لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 06:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-08-2010, 10:17 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين

    التاريخ: الأربعاء 8 ديسمبر 2010م، 2 محرم 1432هـ 47565
                  

12-08-2010, 10:21 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    حكائيةعبدالحميد البرنس
    ثالوث الغربة والوحشة والحنين

    لمياء شمت

    متواليات سردية تنهض جذوعها وتتمدد عذوقها من بذور التجربة والمشاهدات اليومية التي يغترفها القاص من تدفق مجرى الحياة،ليصوغها بلغة اليفة صافية تتحالف مع أسلوب هادئ مقتصد متضام،يشي بأن المشروع السردي للقاص عبد الحميد البرنس آخذ في إتمام نضجه عبر أشتغالات حكائية متنوعة وتجريب مستمر،يكدح عبره القاص بعزم ليجوهر أسلوبه وصوته الخاص.

    وهكذا فأن السرد قد يبدو في أحيان كثيرة وكأنه لا يحتاج لأي ذريعة لينطلق من أي زاوية قد يرتكنها السارد،سواء أكان ذلك شارع مترب ،أو مسكن صغير خاوٍ ،أو حتى عربة مترو مزدحمة.ليقودنا القاص كل مرة إلى فضاء أنساني مفتوح،تتلاحم فيه سحنات وألسن ومصائر،يجمعها أفق سردي وسيع،لا يشيح فيه المحكي للحظة عن المشترك الأنساني.

    فتتوالى الحكايات التي كثيراً ما تُظهر الشغف الكبير بتوظيف التقنيات السينمائية،عبر مشاهد تصويرية قد تحتقب الراهن،أو تستدير لتسترجع لحظة مستعادة،أو لتعبر إلى القادم.مع الحرص على تثوير اللقطات بما تحويه من تقاطعات حركية ولغوية ودلالية تأثيرية،وكذلك التنويع في المنظور وزوايا الرؤية،مثل الإطلال على بؤرة المشهد من مسافات وزوايا متعددة ،تطمح لكشف دواخل النص والحفاوة بتفاصيله وملامحه الخاصة.حتى أن بعض النصوص قد تبدو أحياناً مثل وثائق فلمية لذوات تعارك الحياة وهي تتأبط غربتها.

    لتتشكل النصوص وفقاً لذلك كمقامات سردية مفتوحة،أو كمنطقة حرة مبذولة للتداخلات الأجناسية،التي تظهر في شكل تبادل طاقوي محتدم بين أجناس أدبية مختلفة،تتفاعل فيه عناصر الخاطرة والأسترجاع ويتقاطع فيه الصوت السيري والسردي والأنفاس الشعرية، مما يفسح مساحات أكبر للإشتباكات الفنية الجمالية المنتجة،التي تتولد من تلك التفاعلات الأجناسية.

    ولنتأمل على سبيل المثال إعتمالات الذاكرة وتسرب قطرات الذاتي إلى مجرى الإبداعي في نص(شراء لعبة تدعى كيربي)،من مجموعة (ملف داخل كمبيوتر محمول).والذي يحكي فجيعة فقد صديق حميم،تقاذفته المغتربات وفلوات الشتات.حيث لا يحتاج القارئ المتابع لإنتاج القاص عبدالحميد البرنس،وخاصة كتاباته التفاعلية المتاحة عبر منبر سودانيزونلاين،لا يحتاج لكثير عناء ليلمح طيف الراحل سامي سالم وهو يتدثر بشخصية صالح الطيب في ذلك النص.في حضرة إفراغ إبداعي كثيف،يختصر تفاصيل غرس صداقة أخضر سقاه الوجع حتى الذبول..(كان جسده وهو ممدود على فراش موته يحكي ببراعة مذهلة عن كل تلك الملابسات والوقائع والأحداث التي يمكن أن ينطوي عليها التاريخ العريق للفقر والمعاناة).ولنقف قليلاً عند أنتخاب أسم صالح الطيب بدلالتة المكتنزة بالسماحة والسعة ونصاعة الطوية،حيث يظهر أنعكاس الأسماء في مرآة الوجدان لتبدو المقابلة الدلالية بين سامي: صالح ، سالم:الطيب ،برمزيتها المضمرة
    التي تجمع بين الراحلين الطيب صالح وسامي سالم في معارج باذخة يستبطنها ذهن القاص.

    ولابد لذلك أن يقودنا بدوره إلى نقطة مركزية كان القاص قد أشار اليها في حوار أجراه معه الأستاذ أحمد ضحية في العام 2004.حيث أكد البرنس على أهمية توفر قدر من الأبهام وعدم المباشرة لخلق نص مفتوح يتيح كل التأويلات الممكنة.مع حرص القاص على التنبيه مراراً إلى خطورة المطابقة بين شخصيات المؤلف والراوي،أو بطل العمل الإبداعي، كأمر فادح قد عانى منه كُتاب في قامة الطيب صالح.وينوه القاص إلى أن ذلك يُشكل بدوره آلية قمع وقتل معنوي للمبدع،خاصة في كنف مجتمع أبوي صارم.وهي رؤية تتماس كثيراً مع مناخ(شراء لعبة تدعى كيربي)،حيث تنبلج عبر السرد تفاصيل أشتغالات القاص الحثيثة،لتوظيف أفق العلاقة بين السيري والسردي والذاتي والأبداعي والأسترجاع وأعتمالات الذاكرة بتمهر مكين لرفد المحكي وتأثيث عوالمه،ليرتفع معمار السرد كما ينبغي له،كنظر متأمل سابر يقدم تأويله الخاص للعالم.

    ولنقرأ في شق آخر ملاحظة الناقد المصري يسري عبدالله حول مجموعة (ملف داخل كمبيوتر محمول) ،عن ذلك الحضور البارز لثيمة الأغتراب،كمفهوم سيكلوجي ووجودي في نصوص القاص عبد الحميد البرنس، والتي (تبقى حاوية ظلالاً من غربة الروح التي تهيمن على المجموعة وتشكل مركز التقل داخلها).حيث ينتبه الناقد إلى أن الغربة في نصوص البرنس ليست بأي حال (رومنطيقية ساذجة تحوي تلك النهنهات العاطفية القديمة،لكنه تشبث بملامح عالم قديم ،ومحاولة أستعادته عبر الذاكرة).وهو ما يعين على التأكيد بأن الأغتراب لا يحضر في نصوص البرنس داخل ذلك الأطار المنمط، كحالة من التهالك والتشكي من صهد هاجرة الغربة،ولكن الفكرة تظل تنسكب عبر النصوص كأجتياحات ذهنية وعاطفية لا تجدي مكافحتها،تمضي لتُشكّل خمائر أفكار وتأملات ورؤى.

    وهو ما يعيدنا كَرة أخرى إلى تقاطعات اليومي والعابر والعادي عبر ذاكرة سردية لاقطة،تنتخب ما تشاء من لقطات حية من دفق الحياة الرازم،حيث تتفاعل الذات مع محيطها الوجودي في مصاهر التجربة،ثم تنبري إبداعياً لتسخير ممكنات اللغوي والتخيلي ،للجهر بأسئلتها الوجودية الخاصة.ويبدو ذلك جلياً في ثيمة الأغتراب التي يعلو بها القاص فوق البكائيات والأنسحاق،ليحاورها وينفتح بها على الآخر،دون أن ينكص بها إلى درك الريبة والأنكفاء والتشرنق وأنعدام الفاعلية.فالقاص يمضي ليجعل من الغربة هوية رؤوم يتسع صدرها للغرباء في كل العالم،ليتضاموا ويستقووا ببعضهم على وحشة العالم،على نمط (فالعاشقون رفاق).بل أن الغربة أخاء يمكن أن يوحد الغرباء حتى في ملامحهم وإيماءاتهم:(كنا نسير مثل غريبين حقيقيين) ،( لها نظرة الغرباء الحزينة الساهمة) ، (سألته بشيء من حيلة الغرباء ومكرهم) ، (وضحكنا معاً كغريبين من بلاد بعيدة).

