجوس الأرض , تمسك بالبنات اللائي بدأن يرتدن ممالك الأنوثة , يخطفن أعضائهن , يحفظنها في قلادة للقادم من بعيد , ولا يرضى عن ذلك بديلا(44)" . هذه الطفلة التي حرمت من عالمها ,تشيد عالما فسيفسائيا تعويضيا من الأحلام , تعبيرا عن رفضها للحرمان من عالمها الطفو لي " زارني ملك بثياب بيضاء (..) كان شفافا يحمل معه نقاء الصبح (45)" تلوذ بهذا العالم ,هربا من مجابهة واقع الأنوثة الذي إرتادته .
    هذه هي الحكاية التي قولها تجربة الإنتقال من مرحلة بريئة ومألوفة , إلى مرحلة أخرى ملأى بالعفاريت والمخاوف والألم .
    الوصف:للوصف في العمل السردي وظيفتين : (أ) تجميلية (ب) تفسيرية ورمزية في آن . إذ يكشف الوصف ,عن البيئة المحيطة بالشخصية , بالتالي البناء النفسي لهذه الشخصية . وتبرير أفعال هذه الشخصية. فإذا كانت الحكاية تشير إلى أحداث وأعمال ,باعتبارها وقائع فإن الوصف يقف عند الأشياء والأشخاص كعناصر متجاورة ,متعا صرة. ويراها كمشاهد , كأنه يلغي الزمن من حسابه معتمدا المكان فقط . وهنا في الملائكة لا يأتون أبدا يعتمد الراوي – غالبا – على التأمل في العملية الوصفية , فبدء بالإستهلال نجد الراوي يصف لنا طفلة تلعب الحجلة وتتوغل في عالم حلمي " يواصلان الصعود حيث الشموس الساطعة ,والستائر المنفتحة على بحر لجي, ترسم أقواس لقوس قزح .. يضيق الكون مرة واحدة . تختفي شموسه المتناثرة في سماء لها زرقة البحر, الخ..(46) " يتبدى لنا واضحا عند قراءة هذا النص الإكثار من الوصف , الذي ترتب عليه هنا في هذا النص ,فائضا في الألفاظ والدلالة, أدى بدوره لإحداث خلل في تركيب بعض الجمل . ففي هذا المقطع الذي أوردناه فيما سبق – على سبيل المثال – نجده هكذا : " بغير إرادة مني تيقظت في ذكريات موحشة , فيتلبسني هذا الشعور القديم حين تخرج العفاريت من مكامنها فتجوس الأرض , تمسك بالبنات اللائي بدأن يرتدن ممالك الأنوثة , يخطفن أعضائهن , يحفظنها في قلادة للقادم من بعيد , ولا يرضى عن ذلك بديلا " . والصحيح – ضمن خيارات تعبيرية عديدة - هو أن يكون هكذا:" بغير إرادة مني تيقظت في ذكريات موحشة.. تلبسني ذلك الشعور القديم حين تخرج العفاريت من مكامنها فتجوس الأرض. تمسك بالبنات اللائي بدأن يرتدن ممالك الأنوثة. تخطفن أعضائهن.تحفظنها في قلادة للقادم من بعيد, الذي لا يرضى عن ذلك بديلا " . هذا على سبيل المثال .وعلى سبيل المثال أيضا فيما يخص اللفظ والدلالة "أعُد الملعب للبنت ليلى ، خُط مربع كبير يقتسمه بالطول والعرض خطان مستقيمان ,جعلا المربع الكبير ينقسم إلى أربع ، رمت الحجر المصنوع من الفخار ,والذي إعتنت كثيرا بتهذيبه ومساواته, وأبتدأت اللعب . ما أن همت حتى تعرقلت ,وحطت رجلها على الأرض ، ضحكت البنت التي كانت ترتقي الغيم وتداعب شموسا هاربة. أخرجت من جيب جلبابها حجرها الدائر .واصلت اللعب وهى تنظر إلى أعلى وتدعو الله أن يمنح تلك الشمس الآفلة سر الخلود ,فتبقى إلى يوم الوقت المعلوم(47) .فهذا الجزء الذي أخذناه من" متن النص" كمثال ,إنطوى على فكرة عبر عنها "استهلال النص" سلفا :" البنت التي ابتدأت في إرتياد مملكة الأنوثة , تلعب الحجلة ,ترمى بحجرها الصغير تجاه منافستها ، ترقص برجل واحدة يدور الحجر بين رجليها ، يدور معهما الكون ، يرتفعان عن الضجيج. يقيمان حفلا للصمت . يواصلان الصعود, حيث الشموس الساطعة ,والستائر المنفتحة على زوارق عائمة, في بحر لجي ، ينثران ثمار النبق الطازجة لأطفال في الأسفل يرفعون أكفهم لإلتقاط الثمار الهابطة من علٍ .هي وحجرها الدائري إلتحما وحيدين .كانا يعبران أكفاً متطلعة لأعلى ، ترسم أقواس لقوس قزح. يضيق الكون. مرة واحدة تختفي شموسه المتناثرة, في سماء لها زرقة البحر. ترتخي يداها المعلقتان في أرجوحة من غيم .تغيب عنها قبرات كانت تتبعهما .تسقط ويسقط معها حجرها الدائري, عندما تنضو عنها البنت التي تشاركها اللعب غطاء رأسها ,يلتف الغطاء حول رقبتها. يهرب الهواء. تتلمس برجلها أرض الملعب ، تضحك البنت "ليلى" معلنة هزيمتها, فمن شروط اللعبة ,أن تحرك الحجر برجل واحدة ,بينما الأخرى مرفوعة لأعلى ,فما أن تلمس أرض الملعب ,حتى تُعلن الهزيمة(48) ..
    الراوي: إعتمدت جلاء عزت الطيري في هذه القصة ,على تقنية الرؤية المصاحبة , التي يقدم خلالها الراوي ,رؤية شخصية للأحداث .فالراوي هنا يحرك مستويات السرد المختلفة , ويتحرك فيها, ليحكي من منظوره "كراو غائب" عن هذه الطفلة بطلة القصة على سبيل المثال "البنت التي ابتدأت في إرتياد مملكة الأنوثة (49) ثم ينتقل بعد ذلك إلى ضمير المتكلم / الأنا "أمي التي أتت من بلاد يتيمة (50) ثم ينتقل إلى مستوى ثالث جمعي / نحن " أصابع الناظر كبيرة ومتشققة كبناء بيتنا الطيني , لو كانت أصابع عم بسطا الناعمة والرقيقة كيد طفل لعددنا (51)" وهكذا يستخدم الراوي ضمائر مختلفة ,مكنت السرد عند جلاء في هذه القصة من الإنتقال بسلاسة من مستوى لآخر, والعودة مرة أخرى لمستوى سابق , في يسر وعفوية , فجاء السرد في الملائكة لا يأتون أبدا, منتظما ومشحونا بالإيحاءات الحميمة ,التي ترافق عالم الأنوثة في تفتقاتها الأولى..
    وهي تمر بتجارب الإنتقال ينهض المذكر غامض الملامح مقابل المؤنث " وهي لا تستطيع أن تمتنع عن شراء الحلوى, ولكن تخاف قسوة يد بائعها – تحاول فك أطرافي الملتفة على سري الصغير فتفشل – بدأت في غسل ما فوق الركبة – أياد تمسك برجلي وأمرأة تملأ يديها برماد تلقيه على جسدي – يخطن أعضاءهن يخطنها في قلادة للقادم (52) .
    خاتمة: يثير نص جلاء عزت الطيري "الملائكة لا يأتون أبدا " قضية العادات والتقاليد التي تنشأ على أساسها الأنثى ,وتركز على مشكل ثقافي . من أهم مشاكل المرأة في كثير من المجتمعات العربية( في السودان – مصر , الخ ).= (قضايا المرأة في العالم الثالث عموما ترتبط بقضية التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية). والمشكل أو القضية, التي ركزت عليها جلاء هنا هي مشكلة الختان الفرعوني, إذ يمثل هذا الشرط – الختان – مدخلا لعالم الأنوثة المكتملة – ويؤدي وظيفة الحماية للذات – وهو شرط يربط الأنوثة بالألم , كما يمثل على المستوى الحقوقي ,الإهدار للذات الإنسانية للأنثى هذا الألم ,هو ما يدفع هذه الطفلة "بطلة القصة" للتمسك بعالمها الطفولي الخالي من العفاريت , والخوف من عالم الأنوثة الذي يبدو مروعا ومرعبا , بألمه الذي يرتبط أيضا في ذاكرة الطفلة, بألم مداعبة بائع الحلوى لنهديها الصغيرين, الناميين لتوهما. وألم حرمانها من عالمها الطفولي الذي ألفته – البراءة – وألم جرح الختان .
    جلاء قاصة مبدعة , ذات لغة شاعرية, لامست منطقة إنسانية مقصية ومنسية في الذاكرة الأنثوية, هي منطقة الطفولة. التي نجد التعبير عنها كتيمة أساسية في السرد العربي ,يكاد يكون غير مطروقا كثيرا, خاصة طفولة الأنثى ..
    يكشف هذا النص عن أمر آخر يميز كاتبته , هو النفس الطويل الذي لا يخلو من لذة الحكي الروائي والشاعري في آن ! .. فهذه القصة الجميلة هي منن القصص التي تستمد نفوذها في استفزازنا من كل السمات الايجابية التي اشرنا إليها : بعالمها الحلمي الرقيق والبريء المشحون بالدلالات والرموز . كما انطوت شعرية هذه القصة على القدرة على ملامسة تلك المناطق البعيدة والمظلمة عند تخوم التابو في عالم الأطفال والتجارب الحسية المبكرة وغير المدركة , التي تسقط كذكرى في نضوجنا .. تلك التجارب لاكتشاف الخطوط الفاصلة بين عالمين : الذكورة والأنوثة " الولد الذي تبتاع منه حلوى غزل البنات , هي لا تستطيع أن تمتنع من شراء الحلوى , ولكن تخاف قسوة يدي بائعها (53)" ..
                  

02-11-2011, 09:42 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (7) الاستراتيجية النصية في صحراء الأربعين لسلوى الحمامصي(مصر)

