في يناير 2011 يبدأ اللأستفتاء الذي يقرر مصير السودان كما نعرفه.. كل الدلائل تشير الى أن الجنوبيين سيصوتون لفصل اقليمهم وإقامة دولة خاصة بهم.. لقد سعى المستعمر لفصل جنوب السودان من شماله ثم أتت حكوماتنا الوطنية بعد ذلك فلم تفلح في جعل الوحدة خيارا جاذبا حتى إذا جاء انقلاب الاخوان المسلمين الذي أطلقوا عليه "ثورة الانقاذ" في عام 1989 ازدادت هوة عدم الثقة اتساعا بين الجنوب والشمال حيث اعطت الحكومة لحروبها في الجنوب مسوغا دينيا حشدت له وسائلها الأعلامية .. ولما عجزت عن أن تبلغ بهذه الحروب طائلا وبعد أن كثرت عليها الضغوط العالمية رضخت لصوت العقل ووقعت اتفاقية السلام مع الجنوبيين ولكنها لم تشفع ذلك بعمل ايجابي يعيد الثقة المفقودة ويطمئن الجنوبيين على أن حقوقهم ستظل محفوظة في ظل حكومات شمالية مهيمنة على السلطة والثروة خاصة اذا جاءت هذه الحكومات على نسق حكومة الانقاذ التي جبلت على المراوغة والكذب والحنث بالوعود.. وحكومة الانقاذ تعتبر امتداد لحكومة مايو والتي رغم ثقة الجنوبيين فيها حينما عقدت معهم اتفاقية أديس أبابا التي وضع بموجبها الجنوبيون السلاح وشاركوا في الحكم الا أنها خذلتهم في آخر أيامها حينما فرضت قوانين سبتمبر 1983 (المسماة قوانين الشريعة الإسلامية) والتي شعر الجنوبيين بعدها وهم محقين بأنهم أصبحوا بموجبها مواطنين من الدرجة الثانية فكان ذلك من أسباب اشتعال شرارة التمرد التي كانت قد بدأت قبل ذلك بحين حينما تنصلت مايو عن بعض بنود الاتفاقية.. في فبراير 1982 أخرج الاخوان الجمهوريون كتابا اسموه "جنوب السودان: المشكلة والحل!!" حللوا فيه جذور المشكلة وقدموا لها حلولا جذرية .. وقد لاقى كتابهم ذلك ، والذي صدرت له أيضا ترجمة باللغة الانجليزية ، رواجا كبيرا واستحسانا وسط الجنوبيين لما لمسوه فيه من صدق في التناول وموضوعية في التحليل وتفهم لأصل المشكلة... ويسعدني أن أنشر هذا الكتاب منجما من خلال هذا الخيط عساه يبصر الاخوان والاخوات المتابعين، بأصل المشكلة، التي تفاقمت ووصلت الى هذا الحد الذي لم يكن يخطر ببال أحد حينما صدر هذا الكتاب منذ قرابة الثلاثين عام.. عمر
10-06-2010, 02:44 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الإهـــداء الشعب السوداني الكريم!! إن قطرك الذي تسكنه ـ وهو السودان، إنما يمثل القلب في أفريقيا!! في العالم؟؟ هو من حيث الشكل الجغرافي الذي يظهر به على الخريطة يشبه القلب!! و هو من حيث الموقع الذي يحتله من القارة يشبه القلب أيضاً!! هذا القطر، بشمالييه، وجنوبية، يمثل الرجل الواحد!! هو يمثل الروح، والنفس، في البدن الواحد!! و طريق الروح، والنفس، في البدن الواحد، هو الوحدة، و الإنسجام، و التواؤم، وما هو بطريق التفرقة، ولا النشوز، و لا الإعراض!! فعلى المثقفين، من أبناء الشمال، ومن أبناء الجنوب، واجب عظيم هو توحيد شقي البدن الواحد بالفكر الثاقب و العلم الصحيح، والخلق القوي، الرصين، حتى تخرج من توحيد السودانيين: شماليين، وجنوبيين، قومية واحدة، خصبة، ذات خصائص متنوعة، ونكهة متميزة، يشحذ فكرها، ويخصب عاطفتها، الملكات المختلفة، المشرجة في تكوين الشماليين، والمشرجة في تكوين الجنوبيين، كلٍ على حدة، وعلى السوية!! ليس لهذا الشعب غير الوحدة!! وليس لهذا القطر غير الوحدة!! كان على ربك حتماً مقضيا!!
10-06-2010, 02:45 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
بسم الله الرحمن الرحيم (يأيها الناس!! إنا خلقناكم من ذكرٍ، وأنثى، وجعلناكم شعوباً، وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم، عند الله، أتقاكم.. إن الله عليم خبير..) صدق الله العظيم
المقدمة هذا كتاب نصدره عن مشكلة الجنوب.. ومشكلة الجنوب هي أكبر مشكلة واجهت السودان منذ إستقلاله، وهي قد ظلت التحدي الأساسي الذي يواجه جميع حكومات العهد الوطني.. وهي مشكلة لها جذورها في التاريخ ولكن الإستعمار الإنجليزي قد عمقها، وأرثها لترثها أنظمة الحكم الوطني من بعده.. وقد إستغل الإنجليز في صنعهم لمشكلة الجنوب، الإختلافات العنصرية والدينية، و الثقافية، القائمة بين شمال السودان وجنوبه، وهم قد عمقوا هذه الإختلافات، وجعلوا منها سبباً للعداوة والصراع بالصورة التي أدت إلى تفجير المشكلة حتى إنها أدت إلى حرب أهلية طويلة.. ونحن لا نلوم الإستعمار الإنجليزي وحده في قيام، و تصاعد هذه المشكلة، فالأحزاب السياسية، وأنظمة الحكم الوطنية، هي أيضاً مسئولة.. فقد كانت أحزابنا السياسية التي تولت الحكم بعد خروج الإستعمار، أحزاباً طائفية، لا تملك مذهبية ترشد عملها السياسي، ولم تكن تلك الأحزاب على قدر من الوعي ومن المسئولية يعينها على تفهم أبعاد مشكلة الجنوب، والعمل على حلها، وقد فشلت تلك الأحزاب والحكومات التي قامت على أساسها، في حل مشاكل البلاد السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، وجمدت وعي الشعب.. ولذلك فإن هذه الأحزاب، و هذه الحكومات، وقد فشلت في حل مشكلة الشمال، ما كان لها أن تستطيع حل مشكلة الجنوب.. فتفاقمت المشكلة، وزادت حدة، خصوصاً على عهد الحكم العسكري الذي قام في البلاد في نوفمبر 1958.. وأخيراً وجدت