    ليستل القاص من كل ذلك أجابته الخاصة على سؤال لماذا الكتابة متماهياً في ذلك مع كونديرا و بورخيس:أكتب لمجرد أن يخف مرور الزمن،أن معنى العالم على هذا النحو أثقل من أن يحتمل.وهو ربما ما يعيننا على محاولة القبض على ملامح المشروع الإبداعي لعبد الحميد البرنس ،والتي تبدو أقرب ما تكون لسرد فينومينولوجي يعود بالأشياء إلى كنهها ،في محاولة لإدراك العلاقة بين الذات والموضوع،بتسخير طاقات الرؤية والحدس والأستبصار ،دون أقصاء للحس ومدركات الشعور.ونجد أن ذلك غالباً ما يظهر على شكل إرتدادات تأملية تتدبر الوجود بوعي متعمق،مع إعمال لنظر داخلي مستريب يتيح تفكيك المستقرات والتنميطات والقوالب والمسبقات،في محاولة مخلصة للتوفيق بين الذات والوجود دون إصدار أحكام أو تبني أفكار جاهزة.

    وهو ما قد يفسر أنسنة القاص للمكان بشكل لا يتغيا إثبات كينونته الفزيقية المادية،بقدر ما يكدح لأقتناص شرطه الأنساني،وهويته البيئية ولحظته الحضارية الخاصة،بإدراك رحب،وبوعي باطني شفيف يعتق ذلك الحيز من ماديته وحياديته ،ليسخره كفضاء مفتوح على الخبرات والممكنات الأنسانية ،التي تمضي لتتدبر جوانية المكان والكائن.

    ويسلمنا ذلك تلقائياً إلى تلك العناية التي يتغمد بها القاص الكائنات من حوله ، ليتماس معها ويحاورها بما يحفظ لها كينونتها وكرامتها ،فالشجرة ليست خلفية محايدة لمشهد ما،بل هي ذات أليفة ودودة،يعرج تأملها بالراوي إلى منهل بديع (أي سحر أي فتنة ,بل أي جمال أجدني سابحاً فيه).وكذلك هو الحال مع العربة الموصوفة بمحبة كأنثى بارعة الجمال،يكفي أن تعبر طريق ما لتأسر العيون وتدير الأعناق.حيث يمضي الراوي ليصف تفجعه من حتمية فراقه لعربته وبيعها لزبون قد لا يرى فيها أكثر من دابة معدنية ذلول:(نظرت إلى موقعها الأليف في المكان..كان شاغراً هذه المرة،تملؤه الوحشة والسكون وشيء آخر كالفجيعة; حزين وقاتم).ولعل كل ذلك يملك أن يمنح بعض تفسير لحفاوة القاص بإستدعاء عبارة أثيرة تقول ب(تأمل الأشياء على نحو يخرجها من عاديتها) ،وهو عين ما يشير إليه الناقد محمد الربيع وهو يتحدث عن السرد الذي يملك أن يعيد الأعتبار إلى جذوة الأشياء ويستعيدها من العزلة والأهمال.

    ولعل جميع ما أشرنا إليه فهذه القراءة يمكن أن يعين على التعرف على ذلك النوع من الإبداع،الذي يرتطم بالتجربة الوجودية ليُصدر ذلك الدوي الرصين،الذي لا يشابه بحال تلك الطرقعة والجلبة التي تصدرها المسكوكات الزائفة.




    -إنتهى-
                  

12-08-2010, 11:17 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    sudansudansudansudansudansudan98.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

12-10-2010, 01:13 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    لم ألتق الدكتوره لمياء من قبل حتى على مستوى كتابة سابقة لجهلي المطبق. لكن عبر هذه الرؤية النقدية التي تنمّ عن مشروع نقدي وراءه جهد جبار، أدرك بوضوح تام أن ثمة أنغام شجيّة تنهض في سموئها من ربوع الوطن أعلى من الضجيج المخيم كالأسى هنا وهناك. شكرا لمياء وموعدنا رواية قادمة بقوة، لا مراء.
                  

12-16-2010, 06:39 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    جزء صغير من حوار مع صحافية مصرية لصالح الدستور:


    أشعر أن كتابتك بمثابة بحث في الهوامش والأحاسيس المتناثرة من خلال مواقف بسيطة أو تسجيل لحظة غير عادية في حياة عادية جداً، فهل تراها كذلك ؟ ؟ و هل تعتقد أن مثل هذه الكتابة تشرح العالم والانسان بصورة أفضل؟.

    يطيب لي أن أبدأ مقاربة ذلك السؤال، مؤكدا أن معايشتي لشتى أشكال الغربة والنفي خارج وطني لمدى العقدين، أو يزيد قليلا، قد وضعتني على مستويات متفاوتة من العمق داخل وضعية هامشية أوأخرى، مراقبا سير العالم من حولي عادة تحت وطأة شعور كثيف مركب من الوحدة وتفاعلات الحنين والرغبة المتزايدة في إعادة بناء ما تهدم من جسور تربطني بالعالم على نحو أكثر إنسانية. هنا بدأت أكتشف ما يمكن تسميته "ثراء الهامش وفتنة المُهمل" كمخزون لا ينفد للكتابة، فما يبدو في كثير من الأحيان بحكم العادة والمعايشة اليومية خاليا من جاذبية قد ينطوي على زخم شاعري يتيح لنا فرصة إدراك هذا العالم على نحو مختلف، بل وأكثر اتساقا مع رغباتنا الأساسية كبشر، ولعل مسودة روايتي "خفاء المرئي" تناقش هذه الجزئية على نحو مستفيض مقارنة بما يمكن تسميته بعبارة "سلطة المركز وبريقه الأخَّاذ". الكتابة بحث دائم وشاق.

    مجموعتك الثانية، "ملف داخل كومبيوتر محمول"، يغلب عليها واقع الغربة والغياب أكثر من مجموعتك الأولى، "تداعيات في بلاد بعيدة"، فكنت تستدعي في أكثر من قصة أشخاصا ذهبوا و تتخيل وجود أشخاص، فهل يحتاج الأديب دائماً لتجارب حياتية حتى يكتب؟.

    ربما لأن الأولى تمت كتابتها جوهريا في مصر، أي داخل سياق تاريخي ومجتمعي وثقافي له عوامل مشتركة عدة مع ذلك السياق الذي نشأت فيه داخل السودان، بينما المجموعة الأخرى تمت كتابتها جوهريا في كندا وذلك سياق مختلف على نحو أكاد أقول معه "تماما"، لو لا تركيزي الدائم على إقامة الجسور وتجنب بناء الحوائط بيني وبين الناس، بمعنى أنني أحاول جاهدا البحث في علاقتي مع الآخر على تفاوت درجات تحققاته عما هو مشترك وإنساني. بالنسبة للشق الأخير من سؤالك، أرى وفق تصوري أن أية كتابة قد تنطلق من تجربة ما وليس بالضرورة أن تتطابق كليا معها، فهناك الخيال الذي يعمل على توسيع أبعاد الواقع الضيقة برأيي، كما إننا قد ننطلق مثلا من عالم أحد العميان، لكننا نتجاوزه في سعينا لتكوين أولبناء ما يسمى "النموذج" لاستحضار مواقف وتصورات دلالية من خارج وضعيته المحددة تمت عبر عميان آخرين. أعتقد أن الكتابة عملية معقدة. حتى أن ماركيز يصفها بعملية صنع طاولة من الخشب تستلزم الكثير من الجهد. ليس أمامك سوى العمل الشاق.

    هل العيش في الغربة بمثابة فرصة لتكشف لنفسك عما بداخلك؟.

    نعم، فهناك واقع يكاد أن يكون بالنسبة لك، كما هو الحال في كندا، مجهولا تماما، وعليك أن تعمل على تفكيك شفراته ومغاليقه وأسراره كيما تواصل العيش داخله، وهنا تبرز أهمية القدرة على التكيف، أوالتأقلم، أوغيرها من تلك المسميات، ويزداد الأمر صعوبة هنا، إذا كان واقع الغربة قد حدث بوصفه انتقالا من سياق ثقافي ومجتمعي يتسم بقدر كبير من البساطة، إلى سياق ثقافي ومجتمعي آخر أكثر تعقيدا، لكن التكيف هنا أوهناك يعتمد على منهج الفرد أوحتى الجماعة من حيث القدرة على التفاعل الخلاق وإمكانية التبدل ايجابا وصناعة الآليات الملائمة.

