|
|
وفي العيدِ فرحةٌ وترْحة: وقفةٌ في ذكرى المعتمِد بن عباد رحمه الله
|
كمْ تأبّى عليّ القلمُ وأنا أكتبُ هذه الكلمة في العيد, إذ العيدُ مَبْهجةٌ للنفس, مسعدةٌ للقلبِ ومسرةٌ لهُ لا ينبغي أنْ تُكَدّرَ على القاري!! وعذري في ما أكتُب أن في العيدِ أقوامًا ممن يعيشونَ بيننا نزلَت عليهم عوائدُ الأيام بأوجاعٍ وآلام, وأزرى بهمُ الدهرُ فمنهمُ الفقيرُ البائس, والمغرومُ المثْقل, والمكلوم بفراقِ عزيزٍ له, والسجينُ والطريد.. يمُرُّ العيدُ علينا بسرورٍ وفرحة, ويمرُّ على أولئك البؤساء بقُرْحةٍ وتِرحة..ذكّرتني مقلةً كنتُ قرأتُها في طراءةِ الصبا للزيات في (وحيِ الرسالة), ولمصطفى لطفي في ديباجة (العبرات) حيث يقول: الأشقياءُ في الدنيا كثير, وليس في استطاعةِ بائسٍ مثلي أن يمحُوَ شيئًا من يؤسِهم وشقاوتهم, فلا أقلّ من أن أسكُبَ بين أيديهم هذه العبرات, لعلّهم يجدون في تعزيتي لهم عزاءً وسلوى!! وفي قصصِ التاريخ عبرة, وفي واقعِ حالنا زجرة لمن أمن مكر الأيام...ونسي أن الدنيا لا تُعطي عطِيةً باليُمنى إلاّ لتكرّ راجعةً لتأخذَها باليُسرى, هكذا دأبُها وهِجّيراها.. ومُكَلّفُ الأيامِ ضدّ طباعِها *** مُتَطلّبٌ في الماءِ جَذْوةَ نارِ ولا أجد في عبرِ الزمانِ أعْظم للمتَذكّر من حالِ المُعْتمد بن عَبّاد رحمه الله...تقلّبت به الأيامُ من أُبّهة المُلك وجلالِه في إشبيلية وقُرْطُبة, وانتهت به طريدًا شريدًا سجينًا في صحراء أغمات في بلادِ المغرب..كان فارسًا شُجاعًا مُمَدّحًا, وكان وكان..كُلّ ذلك لم تمنع عوادي الأيام من كرّتها عليه, فرمته سجينًا –في قصّةٍ مزبورة في كتب التاريخ والأدب كنفح الطيب وتاريخ ابن خلكان- مع أمير المسلمين يوسف بن تاشفين رحمه الله... وإذ هو كذلك في سِجنه من الذل والفاقة والمسكنة أدركه العيد, فجاءت زوجتُه وبناتُه يزُرْنه في أسمالٍ بالية, مخرّقةٍ مرقّعة, بعد الديباج والحرير, حافيةً أقدامُهن, بعد المسك والكافور..فذرفت عيناهُ وأخذ يخاطبُ نفسَه ويقول : فيما مضى كنتَ بالأعيادِ مَسْرورا **وكان عيدُك باللذاتِ معْمورا وكنتَ تحسَبُ أنّ العيدَ مَسعَدةٌ **فساءَك العيدُ في أغماتَ مأْسورا ترى بناتك في الأطْمارِ جائعةً **في لُبسِهنّ رأيتَ الفقرَ مسطورا معاشهنّ بعيدِ العزّ مُمتهنٌ ** يغزِلْن للناسِ ما يملِكن قِطْميرا بَرَزْن نحوَك للتسليمِ خاشعةً ** عُيونُهنّ فعادَ القلبُ موتورا قد أُغمِضت بعدَ أن كانت مفتّرةً ** أبصارُهنّ حسيراتٍ مكاسيرا يطأْن في الطينِ والأقدامُ حافيةٌ ** تشكو فراقَ حذاءٍ كان موفورا قد لوّثت بيدِ الأقذاءِ واتّسخَتْ ** كأنّها لمْ تطَأ مِسْكاً وكافورا لا خدَّ إلّا ويشكو الجدبَ ظاهرُه ** وقبلُ كانَ بماءِ الورْد مغْمورا لكنّه بسيولِ الحُزْن مُختَرقٌ ** وليس إلا معَ الأنفاسِ ممطورا أفطرْتَ في العيدِ لاعادتْ إساءتُه ** ولسْتَ يا عيدُ مني اليومَ معذورا وكنتَ تحسَب أن الفِطْرَ مُبتَهَجٌ ** فعادَ فطرُكَ للأكبادِ تفطيرا قدْ كان دهرُك إنْ تأمرْهُ ممتثِلاً ** لمِا أمرتَ وكان الفعلُ مبرورا وكم حكَمْتَ على الأقوامِ في صَلَفٍ ** فَرَدّك الدهرُ مَنْهِيّاً ومأمورا من باتَ بعدَكَ في مُلكٍ يُسَرُّ بهِ ** أو باتَ يهنأُ باللذاتِ مسرورا ولمْ تعِظْهُ عوادي الدهرِ إذْ وقَعَتْ ** فإنّما باتَ في الأحلامِ مغرورا وقد عجبتُ من العلاّمة أحمد بن علي الدلَجي رحمه الله كيف فاتت عليه القصّة فلم يذكُرْها في (الفلاكةُ والمفلوكون)؟ فسبحان ربي لا يضلُّ ولا ينسى... ومهما يكن من أمرٍ على البيبِ العاقل أن يتذكر وهو في فرحةِ العيد ما أصاب آخرين من شقاء حالٍ وقلةِ حيلة, فيعينهم ويدعو لهم بالتفريج..ولا يأمن تقلب الأيام ولا يشمت.. إذا ما الدهرُ جرّ على أناسٍ ** كلاكِلَهُ أناخ بآخرينا فقُلْ للشامتينَ بنا أفيقوا ** سيلقى الشامتون كما لقينا أقال الله عثراتِنا, وغفرَ زلاّتِنا .. والسلام وكتب: الفقير إليه تعالى العاجز عبد العزيز علي جامع كان الله له
|
|

|
|
|
|