|
مقال أعجبنى للصحفى المخضرم محمدسعيد محمد الحسن (ياسيادة الفريق سلفاكيرا! من يسامح ..من؟ منقول
|
من المحزن ان نستعيد كل مرة تحذيراً وتنبيهاً غليظاً ومبكراً، كتب في افتتاحية جريدة «الرأي العام» ديسمبر 1955 في اعقاب احداث التمرد الدموي 18 اغسطس 1955 وقبل إعلان الاستقلال مطلع 1956، وكتبها اداري دبلوماسي ومفكر رفيع عمل في مديريات الجنوب وبوجه خاص في مديرية أعالي النيل حث فيها رئيس الحكومة الوطنية الزعيم إسماعيل الازهري بعدم البت أو اتخاذ قرار بالنسبة لقضية الوحدة مع مصر أو اعلان الاستقلال قبل الوصول إلى حل لمشكلة الجنوب التي ورثها الحكم الوطني «1954-1956» عن الاستعمار وانفجرت في اغسطس 1955 وسجل كاتب الافتتاحية اللافتة ما مفاده «ان اهل الشمال بحكم نشأتهم وتربيتهم وتعاليم دينهم بمقدورهم العفو والتسامح وطي أحزانهم بمرور الزمن على من قتلوا غدراً في احداث التمرد الدموي في توريت ومناطق أخرى أما بالنسبة للآخرين -أي الجنوبيين- الذين عاشوا البدائية والجهل والتخلف فإن الزمن لا يزيدهم إلا مرارة وحقداً وكراهية يتوارثونها، بلا نهاية، وجيلاً بعد جيل ولذلك من المهم حسم قضية الجنوب مع زعمائه قبل اعلان الاستقلال قبلا ان تتفاقم لاحقاً. وللأسف الشديد ان الحكومة والقوى السياسية آنذاك لم تأخذ بالتحذير ولا بالتنبيه وظلت مشكلة الجنوب تتفجر منذ ذلك التاريخ وحتى 2005 ومن اللافت ان قيادات الحركة الشعبية و من خلال احاديثهم ومواقفهم ثابروا على التذكير بهذه الحقيقة والحقد والمرارة فقد نقلت وكالات الانباء وقناة الجزيرة من جوبا ان رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية الفريق سلفاكير استخدم منبر كاتدرائية القديسة تريزا ليطلب من مواطني الجنوب العفو والتسامح لأهل الشمال الذين حاربوهم وقاتلوهم وهو بهذا القول يثير الضغينة والكراهية في نفوس الجنوبيين باكثر مما يدعو للعفو والتسامح، وهو قول يتنافى ويتناقض تماماً مع الوقائع ومحاضر المحاكم والقضاء وذاكرة التاريخ فاول تمرد وقع في الاستوائية اغسطس 1955 استهدف بوحشية المدنيين الشماليين الذين جاءوا كمعلمين وبيطريين وفنيي معامل ومساعدي اطباء واداريين ليضعوا خبرتهم في خدمة مواطني الجنوب بعد جلاء الانجليز لقد انقضوا عليهم بوحشية في مواقع العمل وفي بيوتهم ولاحقوهم في المخابئ وقتلوهم بعنف وبقروا بطون الامهات ومزقوا احشاء الاطفال، وقالت محاضر التحقيق القضائي ان عدد الشماليين الذين زهقت أرواحهم في هذه المجازر نحو الاربعمائة ولكن الذين عاشوا تلك الاحداث، وشاهدوا المقابر الجماعية التي دفنوا فيها، ومن حفروا القبور قالوا ان العدد اكبر بكثير مما أوردته التقارير، ونتجاوز الحرب في الجنوب حيث كانت سمة الغدر في القتل غالبة على معايير قوانين الحرب، ونذكر بواقعة احداث الاحد في فبراير 1965 وفي قلب الخرطوم حيث استهدف الابرياء في الشوارع بالرجم بالحجارة والقتل والحرق، واضرمت النيران وحطمت السيارات واوشكوا على حرق العاصمة وتحويلها إلى اطلال لولا التدخل العاقل والحاسم، مما يعني ان الغل والكراهية ظلت متوارثة تتحين أية سانحة لممارسة العنف والقتل ضد الشماليين المدنيين الابرياء في سياراتهم أو في الشوارع او اماكن عملهم، وبدون اطالة يمكن التذكير بالاحداث الدامية في اعقاب الرحيل المفاجئ لمؤسس الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق في رحلة عودته من كمبالا إلى جوبا في مطلع اغسطس 2005 وعلى طائرة رئاسية يوغندية حيث مارس الجنوبيون شريعة الغاب ضد الابرياء من اكاديميين ومهندسين ومعلمين وتجار، ونساء واضرموا النيران في الصيدليات والمعارض والمتاجر والسيارات وأوشكوا على احراق الخرطوم لولا التدخل الحاسم لوقف العنف البدائي الذي مارسه الجنوبيون ضد الشماليين، ان دعوة زعيم الحركة الشعبية لمواطني الجنوب للعفو تتجاوز الحقائق والشواهد والوقائع التي عرفها العالم كله، لقد ظل أهل الشمال بحكم نشأتهم وقيم دينهم هم الأكثر تسامحاً وعفواً وصبراً تجاه الممارسات البدائية والوحشية ومن الحكمة والتعقل معاً، ان ينظر قادة الحركة الشعبية إلى ما هو أجدى، وان يتفادوا فتح الملفات التي تثير احزان أهل الشمال الذين قدموا تضحيات جسيمة لصالح أهل الجنوب، ويحمد لهم -أي الشماليين- انهم حافظوا على الجنوب ومنعوا المخطط الاستعماري «طبقاً لوثائق الادارة البريطانية» لتوزيع القبائل الجنوبية على دول الجوار يوغندا وكينيا واثيوبيا، ومن التعقل والحكمة ايضاً الحرص على السلام والاستقرار لتحقيق التعاون البناء لتطور وتقدم الجارين السودان و الجنوب.
|
|
|
|
|
|