محنة ابن خلدون-رحمه الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 01:17 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-25-2010, 10:58 AM

عبد العزيز جامع
<aعبد العزيز جامع
تاريخ التسجيل: 09-20-2010
مجموع المشاركات: 88

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محنة ابن خلدون-رحمه الله

    محنةُ ابن خلدون 732-808هـ (1/2)

    "...فَإِنَّ فَنَّ التَاريخِ من الفُنونِ التي تَتَداوَلُها الأمَمُ والأجْيالُ ، وتُشدُّ إِلَيْهِ الركائبُ والرِّحالُ ، وتسمو إلى مَعرِفَتِهِ السُّوقَةُ والأغْفَالُ ، وتَتنافسُ فيه المُلوكُ والأقْيالُ ، وَيتَساوى في فَهْمِهِ العُلَماءُ والجُهَالُ ، إذْ هُوَ في ظاهِرهِ لا يزيدُ على إِخْبارٍ عن الأيَّامِ والدول، والسوابق من القرون الأول، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال، وتطرف بها الأندية إذا غصّها الاحتفال، وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع للدول فيها النطاق والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق ، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق" أهـ
    بهذه الافتتاحية الرائعة استهل ابن خلدون مقدمته الفريدة لكتابه [العبر, وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر, ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر] والذي اشتهر اختصاراً بـ(تاريخ ابن خلدون) في سبعة مجلدات ، أولها ( المقدمة ) والتي هي آية فى الحسن والجمال وضع فيها عصارة منهجه فى علم التاريخ والعمران والحضارة والذي عرف لاحقاً بـ(أصول علم الاجتماع) تُرجمت هي وأجزاء منه إلى عدة لغات أجنبية كالفرنسية وغيرها . وختم ( العبر ) بفصل عنوانه ( التعريف بابن خلدون ) ذكر فيه نسبه وسيرته وما يتصل به من أحداث زمنه . ثم أفرد هذا الفصل ، فتبسّط فيه ، وجعله ذيلا للعبر ، وسماه ( التعريف بابن خلدون ، مؤلف الكتاب ، ورحلته غربا وشرقا).
    ترجم ابن خلدون لنفسه جرياً على عادة بعض أهل العلم وجرى على ذلك المنوال الجلال السيوطي في (التحدُّث بنعمةِ الله) و(حُسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة) والآلوسي الكبير ومحمد سلطان المعصومي الخجندي والعلامة محمود شاكر فى (أباطيل وأسمار).وللعلامة بكر بن عبدالله أبوزيد كتاب فريد في (التراجم الذاتية) . وانظر (فن السيرة الذاتية) للراحل د.إحسان عباس رحمه الله
    ولنعد لابن خلدون: فمن كتبه غيرما ذكر: ( شرح البردة ) وكتاب في ( الحساب ) ورسالة في ( المنطق ) و ( شفاء السائل لتهذيب المسائل) و(شرح قصيدة ابن عبدون) وله شعر .
    تناول كُتاب من العرب وغيرهم سيرته وآراءه في مؤلفاته استقلالاً أو تبعاً: منها: (شذرات الذهب لابن العماد(:7/76), (نفح الطيب: للمقري 4/6), (نيل الابتهاج: لأحمد بابا التنبكتي196), (ظهر الاسلام: لأحمد أمين3/225),( حياة ابن خلدون) لمحمد الخضر بن الحسين التونسي وهو أحسنها ، و ( فلسفة ابن خلدون) لطه حسين ، و ( دراسات عن مقدمة ابن خلدون) لساطع الحصري ، جزآن ، و ( ابن خلدون ، حياته وتراثه الفكري) لمحمد عبد الله عنان- مهم جداً- ،عبد الرحمن بدوي (مؤلفات ابن خلدون) و ( ابن خلدون) ليوحنا قمير ، ومثله لعمر فروخ.-انظر(الأعلام)لخير الدين الزركلي.(فلسفة ابن خلدون الاجتماعية: طه حسين). وكارل بروكلمان...وغيرهم ..وانظر: (معجم المؤلفين) عمر رضا كحالة.