    من خلال راو متوار -jيقدم لنا من وراء الستار – بطلة قصة صحراء الأربعين , لسلوى الحمامصي (54) تتضافر اللحظة الزمنية , ولحظة المكان , لتقدمان معا عبر ذات واحدة , هي ذات الراوي – الذي يرصد تطور الزمن , بوساطة السرد ويضعه في مكانه , الذي يجري فيه – هذا الراوي الذي يقوم بتحويل لحظة الزمن والمكان والسرد إلى وصف , وفقا لآلية محددة تتمثل في هيمنة إحدى اللحظتين : الزمن – المكان . وطبيعة كل منهما في الخطاب السردي لصحراء الأربعين . بحيث نتمكن خلال ذلك من تحديد نوعية هذا الخطاب , الذي قدمته لنا سلوى الحمامصي عبر راويها المتواري , الذي ينقلنا بالسرد إلى عالم بطلة قصته , هذه القصة التي يرويها بدقة , راصدا الوقائع النفسية والإجتماعية التي تحيط بهذه البطلة . فما هي طبيعة خطاب صحراء الأربعين , كخطاب ينهض في بث التاريخ الذاتي لبطلة القصة ,والتحولات التي تمر بها . في محاولة الإجابة عن هذا السؤال , لابد لنا من البدء بمعالجة بنية النص (صحراء الأربعين) أولا , وذلك بتقطيع هذا النص إلى وحدات أساسية , تتمثل في : (أ) الأستاذة الجامعية (بطلة القصة ) تعاني من مخاوف العنوسة , والتي تحفز داخلها الانتظار . (ب) المجتمع يمارس عليها – بقصد أو بدون قصد – ضغوط كبيرة . (ج) تستجيب لهذه الضغوط بمقابلة مرشحين كثر للزواج منها , ولا تجدهم يناسبونها – أو لا يجدونها هم كذلك - (د) تحاول مقاومة المشاعر المعذبة للإحساس بالعنوسة , بالإنكباب والغرق في رسالتها العلمية , والأمل في لقاء فارس أحلامها المجهول ذات يوم . (ه) تلتقي فارس أحلامها , ومنذ أول لحظة تدرك أنه فارسها الوحيد . فيتضح لنا أن بطلة القصة , من خلال هواجس الانتظار الممض لفارس أحلامها . الذي ظلت تنتظره إلى أن شارفت على بلوغ سن الأربعين - بما لهذه السن من محتوى معرفي يتعلق ب"اليأس " على المستوى "الدلالي" – دون أن يظهر هذا الفارس , فتنطوي على المخاوف من مشاعر الأنوثة , هذه المشاعر التي تفتح النص (55)على رحلة حياة البطلة, المشحونة بالإختلاف والخلاف مع الواقع . يقدم لنا الراوي في هذه الرحلة بوحا أسيانا ,ينطوي على الحنين وشجن الإنتظار لفارس الأحلام المجهول , والتداعيات النفسية لهذا الإنتظار .. التداعيات التي تثيرها الأحداث والوقائع , التي تجري حول بطلة القصة ,في الواقع اليومي :" سمعت أمها تهمس لإحداهن : ليتها ما كانت دكتورة - تغمرها بدعواتها ونظرات الإعجاب : ذي القمر ! بالسلامة - تتذكر خاتمها الذهبي – كي لا يلحظ أحد الطلاب إنها ليست متزوجة – نظراتهن تحرقها , تثقب يديها الخاويتين إلا من خاتم مزيف – تتخابث عليها إحداهن: ربنا يعدلهالك يا دكتورة – تشعر بشعور عاجز مرير – أحاديث الزواج والطلاق المتكرر لزميلات, قليلات متزوجات منهن , حديث العريس الذي ذهب ولم يعد ,والخاطبة الجديدة , التي نجحت في تزويج إحدى قريباتهن – زفاف أصغر فتاة في العائلة , إبنة خالها - مهاتفة خاصة تعني مرشح جديد للزواج "عريس" , لا تذكر كم من عريس إلتقته – باتت تخشى من تلك المهاتفات وتتمناها – بعد المرشح الأخير أوصدت الباب جيدا أمام كل المهاتفات الخاصة . قالت : مش عاوزة أتجوز , إعتبروني تزوجت – هزّها الرحيل المفاجيء لأمها , صارت وحيدة حقا (56) " ..
    هذه الوقائع تشكل شبكة معقدة من الحصار النفسي و الضغوط ,تتخلل وتحيط عالم بطلة القصة , بحيث تتبدى كصورة مرعبة, ومروعة للخوف من العنوسة . وإذا اجتزأنا هذه الشبكة من عالم البطلة , وقمنا بتكبير مكوناتها من الضغوط النفسية والإجتماعية , بعد أن نحدث تغييرا محدودا , يخفي العالم الداخلي لبطلة القصة – وبطريقة تخفي صوت الراوي تماما – بحيث تروي هذه الجزئية – الضغوط – نفسها , بمعنى إخفاء الراوي المتكلم أو الفاعل ,والوضع الإجتماعي لبطل القصة – أستاذة جامعية- لديها تصور خاص للزواج ولفارس الأحلام , لا ترغب في أي تسوية أو تقديم أي نوع من التنازلات, تمس هذا التصور . إذا قمنا بإخفاء كل ذلك – الخطاب وبطله - (57) فماذا نرى في صحراء الأربعين ؟...
    نرى صحراء الأربعين ذاتها : العنوسة في عذابات وحدتها وظمأها ووحشتها ولوعتها , حيث يتلفت القلب بين آن وآخر, عله يرى صوّى ساري أو علامة من علامات الطريق ..أننا نتعرف لحظتها على طبيعة العنوسة في أفدح صورها : الجدب والإنتظار الظاميء والتمني والحلم ..بالتلاقي الإنساني .. إن النهاية السعيدة لبطلة القصة ,بلقاؤها أخيرا فارس أحلامها بعد كل سنوات إنتظارها ,والضغوط التي عاشتها , تمثل أحد القيم الأساسية التي تسفر عنها الإستراتيجية النصية لصحراء الأربعين :" أنا باستناك . أنا باستناك ,وليلي شمعة سهرانة في ليلة حب – تنصت إليها يوميا صباحا , وتتهيأ للذهاب إلى عملها ,متدثرة بأملها المثابر برجائها اليقيني , أنه سيأتي ذات يوم . تبحث عنه في كل الوجوه , لا يأتي . تنتظره في كل الأوقات لا يأتي , أمل عنيد وغد بعيد, وليل تمر بعده عشرات الليالي – حبيبي أنت فين أنت . متى يأتي ليخطف قلبها - يا ليل الوحدة متى غدك أقيام الساعة موعدك – توقفت منذ زمن من الإحتفال, بأعياد ميلادها بعد الخامسة والعشرين – لا تزال تنتظر فارسها على رصيف المحطة – مرايتي قولي لي يا مرايتي , حبيبي ما جاش ليه دلوقتي – تشعر به قربها . حولها تشعر أنه قريب – يا أجمل ليلة في عمري حبيبي جاي – لو أرادت الزواج فقط لكانت الآن أم لعشرة أبناء , لكنها أرادت شيئا آخر , أبعد من ذلك – تحتاج إليه , تدفن رأسها في صدره وتجهش بالبكاء , يصد عنها براثن الزمن, وألاعيب الحياة . الملاذ الوحيد كانت الرسالة العلمية , أخذت كل وقتها وقوتها (58) " ..
    هذه الحيرة التي تنطوي على الإحساس بالعجز والظنون والإستسلام بالإنكباب على العمل كضد للبيت . هذه المشاعر المتناقضة, التي ينهض فيها أمل يقيني , رافق سيرة حياة بطلة القصة ,بإصرارها العنيد على الإنتظار (باستناك) .. كل ذلك يحدد لنا الكيفية التي جرى بها رسم الاستراتيجية النصية لصحراء الأربعين . هذه الاستراتيجية, التي تتمخض عن لقاء بطلة القصة أخيرا بفارس أحلامها :" لولا إلحاح صديقتها لزيارتها ! خرجت بتثاقل متدثرة في ملابس الحداد (..) كان هناك جمعا في بيت الصديقة متجانسا , رغم جو المرح السائد وجدت نفسها بعيدة,تتحرج من عيون فضولية تلاحقها (..) مرت عدة أيام وكل شيء على رتابته (..) تذكرت أنها لمحت هذا الوجه في بيت صديقتها منذ أيام , لكنهما لم يتبادلا سوى التحية فقط (..) تحدث ولأول مرة يعقد لسانها . أخذت تنصت وتنصت . لم تدر بمن حولها في المكتب , وكأنها تعرفه جيدا , وكأنه يعرفها منذ زمن , وكأنهما إتفقا في كل شيء , وكان لا داع للكلام . لقد جاء . عرفته منذ أول كلمة نطق بها – استودعها للغد ,وقد عاودتها رومانسيتها الغائبة ,وترانيم الأغنية الحبيبة تعزف بداخلها ,وحولها أجمل الألحان (59)" ..
    إذن .. تتسم هذه صحراء الأربعين لسلوى الحمامصي, بنوع من السرد الإنسيابي , الذي لا نشعر إزاءه بتقليدية الشكل (بداية – ذروة – نهاية ) وتعاقبية الزمن بالضرورة . حيث تمثل العنوسة بنية مقومية مركزية , تتمفصل إلى شبكة من العلاقات الثنائية المتصارعة والمتضادة : ( العمل \ البيت – الرجل \ المراة – الزواج \ الطلاق – متزوجة \ عانس – صغيرة السن \ كبيرة السن ...) .. ولذلك تبدأ الحكاية بمشهد عفوي يصفه لنا الراوي :" إتكأت بمرفقيها على حافة النافذة , تتطلع من وراء الستار . تعبث بخصلات ليلها الحريري الأسود (والأسود هنا لفظة فائضة بسبب تكرار الدلالة : لا داع لها ؟!) تدندن : باستناك . أنا . أنا , باستناك (60)" .. تكشف العلاقات النصية حول فكرة صحراء الأربعين , أن العنوسة كوضعية يتحكم فيها عاملان : السن – عدم الزواج . لا يتوقف تغييرها كوضعية على عامل السن كشرط أساسي . بل على الزواج_ بمعنى إستقرار الوجدان والجسد - مهما كانت السن .. هنا يلعب الأمل اليقيني والصبر على الإنتظار ذاته , شرطا أساسيا للنهاية السعيدة . فالحضور القوي للأمل وتوطين النفس على الصبر, يشكل أحد أهم القيم الجمالية داخل الثقافة السائدة التي ينطلق هذا النص من أغوارها . كما أن الأسلوب الإسهابي في السرد, خلق نوعا من القواعد الخاصة بهذا النص , إذ تبعا لذلك رسم إستراتيجيته النصية الذاتية , التي تتمثل في الأمل اليقيني \ الصبر \النهاية السعيدة ...
                  

02-11-2011, 06:32 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (8) الراوي وانسيابية النص في "قبلة في فم أخرس" لحواء سعيد (السعودية)
    مقدمة : "قبلة في فم أخرس(61)" أحد أنواع السرد, التي تنطوي على أكثر مما تفصح عنه . فالسرد فيها , يغرق في صوت الأنا ..الذات المتمركزة حول مزيج من تشظيات المخاوف والهواجس والظنون . والراوي المتكلم في نسيج النص , هو ضمير جمعي أكثر مما هو مفرد .. ولهو تعبير عن العاهات النفسية للأصحاء ,أكثر مما هو تعبير عن ذوي الحاجات الخاصة, فعليا . فهو نص يكشف عن عافية ذوي الإحتياجات الخاصة, وعاهات الأصحاء!! . حتى ليكاد يحسدهم هؤلاء الأصحاء , على كل هذه القدرة على الحب التي يتمتعون بها , وكل هذا الصدق وهذه الإرادة .التي تنبعث كالضوء من صوت الراوي "بطلة القصة" , لتحرج الأصحاء , حتى ليكادوا يتوارون خلفها , ويصبح صوتهم جزء من صوت الراوي . فكيف نقرأ هذا النص الذي لم يترك لنا سوى مساحة ضيقة لإشتراع التأويل ,خروجا من لغة المعنى إلى لغة الدلالة ..
    في تقرير النص والخرس :
    بقدر ما تعيد هذه القراءة إنتاج النص "قبلة في فم أخرس" إنطلاقا من منطقة محددة في سياقه التعبيري , بقدر ما تنهض أيضا كقراءة في صوت الراوي (الأنا / المتكلم – بطلة القصة) والبناء النفسي لهذا الراوي, القابع خلف قيمة الحب والمخاوف . والدلالة العامة للخرس , بما يتسامى به من مجرد عجز عن الكلام, إلى موقف وجودي من الكلام كأصوات , ما يحفر في معنى اللغة ,مقترحا ما ينطوي عليه الصمت من إشارات كبديل .. أو ما يحيل للغة الحب كلغة باطنية , تستعيض عن الكلام بمنطقها الخاص .. صوت الأنا في "السرديات العربية" غالبا ما هو أكثر قدرة على التعبير ,عن تلك المناطق البعيدة في أغوار النفس , فهو صوت الشعر المنبعث من بين التلافيف أقصى حدود اللاوعي , وأعماق الذاكرة والوجدان , وهو صوت الذات بكل ما يعتمل فيها من أحاسيس ومشاعر .. فالأنا/الراوية هي صوت التمركز حول الذات الإنسانية .. صوت الراوي المتواري خلف قيمة الحب والمخاوف وهو يحكي- بطلة القصة- عن قضيته المطلوبة , بما تتمثل في الحب ومخاوف الإنجاب .. فحول هذه القضية يتمحور فعل القص , خلال نوع متميز من السرد الحديث , الذي يمكن أن نطلق عليه ahthorial-figurial narration حيث نلاحظ على بطلة القصة هنا (الراوي-narrator) في هذه التقنية الحكائية, إنحيازا للهيمنة على الفضاء السردي بوجوده "الراوي" الذي يحاول إخفاءه بتقمص وجهة نظر بطلة القصة . تحدد يمنى العيد أكثر من نمط للراوي في القص العربي , يهمنا هنا النمط الذي "يتميز بهيمنة موقع الراوي البطل , الذي يحكم منطق بنية القص : إن أصوات الشخصيات على تنوعها وإختلافها , ورغم الحوار والصراع تبقى في هذا النمط ,محكومة بموقع هذا الراوي القابع خلف شخصية أو خلف قضية - وتمضي يمنى العيد لتحديد علاقة الموقع المهيمن بالقص- فتقول"بالموقع المهيمن ينمو فعل القص , وبه يصل السياق إلى غايته . الراوي هنا منحاز إلى بطلة القصة أو الرمز (..) تتسم بنية هذا النمط بطابع التماسك والإنسجام .. تترابط على مستوى الحكاية في النص حلقات القص (62) والراوي هنا في "قبلة في فم أخرس" ضمير المتكلم الذي يتداعى عن مخاوف الذات, خلال سرد يتسم بإنسيابية وتماسك .. سرد متدرج في مستوى تعاقبي في زمنه الداخلي "زمن النص" .ما جعل إحداثيات النص ,والعلاقات النصية تتحرك بيسر في مختلف الأماكن (المقهى – الحافلة – المكتبة – الكلية – غرفة النوم - وصولا إلى غرفة الولادة ) بتكثيف معقول ,ودون ترهل في هذه الأماكن العديدة . لكن واجهت الراوي إحدى مشكلات البناء النفسي لشخصية البطلة , تتعلق المشكلة بعدم تحديد هذه الشخصية بصورة قاطعة , بإعتبارها من ذوي الإحتياجات الخاصة, أو لا . وهو أمر سنأتي إليه لاحقا .
    تسلط حواء سعيد من خلال الحركة النفسية في الأماكن المشار إليها , الضوء على المشاعر التي تتناهب الفتي (من ذوي الاحتياجات الخاصة) والفتاة (بطلة القصة)موضوع العلاقة .. إذ ترصد اللحظات الوامضة, التي نشأت فيها العلاقة بينهما ,وتكونت بكل ما ينهض فيها من أحاسيس ومشاعر نبيلة ,تربط بين إثنين , إبتداء من لحظة التجاهل الأولى "دائما ما تجاهلت نظراته , كان يتعمد الجلوس على المنضدة المقابلة , في مقهى الجامعة , يتعمد إختيار المقعد الأقرب لي . لم يكن نصيبه مني سوى التجاهل (63)" مرورا بالإختلاسات المتعمدة للقيا ومحاولات التعارف أكثر فأكثر , والصراع الذي يعرقل الإستجابة . هذا الصراع الإنساني الذي تذكيه الخيالات اللاهبة وأسئلة العلاقة الحميمة "كيف يكون طعم قبلة في فم أخرس ؟ كيف سيسمع نبضي . كيف أحببته حين وقعت عيني على إشراقته لأول مرة .. يا لسخافتي وهل للكلام علاقة بطعم القبلة ؟ كأنني أبرر لنفسي الوقوع في حبه . كيف سترضى عائلتي أن أحب وأرتبط بإنسان أصم (64)" وبتتويج هذه العلاقة بالزواج تزداد المخاوف أكثر فأكثر, من أن تثمر طفلا يكون هو الأخر من ذوي الإحتياجات الخاصة , فيبلغ الصراع النفسي هنا ذروته , بتنامي فعل القص إلى مدياته القصوى , ممهدا لنهاية مفتوحة بإحتمالاتها ,على فضاء التأويل .." هل آن لي أن أرى وليدي يشق بطانة قلبي صارخا .. أم سينسى صرخته في رحمي . لا يشفع لي .. لقلقي ..سوى البكاء ساعات طوال .. كنت أخشى على مشاعره لو رآني ابكي (65)" ..
    إذن تسلط حواء سعيد الضوء في هذا النص على شريحة اجتماعية محددة ,و تحاول الإنتصار على وضعيتها من ناحية تصنيفية (ذوي الاحتياجات ..) لتمارس الحياة مثل كل البشر الأصحاء , حيث تتمركز رؤيا النص حول سؤال الإرادة الإنسانية , التي تصنع الفعل الإنساني, موحية بأن العاهة لا تعوق ممارسة الحياة . خاصة إذا كان الحافز لهذه الإرادة هو الحب , هذا المنبع الأزلي لقيمة الإنسان , والمصدر الذي لا ينضب للقيم النبيلة . فمن هذه المنطقة . منطقة الحب يتنامى فعل القص, محاولا التغلب على المخاوف, والهواجس التي توحي بها وضعية الفتى (طرف العلاقة)فيصبح للحب ,في نص حواء سعيد طعم إنساني خاص ,يربط إرادة الحياة بالخصب والإنجاب وقهر الهواجس والمخاوف. يتسامى فعل القص بالعلاقة الإنسانية, إلى أقصى مدياتها , كعلاقة تخرج من تلافيف الخرس والصمت العام إلى الحياة الضاجة بالحيوية والتجدد من خلال الولادة , التي هي ولادة لهذا الحب من جديد ,وولادة لهذين الزوجين مرة أخرى , أكثر مما هي عملية إنجاب لثمرة علاقتهما الإنسانية النبيلة . التي مثل كل العلاقات تساميا ,تخرج من رحم الألم " في غرفة الولادة كان واقفا إلى جانبي, يمسح دموعي ويجفف عرقي المتصبب بشفتيه .. أحبه ..و أحبه الآن أكثر (66)" ..
    خاتمة : "قبلة في فم أخرس" تنطوي فيما يتعلق بالتقنية الخاصة بالبناء النفسي للشخصية , مشكلة واحدة ,تتمثل في عدم تحديد شخصية بطلة القصة تحديدا كاملا, فيما يتعلق بموضوع القصة (هل هي من ذوي الاحتياجات الخاصة أم لا ؟) ثمة إحتمال يشير إلى أنها من ذوي الإحتياجات أو المهتمين بذوي الإحتياجات الخاصة "وفي الكلية ندرس معا تربية لذوي الإ تكون من ذوي الاحتياجات . خاصة أن ثمة إحتمال يمضي بهذا الإتجاه, يوحي به حديثها لذاتها حتياجات الخاصة (67)" لكنه ليس إحتمالا مؤكدا, إذ ليس شرطا لهذا النوع من الدراسات أن فيما يشبه إنعكاس المرايا "كيف سترضى عائلتي أن أحب وأرتبط بشخص أصم (68)"..
    وهكذا نجد أنه ليس هناك تحديدا دقيقا ,حول هذه النقطة المركزية في علاقات النص ؟ عدم التحديد في مثل هذه الحالة ينعكس على البناء النفسي لهذه الشخصية , كشخصية محورية مهيمنة يتنامى بها فعل القص, ليحدث أثره العميق الذي نسميه بالصدق الفني . وهنا أنا لا أنحاز إلى أن تكون البطلة من ذوي الاحتياجات الخاصة أو العكس , فذاك غير مهم بالنسبة لي, لكن تحديده في النص ضروري, إذ يتعلق بعلاقات النص والدلالة . فلكل حالة دلالاتها المختلفة .
    نواصل-

