|
|
زين الهاربين...
|
زين الهاربين... محمد غرافي 2011-01-25
1 في يوم السابع من تشرين الثاني ( نوفمبر) سنة 1987 تعرفت إلى حياة. وأنا أودعها في موقف الباص بوجدة، مر صديق وقال لي متحمسا: سقط بورقيبة. حياة لم تكن تفهم شيئا في السياسة ولا تعرف بورقيبة. فهمست في أذني قبل أن نفترق: في المرة القادمة لا تلبس هذا السّبّاط. كان حذائي ذاك أخضر. أتاني به قريب مهاجر هديةً من الخارج، أي من فرنسا. يوم تربع زين العابدين على عرش الخضراء، تخلصت أنا إلى الأبد من الحذاء الأخضر. 2 بعد سقوط الديكتاتور بيومين، بعثتُ عبر الهاتف الجوال بسطرين إلى صديق تونسي يقيم في فرنسا أبارك له ولنا سقوط الديكتاتور. وعلى غير عادته، لم يجبني صديقي التونسي ليقول لي : بارك الله فيك أو عقبى لك مثلما تعوّد أن يجيبني في مناسبات الأعياد. فهمت أن الخوف الذي دام ثلاثا وعشرين سنة من الإرهاب لا يختفي يومين فقط بعد سقوط الديكتاتور. 3 فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا ( المجنون). كلما فكرت في ليلاه، وضعت كتاب الأغاني جانبا. 4 هَرِبَ الرجُلُ إذا هَرِمَ ( لسان العرب). للهروب أسباب وأشكال ومآرب شتى. ثمة من يهرب من البوليس. ثمة من يهرب إلى الخارج لأنه يهرب من البوليس والبطالة والقمع. ثمة من يهرب من كل أنواع الكلاب مثل صغيرتي لينة. ثمة من يهرب من الزواج. ثمة من يهرب من السجن. ثمة من يهرب من الحقيقة. ثمة من يهرب من الديون. ثمة من يهرب من الفأس حين تساعده في حفر قبر أمه. ثمة من يهرب من اللاحياة مثل محمد البوعزيزي. ثمة من يهرب من حياة لأنه لا يملك ما يقتني به حذاء غير أخضر. ثمة من يهرب من البيت لأنه لا يملك ما يعيل به أهل البيت. ثمة من يهرب من نفسه. ثمة من يهرب إلى البحر. ثمة من يهرب إلى الموت. ثمة من يهرب إلى الشعر. ثمة من يهرب إلى النثر. ثمة من يهرب إلى الكتاب. ثمة من يهرب إلى جريدة وقهوة. ثمة من يهرب إلى شيشة. ثمة من يهرب إلى حشيشة. ثمة من يهرب إلى أعقاب سجائر. ثمة من يهرب إلى قوارب الموت. ثمة من يهرب إلى الكحول. ثمة من يهرب إلى حضن أمه. ثمة من يهرب من المحكمة. ثمة من يهرب من اللصوص. ثمة من يهرب.. إلى اللصوص. ثمة من يهرب من الكلام عن تونس مثل قادة فرنسا. ثمة من يهرب إلى مكة أو المدينة للتكفير عن ذنوبه.. وثمة ـ وهذا نادر جدا ـ من يهرب من الشعب إلى... جدّة. وذلك لعمري هو زين الهاربين. كاتب من المغرب يقيم في باريس
|
|

|
|
|
|