    طلب مني قبل أن يغادرني لآخر مرة أن نكون على اتصال دائم في "الأيام القادمة"، هل اخترت هذا التعبير الوارد في سياق قصة "شراء لعبة تدعى كيربي" للتغلب على قسوة فكرة أن ترى شخصا عزيزا عليك وهو جسد مسجى بلا حراك تبتلعه دوامات الغيبوبة ومن بعدها الموت؟ وهل تعتقد أنك بذلك تخرج من نمط اجترار الذكريات بشكل حزين، وتقول إن التواصل موجود دائماً؟.

    قد يدخل هذا على نحو شديد الوضوح في نطاق تصوري الخاص للكتابة كموقف من العدم، فذلك النص يعطينا في بداياته حقيقة أن شخصا ما قد غادر هذا العالم من غير رجعة، تأشيرة خروج بلا عودة محتملة للحياة، وتلك حقيقة بالغة القسوة على الأقل من باب إدراك الأحياء لها، فما قد ذهب مضى مرة واحدة وإلى الأبد. وما تحاوله الكتابة هنا، كما تشيرين بذكاء، هو محاولة العودة بتلك الشخصية الراحلة في غياهب النسيان بواسطة الذاكرة، وأعتقد من كل هذا البعد من لحظة الكتابة أن الخروج مما أسميتيه "من نمط اجترار الذكريات بشكل حزين" قد تم عبر عدد من الآليات السردية المتاحة، سواء على مستوى السخرية، أوعلى مستوى تقطيع الحدث وتكنيك المونتاج، أوعلى مستوى الإيهام باستمرارية الحياة، لكن الموت الماكر يظل في الأخير ماثلا دائما هناك كحقيقة كونيّة.

    هناك من يقول إن مهمة الكتابة أن تروي تاريخ آلام البشر، باننا نكتب حتى ننكأ الجراح فنكشفها مرة أخيرة و للأبد، فهل هذا ما تفعله ام انك تفتح لأحساسيك مجال على الورق حتى تتنفس و تعيش؟.

    لعلي أتاطبق هنا بقدر أوآخر مع ما جاء في الجزء الأخير من سؤالك، وهو ما أشار إليه الكاتب الايراني صادق هدايت في روايته البومة العمياء بقوله "أنا أكتب فقط من أجل ظلي، الذي سقط على الحائط في مواجهة المصباح، ينبغي أن أقدم نفسي إليه". وهي فكرة بورخيس نفسها "أكتب كيما يخفّ مرور الزمن". ربما لهذا قمت بتصدير مجموعتي الثانية بقول ريلكه "إذا كنت تعتقد أنّك قادر على أن تعيش دون كتابة، فلا تكتب".
                  

12-21-2010, 07:40 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

12-21-2010, 10:15 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    الحبيب البرينس

    تحية طيبة

    في الحقيقة لم أقرأ المقال وذلك لأسباب تكتيكية ( وش تكتيكي )

    لكن قلت أديك السلام

    فكن بخير لحين زول ذات الأسباب
                  

12-22-2010, 09:45 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: حبيب نورة)

    أخي حبيب نورة:

    حيّاك الله، وجمع لك كومبيوترا آخر (وجه ضاحك). الجو صحو في الاسكندرية . البحر، عبر الشرفة، يتدرج تلونا أمامي، أخضر فيروزي فاتح، أخضر، أزرق، أزرق غامق، ثم رماديّ عند التقائه بقبة السماء. كما لو أن السفن في الأعالي بنايات مقابلة. وأتذكر تلك الحكمة الانجليزية لسبب ما (السفن على الشطء آمنة، لكنّ ذلك أمر لم تُخلق له السفن)، هل لذلك صلة برؤى يسارية ما. لست أدري. كل التقدير لك.

    هنا، جزء آخر من حوار مع الصحافية منى سليم:


    هل القصة القصيرة جدا هى القادرة الآن أكثر من الرواية الطويلة على امتصاص تشابك أحداث أية قضية من خلال التركيز على لقطة هي لب هذه القضية أو منشأ الجراح كما في قصتك القصيرة جدا "وقفة" التي رصدت بها وقفة زوجين شابين وهو يعد في خفاء و حسرة ما تبقى في جيبه من نقود فتمسك هي يده برفق في وسط زحام المترو؟. كما إننا توقعنا أن تتوسع بصورة اكبر في هذا التوجه من القصص المكثفة جدا في مجموعتك الجديدة، لكن العكس هو ما حدث، فما السبب؟ا

    أحاول دائما تجنب وضع المعايير، المعايير تقتل الإبداع، فالأخير على الأقل نظريا يحمل غالبا معياره بداخله الخاصّ، يبني ذلك عبر ركام معايير سابقة داخل نفس النوع، الجدل. لا أكاد أتفق مع تلك المحاولات الرامية إلى تسييد نوع أوآخر في مرحلة أوآخرى، قد لا تتجاوز قصتي بضعة أسطر، وقد تطول لأكثر من أربعين صفحة، لكن معيار القصر أوالطول هنا يتحدد بمزاج النصّ نفسه وقابليته الذاتية. لا أقصد الكتابة لحظة الشروع فيها بصورة معينة، حين تتوقف أتوقف. أكتب النصّ، أزيد تاليا إليه وأحذف منه، قد أكرر ذلك لسنوات، لكنني أكتشف أحيانا وفي اللحظة الأخيرة أن عليَّ بالفعل أن أعود إلى النقطة الأولى، فما تم لم يكن سوى فذلكة عقيمة. كما إن عملية التكثيف هنا مسألة نسبية. تعتمد كا أشرت على ما تفرضه التجربة نفسها. والتكثيف أهميته تنبع وفق تصوري على أنه يجعل من النصّ أفقا مفتوحا للتأويل بحسب الخلفية الثقافية والمعرفية لكل قاريء.

    جاء في قصتك، "إني لأجد ريح نهلة"، أشكال من جماليات التراث والتشبيهات القرآنية ، كيف ترى ذلك؟.

    حسنا، تلك لم تكن بأية حال مجرد جماليات وزخارف ديكورية، فثمة نصوص داخل النص للمتنبي وابن زيدون وابن حزم الأندلسي وغيرها، لكنها تشكل مكوِّنا جوهريا على مستوى البناء المعرفي والنفسي لتلك الشخصية، وهي الشخصية التقليدية السائدة تاريخيا لطالب يدرس في كلية "دار العلوم"، تلك المؤسسة التي أخذ علي الجارم يمتدح فضلها قائلا "وجدت فيكِ بنت عدنان دارا.. ذكَّرتها بداوة الأعراب"، وبنت عدنان هنا المعني بها "اللغة العربية". كما أنها، أي تلك النصوص، كما أتصور، لم تكن ساكنة وسلبية داخل النصّ، بل تمّ قولبة دلالاتها الأصلية بواسطة السياق العام. إنها محاولة تثويرية للتراث نفسه من الداخل، ولا أدري هنا مقدار تحققاتها بدرجة أوأخرى.
    في كل من قصصك يأتي إحساس بالجو العام الذي كتبت به، فهناك "ملف داخل كمبيوتر محمول" التي جاءت أثناء تنقلك بين تنويعات موسيقية شرقية وغربية تفاعلت مع سماعها بالكتابة؟ اما قصة "خفاء" فجاءت وكأنك كتبتها على الموبايل اثناء عملك الليلى، فهل لك طقوس خاصة اثناء الكتابة أو أجواء معينة تستهويك؟.
    في تصوري الخاص، أرى أن مسألة "الجو العام"، مسألة لا علاقة لها هنا بطقس الكتابة، فقد أشرع في كتابة نصّ مثل "خفاء" بينما أتأمّل من بلكونة ما تلك الظاهرة الطبيعية التي يدعونها "جبل المقطم"، أي أكتب عن حدث ما وقع في مكان ما داخل مدينة كندية من موقع ما داخل القاهرة. ولعل الكتابة عن التجربة عن بعد كاف تمنحها ما أسماه ماركيز مرة "جنون الشعر وكيمياء الحنين". لكن "الجو العام" يشكل على هذا النحو بالنسبة لي كقاريء أن يضعني الكاتب منذ الوهلة الأولى داخل ما يمكن تسميته "المعايشة". كقاريء أتوقع أن أحسّ وأتذوق وأتشمم وأنصت لمستويات نبرات الصوت وأتنفس تلك التجربة المقدمة ككتابة. فإذا قمت مثلا بسلوك مباغت كشخصية داخل النص، لا يكفي فقط القول أن هذا الانفجار تم نتيجة مرور عشر سنوات على المعاناة جراء تجربة معينة، فالجملة الوصفية لا تصنع على نحو جوهري جوا عاما، ينبغي معايشة تلك السنوات العشر عبر تخليق العلاقات وثمة حيل هنا لا تحصى.

    كتبت في مجموعتك الأولى قصة "حيْرة"، وهي قصة قصيرة عن معاناة سيدة عجوز تنتظر عودة الابن من الحرب وفي المجموعة الثانية بعد ثماني سنوات جاءت سيدة اخرى من خلال قصة قصيرة جدا هى "وجه" حين توقفت هذه المرة أمام وجه شاب مار بالشارع، فهل هى نفس السيدة؟ و هل انت تستكمل احاسيسك من مجموعة الى اخرى؟.

    لا شك أن هذا السؤال قد باغتني، لكنني حين أتأمّل المسألة الآن عبر هذه المسافة، أكتشف الآن فقط أن الغياب في نصّ "حيرة" كان غيابا مسببا بالحرب، بينما يبدو لي في هذه اللحظة أن الغياب في نصّ "وجه" غيابا غير مسبب ومطلقا، وربما خاليا تماما من إمكانية العودة.
                  

12-22-2010, 11:02 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

12-22-2010, 04:41 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    من أجواء السودان و دفء البيت كتبت "اني لأجد ريح نهلة" "عن هذا الحب الذي وصفته أنه حدث فجأة و كأنه أوان زراعته ثم بدأ يتوغل الى أعماقه السحيقة ثم ومن اجواء الغربة جاءت أماندا التي غابت كما ينفصل عقب السيجارة عن اصبعك و كأنها قصة انتهت بالخيانة؟ فهل تعتقد أن كتابتك تدور بين الاستدعاء و المقارنة و العيش من خلال مجتمعين؟.

    أعتقد أن قصة "إني لأجد ريح نهلة" ذات أجواء صوفية وعوالمها تتسم بذلك القدر من الصفاء والشخصية المرسومة داخلها على قدر عال من النقاء أوالبراءة، إنها لا تزال رهن تكوينها المعرفي الأوليّ، لم يلوثها العالم بشروره بعد، بينما الشخصية الأخرى في "ملف داخل كومبيوتر محمول" تعكس مدى تعقيداتها وتكوينها المعرفي المفارق وتشظياتها النفسية عبر علاقتها مع تلك الفتاة الكندية "أماندا". الشخصية الأولى تغالب غربة مكانية على الأرجح، بينما الشخصية الثانية تكابد وطأة الغربتين الزمانية والمكانية معا.

    إستدعاء "الجسد" ظهر في كتابتك و كأنه يأتي من بعيد بشكل مباغت ثم يرحل سريعاً كما في قصة "عبور" فهل تقصد هذا؟ و هل لديك رؤية حول الكتابة عن "الجسد" أم هى العفوية في كتاباتك بشكل عام؟.

    ذلك سؤال جيد. ومع ذلك، لا أكتب هنا عن الجسد بقصدية. إن الموضوع يفرض نفسه غالبا. لكن الجسد لدي كما أخذت أدرك لاحقا هو في الغالب ذلك الجسد ذي الرغبات المقموعة، جسد غير متحقق، سواء بفعل الكبت أوقلة الحيلة أوالخوف من انتهاك المحظور أوغير ذلك، جسد يعتمد الخفاء كفضاء للتنفس. إنه جسد يعتصره جوع كوني إلى ملامسة الآخر على نحو باعث للأسى.
                  

12-23-2010, 06:18 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    أغلب أبطالك وحيدون يجمعهم "حب شجرة على جانب الطريق" أو "الحنين لشخص غائب" فما السبب في كل هذه الوحدة؟ وهل هى رغبة منك لإكمال التواصل بين البشر رغم طبيعة الحياة الاسمنتية السريعة؟ ما هو اكثر إحساس شكلت عليه كتابتك .. "الحنين " ، "الغربة" ، "الحيرة" ام هناك أخرى؟

    عالمي هو في جوهره "عالم المنفيين الغرباء". عالم الرغبة في الإنتماء، الحاجة الماسة لتهدئة وجع الضرورة، الحنين إلى أشياء لم يعد لها من وجود، لوعة الفقد، الشوق للتواصل بين جزر صغيرة يجمع بينها بحر عزلة مالحة مياهه. ربما لهذا يحاول أمثال هؤلاء المنفيين الغرباء التشبث بأشياء مثل شجرة تمنحهم معنى ما لحياتهم. لقد أهلكتهم الذكريات وحوَّلتهم إلى أشباح صور باهتة. وفوق هذا وذاك، أجد أنني لم أقم بإختيار ذلك العالم من كتاب الشقاء بمحض إرادتي. هذا عالم لا تنقذ منه سوى السخرية، أعتقد.

    ما هى اقرب كتاباتك إليك؟.

    السطر الأخير من نصّ "صديق"، الذي ورد داخل المجموعة الأولى، ذلك القائل "كانت السماء النجميّة الداكنة بعيدة ونائية تماما". إنها الوحدة الكبرى!.

    ما الذي لم تكتب عنه بعد، و تنتظره؟

    لقد فرغت للتو من إعادة كتابة مسودة رواية "لاءات أسير العبارة" للمرة السادسة (في الواقع، كما أقوم بالتعليق الآن، أعدتها لأكثر من 40 مرة- البرنس لاحقا). لا أزال أعمل على ذلك كجزء من مشروع سردي ذي أبعاد متنوعة. تحولات الكائن خارج بيئته الأصلية.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-23-2010, 06:21 AM)

                  

12-23-2010, 09:24 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    في سياق قصتك "شراء لعبة تدعى كيربي"، أن ينظر الراوي إلى أعقاب السجائر بينما يفكر في كل تلك الاشجان البشرية الذاهبة عبر انفاس السجائر المحترقة بلا عودة، فهل يشكل هذا ملمحا دالا على أن مخزونك ككاتب يحتوي على رصيد ضخم من التفاصيل الأخرى التي قد تتوقف عندها مستقبلا كموضوعات للكتابة القصصية؟.

    موضوعات الكتابة متوافرة في تصوري أينما وقع البصر وهامت الحواس الأخرى، وقديما قالت العرب "المعاني ملقاة على قارعة الطريق"، لكن بعض الكتاب قد يجدون مشقة في العثور على موضوعاتهم، بوصف الكتابة لديهم مفارقة كبرى، لذا قد يجدهم المرء في حال دائمة من البحث ومحاولة خوض تجارب استثنائية ومغامرات فريدة من نوعها بحثا كما يتوهمون عما هو شعري، وهذا توجه يتسم في تصوري بقدر عال من الطيبة. ما هو شعري موجود دائما هناك داخل وخارج ملايين التفاصيل التي نمر بها يوميا ولكن للأسف من غير أن نراها عادة. ربما لأنها محتجبة وراء بريق مركز ما. ربما لأنها مختفية أسفل تراب العادة والروتين. ربما لأن روح الطفل ماتت في داخل الكاتب بوصفه ناظرا إلى الأشياء. وتلك هي روح النظرة المختلفة عن حق. روح مطهمة بالدهشة بوصفها حسب أرسطو مفتاحا للمعرفة. المسألة هنا، بحسب بعض الاتجاهات النقدية، لا سيما لدى لوكاتش ولوسيان غولدمان، لا تتوقف جوهريا عند حدود (ماذا قال)، بل (كيف قال ذلك). وذلك في تصوري هو السؤال: كيف يمكن تحويل ما هو غارق في اليومي والعادي إلى عمل يتسم بالشعرية والجمال.