مشكلة الجنوب حلها السياسي في إتفاقية أديس أبابا 1972 على عهد ثورة مايو، وتم بذلك إنجاز كبير أوقف الحرب الأهلية، وأوقف نزيف الدم في الجنوب، ولا تزال أسباب العداوة والصراع، موجودة داخل النفوس، ولا يزال عدم الثقة الذي خلفته التجربة الطويلة والمريرة هو الغالب.. فليس من طبائع الأشياء أن تتغير النفوس لمجرد الوصول إلى حلول سياسية وقانونية!! و لذلك هنالك الكثير من العمل الجاد الذي ينتظر كلا الشماليين والجنوبيين ليقوموا به، حتى يتأمن الحل السياسي، و تتوفر الثقة المفقودة، ويتم بناء القومية السودانية على أسس ثابته تقوم على وعي وتربية المواطنين بالصورة التي لا تجعلهمم يرون في الإختلاف، مدعاة للصراع والخلاف.. أما دون هذا المستوى فإن النكسات ليست بمستبعدة.. بل إن المشكلة قد بدأت بالفعل تطل برأسها من جديد، خصوصاً بعد إثارة موضوع تقسيم الجنوب، الذي أصبح عليه إختلاف بين الجنوبيين، و هو موضوع لا يزال ينتظر الحل.. إن مشكلة الجنوب، في حقيقتها، إنما هي مشكلة حضارية.. وهي في ذلك نموذج للمشاكل الموجودة في عديد المناطق، في عالمنا اليوم.. فقد ظلت الإختلافات في العقيدة، أو العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو الثقافة، تشكل الأسباب الأساسية للصراع بين البشر عبر تاريخ البشر.. وإنما كان ذلك كذلك بسبب القصور، و قلة الوعي، والبعد عن القيم الإنسانية.. وعندما تأتي مرحلة الرشد، والمسئولية تتوكد القيم الإنسانية، ويلتقي الناس فيما يجمع بينهم، وليس فيما يفرقهم ـ يلتقون في العقل، و القلب، أو قل في الفكر والخلق، ويصبح كل فرد بشري هو غاية في ذاته، وتوظف كل الوسائل لتحقيق إنسانية الإنسان، وتزول كل أسباب الخلاف، و الصراع، القديمة.. وعند هذه المرحلة ستكون الإختلافات الطبيعية بين البشر، هي من أهم أسباب إثراء الحياة، و إخصابها، وذلك بإستثمار، وتوظيف، الملكات، والخصائص، و المواهب، المختلفة لخدمة أغراض الحياة الإنسانية الراقية التي لا تقر الإختلاف بين البشر فحسب، بل وتعين كل فرد بشري على تحقيق فرديته التي ينماز بها عن الآخرين، ثم لا يكون هناك تمييز ضد أحد، إنما جميع الناس سواسية أمام القانون، و في الحقوق والواجبات، وفي نظرة المجتمع، تلك النظرة التي تقوم على الرأي العام السمح الذي لا يضيق بالإختلاف والتمايز.. هذا المستوى الحضاري هو ما ندعو إليه نحن، ونعمل على تحقيقه، و هو ما نعتقد أن مشكلة الجنوب، وجميع مشاكل الحياة المعاصرة ستجد حلها النهائي فيه.. ونحن في هذا الكتاب سنؤرخ بصورة موجزة لمشكلة الجنوب فنوضح اصولها، و ملابساتها، ومراحل تطورها، حتى وقتنا الحاضر.. ثم نوضع موقفنا نحن من هذه المشكلة، من الناحية السياسية، التاريخية، ومن الناحية الفكرية.. فالمشكلة كانت أكبر تحدّ واجه التنظيمات، و الأحزاب السياسية، التي تصدت للعمل العام في بلادنا، وهي لا تزال كذلك، بصورة خاصة لأصحاب المذهبيات، ولذلك سنوضح موقفنا نحن كدعاة إسلاميين منها. ولإتاحة الفرصة للمقارنة، سنتحدث عن موقف الدعاة الإسلاميين السلفيين، من المشكلة، و ذلك من خلال إبراز موقف تنظيم الأخوان المسلمين، كتنظيم يمثل الفكر الإسلامي السلفي.
10-06-2010, 11:16 AM
adil amin adil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 39487
الاخ عمر عبدالله تحية طيبة هذا الكتاب القييم فتشتو سينين ما لقيتو
واصل عرض الكتاب هنا
وكان عندكم كتاب(بنك فيصل الاسلامي كمان)
اصلو ازمة السودان والسودانيين بدل ما يشوفو بضاعتم الممتدة من كوش الاولى الي الان والتراث الغني المجيد وحياة الفكر والشعور...جابو لينا الفكر الوافد من المحيط العربي المتخلف وسمرونا في مكاننا لا حصلنا البلاك ستارس غانا وشينا كورتنا ..لعلمك افضل 500 جامعة فى العالم مافيها جامعة عربية واحدة..وميزانية اسبانيا من السياحة تفوق ميزانية كافة الدول العربية بنفطها وقضها وقضيضها...واليابان الشحيحة الموارد الدولة الثالثة في العالم اقتصاديا لالوب بلدنا ولا تمر الناس شعار المرحلة
واصل تنزيل الكتاب وفوق بدل صلاة الحوجة والدجلالمعولم عبر الفضائيات البسووا فيه ده يذاكروا في الكتاب ده كويس وجل المثقفين الجنوبيين يحترمون الفكرة الجمهورية ويتعايشون معها اذا كانت هي فكر اهل الشمال ولهم احترام استثنائي للاستاذ
10-07-2010, 00:18 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
أخي الأستاذ عادل أمين عاطر تحياتي الحمد لله انك لميت في الكتاب وهو فعلا يمثل صوت العقل المفقود في واقعنا السياسي والفكري البائس.. الثقة هي من أهم عوامل حل مشكلة الجنوب (بعد تصور أبعاد المشكلة والحل الفكري والسياسي) وهي كما تعلم مفقودة تماما بين شريكي نيفاشا.. كتاب بنك فيصل موجود وهو قيد المراجعة بعد أن اعيدت طباعته على الكمبيوتر وسنرفعه لموقع الفكرة فور الفراغ من مراجعته إن شاء الله عمر
10-07-2010, 00:22 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الجذور التاريخية لمشكلة الجنوب فترة ما قبل الحكم الثنائي
