خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 11:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-08-2011, 02:34 PM

عادل فضل المولى
<aعادل فضل المولى
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 2165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة)

    بعد اذن الاخ ياسر طيفور
    مع خالص التعازي
    +++
    العام 1992م، شهر مايو، والخرطوم كعادتها تزدحم بالسابلة، يحتمون بظلال النيم ويسيرون على عجلٍ، منهم من يبحث عن وسيلة مواصلات، ومنهم من يسارع الخطى مخافة الكشات مرة لتفريق العاصمة ومرات للتجنيد القسري.
    عُدت في ذلك اليوم من مكتب الضرائب، بعد أن بذلت جهداً ليس بالقليل لإقناع أحد المفتشين أن أدوات معمل مصنع الصابون مستوردة بإسم ريمون بيطار وأن هذا الرجل لا تجب عليه الزكاة، ودخلت مكتبي في عمارة التاكا، وما أن جلست على المكتب حتى جاءني احد المراسلات قائلاً إن هناك من يسأل عني.. فقلت: دعه يتفضل..
    جاء شخص ضخم وسلّم خير سلامٍ، ثم تبعه آخر..
    قلت: تفضلوا ياجماعة تشربوا شنو..؟،
    - والله لو ممكن موية باردة لو سمحت..
    ثم بادرني: نحن من الأمن العام ويا أخي دايرنك تجي معانا شوية..!
    - في شنو يا جماعة إن شاء الله خير..؟
    - لا مافي حاجة بس شوية أسئلة كدة وبترجع لي شغلك..
    - خير مافي عوجة بس خلوني أسلم الورق ده وأستأذن وأمشي معاكم..
    - لا الورق خليه في مكتبك ده وأرح طوالي مافي داعي تستأذن..
    وتركت مكتبي وأوراقي ومفتاح (الفيسبا) وخرجت معهم، وعند نزولي أسفل البناية رأيت عربة (بوكس) بها شخص يجلس في مؤخرتها..
    وبادرني: أهلا بالبطل المناضل..!
    وأكرموني بالجلوس في السيارة في الأمام وجلس أحدهم بجانبي وقال لرفيقه "أرح"، واتجه الأخير الى الخرطوم ثلاثة، وعند وصولنا الى نادي الأسرة سألني: بيتكم وين..؟
    فقلت:بيتنا في الصحافة يا جماعة..
    فقال: يا زول إنت ما ساكن هنا..؟
    ولم ينتظر إجابتي وقال:أرح..مربع كم يازول ..؟
    - مربع خمستاشر
    -أرح..
    وصلنا المنزل.. سلموا أسلحتهم لـ"من" ناداني بالبطل، ودخلوا معي الى المنزل، وكانت الوالدة عليها الرحمة، تجلس تحت ظل النيمة في الحوش فرحبت بنا، ودخلنا الصالون وقام أحدهم بالإتجاه نحو المكتبة
    - دي مكتبتك يازول..؟
    -لا مكتبتي في الغرفة التانية..
    - ممكن نشوفها..
    - جدا..
    الوالدة: يا ولدي في شنو..؟
    - مافي حاجة يُمة بعدين بوريكي..!
    ودخلوا غرفتي دخول الفاتحيين، وبدأ أحدهم يقرأ للآخر عناوين الكتب..(مجلات الكرمل، اللهجة العامية في السودان، طبقات ود ضيف الله، النزعات المادية في الإسلام: "ده جيبو جاي.."، مدن الملح،: "الزول ده مثقف..!" القرآن الكريم، الأطفال والعساكر: "ده برضو جيبو..!"، علاقات الرق في المجتمع السوداني، "جيبو.. كدي زح ليّ.."
    وقام بأخذ ما مجموعه عشرون كتاباً لم يكن بينهم القرآن الكريم..!
    الوالدة تنادي: يا ولدي الشاي..!
    وتسألني حينما خرجت لأخذه: في شنو وديل منو إنت سويت ليك مصيبة ولا شنو..؟
    مجموعة من الأسئلة لم أكن أملك لها إجابة؛ وخرج هولاكو ورفيقه بما حملاه من غنائم، وخرجنا الى الشارع، وأحدهم يجيب على سؤال الوالدة التي لم تعد تستطع صبرا.."الزول ده بجي بعد شوية يا حاجة مافي مشكلة مجرد أسئلة وبجي راجع"..
    ومن جديد تحركت السيارة ولم يقل أرح هذه المرة
    ++
    وصلنا سادتي الى حي المطار وبالتحديد الى عمارات ضخمة في مواجهة مقابر (الكومونولث) وتلاصق مباني القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، ودخلت السيارة دونما إستئذان، وأدخلوني الى المبنى الوسيط ومن ثم الى الطابق الثالث، وداخل الصالة قرأت على لوحة ضخمة معلقة على الحائط الآية الكريمة (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق..) الى أخر الأية، فاطمأنت نفسي، ولا أخدعكم فقد كان بي بعض الوجل، وجلست في غرفة صغيرة (4 × 4) وجاء غيري، شباب ونساء، ثم دخل علينا محمد شريف علي، المسرحي الشهير، وبدأ لساني ينطق والونسة إحلوت ومر الوقت وكلُ من جاء غادر.. وبقيت كالسيف وحدي، وعندما أرخى الليل سدوله، جاء أحدهم عابس الوجه قميئه، وناداني: تعال يازول.. وسرت خلفه الى غرفة يتوسطها مكتب يجلس عليه شخص،عندما قمت بعد ذلك بوصفه للأستاذالصحفي محمد عتيق قال إنه عاصم كباشي، وبدأ الرجل يسألني: إسمك منو بتعرف فلان وفلان وفلان..؟
    وتعددت إجاباتي، منهم من أعرف وكثيرين لا.‘ وفجأة أُحسُّ بيد تمسك بي من مؤخرة رأسي..
    - أوعك تتلفت..!
    ثم أعقب ذلك بصفعة على الأذن، ثم أخرى وعليّ أن لا ألتفت.!
    لم أراه وخرج وتركني لـ"الأول" يواصل أسئلته، ثم جاء آخر، هذه المرة بلا إستحياء، وصار الأول يسأل والثاني يشجعني على الإجابة بـ"الصفعات مرة ومرة بالشلوت"، ثم أخذني الأخير الى غرفة مليئة بالكتب الى سقفها، وهناك كان عليّ أن أحمل أنبوبة غاز واقوم بعملية إحماءٍ جلوس، ثم قيام ثم جلوس، حتى تورمت ساقاي، وكان يـ"حفزني" بضربات توالت لساعة، ثم صارت ضربات بدون انبوبة الغاز لأني ما عدت أقوى على حمل الأنبوبة، ثم لم أُعد أُحس بشيء بعد ساعات من الضرب، وتركوني أنزف من أنفي وفمي..
    وفي الصباح جاء أحدهم وسلمني لمكتب آخر، وقاموا بعصب عيوني وأرقدوني في المقعد الخلفي لسيارة ملاكي، سارت لمدة ربع ساعة ثم توقفت لينزلوني، ودخلت ليربطوا لي يديّ بحبل في شجرة نيم وأوقفوني على أمشاطي من الصباح حتى عصر نفس اليوم، وبعد أن حلوا وثاقي أدخلوني الى حوش كبير فيه ساحة مفروشة بالخرصانة، تتوسطه ثمانية عشرة زنزانة، وكان بالحوش مجموعة من الناس، عرفت منهم (ميرغني عبد الرحمن سلمان، بكري عديل، العم الحاج مضوي، محمد عتيق، فوزي..، كمال التجاني المحامي) ومجموعة ضخمة تعرفت على بعضهم بعد ذلك وسيأتي ذكرهم
    ++