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 02-11-2011, 11:24 PM)

                  

02-11-2011, 11:22 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (9) الزمكان / المكان .. السرد:

    نصوص لمنال حمد النيل أحمد الفحل عبد السلام (السودان)

    منال حمد النيل قاصة ذات ايقاع خاص . تفيض قصصها بعذوبة الأنثى . ولاتزيد بعض قصصها, عن أسطر قليلة , نلحظ فيها قدرة عالية على التكثيف , حتى لا نعد نميز, سوى أصداء لصوت بعيد , هو صوت الشخصية, التي تتحرك خلف هذه الأسطر ..فسرديات منال تقع في المنطقة الوسط, بين الشعر والنثر والقص , حيث تضج في هذه المنطقة بالغربة واللوعة , الناهضتين في عالم أشد إلتياعا وعذاب .. حيث لا راوي سوى الإيحاء الدال عليه .. هكذا , دون تحديد إجتماعي أو نفسي - أقصد هنا قصصها القصيرة - مجهول تماما , إلا من فيض المشاعر والأحاسيس , المحملة بالأسى والضعف, والتحدي كذلك ...
    نعتمد في هذه القراءة - إلى جانب قصصها المنشورة في دورية كتابات سودانية التي يصدرها مركز الدراسات السودانية -الخرطوم, ومجلة الثقافة الجديدةالتي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية - على قصص اخرى , قمنا باستخراجها من الشبكة الدولية للمعلومات * (69) .. حيث نلاحظ على قصصها القصيرة بصورة عامة, التحرر من الشكل الصارم للقصة القصيرة الذي تقابله في قصصها المطولة مثل" غربة " و" حبيبات مطر " بشكل الحكاية المفتوح, المتحرر من الحيل الفنية المألوفة , ومزج الشعر بالنثر , ونجدها بذلك قد مالت في كل من القصة القصيرة ,والقصيرة جدا إلى الغنائية, لتخلق إسلوبها الذي يميزها. إذا إتفقنا أن شكل التعبير ,هو ما يحدد نوع النص , لأن العرف الجمالي الذي يشاركه فيه , هو الذي يصوغ شخصيته , إلى الشكل الخارجي والشكل الداخلي - وهذا النوع هو ما وضعه( جان كوهين) بين طرفي الخط الواصل بين الشعر والنثر , بمعنى التفاوت في درجة شعريته كما ونوعا - تحديدا هنا , اعني قصصها القصيرة جدا - والذي هو موضوع الشعرية اليوم في السرد , اذ لم يعد موضوعها الشعر بشكله المعروف تقليديا , بل الأدب كله (70) ومن هنا يمكننا إستهلال هذه القراءة بقصصها القصيرة جدا , المنشورة ب ( كتابات سودانية - سبتمبر 2004 ).. (71) قصص قصيرة: في قصتها ( مدينة بوح ) نلمح أثرا لإثنين : فتى وفتاة . رجل وأمراة , قطعا .. إنسان وإنسانة .. في مكان ما .. زمان ما . يبوحان لبعضهما " إتفقا على تكوين مدينة للبوح خاصة بهما , لا يعبآا فيها بقوادم الأيام , يلحقا بها هناءتهما , متكررة الهروب (..) وليصبح الخليط المتكون في الكأس عصارة قلب وقلب(72)" .. وهكذا يحاولان أن ينسجا من بوحهما معنى لوجودهما : فقط هذا كل شيء .. لكنه كل شيء , حقا !..
    وفي قصتها ( تفاؤل ) نجدها تحكي عن أمرأة لكل العصور . ذات حضور طاغ في المواسم . ورجل متأفف متذمر . بسبب حياته التي وسمها الشقاء . يلتقيان وعندما يعرفها عميقا , يكتشف انها أكثر الناس ألما , على الرغم من تفاؤلها " تمتد منها شعاعات التفاؤل , دوافق لتشمل مجالسيها (73)" فيتغلب على أحاسيسه الرمادية .. لقد علمته معنى أن يبتسم ...
    وفي قصتها (هزيمة ) التي تنطلق من الحاضر, للتعبير عن فكرة ما فيه . تشمل المستقبل "(كنت) أعلم أنك ( ستكون ) هازمي أمام نفسي, وأمام كل شيء (74)" تتبدى الإستمرارية بفعل الهزيمة , ورغم هذه الإستمرارية, تقرر بطلة القصة عدم التراجع . فهزيمتها تتمثل في إنقيادها لقلبها. وعواطفها. وبإنحيازها لعقلها, تقرر خطا آخر في حياتها " لأنني أصر دائما أن أكون (أنا) قررت أن اطرح القلب شلوا . أن أدفنه لأدفن هزيمتي " ونلمح هنا التحدي الإنساني , في محاولة قهر ثرثرات القلب ..
    وفي قصتها (حب) نجد أنثى تتحدث عن أول شخص أحبته , وأجمل الأيام التي صنعها هذا الحب , بعد جدب طويل . لكنه لم يدرك مدى صدق هذا الحب الذي ربطهما , فتخلى عنها يخامره, ما يخامر الرجل الشرقي, من أحاسيس وأوهام تاريخية" ظن أن رجلا غيره حرث هذه الأرض , وهيأها للعطاء .. تخلى عنها (75) " .. تنهض هذه القصة, في العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة, في المجتمع الشرقي ..
    وفي قصتها ( إنحناءة ) نجد إمرأة اخرى, تحني رأسها للعاصفة ذات مرة . لكنها منذ تلك المرة, لم تحنه أبدا فقد إتخذت قامتها شكل الإنحناء . وهي قصة في السياق العام للقصص السابقة . إذ تمكنت فيها منال حمد النيل من تكثيف المعنى, بإختصار الألفاظ والدلالات الفائضة, إلى أقصى حد ممكن . لتعبر عن معنى التحدي " أحنت رأسها يوما تتقي شر عاصفة (..) كانت قامتها, قد إتخذت شكل الإنحناء, منذ تلك المرة (76)" ..
    وفي قصتها ( إمرأة لفكرة أخرى ) . نجد إمرأة .. محض إمرأة مقهورة , حد الوجع . حتى أن قهرها نفسه يلوذ .. فحاولت أن تحيا كإمرأة - رغم كونها إمرأة - بألا تحب . فالآخرين يرونها إمرأة , لكنها كالنعامة . لا ترى ذلك " قررت أن تخرج عنقها من الرمل (77) لكن ما ان أحبت , حتى " أصبح ضوءه نشازا في داخلها .. أنها قصة حرمان المرأة من الحب .. فهو ليس من(حقها) . فقد تم تقييده بترسانة الفكر الجبري, وسلطة العادات والتقاليد والعرف فالحب في مجتمعها قضية ليست ثمة من إستعداد للدفاع عنها !.. وعندما تنتزع هذا الحق ( حقها في أن تحب), تتصور أنه ربما يحدث لها مثل ما حدث لهذه المرأة. التي يضج في حقيبتها: ألف عام من الوجع " كانت قد أدركت, أنها أخطات رجلها الهلام (78)" ..
    وفي قصتها ( وحين أحبت ) نجد تلك العلاقة المعقدة, بين المرأة وذكور عائلتها الكبيرة .. المتسلطين على نساء العائلة . ما يجعل الشعور بالحاجة للقهر متأصلا فيها " وحين أحبت, تمنته قويا يخضعها لإرادته (79)" ..
    وفي قصتها ( كان هناك في وجوه المارة ) . نجد أنثى تكرّه المجتمع والناس , ولا تؤمن بالحب . لكن عندما أحبت. تغيرت مشاعرها تجاه كل ذلك " لم تعد ترى في المارة بشاعتهم , ليس لأنهم صححوا فكرتها القديمة , بل لأنها باتت تراه في وجوه المارة (80)" فالحب لخص لها كل الحياة في حالتها الشعورية - بحيث صارت ترى كل شيء, خلال هذه الحالة .. هذا الحب - غير نظرتها للعالم والناس والأشياء ...
    وفي قصتها (رحيل ) نجد إثنين , رجل وامرأة ربما .. " لم يكن يعني لها - منذ الوهلة الأولى - أكثر من كونه رجلا يضاف, إلي بقية معارفها من الرجال (81) .. وفي اللقاء الثاني تدرك أنه ليس رجلها المنشود " أنه رجل لا تكفيه إمرأة واحدة , من أولئك الرجال, الذين يردمون هوة فراغهم بكثير من النساء . بدأت تلملم أشياءها إستعدادا للرحيل (82)" فمن خلال لقائين فقط . أدركت( بغريزة الأنثى) , أنه ليس رجلها . رحيل هي قصة الغريزة الأنثوية, كأداة تحليل لجوهر فكرة الرجل عن المرأة ..
    ونلاحظ على القصص السابقة , التي وسمتها منال ب " قصص قصيرة جدا مع أنها ليست كذلك" .. أكبر قدر ممكن من الكثافة - كما أشرنا من قبل - التي تنطوي - فقط تنطوي - على صوت مقابل صوت - غالبا صوت ذكوري مقابل صوت أنثوي - أو هو صوت أنثى تتداعى في خيباتها أو إنتصاراتها , في وحدتها القاتلة - تسفر هذه الأصوات عن هاجس محدد ( هو هاجس الحب / الحياة ) .. ولا نلمح سوى هذه الاصوات, التي تبدو كأصداء متلاشية ..
    الأزمة العاطفية في الواقع الفعلي , لا تنفصل عن الأزمات الإجتماعية, بل هي تستمد تأزمها من: الإجتماعي الثقافي والنفسي والإقتصادي , إلخ .. كل ذلك عبر أصداء بعيدة, حتى لتبدو متلاشية عند مصدر الصوت الأصلي , لدرجة أننا لا نميز ملامح محددة ( في بناء الشخصية).. فشخصيات منال في هذه القصص , هم مجردون من كل شيء _ إلا من دفقات مشاعرهم الدافئة أو الأسيانة - حتى الأسماء ...
    القصة عند منال حالة تعبير عن إنسان , كل ما يملكه ويميزه هو كونه إنسان . هكذا دون حاجة لإسم أو لقب أو وضع إنساني...
    وفي قصتها ( قبلك .. كان ) تعبر منال عن لحظة انسانية مكثفة الحزن واللوعة , بمثابة القانون الذي يحكم حياة أنثى لوقت طويل . قبل أن تلتقي بمن تحب , فتتغير حياتها " تسكن العتمة أرجاء روحي , كما الليلة . تحاصرني الوحشة من كل حدب وصوب . لم أستطع فكاكا من سجن شعوري الحلزوني , رغم محاولاتي الجادة " وتجاهد هذه الأنثى المحزونة ,في التحرر من العوامل , التي أدت بها إلى هذا الإحساس الفاجع بحياتها . فلا تجد ملاذا يحررها سوى البكاء .. سوى الضعف الإنساني , الذي يعبر - أيضا عن منتهى قوة الإنسان - منتهى قوتنا "أبكي .. أبكي , ايتها المرأة الأكذوبة . إبكي أيتها المرأة اللاموجودة (..) هيا مارسي إنهيارك . إحترمي ضعفك (..) وفي الصباح لا أرى في الضؤ غير كائن متطفل . يدخل عيني . دون إستئذان . أرى بقاياي مكوّمة على السرير , فأجرجر جسدي لأبدأ يومي . قبلك هكذا كانت أيامي (*)" ...
    ما سبق بمثابة المدخل لعالم القاصة السودانية منال حمد النيل .. المدخل لقراءة قصتيها (غربة) و(حبيبات مطر) ,حيث تخطر على أذهاننا هنا بعض المفاهيم المنهجية, التي تتعلق بالسرد , الذي يمكن تمييزه - السرد - بين نمطين : سرد موضوعي وسرد ذاتي . ففي نظام السرد الموضوعي, يكون الكاتب مطلعا على كل شيء . حتى الأفكار السرِّية للأبطال . أما في نظام السرد الذاتي, فأننا نتتبع الحكي من خلال عيني الراوي او ( طرف مستمع ) متوفرين على تفسير كل خبر : متى وكيف عرفه الراوي أو المستمع نفسه ؟
    ففي الحالة الأولى (السرد الموضوعي ) يكون الكاتب مقابلا للراوي "المحايد" الذي لا يتدخل ليفسر الأحداث, وإنما يصفها وصفا محايدا كما يراها, أو كما يستنبطها في أذهان الأبطال . ولذلك يسمى هذا السرد موضوعيا . لأنه يترك الحرِّية للقاريء, ليفسر ما يُحكى له ويؤوله (83).. وفي الحالة الثانية لا تُقدم الأحداث, إلا من زاوية نظر الراوي , فهو يخبر بها ويعطيها تأويلا معينا , يفرضه على القاريء , ويدعوه إلى الإعتقاد به .. والحالة الثانية هى التى نحن معنيون بها في( غربة) و(حبيبات مطر) لأن منال في قصصها المطولة تلجأ للسرد الذاتي ...
    غربة :
    في غربة يحدد الراوي بصوت- ضمير الغائب- إبتداء: الزمان والمكان "غرفتها في تلك البلاد التي أغتربت إليها " " تشير الساعة إلى الواحدة بعد منتصف النهار من ظهيرة الثلاثاء (..) منذ قدمت إلى هذه البلاد , التي تشبه الحياة فيها الوقوف على قنبلة مضغوطة (..) كثيرا ما تصبح أكثر غربة من الطير في بلادك , حين توصد فيها الأبواب ".. وهكذا يأخذ المكان بعدا جغرافيا نفسيا معقدا - غربة - فالإحساس به ليس مجرد إسقاط للغربة فحسب , بل هو علاقة بطلة القصة بذاتها المشروخة أيضا - أبناء وطنها في المهجر - ذاتها التي تتمثل في أبناء وطنها والذين وجدتهم ليسوا ( ذاتا ) بل (آخرا) .. وهي محض (موضوع ) للمساءلات الأخلاقية لهذا ( الآخر ) الذي لا يريد أن ينظر إليها ك(ذات) مثله . .