أفريقيا والسودان إن أفريقيا هي القارة البكر، التي لم تتفجر طاقاتها البشرية والطبيعية بعد.. فهي أقل القارات تحضراً، وقد كانت تسمى القارة المظلمة.. وقد بدأت أفريقيا الآن تتحرك حركة نشطة، في إتجاه التقدم، والتحرر.. وقد جاء تحرر أفريقيا هذا في وقت يمر فيه العالم أجمع بمنعطف حضاري كبير، فقد فشلت الحضارة الغربية المادية القائمة الآن، في إستيعاب وتوجيه طاقات الحياة المعاصرة، وتتويج تطور الحضارة البشرية بإقامة مجتمع السلام والرخا، الأمر الذي يؤذن بميلاد مدنية حديدة، تقوم بتحقيق ما فشلت الحضارة الغربية في القيام به.. ونحن نعتقد أن أفريقيا ستكون هي صاحبة هذا الدور، في إعطاء العالم هذه المدنية الجديدة التي تتطلع إليها.. فلقد كانت أفريقيا هي الموطن الأول للإنسان، فيها ظهرت حياته في البدء، في مرحلته البشرية.. وستكون أفريقيا هي الموطن الأول أيضاً للإنسان، في مرحلته الثانية، مرحلة (الإنسانية)، التي يرتفع بها عن مرتبة البشرية الحاضرة، فيقيم مدنية السلام والرخاء والمحبة التي تسود جميع بقاع الأرض.. و السودان يقع من أفريقيا موقع القلب، وذلك من حيث الشكل، ومن حيث المعنى.. وفي السودان تلتقي الطاقات، والخصائص البشرية، والطبيعية، البكر، والتي بتفجيرها، يتم إفتتاح عهد المدنية الجديدة، مدنية السلام، وسيادة القيم الإنسانية الرفيعة، تلك المدنية التي قلنا ان افريقيا هي موطنها.. والسودان يمثل أفريقيا بصورة كبيرة فهو، في شماله، وفي جنوبه، تكاد تجتمع فيه جميع الخصائص السلالية والطبيعية، لشمال القارة الأفريقية وجنوبها.. والمشاكل التي ظلت تواجه السودان، وعلي رأسها مشكلة الجنوب، انما هي المحك، والتحدي، الذي يمخض الخصائص الأصيلة، ويفجر الطاقات الكامنة.. ولذلك فإن هذا التأخر في الأخذ باسباب الحضارة الغربية، وهذه المشاكل التي تحتوش البلاد، انما هي في الحقيقة نعمة، وهي لخير أريد بهذه البلاد، فهي قد حفظت لتقوم بالدور التاريخي المنتظر لها القيام به في بناء الحضارة الأنسانية الجديدة.. وفي عبارات للاستاذ محمود محمد طه، كتبت في يناير 1951، في التبشير بالدور العظيم الذي ينتظر للسودان أن يقوم به، جاء قوله: (أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم.. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن، وحاجة الفرد إلى الحرية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يهولن أحدا هذا القول، لكون السودان جاهلا، خاملا، صغيرا، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض، بأسباب السماء..).. وهذه البشارة قد جاءت في نفس المعني الذي جاءت فيه بشارة النبي الكريم حيث قال في تفسير الآية: (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين): (ياعمر تعال فاسمع ما قد أنزل الله، ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، الا وأن من آدم الي ثلة وأمتي ثلة، ولن نستكمل ثلتنا حتي نستعين بالسودان من رعاة الأبل ممن شهد الا اله الا الله وحده لا شريك له) – راجع تفسير ابن كثير، سورة الواقعة - فالمدنية الجديدة التي يقدمها السودان للإنسانية هي مدنية السلام، مدنية الإسلام، في مستوى أصوله، مستوى السنة، والتي بها يرجع الناس، كل الناس، إلى أصل الفطرة السليمة.. فالإسلام في هذا المستوى هو دين الفطرة.. وهذا الدور الحضاري المنتظر للسودان هو وثيق الصلة بمشكلة الجنوب، التي نحن بصددها، إذ أنها التحدي العملي، الأساسي، الذي يؤدي إلى إبراز هذا الدور.. ولذلك فإن هذه المشكلة هي في حقيقتها ليست مجرد مشكلة سياسية، وإنما هي مشكلة حضارية تتداخل فيها النواحي السياسية، والإقتصادية، مع النواحي الدينية، والعرقية، والثقافية..
شمال السودان وجنوبه السودان قطر شاسع، يمتد شمالاً وجنوباً على طور 1250 ميل، ويمتد شرقاً، وغرباً 1000 ميل، وطول حدوده 4500 ميل، وهو يحادد تسع دول، ومساحته مليون ميل مربع، أي حوالي 616 مليون فدان، وهي رقعة ذات خصائص طبيعية ومناخية متباينة.. وحوالي 450 ميلاً من حدود السودان تقع على ساحل البحر الأحمر من جهة الشرق.. ونهر النيل بفروعه المختلفة هو الشريان الذي يربط بين شمال السودان وجنوبه.. وتعداد السودان اليوم ربما يزيد على السبعة عشر مليون، موزعين على هذه الرقعة الشاسعة من الأرض، وقد كان التعداد عند الإستقلال أكثر من عشرة مليون ومائتي ألف.. و لعدة إعتبارات موضوعية أصبح ينظر إلى السودان على أساس أنه مكون من جزئين، هما شمال السودان وجنوبه.. وهذه الإعتبارات هي إعتبارات طبيعية جغرافية، متعلقة بطبيعة الأرض والمناخ.. فشمال السودان بصورة عامة هو منطقة سافنا ومنطقة صحراوية، في حين أن الجنوب، بصورة عامة، هو منطقة إستوائية.. وطبيعي أن ينعكس هذا الإختلاف في البيئة على حياة المواطنين في الإقليمين.. كما أن هناك إختلافاً بين الشمال والجنوب في طبيعة السكان والنواحي السلالية، وفي النواحي الدينية والثقافية إلى جانب بعض الإختلافات الإدارية والسياسية التي تمت في بعض مراحل التاريخ.. وهذه الإختلافات، التي عمل الإستعار الإنجليزي على تعميقها، حتى تصبح سبباً للصراع والعداوة بين أبناء البلد الواحد، هذه الخلافات هي التي تشكل الجذور الأساسية لمشلكة الجنوب. و المجتمع السوداني في الشمال وفي الجنوب هو مجتمع قبلي زراعي رعوي، كان ولا يزال كذلك.