    أخذني الرجل يجرني من أذني وكأني (بهيمة) وهذه المرة كان هزيل العود ضامراً ونحيفاً جداً.. فخطر على بالي "لو أن المكان غير المكان.. كنت طبيتو كربون ونشفت ريقو"، لكن ما علينا، المهم سادتي توسط بي الحوش وخاطب الجمع بكل وقاحة: الليلة جبنا ليكم زول جديد..! وقام بتوزيع المعتقلين الى مجموعات وأوقعني مع مجموعة كمال التجاني، هنا فقط عرفت تصنيفي، وعرفت أنه نسبة لسخونة الجو، فقد أنعموا علي المعتقلين بحبة همبريب، وتركوهم يجلسون في الحوش، ثم قام أحدهم بتشغيل شريط تسجيل للمبدعة عائشة الفلاتية وسأل الجمع: العارف الفنان ده يبلغ..؟! وهو تعبير عسكري، ولم يرد احد عليه، ولما رأيت الرجل مصراً على ان يعرف، قلت له: هذه عائشة الفلاتية..
    - شليق.. فقال قووم، كمان عارف يالله ادينا أرنب نط..
    ولما كنت جديداً كان على أحدهم أن يشرح لي، أسأله الغفران، فقد كنت السبب في جعله يقفز على أمشاطه كحيوان الكانقرو وكانت ساقاه طويلتان، وهي مشقة لو تعلمون قاسية خاصة على طوال الأرجل، وقمت بتلك الحركة اللعينة جيئة وذهاباً لمدة خلتها دهراً، حتى أرضيت غرور ذاك الهضيم، ثم تركني أجلس وجاءوا بالتجاني حسين في تلك الليلة ملطخا بالدماء ورموه في وسط الحوش وأمروه بالوقوف، وما كان له الى ذلك سبيلا ولم يوقفهم ذلك من ضربه حتى خلنا ان الرجل قد مات، ثم أدخلونا عند المغيب الى الزنازين، وكان نصيبي زنزانة صغيرة بها أربعة أشخاص غيري وهم عوض عباس من مواطني الكلاكلة، النور ابراهيم الدور رقيب بالقوات المسلحة، وأبو بكر عبد المجيد موظف، والصحفي محمد عتيق رئيس تحرير مجلة الدستور السودانية أيام الديموقراطية الثالثة.
    ولم أنم تلك الليلة، ليس للآلام الجسدية فحسب، وإنما لأن أحد المعتوهين من عساكر الأمن كان يقوم بتسلية نفسه برجم أبواب الزنازين بالخرصانة، وقد إستمر في ذلك حتى صباح اليوم الثاني
    ++
    في اليوم الثاني سادتي، جاء المدعو مصطفى دكين، وهو أحد المتخصصين في التعذيب، يرافقه زميله أبوزيد، وكان الأول يدعونا الى الصلاة، وبعد الإنتهاء منها، يأمرنا بالوقوف في مواجهة الحائط وإغماض أعيوننا بأيدينا، وقمت في ذلك اليوم بالوقوف ووجهي على الحائط لمدة ست ساعات، قام فيها الإخوة بمراقبة الحوش، وحينما كان يغيب لمدة قصيرة، كنت أجلس لدقائق معدودة الى أن لمحني، لعنة الله عليه، وعرفت حينها ما يسمي بـ"ست العرقي"، وهي أن "تمسك أذنك اليمني بيدك اليسري ثم تدخل يدك اليمني في الدائرة المتكونة من ذلك وتنحني ملامسا الأرض دون أن تجعل ركبتاك تنحنيان، ثم تدور حول نفسك"، وهي حركة تصيب بالغثيان، وغالبا ما يضحك العسكري القميء لمنظرك، مما يضاعف حجم الهوان لديك، وقد قمت بذلك وأعقبه ضرب بخرطوش المياه الأسود والذي يستخدم عادة لتوصيل المياه داخل الأرض الى المنازل، ثم شهدنا أناساً، ماكنت والله أحسب أن الأم السودانية بقادرة على ان تجود بأمثالهم وضاعة وخسة وعدم إحترام لإنسانية الفرد ناهيك عن سنّه ومن هؤلاء السفلة المدعو (حسن الطاهر، عادل سلطان، الفاتح مصطفي، وليد حسن عبد القادر، عبد الله طوكر، حسن مقبول،جهاد..، يوسف..)، وقد تواصلت الابداعات ،نأكل وجبة واحدة في اليوم مكونة من فول سيء بدون ملح وزيت وخبز متيبس، وأحيانا ينعموا علينا بشاي في برطمانات مربة، ونحلّي في الغالب بجلدة ساخنة، ويعتبر الحمام من المستحيلات وإن حدث فهو إعلاناً بخروجك من المعتقل..!
    ++
    نخرج اليوم أحبتي من جو المعتقل الحار جداً الى خارجه، لتكتمل الصورة وأبدأ من شركة بيطار حيث قامت إيفون فلتاؤس، رئيسي المباشر، بالسؤال عن الحاصل بعد خروجي، وقد توجست خيفة كما قالت لي فيما بعد، ولما لم يسعفها أحد بإجابة شافية قامت بإبلاغ الخواجة ريمون بيطار الذي رأى الإنتظار، عملاً بنصيحة السيد بوب المحامي ومحامي الشركة، ومر اليوم دونما جديد سوى أن مجموعة الزملاء قاموا بالإتصال بالمنزل وكانت الوالدة تتوقع حضوري حسب وعد هولاكو لها، ولما تأخرت تحول المنزل الى مناحة..! وتجمع الشايقية من الدروشاب والكلاكلات والحاج يوسف وما بينها وهاك يا شاي..
    في المعتقل كان اليوم الثالث وبغير العادة هادئ جداً، وساعات النهار في شهر مايو طويلة طويلة، وبدأت أشم رائحة جسدي تتعفن، ولما سألت عن إمكانية حمام ضحك الحضور بالزنزانة، وكأن الموضوع باعث للتندر: "يا زول إنت قايل ده الهيلتون والله أنا لي شهر ما إستحميت" قال النور أبراهيم، وكنت لا أحتاج لقسمه بالله لأصدقه، فرائحتة دليل مادي لا يقبل الطعن..! ومرت ساعات النهار بلا نهاية، وحلّ المساء ولم يتغير الموضوع، ما زال الهدوء العجيب، وأخيرا زال عجبنا في صلاة المغرب حينما همس أحد القادمين الجدد بأن الترابي تعرض لمحاولة إغتيال في كندا، وكنت أتخيل أن الحكاية رصاص حتى جاء الخبر الأكيد، عندما جاء الى زنزانتنا في اليوم التالي سائق سيارة السيد الصادق المهدي ضيفاً عزيزاً علينا، وهنا حكاية طريفة فقد كان جرم الرجل "عظيماً"، تصوروا أنه كان يقوم بتوصيل سيد الصادق الى منزل عزاء وعلى لسانه أروي القصة
    - يا زول مالك جابوك في شنو..؟ السؤال التقليدي