    من جهة أخرى هي (ذات ) بالنسبة ل(الآخر ) الغريب عنها , في هذه البلاد - الآخر بمعنى الساكن الأصلي لهذه البلاد - وبين هذا الآخر وذاك , ( في مكان آخر ليس وطنها ) ينفجر الصراع وتجري أحداث القصة القصيرة (غربة ) فهي قصة عن الذات أو الآخر بما هو نقيضي, وشرط وجودي أو العكس . فقد يكون الآخر شريكا أو غريبا . وقد يكون صديقا أو عدوا . وهذه الثنائية قد تخفت حدتها أو تزداد , وقد تبدو ظاهرة للعيان, أو قد تكمن فتبدو خافية, غير مرئية أو محسوسة . تبعا لعوامل كثيرة: داخلية وخارجية.. وتبعا لشروط إجتماعية وتاريخية متعددة (84)" ..
    والقصة غربة , تهيمن عليها في هذا السياق ,أجواء ومناخات الغربة –قدر كتابنا المهاجرين - منذ الإستهلال وحتى الخاتمة . فبطلة القصة تصحو من نومها, على سريرها في غرفتها ذات يوم , وتبدأ في إسترجاع تجربتها المريرة, بهذه البلاد الغريبة عنها .. حيث تشاركها هذه الغرفة, إستشعار الغربة بصورة أكثر حدة . بل تعمق فيها هذا الإحساس بالغربة.. بفوضى أشياءها الأنثوية المبعثرة في كل مكان , وبالفوضى التي عبر عنها شعرها الغاضب, والأغنية المنبعثة من الريكوردر .. كل شيء رمادي وكئيب, وينطوي على غضب مكبوت !!.. تركت بطلة القصة بلادها, بعد أن أوصدت في وجهها كل أبواب العمل , وجاءت (مغتربة) لتعمل (جليسة أطفال) , حتى تستطيع سداد فواتير إيجار منزل أسرتها, حتى لا يتعرضوا للضرب مثل مرات راسخة في الذاكرة , وحتى تستطيع سداد فواتير الحياة الكريمة .. ولكن بني جلدتها (الآخر ) العاملين في هذه الغربة , يستنكرون عليها الخروج للعمل خارج بلادها ( وطنهم –الأسير تحت وطء الثقافة السائدة,التي لا تسمح للمرأة بمغادرة بلادها دون محرم) ويشككون في أخلاقها , بل وينفون إنتمائها لبلادهم التي يكوّنون عنها - بلادهم - صورة مثالية –غير واقعية أو حقيقية – صورة لا توجد سوى في أذهانهم كنوع من التعويض النفسي المرضي , لمجابهة قصورهم الأخلاقي - كما حددته الثقافة التي ينتمون إليها بمعناها الشمولي " يغلِّظون الإيمان ويحلفون الطلاق , ويراهنون على جنسيتها في تبرؤ واضح , وينسبونها الى أقطار أخرى , فتزداد غربتها ..
    وتبدأ في الكشف عن عوامل إغترابها " أما غربة طفولتها فهي وعيها المبكر , بمعنى الحرمان. وأما غربة مراهقتها , فهي الإحساس بمدى الفجوة, والتفريق في المعاملة بينها وبين نديدها الذكر , وأما غربة شبابها فهي الإصطدام بأرض مليئة بالوعورة والأشواك (..) فتقرر السفر " لمواجهة إحتياجات الحياة المعيشية لأسرتها, ولمواجهة إحتياجاتها كذلك . بعد أن فشلت في إيجاد عمل ببلادها ,على الرغم من أنها خريجة جامعية من إحدى الكليات الحديثة في تخصص عملي مرغوب . " تذكرت معاينات العمل التعجيزية التي دخلتها , يوم طلب منها تلاوة (سورة النور ) للحصول على وظيفة مدنية (..) صورة صديقتها ورفيقة طفولتها دامعة . تحكي لها كيف أن مسئول عرض عليها الحصول على وظيفة, لقاء تغوله على جسدها (..) كانت قد حادثتها منذ يومين فقط, لتطمئن على حالها .. علمت أنها لم تتوظف بعد . رغم أنه مر على تخرجها ستة سنوات(*) .".. وتستمر بطلة القصة بتعابير ملؤها الأسى واللوعة, في إسترجاع محطات فارقة في حياتها , وهي تحادث نفسها , أو تحادث صورة والدها المتوفي, منذ أكثر من عشرين عاما . وكيف أنها تلجأ إلى الصمت في الواقع , كسلاح.. تتحدى بهذا الإسترجاع بؤس حياتها . تعوض في أحاديثها مع نفسها , ومع صورة والدها .. أنها قصة الغربة والوحدة - كذلك - مثلما هي قصة الذات / الآخر - الغربة والوحدة, اللتين تعيشهما هذه الفتاة, بمواجهة الآخر الغريب, في البلاد الغريبة والآخر الرجل . والآخر ( ذاتها المتشظية ) وهي قصة تسعى بحق, لفتح الحوار واسعا بين ( الذات) و( الآخر ) بغرض الكشف عمن يكون هو الآخر ,وعمن تكون هي الذات؟!! وكيفية تشكلهما وأسباب ذلك .. مع ملاحظة أن الإطار الموحد, من الفكر والسلوك والثقافة الموروثة , كل ذلك بمثابة الشرط لإنتاج المفاهيم المتعلقة بالذات والآخر . وهو الشرط الذي إنطلق منه بني جلدتها في الحكم عليها, والتبرؤ منها ونسبتها إلى أقطار أخرى !! .. كيف كانوا يرون انفسهم؟! . ذاك هو السؤال الذي يعري جهاز القيم في الثقافة الجبرية السائدة !.. فعلى أساس الإجابة, نظروا إليها. وهم يرونها بطريقة معينة , تحدد هويتها في نظرهم. وتميز هويتهم - ثقافتهم المتعالية - عنها !! .. فمن خلال الإنعكاس المفترض, لهاتين الهويتين , يتفجر الصراع داخل هذا النص - النص يطرح أيضا السؤال حول: العوامل التي أدت في الأصل إلى إغتراب الناس أو هجرتهم .. للحصول على فرصة للحياة, يفتقرون إليها في بلدانهم ! ففي هذا السياق تجري الأحداث " إن الخبرات المشتركة , التي يحصلها الإنسان –الفرد- ومن ثم الجماعة. تكوّن في النهاية بنية تصوغ رؤية الإنسان لنفسه, والجماعة لذاتها , وللكون والحاجات والعلاقات الإنسانية من ناحية . كما تشكل أيضا - في الوقت ذاته - مرجعا للتفسير ودليلا للسلوك , وإطارا للإنتماء . بمعنى أنها هي التي تكون وعيا إجتماعيا ثقافيا ديناميا , ويمكن تسميته مجازا بعقل الجماعة (85)"..
    حبيبات مطر : القص كظاهرة أدبية يتميز بنوع من التعقيد , يأتي من تعدد مستويات التوصيل . التي أحدها تفويض القاص لراوي تخييلي, يأخذ على عاتقه عملية القص ويتوجه إلى مستمع تخييلي أيضا, يقابله في هذا العالم . فالقاص يتقمص شخصية تخييلية . تتولى عملية القص . وسميت هذه الشخصية " الأنا الثانية للكاتب " . وقد يكون هذا الراوي غير ظاهر في النص القصصي, وقد يكون شخصية من شخصيات القصة . ودراسة مظاهر حضور الراوي, تعني إقتفاء أثر صوت الراوي داخل الحكي(86)"
    وللتطبيق العملي لهذه المفاهيم على القصة( حبيبات مطر) . نجد أنها تبدأ بضمير المتكلم , الذي يتخذ منه الراوي وسيلة لتعبيره في المضارع المستمر " ( أراقب) حبيبات المطر المتكورة علي زجاج نافذه السيارة ,وهي تنزلق بسرعة ... في طريقها إلي أسفل النافذة.. ثم تقف فجأة بطريقه لا تتناسب وسرعتها الأولي...وكأنها تتردد في الإنزلاق منتحرة ...لتمتصها الحافة السوداء(*) ".. فنلمح نوعا من الضجر يدفع راوية القصة لفعل المراقبة .. و مسترجعة لأفعال أخرى قامت بها هذا الصباح , بالغوص عميقا في ذاكرتها تحلم بحبيب غائب .. "حين وقفت أمام المرآة عارية إلا من إمتلائي بك...أتفقد نعومتي وإلتفافاتي - كما لم أفعل قط - وكأني أخشي أن تكون البلادة والتجمد ,اللتان تحيطان بي ههنا قد إلتهمتا منهما شيئا...وهرعت أتغطي - قبل أن أتأكد - حين ألتقت عيناي بعينيك... فقد كانت صورتك قبالتي بالتسريحة...فأدرتها علي ظهرها هل تغار؟! (*) ..
    و هكذا يمضى الراوي - الأنثى - مستعيدا إلتياعاته, في هذا البعد المضن عن الحبيب البعيد .. ليس لها سوى الوحدة ,وصورته التي تمثل عالمها . كل عالمها فتحادث هذه الصورة , ويمضي الحوار بينهما (الراوي - الصورة).. ليكشف عن عالم هذه الأنثى الحلمي اللذيذ , بجرأة وترقب "أنت الرجل الذى يترك فى فمى طعمين : هزيمة ونصر .. ويحىّ فىّ كل ضعفى .. يوقظ فى إمرأة غجرية.. تقدم من أدغال ذات طقوس إستوائية ..إمرأة لم أعهدها فىّ قبلا .. أو بالأحرى ما أفرجت عنها قط ,كما تحرضها أنت الآن فتية ويانعة.. تملى علىّ نضج حاجاتها .. إمرأة تترنح زهوا .. يعج فى أعطافها , جنون قبيلة من النساء (*)" ثم لا تلبث أن تخرج من عالمها الحلمي اللذيذ ,إلى عالم اللحظة الحاضرة, التي انطلق منها السرد في إستهلال القصة "..أراقب حبيبات المطر المتكورة, على زجاج نافذة السيارة , المتردد فى الإنتحار عند الحافة السوداء..وأخرج من تأملاتى على صوت مكتوم جراء كبح جماح الإطارات ..وكأنه يذكرنى بضرورة ممارستي لهواية كبح مشاعرى (*)" لتتبدى لنا شيئا فشيئا خلفية هذه الأنثى التي تعوض في إستدعائها لطيف الحبيب الغائب ,ومناجاتها لصورته.. وحدتها وحرمانها في الواقع.. إلى أن تنتزع بصوت "أيقظنى للمرة الثانية صوت زميلتى ,تؤكد لى أنا قد وصلنا ..ألقيت نظرة أخيرة على حبيبات المطر المتكورة على زجاج نافذة السيارة, والمترددة فى الإنتحار على الحافة السوداء ..وكأننى إرتبطت بها لإمتزاجها بأفكارى (*) " ..
    إرتباط تداع هذه الأنثى بتداع حبيبات المطر ,على نافذة السيارة التي تقلها هي وزميلتها, يشكلان هنا - حبيبات المطر وحالتها الشعورية - رمزية الخصب بدلالة المطر والشوق , وبدلالة إستدعاء هذا الحبيب الغائب , ومناجاة الذات في حوار مشحون بالظمأ والإشتياق . ومحاولة التحرر من كبح . الذات " ترجلت ..ورغم أنى أرتدى فستانا أنثويا بسيطا , معرّى الصدر , والجو بارد نسبيا , إلا أننى , تمنيت أن تلامس زخات المطر , جسدى .. عله يخفف من زخم مشاعرى ويغسل غربتى ووحشتى(*)" وهكذا تعود مرة أخرى للغوص في داخلها ومناجاة حبيبها وذاتها " وأنت ؟.. أنت .. طفلى الأروع.. طفلي الرجل.. الذى يعيد إلىّ الدماء ,ويشعل ساحاتى أملا ووعدا , غنى الإخضرار(..).. وأشعر بشوق دافق لأن ألامس تلك الحبيبات كطفلة .. تنتابنى أحاسيس شتى , أوضحها حلمى بك , وإفتقادي لك .
    علمت دوما أنى أمتلك ينابيع مشاعر .. عاطفة دافقة .. إختزنتها لرجل إحتل روحى منذ ملايين السنين .. يفترسنى بحب إلتهامى الطبع و النزعة , جعل رضاي وإنسجامى مستحيلا .. كلما أطل فى الأفق طارح غرام.. فرغم عدم وضوح معالمه وملامحه داخلى , إلا أننى شعرت به دوما , كلما أقتربت من شفافيتى ورهافتى ..
    وأتوغل أنا بعدا , كلما ولجت عتمة حزنى ومادية تفاصيلى ..إلا أنه كان دوما هناك ..يرقبنى , ويسكننى ..رجل لم ألتقه قط ..ولم أنتظر هبوطه هكذا على حين غرّة , ودون سابق انذار(*)" وهكذا تستمر هذه القصة, التي هي مزيج من لغة الشعر والقص , مستخدمة تقنية إنعكاس المرايا, لبث تجربتها الذاتية في إنتظار هذا الرجل الذي يملأ كيانها ,ويشعل فيها الحرائق والجنون ..
    إذن هناك حالتان إما أن يكون الراوي خارجا عن نطاق الحكي . أو أن يكون شخصية حكائية موجودة داخل الحكي , فهو راو ممثل داخل الحكي . وهذا التمثيل له مستويات ( فأما أن يكون الراوي مجرد شاهد متتبع لمسار الحكي . ينتقل عبر الأمكنة ولكنه مع ذلك لا يشارك في الأحداث . وأما أن يكون شخصية رئيسية في القصة (87) كما هو الحال عند راوي منال في غربة وحبيبات مطر .
    نواصل-
                  