10-07-2010, 00:23 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
أصايل الطبائع إن المجتمع القبلي في شمال السودان وجنوبه، مجتمع تقوم حياة المواطنين فيه على قيم الفروسية، من شجاعة، ومروءة، وصبر، وكرم، وعفة، إلى آخر هذه الفضائل السلوكية التي توجه حياة المواطنين في السودان، وهي فضائل وثيقة الصلة بالمجتمعات القبلية.. وهذه الفضائل منتشرة في الشمال، وفي الجنوب، على تفاوت بينهما في ذلك.. وحياة المواطنين في كلا الإقليمين حياة بسيطة، ومتقشفة، وقليلة المطالب المادية.. و لقد لعب التصوف الإسلامي، في شمال السودان، دوراً كبيراً في تعميق، وتأصيل، وتنمية، وتهذيب، قيم الفروسية هذه، إذ أعطاها محتوى دينياً ربطها بالغيب، و جعل لها منهاجاً عملياً يعين على تنميتها وصقلها، لتصبح في إتجاه خلاصة القيم الإنسانية الرفيعة التي جاءت أديان السماء لتحقيقها.. وهكذا فإن التصوف وقيم الفروسية الموروثة من المجتمعات القبلية هما اللذان حفظا على المجتمع السوداني أصايل الطبائع، وهي طبائع لم تتأثر كثيراً بتيارات خارجية، ولذلك هي لا تزال في جوهرها باقية.. و قد إنتشر التصوف في السودان على عهد الفونج إنتشاراً كبيراً حتى أصبح هو الطابع العام للتدين في جميع أنحاء البلاد.. وقد أثرى الواقع الإفريقي في السودان، التصوف الإسلامي، فجعل له نكهة خاصة، فهو قد أمه ببعض القيم الأصيلة، مثل العاطفة القوية المتأججة، والحس الفني، الذي جعل المواطنين كلفين بالموسيقى والرقص، حتى أنهم أدخلوهما في العمل الديني، في شكل الأذكار الصوفية والطبول، والنوبات، والآلات الأخرى، التي تصحب هذه الأذكار.. وقد جذب ذلك المواطنين للدين، وساعد على إنتشاره، وساعد على تعميق، وتأصيل، القيم الدينية، و الحس الديني.. و المواطنون في جنوب السودان، إلى جانب قوة العاطفة، و الكلف بالفن، وهي خصائص أفريقية أصيلة، هم يمتازون بتعلق شديد بالدين، والنواحي الروحية.. فهم، كما هو الشأن عند الإنسان البدائي بصورة عامة، يعتبرون لكل شئ روحاً، و ينطلقون، وفي معظم تصرفات سلوكهم اليومي، من إعتبارات روحية ودينية، وهم كوثنين أساساً، يقيمون الشعائر الدينية لمختلف المظاهر الطبيعية، ولهم إهتمامات كبيرة بأرواح الآباء.. وهم يؤمنون بإله واحد، يسمونه بأسماء تختلف من قبيلة لأخرى، وبعض الجنوبين يعتقدون أن أرواح السلف تحل في زعمائهم الدينين (الكجور).. والكجور يلعب دوراً هاماً في حياة المواطنين.. خلاصة الأمر أن للجنوبيين إستعداداً طبيعياً للتدين، وتعلقاً كبيراً بالقيم الروحية.. و قيم الفروسية هذه التي أشرنا إليها، والقيم الدينية والروحية السائدة في شمال السودان وجنوبه، إلى جانب الحياة البسيطة، القريبة للطبيعة والفطرة، كل هذه الخصائص، هي العناصر الإيجابية التي بتهذيبها وتنميتها يتم تجاوز الخلافات، ويتم الإنصهار في بوتقة واحدة هي القومية السودانية، وبذلك يتم الحل الحضاري الجذري لمشكلة الجنوب، بل إن هذه الخصائص الأصيلة هي التي ترشح السودان ليلعب الدور الطليعي في مستقبل الحضارة الإنسانية، بالصورة التي أشرنا إليها في البشارة التي أوردناها.
10-08-2010, 00:09 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الأصول العـرقية والدين مساحة شمال السودان حوالي 750 الف ميل مربع، أما مساحة الجنوب فهي حوالي 250 الف ميل مربع، أي حوالي ربع المساحة الكلية للسودان.. والجنوب يمتد من خط عرض 10 درجة وحتى خط 3,5 درجة شمال خط الإستواء.. وهو بصورة عامة منطقة إستوائية ذات أمطار غزيرة، وغابات كثيفة.. والقبائل في جنوب السودان، قبائل متداخلة بين السودان والدول المجاورة له، وهذه القبائل تعتبر بصورة عامة، ذات أصول زنجية.. وقد كان الزنوج في الماضي أكثر إنتشاراً مما هو عليه الآن.. فهم قد كانوا يسنكون أفريقيا الإستوائية، وجنوب الجزيرة العربية، والهند، وأستراليا.. ويرى بعض علماء الأنثروبولوجي أن القبائل الجنوبية يوجد في تركيبها ملامح عناصر غير زنجية، بل إن إيفانس برتشارد أحد مشاهير هؤلاء العلماء، يرى أنه من المشكوك في إمكانية إعتبار أي أناس في السودان زنوج حقيقيين، سواء أكان ذلك من حيث اللغة أو التركيب الجسماني.. وعلماء الأنثروبولوجي هؤلاء لا يميلون إلى تسمية سكان شمال السودان بالعرب، ويفضلون إستخدام عبارة (العنصر الأسمر Brown Race ) مقابل العنصر (العنصر الأسود Black Race) للجنوبيين، وسكان أفريقا الإستوائية.. ويرون أن العنصر الأسمر هو نتاج لتزاوج العرب من البجا، و النوبة، والزنوج. وحسب إحصاء عام 1956 م فإن تعداد السودان كان 10,263,000 منهم 2,793,000 بالجنوب.. وبالسودان أكثر من 500 قبيلة مختلفة الحجم، وحسب تعداد عام 1956 فإن 39% من السكان ينسبون أنفسهم للعرب، في حين أن الذين يتحدثون اللغة العربية يشكلون 50% .. و القبائل الجنوبية تنقسم، من حيث اللغة، والتركيب الجسماني، و الخلفيات الثقافية، إلى ثلاث مجموعات: - 1- القبائل النيلية وهي مثل الدينكا، و النوير، والشلك، والأنواك.. 2- القبائل الحامية النيلية (Nilo –Hamitics) وهي مثل الدينقا، واللآتوكا، و الورلي.. 