|
شكراً حكومة الإنقاذ الوطني
|
أحياناً يقف القلم عاجز عن التعبير تماماً , فتغيب الكلمات برمتها , ثم لا أجد بين طبقات ذاكرتي كلمة واحدة تصف شكري للحكومة الإنقاذ , قلبت كل معاجم اللغات التي أعرفها أو سمعت بعضها ولم اجد ما أقول للإنقاذ , وتابعيها , وتابعي تابعيها , فلهم مني كل الشكر والتقدير على الإنجازات الحقيقية التي منحوها لنا وكفونا شر السؤال والشرح الطويل . عندما وضعنا أقدامنا في هذه الأرض باردة الجليد والبشر , واجهتنا مشكلة حقيقية , كنا عندما يسالنا الأوربي هو يحاول أن يثبت الإنفتاحية على الآخر داخل نفسة أولاً , وعندما يسألوننا في مناسبات مختلفة , ذلك السؤال الصعب الغريب : من أين أنت ؟ تكون الإجابة ببساطة : من السودان ؟ في باديء الأمر كانت دهشة ثم تحولت إلى عادة , ما أن تُسأل هذا السؤال إلا وتبدأ في إعداد العقل لشرح طويل عن السودان موقعة وجواره , .... الخ , فقد كان الأوربي يسأل ببلاهة واضحة - في الواقع - أين يقع السودان ؟ قد يبدوا الأمر باعث للمرارة والألم, لكن خدمات حكومة الإنقاذ سهلت علينا الكثير , ولا فخر أو حسد , ففجأة بعد عام 2003 م , هبطت علينا ليلة القدر من حيث لا نعلم , لقد كنا نشرح السودان , بذكر جنوب مصر ! النيل ! الصحراء الكبرى ! ثم جاءت دارفور فجأة من حيث لا ندري , بكل مرارتها وضحاياها , فإختصرت علينا مشوار الطويل , ولا نلجا لذكر حلايب التي بيعت نهاراً جهاراً , فقط يسأل الرجل الأبيض , تلميذ دكتور دروتا - علمي - أن أجيال التعليم الأساسي لا يعلمون من هو دكتور دروتا , فرجاءاً لمن درسوا في بقايا الوعي والمرحلة المتوسطة يشرحوا لهؤلاء الجدد من هو دكتور دروتا , ذلك الذكي , المخترع , الفاهم , الواعي , الديمقراطي , جد هؤلاء الأوربيين الذين لا يعلمون أين تقع دارفور ؟ . نعود للموضوعنا الأول , بعد حرب دارفور , أصبحنا نجيب على السؤال الأول أين يقع السودان ؟ لكن بسؤال آخر لهذا الرجل حفيد دكتور دروتا !!, نتجاوز فيه مصر لأول مرة منذ تاريخ القرن التاسع عشر , كنا نسأله ببساطة هل سمعت بمشكلة دارفور ؟ يجيب الرجل بنوع من الفخر الشديد وكأنه أكتشف الذرة – والله بفخر شديد أعزائي !! - نعم أعلم دارفور تماماً , ثم نتنهد نحمدلله على هذه النغمة الشهيرة في العالم الحديث , فنتشجع ونسأل من جديد , أتعلم أين تقع دارفور ؟ فتأتي الإجابة بثقة مفرطة: في أفريقيا !! واحياناً كثير ( لا ) , ثم فجأة يكتشف الشاب الأبيض ذو الشعر الناعم والعيون الزرقاء أو الخضراء , فالأمر سيان , أن هذه الدارفور تقع داخل السودان لأول مرة في معرفته المستقاة من التلفيزيون والأخبار في غالب الأحيان . لكن هنالك حالات أستثنائية , أن بعض الأوربيين الذين تربطهم علاقة بسوداني ما , عن طريق العمل , أو علاقات خاصة جداً , فإنهم يجتهدون لمعرفة بعض المعلومات عن السودان ومتابعة أخبارة لأسباب شخصية فقط . ثم جاءت مرحلة الأوكامبو , وفي الحقيقة كانت نقلة نوعية ضخمة في حد ذاتها , فقد أصبحنا نعرف السودان بالسيد رئيس الجمهورية شخصياً , ويا الفرح الذي كان يغمرنا عندما تقع المعلومة مباشرة للسائل , ومن غير تعب ولا أسئلة محيرة لشخصة الكريم . وأخيراً جاءت مرحلة الإستفتاء وإنفصال الجنوب , فإصبحنا نشعر بالفخر يعمي حواسنا ويقهرها , بل يسحن ألسنتنا ويمزق مشاعرنا, لا نستطيع أن نجيب بل نشكر السائل من كل أعماق قلوبنا , فعندما يسأل الرجل من أين نحن ؟ نقول من السودان مباشرةً , ويقيننا أن سائل يعلم تماماً أين هو السودان ؟ وما آل إليه حال السودان الآن بفضل خدمات حكومة الإنقاذ الكريمة .