02-12-2011, 05:20 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (10) الذات وآخرها في "على حافة الليل" لدريسي مولاي عبد الرحمن/المغرب
    الكتابة السردية لدريسي مولاي عبد الرحمن ذات مذاق خاص , في تجلياتها عن قلقها وتوترها , إذ تستدعي كيمياء الحلول ,التي تفضح "الليل" فتكشف عن هرمونيته المختبئة ,وتفاعلاتها مع الهرمونات الأخرى, لتشكل المعبر إلى الجانب الآخر من الهاوية "فتمضي بعيدا لتعانق إشراق الصباح(88)" , حيث تتبلور كل الآفاق المحتملة, لإمكانية العبور من هذه الهاوية ,إلى أفق جمالي يحتمل تشظيات الراوي المختبيء خلف ضمير " الهو ". وإحالات هذا الضمير في البناء النصي لتيمة "القرين" تساءل مع ذاته : هل أنا أحلم؟(89)" منشئا المعادل الموضوعي لآخر الذات . الذي في الحقيقة ما هو إلا ذات منقسمة على معاناتها الفكرية , وعذابات أخيلتها وتوجداتها ومواجدها , التي ينهض فيها الليل, لا كعلامة عابرة, كصوّى الساري .الذي يدل قافلة الذات في تيهها الوجودي , بل كتيمة إستراتيجية ل"على حافة الليل" بمدلولات الليل كلها, وإحالاته الرمزية كلها .. تلك الإحالات العميقة التي تضرب أطنابها في غربة الذات والوطن .. على حافة الليل تشتغل على فضاء نصي / نفسي معقد, إقتضى كثافة الترميز ,التي لجأ إليها دريسي مولاي, للتصدي لمشكل القهر في تمظهراته المختلفة .. عبر تبني شكل قصصي مختلف. بقدر تقاطعه مع الأشكال المألوفة للقصة القصيرة , بقدر مفارقته لها وموازاتها , ليمتزج هذا الشكل في المضمون, الذي نهضت فيه ذات الراوي كذات مستقلة, تدرك ماهيتها وحاجاتها ورغبتها العارمة في التحرر .. التحرر, ليس بما هو تجلي عن تحرر الذات كموضوع لمضمون النص "على حافة الليل" فحسب, بل أيضا كتجلي لتحرير البناء القصصي من شروطه المعروفة والراسخة ..
    هذا المقترح التجريبي في البناء والمضمون, ينهض على قاعدة جدوى التجريب, في معركة البحث عن الذات وتحقيق الحرية والعدالة والوجود المستقل , وهو خط شروع يضاف إلى ما سبق من تجاريب ,فتحت المجال واسعا لآفاق جمالية وإجتماعية متجددة .. ينفتح النص "على حافة الليل" بكل تساؤلات راويه, على أغوار ذات الراوي ,وهي تتهاوى تحت النيران المشتعلة في أشجار الاسئلة , فتحاول تجميع رمادها وشظايا أغصانها وأوراقها "الناجية " – بين قوسين - لتقول قولا يسهم في صياغة المعنى الإجتماعي العام , الذي بلورته ذات الفرد المهجس ,على عتبات الهاوية وثقوب الليل الخفية!! ..
    حيث لا متكأ سوى ظل يتيم لراوي حائر, يعذبه إستيهامي فاعل كآخر لذات متشظية "تساءل مع ذاته :هل أنا أحلم ؟ لا أظن..إن ما يقع الآن يدخل في واقعي .. وما يدخل في واقعي فهو حقيقي..وحقيقتي الآن هي أنني واقع في شراك الوهم (90)"..ذات تحاور متخيلها /الحبيب الحاضر الغائب تلتمس فيه تماسكها"أراك دوما سادرا في غفلتك ,خارجا عن نطاق الزمكان,تائها في مغامرات لا تعرف مغزى .قل لي يا حبيبي ما بك؟(..)هوِّن عليك أيها البائس..أخالك تحب الأحلام وتؤمن بكل الأساطير والأوهام (91)" ..
    إذن تنشغل على حافة الليل بالمأزق الوجودي للفرد (الراوي) المعزول في فضاء طاحن , كصوت مفرد ومهمش, يعاني أسئلة الوجود المحيرة وحده !..
    "على حافة الليل" عملت على تفجير بنية السرد المألوف, بإنشاءها لبناء خاص إنشغل بالكلي – الفكري و النفسي , لكن تحايلا على التفصيلي في المدارس "المطيعة" بإستعارة أدوات التعبير المتنوعة, في تشييد البنية المتمردة الخاصة بهذا النص ك : الشعرية "راحت رائحة الموت تسكن أنفه بحدة لا تطاق .. أشرع نافذته على نجمة عالقة في سماء ذاكرته الداكنة .. تلألأت عبر فضائه ورياحه الكونية العاصفة .. تنسم هبة نسيم صبح ندية لامست حلكة روحه ,فأنبعثت في قلبه كل الأسرار وغمغمت في جسده نداءات الاقدار(92)" ..
    وكالمنلوج "هذه الليلة .وكل تلك الليالي كانت تناديه بهيبتها الموحشة, أن يسير خلفها إلى حوافي الأرض المقفرة ,لترميه فجأة أسيرا,أعزلا في فجواتها المضيقة وتطمره بكل حلكتها(93)..." والمراوغة "الحقيقة بصفائها ,بنقائها,بكل تجلياتها الإنسانية والمشكلة الأساسية في الحقيقة ليست هنا(94)"..
    وطرح الأسئلة الحارقة "ساد صمت رهيب أحس خلاله بوطأة الأسئلة الكبرى, المنهارةعليه وكأنها أحجارا " ,إلى آخره من أدوات تعبير معروفة تعالج قضايا التغيير ..
    " على حافة الليل " لدريسي مولاي عبد الرحمن, بمثابة الإطلالة الجمالية الراصدة لعالم ذهني يتهاوى ,في فضاء البنية الخاصة للنص, بتكويناتها وهيكلها المشيد بوقائع نفسية ورموز معنوية أبرزها الليل كصنو للقرين /الآخر ..
    هذه القصة تستقطب في فضاءها النصي مكانين (أ) مكان معنوي هو الذات التي تم تأثيثها بأسئلة الراوي وتشظياته, وكل ما يدور في فضائها من وقائع وأحداث(.حوار داخلي أقرب إلى منلوج (..)إلتفت إلى جميع الجهات ليبحث عن ذلك الصوت, الذي يتربص به(..)وقف مشدوها أمام ظلمته . تحسس وجهه المفزوع في ظلمة غرفته(95). ومكان (ب) مادي هو غرفته(كم تمنى أن يغدو وجبة,جيفة تنهشها الكواسر,لتلقي به بعد إنتهاء حفلتها ,من تلك النافذة, التي تتلاعب بأضواء العمود الكهربائي في الخارج,خالقة لديه نوعا من الهذيان الطيفي داخل غرفته(96) حيث يتفاعل المكانان مع نفسية الراوي المختبيء خلف ضمير الغائب (هكذا ينام وهكذا يستفيق على وقع مغزاها(97) ..
    وحيث تتشخص شخصية الراوي هنا ,كشخصية منغلقة على أجواء معتمة تفتح, رماديتها خارج النص في إتصال وتواصل مع الواقع الإجتماعي (رأى فجر الصباح يكتسح جنح الظلام بخلسة بطولية .تحرك من مكانه ليدفيء ساقيه المتجمدتين من كمد الرهبة الداخلية ,في غرفة شبيهة بالزنزانة(98) هذا الواقع الإجتماعي الذي أغرقه النص, في رمزيات تراوغ التحدي السافر للتابوهات , بما يعطي الوحدات النصية قدرة إنفلات مغامرة , لكنها سلسة ومخاتلة في جرأتها على تحليل الواقع الإجتماعي, دون صدامات حتمية , لكأنها تتبنى الإزاحة والإحلال في مراوغاتها الماكرة, المسكونة بالهاجس الأزلي للسرد : هدم العالم وتشييد عالما بديلا على أنقاضه (فعندما لا يستطيع الإنسان أن ينعم بقسط ضئيل من الراحة الداخلية , فالأجدى به أن ينتحر في بواطن تناقضاته ويتلاشى في إلتواءات دروبه الماحلة,ليبحث هناك عن طلقات رصاص تدوي في أعماقه(99)" ..
    على حافة الليل نص يؤكد على نصوص سابقة ,أطاحت بمفهوم الشخصية الراسخ في السرد , بتماهي هوية شخصية بطل القصة "المروي عنه" .. هوية ذاته الإنسانية في الموقف الفردي,من ما يحيط بهذه الهوية ويبددها . وكأغلب النصوص التجريبية, يأتي التركيز على الفرد بغرض فضح حاجاته المادية والروحية -"كفرد" – كمضمون إستراتيجي للنص , خلال توظيف تجديدي للمفاهيم التقليدية للقصة القصيرة, بما هي أفق جمالي مفتوح على المغامرة بأشكالها المختلفة .. لينفتح النص / الإنسان بكل أحزانه على أغوار الذات الإنسانية وهي تتهاوى تحت ضربات وحصار العالم المحيط , ومع ذلك تحاول تجميع شتاتها وشظاياها المتناثرة, لتقول قولا مفيدا ! ...
    تأثثت على حافة الليل ضمن أثاثاتها العديدة, بالرائحة كأثاث مهم في الفضاء النصي الكافكاوي النزعة ,لتعادل نزعته السوداوية ,بفتح معابر في سياق صراع الذات وآخرها "( كم تمنى أن يغدو وجبة , جيفة تنهشها الكواسر , لتلقي به بعد إنتهاء حفلتها من تلك النافذة, التي تتلاعب بأضواء العمود الكهربائي في الخارج , خالقة لديه نوعا من الهذيان الطيفي داخل غرفته(..) ورائحة أشبه برائحة الكبريت تنفذ إلى جوفه (..) أما هي فتمضي بعيدا لتعانق إشراق الصباح(100) " بكل ما يعتمل داخل هذا الفضاء الكافكاوي من تمزق نفسي, يضرب بجذوره في الغيبي والتحدي المادي مكابر " أنه الغم الميتافيزيقي يهيم على روحه , مقتنعا بقواه الواهنة على أنها تستطيع أن تضع بعض الترتيب ,على فوضى عارمة تهز عوالمه (101)" .. ليجابه هذا الحدي ذاته , خلال تداعي المروي عنه بضمير الأنا ,كمستوى آخر في لغة السرد :"أنا الكائن نفسه ... ملامحي هي ذاتها .. قامتي هي عينها (102)
    نواصل -
                  