3- القبائل السودانية (Sudanic Tribes) وهي قبائل عديدة، و قليلة التعداد أهما الزاندي.. و هناك قبالئل هي عبارة عن خليط من هذه الفئات.. وكثير من هذه القبائل وفد إلى السودان في وقت متأخر، فمثلاً هناك رواية عن الشلك تقول أنهم أتوا من شرق بحيرة فكتوريا في حوالي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي.. والقبائل (السودانية) أتت من قرب بحيرة تشاد في القرن السابع عشر.. أما الزاندي فقد أتوا من أفريقيا الوسطى في القرن التاسع عشر.. وقد أتى الدينكا من منطقةالبحيرات بشرق أفريقيا (راجع كتاب ـ جنوب السودان: خلفية النزاع ـ لمحمد عمر بشير، صفحة 6 ـ مرجع إنجليزي).. أما بالنسبة للقبائل العربية التي هاجرت إلى السودان وإختلطت بسكان المنطقة، فهي قد أتت في موجات من المهاجرين، أهمها تلك التي تمت في القرن السابع الميلادي، و هو تأريخ يعتبر أيضاً حديثاً نسبياً.. و حسب إحصاء 1956 هناك حوال إثني عشر لغة محلية أساسية بالجنوب، وتعتبر اللهجة المحلية العربية هي الأكثر إنتشاراً في المدن بصورة خاصة. و في الناحية الدينية، فإنه حسب تقدير 1955، يشكل الوثنيون، الأغلبية الساحقة في الجنوب، إذ يشكلون حوالي 90% من تعداد السكان، وفي حين يشكل المسلمون والمسيحيون 10% فقط.. فقد كان المسلمون في ذلك التاريخ يقدرون بحوالي 23 ألف.. والمسيحيون البروتستانت حوالي 30 الف والكاثوليك حوالي 253 ألف ـ راجع محمد عمر بشير المصدر السابق، صفحة 6 ـ
10-08-2010, 00:10 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الجنوب قبل الفتح الإنجليزي المصري هنالك القليل الذي يعرف عن جنوب السودان قبل الفتح التركي المصري في 1820.. ويعتقد أن حضارة (كوش) التي كانت في الشمال (750 – 300 ق. م.) كان لها بعض الأثر على الجنوب، وكذلك الحضارة المصرية القديمة.. وعندما إنتشرت المسيحية والإسلام في شمال السودان كان لهما أثر ضعيف على الجنوب بسبب وعورة المنطقة، وصعوبة المواصلات.. وعندما قامت مملكة الفونج في سنار في أوائل القرن السادس عشر الميلادي بدأت بعض المعلومات تصل إلى الخارج عن الجنوب.. وقد كان الجنوب في تلك الفترة التي سبقت الفتح التركي المصري يعيش في حالة حروب، وصراعات قبلية، فالقبائل الكبيرة، مثل الدينكا، و الزاندي، كانت تتوسع على حساب القبائل الصغيرة، ولم يتم الحد من هذه الصراعات القبلية إلا بعد الفتح التركي المصري.. و بالفتح التركي المصري بدأ عهد جديد بالنسبة للجنوب وعلاقته بالشمال.. فلأول مرة يخضع الجنوب والشمال لحكومة واحدة، ويكون فيهما نظام حكم مستقر نسبياً وقد بدأ الإهتمام بتاريخ جنوب السودان، مع الإهتمام بإكتشاف منابع النيل، وقد فتح الحكم التركي المصري الجنوب للمكتشفين والتجار، وتم ذلك بصورة خاصة بعد رحلات سليم قبودان لإكتشاف منابع النيل، تلك الرحلات التي تمت على عهد الوالي محمد على، وفي الفترة (1838 - 1840)، وبعد أعمال الخديوي إسماعيل التوسيعية في الجنوب والتي قام بها صمويل بيكر وغردون.. وقد بدأ في هذه الفترة أيضاً التغلغل المسيحي في الجنوب..
تجارة الرقيق يهمنا أن نقف هنا وقفة قصيرة مع تجارة الرقيق في جنوب السودان، و التي نشطت في هذه الفترة، و ذلك لعلاقتها الوثيقة بموضوعنا - مشكلة الجنوب، فقد إستغل الإستعمار الإنجليزي هذه التجارة لإيغار صدور الجنوبيين ضد الشماليين ولتنمية العداوة بينهما.. و تجارة الرقيق قد عرفت في التاريخ القديم في معظم أنحاء العالم، وهي قد تمت مؤخراً، في أبشع صورها، على يد الأوربيين، فيما سميّ بتجارة الرقيق عبر الأطلنطي، تلك التجارة التي أدت إلى تحويل الملايين من أفريقيا السوداء، وفي أسوأ الظروف، إلى الأراضي الجديدة. و قد كانت تجارة الرقيق في جنوب السودان، عملاً محلياً، يقوم على الحروب القبلية.. وكان عدد من الزعماء الجنوبيين من أشهر العاملين في تجارةالرقيق، ومن أشهر هؤلاء موبوي (Moboi)، زعيم الزاندي، الذي كان يملك الآلاف من الأرقاء الذين حصل عليهم عن طريق الحرب مع القبائل الأخرى.. وقد كانت تجارة الرقيق في جنوب السودان قبل الفتح التركي المصري، تجارة محدودة، إلا أنها توسعت بعد الفتح، فهي في البداية كانت من أغراض الفتح، وقد بدأ التوسع في هذه التجارة بعد رحلات إكتشاف منابع النيل، خصوصاً بعد أن عمل بها التجار من الأوربيين، الذين إستخدموا الأسلحة النارية وكان لهم وكلاء من العرب ومن السودانيين الشماليين، وفيما بعد إستقل هؤلاء الوكلاء، و أصبحت لهم تجارتهم الخاصة بهم.. و بعد إنتشار الوعي نشطت حركة محاربة تجارة الرقيق في أوربا، وأصبحت الدول الأوربية، خصوصاً بريطانيا، تسعى مع الحكم التركي المصري في السودان لإيقاف تجارة الرقيق، و لذلك أصبحت محاربة تجارة الرقيق فيما بعد من أهداف الحكم التركي التي عمل على تحقيقها في السودان، خصوصاً على عهد الخديوي إسماعيل، وبالذات في عهد حكمدارية غردون.. و قد صور الإستعمار الإنجليزي للجنوبيين، تجارة الرقيق كعمل قام به الشماليين العرب ضدهم، وذلك بغرض خلق العداوة بين الشمال والجنوب.. كما أن المبشرين المسيحيين في الجنوب حرصوا، أثناء تعليمهم للجنوبيين، على ربط تجارة الرقيق بالمسلمين العرب، كما حرصوا على ألاّ تغيب ذكرى هذه التجارة، وصورها البشعة، عن أذهان الجنوبيين، وذلك ضمن مخططهم لمحاربة العرب والإسلام في الجنوب، وبغرض جعل الجنوب خالياً تماماً من أي منافسة تحد من التبشير، ومن إنتشار المسيحية فيه..
