|
مقال جدير بالقراءة.. (ولكن الشعب لا يأكل الجاتوه!) للكاتبة منى عبد الفتاح
|
كيف لا ولكن الشعب لا يأكل الجاتوه! منى عبد الفتاح لا يريد وزير المالية علي محمود أن ينسى شعار الإنقاذ الكاذب "نأكل مما نزرع" ولكنه تناسى فعلاً أن ما كان يُزرع قبل الإنقاذ ليس ذرة فحسب وإنما قمحاً وخضروات وفواكه وكل أنواع الحبوب التي تشكل الغذاء الرئيس لأهل السودان من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. وعندما صدقنا نحن الشعار ونهضنا لنفعل شيئاً كان نصف الشعب قد مات جوعاً والنصف الآخر يعيش على الإعانات. وعندما صدقنا الشعار كانت الأرض قد ملئت بالعمالة الأجنبية لسد النقص في الأيدي العاملة في الزراعة لهجرة العمالة الوطنية بعد أن ضاقت عليها مساحة المليون ميل مربع. وعندما صدقنا الشعار كانت الاستثمارات الزراعية العربية والأجنبية طويلة الأمد تغطي مليوني فدان من أرض السودان استبدل على إثرها من تبقى من مزراعي السودان بفلاحي مصر في شراكة غير ذكية: الأيدي العاملة مقابل ما تدره الأرض من ذهب وفضة، وصدقنا ذلك ليذهب مشروع الجزيرة وما أدراك ما مشروع الجزيرة في طريقه إلى الخصخصة دون أن يطرف للوطنيين جفن. مليونا فدان تستثمرها شركات من القطاعين العام والخاص من قطر والسعودية والإمارات وليبيا ومصر والأردن، وأخرى من الصين وكوريا الجنوبية بينما المليار شخص الجائع الذين أعلنتهم الفاو في إحصائيتها الأخيرة يشكل سودان أفريقيا جزءً مقدراً منهم. دعا الوزير الشعب المتقشف أصلاً الرابط أحزمته على البطون إلى زيادة التقشف والتقتير وحجته في ذلك أنه إذا حدث الانفصال فسيفقد الشمال 70% من نصيبه في احتياطي النفط و50% من عائدات النفط وكأن هذه السبعون والخمسون كانت سبباً في رفاهية المواطنين ورخاء عيشهم من قبل. فالحالة الثابتة ما بعد البترول وقبله ضنك وبؤس وغلاء وأظن أن الشعب الذي عجز أو شُغل أن يسأل عن هذه السبعين وهي تُنفق باسمه لن يسأل عنها بعد ضياعها ليجهز الوزير رده المبكر بأنها ذهبت مع ريح الانفصال. تحدث الوزير عن زيادة الواردات وذكر أنه وجدها تساوي أكثر من تسعة مليارات دولاراً موزعة على القمح والفواكه والزيوت والسيارات ويضيف أنه حسب سياساته الجديدة قرر تخفيض هذه المبالغ بترشيد الاستيراد وفرض ضرائب جمركية على الكماليات. ثم دعا الشعب السوداني إلى أهمية العودة إلى منتوجاتنا المحلية، إلى الكِسرة و"العواسة". وهذه دعوة في غير محلها لأن الشعب الآن لا يأكل الجاتوه وإنما يعيش على المنتوجات المحلية رغم غلائها فشوال الذرة بلغ سعره في هذا الأسبوع 117 ألف جنيه لعينة طابت و115 ألف جنيه للفتريتة، بينما بلغ سعر جوال القمح 100 ألف جنيه حسب صحيفة الرائد ليوم 12 من أكتوبر الجاري. وبمثل ما تفتقت ذهنية وزير المالية عن هذه العودة للمنتوجات المحلية والتي لم يغادرها أهلنا شبراً واحداً، فكان من الأبلغ والأجل شأناً لو عملت سياسته الجديدة أو أعلنت نيتها الخالصة بإعطاء الزراعة والتنمية الريفية أولوية أكبر من ذي قبل حتى تدخل في برامج التنمية الشاملة. فالاحتياج المُلّح الآن لحل أزمة الغذاء وليس أزمة البترول، وهذه الأزمة تستلزم التخطيط المتواصل والعمل الدؤوب والسعي الحثيث لتأمين ركائز الأمن الغذائي وإعادة أصول الإنتاج الزراعي إلى الشعب حتى ينتج بنفسه ولنفسه وما يفيض يتم تصديره لتعويض هذه التسعة مليارات التي أرّقت مضجع الوزير وجعلته يرى في كابوس حوار "الشرق الأوسط" رجوع نساء السودان إلى "العواسة" والكِسرة. وفوق ذلك كله فمن العدل أن يدعو الوزير الخائف على الشعب من الموت جوعاً، إلى ترتيب أولويات الصرف البذخي الحكومي وضرورة التوزيع العادل للثروة "الشمالية – الشمالية" حتى لا يتحجج الوزير بالانفصال وضياع سبعين النفط وخمسين عائداته، ثم إيصال المواطن إلى درجة معينة من الثقة بنفسه وبما يحمله من جنيهات معدودة قادرة على الشراء وعلى تأمينه من ذل السؤال ودرئه من شبح الجوع الكافر.
نقلاً عن صحيفة (الأحداث)
|
|
|
|
|
|