    - والله كنا ماشين بيت عزا وعربة الأمن كانت ورانا، قام نزل ليهم لستك فوقفوا، ونحن واصلنا مشوارنا وبعد ما رجعنا البيت لقيناهم منتظرننا، فجابوني هنا وهاك يا ضرب..!
    وكان وجه الرجل عجيباً من آثار الضرب، وقام الرجل مشكوراً بتوضيح القصة لنا.. أن هاشم بدر الدين قام بجلد الرجل.. "وأسع هو كده كده.."، ولم يفرح لذلك الحدث أحد على الأقل بزنزانتنا، وكانت الحكاية دليلاً على مستوي الخصومة التي أوصلنا لها نظام إحترف العنف وسيلة لفرض أرائه، فإذا بها ترتد إليه في شخص رمزه الشيخ.. ويا لها من مأساة لم تنته فصولها بعد، نسأل الله اللطف..
    جاء الليل سادتي وتواصل "الفلم الهندي" من ضرب بالخراطيش والدبشك والزحف على الخرصانة
    ++
    مضى أسبوعي الأول في المعتقل، وأخذت أعتاد الأشياء والوجوه، نرى بعضنا للحظات عند الخروج للصلاة ويتعرفون عليك في عجالة من أمرهم، فالونسة ترف لا يملكه معتقلو بيت الأشباح، وعرفت صفوة من الناس تنحني الشمس خجلاً لهاماتهم النبيلة (أحمد حمدان، التجاني حسين،عبد المنعم عبد الرحمن، فيصل حسن التجاني، حسن هاشم، محمد وداعة الله،علي أحمد حمدان ناهل، أحمد دهب، نادر عباس، التجاني مصطفي، علي أبوبكر، كمال الجزولي، الحاج مضوي محمد أحمد، نصرحسن بشير نصر، ملازم أمن الجمري، فوزي أمين، تيراب تندل أدم، بكري عديل،سيد أحمد الحسين..) والكثيرين الذين لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم..
    كان ذهاب الى التوليت مشكلة، فهم لا يمهلونك حتى "تقضي أمرك" ويضربون على الباب، وإن تأخرت تحول الضرب إليك، مما أصابني بإمساك ومغص في الإمعاء عانيت منهما الأمرين، وبعد مرور الأسبوع صارت الرائحة لا تطاق، وكلما منيت نفسي بالتعود تقول لي هيهات، وطبعا لا يوجد ما يسمي مسواك حتي صار من المألوف أن تخاطب رفقاء الزنزانة وأنت تولي وجهك نحو الجهة المعاكسة، وأصبحت الزنزانة تحمل رائحة مشرحة الخرطوم العتيقة وصار الهرش "حك فروة الرأس والجلد"، عادياً جداً لا يثير إنتباها ونادوني صباح يوم غير بهي إلى غرفة قصية وبدأ ما يمكنني تسميته تحقيق لأول مرة..
    - إنت البوديك تلاتة شنو..؟
    - والله ياخي تلاتة دي أنا مولود فيها وأصدقائي اغلبهم هناك عشان كدة بمشي بعدين ممكن أعرف أنا عملت شنو..؟
    - إنتا تقفل خالص ونحن هنا البنسأل بس يعني تجاوب وإنت ساكت.."كيف دي لم أسأله رغم إنها جديدة" وقلت في نفسي "كلام عساكر"
    - بتعرف فلان.. ماتقول لي ما بتعرفو عشان حا أكسر ليك راسك الكبير دا وفلان داك بتعرفو من وين والجماعة الفي النادي بتاعين الفرع ديل ما قدرك البقعدك معاهم شنو، وبعدين إنت ما عندك أهل مقضي اليوم كلو في تلاتة..؟
    هنا يدخل من يسمي بي أبي زيد ويلطمني دونما توقع مني حتي قفز الدمع من عيني: الشيوعي الكافر دا ما داير يقول الحقيقة ..
    - حقيقة شنو.. يا غضبة الله عليك، الزول ده قايلني زينب الحويرص و لا شنو..؟
    +++
    وتوالت الأسئلة..-
    طيب البوديك جامعة الخرطوم شنو..؟
    - ياخي انا بقرا هناك في معهد الدراسات الأفريقية.. هنا لطمة أخرى
    - شوف يا زول ماتقول لي "ياخي" انا صاحبك..؟ قول ياكمندان (بضم الكاف والميم) قول ما سامعني..!
    - يا كمندان..
    - آي كده.. بعدين قلت لي داير تبقي دكتور.. نحن ناقصين فلسفة، ماأهي البلد ملانا دكاترة.. جابوا لينا شنو بلا المرض والكلام الفارغ ..؟
    وطبعا الرجل معذور فهو يقوم بعمل ذي شأن عظيم يحمي الثورة العظيمة من أمثالي شذاذ الآفاق، وله أن يقود سيارة جديدة وأن يقبض مرتباً بأربعة أصفارٍ، ولك الله يا دكتور يوسف مدني، وأنت تأتي كل صباح لصرحك العظيم مشياً على الأقدام..
    المهم سادتي تواصل المسلسل بنفس الوتيرة بلا كلل منهم أو ملل، يذلون من شاءوا، ولا رقيب عليهم سوى إيمانهم الراسخ بأنهم إنما يرسون دعائم الدولة الإسلامية ويوجهون الأمة نحو حضارة السلف الصالح..
    وبعد مرور عشرة أيام ما عدت أطيق رائحتي، فجاء أحدهم يحمل علبة للتمباك، وبعد أن مارس ساديته في التهكم على من يتعاطونه وبـ"هبالة" تدعو للشفقة عليه:
    - البسف فيكم منو أديهو سفة والله سعوط كارب نمرة واحد، كدي يا النور تعال شمو أصلكم إنتو أهلنا ناس الغرب ديل خبرة، كارب مش كده.. لكن والله تشموا قدحة.!
    وقلت أن الرجل "عوييل" فلأجرب معه علي أستطيع للحمام سبيلاً :
    - يا كمندان.. يعني لو سمحت ممكن يعني استحمى..؟
    - شنو.. كدي تعال جاي.. يلا كدي قميصك ده أتنيهو.. أها إتكسر ولىّ لا.. شفته لمن ينكسر ويقول كش أنا بخليك تستحمه.. بعدين إنت جيت متين عشان تستحمى..؟!
    - يا كمندان تعال أسمع دا بقول شنو..؟
    - مالو الشيوعي ده..؟
    - قال داير يستحمى..!
    - بالله" ومد اللام الثانية طويلاً ".. يا خي ديل ما ناس تلاتة وتلاتة حلاتا.. كدي أفتح ليه الباب.. يلا عايزك تزحف في الخرصانة دي لحدي ما نجيك..
    وبدلاً من الحمام فقد تيممت في خرصانة كانت جزءً من جهنم، عملاً بالسلف الصالح و"صلُح التيممُ في حضور الماء.." وكله فقه والله أعلم.
