من نحارب ؟ فتحي البحيري بسذاجة يحسد عليها ، وفي غمرة إحساسه الشخصي أو إحساس مجموعته المتنفذة بالمأزق الحرج الذي ساقوا إليه البلاد والعباد وأنفسهم، دعا أحد مستشاري الرئيس البشير السودانيين للاستعداد للحرب لحماية الوطن من التحديات التي تواجهه حال حدوث انفصال الجنوب ، وبسذاجة أحسد عليها أنا ، وفي غمرة إحساسي الشخصي وربما سودانيين كثيرين جدا بالحيرة والارتباك والغبن والفشل أخذت أحمل هذه الدعوة على محمل الجد الفلسفي والوطني العميق : من هم المخاطبون في ذهنية هذا المستشار؟ ومن هو الذي يجب أن نستعد لحربه بالضبط ؟ ولحماية من وماذا سيحارب (السودانيون!) المخاطبون : أي ممتلكات وأي مكاسب وأي مكان وأي (سودانيين) وأي حدود؟ وأي (دولة) و(حكومة)؟ بل أي (عيش كريم) من النواحي المعنوية والمادية سيزود هؤلاء المدعوون عنه ؟ على أني سرعان ما انتفضت للخروج من هذه السذاجة (التي كتبت على ملامحنا كسودانيين فيما يبدو) محاولا تبسيط السؤال/ الجدال إلى أقصى حد ممكن حتى يمكنني المضي خطوات معقولة في محاولة الإجابة عليه فلم أجد أبسط من هذه الصياغة : من نحارب؟ على افتراض أنني (اعرف) المخاطبين تمام المعرفة وأنني أحدهم وأن بقية الأسئلة لا تهم في هذا النقاش على الأقل . هل سنحارب الجنوبيين لأنهم اختاروا الإنفصال/ الاستقلال ؟ أو لم يختاروا ما اختاروه بناء على اتفاقية بصمنا عليها جميعا . وهل حاربنا المصريون أو فكروا في حربنا عندما اخترنا نحن الاستقلال/ الإنفصال في 1956م . هل سنحاربهم لأننا لا نستطيع البقاء بدون بترولهم ؟ أي وجاهة أخلاقية ودينية في هذا ؟ هل سنحاربهم استباقيا حتى لا يشكلوا خطرا علينا بتحالفاتهم وخياراتهم القادمة كدولة حرة وشعب مستقل ؟ كل هذا سخف ! لماذا لم نعلن الحرب على مصر الشقيقة وهي لا تزال تحتل حلايب بقوة السلاح لا بقوة المفاوضات ولماذا لم نرد على اسرائيل نفسها وهي تنتهك أجواءنا وتقتل منا قرابة الألف نسمة قبل حوالي العام ؟ هل سنحارب المجتمع الدولي والأمريكان لأنهم (هم السبب) أو لأننا نخشي من (الخطوة التي تلي) وما هو مدى الخطورة في هذه الخطوة التي تلي – أيا كانت ؟ - وهب أنها استعمارا واحتلالا مباشرا جديدا .. هل يتضرر السودانيون منه بأكثر من تضررهم من الأوضاع الحالية؟ أو لم يحارب سودانيون كثيرون إلى جانب كتشنر في حملة (استرداد) السودان من (براثن) الخليفة عبد الله التعايشي ؟؟؟ هل سنحارب الذين ستسول لهم أنفسهم الاحتماء والاستقواء بالدولة الجديدة من ثوار ومتمردين دارفوريين ومن طلائع ونخب وجماعات وأحزاب لا تزال تبحث عن تحول ديمقراطي حقيقي لا (زيف) فيه ولا مراء؟ هل سنحارب جموع المواطنين الشماليين التي يتوقع نزوحها بالملايين للدولة الجنوبية الجديدة محدثة تفسيرا جديدا للانفصال بأنه تحرير جزء من الأراضي السودانية لكل الشعوب السودانية؟ كل هذا وارد للأسف ، وللأسف الأشد لا تصلح مع أي من هذه السيناريوهات إجابة شافية لسؤال : من (يريدينا مستشار الرئيس أن) نحارب ؟ الهبوط الاضطراري المفاجئ من الفلسفة إلى الواقع يقترح علي فهما (أجمل) لدعوة المستشار : لتستعد قواعد ما يسمى بالمؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية لحرب السودانيين (المتبقين) بعد الانفصال حتى لا يننتفضوا من شدة الجوع والفقر على ما تبقى (لنا) من ثروات وموارد ومكان نتسلط فيه ! غير أنني أهوى (في هذه اللحظات الوطنية الحالكة) التأمل والتأليف بين الوقائع ما كان منها وما سيكون وما يجب أن يكون لكي لا يكون ما نخشى أن يكون ذلك أن جزءا من الإجابة على سؤال كيف نخرج من هذا المأزق كامن في الإجابة على سؤال لا يقل أهمية هو كيف دخلنا في هذا المأزق؟؟
ربما كان بعض المتنفذين في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية معذروا لهذه الدرجة أو لتلك في جعل (قضية) اللحظة هي أن نتيجة الاستفتاء يجب أن تكون ، أو أنها ستكون بالفعل ، أو أن كارثة ستحدث لو كانت ، وحدة أو انفصالا .. فهذه هي أجندتهم ومصالحهم ومعاركهم ولكن (سذاجة) عامة السودانيين وقادتهم ونخبهم تكمن في مجاراة هؤلاء في ذلك .. ذلك أن القضية بالنسبة لنا كسودانيين في دولة الجنوب أو كسودانيين في دولة الشمال هو أن يتم ذلك بأقصى درجة من السلم والسلامة والسلام .. اتفاقية السلام لن تفشل من الناحية الإجرائية لو كانت نتيجة الاستفتاء هي الوحدة او الانفصال .. اتفاقية السلام ستفشل لو أعقب الاستفتاء (حرب) و(عنف) من أي نوع ... السودان ... الناس والأرض والموارد في الجنوب والشمال لن ينقصوا في حقيقة الأمر من جراء الوحدة أو من جراء الانفصال .. ولكنهم ينقصون دون أدنى شك لو أعقب الاستفتاء عنف وحرب من اي نوع ... لذلك كان ينبغي أن تتكرس الجهودالفكرية والوطنية والسياسية منذ وقت طويل في تحقيق غاية تأمين وسلمنة أجواء ما بعد الاستفتاء وليس لأي غاية مجاورة أخرى وكل الأهداف والأحلام التي تعتري هذا البعض من السودانيين أو ذاك يمكن العمل على تحقيقها بهدوء وصبر واستراتيجية (إن كان هناك سودانيون استراتيجيون)بعد مرور عملية الاستفتاء : مشروع السودان الجديد(حتى لو حدث الانفصال) التحول الديمقراطي الحقيقي والصادق (للعاملين لأجله) أو (حماية النظام ورئيسه) للعاملين على ذلك أيضا ... ولكن الجميع قد عمل لأهدافه الأخرى أكثر مما عمل لهذه الغاية الأوجب : مرور حادثة الاستفتاء التاريخية ..بسلام ، والجميع للأسف لم يحقق ما يستحق تعريض السودان للزوال في أي من تلك الأهداف
10-06-2010, 04:34 PM
فتحي البحيري فتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109
Quote: السودان ... الناس والأرض والموارد في الجنوب والشمال لن ينقصوا في حقيقة الأمر من جراء الوحدة أو من جراء الانفصال .. ولكنهم ينقصون دون أدنى شك لو أعقب الاستفتاء عنف وحرب من اي نوع ...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة