|  | 
  |  إلى الأساتذةِ الأفاضِلِ في لَجْنةِ تحكيمِ برنامجِ  " سحرِ الْقَوَافي " ، مع التّحيَّة . |  | أساتذتي الأجلَّاءُ الأفاضلْ ، وعلى رأسِهِمُ سيِّدي الأديبُ الأريبُ ، الْفَذُّ الْعبارة : مُحي الدِّين الْفاتح مُحي الدِّين :
 السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
 ثُمَّ أمَّا بعدُ .
 قبلَ أيّامٍ مَضَتْ جلسْتُ إلى تِلْفَازِ السُّودان ، أُتابِعُ – مُشاهـدةً - برنامجَكم ثَرَّ الْمعرفةِ ، جَمَّ الْفائدة : ( سحرَ الْقَوافي ) ، وَلَكَمْ هو برنامجٌ عندي جميلٌ ومُفيد، ولا أُذيعُ لكم سرًّا إنْ قلتُ إنَّهُ قد أعجبني أيّما إعجاب .
 لكنِ الَّذي أثارَ حفيظتي هُوَ أنَّني رأيْتُ أُستاذيَ / مُحي الدِّين ، يَسْتنكِرُ في تلك الْحلقةِ على أحدِ الشّعراءِ الْمُشاركينَ فيه ، استخدامَهُ للْجَمْعِ ( أخْيَاط ) كجمعٍ لـ ( خَيْط ) ، قائلًا له فيما معناه :
 - ( هذا الْجمع من عندك ، وليس من الْعربيَّةِ في شيء ) .
 عليهِ أقولُ وباللهِ التَّوفيقُ : إنَّ هذا الْجمعَ صحيحٌ في الْعربيَّةِ وفصيحٌ غايةَ الإفصاحِ فيها ، وأرى أنَّهُ قد جانبَكَ الصَّوابُ كثيرًا يا أُستاذي في قوْلِكَ وحُكْمِكَ ذاك ، وأعْلَمُ يقينًا أنَّهُ لن تَخْفَى على كثيرينَ مِنَّا أقوالُ الْمعاجمِ الْعربيَّةِ ، لَوْ أنَّا أطَلْنَا النَّظَرَ فيها ، وسنَلْحَظُ أنَّ هذا الْجمعَ قد وردَ في مُعجمِ ( لسانِ الْعرب ) ، والْقاموسِ الْمُحيط ، ومُحيط الْمُحيط ضِمْنَ أربعةِ جُموعٍ صحيحة لـمُفردةِ ( خَيْط ) ، وهذه الْجُموعُ هيَ : ( خُيُوط ، أخْيَاط ، خِيطان ، خُيُوطَةٌ ) .
 وعلى ذاتِ الشّاكلةِ سَمِعْتُ أحدَ أعضاءِ لجنتكمُ الْمُوقَّرة – أطالَ اللهُ بقاءَها على طاعتِه – الْعَفوَ ، إذْ لا  أتذكَّرُ اسمَهُ الآنَ على وَجْهِ الدِّقَّة ، قد رأيْتُهُ يقولُ بتَخطِئةِ أحدِ الشُّعراءِ ، قائلًا :
 -  ( إنَّ مفردة  " فارِد " ليستْ عربيَّةً فصيحة ، وإنَّها من الْعاميَّةِ السُّودانيَّة ) .
 وهذا في تقديري خطأٌ من الأُستاذِ فاحشٌ ، إذْ إنَّها ، أقصِدُ ( فارِدًا ) من صميمِ اللُّغةِ وفصيحِها ومن معانيها: ( الْمُنفرِد أوِ الْمُتفرِّد ) ، وواردةٌ بأدبِ الْقُدَامَى ، أمثالِ الْجاحظ – إنِ اطَّلَعْنا على مُؤلَّفَاتِه - حينَ يقولُ في كتابهِ " الْحيوان " ، مُستشهِدًا ومُتحدِّثًا عن مَذاهبِ الأعْرابِ وشعرائهِم في الْجِنّ ، هكذا:
 - ونَهْسًا كنَهْسِ الصَّقْرِ ثمّ مِراسهُ **** بكفّيْهِ رأس الشّيخة الْمُتمائلِ 
 فلمْ يَسْحبِ الْمنديلَ بينَ جماعةٍ **** ولا فاردًا مُذْ صاحَ بينَ الْقَوابِلِ .