    هذا المشهد السابق نفسه من قصة "لعبة كيربي"، وبينما يتأمّل الراوي تلك الأعقاب من السجائر، ظهر أمامه صديقه القديم الكاتب صالح الطيب، وقد أخذا في تبادل الاحساس بأعقاب السجائر من خلال ضحكة ساخرة دون كلمات؟ فهل هكذا تمنيت أن تأتي شكل العلاقة وتتطور بينك و بين الأديب الطيب صالح بعد أن رأيته للمرة الأولى وكانت الأخيرة في محاضرة بالجامعة الامريكية؟.

    شخصية صالح الطيب داخل ذلك النصّ مختلفة تماما على مستوى التجربة الإنسانية والتكوين المعرفي ودرجة عمقه ومنابعه وأنواع تحققاته، إزاء ومقارنةً إن وجدت على أرض الواقع جدلا بشخصية الكاتب الكبير الطيب صالح، ناهيك أن الشخصية الأولى وقد تتطابق بدرجة أوأخرى مع شخصية واقعية ما إلا أنها تظلّ داخل نصّها مستقلة وخاضعة لمعايير ذات صلة متعلقة بفضاء سردي يلعب فيه الخيال دورا كبيرا. لكن الالتباس قد يحدث أحيانا لدى القراءة الأولى لذلك النصّ القصصي نتيجة لوضعيتي الاسم هنا وهناك. لقد رحل الكاتب الكبير الطيب صالح. وكنت لا أزال وقتها في مراحل كتابة ذلك النصّ "شراء لعبة تدعى كيربي". وقد رأيت وقتها من باب العرفان بجميل الطيب صالح أن أمنح لتلك الشخصية اسما معكوسا لاسمه، وهو صالح الطيب، لا سيما وأن اسم الطيب صالح نفسه يحتوي على دلالات مشرقة إن جاز التعبير، ثم كلاهما كاتب إن جازت المقارنة مرة أخرى له أوجاعه وتصوراته الإنسانية والوجودية ذات البعد المفارق.
                  

12-23-2010, 11:24 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22490

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    وهو ما يعيدنا كَرة أخرى إلى تقاطعات اليومي والعابر والعادي عبر ذاكرة سردية لاقطة،تنتخب ما تشاء من لقطات حية من دفق الحياة الرازم،حيث تتفاعل الذات مع محيطها الوجودي في مصاهر التجربة،ثم تنبري إبداعياً لتسخير ممكنات اللغوي والتخيلي ،للجهر بأسئلتها الوجودية الخاصة.ويبدو ذلك جلياً في ثيمة الأغتراب التي يعلو بها القاص فوق البكائيات والأنسحاق،ليحاورها وينفتح بها على الآخر،دون أن ينكص بها إلى درك الريبة والأنكفاء والتشرنق وأنعدام الفاعلية.فالقاص يمضي ليجعل من الغربة هوية رؤوم يتسع صدرها للغرباء في كل العالم،ليتضاموا ويستقووا ببعضهم على وحشة العالم،على نمط (فالعاشقون رفاق).بل أن الغربة أخاء يمكن أن يوحد الغرباء حتى في ملامحهم وإيماءاتهم:(كنا نسير مثل غريبين حقيقيين) ،( لها نظرة الغرباء الحزينة الساهمة) ، (سألته بشيء من حيلة الغرباء ومكرهم) ، (وضحكنا معاً كغريبين من بلاد بعيدة).

    قراءة متمكنة ..
    لمياء شمت سبرت بالفعل أغوار الحكاوي يا برنس

    تحياتي
                  

12-23-2010, 12:20 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: ابو جهينة)

    بالفعل، أبا جهينة، لا أزال مندهشا من وجود لمياء شمت بيننا. لا تُصدر صوتا عاليا. لكنّ صوتها بدا لي هنا وهناك من الجلاء والوضوح بمكان. وجودها على مستوى المشهد الثقافي في السودان يقلل كثيرا من مساحات الوحدة الروحيّة لدى قلة أعرفها جيدا على مستوى ما تكتب به من رصانة، أوجدية. أمثال عادل القصاص وأحمد عبدالمكرم ورندا محجوب وعبداللطيف علي الفكي وهاشم ميرغني الحاج ومحمد الصادق الحاج وغيرهم. وبعد: مبارك تخريج كريمتكم ونجلكم في الجامعة. تحياتي.
                  

12-23-2010, 02:41 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    كتبت في مقال ترثي فيه الطيب صالح و تسترجع هذا اللقاء بينكما.."أتذكره الآن .. لا كمن يطالع صورة في مرآة بل كمن ينظر إلى ملامح قريبة عبر عين فاض بين رموشها الحنين أو يكاد" ، فكيف هو هذا الخط المشدود عليه روحكما ؟ و هل هو نيل السودان ام الإلتحام بكافة أوجاع البشر و محاولة معايشتها؟

    أجل، نشرت ذلك منذ مدة في "الحياة اللندنية"، ولعل الذي يربط بيني وبين الكاتب الكبير الطيب صالح يتمثل في تجربة الرحيل من السودان، لكن يمكن القول هنا إن لكل منّا رحيله الخاصّ، مساراته المختلفة، وتجاربه المغايرة. كان رحيل الطيب صالح حين خرج من السودان قد تم في وقت ظهور وصعود الحركات الاجتماعية والسياسية الكبرى وسط احتدام آمال ما يعرف وقتها بحركات التحرر من شتى أشكال الإستعمار. كان العالم الثالث والعربي وقتها متخما بالأفكار والمشاعر الجماعية الثورية الجيّاشة. وتلك عبارة نجدها في موسم الهجرة إلى الشمال (سنهدم وسنبني وسنخضع الشمس ذاتها لإرادتنا بأي وسيلة). هكذا، تم رحيلي في المقابل تحت وطأة إحساس حاد بالهزيمة على جميع الأصعدة. لم أجد هناك برنامج حد أدنى قد يجمع بين قوى سياسية ومجتمعية لها أهداف ووسائل وأفق استراتيجي واضح ومحدد الملامح. ما أعايشه هو زمن موت القيم القديمة بينما الجديدة لم تولد بعد. ثمة فراغ قيمي عام. فراغ أخذت تملؤه المصالح الذاتية الضيقة بكثافة. أضف إلى ذلك أن تجارب كلانا في الغرب مختلفة. الطيب صالح يلامس عبر مصطفى سعيد وكمذيع سابق في البي بي سي وغيرها من مناصب عليا في الغرب قمم المجتمع الانجليزي. بينما ألامس عبر حامد عثمان قاع المجتمع الكندي حيث عملت هناك متقلبا بين وظائف هامشية لفترة. لا أشكو ولا أتذمر هنا. لقد أردت فحسب توضيح فكرة اختلاف مسارات ذلك الرحيل كقاسم مشترك. وللمزيد من الوضوح هنا، تسعى مثلا شخصية مصطفى سعيد لدى الطيب صالح إلى الغرب باحثة عن ثأر "جئتكم غازيا"، بينما يسعى حامد عثمان لدي إلى الغرب لاجئا باحثا عن مأوى يحتمي به بلا طائل من خيبات الوطن. الطيب صالح يسعى عبر ذلك لمواجهة الآخر. بينما أسعى الآن ما وسع الجهد إلى مواجهة الذات وتتبع جذور أزماتها المركبة تجنبا لسخرية المثل القائل (باب النجار مخلع) على إعتبار أن جهد الآخر في تدميرنا لن يتم بصورة من الصور إذا لم نكن قابلين للتدمير من الداخل أوذاتيا. وهذا لا يعني في تصوري إلغاء لبحث العامل الخارجي بقدر ما هو وضع لأولويات من خلال مناهج عقلانية.
                  

12-23-2010, 08:17 PM

لؤى
<aلؤى
تاريخ التسجيل: 06-01-2003
مجموع المشاركات: 14343

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)




    .
                  