02-14-2011, 07:46 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (11) مواقع الشخوص في البناء النصّي والرمز والأبعاد الجمالية والمعرفية في "الراية الحمراء" لإيمان الدرع/سوريا
    (1-3) :أول ما يلفت الإنتباه في الراية الحمراء, للمبدعة إيمان الدرع هو تعدد الأصوات الحوارية : (العمة/الطفلة/ العروس/الأم/الأب/والدة العريس),هذا التعدد في الأصوات أكسب النص ثراء تحليليا ونفسيا كبيرا, في إستعراض المواقف المختلفة..
    كما حفل النص بعدد من الرموز التي تعرِّي الذكر, تعرِّية عميقة في ربطه بسؤال السلطة .. وفي الواقع ما حفزني أكثرعلى "المحاولة" لقراءة هذا النص أيضا ,هو قدرته العالية على الإنسياب وتوحد الشعري في السردي .. إلى جانب ما ظننته حول شخوصه العديدين , كشخوص تتحكم فيهم جميعا, إكراهات الثقافة الإجتماعية السائدة. خاصة أن هذه القصة تنهض في مضمون إجتماعي مؤرق بالدرجة الأولى. تتبدى فيه المرأة والرجل ,معا .. كمفارقة كبيرة بين سلطة الجسد وطبيعة الأفكار ,التي تشد النوع في الصراع الإجتماعي ..
    ومن هنا سأحاول رصد الأبعاد الجمالية والمعرفية والرمزية "للراية الحمراء" للقاصة المبدعة إيمان الدرع ..
    إيمان الدرع قاصة ذات رنين خاص ,تمكنت في هذه القصة"الراية الحمراء" من إستكناه الطبقات القصوى للوعي واللاوعي الإجتماعي ,المتماهيان أقصى حدود المناطق المظلمة, في طبقات المجتمع .. فالراية الحمراء كرمز لإعلان الحرب, والرغبة في الإنتصار. توظف كمعادل لواحدة من العادات الضارة ,في الثقافة الشرقية التقليدية ,فتستحيل إلى دليل على شرف المرأة,خلال تيمة إزالة العذرية في"ليلة الدخلة".. وهذه التيمة أو موضوع القهر الإجتماعي للمرأة بصورة عامة, تم تناولها في العديد من الأعمال الفنية,التي أنشغلت بمناقشة "الإغتصاب المشروع" والمقنن بواسطة آليات القهر الإجتماعي والنفسي ,التي تستمد سطوتها من العادات والتقاليد والأعراف ..
    لكن رغم كثافة تناولها من قبل مبدعين من الجنسين, إلا أنها تظل فضاء رحبا, ومنبعا خصبا لتصورات لا تنفد, لأنها تأخذ جدوى إستمرارية نقاشها, من كون أن القضايا التي تشد المجتمع للخلف, لا تزال ماثلة دون أن تعالج بشكل جذري .. ولذلك يظل موضوع القهر الإجتماعي نظرا لأهميته البالغة, بمثابة المخزون الأزلي ,الذي لا يزال قادرا أن يحوز إهتمام زوايا النظر, والتناول المختلف في المعالجة. من قاص لآخر ..
    (2-3) : مواقع الشخوص في البناء النصي : موقعان متداخلان :
    ما هو جدير بالملاحظة في"الراية الحمراء"لإيمان الدرع,هو تسليطها الضوء على عنصر غير مطروق, يسهم في موضوعة القهر: " المرأة نفسها " كمتواطئة على ذاتها, وما تلعبه من أدوار تكرس ,لإستمرارية وضعيتها كمقهورة ومهزومة ,خلال تشييدها للموقع الأول : - موقع الأم (أم الطفلة /الزوجة – أم الزوج/الوحش) كعنصران يتفاعلان في هذا الموقع,بحيث يكملان أدوار بعضهما في البنية الموقعية هنا ..
    فأم الزوجة المدفوعة بمرض إبنها ,ينصب كل تفكيرها ومشاعرها ,في إنقاذ هذا الإبن – شقيق الطفلة – حتى لوكان هذا الثمن هو زواج طفلتها – التي في الحقيقة لا تعرف للزواج معنى بعد- من رجل يكبرها ,مقابل الحصول على المال اللازم لعلاج إبنها "أنفردت الأم بإبنتها التي كانت تلعب(..)لم تفقه الطفلة ما سمعت(..) شهقت أمها وضربت على صدرها(..)بصحبة عمتها(..)تناولتها قرعا وتأنيباوضربا(..)حبيبتي لا تفضحينا(..) يا بني حلمك عليها أنها صغيرة(103) فأم الطفلة وعمتها يستخدمان آليات القهر النفسي والمادي ,في سبيل الوصول بطفلتهما إلى الإستسلام لزوجها, فهما واقعتان ,لا تحت ضغوط الحاجة فحسب, بل تحت وطء آيدلوجيا"الفضيحة" أيضا , ولذلك تتواطأ الأم مدعومة من العمة على قضية إبنتها, التي هي في الواقع قضية العمة والأم نفسيهما ,وقضية المرأة بصورة عامة !..
    بمعنى أن الأم ضحت بقضيتها كأم/أنثى في سبيل بقاء إبنها/الذكر على قيد الحياة.وفي سبيل تفادي الفضيحة الإجتماعية ... من ذات الموقع يبرز العنصر الآخر "أم الزوج" (تبا لهذه الزيجة ,لقد تناولت سيرتك الألسن يا ولدي (..)كان عليكم ترويض هذه الجموس الحرون(..) قلبي يقول أن في الأمر شيئا آخر يا ولدي(104)" فأم الزوج أيضا تعبير عن الإستجابة لقوانين القهر الإجتماعي ,وهي الأخرى تتواطأ ضد نوعها كأنثى .. بل وتمضي لتحريض إبنها, والتشكيك في عفة عروسته ,ولذلك في سبيل أن يحيا إبنها حياة زوجية تقليدية هادئة – أي الحياة نفسها التي عاشتها هي ذاتها مع والده – تتواطأ على نفسها !..
    كلاهما : أم الزوجة والزوج مرآة لذات الطفلة, التي تبدأ مقاومتها في التفتت , لتتحول بعد إغتصابها إلى ذات متماهية في هذا الموقع, الذي هشم مقاومتها ,فأصبحت مرآة متشظية له .. الموقع الثاني : - موقع الذكر: الأب/الزوج .. وهو كموقع ينطوي على الإبن المريض أيضا ,كأحد عناصره غير الفاعلة في الصراع الموقعي, كالموقع الأول بإنطواءه على العمة بالدور السلبي الذي لعبته ,بدعمها لزوجة أخيها في دفع طفلتها للإستسلام ...
    الزوج في هذا الموقع يمد المال بأصابع"واثقة" تعبر عن غرور ذكوري مزعوم,ويمثل عنصرا فاعلا في هذا الموقع, الذي يشمل الأب كأحد مكوناته,والذي يتقبل مال الزوج بإنكسار يتبدد في ثقة الزوج ..
    هذا الأب على وعي تام بما أقترف"إستحلفها بأن تغفر له,فربتت على كتفه ودعت له بالفرج (105)" وحيث يجيء وصف الأب كشخصية مهيضة الجناح ,بسبب الحاجة.يجيء وصف الزوج كطاغية ماكر ومغتصب" إستفاق الوحش الكامن تحت جلده, حزم شعرها بين يديه يجرها إلى السرير(..)أستحلفك بالله برحمة أبيك أن تتركني الآن .. لا أستطيع ..(..)وإن صح هذا الكلام ليقطف أزهارها ويرميها لمن بعده حطبا يابسا(..)إقترب من سريرها.. قلبها على مهد السكنى (..)منتشيا بنصر صياد ماهر (..)تعجل الصياد الغنيمة(..)إستفزته مهاة الغابة, التي تبعها قناص, طلقات بندقيته لا تخيب(..)ضحك بطرف فمه, رمقها بعينيه الضيقتين الحادتين(106)"..
    هذا الموقع في الحقيقة, يتفاعل مع الموقع الأول, بحيث يصبح الموقعان متداخلان, في علاقاتهما الصراعية,التي هي في الواقع صراعات مكبوتة, بسبب تداخل المواقف القيمية ,بحيث نجد في كل من الموقعين, ما يتسق مع مكونات الموقع الآخر, بالتالي هما ليسا موقعان, يتبنى كل منهما موقفا قيميا مضادا لما يحمله الموقع الآخر,من قضية القهر الإجتماعي للمرأة, بقدر ما ينطويان معا على الموقع ونقيضه, في موقع واحد أكبر, هو الموقع الثالث الذي يمثلهما معا!. ما يحيل إلى أن المرأة, لن تستطيع التحررمن قبضة السُلط المسلطة عليها , مالم تتعاون مع الرجل, فهو ليس العدو – أنه الحليف – ضد عدو مشترك : الجهل والأنانية والإستبداد ..
    عدو صاغ كليهما على النحو الذي يجعلهما ,كوتر قوس مشدود يتحفز لرمي سهم .. عدو كامن في الوجدان الثقافي للمجتمع , يدفع بالمرأة إلى التفكير بطريقة مفارقة لجسدها ,ويجعل الرجل لا يرى سوى هذا الجسد"فالجسد"مركزي في علاقتهما المنقسمة على ذاتها!! ..
    (3-3): الرمز والأبعاد الجمالية والمعرفية :
    أسقط الراوي .. المتواري , المهيمن, على مصائر الشخوص ,في السياق التعبيري العام لهذا النص ,عدة رموز ذات إرتباط وثيق بموضوعة الصراع الدرامي لذكر/أنثى , وما تشتمل عليه من سؤال يتعلق بالسلطة كرمزية "هولاكو" في وصفه للحظة حصول الأب ,على مال الزوج . مقابل تزويجه من الطفلة "تقافزت عيناه بشرا ,وسبقته في إحتضان حزمة المال, وهي تندفع أمامه من أصابع واثقة, ثابتة, تمتد مشرئبة, تهز كيانه, وتعصف مقهقهة,كرجع ضحكات هولاكو عند كل نصر جارف (107)".. فهولاكو* الفعلي, الذي أحتكم إلى العديد من الزوجات, إلى جانب زوجته الرئيسية .التي هي في الحقيقة الزوجة السابقة لوالده , بمثابة النموذج غير الإنساني أو الأخلاقي"للذكر" وفقا للمعايير الثقافية, التي تنطلق منها شخوص النص أو راويه الخفي ..
    كذلك يتم إسقاط رمزية "جوبيتر" "فرضت عليه الحصار والرضوخ, وتقديم جسدها قربانا لجوبيترها بسخاء وبلا تردد(108)" فجوبيتر ووالد إله الحرب مارس في الميثولوجيا الرومانية ,وعراب روما الذي يقرالقوانين ويخط الشرائع, ويضمن النظام الإجتماعي – بإختصار التجسيد الشمولي للسلطة وأدواتها – فهو كإله ذكر/ يأتي كسماء في مقابل الأرض/المرأة .. وما ينطوي على ثنائية سماء/أرض من دلالات بالغة الفداحة! ..
    كذلك توقيت الزمان في النص بشهر تموز"فهفهف العبق الطفولي الزكي,وتحركت نسيمات حلوة,أنعشت الجو, وأطفأت بعضا من لهيبه,في هذا اليوم التموزي الغائظ(109)" وهنا تجدر الإشارة إلى أن الزمن , كأحد عناصر القصة القصيرة , يضيف إلى النص أبعادا لا متناهية , فعندما تحدد القاصة السورية إيمان الدرع في الراية الحمراء زمن الوقائع والأحداث بشهر يوليو, بحرِّه الغائظ. يتداعى إلى الذهن كل ما تعنيه هذه الفترة الغائظة من العام, بحرها السموم اللافح ,الذي يدفع بالإنسان إلى الضيق والتوتر ..إمعانا في تعميق تراجيديا الراية الحمراء.. كذلك يتم إسقاط رموز أخرى ك"زهرة الياسمين" "إمتدت يدها لتقطف ياسمينها بخشونة, ذكرتها بالحطب الغليظ (..)إنتفضت لا شعوريا لإرتباط الياسمين بالعفة والطهر(110)"فالياسمين الناصعة البياض تعرف بملكة الزهور ,نظرا إلى كونها الزهرة الأقدم على وجه الأرض,كما أنها إلى جانب رمزها للعفة والطهر, هي رمز للشموخ الذي لا يعرف الإنحناء كذلك.. والإحالة هنا ربما تكون إلى أن زوجها المغتصب, ربما تمكن من تلويث جسدها , لكن تظل روحها كالياسمين نقاء ..
    كذلك إشتمل النص على رموز أخرى ,مثل رمزية الحوريات وهبة النيل "ومنهن من أشفقت على هذه الحورية أن يبتلعها الموج الغادر(..) الجميلات وحدهن كن قرابين النيل والمعابد ,كي ترضى الآلهة وتجود بالعطاء(111)فإسقاط رمزية الحورية وهبة النيل هنا, يحيل إلى الميثيولوجيا ,التي تتبدى فيها الأنثى فوق الطبيعية, ذات الجمال الساحر. وهي تحلق في السماء بثوبها الريش ,ثم تحط على الأرض لتستحم. فيسرق الذكرالماكر ثيابها الريش, ليفرض عليها شروط إعادة هذه الثياب ..
    أو تلكن الحوريات اللأئي يخرجن من أعماق مياه الجزر, ليتنزهن على شواطئ هذه الجزر. فيبدأ الذكر/الوحش في مطاردتهن لإغتصابهن! .. وعلى عكس ما لاحظنا على حالة توظيف رمزية جوبيتر, أن الرجل في رمزية الحورية دائما منتم إلى الأرض على عكس الأنثى/الحورية فإما هي منتمية إلى السماء أو إلى البحر .. بل أن الأنثى العذراء الجميلة التي توهب للنيل, ليجود بالعطاء ,يتحول إنتماءها من الأرض للبحر بزواجها من إله الخصب والنماء..
    إذا إحتشدت الراية الحمراء, للمبدعة إيمان الدرع بعدد من الرموز, التي فتحت النص على عدد من التأويلات العميقة, الموازية لقضاياه الظاهرية, التي أنشغل بها ..وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللجوء إلى الرمز عادة, يكون تحت ضغط وإكراهات التابوهات(الدين, الجنس, السياسة) "تقية", وتوظيف الرمز بما يتسق والصدق الفني للنص ,يضيف لجماليات هذا النص, ويعمقها ويثريها ويغنيها, بحيث يصبح النص ,معبرا عن تجليات مختلفة, يتم إدراك بعضها بسهولة , وبعضها الآخر في صعوبة ..
                  