 ونفسُ الأمرِ عندَ الْمُسيّب بن عَلَس ، في كلمتِهِ الْمعروفةٌ حينَ يقولُ :
 ( في ظِلِّ فاردةٍ مِنْ السِّدْرِ ) ، قاصدًا بقولِهِ هذا الْمُنْفَرِدةَ عن سائرِ السِّدْر.
 ومعاجمُ اللُّغةِ أمثالُ لسانِ الْعربِ والْمُعجمِ الْوسيط وتاجِ الْعَروسِ تذهَبُ كُلُّها ذاتَ الْمَذهبِ ، وتَقْصِدُ ذاتَ الْجِهةِ في شرحِ اسمِ الْفاعل : ( فارد ) ، فيُقالُ : ظبيةٌ فارد ، وشيءٌ فارِدٌ ، أيْ مُتفرِّد ، ومُنْفَرِد.
 والأمثلةُ لهذا الْجانبِ كثيرةٌ وماتِعة ، يَضيقُ الْمقامُ عن ذكرِها رُغْمَ اتّساعِ الأوراقِ وتَباعُدِ الأسطُرِ فيها ، نَشْدًا منِّي التَّخفيفَ وعدمَ الإطالَة.
 وأخيرًا رأيْتُكم – أيْضًا - تُصنّفونَ بعضًا من قصائدِ الشُّعراءِ الْمُشاركينَ بأنَّ مفرداتِها من حُوشِيِّ الْقَوْل ، رٌغمَ أنِّيَ لمْ أجدْ فيها ما يُماثِل قَوْلَ صفيّ الدِّين :
 إنَّما الْحَيْزَبُونُ والدَّردبيسُ  **** والطَّخَا والنَّقاخُ والْعَلْطَبيسُ .
 لُغةٌ تَنْفِـرُ الْمسامِعُ منهــا  **** وتَشْمَـئزُّ النُّفـوسُ .
 وكما قال أُستاذُنا العلامةُ التّعلامَةُ البروفيسور، عبد الله الطَّيِّب الْمجذوب ، طيِّبَ اللهُ ثراه بالرّحماتِ والْغُفران ، فيما معناه :
 ( بأنَّ الكلمةَ الْمألوفَةَ الْيومَ ، قد تكونُ غيرَ مألوفةٍ يومَ غَدٍ ..) .
 وهكذا شيئًا فشيئًا سنجدُ أنَّ اللُّغةَ الْعربيَّةَ أضْحَتْ في غُربةٍ عَنِ الدِّيارِ ، وباتَتْ تشكو قِلَّةَ زائريها ، وطَفِقَتْ تفقِد مَلامِحَها بيْنَ الزِّحامِ والْهُجْنَةِ السَّاحقةِ في هذا الْعصر ، وذلكَ كلَّما بدأنا نتنكَّرُ لمفرداتِها الأصيلة ، قائلينَ بأنَّها من حُوشيِّ الْقَوْل !. 
 عليْهِ أرجو شاكرًا تَحَرِّيَّ الدِّقَّة فيما تُدلونَ بهِ من أحكامِ ، فالْبرنامجُ – كما تَنَاهَى لسامِعَتَيَّ - لا شكَّ نافِذٌ خيْطُهُ ، وعاليَةٌ مُشاهدتُهُ ، لذا أرجو ألا يُورِّث الْمُشاهدينَ بعضَ أخطاءٍ في الْعربيَّةِ أصيلٌ مجيئُها وتَرْكيبُها ، ونُدْرِكُ أنَّ استخدامَها ماثلٌ بأقوالِ الْقُدَامَى من الأعاريب، ذلك عندما لا تُخْطِئُها عَيْنُ فاحِصْ ، كما أتمنَّى من اللهِ لبرنامجِكم هذا ، الازدهارَ والتَّوفيقَ ،ولَكُم أرجو السَّدادَ في الْقَوْلِ والْحُكْمِ والأفعال .
  واللهُ أعْلَى و أحْكَم ، وبالصَّوابِ أعْلم.
 هذا وباللهِ التَّوفيقُ وعليهِ التُّكْلان .
 
 
 أخوكمُ الْمُحِبُّ : مُحمَّد زين الشّفيع أحمد . 
 يَكتُبُ من الرِّياض بالمملكةِ السُّعوديَّة ، يومَ الأحد : 22/ ذو الْحجّة/1431هـ ،الْمُوافق لـ 28/ نوفمبر /2010م.
 _____________________ 
 |  |  
  |        |  |  |  |