12-23-2010, 08:31 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: لؤى)

    أحسدك والله يا برينس

    علي شرفتك التي تطل علي البحر

    وبمناسبة إسكندرية
    أسمح لي أجيب ليك شوية شخبتات هنا
                  

12-23-2010, 08:32 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: حبيب نورة)



    البحر ...
    ...
    هذه الشُّرفات التي تتلصّصُ عيون أمواجها لتسرقنا منا
    لتنجِبنا في تلك الضفاف ..
    قوارب للذكري
    هذا الصمتُ المُريب !
    الذي يُبحِرُ فيني صراخاً
    الذي يلطمُ سواحلي تضاداً ، ويحتلُ فناراتي و يلجـِمُ ضوءها
    و يخنقُ رايات إشتعالها التي تتوضأ من البحر
    فلا تحفل بكلِّ هذا سوي الموجة
    التي تتسكعُ بتنّورتـها القصيرة
    وتكشف لنا محاسن صدرها
    وكأن هذه الضفاف مدعوةٌ إلي حفلةِ البكيني !
    فقل لي بربك يا بحر !
    لماذا لا تحافظ علي رباطِ جأشِ سراويلك ؟
    تري هل تتعمّد غوايةِ أرواحنا ؟؟؟
    ......
    البحر ونورة ..
    بينهما برزخٌ من الأشواقِ لا يبغيان
    أما تلك الرمال الساخنة لا تخجل حين تتعرّي أمامي
    تفجأني وهي ترتدي البحر ....
    وتغني....
    شوف البحر شو كبير .. كٌبرِ البحر بحبك
    وضفاف فيروز العارية
    تغطيني بمنشفةٍ من شفيفِ الطرب
    وتصلبني علي لُجينِ رمالها
    فيا أنثي الأمواج من الذي هداكي إلي سراطِ الرمال ؟
    وترككِ تُغنين
    و أنتِ تعتمرينَ قبّعةً من خيوطِ الشمس
    هل هو البحرُ الذي يتمدّدَ عارياً في خرائط جسدكِ الذي يرتدي أغنية ؟
    أم تلك الأمواج التي تُصفِّق وراءك ؟
    مدّاً وجزراً
    شوقاً وسحرا ....
                  

12-23-2010, 08:33 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: حبيب نورة)


    إسكندرية ...
    مدينةٌ تنتزع من البحرِ سرواله
    وتجعل أمواجه العارية
    زرقاءٌ لونها يسُر الناظرين
    إسكندرية التي تمارسُ فجورها بإشتهاء
    مع عشاقٍ يقتاتون بصيص أحلامهم من فتاتِ البحر
    أتقاسم معهم أطواق الفل الذي يحتسي شذاهُ البحر قبلهم
    فتغافلني رؤية
    تسرقني من فيروز وباقي أغنية ..
    مرج البحرينِ يلتقيانِ في مسامها
    لتحضرني في ذات الحلمِ نورة ..
    تشقُّ نطاقها
    لتدثرني من عيون البحر
    ولكنّي أخونها...
    و أجرحها عندما تجدني
    مُمدداً علي صدرِ موجة !
    ....................
    إسكندرية يا سيدة البحر غادريني إليا
    ألبسي ثوبك الأزرق و أغتسلي بالموج
    فالمركب يناديك
    الموج ينزفُ من خلفي
    و أنثي الشوكولا تعزفُ لي بصوتها الأزرق
    فتتعرّي كل الألوان
    وتبدأ الصلاة في محرابِ الأمواج
    فتثيرُ غيرةَ إسكندرية
    سيدة البحر...
    وتناديني لكي أقبّلها
    ولكني لا أرضي إلا بشفاهِ الموجة !
    فعذراً يا تلك الأطلال
    أنتي طالق ...!
                  

12-23-2010, 08:35 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: حبيب نورة)

    فيروز تغني للبحر
    تحاول أن ترشيهُ بمقطعٍ و أغنية
    ولكن سيدة البحر تتعرّي أمامي
    وتركبُ زورقي
    وتسألني أين المجداف
    ألا تخشي هذه السيدة
    التي سرقت أنثي الشوكولا صوتها
    و أحتالت عليها بأغنيةٍ للبحر
    ألا تخاف أن يشنقها الصمت حين تعلِّق نشيدها في مشنقة السكات ؟

    شوف البحر شو كبير ... كُبر البحر بحبك
    تررررم لملم لم
    ترررم لملم لم
    أشتهي صمتك حين يغافلني الكلام
    فلا تُنافقيني بكلمةٍ قد تخون سكاتك البليغ !
    فأنا أحتاج ان أسمع صمتك
    يصرخ في سكوني بالغناء !
                  

12-23-2010, 08:37 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: حبيب نورة)

    فيروز
    طاعمة تستاهل إضنيك

    >
                  

12-23-2010, 08:45 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: حبيب نورة)

    قمت بتصدير مجموعتك الأولى بإحدى مقولات باولوا كويليو، وكانت تبحث عن الغفران والتسامح، بينما قمت بتصدير مجموعتك الثانية بعبارة لريلكه (إذا كنتَ تعتقد أنّك قادر على أن تعيش دون كتابة، فلا تكتب)، فما العلاقة بين الغفران والكتابة؟ وما هو تصدير عملك الثالث؟.

    لعلي أبدأ هنا بالشق الأخير من السؤال، وهو مسألة تصدير روايتي التي أقوم بوضع لمساتها المتقدمة قبل النشر، وأعني رواية "خفاء المرئي (تحول الاسم حتى الآن إلى: لاءات أسير العبارة)"، وأكاد أقول هنا إنني وقعت على تلك العبارة الدالة لكازنتزاكي، تلك العبارة الواردة في سياق عمله "القديس فرانسيس الصقلي"، والقائلة (إن العفة، يا أخي ليو، تجلس لوحدها تماما على قمة حافة مهجورة من خلال عقلها تمر على كل المتع المحرمة التي لم تذقها، وتبكي/ في الواقع، قام البرنس لاحقا باعتماد عبارتين أُخريين واحدة لإدوارد سعيد وأخرى لكاتب قام بالتعرف عليه مبكرا أواسط ثمانينات القرن الماضي وهو كاتب بالغ الأهمية أقوم الآن فقط بتسويقه وسط أصدقائي يدعى: إدواردو غاليانو، بينما تحولت عبارة كازنتزاكي أعلاه إلى داخل المتن). ومسألة التصدير هنا برأيي مسألة متعلقة بالدلالة الكلية للعمل أوروحه العامة. ومعطوفا على بداية السؤال، يطيب لي أن أقول فيما يخصني شخصيا، ولا أدري ما يحدث في الخارج، أن قيم التسامح والغفران والعدل والتجاوز قيما مهمة على مستوى استمرار الحياة والتعايش من جهة، وعلى مستوى رسم الشخصيات من جهة أخرى، فأحيانا قد تكتب عن شخصية لا تتوافق كلية مع تصوراتك الذاتية كإنسان للعالم، لكن الضرورة ولا أقول الأمانة تستلزم منك ككاتب أن ترسمها بمحبة لتتيح لك الشخصية نفسها رسمها في الأخير. عرض قسمات وجه القبح لا يستلزم عندي لحظة الكتابة أن أقوم بالحقد عليها وبيان كراهيتي لها، لأن ذلك يضع تلك القسمات في مواقع الضحية، ومن ثم يعمل على جلب المزيد من الأنصار لها عبر كراهية السياق الكتابي الذي قدمتها أنت نفسك عبره أولا، لا لشيء سوى أنك قمت ككاتب بإسقاط تصوراتك وأحكامك الخاصة على العالم، بينما العالم يتسع عن تصوراتك بما لا يقارن والحقيقة كما يرى البعض "تبدو ولا تبين" كما أن مسألة القبح أوالجمال مسألة نسبية. ولعل كل ذلك يندرج لدي في باب الاحتفاء بالضعف الإنساني عامة. لست واعظا في الأخير على منبر الحياة.
                  

12-23-2010, 09:35 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    العزيز لؤي:

    شكرا، لمدنا هنا بصورة الأستاذة الدكتورة صاحبة العقلية النقدية الفذّة لمياء شمت. الوجه مرآة الروح.
                  