    عُرفت مقدمة ابن خلدون في أوروبا أواخر القرن السابع عشر, وكان أول من تكلم عنه وعن مقدمته هو دوريليو عام 1697م, ثم نشر سيلفيستر دي ساسي أجزاء من المقدمة مع ترجمة للفرنسية سنة 1896م, وقدم للبارون دي سسلان ترجمةً كلملة لها سنة 1868م بالفرنسية..ثم توالت ترجماتها بعد ذلك إلى الإيطالية والألمانية والإنجليزية والبرتغالية والأوردية.
    وابن خلدون يُنسبُ إليه علم الاجتماع sociology :الذي يعرف بأنه العلم الذي يتخذ له موضوعاً هو ملاحظة الظواهر العقلية والأخلاقية التي تتكون منها الجماعات الإنسانية وترتقي)اهـ كان تأسيسه مؤرخاً باسم: أوجست كونت (1798-1857م) ثم تبيّن خطأ ذلك بعد ظهور أول طبعة لمقدمة ابن خلدون.
    وأظن أنه تلقاه من المستشرق الفرد بل Alfred Bel في قوله في (دائرة المعارف الإسلامية) الترجمة العربية(ج1/ص100): ويظهر أنه لم يفُقها كتابٌ ما لأي مؤلفٍ إسلامي" !! اهـ
    قلت: وهذا كلام من لم يطالع تاريخ الإسلام, ولم يشمّ معارف المسلمين. إذْ كان تراث الإسلام ولم يزلْ ولودًا بالطيب الكثير الذي لا يقل –إن لم يفُق-تاريخ ابن خالدون...والذي لم يبتدع تاريخه على غير مثال سابق بل مشى على سواء منهج المتقدمين مع حسن الصنعة والترصيف والتبويب..
    فمن كان ابن خَلدون؟(بالخاء المفتوحة) كما ضبطه المؤرخ السخاوى.
    تنبيه: جاء في (كناشة النوادر) لعميد المحققين عبد السلام هارون سقى الله ثراه-: أن جرت عادة الأندلسيين والمغاربة تسمياتٌ على غير مألوف: كـ(حمّود) ومنه بنوحمود الأسرة المعروفة بالأندلس ينتمون إلى جدّهم حمود بن ميمون بن أحمد بن علي كما في جمهرة ابن حزم. ومنه عبّود..ادويتسمّون أيضاً بـ (زيدون, وفتحون, وحمدون, وحفصون, وبدرون, وخلدون...الخ) والظاهر أن كلّ ذلك للتدليل والتمليح.
    شيئٌ من سيرته رحمه الله:
    تتفق معظم المصادر المترجمة لابن خلدون أنه:
    عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر ابن محمد بن ابراهيم بن محمد بن عبد الرحيم ولى الدين الاشبيلى الاصل التونسى ثم القاهرى المالكى المعروف بابن خلدون من ولد وائل بن حجر ولد فى أول رمضان سنة 732هـ بتونس.
    وحفظ القرآن وأخذ القراءات السبع إفراداً وجمعاً بل قرأ ختمة أيضاً ليعقوب عن المكتب أبي عبد الله محمد ابن سعد بن نزال الأنصاري وعرض عليه الشاطبيتين.
    وقرأ مختصر ابن الحاجب وتفقه بجماعة من أهل بلده أشهرهم أبوعبد الله محمد بن عبد الله الجياني وأبي القسم محمد بن القصير وقرأ عليه التهذيب لأبي سعيد البراذعي وعليه تفقه وانتاب مجلس قاضي الجماعة أبي عبد الله محمد بن عبد السلام واستفاد منه وعليه وعلى أبي عبد الله الوادياشي.
    وسمع الحديث في بلده وكتب بخطه أنه سمع صحيح البخاري على أبي البركات البلفيقي وبعضه بالاجازة والموطأ على ابن عبد السلام وصحيح مسلم على الوادياشي.
    وأما في علوم العربية فتتلمذ على والده وأبي عبد الله محمد بن العربي الحصاري وأبي عبد الله بن بحر والمقري أبي عبد الله محمد بن الشواس الزواوي وأبي عبد الله بن القصار ولازم العلاء أبا عبد الله الاشبيلي وانتفع به وكذا أخذ عن أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الآبلي شيخ المعقول بالمغرب وآخرين، واعتنى بالأدب وأمور الكتابة والخط وأخذ ذلك عن أبيه وغيره ومهر في جميعه وحفظ المعلقات وحماسة الأعلم وشعر حبيب بن أوس وقطعة من شعر المتنبي وسقط الزند للمعري وقرأ فى كثير من الفنون ومهر فى جميع ذلك لاسيما الادب وفن الكتابة.
    كما في:" الضوء اللامع(2/263-265) للسخاوى