02-15-2011, 05:30 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (12) مراودات الحنين والأسى في النص "حتى أنتهى!" لعائدة محمد نادر/العراق (112)

    الحكاية والقول:
    ما يلفت النظر في هذا النص الأسيان الجريء, منذ الوهلة الأولى أنه من جهة يخاطب تيمة الجنس وإرتباطاته بسؤال السلطة ,ومن جهة أخرى يناقش تيمة "العنوسة" خلال مسيرة البطلة المهددة بمآل حالها, إلى ذات المآل الذي آلت إليه عمتها/العانس ..
    هذا الكابوس الذي تعيش "معه" أضفى على شخصيتها تعقيدا بليغا مشبعا بالرومانسية والتوهمات المثالية , التي شكلت قوام حياة الراوية ,كحياة تنهض فيما يشبه الكوابيس الليلية ,التي تزرعها في منام العاشق إحساسات الفقد للمعشوق ..أو العكس ..فلا تعود بمرور الوقت الأشياء والتصورات والمشاعر ,هي ذاتها ..
    فماهي مصادر هذه الكوابيس ,المشحونة بمراودات الحنين والأسى - كمقترح للخربشة على جدران هذا النص - ؟!... إنها كوابيس فتاة وحيدة(بطلة القصة/الراوية : بصوت المتكلم أنا) نهضت معارفها بالحبيب/ الآخر المجهول ..في المسامرات السرية التي لا تخلو منها مؤسسات الحريم , في محاولات الإفلات من آيديولوجيا العيب والستر! ..هذه المحاولات التي تتمثل في بناء بطلة القصة لتصورات خاصة عن الجنس ,"شعور غريب صار يروادني, كلما رأيت امرأة تتأبط ذراع زوجها, تلتصق بجنبه كأنه سيطير منها, تظل عيناي تراقبهما بحسرة(113)".. تدفعها هذه التصورات المتكئة على سلطة الرقابة ,التي تهيمن على سلوكها اليومي ,لإنتهاك خصوصية الحياة الزوجية لجارتها ,إذ تراقب لقاءاتها الحميمة بزوجها خلسة , كنوع من التعويض لحالة إنعدام الخيارات ,التي لازمت حياتها البائسة "كان ضوء غرفة جارتي ، بستائرها الشفافة مضاءا, والجارة وزوجها يتعانقان, يحتضنان بعضهما, يتبادلان القبل وقوفا, حتى أنهما لم ينتبها لوجودي, ثم اضطجعا معا على السرير! ..
    دهشت لمنظرهما, كدت لا أصدق عينيّ, التصق وجهي بالزجاج, حتى خلتني سأخترقه, وأنا أراقبهما, تخترق قلبي مشاعر لم أحسها في حياتي, حتى هذه اللحظة ! (114)"..وحيث تتكرر مفردة "الرقابة" كثيرا تنهض أسوار خفية, تشكلت في الثقافي التقليدي ,تغذي الدهشة والمشاعرالغامضة لبطلة القصة ,تجاه الجنس كحياة سرية حميمة مسيجة من جهة بالرقابة الداخلية – رقابة الذات- ومن الجهة الأخرى بالرقابة العامة ,التي يفرضها المجتمع وقوانين البناء الإجتماعي ككل,وبتطلع بطلة القصة للإفلات من مراوحاتها بين رقابة الذات ,ورقابة المجتمع تمضي لتمارس فعل الرقابة , فهي لا تكتفي بمراقبة النساء اللاتي يتأبطن أزرع أزواجهن, في الشارع. بل تمضي لتتلصص على خصوصية حياة جارتها "أيام طويلة, أصعد كل يوم لتلك الغرفة, أطفيء الضوء ,وأنتظر أن تبدأ شعائر الحب, وطقوسه, أشبع عينيّ, من منظر لم أعرفه إلا من خلال شاشات التلفاز, وأضحك بسخرية من المشاهد, لظني أنها تمثيل, فقط!(115)" ..
    هذه التصورات الغامضة عن الجنس, تنهض إذن في سؤال الرقابة والسلطة, كمفهوم تفيض به ذات الراوية , ليتلاقى وأسئلة السلطة المتمددة في حياتها ,وفي الزمان والمكان ,وما يوحي به الجنس كأحد المظاهر لهذه السلطة, التي تجد جذورها, في تجربة إنفصال أبويها – لماذا أنفصلا؟- وتبني عمتها العانس ؟ لها = أزمة الأسرة غير المستقرة المتماسكة..هذه الأزمة التي تمثل منبعا إبتدائيا لتصورات الراوية عن الجنس .. ليس كشكل من أشكال السلطة ,أومظهر من مظاهر القوة والسيطرة ,بل أيضا كأداة لا مناص منها لتكوين الأسرة ,كوحدة بناء أساسية في المجتمع ,فهو أداة الخلق الأولى,التي لم تتمكن من تفادي التقاطع مع الخطيئة ,بالتالي صياغة كل السلطات التي تحاصر حياة المرأة عبر التاريخ ..
    ومن الجهة الأخرى .إفتقاد بطلة القصة للحياة الطبيعية بين أبويها ,مثل منبعا يغذي الإحساس بالفقد ,الذي يتغذى بدوره من مشاعرغامضة تجاه الأسرة ,إنطوت عليها تصوراتها الخاصة للجنس .هذه التصورات المدفوعة - من الجهة الأخرى - بشبح العنوسة الذي يطاردها, ويقطف أحلام منامها ,لما لشبح العنوسة من علائق بآيديولوجيا العيب والستر,والقوانين التي صاغها المجتمع مستلهما تجربة الخطيئة الأولى ,في مصادرها الدينية والميثيولوجية ,التي شكلت الثقافة الشرقية التقليدية السائدة ..
    هذه العوامل المختلفة هي ما صاغ بطلة القصة ,على هذا النحو المعقد ,الذي يجعلها أشبه بالتكوين أو التجسيد لإنعدام الخيارات في الحياة .. فهي لم تختار الحياة بعيدا عن أبويها ,في كنف عمتها العانس , لكن ليس لديها سوى هذا الخيار ,بعد إنفصال والديها ..كما أنها مدفوعة بشبح العنوسة ليس لديها خيار, سوى القبول بأول طارق لبابها .. بهذه الدوافع والمشاعر الغامضة تتخذ قرارها " يوم تزوجت أول رجل طرق بابي, أنقذ نفسي من جحيم الوحدة, وشبح عنوسة ظل يطارد عمتي التي عشت حياتي البائسة معها, بعد إنفصال والدي, لأبقى بين نارين, نار العنوسة, أو نار الإرتباط برجل, لا أعرف شيئا عنه سوى أنه ميسور الحال, ومن عائلة محافظة!(116)" بهذه المشاعر المختلطة بالحكايا ,التي تنضح بها الحياة السرية للحريم, عن ليلة الزفاف الأولى , وما أستقر في تصورات بطلة القصة من توهمات خاصة, تتزوج الراوية "حملت معي أحلامي الياسمينية, لليلة ألبس فيها فستان يعوم بالغيوم البيضاء, ترصعه نجيمات تشع بريقا, وأحداثا ناعمة وصفتها لي رفيقة عمري حين أرتبطت بحبيبها, عن تلك الليلة ورومانسيتها, وبعض وجل سيخالطها في لحظة لابد منها!(117)"لكنها ومنذ الليلة الأولى ,تصدم في التناقض, بين توهماتها الخاصة ,وتصوراتها الذهنية عن الجنس, والممارسة الفعلية للجنس في العلاقة الزوجية ,في المجتمعات االتقليدية.. فتتهاوى تصوراتها الرومانسية المثالية,إزاء الحقائق البيولوجية إلى جانب فظاظة الزوج "تشنج جسدي ألما, غرفت أطنان الخيبة, شربت منها على مضض, وأحاديث رفيقتي عن الزواج وحميميته, باتت أكذوبة, حلت مكانها صورة مفزعة, لعين زجاجية, ورائحة عفنة.".."حدجني زوجي بنظرة فراغية وبيد ثلجية, أزاح وجهي للناحية الأخرى, فح بوجهي كثعبان يقتات العفن: - أديري وجهك للناحية الأخرى حتى أنتهي !(118)"
    ينطوي هذا النص على أسئلة خفية أخرى كسؤال "الذكورة" في المجتمع الشرقي التقليدي, بما يتاح للذكر من خيارات وتقنين للإستحواذ و"الأخذ" ,مقابل الأنوثة كمفهوم يكرس لنهب الذات, وتكريسها كحالة مأخوذة" أديري وجهك للناحية الأخرى حتى أنتهي(119) !" ..
    ومن ثم ينفتح النص على أسئلة التحرر والحقوق ,في واقع محاصر بالأسى والحنين ,والبؤس الإجتماعي والنفسي .. نص عميق ومؤثر تمكن من مخاطبة أسئلة كبرى, دون صدامات مروعة مع قوانين الأبنية الإجتماعية ...
    أراد النص "حتى أنتهى" – فيما تذهب بنا الظنون – للقاصة المبدعة عائدة محمد نادر, أن يؤكد على حقيقة أن الجنس ليس شيئا وحيد المعنى, أو شيئا معزولا لا يقبل التأويل ,خلال توظيفها للجنس كموضوع يرتبط بأسئلة أخرى ويغني النص , مشيعا فيه روحا خاصة ... فسؤال الجنس في الثقافة الشرقية التقليدية , لا يزال كالمناطق العسكرية :"ممنوع الإقتراب والتصوير" ..
    على الرغم من أن الإنسان في بدائيته ,لم يكن يفصل بين أنشطة حياته المختلفة ,بسبب التطابق في قوانين البناء الإجتماعي , ولم يقم بعمليات الفصل بين هذه الأنشطة ,إلا في مرحلة متقدمة من تطوره وإنشاءه للمؤسسات , وبإنشاءه المؤسسات نشأ مفهوم السلطة ,الذي أخذ يلعب دورا كبيرا في الوعي الإجتماعي , على الرغم من أن الأوامر والنواهي العديدة ,التي أستحدثت لم تكن مستلهمة من حاجات المجتمع بأكمله ,بل من حاجات فئة أو نوع محدد .."الذكور"..
    هذه الفئة أو النوع إرتبط بالسلطة .. فأعاد صياغة قوانين البناء الإجتماعي.. وهكذا غرّبت السلطة الإنسان , فأصبح الجنس عالما سريا ,محفوفا بالأسئلة الحارقة والكبرى .. الأسئلة المحاصرة بالأسلاك الشائكة والكاميرات و المغامرات !!!!!..
    راوية قصة عائدة (حتى أنتهي!)في معاناتها لهذا السؤال تخوض مغامرتها اليائسة ,طلبا لإجابة شافية تتسق مع تصوراتها المثالية الرومانسية للجنس – أحد المعان العديدة للجنس التي يحتملها التأويل- فلا تعود من الغنيمة سوى بالإياب " أشحت بوجهي عنه, حتى انتهى !! ليلة ظلت مطبوعة في ذاكرتي ، تفتح مصاريع أبواب جهنم الحمراء, وشياطينها, كلما جن الليل وهبط. مذ تلك الليلة صرت لا أطيق الليل, أمقته! أصبحت امرأة جليدية, لا أعرف للأحلام طريقا وشعور بات يلازمني, أن جزءا مني مات تلك الليلة(120) !"
                  

