|
يقتله من اجل كيس تمر!
|
حطت به الطائرة في مطار الخرطوم قادما من مطار هيثرو علي متن الخطوط المصرية، كان لوحده حتى زوجته أماني محمود لم ترافقه في هذه الرحلة. الفاتح عثمان محمد احمد الناير يعود إلي السودان وحيدا بعد غياب دام لأكثر من عشرين عام. هو جاء ليرجع بسرعة إلي لندن فينضم إلي عائلته لان المنفي الاختياري أكثر كرما و كرامة من الوطن المسجون. جاء ليقوم بواجب العزاء في موت صديق عرفه هناك في لندن عرفه لعشرين عام كان رفيقا للفاتح في كل مراحل هجرته من لجوء إلي إقامة دائمة ثم إلي تجنس بجواز بريطاني. عندما حطت الطائرة في المطار كان الوقت مختصرا بين غروب و بداية ليل دافئ. لقد أراد الصديق أن يُدفَن هناك في المنفي ، لقد كرر الصديق المتوفى هذا الطلب مرارا بحضور أماني محمود و نفيسة بت الاعيسر والدة الفاتح عثمان محمد احمد الناير. للفاتح الكثير من المعارف و الأصدقاء و قليل جدا من الأهل القريبون في الخرطوم و تنقصه العناوين، تنقصه أيضا معرفة الكثير من الحقائق عن البلد و ما تم فيها من تحولات في العشرين سنة الأخيرة. الغريب إن الفاتح لا يريد أن يعرف هو مكتفٍ تماما بما يعرفه من الانترنت و شاشات التلفزة و حكاوي الناس. معلوم أن الفاتح ترك البلد في أول التسعينات بعد أن نجا من تجربة اعتقال و تعذيب بمعجزة ليس أكثر. لم يجد الفاتح متسعا ليدرك ان المطار قد تغير و هيئة المدينة قد اختلفت!! ما أدهشه حقيقة هو استقرار البؤس في مكانه لم تنجح عشرات السنين في زحزحته. نفيسة بت الاعيسر، أماني محمود و الفاتح هم من شخصيات رواية المصير.. أنا.......... اعرفهم جيدا و انتم لاتعرفونهم ، ليس من المهم توضيح من هم و لكنهم أناس طيبون ذهبت بهم الحياة في مصائر مختلفة يجمع بينهم الحب ، الإيثار ، المساندة و الحزن. في نفس كل منهم حفرة عميقة تركها الوطن بقضارفه ذات السماوات الزرقاء و الشموس المتوهجة و خرطومه ذات التراب المترب بفداحة مستفحلة و فاجرة. الفاتح الآن يحاول أن يجد مركبة تقله إلي (الكِنيسِة) احد قري القرير في مركز مروي حيث ينعقد العزاء الغيابي لصديقه الذي توفي هناك في المنفي، و رفض أن يتم إرسال جسده الميت إلي الوطن محمولا في طائرة، أراد أن يدفن هناك في المنفي، ربما لأنه أراد للمأساة أن تكتمل أركانها. الفاتح الآن أمام بوابة المطار عند صالة القادمين، تصطف سيارات أجرة، بكاسي و سيارات خاصة و أناس منهم من ينتظر قادما ببرود ، منهم من يبكي لفرحة قدوم عزيز عليه ، منهم من يسلم بحرارة ومنهم من تحس انه محاصر بانتظار و صبر مترسب. سأل الفاتح أحدهم، هل توجد سيارات للتأجير؟ رد الرجل" بسائق أو من غير سائق؟" رد الفاتح قائلا بسائق! انزاح عنه هم كبير لأنه سيجد سائقاً و مرافقا. لم يكن مع الفاتح أغراض كثيرة فقط حقيبة واحدة متوسطة الحجم و جهاز كمبيوتر محمول. تمت الإجراءات بسهولة و ركب الفاتح و انطلقت السيارة.