12-24-2010, 00:03 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: البحر ...
    ...
    هذه الشُّرفات التي تتلصّصُ عيون أمواجها لتسرقنا منا
    لتنجِبنا في تلك الضفاف ..
    قوارب للذكري
    هذا الصمتُ المُريب !
    الذي يُبحِرُ فيني صراخاً
    الذي يلطمُ سواحلي تضاداً ، ويحتلُ فناراتي و يلجـِمُ ضوءها
    و يخنقُ رايات إشتعالها التي تتوضأ من البحر
    فلا تحفل بكلِّ هذا سوي الموجة
    التي تتسكعُ بتنّورتـها القصيرة
    وتكشف لنا محاسن صدرها
    وكأن هذه الضفاف مدعوةٌ إلي حفلةِ البكيني !
    فقل لي بربك يا بحر !
    لماذا لا تحافظ علي رباطِ جأشِ سراويلك ؟
    تري هل تتعمّد غوايةِ أرواحنا ؟؟؟



    بدا لي واضحا، من جملة ما يطرح حبيب نورة هنا وهناك داخل حدود هذا المنبر، أن لديه من الموهبة والمعرفة ما يؤهله لكتابة شيء باق. وهو تقريبا كما بدا لي، حين التقيته أخيرا على مقهى زهرة البستان في القاهرة من جيل تال، أقبل إلى الحياة خلال عقد الثمانينات وربما بعض أعمار هذا الجيل المتميز تقفز إلى عقد تال، أذكر هنا إلى جانبه رندا محجوب، مأمون التلب، مازن مصطفى، حسام هلالي وغيرهم. شباب يدهشونك بعمق معرفي وموهبة بالتالي مصقولة تكاد تجاهد بالكامل من داخل العماء كيما تشع هنا وهناك. لست عجوزا إلى تلك الدرجة (وجه ضاحك). ولكنني كما أعلنت لبعضهم حين كنت في مثل سنهم كنت أكتب بقدر أقلّ بكثير مما هم عليه من جودة الآن وقدرة على إثارة الدهشة. أليست رندا محجوب هي القائلة إن لم تخن الذاكرة (على بعد سنتميتر واحد من السطح، وأختنق)؟.
                  

12-24-2010, 08:09 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمياء شمت، عبر صحيفة الرأي العام: حكائية عبدالحميد البرنس .. ثالوث الغربة والوحشة والحنين (Re: عبد الحميد البرنس)

    من أجواء لاءات أسير العبارة:



    شَعْرُها الحر ذهبيّ اللون. كما لو أن الشمس تلقي يدا حانية على حقل الحنطة موسم الحصاد. شَعْرٌ ظلّ يوقد في قلبي حرائق الرغبة، بلا رأفة، كلما ألقت برأسها عابثة للوراء. شَعْرٌ بدا لي على الدوام مثل بيتٍ من الشِعرِ توارى قائله قبل ألف عام، فيما لا يزال شأن الروائع الأخرى الخالدة محتفظا بدفء أصوات ساكنيه، عذوبة ابتساماتهم، لمساتهم الحانية على الأشياء، نعومة نسيج تشوقاتهم على أعتاب فجر جديد، واهبا الجالس داخل غرفه الوثيرة إضاءة مخمليّة، بينما في المساء يمكن لجالسٍ آخر هدَّه الشوق وأضناه الحنين خلف إحدى نوافذه المشرعة قبالة هفيف ذلك الخطو الأثيريّ الموَّقع لِنسمةٍ باردة لثمت للتو حقل ياسمين قريب أن يبعث بمناجاته إلى فتاة أحلامه عبر ضوء هامسٍ لِنُجيمة حنون، فإذا البعد قربٌ وإذا الظمأ رواء.

    كانت مسيحية برأس لا تزال مترعة بتفاصيل دقيقة عن فتيان أحلامها في زمان لم يعد له الآن من وجود. إنهم فتيان فرقة "البيتلز". تلك المجموعة التي ذهبت في عشقها حدَّ الوله مدى حياة كاملة.

    كدتُ أن أقول لها بُعيد إجراءات تسليم وتسلّم تلك الوردية إنه كتاب ماركس "الآيديولوجية الألمانية". أحجمت في اللحظة الأخيرة عن قول لا يجدي. نلت حظي من قراءة الكتب ومناقشة تلك النظريات العقيمة وهذا وقت خاصّ لحرائق الجسد وأحاديثه الشجيّة كرفيف الشفاه الصامت تحت خيمة الأنفاس اللاهبة. آنذاك، بينما تنتظر ابنتها دوريان لتقلها كالمعتاد إلى البيت بسيارتها الفورد، سألتني عنه، وهي تراه معي لأول مرة، حاولتْ قبلها جاهدة فك طلاسم حروفه العربية، بلا جدوى. نظرتُ بدوري إلى نفس صورة ماركس الباهتة على ظهر الغلاف. كانت ملامحه غائمة وراء تلك الآثار المتراكمة لأصابع يدي عبر السنوات. حين بدا لي في تلك اللحظة أشبه براهب طيب عجوز، قلت لها بجدية تامة "هذا، عزيزتي ليليان، كتابنا المقدس". بدت متفهمة لتلك الإجابة العابثة، وهي تتساءل متأمّلة صورة ماركس، قائلة "وهل يؤمن به الكثير من الناس هناك، يا هاميد". قلت "بل يعتقدون، عزيزتي ليليان، أن مجرد ترتيله سبب كاف لتقليل رقعة الفقر ومحو فساد الحكام". أخذتْ العجوز تتطلع بقلق إلى إحدى شاشات المراقبة، قائلة "للأسف الناس هنا لا يبالون بالسماء كثيرا". كمن يستدرك أمرا على حافة الوقت، سألتني، قائلة بدهشة "آه، نسيت، هل تؤمن أنت بالله، يا هميد". كانت الإجابة عالقة في داخلي منذ زمن بعيد. قلت "حين لا ينوب عنه الآخرون". كنت أدرك جيّدا أن حيِّز المعلومات الضخمة في دماغها عن "جون لينون" و"بول مك كارني" و"جورج هاريسون" ورفيقهم الرابع لم يتح لها في نهاية المطاف سوى هامش ضئيل للتفكير خارج ساعة قمار واحدة من كل أسبوع مدفوعة في كل مرة باستعادة أمجاد غنى آفل قديم. فجأة، وهي تنظر إلى السقف متبرمة من تأخير ابنتها، وثمة شعور خفي بحبّ غامر يجتاحني صوب الله والعجوز قد أخذ يعتمل متخللا مسارب روحي شيئا بعد شيء، تناهى صوتها، وقد شرعتْ تتغني بإحدى روائع جون لينون الأخيرة بنبرة خافتة أقرب ما تكون إلى الدندنة "كل ما نقول به.. امنحوا السلام فرصة". رأيتها بعد وهي تتراجع بمقعدها المتحرك إلى الوراء في تثاؤب. كانت قد أنهتْ لحظة دخولي عليها كتابة بعض ملاحظاتها على دفتر التقرير اليومي. شبكتْ أصابعها وراء عنقها ناظرة إلى شاشات المراقبة. كانت تلك من اللحظات النادرة التي تأخرت فيها دوريان عنها إلى هذا الحدّ. قالت مبددة سأم السكون المشوب بالانتظار "كالعادة، لا شيء هام حدث أثناء وردية الليل". بدأتُ أتأمّلها مرة أخرى من طرف خفيّ. كان الشعور بالحبّ تجاه الله والكون والعجوز قد فاض في قلبي، ولم يعد محتملا، حين استدرتُ نحوها في جلستي تلك، ورجوتها على حين غرة، قائلا:

    "هل تسمحين لي بتمرير يدي على شعرك"؟.