    ثم توجه فى سنة 753هـ إلى فاس فوقع بين يدى سلطانها ثم امتُحن واعتقل نحو عامين ثم ولي كتابة السر وكذا النظر فى المظالم ثم دخل الاندلس فقدم غرناطة فى أوائل ربيع الاول سنة 764 وتلقاه سلطانها ابن الاحمر عند قدومه ونظمه في أهل مجلسه وكان رسوله الى عظيم الفرنج باشبيلية فقام بالامر الذى ندب اليه ثم توجه في سنة 766 الى بجاية ففوض اليه صاحبها تدبير مملكته مدة ثم استأذن فى الحج فأذن له فقدم الديار المصرية فى ذى القعدة سنة 784 فحج ثم عاد الى مصر فتلقاه أهلها وأكرموه وأكثروا من ملازمته والتودد اليه وتصدر للاقراء في الجامع الازهر مدة ثم قرره الظاهر برقوق فى قضاء المالكية بالديار المصرية في جمادى الاخرة سنة 786 حتى مات قاضيا فجاءة في يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة 808 ثمان وثمان مائة ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر.ومن روائع شعره قوله:
    أسرفن في هجري وفي تعذيبي وأطلن موقف عبرتي ونحيبي
    وأبين يوم البين وقـفة سـاعةٍ لوداع مشغوف الفؤاد كـئيب
    للّه عهد الظاعنـين وغـادروا قلبي رهين صبـابة ووجـيب
    وهذه الترجمة هي ملخص ما ذكره جمع من المؤرخين ( المقريزي, ابن حجر, السخاوى, الشوكاني والزركلى).كما في (نيل الابتهاج) و(تعريف الخلف) 2 : 213 و(جذوة الاقتباس) والمستشرق الفرد بل Alfred Bel في دائرة المعارف الاسلامية 1 : 152 ونفح الطيب 4 : 414 والعبر 7 : 379
    الاتهام:
    هذا ولما كان كل عظيمٍ ملأ الدنيا وشغل الناس ينقسم الناس فيه بين المدح والقدح كما قيل( لاتعدم الحسناء ذاماً)! فتجد العامة والخاصة مولعين بتتبعٍ سقطاتِه وهفواته, ولا يقيلون عثراته وزلاته, وقديماً قال الخليل بن أحمد الفرهودي إمام النحو والعربية في زلة العالم أنها [زلة مضروب بها الطبل!!] يعني أنها تذاع ولها صدى. وهذه الكلمة العالية للخليل أسندها عنه المرتضى الزبيدي في «طبقات النحويين واللغويين» (ص 48)، والمعافى النهرواني في «الجليس الصالح» (3/177)، وذكرها جار الله الزمخشري في «ربيع الأبرار» (3/210).
    لم يسلم ابن خلدون من ألسنة الطاعنين والشانئين وتعرّض لمحنٍ كثيرة من جراء ذلك خصوصاً بعد ولاية القضاء. وبعض هذه المطاعن واضح الإجحاف كقول ابن عرفة المالكي عنه: كنا نعد خطة القضاء أعظم المناصب. فلما بلغنا أن ابن خلدون ولي القضاء، عددناها بالضدّ من ذَلِكَ.
    وذكره لسان الدين بن الخطيب فى (الإحاطة فى أخبار غرناطة) ولم يصفه بالعلم!!
    ووصفه آخرون بأشنع من ذلك.
    وسأضرب صفحاً عن وصف صاحب "الظلال" الاستاذ سيد قطب له بأنه نزعته فلسفة الإغريق!! ومع أن (العلم رحمٌ بين أهله) يأخذه الجديد من الطارف والتليد, ويُفتح للآخر ما أُغلِق عن الأول..فابن خلدون يهاجم الفلسفة ولا يحتفي بها!!. فهذا الوصف لابن خلدون ظاهرالخطأ لكل من تتبع قراءة (العبر) بتمعن وإنصاف ولسيد قطب –رحمه الله-أقوال فيها اعتساف, وحكمٌ على الآخرين بغير إنصاف. فتنبه!
    وكلُّ من قرأ الترجمة المتقدمة يعلم مقام ابن خلدون من العلم والفهم والاطلاع المدهش مع الاستقامة, ووزن هذه المطاعن من ميزان الإنصاف والعدل تبين مكان ابن خلدون من هذه المطاعن.
    ولله درّ أبي الطيب المتنبي إذ يقول:
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله فالقومُ أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدأً وغيظاً إنه لذميـم
    بيد أن من بين كل تلك المثالب التي ذكروها لابن خلدون يحسن بي أن أقف على مسألتين وهما:
    -موقف ابن خلدون من مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما.
    -رأيه في الفاطميين وأنه صحح نسبهم مع جزم المؤرخين انتحالهم للنسب الشريف وإلا فهم أعاجم مجوس مع استفاضة الأخبار في إلحادهم وزندقتهم.