10-08-2010, 10:28 PM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
التبشير المسيحي في العهد التركي المصري بدأ الإهتمام الأوربي بالسودان وشئونه، كما بدأ التبشير المسيحي في جنوب السودان، وقد كان المبشرون يعتبرون جنوب السودان منطقة كبيرة الأهمية بالنسبة لهم، وذلك لموقعه الإستراتيجي الهام بالنسبة لبقية أفريقيا السوداء، فهم من خلاله يستطيعون نشر المسيحية في العديد من مناطق أفريقيا، ويستطيعون أن ينافسوا الإسلام بها، ويوقفوا تغلغله.. ومما يدل على مدى إهتمام الأوربيين بنشر المسيحية في الجنوب، كتابة غردون باشا في 1871 للجمعيات التبشيرية البريطانية، يدعوها للعمل التبشيري في المديرية الإستوائية، التي كان يعمل بها آنذاك.. وعندما تم الإحتلال الإنجليزي لمصر في عام 1882، فتح جنوب السودان للتدخل المباشر فيه بصورة أكبر، ولكن حدّ من هذا التدخل قيام الثورة المهدية التي إنتصرت على الأتراك وإستولت على الخرطوم في يناير 1885.. و قد ساندت بعض القبائل الجنوبية، خصوصاً في بحر الغزال، الثورةالمهدية، و ثارت ضد الحكم التركي، و لكن المهدية لم تستطع السيطرة على الجنوب، وإقامة إدارة مستقرة فيه.. وفي عهد المهدية عادت الحروب والصراعات القبلية في الجنوب من جديد.. ثم أصبح الجنوب مسرحاً لصراع الدول الإستعمارية الأوربية، خصوصاً بلجيكا، وفرنسا، وبريطانيا، إلى أن تم الفتح الإنجليزي المصري للسودان في عام 1898، وكان هذا الفترح البداية الحقيقية لمشكلة الجنوب، بما اتخذه من سياسة هدفت إلى فصل الجنوب عن الشمال، وإلى تعميق أسباب الخلاف والعداوة بين الإقليمين، و قد ظهرت ثمار هذه السياسة الإستعمارية بعد الإستقلال، و أدت إلى حرب أهلية في الجنوب إستمرت لسبعة عشر عاماً..
الإستعمار الإنجليزي المصري ومشكلة الجنوب إن كل ما سبق من حديث عن مشكلة الجنوب، إنما برزت أثناء الحكم الثنائي (1898م – 1956م) كنتيجة مباشرة لسياسة الإستعمار الإنجليزي القائمة على مبدأ (فرق تسد).. تلك السياسة التي عملت وفق تخطيط محدد لتعميق الخلافات القائمة بين الشمال والجنوب، وتصعيدها حتى تكون سبباً للصراع بين الإقليمين، بصورة يصعب معها الوفاق، و تصعب الوحدة.. وقد عمل الإنجليز أثناء فترة حكمهم، بصورة محددة، على فصل الجنوب عن الشمال لخدمة أغراضهم الإستعارية في السودان، وفي أفريقيا.. وقد إستغلوا في عملهم هذا الإختلافات العنصرية والدينية، كما إستغلوا تجارة الرقيق، و أوجدوا من السياسات والقرارات الإدارية، ما يحول دون أي وجود عربي إسلامي في الجنوب، يمكن أن يتم من خلاله تعامل بين الإقليمين. وبالإضافة إلى ذلك زرعوا عدم الثقة في الشماليين، في نفوس الجنوبيين، كما عملوا على خلق وتنمية الإختلافات الثقافية بين الإقليمين.. و يمكن تفسيم السياسية البريطانية نحو جنوب السودان إلى ثلاث مراحل هي: المرحلة الأولى، وهي تبدأ بدخول الإستعمار الإنجليزي وتستمر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وقيام ثورة 1919 المصرية، وهذه المرحلة تعتبر مرحلة تمهيدية لسياسة فصل الجنوب، أما المرحلة الثانية والتي تستمر حتى 1947م، فقد تمت فيها الإجراءات الفعلية لتنفيذ سياسة فصل الجنوب، وخلق المشكلة بينه وبين الشمال.. أما المرحلة الثالثة (1947 م – 1955م) فقد ظهر فيها فشل سياسة الفصل فتم التراجع عنها.. ونحن هنا سنتناول هذه المراحل بشئ من الإيجاز..
المرحلة الأولى للسياسة البريطانية في الجنوب لقد كان هم الإنجليز الأساسي في الجنوب في هذه الفترة هو حفظ الأمن والنظام، وتأكيد سلطتهم على القبائل بفرض إدارة قوية.. وقد بدأ في هذه الفترة التبشير المسيحي في الجنوب من جديد بعد أن توقف في فترة المهدية، فقد سمحت الحكومة للمبشرين بممارسة نشاطهم، وشجعتهم على ذلك، وخصصت لكل هيئة تبشيرية منطقة خاصة بها.. كما إتجهت الحكومة البريطانية في هذه المرحلة إلى الحد من إنتشار الإسلام في الجنوب، فقررت إستبدال الجيش المصري سنة 1911 بقوات محلية تحت إشراف ضباط إنجليز سميت فرق الإستوائية.. وقد جعلت الحكومة كل مديرية من مديريات الجنوب الثلاث مستقلة بشئونها إلى حد كبير.. ولقد لخص اللورد كرومر دوافع بريطانيا في تشجيع التبشير المسيحي والعمل على الحد من إنتشار الإسلام في تقرير له، كان ضمن ما جاء فيه قوله: (إن سكان هذا القسم وثنيون كلهم لم يروا واحداً من المسيحيين إلا قريباً. وإتصالهم بالمسلمين يذكرهم بفظائع الدراويش والنخاسين العرب). كتاب (العلاقات العربية الأفريقية) ـ إصدارة: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، صفحة 285 ـ و فيما بعد، في عام 1929، بيّن هندرسون غرض الإنجليز بعبارات أوضح من عبارات كرومر، فقد قال: (إن إنجلترا كدولة مسيحية لا يمكنها بحكم دينها أن تشارك في سياسة تشجيع إنتشار العروبة والإسلام بين شعب يزيد على ثلاثة ملايين وثني إذ أن ذلك قد يترتب عليه نتائج مدمرة بالنسية لمصالحها) ـ المصدر السابق، صفحة 273 ـ وقد رأي ونجت حاكم عام السودان آنذاك في فرق الإستوائية التي حلت محل القوات المصرية والجنود الشماليين أنها تشكل (حاجزاً إفريقياً له قيمته ضد أي ثورة عربية في السودان).. المصدر السابق، صفحة 290 ـ ولدعم العزلة بين الجنوب والشمال، إستبدلت إجازة يوم الجمعة الإسبوعية في الجنوب بيوم الأحد، وقد عمم ذلك على جميع أنحاء الجنوب إبتداءً من 3 يناير 1918.