    الخاتمة
    أبدأ اليوم سردي من المنزل، وقد كانت الوالدة، عليها الرحمة، تقوم بتحركات ماكوكية يحسدها عليها كولن باول، ولم تترك بابا الا وطرقته وكان كل همها "بس لو عرفت مكانو، حي ولىّ ميت، ما دايرا منكم شيء تاني.."، أسأل الله لها الرحمة، فما زلت أعتقد أني بصورة أو بأخرى قد عجلت برحيلها، ومن ناحية أخرى كان ريمون بيطار قد قام بجهد كبير لمعرفة مكاني وهو رجل ذو بأس لو أراد، ويملك المال وللأخير سلطانه في دولة التوجه الحضاري، والخواجة أثبت أنه ود بلد، كما قالت الوالدة، وعندما زار المنزل لتفقد الأحوال وجده كنادي الزومة، فقام بشراء كبش ودفع مبلغ خمسين ألف، وكان حينها يعادل مرتبي لثلاثة أشهر واسألكم المعذرة للإستطراد، ولكن أفضال الرجال يجب أن تذكر..
    أعود بكم الى بيت الأشباح وقد مرت ثلاثون يوما كانت كأسنان المشط، لا تغيير فيها إلا بقدوم وافد جديد يحمل أخبار الخارج وعبق الصابون، والأخير صار هاجساً لي وكنت أحسد الأستاذ محمد عتيق لتحمله وهو "ود العمارات" وليت ود بادي إلتقاه ..
    في نهاية الأسبوع الأول من يونيو كانت تحركات الوالدة قد بدأت تأتي أكلها.. ففي صباح ذاك اليوم جاءني المدعو مصطفي دكين يحمل لي صرة وأدخلها من بين فتحات السيخ في أعلى باب الزنزانة قائلا: ود تلاتة واسطاتك قوية.. هاك الزوادة دي لامن نطرشك ليها..
    وفتحت الكيس، وإثنتي عشرة عيناً تتبعني، وفيه وجدت جلباباً و"سروادوك" وفرشة أسنان ومعجون وصابونة، أي والله صابونة وكمان لوكس، يا الله "نان دي يا أمي آكلها..؟"، المهم بعدها بساعة من الزمن جاء القميء مرة أخرى وناداني بعد فتح الباب:
    - قوم يا ملحد إنت.. تعال مارق أمشي إستحمى..
    قالها ونظرت أنا إليه، فأعادها مرة أخرى
    - يا زول ما تمشي..
    ومشيت يا جماعة الحمام و"استحميييييييييييييييت وهاك يا كدوب وهاك يا دعك وبي الجد كنت وسـخان فقد كان الماء يصب علي جسدي صافياً زلالاً، ثم ينحدر بعد ذلك كما ينصب الماء من سبلوقة بيت جالوص بني اللون صلصالي الملمس وبه بعض الدرادم.. وعندما صارت الصابونة تنزلق من يدي لصغرها، قلت لنفسي فلأترك البروة دي للهديمات.."، وغسلت قميصي وما كان بإمكاني غسل البنطال فهو جينز وهذا يغسل بـ(أبو فيل)، اما ملابسي الداخلية، أكرم الله أعينكم، فقد كانت كـ"معراكة الدوكة"، ما كان مني الا أن رميتها في برميل الزبالة مثلما يتخفف المرء من ذنوبه..
    ورجعت الى الزنزانة وأعينٌ مليئة بالحقد ترصد خطواتي، وعند الواحدة ظهراً جاء القميء مرة ثالثة وناداني: ود تلاتة تعال.. آلنضيف عندك زيارة ..!
    وخرجت متسائلاً، من تراه يكون؟ وخلف المباني كان هناك من بادرني: إزيك يا زول عرفتني..؟
    - أبدا والله ماعرفتك..
    - أنا ود ناس عمك فلان..
    -أبداً والله برضو ما عرفتك..
    - ود حاجة فلانة صديقة والدتكم..
    - بالله كيف حالك كويس..؟
    - وإنت كيف.. الجماعة ديل بعاملوك كويس..؟
    - مافي عوجة..كان ردي فقال:
    - راسك القوي دا.. خليها تبقي ليك درس
    - مافي عوجة!
    - الحاجات وصلتك..؟
    - أيوا..
    - دي مرسلاها ليك الوالدة وهي كويسة وبتسلم عليك..
    - الله يسلمك ويسلمها شكرا يا أخي..
    - خلاص مع السلامة في أي وصية..؟
    - لا بس قول للوالدة ما تقلقي أنا بخير مع السلامة..
    ورجعت ميمماً وجهي تجاه الزنزانة فناداني القميء: تعال يا النضيف ما شي وين..؟
    - ماشي الزنزانة يا كمندان..
    - زنزانة شنو تعال بي جاي..
    وكان مكان الوضوء في منتصف الحوش، به ماء آسن وطين، فقال: شايف الطين داك.. أمشي إتعطن لي فيهو..
    "يااخوانا الزول ده بي صحو..؟"
    ومشيت وإتعطنت في الطين ولم يرضه ذلك، فقال: إدردق أخمج في الطين ده كويس..
    وصرت من جديد كالغراب ورجعت الزنزانة ولم يشمتوا فيّ، رغم إني قبل ساعة زمن، كنت عريس الفريق نضيف وظريف..
    ومر أسبوع آخر أنجلدت فيه كذا مرة، ثم تركوني يومين أو ثلاثة أيام دون ضرب، وأخيرا جاء أحدهم وناداني: يا الشيوعي أمرق وودع جماعتك ديل..! وقال محمد عتيق: مبروك يا زول يا إفراج يا كوبر.. وأي الحالين مبروك..
    وودعتهم بعد أن تبرعت بفرشة أسناني للأخ عوض عباس، وكانت هدية قيمة أفرحته والله، وربطوا لي عينّي بعد أن حلفوني على المصحف أن لا أخبر أحداً بما يحدث هناك..
    ورجعت الى حيث بدأت، وبنفس الطريقة والوسيلة الى مركز الأمن، وحقق معي ضابط أمن يدعى أسامة وذكر لي مجموعة من الممنوعات، ثم أخذوني الى مكتب الرجل، إبن صديقة الوالدة، وقد أمر سائقه أن يوصلني الى حيث أريد..! وذهبت الى الشركة حتى آخذ (الفيسبا) ثم أذهب الى المنزل، وعند دخولي المكاتب، بدأ الموظفون يتجمعون وبكت الزميلات وكان يوماً لن أنساه ما حييت، وعند رجوعي المنزل زغردت الوالدة وتجمع الجيران، ولكم أن تتخيلوا البقية ولم يكدر صفوي أحد لمدة، ثم رجعت الغلاصات حتى كان هروبي بعد ثلاثة أعوام خارج الوطن..
    التحية للشهداء
    التحية للقابضين على الجمر
    والصامدين والجاهرين بكلمة الحق
    ولا نامت أعين الجبناء
    خالد الحاج الحسن

    للمزيد من التوثيق للرواية وغيرها رجاء الرجوع الى
    جرائم سودانية
    دكتور أمين مكي مدني
    الناشر دار المستقبل العربي
    رقم الإيداع بدار الكتب المصرية 1878/2001
    الترقيم الدولي 977-279-172-4-I.S.B.N.

    (عدل بواسطة عادل فضل المولى on 02-08-2011, 03:58 PM)

                  

02-08-2011, 02:40 PM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: عادل فضل المولى)

    >> أحمد مطر >> خطـة


    خطـة



    حينَ أموتْ

    وتقومُ بتأبيني السُّلطةْ

    ويشيِّعُ جثماني الشرطةْ

    لا تَحْسَبْ أنَّ الطاغوت

    قد كرَّمني

    بل حاصرني بالجَبَروتْ

    وتبعني حتى آخرِ نقطهْ

    كي لا أشعْرَ أني حُرٌّ

    حتى وأنا في التابوتْ !!

                  

02-08-2011, 03:07 PM

Amani Al Ajab
<aAmani Al Ajab
تاريخ التسجيل: 12-18-2009
مجموع المشاركات: 14883

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: Mustafa Mahmoud)

    Quote: العام 1992م، شهر مايو، والخرطوم كعادتها تزدحم بالسابلة، يحتمون بظلال النيم ويسيرون على عجلٍ، منهم من يبحث عن وسيلة مواصلات، ومنهم من يسارع الخطى مخافة الكشات مرة لتفريق العاصمة ومرات للتجنيد القسري.
    عُدت في ذلك اليوم من مكتب الضرائب، بعد أن بذلت جهداً ليس بالقليل لإقناع أحد المفتشين أن أدوات معمل مصنع الصابون مستوردة بإسم ريمون بيطار وأن هذا الرجل لا تجب عليه الزكاة، ودخلت مكتبي في عمارة التاكا، وما أن جلست على المكتب حتى جاءني احد المراسلات قائلاً إن هناك من يسأل عني.. فقلت: دعه يتفضل..
    جاء شخص ضخم وسلّم خير سلامٍ، ثم تبعه آخر..
    قلت: تفضلوا ياجماعة تشربوا شنو..؟،
    - والله لو ممكن موية باردة لو سمحت..
    ثم بادرني: نحن من الأمن العام ويا أخي دايرنك تجي معانا شوية..!
    - في شنو يا جماعة إن شاء الله خير..؟
    - لا مافي حاجة بس شوية أسئلة كدة وبترجع لي شغلك..
    - خير مافي عوجة بس خلوني أسلم الورق ده وأستأذن وأمشي معاكم..
    - لا الورق خليه في مكتبك ده وأرح طوالي مافي داعي تستأذن..
    وتركت مكتبي وأوراقي ومفتاح (الفيسبا) وخرجت معهم، وعند نزولي أسفل البناية رأيت عربة (بوكس) بها شخص يجلس في مؤخرتها..
    وبادرني: أهلا بالبطل المناضل..!
    وأكرموني بالجلوس في السيارة في الأمام وجلس أحدهم بجانبي وقال لرفيقه "أرح"، واتجه الأخير الى الخرطوم ثلاثة، وعند وصولنا الى نادي الأسرة سألني: بيتكم وين..؟
    فقلت:بيتنا في الصحافة يا جماعة..
    فقال: يا زول إنت ما ساكن هنا..؟
    ولم ينتظر إجابتي وقال:أرح..مربع كم يازول ..؟
    - مربع خمستاشر
    -أرح..
    وصلنا المنزل.. سلموا أسلحتهم لـ"من" ناداني بالبطل، ودخلوا معي الى المنزل، وكانت الوالدة عليها الرحمة، تجلس تحت ظل النيمة في الحوش فرحبت بنا، ودخلنا الصالون وقام أحدهم بالإتجاه نحو المكتبة
    - دي مكتبتك يازول..؟
    -لا مكتبتي في الغرفة التانية..
    - ممكن نشوفها..
    - جدا..
    الوالدة: يا ولدي في شنو..؟
    - مافي حاجة يُمة بعدين بوريكي..!
    ودخلوا غرفتي دخول الفاتحيين، وبدأ أحدهم يقرأ للآخر عناوين الكتب..(مجلات الكرمل، اللهجة العامية في السودان، طبقات ود ضيف الله، النزعات المادية في الإسلام: "ده جيبو جاي.."، مدن الملح،: "الزول ده مثقف..!" القرآن الكريم، الأطفال والعساكر: "ده برضو جيبو..!"، علاقات الرق في المجتمع السوداني، "جيبو.. كدي زح ليّ.."
    وقام بأخذ ما مجموعه عشرون كتاباً لم يكن بينهم القرآن الكريم..!
    الوالدة تنادي: يا ولدي الشاي..!
    وتسألني حينما خرجت لأخذه: في شنو وديل منو إنت سويت ليك مصيبة ولا شنو..؟
    مجموعة من الأسئلة لم أكن أملك لها إجابة؛ وخرج هولاكو ورفيقه بما حملاه من غنائم، وخرجنا الى الشارع، وأحدهم يجيب على سؤال الوالدة التي لم تعد تستطع صبرا.."الزول ده بجي بعد شوية يا حاجة مافي مشكلة مجرد أسئلة وبجي راجع"..
    ومن جديد تحركت السيارة ولم يقل أرح هذه المرة
    ++
    وصلنا سادتي الى حي المطار وبالتحديد الى عمارات ضخمة في مواجهة مقابر (الكومونولث) وتلاصق مباني القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، ودخلت السيارة دونما إستئذان، وأدخلوني الى المبنى الوسيط ومن ثم الى الطابق الثالث، وداخل الصالة قرأت على لوحة ضخمة معلقة على الحائط الآية الكريمة (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق..) الى أخر الأية، فاطمأنت نفسي، ولا أخدعكم فقد كان بي بعض الوجل، وجلست في غرفة صغيرة (4 × 4) وجاء غيري، شباب ونساء، ثم دخل علينا محمد شريف علي، المسرحي الشهير، وبدأ لساني ينطق والونسة إحلوت ومر الوقت وكلُ من جاء غادر.. وبقيت كالسيف وحدي، وعندما أرخى الليل سدوله، جاء أحدهم عابس الوجه قميئه، وناداني: تعال يازول.. وسرت خلفه الى غرفة يتوسطها مكتب يجلس عليه شخص،عندما قمت بعد ذلك بوصفه للأستاذالصحفي محمد عتيق قال إنه عاصم كباشي، وبدأ الرجل يسألني: إسمك منو بتعرف فلان وفلان وفلان..؟
    وتعددت إجاباتي، منهم من أعرف وكثيرين لا.‘ وفجأة أُحسُّ بيد تمسك بي من مؤخرة رأسي..
    - أوعك تتلفت..!
    ثم أعقب ذلك بصفعة على الأذن، ثم أخرى وعليّ أن لا ألتفت.!
    لم أراه وخرج وتركني لـ"الأول" يواصل أسئلته، ثم جاء آخر، هذه المرة بلا إستحياء، وصار الأول يسأل والثاني يشجعني على الإجابة بـ"الصفعات مرة ومرة بالشلوت"، ثم أخذني الأخير الى غرفة مليئة بالكتب الى سقفها، وهناك كان عليّ أن أحمل أنبوبة غاز واقوم بعملية إحماءٍ جلوس، ثم قيام ثم جلوس، حتى تورمت ساقاي، وكان يـ"حفزني" بضربات توالت لساعة، ثم صارت ضربات بدون انبوبة الغاز لأني ما عدت أقوى على حمل الأنبوبة، ثم لم أُعد أُحس بشيء بعد ساعات من الضرب، وتركوني أنزف من أنفي وفمي..
    وفي الصباح جاء أحدهم وسلمني لمكتب آخر، وقاموا بعصب عيوني وأرقدوني في المقعد الخلفي لسيارة ملاكي، سارت لمدة ربع ساعة ثم توقفت لينزلوني، ودخلت ليربطوا لي يديّ بحبل في شجرة نيم وأوقفوني على أمشاطي من الصباح حتى عصر نفس اليوم، وبعد أن حلوا وثاقي أدخلوني الى حوش كبير فيه ساحة مفروشة بالخرصانة، تتوسطه ثمانية عشرة زنزانة، وكان بالحوش مجموعة من الناس، عرفت منهم (ميرغني عبد الرحمن سلمان، بكري عديل، العم الحاج مضوي، محمد عتيق، فوزي..، كمال التجاني المحامي) ومجموعة ضخمة تعرفت على بعضهم بعد ذلك وسيأتي ذكرهم
    ++

    أخذني الرجل يجرني من أذني وكأني (بهيمة) وهذه المرة كان هزيل العود ضامراً ونحيفاً جداً.. فخطر على بالي "لو أن المكان غير المكان.. كنت طبيتو كربون ونشفت ريقو"، لكن ما علينا، المهم سادتي توسط بي الحوش وخاطب الجمع بكل وقاحة: الليلة جبنا ليكم زول جديد..! وقام بتوزيع المعتقلين الى مجموعات وأوقعني مع مجموعة كمال التجاني، هنا فقط عرفت تصنيفي، وعرفت أنه نسبة لسخونة الجو، فقد أنعموا علي المعتقلين بحبة همبريب، وتركوهم يجلسون في الحوش، ثم قام أحدهم بتشغيل شريط تسجيل للمبدعة عائشة الفلاتية وسأل الجمع: العارف الفنان ده يبلغ..؟! وهو تعبير عسكري، ولم يرد احد عليه، ولما رأيت الرجل مصراً على ان يعرف، قلت له: هذه عائشة الفلاتية..
    - شليق.. فقال قووم، كمان عارف يالله ادينا أرنب نط..
    ولما كنت جديداً كان على أحدهم أن يشرح لي، أسأله الغفران، فقد كنت السبب في جعله يقفز على أمشاطه كحيوان الكانقرو وكانت ساقاه طويلتان، وهي مشقة لو تعلمون قاسية خاصة على طوال الأرجل، وقمت بتلك الحركة اللعينة جيئة وذهاباً لمدة خلتها دهراً، حتى أرضيت غرور ذاك الهضيم، ثم تركني أجلس وجاءوا بالتجاني حسين في تلك الليلة ملطخا بالدماء ورموه في وسط الحوش وأمروه بالوقوف، وما كان له الى ذلك سبيلا ولم يوقفهم ذلك من ضربه حتى خلنا ان الرجل قد مات، ثم أدخلونا عند المغيب الى الزنازين، وكان نصيبي زنزانة صغيرة بها أربعة أشخاص غيري وهم عوض عباس من مواطني الكلاكلة، النور ابراهيم الدور رقيب بالقوات المسلحة، وأبو بكر عبد المجيد موظف، والصحفي محمد عتيق رئيس تحرير مجلة الدستور السودانية أيام الديموقراطية الثالثة.
    ولم أنم تلك الليلة، ليس للآلام الجسدية فحسب، وإنما لأن أحد المعتوهين من عساكر الأمن كان يقوم بتسلية نفسه برجم أبواب الزنازين بالخرصانة، وقد إستمر في ذلك حتى صباح اليوم الثاني
    ++
    في اليوم الثاني سادتي، جاء المدعو مصطفى دكين، وهو أحد المتخصصين في التعذيب، يرافقه زميله أبوزيد، وكان الأول يدعونا الى الصلاة، وبعد الإنتهاء منها، يأمرنا بالوقوف في مواجهة الحائط وإغماض أعيوننا بأيدينا، وقمت في ذلك اليوم بالوقوف ووجهي على الحائط لمدة ست ساعات، قام فيها الإخوة بمراقبة الحوش، وحينما كان يغيب لمدة قصيرة، كنت أجلس لدقائق معدودة الى أن لمحني، لعنة الله عليه، وعرفت حينها ما يسمي بـ"ست العرقي"، وهي أن "تمسك أذنك اليمني بيدك اليسري ثم تدخل يدك اليمني في الدائرة المتكونة من ذلك وتنحني ملامسا الأرض دون أن تجعل ركبتاك تنحنيان، ثم تدور حول نفسك"، وهي حركة تصيب بالغثيان، وغالبا ما يضحك العسكري القميء لمنظرك، مما يضاعف حجم الهوان لديك، وقد قمت بذلك وأعقبه ضرب بخرطوش المياه الأسود والذي يستخدم عادة لتوصيل المياه داخل الأرض الى المنازل، ثم شهدنا أناساً، ماكنت والله أحسب أن الأم السودانية بقادرة على ان تجود بأمثالهم وضاعة وخسة وعدم إحترام لإنسانية الفرد ناهيك عن سنّه ومن هؤلاء السفلة المدعو (حسن الطاهر، عادل سلطان، الفاتح مصطفي، وليد حسن عبد القادر، عبد الله طوكر، حسن مقبول،جهاد..،يوسف..)، وقد تواصلت الابداعات ،نأكل وجبة واحدة في اليوم مكونة من فول سيء بدون ملح وزيت وخبز متيبس، وأحيانا ينعموا علينا بشاي في برطمانات مربة، ونحلّي في الغالب بجلدة ساخنة، ويعتبر الحمام من المستحيلات وإن حدث فهو إعلاناً بخروجك من المعتقل..!
    ++
    نخرج اليوم أحبتي من جو المعتقل الحار جداً الى خارجه، لتكتمل الصورة وأبدأ من شركة بيطار حيث قامت إيفون فلتاؤس، رئيسي المباشر، بالسؤال عن الحاصل بعد خروجي، وقد توجست خيفة كما قالت لي فيما بعد، ولما لم يسعفها أحد بإجابة شافية قامت بإبلاغ الخواجة ريمون بيطار الذي رأى الإنتظار، عملاً بنصيحة السيد بوب المحامي ومحامي الشركة، ومر اليوم دونما جديد سوى أن مجموعة الزملاء قاموا بالإتصال بالمنزل وكانت الوالدة تتوقع حضوري حسب وعد هولاكو لها، ولما تأخرت تحول المنزل الى مناحة..! وتجمع الشايقية من الدروشاب والكلاكلات والحاج يوسف وما بينها وهاك يا شاي..
    في المعتقل كان اليوم الثالث وبغير العادة هادئ جداً، وساعات النهار في شهر مايو طويلة طويلة، وبدأت أشم رائحة جسدي تتعفن، ولما سألت عن إمكانية حمام ضحك الحضور بالزنزانة، وكأن الموضوع باعث للتندر: "يا زول إنت قايل ده الهيلتون والله أنا لي شهر ما إستحميت" قال النور أبراهيم، وكنت لا أحتاج لقسمه بالله لأصدقه، فرائحتة دليل مادي لا يقبل الطعن..! ومرت ساعات النهار بلا نهاية، وحلّ المساء ولم يتغير الموضوع، ما زال الهدوء العجيب، وأخيرا زال عجبنا في صلاة المغرب حينما همس أحد القادمين الجدد بأن الترابي تعرض لمحاولة إغتيال في كندا، وكنت أتخيل أن الحكاية رصاص حتى جاء الخبر الأكيد، عندما جاء الى زنزانتنا في اليوم التالي سائق سيارة السيد الصادق المهدي ضيفاً عزيزاً علينا، وهنا حكاية طريفة فقد كان جرم الرجل "عظيماً"، تصوروا أنه كان يقوم بتوصيل سيد الصادق الى منزل عزاء وعلى لسانه أروي القصة
    - يا زول مالك جابوك في شنو..؟ السؤال التقليدي
    - والله كنا ماشين بيت عزا وعربة الأمن كانت ورانا قام نزل ليهم لستك فوقفوا، ونحن واصلنا مشوارنا وبعد ما رجعنا البيت لقيناهم منتظرننا، فجابوني هنا وهاك يا ضرب..!
    وكان وجه الرجل عجيباً من آثار الضرب، وقام الرجل مشكوراً بتوضيح القصة لنا.. أن هاشم بدر الدين قام بجلد الرجل.. "وأسع هو كده كده.."، ولم يفرح لذلك الحدث أحد على الأقل بزنزانتنا، وكانت الحكاية دليلاً على مستوي الخصومة التي أوصلنا لها نظام إحترف العنف وسيلة لفرض أرائه، فإذا بها ترتد إليه في شخص رمزه الشيخ.. ويا لها من مأساة لم تنته فصولها بعد، نسأل الله اللطف..
    جاء الليل سادتي وتواصل "الفلم الهندي" من ضرب بالخراطيش والدبشك والزحف على الخرصانة
    ++
    مضى أسبوعي الأول في المعتقل، وأخذت أعتاد الأشياء والوجوه، نرى بعضنا للحظات عند الخروج للصلاة ويتعرفون عليك في عجالة من أمرهم، فالونسة ترف لا يملكه معتقلو بيت الأشباح، وعرفت صفوة من الناس تنحني الشمس خجلاً لهاماتهم النبيلة (أحمد حمدان، التجاني حسين،عبد المنعم عبد الرحمن، فيصل حسن التجاني، حسن هاشم، محمد وداعة الله،علي أحمد حمدان ناهل، أحمد دهب، نادر عباس، التجاني مصطفي، علي أبوبكر، كمال الجزولي، الحاج مضوي محمد أحمد، نصرحسن بشير نصر، ملازم أمن الجمري، فوزي أمين، تيراب تندل أدم، بكري عديل،سيد أحمد الحسين..) والكثيرين الذين لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم..
    كان ذهاب الى التوليت مشكلة، فهم لا يمهلونك حتى "تقضي أمرك" ويضربون على الباب، وإن تأخرت تحول الضرب إليك، مما أصابني بإمساك ومغص في الإمعاء عانيت منهما الأمرين، وبعد مرور الأسبوع صارت الرائحة لا تطاق، وكلما منيت نفسي بالتعود تقول لي هيهات، وطبعا لا يوجد ما يسمي مسواك حتي صار من المألوف أن تخاطب رفقاء الزنزانة وأنت تولي وجهك نحو الجهة المعاكسة، وأصبحت الزنزانة تحمل رائحة مشرحة الخرطوم العتيقة وصار الهرش "حك فروة الرأس والجلد"، عادياً جداً لا يثير إنتباها ونادوني صباح يوم غير بهي إلى غرفة قصية وبدأ ما يمكنني تسميته تحقيق لأول مرة..
    - إنت البوديك تلاتة شنو..؟
    - والله ياخي تلاتة دي أنا مولود فيها وأصدقائي اغلبهم هناك عشان كدة بمشي بعدين ممكن أعرف أنا عملت شنو..؟
    - إنتا تقفل خالص ونحن هنا البنسأل بس يعني تجاوب وإنت ساكت.."كيف دي لم أسأله رغم إنها جديدة" وقلت في نفسي "كلام عساكر"
    - بتعرف فلان.. ماتقول لي ما بتعرفو عشان حا أكسر ليك راسك الكبير دا وفلان داك بتعرفو من وين والجماعة الفي النادي بتاعين الفرع ديل ما قدرك البقعدك معاهم شنو، وبعدين إنت ما عندك أهل مقضي اليوم كلو في تلاتة..؟
    هنا يدخل من يسمي بي أبي زيد ويلطمني دونما توقع مني حتي قفز الدمع من عيني: الشيوعي الكافر دا ما داير يقول الحقيقة ..
    - حقيقة شنو.. يا غضبة الله عليك، الزول ده قايلني زينب الحويرص و لا شنو..؟
    +++
    وتوالت الأسئلة..-
    طيب البوديك جامعة الخرطوم شنو..؟
    - ياخي انا بقرا هناك في معهد الدراسات الأفريقية.. هنا لطمة أخرى
    - شوف يا زول ماتقول لي "ياخي" انا صاحبك..؟ قول ياكمندان (بضم الكاف والميم) قول ما سامعني..!
    - يا كمندان..
    - آي كده.. بعدين قلت لي داير تبقي دكتور.. نحن ناقصين فلسفة، ما أهي البلد ملانا دكاترة.. جابوا لينا شنو بلا المرض والكلام الفارغ ..؟
    وطبعا الرجل معذور فهو يقوم بعمل ذي شأن عظيم يحمي الثورة العظيمة من أمثالي شذاذ الآفاق، وله أن يقود سيارة جديدة وأن يقبض مرتباً بأربعة أصفارٍ، ولك الله يا دكتور يوسف مدني، وأنت تأتي كل صباح لصرحك العظيم مشياً على الأقدام..
    المهم سادتي تواصل المسلسل بنفس الوتيرة بلا كلل منهم أو ملل، يذلون من شاءوا، ولا رقيب عليهم سوى إيمانهم الراسخ بأنهم إنما يرسون دعائم الدولة الإسلامية ويوجهون الأمة نحو حضارة السلف الصالح..
    وبعد مرور عشرة أيام ما عدت أطيق رائحتي، فجاء أحدهم يحمل علبة للتمباك، وبعد أن مارس ساديته في التهكم على من يتعاطونه وبـ"هبالة" تدعو للشفقة عليه:
    - البسف فيكم منو أديهو سفة والله سعوط كارب نمرة واحد، كدي يا النور تعال شمو أصلكم إنتو أهلنا ناس الغرب ديل خبرة، كارب مش كده.. لكن والله تشموا قدحة.!
    وقلت أن الرجل "عوييل" فلأجرب معه علي أستطيع للحمام سبيلاً :
    - يا كمندان.. يعني لو سمحت ممكن يعني استحمى..؟
    - شنو.. كدي تعال جاي.. يلا كدي قميصك ده أتنيهو.. أها إتكسر ولىّ لا.. شفته لمن ينكسر ويقول كش أنا بخليك تستحمة.. بعدين إنت جيت متين عشان تستحمى..؟!
    - يا كمندان تعال أسمع دا بقول شنو..؟
    - مالو الشيوعي ده..؟
    - قال داير يستحمى..!
    - بالله" ومد اللام الثانية طويلاً ".. يا خي ديل ما ناس تلاتة وتلاتة حلاتا.. كدي أفتح ليه الباب.. يلا عايزك تزحف في الخرصانة دي لحدي ما نجيك..
    وبدلاً من الحمام فقد تيممت في خرصانة كانت جزءً من جهنم، عملاً بالسلف الصالح و"صلُح التيممُ في حضور الماء.." وكله فقه والله أعلم.
    الخاتمة
    أبدأ اليوم سردي من المنزل، وقد كانت الوالدة عليها الرحمة تقوم بتحركات ماكوكية يحسدها عليها كولن باول، ولم تترك باباً الا وطرقته وكان كل همها "بس لو عرفت مكانو، حي ولىّ ميت، ما دايرا منكم شيء تاني.."، أسأل الله لها الرحمة، فما زلت أعتقد أني بصورة أو بأخرى قد عجلت برحيلها، ومن ناحية أخرى كان ريمون بيطار قد قام بجهد كبير لمعرفة مكاني وهو رجل ذو بأس لو أراد، ويملك المال وللأخير سلطانه في دولة التوجه الحضاري، والخواجة أثبت أنه ود بلد، كما قالت الوالدة، وعندما زار المنزل لتفقد الأحوال وجده كنادي الزومة، فقام بشراء كبش ودفع مبلغ خمسين ألف، وكان حينها يعادل مرتبي لثلاثة أشهر واسألكم المعذرة للإستطراد، ولكن أفضال الرجال يجب أن تذكر..
    أعود بكم الى بيت الأشباح وقد مرت ثلاثون يوما كانت كأسنان المشط، لا تغيير فيها إلا بقدوم وافد جديد يحمل أخبار الخارج وعبق الصابون، والأخير صار هاجساً لي وكنت أحسد الأستاذ محمد عتيق لتحمله وهو "ود العمارات" وليت ود بادي إلتقاه ..
    في نهاية الأسبوع الأول من يونيو كانت تحركات الوالدة قد بدأت تأتي أكلها.. ففي صباح ذاك اليوم جاءني المدعو مصطفي دكين يحمل لي صرة وأدخلها من بين فتحات السيخ في أعلى باب الزنزانة قائلا: ود تلاتة واسطاتك قوية.. هاك الزوادة دي لامن نطرشك ليها..
    وفتحت الكيس، وإثنتي عشرة عيناً تتبعني، وفيه وجدت جلباباً و"سروادوك" وفرشة أسنان ومعجون وصابونة، أي والله صابونة وكمان لوكس، يا الله "نان دي يا أمي آكلها..؟"، المهم بعدها بساعة من الزمن جاء القميء مرة أخرى وناداني بعد فتح الباب:
    - قوم يا ملحد إنت.. تعال مارق أمشي إستحمى..
    قالها ونظرت أنا إليه، فأعادها مرة أخرى
    - يا زول ما تمشي..
    ومشيت يا جماعة الحمام و"استحميييييييييييييييت وهاك يا كدوب وهاك يا دعك وبي الجد كنت وسـخان فقد كان الماء يصب علي جسدي صافياً زلالاً، ثم ينحدر بعد ذلك كما ينصب الماء من سبلوقة بيت جالوص بني اللون صلصالي الملمس وبه بعض الدرادم.. وعندما صارت الصابونة تنزلق من يدي لصغرها، قلت لنفسي فلأترك البروة دي للهديمات.."، وغسلت قميصي وما كان بإمكاني غسل البنطال فهو جينز وهذا يغسل بـ(أبو فيل)، اما ملابسي الداخلية، أكرم الله أعينكم، فقد كانت كـ"معراكة الدوكة"، ما كان مني الا أن رميتها في برميل الزبالة مثلما يتخفف المرء من ذنوبه..
    ورجعت الى الزنزانة وأعينٌ مليئة بالحقد ترصد خطواتي، وعند الواحدة ظهراً جاء القميء مرة ثالثة وناداني: ود تلاتة تعال.. آلنضيف عندك زيارة ..!
    وخرجت متسائلاً، من تراه يكون؟ وخلف المباني كان هناك من بادرني: إزيك يا زول عرفتني..؟
    - أبدا والله ماعرفتك..
    - أنا ود ناس عمك فلان..
    -أبداً والله برضو ما عرفتك..
    - ود حاجة فلانة صديقة والدتكم..
    - بالله كيف حالك كويس..؟
    - وإنت كيف.. الجماعة ديل بعاملوك كويس..؟
    - مافي عوجة..كان ردي فقال:
    - راسك القوي دا.. خليها تبقي ليك درس
    - مافي عوجة!
    - الحاجات وصلتك..؟
    - أيوا..
    - دي مرسلاها ليك الوالدة وهي كويسة وبتسلم عليك..
    - الله يسلمك ويسلمها شكرا يا أخي..
    - خلاص مع السلامة في أي وصية..؟
    - لا بس قول للوالدة ما تقلقي أنا بخير مع السلامة..
    ورجعت ميمماً وجهي تجاه الزنزانة فناداني القميء: تعال يا النضيف ما شي وين..؟
    - ماشي الزنزانة يا كمندان..
    - زنزانة شنو تعال بي جاي..
    وكان مكان الوضوء في منتصف الحوش، به ماء آسن وطين، فقال: شايف الطين داك.. أمشي إتعطن لي فيهو..
    "يااخوانا الزول ده بي صحو..؟"
    ومشيت وإتعطنت في الطين ولم يرضه ذلك، فقال: إدردق أخمج في الطين ده كويس..
    وصرت من جديد كالغراب ورجعت الزنزانة ولم يشمتوا فيّ، رغم إني قبل ساعة زمن، كنت عريس الفريق نضيف وظريف..
    ومر أسبوع آخر أنجلدت فيه كذا مرة، ثم تركوني يومين أو ثلاثة أيام دون ضرب، وأخيرا جاء أحدهم وناداني: يا الشيوعي أمرق وودع جماعتك ديل..! وقال محمد عتيق: مبروك يا زول يا إفراج يا كوبر.. وأي الحالين مبروك..
    وودعتهم بعد أن تبرعت بفرشة أسناني للأخ عوض عباس، وكانت هدية قيمة أفرحته والله، وربطوا لي عينّي بعد أن حلفوني على المصحف أن لا أخبر أحداً بما يحدث هناك..
    ورجعت الى حيث بدأت، وبنفس الطريقة والوسيلة الى مركز الأمن، وحقق معي ضابط أمن يدعى أسامة وذكر لي مجموعة من الممنوعات، ثم أخذوني الى مكتب الرجل، إبن صديقة الوالدة، وقد أمر سائقه أن يوصلني الى حيث أريد..! وذهبت الى الشركة حتى آخذ (الفيسبا) ثم أذهب الى المنزل، وعند دخولي المكاتب، بدأ الموظفون يتجمعون وبكت الزميلات وكان يوماً لن أنساه ما حييت، وعند رجوعي المنزل زغردت الوالدة وتجمع الجيران، ولكم أن تتخيلوا البقية ولم يكدر صفوي أحد لمدة، ثم رجعت الغلاصات حتى كان هروبي بعد ثلاثة أعوام خارج الوطن..
    التحية للشهداء
    التحية للقابضين على الجمر
    والصامدين والجاهرين بكلمة الحق
    ولا نامت أعين الجبناء
    خالد الحاج الحسن

    للمزيد من التوثيق للرواية وغيرها رجاء الرجوع الى
    جرائم سودانية
    دكتور أمين مكي مدني
    الناشر دار المستقبل العربي
    رقم الإيداع بدار الكتب المصرية 1878/2001
    الترقيم الدولي 977-279-172-4-I.S.B.N.

    لن ننسى
    وسيبقى خالداً بيننا
    "إنا لله وإنا إليه راجعون "
    اللهم يا حنان يا منان يا بديع السموات والارض تغمده برحمتك يا ارحم الراحمين
    اللهم انزل نورا من نورك عليه
    اللهم نور له قبره ووسع مدخله وآنس وحشته
    اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة
    اللهم ابدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من اهله
    اللهم ارجع نفسه اليك راضية مرضيه وادخله في جنتك مع عبادك الصالحين
    اللهم ان كان من المحسنين فزد في حسناته وان كان من المسيئين فتجاوز عن سيئاته
    اللهم اكتبه عندك من الصابرين وجازه جزاء الصابرين
    عزاؤنا لزوجته وانجاله و أقاربه وأصدقائه ومعارفه.
    إن شاء الله البركة فيكم الأخ عادل فضل المولى
                  

02-08-2011, 03:51 PM

عادل فضل المولى
<aعادل فضل المولى
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 2165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة منقحة) (Re: Amani Al Ajab)

    له الرحمة والمغفرة
    والبركة في الجميع
                  

02-08-2011, 03:14 PM

doma
<adoma
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 15970

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: Mustafa Mahmoud)

    الف رحمه ونور عليك يا خالد


    ولهم الخزي في الدنيا والاخرى
                  

02-08-2011, 03:58 PM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20358

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: doma)

                  

02-08-2011, 04:33 PM

Abdlaziz Eisa
<aAbdlaziz Eisa
تاريخ التسجيل: 02-03-2007
مجموع المشاركات: 22291

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: محمد حيدر المشرف)

    يا الله


    دموعي تسيل..

    آه يا وطن..


    كم فيك من مآسي.
    كم فيك من جرابيع
    وناس بلا رحمة
    حيوانات آدمية

    هذا ليس هو السودان..

    لك الله يا وطن..
                  

02-08-2011, 05:19 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: Abdlaziz Eisa)

    [qoute]التحية للقابضين على الجمر
    والصامدين والجاهرين بكلمة الحق


والتحية لك في عليائك، يا خالد، فقد كنت من هؤلاء عن جدارة!
والخزي لكل من أذاك متعمداً ولو بكلمة جارحة!
الحزي له في الدنيا والآخرة!
                  

02-08-2011, 05:31 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: Abdlaziz Eisa)
                  

02-08-2011, 05:36 PM

عبد المنعم ابراهيم الحاج
<aعبد المنعم ابراهيم الحاج
تاريخ التسجيل: 03-22-2005
مجموع المشاركات: 5691

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: عبدالله عثمان)

    كيف الكلام دا !!؟
    ومعقول تغادر بهذه البساطة ؟
    المسافة من الغربة وحتى جبل البركل
    تكلف كل هذا الوقت؟
    قولوا ياناس كلامن غير
    غير كلام الموت والرحيل
    صحيح الدنيا عزّالة
    إلا التمر بيصبر
    والنخلة فوق القيف
    تقيف حولين تقيف أكتر
    وعمرك ياصديق صامد
    تعدي الوعكة في
    جضمن تخين بالحمى
    والكفيت !!!
    ما لجلجت قلت تفوت تعدي
    الضفة تمشي براك !!
    وكيف شبّحت في نهرك حياة
    مهتاج ،
    حددت التراب
    الغادي فوق شبرك !!؟
    ولمت النيل
    على القسمة البدون
    جرد الحساب الفات ..

    لك الرحمة ياصديق ولنا الحزن يعمر في الدواخل
    لا تعزينا سوى سيرتك الناصعة
    والأصدقاء ..وللأهل الصبر
                  

02-14-2011, 01:50 PM

Yassir Tayfour
<aYassir Tayfour
تاريخ التسجيل: 08-18-2005
مجموع المشاركات: 10899

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: عبد المنعم ابراهيم الحاج)

    له الرحمة والمغفرة وعال الجنان!

    (عدل بواسطة Yassir Tayfour on 02-14-2011, 01:52 PM)

                  

02-14-2011, 02:45 PM

Yassir Tayfour
<aYassir Tayfour
تاريخ التسجيل: 08-18-2005
مجموع المشاركات: 10899

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: Yassir Tayfour)

    المكرم عادل فضل المولى
    هل الصحف بإمكانها نشر هذه الإفادة أو الرقيب القبلي لن يسمح بذلك؟
                  

02-14-2011, 08:32 PM

عادل فضل المولى
<aعادل فضل المولى
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 2165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج .. لكي لا ننسى (نسخة مننقحة) (Re: Yassir Tayfour)

    الشقيق ياسر طيفور
    بعد التعازي الحارة
    اخوك بعيد عن الصحف منذ مدة
    واغلب الظن انها لن تجد طريقاً للنشر
    ومع ذلك ساحاول مع بعض الاصدقاء
    عسى ولعل ان ننجح
    فهذه السيرة المقتضبة "لما حدثت" كشفت عن جانب كان خفياً على البعض
    وهي تمكن الراحل من ناصية السرد الممتع - فعلاوة على القيمة التوثيقية - لهذه الاسطر
    الا انها كانت قطعة من الحكي الرائع حري بها ان تجد مكانها في النشر على نطاق اوسع
    رحم الله خالداً فقد حفر كلمته ومضى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de