    أما المسألة الأولى: فإن المؤرخين عثروا على كلمة لابن خلدون فى مقتل الحسين أثارت نقعاً.
    وهي قوله: (إنما هو-السبط رضي الله عنه-قُتِل بشرع جَدِّه!!).
    قال ابن حجرفى كتابه(رفع الإصر عن قضاة مصر) رقم( 1316) (ص/312-313) : وقد كَانَ شيخنا الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر يبالغ فِي الغَضّ منه. فلما سألته عن سبب ذَلِكَ، ذكر لي أنه بلغه أنه ذكر الحسين بن علي رضي الله عنهما فِي تاريخه فقال: قُتِلَ بسيف جَده. ولما نطق شيخنا بهذه اللفظة، أردفها بلعن ابن خلدون وسبّه وهو يبكي قلت-القائل هنا ابن حجر-: وَلَمْ توجد هَذِهِ الكلمة فِي التاريخ الموجود الآن. وكأنه كَانَ ذكرها فِي النسخة الَّتِي رَجَعَ عنها).
    قلت : يشير لقوله صلى الله عليه وسلم من أتاكم وأمركم جمعٌ يريد أن يشق عصاكم ويفرّق جماعتكم فاقتلوه كائناً من كان"
    وابن حجر العسقلانى:(773-852هـ). كان معاصراً لابن خلدون( 732-808هـ) .
    وأمرٌ آخر فإن ابن حجرنفسه ولي قضاء مصر بعد موت ابن خلدون بمدة بعيدة. وكتابه (رفع الإصر) هو شرح لرَجَز في ذكر مَن ولى القضاء بالديار المصرية، من نَظم الأديب المشهور، شمس الدين محمد بن دانيال الكحّال، نظمه لقاضي القُضاة بدر الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة. مرتباً على الطبقات منذ فُتحت مصر إلى آخر المائة الثامنة واعتمد فيه على أخبار القضاة لأبي عُمر الكِنْدي وذَيله لأبي محمد ابن زولاق وكتاب ابن مُيسِّر وكتاب "أخبار مصر" للحافظ قُطب الدِّين الحلبي وضم إليه من تاريخ صديقه تَقّي الدين أبي محمد أحمد بن علي بن عبد القادر التميمي.وشيخه سراج الدين ابن المُلقَّن. ذكر كل ذلك فى مقدمة (رفع الإصر).
    وأقدم موسوعة في الباب هو كتاب (أخبار القضاة) للقَاضِي أَبي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ بنِ حَيَّانَ بنِ صَدَقَةالضَّبِّيّ البَغْدَادِيّ, المُلَقَّب بِـ"وَكِيع"المتوفى سنة 306ﻫ. وهذ غير (وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي شيخ الشافعي وبينهما مفاوز تنقطع فيها أعناق المطايا!!








    محنةُ ابن خلدون 732-808هـ (2/2)
    كان من سالف المقال أن تناول شيئاً من سيرة الإمام ابن خلدون رحمه الله, ومصنفاته وآراء العلماء في بعض ما رُمي فيه ابن خلدون من رأيه في الفاطميين, و (مقتل الإمام الحسين) رضي الله عنه..فاستمعنا إلى الاتهام..والآن جاء وقت الدفاع ثم ننظر الفصل في القضية!!
    وقد بدأ الدفاع بالطعن في إسناد الحكاية.

    الدفاع:
    وواضح في هذه المقالة ما يلي:
    أولاً: أن إسنادها لشيخ ابن حجر وهو ابو الحسن بن أبي بكر
    ثانياً: لم يذكر شيخ ابن حجر أنه سمعها من ابن خلدون مشافهةً أم بواسطة!! وإنما فيها "أنه بلغه"!! وهذا إسناد مجهول, من الذي بلغه؟ وما منزلته من الصدق والحفظ والضبط والإتقان؟؟
    ثالثاً: أن ابن حجر ذكر عن شيخه أنه كان مبالغاً في الغض من ابن خلدون! وواضحٌ جدّا أن هذا التحامل له أسبابه ودوافعه علمناها أو جهلناها, ومثل هذا التحامل فى منهج الجرح والتعديل لا يقبل إلا ببرهان ساطع وإلا فلا يكاد أحد سلم من غامزٍ أولامز.
    رابعاً: أن ابن حجر شكك في نسبة هذا الكلام لابن خلدون بقوله:" وَلَمْ توجد هَذِهِ الكلمة فِي التاريخ الموجود الآن. وكأنه كَانَ ذكرها فِي النسخة الَّتِي رَجَعَ عنها".
    وممن تناقل هذه المقالة المنسوبة لابن خلدون:
    السخاوي: (ت 902هجرية): الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوى. ترجم لابن خلدون فى(الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ), (الضوء اللامع). والسخاوي تلميذ ابن حجر البار ولا يكاد يخرج عن آرائه.
    قال السخاوي: "..وقد كان الحافظ الزاهد النور الهيثمى يبالغ فى الغض من الولى بن خلدون قاضى المالكية لكونه أنه بلغه أنه ذكر الحسين بن على رضى الله عنهما فى تاريخه وقال: قتل بشرع جده..! قال شيخنا: ولم توجد هذه الكلمة فى التاريخ الموجود الآن, وكأنه كان ذكرها فى النسخة التى رجع عنها. وسأذكر عن ابن خلدون فى ذكر الخلفاء ما يكاد أن يكون شاهداً لصدور هذا منه نسأل الله السلامة!!" (الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ). ط/ الخزانة التيمورية: نشر حسام الدين القدسى.(ص/37).
    وبنحو هذا أيضاً في (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)(2/263-265).
    قلت: سامح الله السخاوي فقد كان شديد الوقيعة على ابن خلدون ولم يذكر هذا الذي يكاد يكون شاهداً لصدور هذا منه كما وعد , غير تصحيح نسب ابن خلدون للفاطميين وقد وهم ابن خلدون رحمة الله عليه في ذلك كما سيأتي, ولكن ما ضيره في خطأً علمي كهذا؟؟
    وقد أحسن العلامة أحمد تيمور باشا بقوله معلقاً:
    أما ما استدل به المؤلف ورأى أنه يكاد يكون شاهداً لصدور مثل هذا عن ابن خلدون فهو قوله : " كان ابن خلدون يجزم بصحة نسب بنى عبيد الذين كانوا خلفاء بمصر وشهروا بالفاطميين .. ويخالف غيره فى ذلك ويدفع ما نُقل عن الأئمة من الطعن فى نسبهم ويقول : إنما كتبوا ذلك المحضر مراعاةً للخليفة العباسى. قال شيخنا : وابن خلدون كان لانحرافه من آل على يثبت نسبة الفاطميين أليهم لما اشتهر من سوء معتقد الفاطميين وكون بعضهم نسب إلى الزندقة, وادعى الألوهية كالحاكم بأمر الله وبعضهم فى الغاية من التعصب لمذهب الرفض حتى قتل فى زمنهم جمعٌ من أهل السنة وكان يصرح بسب الصحابة فى جوامعهم ومجامعهم. فإذا كانوا بهذه المثابة وصح أنهم من آل على حقيقة, التصق بآل على العيب, وكان ذلك من أسباب النفرة عنهم نسأل الله السلامة" انتهى(ص/94).
    ثم يمضي الباشا بقوله :
    وهو استنتاج غريب! فإن من يطالع تاريخ ابن خلدون لا يرى فيه انحرافاً عن آل على وإن كان خالف المؤرخين فى إثبات نسب الفاطميين فقد خالفهم فى كثير غيره. أما كونه فعل ذلك لإلصاق العيب بآل على فحسبنا فى دحضه قوله: (والعجب من القاضى أبى بكر الباقلانى شيخ النظار من المتكلمين يجنح إلى هذه المقالة المرجوحة ويرى هذاالرأى الضعيف فإن كان ذلك لما كانوا عليه من الإلحاد فى الدين والتعمق فى الرافضية فليس ذلك بدافع فى صدر دعوتهم وليس إثبات منتسبهم بالذى يغنى عنهم من الله شيئاً فى كفرهم فقد قال تعالى لنوح عليه السلام فى شأن ابنه " إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين." انتهى
    وعن السخاوى نقل العلامة النابه محمد بن علي الشوكاني قاضي قضاة اليمن في كتابه(البدر الطالع) بعد نقل العبارة السابقة لكنه نقلها مشكّكًا في صحّتها!! (ج1/ص319-322) بقوله: "هكذا حكاه السخاوى عن ابن حجر والله أعلم بالحقيقة واذا صح صدور تلك الكلمة عن صاحب الترجمة فهو ممن أضله الله على علم" فبرئ الشوكاني من عهدته في نقل الخبر.