    أخذني الفزع دفعة واحدة، توالى نبض قلبي وتصاعد صوت دقاته كأصداء طبل بعيد، لحظة أن بدأت العجوز تقترب نحوي بمقعدها المتحرك، وأمالت رأسها بتلقائية على كتفي. تأكدتُ عبر يدي هذه المرة أن شعرها لا يزال بالفعل يحتفظ بجاذبية ونعومة شعر فتاة في العشرين حتى وهي تقف على بعد خطوات قليلة من سن التقاعد. كانت في تلك المرحلة العمرية نفسها التي يأخذ فيها أمثالها في بلادي في تجهيز قوارب الإبحار صوب عالم الفناء أوالعدم. ولم ينسوا أن يضعوا عليها القِرب المليئة بماء الإستغفار، السلال المكتظة بزاد الصوم والصلاة، مجذافي الإيمان، بعض فواكه الحج إلى بيت الله الحرام إن أمكن، وقليل منهم كان يملأ حقائب الإسعافات الأولية بالزكاة وطلب المغفرة ممن آذوهم في لحظات ضعفهم الكثيرة، ولا ريب. وددتُ لو أنني أستمر في تمرير يدي على شعرها الذهبيّ بلا توقف أو نهاية وحتى قيام الساعة الكبرى. لكنها انفصلت عني ببطء. تشاغلتْ بالنظر إلى شاشات المراقبة الماثلة قبالتنا كشيء يُذكِّرك فجأة أن الحياة قد تتسرب في أحيان كثيرة بلا معنى. عندها فقط أدركت أن كفّ الزمن قد أخذت منذ وقت بعيد في حياكة تلك الغضون الدقيقة حول شفتيها الرفيعتين. لعلها أحسَّت بعاري الخفي. وقد بدأت كوامن الرغبة الوحشية تتحرك ما بين ساقيّ بغتة.

    لكأن بي نزعة دفينة لإشتهاء الموت.

    كانت تواصل التطلع إلى تلك الشاشات في وجوم. وجهها اعتكر خطفا. لا أثر هناك بعد يدل على حضور ابنتها. كان هاتف دوريان المحمول لا يزال مغلقا والملل أخذ يجتاحها قربي إلى الدرجة التي بدا معها وجودها وسط ذلك الخجل المتفاقم في نفسي مثل شيء ثقيل باعث على الغثيان. لم يعد ثمة ما يقال وقد أخبرتني منذ حضوري تقريبا بكل ما هو جديد عن ابنتها وحفيدتها. لم يغب عنها أن تحدثني بشيء من الحزن عن خسارتها الكبيرة أثناء لعب القمار في عطلة نهاية الأسبوع الماضية. أخيرا أخيرا، خرج هكذا من جوفي، كما لو أنني أبدد هناك بقايا حريق لا منطق له في عرف الطبيعة بحريق من نوع نشاز آخر؛ ذلك السؤال الذي ظلّ يغلي في داخلي كمرجل لفترة طويلة "كم مرة مارستْ "عزيزتي ليليان" الجنس على مدار حياتها"؟!.

    على عكس توقعاتي تلك تماما، عادت الحياة تدب في أوصال العجوز فجأة. ألقت بشعرها بكلتا يديها إلى الوراء. وأخذتْ تضرب على الأرض بقدميها ضاحكة كفتاة على أعتاب العشرين لا تزال مغمورة في وهج ذلك الشعور أن العالم لا يزال يعد في مقبل السنوات بالكثير من الأشياء الطيبة. "فريق البيتلز أكبر من المسيح". وهي تفتح أمامي خزائن أسرارها على ذلك النحو، وأنا أراها وهي تصغر في الحكي أكثر فأكثر، خطرت على ذهني تلك العبارة التي أطلقها "جون لينون" عام 1966. وكنت قد قرأت قبل أيام قليلة مقالا في مكان ما من شبكة المعلومات جاء فيه "لم يكن لينون ومكارتني عندما كانا يجتمعان في حجرة مكارتني الضيقة لعزف الموسيقى ووضع كلمات الأغاني يعيان أنهما يؤسسان لتاريخ الفن الغربي عموماً، وأن الفكر العفوي الذي كان يكظمه الفتية الأربعة هو امتداد لموجة الحداثة التي اجتاحت التشكيل والأدب" الغربيين. هكذا.

    كنتُ شابة صغيرة. مات أبواي في حادث تحطم طائرة مروحية خاصّة على شواطيء خليج هيدسون على الحدود ما بين محافظتي أونتاريو ومنيتوبا. كانا قد تركا لي ملايين الدولارات وفراغا أخذ يتعاظم كلما تقدم الوقت. كانا محور حياتي. كما لو أن أحدا لم يحب أبويه مثلما أحببت. لا تزال ضحكاتهما بين أصدقائهما ترن داخل أذنيّ أثناء حفلات الشواء في الهواء الطلق. كل شيء فجأة آل إلى سكون. كنت في جوع إلى تبديد الصمت المتفاقم من حولي. "أوه، يا هاميد، لا أحد يعلم في مثل عمري تحديدا كم مرة مارس خلالها الحبّ في حياته". شيئا فشيئا تحول غرامي القديم بالبيتلز إلى شيء أخذ يملأ مني منافذ الروح والجسد. لم يعد الأمر مرة أخرى تعلقا بصيحة في عالم الغناء أقامت الدنيا كما أرادتْ. كان بالفعل يا هاميد هبة إلاهية أن تتنفس مع أربعتهم هواء العالم نفسه. الغناء يعطي للحياة مذاقها الشجيّ. حين أقدم ديفيد شابمان مساء الثامن من ديسمبر من عام 1980 على اغتيال جون لينون وجدتني ثانية أسيرة ذات الفراغ العظيم. قال إنه ظلّ يسمع أصواتا في رأسه تأمره بقتل رسول الحبّ. تصوَّر، يا هاميد، هذا الهراء!. قال، دعني أتذكر، قال قال، آه، قال كان قراره الأحمق باغتيال جون لينون أمرا "أشبه بقطار ينطلق بأقصى سرعته، لا سبيل لوقفه". وأحسست باليتم مرة أخرى. كما لو أن العالم لم يعد فيه أحد. "يا هاميد، أية قوة غامضة تدفع بالناس أحيانا إلى قتل أجمل الأشياء لديهم"؟.

    كدت أن أقول لها إن ما قد تفوهت به للتو قد شكل في واقع الأمر حجر الزاوية في كتاب "الآيديولوجية الألمانية". كنت أعني سؤال ماركس "لماذا يسلك البشر أحيانا ضد مصالحهم الخاصة". ظلّتْ العجوز وهي تواصل حكيها ترتعش حد إثارة مخاوفي من أن يغمى عليها في أية لحظة. ثم.. وبلا مقدمات شرعت تبكي بكيانها كله. يا إلهي!. بعد كل هذه السنوات، لا تزال تذرف دمعا، "الدمع، لو تعلمين!، فقط لو تعلمين ما يفعله الدمع بالمنفيّ الغريب". الدمع الدمع، عزيزتي ليليان، أيبعثه فينا الحنين، الغبطة، الفقد، الوداع، اللقاء، الحزن، الفرح، أم اليأس والأمل. أية قوة هائلة ينطوي عليها ذلك السائل المائي. لقد وضع الله في ابتسامتنا الجسور، في حناجرنا الغناء، في قلوبنا الخفقان، في رؤوسنا الفكر، في أقدامنا المشي، وفي ملتقى ساقينا الرغبة، لكنه جعل من الدمع أكثر هباته وضوحا ولوعة. كنت أواصل النظر إليها مصغيا بكياني كله مفتشا بين ندف الحطام المتراكمة داخل أعماقي في آن، ولا أدري أن ما أُعايشه معها من توحد غامض مجرد كابوس مفزع أم واقع مرير آخر من هلوسات منفىً لا مناص منه. "مَن يعش في الغربة يمشي فوق فضاء خاوٍّ، مجرَّدا من شبكة الرعاية التي تحيط به، كل كائن بشريّ بلاده الأم، حيث تُوجد عائلته وأصدقاؤه، وحيث يستطيع أن يتحدث باللغة التي تعلمها في الصغر من دون أدنى مشقة". ذلك صوت ميلان كونديرا. ولكن أي عزاء يمكن أن تمنحه العبارات للناس أحيانا"؟.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-24-2010, 08:23 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de