المرحلة الثانية (1920 – 1946) في هذه المرحلة وبعد ثورة 1919 المصرية، وحركة 1924 السودانية ذات الإرتباط بمصر، رأت بريطانيا أن مصالحها الإستعمارية في السودان، وشرق أفريقيا، تقضي بأن تنتهج سياسة تهدف إلى فصل الجنوب عن الشمال أملاً في أن يتم ضمه في المستقبل لممتلكات بريطانيا في يوغندا، وشرق أفريقيا.. ولتحقيق هذا الغرض إتجهت السياسة الإنجليزية إلى عزل الجنوب عن الشمال ثم تصفية الوجود الشمالي في الجنوب بشتى الوسائل.. ويمكن تلخيص أهم معالم هذه السياسة فيما يلي: ـ منع مديري المديريات الجنوبية من حضور إجتماع مديري المديريات الذي كان يعقد سنوياً في الخرطوم، فكان عليهم أن يجتمعوا وحدهم في الجنوب وأن يكونوا على إتصال بزملائهم في يوغندا وكينيا.. ولقد وصلت إلى لجنة (ملنر) ثلاث مذكرات عن الوضع بالنسبة لجنوب السودان، كانت الأولى منها بتاريخ 15 فبرائر 1920 بعنوان (فصل السودان عن مصر)، وتبحث هذه المذكرة في (اللامركزية في حكومة السودان بهدف فصل الزنوج عن الأراضي العربية) - المصدر السابق، صفحة 293 - والمذكرة تقترح فصل السودان إلى شمالي وجنوبي وإقامة خط فاصل يمتد من الشرق إلى الغرب حددت مواقعه.. وبعد هذه المذكرة بعشرة أيام أعدت السلطات المسئولة في الخرطوم مذكرة جديدة ذات تصور أكثر تحديداً وقد جاء فيها: (أن حكومة السودان سوف تكون على إستعداد للإندماج في حكومات أملاك أفريقية أخرى مثل أوغندا وشرق أفريقيا إذا كان الأمر يخص الزنوج.. أما المديريات العربية فهي تحتاج إلى معاملة مختلفة وعلى ذلك فيجب أن تبحث مسألة إقامة إتحاد لوسط أفريقيا تحت الإدارة البريطانية يضم بالطبع زنوج السودان).. المصدر السابق، صفحة 293 ـ وفي مذكرة صدرت في 14 مارس 1920 جاء (إن سياسة الحكومة هي الحفاظ على قدر الإمكان بجنوب السودان بعيداً عن التأثير الإسلامي ففيه يتم توظيف المآمير السود، وعندما يكون من الضروري إرسال كتيبة من المصريين فيختار الأقباط. وأصبح يوم الأحد هو يوم الإجازة بدلاً من يوم الجمعة كما في الشمال هذا بالإضافة إلى تشجيع المشاريع التبشيرية). وتواصل المذكرة: (ينبغي أن يوقر في الأذهان إمكانية فصل مناطق الجنوب الأسود من السودان عن مناطق الشمال (العربي) وربطه بتنظيم لأواسط أفريقيا) ـ المصدر السابق، عن، مدثر عبد الرحيم (تطور الإدارة الإنجليزية في جنوب السودان)، صفحة 7. 2- في سبتمبر 1922 صدر قانون المناطق المقفولة، والذي بمقتضاه جعل الجنوب منطقة مقفولة لا يجوز دخولها أو الخروج منها إلا بإذن خاص من السلطات (وقد هدف هذا القانون إلى إبعاد الشماليين والمصريين من جنوب السودان وإستبدالهم بالأغاريق والسوريين المسيحيين، و تقليل أعداد الجنوبيين الراغبين في الإنتقال للعمل في الشمال. وصدر قانون آخر في سنة 1925 منع الشماليين من التجارة في الجنوب إلا بإذن خاص من السلطات) ـ دكتور حسن أحمد إبراهيم (تاريخ السودان الحديث) صفحة 138.. وكان التاجر الذي يرفض الرحيل يجبر على ذلك ثم تنتحل أي أسباب لإبعاده فقد جاء في التوجيهات الإجبارية (وإن كان منهم من يرفضون الرحيل وترون ضرورة التخلص منهم يبيّن أسباب ذلك بقول أو بآخر مثل "المتجر خالي من البضائع" أو "لا يؤدي أي عمل" أو "شخصية رديئة " الخ - مدثر عبد الرحيم، المصدر السابق، صفحة 94.. 3- لتنفيذ سياستها إتجهت الحكومة إلى القضاء على اللغة العربية في الجنوب وإستبدالها باللغة الإنجليزية واللهجات المحلية وبذلت الحكومة مجهوداً كبيراً في هذا الصدد، فشجعت الموظفين الإنجليز على تعلم اللغات الجنوبية، ووصل بها الأمر حد تشجيع الجنوبيين على إستبدال أسمائهم العربية بأسماء قبلية، وأن يتركوا لبس الملابس العربية وإستبدلوها بالزي الأفرنجي. 4- عملت الحكومة على إبعاد الموظفين الشماليين العاملين بالجنوب، وإستبدالهم تدريجياً بموظفين جنوبيين، ولتحقيق هذا الغرض فتحت بالتعاون مع المبشرين عدداً من المدارس الأولية والوسطى.. 5- وضعت الحكومة التعليم في الجنوب في يد الإرساليات المسيحية لنشرالمسيحية وربط الجنوب بالحضارة الغربية وتمكين العزلة الثقافية بينه وبين الشمال.. وقد كان يصرف على التعليم التبشيري من ميزانية الحكومة، التي تأتي أساساً من المديريات الشمالية (بلغت المعونة الحكومية لمدارس الإرساليات عام 1924 مائة وخمسين (150) جنيهاً فقط، زادت عام 1927 إلى 3800 جنيهاً، وقفزت بعد ذلك ثلاث سنوات لتبغل 7550 جنيهاً) - كتاب (العلاقات الإفريقية العربية)، صفحة 307 - و عن حجم التعليم التبشيري بالجنوب جاء بالمصدر السابق صفحة 32: (وتظل المدارس التبشيرية في إزدياد في بالجنوب لتقفز عام 1934 إلى 368 مدرسة منها 310 من مدارس الشجر وخمسين مدرسة أولية للبنات والبنين وتزداد مدارس المعلمين لتصبح إثنتين، و بعد ذلك بعامين تزداد مدارس الشجر 83 مدرسة أخرى والمدارس الأولية خمسة مدارس كما تزداد مدارس المعلمين مدرسة واحدة). و قد لعب المبشرون دوراً كبيراً في خلق مشكلة الجنوب، حتى بعد إستقلال السودان.. وقد كانت الجمعيات التبشيرية تعارض قيام (سودان موحد)، لأنها: (من ناحية ترى أن أبناء الشمال سيجعلون من الإسلام ديناً للسودان كله، وهي من ناحية أخرى تعتقد أن الشماليين سيفرضون القيود على الحرية الدينية، وثم أنها أخيراً تؤمن بأنه لن يمضي وقت طويل حتى يتم إخضاع التعليم في الجنوب للإشراف الحكومي) - المصدر السابق، صفحة 326 - وقد كان المبشرون أثناء عملهم التعليمي يحرصون على الحديث عن تجارة الرقيق بالجنوب، و يصورونها على أنها من أعمال العرب الشماليين، مما أدى إلى إيغار صدور الجنوبيين على الشماليين وعمّق أسباب العداوة.. (و في سنة 1930 أعلنت الحكومة رسمياً سياستها الإنفصالية في مذكرة أعدها السكرتير الإداري هارولد ماكمايكل وأرسلها إلى مديري المديريات الجنوبية الثلاث ورؤساء المصالح) ـ كتاب (تاريخ السودان الحديث)، دكتور حسن أحمد إبراهيم، صفحة 139 ـ وقد بلغت السياسة الإنفصالية ذروتها في منتصف الثلاثينات، إلا أن هذه السياسة قد فشلت في النهاية.