    التحقيق:
    وكنت قد وقفت على كلام نفيس للعلامة المحقق الأستاذ أحمد باشا تيمور في تعليقه على كلام السخاوى فى(الإعلام بالتوبيخ) قائلاً:
    "والصواب أن ابن خلدون نقل هذا القول عن أبى بكر ابن العربى وذكره فى فصل ولاية العهد من مقدمة تاريخه ورد عليه ونسب قائله للغفلة فانظر كيف ينسب إلى الرجل ما لم يقل ويشنع عليه هذا التشنيع الذى لا يستحقه؟! "
    ثم قال الباشا:
    "ولا جدال فى أن ابن خلدون لم يصب فى بعض مواضع من مقدمته ولكنه لم يكن فيها إلا كغيره من البشر فى عدم العصمة من الخطأ , فالتمسك بهذا القليل لطمس حسناته الكثيرة ليس من الإنصاف فى شيئ, على أن هذا القول مع ما عليه من مسحة تحامل لا يذكر فى جنب تقويل الرجل ما لم يقل, وتحميله تبعة ما جازف به غيره..
    ونحن نسأل الله السلامة من الوهم والتسرع فى الحكم على الشيئ قبل التثبت منه فإن الكلمة موجودة فى فصل ولاية العهد من المقدمة . إلا أنها ليست من مقوله فيستحق عليها اللعن والسب. وإنما نقلها عن أبى بكر ابن العربى فى معرض الرد عليه فقال: وقد غلط أبوبكر ابن العربى المالكى فى هذا فقال فى كتابه الذى سماه بالعواصم والقواصم ما معناه: إن الحسين قتل بشرع جده! , وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل, ومن أعدل من الحسين فى زمانه فى إمامته وعدالته فى قتال أهل الآراء." انتهى محل الغرض من كلامه.

    أقول : وليس المقصود هنا التحقيق في وقعة كربلاء ومقتل الحسين – رضي الله عنهما- والذي حدث في يوم الجمعة لعشرٍ خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى و ستين هجرية كما قرره نسّابة قريش الزبير بن بكار في كتابه (نسب قريش) (ص/24) وعنه ابن عبد البر في (الاستيعاب) (1/393) و انظر (التذكرة) للقرطبي(2/645)
    فهذه طفحت بها كتب التواريخ ونسج حولها الشيعة الروافض ممالك من الأوهام والترهات ما يعلمه كل من طالع كتب القوم الذين هم أكذب الطوائف وأجهلها على الإطلاق ومن جرى مجراهم كأبى الفرج الأصفهاني في (الأغاني) والمسعودي في (مروج الذهب ومعادن الجوهر) وغيرهم . ثم تلقفها عنهم المستشرقون وبعض (المثقفين) من حُطّاب الليل خصوصاً طه حسين في (الفتنة الكبرى)(علي وبنوه).

    قال الحافظ ابن حجر : و قد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث و السمين ، و الصحيح و السقيم ، وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول : لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم دخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . الإصابة (2/81) .
    ولعلّي فى هذه السانحة ألفت نظر القارئ اللبيب إلى ما ذكره المحققون من أهل هذا الشأن مثل (تاريخ خليفة بن خياط العصفري-شيخ البخاري), (المعرفة والتاريخ) ليعقوب بن سفيان الفسوى الحافظ, (تاريخ الأمم والملوك) لمحمد بن جريرالطبري, (العواصم من القواصم) للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي, (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية, وكتب الذهبي المؤرخ (سير أعلام النبلاء" "تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام" " العبر" " المنتقى من منهاج الاعتدال" ) و(البداية والنهاية) لأبي الفداء ابن كثير ونحو ذلك من ذوى الاطلاع الواسع والتحقيق كمحب الدين الخطيب, أحمد تيمور, محمود شاكر, محمد عزة دروزة, صادق عرجون,محمد الخضر حسين التونسي فى آخرين.



    الحكم: براءة
    وخلاصة القول:أن نسبة هذه المقولة لابن خلدون لا تصح. فلطالما نسبت أحاديث موضوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم انتحلها أهل الأغراض, وحكيت أقوال عن الصحابة والتابعين والأئمة رضي الله عن الجميع, بل نسبت كتب إلى أناسٍ هم منها براء, كـ(تفسير الأحلام) المنسوب كذباً لابن سيرين, (الإسراء والمعراج) المنسوب لابن عباس, (الإمامة والسياسة) المنسوب لابن قتيبة,...والأمثلة تطول.
    ولبعض الفضلاء كتاب نفيس (معجم المؤلفات المنحولة) فراجعه فإنه مهم.
    وإذا كان هذا في حال الكتب وأمرها أظهر فكيف بالمقالات المنسوبة وحالها أخفى.
    وكيفما كان الأمر فمن طالع ابن خلدون وسيرته يرتاب فى صحة هذه المقالة المنقولة بدون سند وصدق أبو الطيب إذ يقول:
    شق الجزيرة حتى جاءني نبــــأٌ فزعت منه بآمالي إلى الكــذب
    حتى إذا لم يدع إلى صدقة أمـــلاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

    د.عبد العزيز علي جامع
    عضو ندوة العلامة عبد الله الطيب
    سقى الله ثراه

    (عدل بواسطة عبد العزيز جامع on 10-25-2010, 11:11 AM)

                  

10-25-2010, 11:22 AM

عبد العزيز جامع
<aعبد العزيز جامع
تاريخ التسجيل: 09-20-2010
مجموع المشاركات: 88

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محنة ابن خلدون-رحمه الله (Re: عبد العزيز جامع)

    أصلُ هذه المقالة بعضُ مباحث جمعتها من أيام المذاكرة مع استاذنا الفاضل أزهري أحمد محمود-متع الله به
                  

10-25-2010, 05:30 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محنة ابن خلدون-رحمه الله (Re: عبد العزيز جامع)

    الأخ عبد العزيز
    تحياتي و سلامي
    فقط أردت أن أقول لك جزاك الله خيرا على بوستاتك المفيدة و شكرا لك.
                  

10-25-2010, 08:08 PM

عبد العزيز جامع
<aعبد العزيز جامع
تاريخ التسجيل: 09-20-2010
مجموع المشاركات: 88

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محنة ابن خلدون-رحمه الله (Re: Elawad)

    أخي الفاضل ..العوض
    تحياتي،،وشكرا على المرور
                  

10-25-2010, 11:13 PM

عمار عبدالله عبدالرحمن
<aعمار عبدالله عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-26-2005
مجموع المشاركات: 9162

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محنة ابن خلدون-رحمه الله (Re: عبد العزيز جامع)

    انت رائع بارك الله فيك ,,

    غدا لي عودة ان شاء الله ,,
                  

10-26-2010, 07:37 AM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محنة ابن خلدون-رحمه الله (Re: عمار عبدالله عبدالرحمن)

    السلام عليكم ورحمه الله

    جزيت خيرا ونفعنا الله بوجودك بالمنبر
                  

10-26-2010, 05:51 PM

عبد العزيز جامع
<aعبد العزيز جامع
تاريخ التسجيل: 09-20-2010
مجموع المشاركات: 88

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محنة ابن خلدون-رحمه الله (Re: ود الخليفه)

    الأخ الكريم..ود الخليفة
    تحياتي العطرة...وشكرا علي مرورك بالموضوع..وفي انتظار اتحافاتك
    مع شكري
                  

10-26-2010, 05:48 PM

عبد العزيز جامع
<aعبد العزيز جامع
تاريخ التسجيل: 09-20-2010
مجموع المشاركات: 88

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محنة ابن خلدون-رحمه الله (Re: عمار عبدالله عبدالرحمن)

    الأخ الفاضل الودود عمار...سلامي وتحياتي
    لك التحية والود وفي انتظار تعليقاتك المفيدة
    مع خالص شكري
                  

10-27-2010, 11:43 AM

عبد العزيز جامع
<aعبد العزيز جامع
تاريخ التسجيل: 09-20-2010
مجموع المشاركات: 88

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محنة ابن خلدون-رحمه الله (Re: عبد العزيز جامع)

    ليتني -لو ينفعُ شيئًا ليتُ-أسطيعُ الإتيانَ ببعضِ الشذرات والجذاذات من فرائد أبي الفضل أزهري أحمد محمود-أطال الله بقاءه..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de