02-15-2011, 05:55 AM

Bashasha
<aBashasha
تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 25803

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    قرقرقرقرقر!

    فعلا حسانية، ذنوجة الاعراب في شنو!

    هسي امانة في ضمتك دي، في عربي جايب خبر تهويمك ده؟

    بزمتك ده وكت ترف زي ده، لوما مستلب بحق؟

    عالم!
                  

02-15-2011, 06:30 AM

Sinnary
<aSinnary
تاريخ التسجيل: 03-12-2004
مجموع المشاركات: 2770

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: Bashasha)

    شكراً أخ أحمد علي هذا الإشتغال النقدي المتميز علي هذه النماذج ففي قراءتك كتابة جديدة وثرة لها
                  

02-15-2011, 02:40 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: Sinnary)

    Quote: شكراً أخ أحمد علي هذا الإشتغال النقدي المتميز علي هذه النماذج ففي قراءتك كتابة جديدة وثرة لها

    شكرا جميلا الأخ سناري
    فمثلما تحيا النصوص بالنقد .. يحيا النقد بقراءة الآخرين ..
    مودتي
                  

02-15-2011, 04:18 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: Bashasha)

    Quote: قرقرقرقرقر!

    فعلا حسانية، ذنوجة الاعراب في شنو!

    هسي امانة في ضمتك دي، في عربي جايب خبر تهويمك ده؟

    بزمتك ده وكت ترف زي ده، لوما مستلب بحق؟

    عالم!


    شكرا
    يا مناضل يا خطير..
    على المداخلة القيمة..
    أنا أقول البوست نوّر فجأة مالو ..
    مناضلين آخر زمن!!
                  

02-16-2011, 00:13 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    هوامش :
    (1)عمرو العامري . قصص قصيرة جدا:http://www.asmarna.org/al_moltqa/showthread.php?t=10012
    (2)السابق .
    (3) جوستاين غاردر . عالم صوفي (رواية حول تاريخ الفلسفة) دار المنى 2005... حول سر فعالية سقراط يشير غاردنر في هذه الرواية إلى أنه لم يكن يحاول تعليم الناس بل على العكس كان يعطي الإنطباع بأنه يريد أن يتعلم من محدثه . لم يكن يعمل كأستاذ رديء .. على العكس كان يناقش ويجادل (...) في الواقع كان يبدأ بطرح الأسئلة متظاهرا بأنه لا يعرف شيئا , ثم يرتب الحوار بشكل يجعل المحاور يكتشف شيئا فشيئا مثالب تفكيره إلى أن يجد نفسه أخيرا محصورا بحيث يضطر إلى التمييز بين الخطأ والصواب . ص : 74 من الرواية .
    (4) عمرو العامري . " مرجع سابق ".
    (5) نفسه .
    (6) نفسه.
    (7) زكي العيلة . صورته: http://www.asmarna.org/al_moltqa/showthread.php?t=9919
    (8) الثقافة الجديدة . قصور الثقافة .العدد 173 نوفمبر 2004 ص :110
    (9)زكي العيلة . مصدر سابق.
    (10) السابق .
    (11) نفسه.
    (12) عبد الله البقالي . الأصوات الداخلية : http://www.asmarna.org/al_moltqa/showthread.php?t=9950
    (13)مجلة الثقافة الجديدة .قصور الثقافة .العدد 172 أكتوبر 2004 ص : 108 .
    (14) عبد الله البقالي . مصدر سابق.
    (15) نفسه .
    (16) نفسه .
    (17) نفسه .
    (18) نفسه .
    (19) نفسه .
    (20) فصول للنقد الأدبي . الهيئة المصرية .مجلد16 العدد الثاني خريف 1997 ص :25 (21) السابق : ص : 33.
    (22) عبد الله البقالي . مصدر سابق.
    (23)محمد شمخ . المتطابر : http://www.arabicstory.net/index.php/ads/ads/index.php?p=text&tid=12184
    (24) السابق .
    (25) نفسه.
    (25) حنان بيروتي . مقاطع من سيرة عقلة الإصبع : http://www.ofouq.com/today/modules.php?name=News&file=article&sid=2522
    (26) أنظر :عبد الرحمن أبو عوف . قراءة في الكتابات الأنثوية (الرواية والقصة المصرية ) الهيئة العامة للكتاب.القاهرة 2001.
    (27) أنظر : هانز كريستيان أندرسن . حكايات أندرسن .ترجمة دكتور عبد الحميد يونس . مكتبة الأسرة 2005.القاهرة :هانز كريستيان اندرسن هو رائد الكتابة للأطفال ولد في العام 1805 بالدنمارك وتوفى في 1875متأثرا بالسرطان من اشهر حكاياته الأسطورية (عقلة الإصبع و بائعة الكبريت , الكرة والخذروف , القداحة , العندليب ,الحذاء الأحمر,العائلة السعيدة
    (28) السابق – ص : 93.
    (29) حواء سعيد . ملاءات بيضاء : http://www.asmarna.org/al_moltqa/showpost.php?p=71428&postcount=1
    (30) حنان بيروتي . قتامة من قصص مجموعتها "تفاصيل صغيرة"http://hananberuti.maktoobblog.com/840016/مجموعة-قصصية-تفاصيل-صغيرة/
    (31) حنان بيروتي. "مرجع سابق".
    (32) نفسه.
    (33) نفسه.
    (34) الأقزام القاطنين على جزر إياب في (القسم الغربي لجزر كارولينا) .ا.س.كون (أوهام ما بعد الحداثة ) ترجمة منير شحود . الحوار للنشر والتوزيع .طبعة ثانية اللاذقية . 2001 ص :48.
    (35) عبد الرحمن أبو عوف – قراءة في الكتابة الأنثوية(الرواية والقصة القصيرة المصرية ) الهيئة المصرية العامة للكتاب.القاهرة. 2001 ص221.
    (36) جلاء عزت الطيري . الملائكة لا يأتون أبدا: http://www.asmarna.org/al_moltqa/showthread.php?t=10444
    القراءات النقدية التي قدمتها على صفحات أسمار في قصص ل : عبد الله البقالي – حواء سعيد – د. زكي العيلة – محمد شمخ – حنان بيروتي – عمرو العامري .
    (37)القراءتان اللتان ستليان هذه القراءة قصص ل : منال حمد النيل – سلوى الحمامصي . (38)دكتور صلاح فضل. نظرية البنائية في النقد الأدبي . مكتبة الأسرة 2003.القاهرة.ص 282.
    (39) جلاء عزت "مرجع سابق".
    (40) السابق.
    (41) نفسه .
    (42) نفسه .
    (43) نفسه .
    (44) نفسه .
    (45) نفسه .
    (46) نفسه .
    (47) نفسه .
    (48) نفسه .
    (49) نفسه .
    (50) نفسه .
    (51) سلوى الحما مصي . صحراء الأربعين : http://www.asmarna.org/al_moltqa/showthread.php?t=5956
    (52) راجع :أمبرتو اكو . الأثر المفتوح . ترجمة عبد الرحمن أبو علي . دار الحوار- اللاذقية.طبعة ثانية2001 .
    (53) سلوى الحما مصي . "مرجع سابق " .
    (54) راجع : دكتور سعيد يقطين . السرد العربي (مفاهيم وتجليات) . دار نشر رؤية . القاهرة 2006.
    (55) سلوى الحما مصي . "مرجع سابق" .
    (56) السابق .
    (57) نفسه .
    (58) حواء سعيد ز قبلة في فم أخرس:http://www.asmarna.org/al_moltqa/showthread.php?t=9815
    (59) يمنى العيد . الراوي الموقع والشكل.الطبعة الأولى 1986- مؤسسة الأبحاث العربية – بيروت ص : 83
    (60) حواء سعيد . السابق.
    (61) نفسه .
    (62) نفسه.
    (63) نفسه .
    (64) نفسه .
    (65) نفسه .
    (66) السابق : ص : 141.
    (*) www.masarat.org/modules/news/index.php?storytopic=2-30k – www . beghdad-bangkok.net/iraqi_lady/iraqi-writters.htm-72 - - www.adbyat.com/vb/show threat.php?t=3930&goto=newpost - www. wedyan.net/vb/show threat .php?goto=lastpost&t=1465-72k-supplementalresult
    (67) طراد الكبيسي . جماليات النثر العربي - الفني . دار الشؤون الثقافية . بغداد . 2001. ص : 6.
    (68) كتابات سودانية . " كتاب غير دوري " . مركز الدراسات السودانية.الخرطوم . العدد 29. سبتمبر 2004 ص : 83
    (68) السابق : ص : 83.
    (69) السابق : ص : 84 .
    (70) السابق : ص : 84
    (71) السابق : ص : 84 .
    (72) مجلة الثقافة الجديدة . العدد 174 . ديسمبر 2004 . ص : 86.
    (73)السابق : ص : 86 .
    (74) السابق : ص : 86 .
    (75)السابق : ص : 86
    . (76) السابق : ص : 86 .
    (78) السابق : ص : 86 .
    (79) محمد السيد محمد ابراهيم . بنية القصة القصيرة عند نجيب محفوظ " دراسة في الزمان والمكان " . الهيئة العامة لقصور الثقافة . 2004. ص : 345
    (80) سيد إسماعيل ضيف الله . الآخر في الثقافة الشعبية . مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان . القاهرة.2001. ص : 8 .
    (81) السابق : ص : 9.
    (82)محمد السيد محمد إبراهيم" مرجع سابق " ص : 346.
    (83) حسين عيد . جارسيا ماركيز وأفول الديكتاتورية . دراسة في رواية خريف البطريرك . الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988. ص : 24 / 25.
    (84) السابق : ص : 47.
    ( 153) كلود ليفي شيتراوس . الاسطورة والمعنى . ترجمة صبحي حديدي . الحوار للنشر . اللاذقية . الطبعة الاولى 1985. ص : 19 .
    (85) السابق : ص : 30 .
    (86) د. عبد الرازق عيد . محمد جمال باروت . الرواية والتاريخ " دراسة في مدارات الشرق . الحوار للنشر . اللاذقية . الطبعة الاولى 1991. ص : 14.
    (87) السابق . ص : 18.
    (88)محمد السيد محمد إبراهيم" مرجع سابق" : ص : 347
    (89)على حافة الليل :http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...545#post478545
    (90) السابق.
    (91) إلى (102) نفسه.
    (103) الراية الحمراء- إيمان الدرع : http://www.almolltaqa.com/vb/newreply.php?do=newreply&p=463461
    (104) السابق.
    (105) – (112) نفسه (*) أشهر هولاكو"راية الحرب" وحطم دولة الخلافة في بغداد,وأحرق كل الكتب والوثائق التاريخية وكتب العلوم المختلفة ,حتى أن مياه نهر دجلة أصبحت سوداء لحبر الكتب التي أعدمت..وإحالة الزوج هنا إلى هولاكو ,فيه تعميق لمزاعم الإحالة : الذكر كمغتصب وغازي وضد الحضارة .وفي رمزية إحراق هولاكو للكتب "المعرفة"/كنقيض للجهل إشارة ,إلى أن المجتمع لن يكون سهل القياد ,وخانعا طالما أن هناك معرفة يتزود منها ,ولذلك إعدامه للمعرفة بمثابة سجن للمجتمع في جب الجهل!..
    http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=54970(113)
    (114) السابق.
    (115) نفسه .
    (116) نفسه .
    (117) نفسه .
    (118) نفسه.
    (119) نفسه.
    (120) نفسه.

    القاهرة - نيوجيرسي-ميريلاند
    2005 - 2011
                  

02-19-2011, 03:03 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

02-18-2011, 03:58 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

02-16-2011, 06:25 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

02-16-2011, 05:16 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

02-17-2011, 06:01 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

02-17-2011, 09:44 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

02-17-2011, 09:44 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  

02-18-2011, 04:16 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (*)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de