Quote: لقد حدثت هذه النكتة اليوم , وليس من تأليفي لقد ذهبنا اليوم صباحاً لمقابلة الطبيب , وهو فرنسي ,لم يرى السودان قط كنت أنا زوجتي , فسألنا: من أين أنتما ؟ إجبنا: من السودان؟ فأردف بنوع من الجدية والإصرار على إتخاذ المواقف سائلاً : عن الإنفصال والإستفتاء ثم أضاف بعد ذلك سؤال جعلني اشعر بالرغبة في الضحك , بالرغم من الألم والإستياء الذي يعيش فيه السودان الآن لقد سأل الطبيب بنوع من البراءةوالتعاطف حقيقةً : هل ذهبتما لتصويت من أجل الإنفصال ؟ فكانت إجابة زوجتي : إننا لن نصوت , تخيل إننا الذين يريدون الإنفصال عنا!!!
فأتممت بقية الجملة في قلبي : تخيل إننا الذين يطلق علينا لقب ( العرب ) , تخيل !!!
|
هكذا فجأة و بلا مقدمات أو سابق إنذار بلا تعريف مسبق عن طريق دارفور أو أوكامبو فجأة يقول الرجل وبألم شديد .... أشعر بالأسف أتجاه وطنكم السودان ؟ تأكدت من الحقيقة المُرة الراهنة الأسبوع الماضي !! عندما دخلت السفارة السودانية في باريس الأسبوع الماضي , رأيت خريطة السودان ,الذي درست جغرافيتة وتنوعة وتاريخة , السودان الذي عشقت كل ذرةٍ فيه , رأيت الخرطة ومساحة الورق الكبيرة تملأها , شاهدت الورقة تئن من ثقل مساحة السودان وأهله , فشعرت بنوع من الألم المفرط لما سيحدث , لكن تذكرت فجأة أن الحكومة تحاول التخفيف عن المواطنين وستحاول تقليل تكلفة الإنتاج لهم , وستبدأ بإصحاب المطابع الحكومية والخاصة لذلك قررت شطر السودان فهذا سيوفر الكثير للمطبعة الحكومية في الخرطوم التي ستطبع خرطة السودان على ورق A2 بدلاً عن ورق A1 الذي كان فيه السودان القديم . ثم تقدم خطوتين إلى داخل السفارة السودانية بباريس كانت السكرتيرة التونسية , تجلس هادئة مطمئنة , تسأل عن الأوراق السودانية الخالصة , بل تتفحصها وتشير لما فيها , وعلى بعد خطوات منها يقبع مكتب القنصل السوداني الكريم . ثم وكأن السماء وقفت للصالح الغمة التي هبطت على رأسي في هذا المكان العتيق , رن جرس الهاتف , تحدثت السكرتيرة لأحد هؤلاء الذين يمثلون السودان – لا أدري القديم هو أم الحديث – مخبرة عن تونسي آخر يبحث عن العمل كسائق داخل السفارة السودانية , ولا أدري ماذا سيفعل ؟؟ , ربما هي عدوى الموضة , ولا عجب . فالقنوات السودانية بها ما يكفي من العروبة , ربما جلدهم أنظف من جلدنا أو ألوانهم أوضح على الشاشة البلورية من ألواننا , وهم أيضاً يتحدثون العربية أفضل مننا على كل حال , فهي لغتهم , من الخير أن يكون السوداني خلف الكواليس غدوةً بقناة الجزيرة , صوت السوداني – من غير صورة – له وقع خاص على النفوذ , ويخدم القضية الفلسطينية جداً . فحقيقةً الشكر الجزيل للحكومة الإنقاذ وأخيراً اشتهرت البرازيل بالبن وكرة القدم اشتهرت مصر بالفروعونية أشتهرت أيطاليا بالحضارة والمكرونة وغيرة وغيرة ,اشتهرت الكميرون بصمويل أتو وإشتهر ساحل العاج بحجي ضيوف ثم بصراع وترا وبقابو ,واخيراً اشتهرنا نحن في السودان , بكثرة العاملين من الخارج داخل حضن الوطن , كواجهات بيضاء تثبت عروبة الوطن رغماً عن أنف الجميع - خاصة في شارع المطار , بل اصبح السودان أفضل البلدان لاستثمار الجيد لكل الشعوب البيضاء الأخرى التي قدمت لتحفظ السلام في دارفور وتضمن انفصال جنوب السودان أخيراً شكراً لحكومة الإنقاذ , لقد جعلتم اسمنا يذكر من غير تعريف , فقط ما أن يذكر السودان , إلا وتنهال علينا دعوات الرحمة ورفع البلاء !!
|
|
|
|
|
|