ً لم يندهش الفاتح من طريق الإسفلت و لا من التحولات التي وقعت علي امتداد الجغرافيا المهمل و المنسي، هذا الامتداد الذي شهد ملاحما و انكسارات و انتصارات مؤزرة سجل صفحات أحداثها التاريخ بجلال و احترام ، عبرت بهم السيارة المكيفة التي يصدح من مشغل أشرطتها الفنان" شكر الله" كره الفاتح اسم الفنان لأنه يذكره بالمأساة و الحزن الذي رفض المغادرة ذلك الحزن اللزج الذي لم يغادر لا بالسلم و التمدن لا بالعنف و البدائية. وصل الركب الصغير إلي (الكنيسة ) عروس القرير و زينة أراضيها وصل الفاتح مارا بقوز قرافي ثم قوز هندي و دوم المهاجر فالي الكنيسة، ربما لأول مرة يندهش الفاتح من صفاء لون الرمال الأبيض المصفر بوداعة و غني الخضرة التريانة، حتى جالوص الحيطان بدا كأزياء عروس أو ثياب حبيبة. القرية اكبر ما فيها هو المقبرة التي تمتد لعهود من الاتساع هي تضم أجساد أناس كانت لهم ارتباطات مذهلة بالمكان و بالإله . استقبلته الدموع المدركة للحنين، الدموع التي تبارك عز الصداقة المجيدة. تنداح في أرجاء القرية رائح التمر و هسيس عطور أشجار المانقو العالية و ريان البرسيم الفتي. قام الفاتح بواجب العزاء فتح يديه لشيل الفاتحة التي لا يحتمل أثقالها إلا أصحاب القلوب المثقلة بالإحزان المتمكنة. انصرف الفاتح يغالب صمته الذي عاند كل محاولات المجاملة من حضور العزاء، غالبها باقتضاب لا يخلو من لطف عنيد. انصرف الفاتح ساقته أقدامه إليها، كانت تنظره كعروس امضي أهلها أزمانا في تسكين ثائرة جلدها بالدهن و الدلكة و طبقات الدخان، عروس تفرد أجنحة أحضانها الطائرة في إرتغاب. انتظرته مادة أطراف سعفاتها الحانية بانتظار، كانت تقف تحتها و الرمل ابيض، السماء عميقة الزرقة و النيل يبعث بالأغاني من حوالي النخلة محتفيا بجزيرة (مساوي)، كانت تقف نخلة ناطقة بعز التمور كلاما لا تسمعه الآذان إلا عند هبوب النسائم الباردة، جاء الفاتح فقعي تحت أحضانها الممهدة بليونة الجسد الرقيق واقفا كنصب لإله قديم ، وقف تحتها شملته بخضرتها الصلبة، نخلةٌ لا تخف، عندما استقرت به اللحظات تحتها عرف أنها هي من نادته من منفاه، لم يكن موت الصديق هو من استدعي القدوم من مرابط الغياب و الإقامة الدائمة و التجنس. عندما استقر الفاتح تحتها غادر جسده المحفور اعتداءً بمخالب سارقي الوطن، غادر فرآهم عند فوال ( الحاج) في سوق الموردة هو راكض يمارس الرياضة بين سوق الموردة و مدرسية المؤتمر... و هما يهربان بما سرقاه.. كيس التمر الصغير هو كان ما قد سرقاه!! تحرش به اللصان فقال الفاتح " لست شرطيا.. أنا راكض علي الطريق.. أمارس الرياضة فأباعد بين جسدي و المرض، الوهن و الشيخوخة.... أنا راكض أمارس الرياضة .. لست شرطيا!!.. غادراه! .. مضي الفاتح في سبيله راكضا و ناسيا أمر السارقين الذين سرقا كيس التمر.. ركض و ضحك من تفاهة الدنيا التي تجعل احدهم يسرق كيس التمر الصغير.. ركض الفاتح.. و ركض. أوقفه صوت إطلاق النار .. سمعه.. بم .. طاخ..طراخ.. التفت الفاتح .. رآهما نفس السارقين كانا الآن تحت رحمتهما.. اثنان .. احدهما بمخالب من فولاذ يبقر بطن السارق و يستل كبده و يلتقمه بنهم و اشتياق للدم .. هو يبقر البطن الدفيء فيخرج الكبد بدمائه الدافقة مقضوما كقطع الروح. كان و هو يلتقم .. قطع الكبد.. هو يقتل.. ليأكل أكباد ضحاياه.. رآهم الفاتح يفعلون ذلك.. ركض الفاتح و هرب و غادر المكان و لم ينجو.
طه جعفر
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: يقتله من اجل كيس تمر! (Re: طه جعفر)
|
شكرا بكري عبد الرحمن شكرا سودانيزاونلاين شكرا جزيلا
الفاتح عثمان محمد احمد الناير هو بطل رواية ستري النور قريبا( اسمها المصير او ما حدث لاولاد الاعيسر) الفاتح انيق ،مهذب و عاشق لحبيبة فريدة الجمال ، حدثت حين حضوره احداث جسام فسردب لها صائنا كيانه امام العنف. ادارة العنف و اختبار دماره هو ما يري الآخرين انني اكتب عنه الي ان تصدر الرواية سيكون الحديث مختلفا
طه جعفر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يقتله من اجل كيس تمر! (Re: طه جعفر)
|
الحمدلله انها رواية
المهم يا طه حاولوا انتجوا ادب متفاءل،،،،البلد ما فيها حاجة غير الموت والضبح والحوادث والمرض
والأدب حقوا يعمل علي إنتشال المواطن وبث روح الأمل فيه...بدلا من يعيشة داخل دوامة الالم والاحباط....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يقتله من اجل كيس تمر! (Re: mekki)
|
Quote: المهم يا طه حاولوا انتجوا ادب متفاءل،،،،البلد ما فيها حاجة غير الموت والضبح والحوادث والمرض
والأدب حقوا يعمل علي إنتشال المواطن وبث روح الأمل فيه...بدلا من يعيشة داخل دوامة الالم والاحباط.... |
الحبيب mekki شكرا علي المرور و الاهتمام
خلال الكتابة( الرواية و السرد القصصي القصير) اتعامل مع الامور بشفافية و دقة متناهيتين و اكتب تماما ما يتطلبه السرد من خواطر، افكار، اوهام و وقائع و احاول جاهدا اطلاق العنان لمشاعر صادقة و عواطف جياشة بفيض عظيم. هذه الامور هي ما يتم في الحياة علي مستوي الفكر و الشعور. تكون امور الحزن ، الاحباط و الالم و امور الفرح ، الامل و السعادة قدر الامكان في مكانها من عوالم السرد كما يقول الفنان احمد العربي " كلو في محلو"
طه جعفر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يقتله من اجل كيس تمر! (Re: mekki)
|
هكذا كنت ممدا في دواخلنا كبيرا، ملونا و عظيما. لم يجعل النيل لاصفرار أراضيك مجالا حتي يستريح الجفاف في نواحيها الكريمة، بلادي لا يغادرها الاخضرار فيمضي الزمان و يهدر المكان في اصفرار حزين يضج بأزيز الرياح الغاضبة هكذا كنت ممدا في دواخلنا أملا اخضرا ومستمرا كنهر من ضياء. أنت الآن جريح تعاند الظلمات برء جراحه أنت الآن مسروق من مداراتك البعيدة و منفي في منتهي الظلمة أنت الآن هكذا، مريض يقاسي الطبيب في إدراك الدواء لآلامه برودة أنامل المطببين و زيفة الشتاء لن تأخذا من حر أوجاعك شيء معتل الجسد، مرمي هناك تتسول نظرات المشفقين متشقق اليدين،حافي القدمين، نحيل الجسد، ممزق الثياب، ضائع، تعلو هامتك الهموم فيتقطب جبين الزمان في إرجاءك، تنتشر في نواحيك الظلامات فيموت القلب مرتين من تذكرها. من الذي جاء الينا بهذه السماوات المعادية؟ من الذي علم شمسك الإشراق من بوابات جهنم؟ فتصطلي وجوهنا بالنار من الذي أوفد أسفل بنيك إلي المنصات الأنيقة ليكذبوا؟ من الذي ترك باب المغامرات مفتوحا أمام اللصوص و قطاع الطرق ليسرقوا منك النور و السلام؟ هل تهدم سور بيتك فانكشف حال دواخلك المستورة لتتعري أمام الناس بسوءات بائسة؟ كنت عندما أتذكرك وحيدا في غربتي المؤلمة يبتسم المكان جواري و تقهقه الريح في وجه شتلاتي الصغيرة اليانعة فيتأكد اخضرارها و تزداد نداوة طلاوتها فتلين للرقص المجيد. يضج المكان بموسيقي الاحتفال، ترفل الألوان علي أوراقي في مواكب العز. أتذكر راقصي الكمبلا في أزيائهم المختصرة و زينتهم الطبيعية أتذكر أنين الوازا و ضجيج الهواء في تجاويفها الطويلة أتذكرهن بأحزمة عريضة تتوسط أجسادهن، علي ظهورهن الأولاد يتعلمون العمل ، في أحشائهن الآتين بالعزيمة الصابرة نحو الحياة الشحيحة. هن نفس النساء! يحملن ألامهن إلي نهاية الطريق، الصغار لا يجدون طريقا الي المدرسة لان يوم القرية منشغل بالحروب، الرجال تقعدهم الخيبات فينكسروا ، أو يمتشقوا حسام المقاومة فينتهك العدو حرماتهم و ينهش الجند المعتدون اعراضهم. الآن نقف جميعا حول جثمانك الممد ليقطعه العدو أجزاءً. نقف لتصفعنا الرياح بأكفها الغاضبة نقف لتكيل الريح رماد الخسارة علي وجوهنا نقف ليمر ماء النهر تحت أرجلنا ، تبتل الأرض تنزلق أجسادنا الميتة الي مقبرة مظلمة تحت طين النهر . إلي أي مكان تأخذنا بروق السماوات الكاذبة؟ إلي أي ارض ستذهب قطعاننا بعد أن غادرنا المطر و حل بيننا جفاف جاف عجفاء كانت، طويلة القرون، لا لحم فيها و لا لبن هي أشباح أبقارنا التي ماتت أبقارنا ماتت من الصبر و الانتظار، انتظرنا مع الأبقار مجيء المدينة، لم تجيء ثم أرسلت المدينة في طلبنا بصلف قائلة: "يا سابلة الهوامش، يا هوام أطراف الوطن، يا مقطوعي الأصل ، أيها العبيد، ايها الكفار تعالوا إليّ نازحين عير مقيمين و لا ممتلكي حواكير، تعالوا إليّ كما ناداكم ابن أبي السرح عابرين غير مقيمين، لتكسنوا ارض المساجد و صحونها، تسرجوا لياليها بفتيلة من غوفات رؤوسكم مبللة بزيت من دهون عجيزاتكم، عندي ستستقيم ظهوركم للجلد يا مديري بيوت الخمور البلدية يا شاربي الخمور الرخيصة إليكم السوط يا أبناء العنج، من تمتد يد جوعه الي ممتلكات الغير سنقطعها و من تلبس من نساءكم لباس لا يعجبني سنجلدها ايضا و اذا زنت واحدة منهن سنرجمها، أما أهل الحظوة فلا تثريب عليهم! سيعملون عند طُلَباً ليرفعوا بناياتي علي اك########م، تدور تروس المصانع بعظامهم فينسحقون غير مأسوف عليهم، من يصيبه العجز فسأضمه إلي فريق مرافيت و افتح له شوارعي الواسعة ليتسول " الآن و في هذه الأيام تحتشد الساحات بالنائحين، تنسكب الدموع جداولا، ينتح العرق و الحلق جاف تركض في الطرقات أخبار الهزائم. و المدينة تصيح باعلي صوتها أيها النازحون، أيها القاطنون جنوب الكفر، أيها المنحدرون من أصلاب الكفرة اغربوا عن وجهي لقد كرهتكم، لقد كرهتكم لن أبدل ديني من اجل أُخوتكم لكم دينكم و وطنكم و لي دين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يقتله من اجل كيس تمر! (Re: طه جعفر)
|
Quote: اكتب تماما ما يتطلبه السرد من خواطر، افكار، اوهام و وقائع و احاول جاهدا اطلاق العنان لمشاعر صادقة و عواطف جياشة بفيض عظيم. هذه الامور هي ما يتم في الحياة علي مستوي الفكر و الشعور.
|
مبدع يا طه، بنأءك الدرامي متين، والحبكة مشوقة، ولغتك سلسة تنساب عذبة ومتسلسله. واصل، منذ امد بعيد، لم نشهد او نقرأء ابداع بالمنبر، الابعض المحاولات هنا وهناك. والمدهش ان شخوصك يذهبون مع الناس في الشارع ويتبضعون بالاسواق. نحن علي المتابعة والشده.
مودتي وتقديري.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يقتله من اجل كيس تمر! (Re: خضر حسين خليل)
|
Quote: طه انت أعلم بتصاريف هذه المدينة فأعذرني يا صاحب تحياتي لالهام وجعفر وللذين من حولك |
خضر الحبيب سيكون في عطلة العيد الكبير متسع من مكان و من زمان سنتلقي سنلتقي يا حبيب
طه
| |
|
|
|
|
|
|
|