المرحلة الثالثة (1947 – 1955) لقد أدت أسباب عملية الي فشل سياسة فصل جنوب السودان، ومن هذه الاسباب صعوبة تطوير المواصلات بين الجنوب وشرق افريقيا، والحاجة للشماليين في العمل في الجنوب بالاضافة الي عودة النفوذ المصري بعد معاهدة 1936 والنقد الذي لقيته سياسة الفصل من السياسيين المصريين ومن الصحافة المصرية.. هذه بالاضافة الي أن الحركة الوطنية السودانية نفسها قد بدأت تنشط في هذه الفترة، قبيل الحرب العالمية الثانية. وقد تضمنت المذكرة التي رفعها مؤتمر الخريجين سنة 1942 المطالبة بالغاء قوانين المناطق المقفولة، ورفع القيود عن حرية التجارة وتنقل السودانيين داخل السودان، ووقف الاعانات التي تقدم للمدارس التبشيرية وتوحيد مناهج الدراسة في الشمال والجنوب.. كما أن ظروف الحرب العالمية الثانية أعانت علي أن تغير بريطانيا من سياستها تجاه الجنوب لكسب القوي الوطنية في مصر والسودان.. ففي 16 ديسمبر 1946، وجه المستر روبرتسون السكرتير الإداري مذكرة الي رؤساء الادارات ومديري المديريات جاء فيه عن الجنوبيين: (ان العوامل الجغرافية والاقتصادية تحتم توحيدهم في مستقبل تطورهم، توحيدا لا انفصام له، مع السودان الشمالي الذي من صفاته الاساسية أنه جزء من الشرق الاوسط وانه مستعرب.. وبناء عليه فإن سياستنا تستهدف إعانة الجنوبيين عن طريق التطور التعليمي والاقتصادي حتي يستطيعوا الاعتماد علي أنفسهم مستقبلا ويكونوا اندادا متساويين اجتماعيا واقتصاديا مع شركائهم وزملائهم من السودانيين الشماليين في سودان المستقبل الموحد)..
10-09-2010, 01:35 PM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
مؤتمر جوبا 1947 عقد في 13 يونيو 1947 مؤتمر بجوبا لمناقشة مسألة الجنوب تحت رئاسة السكرتير الاداري السير جيمس روبرتسون، وقد حضره مديرو المديريات الجنوبية الثلاث، ومدير شئون الخدمة، وسبعة عشر جنوبيا من زعماء القبائل المثقفين، وستة من الشماليين. وقد توصل المؤتمر الي ان رغبة الجنوبيين هي الاتحاد مع الشماليين في سودان موحد.. وقد قبلت الحكومة هذا القرار وجعلته أساسا لسياستها الجديدة، وحاولت إزالة بعض الحواجز التي اصطنعتها بين الشمال والجنوب، فأدخلت تعليم اللغة العربية في مدارس الجنوب فوق الأولية سنة 1950. ورغم أن بريطانيا قد غيرت من سياستها نحو الجنوب في نهاية الأمر، الا أن تلك السياسة قد تركت جوا من التشكيك، وعدم الثقة، عند الجنوبيين نحو الشماليين، وخلقت من أسباب الفرقة والصراع بين الشمال والجنوب ما جعل مشكلة الجنوب تستمر، وتتفاقم، الي الحد الذي أدت فيه الي حرب أهلية طويلة.. وعندما نشأت الاحزاب الشمالية في الشمال، ولجات الي اسلوب المفاوضات مع دولتي الحكم الثنائي، لم تشرك الجنوبيين معها.. وعند قيام وفد الاحزاب الي مصر لم يكن الجنوبيين ممثلين فيه، الأمر الذي زاد من شعور الجنوبيين بالعزلة، وهكذا لم تحرص الاحزاب الشمالية علي توثيق صلتها بالجنوبيين.. وعقب اتفاقية 1953 المصرية - البريطانية والتي أعطت السودان الحكم الذاتي وحق تقرير المصير، أعلن الساسة الجنوبيون ان هدفهم هو إقامة نظام فدرالي في السودان يمنح بمقتضاه الجنوب الحكم الذاتي.. وقد أصبح الحكم الذاتي هو المطلب الأساسي للجنوبيين بعد الإستقلال، الا أن بعض المتطرفين منهم كانوا يطالبون بالإستقلال التام..
الحكم الوطني ومشكلة الجنوب لقد رأينا كيف عمقت سياسة الاستعمار الانجليزي اسباب الاختلاف والصراع بين الشمال والجنوب، وكيف بذرت تلك السياسة بذور عدم الثقة، والعداوة، في نفوس الجنوبيين تجاه الشماليين، مما ادي الي خلق مشكلة الجنوب، كأكبر وأخطر مشكلة يواجهها السودان بعد استقلاله، واثناء مراحل الحكم الوطني المختلفة.. فقد ظلت مشكلة الجنوب طوال عهود الحكم الوطني تشكل أكبر عوامل عدم الاستقرار في البلاد، حتي وجدت الحل السياسي علي عهد مايو في مارس 1972، الذي به انتهت الحرب الاهلية، وهي لا تزال تتطلب الحل الحضاري الجذري الذي بدونه لا يتم التأمين النهائي لهذه المشكلة ضد أي نكسة.. ولقد وعدت الاحزاب الشمالية الجنوبيين بأن تضع في اعتبارها الحكم الفدرالي للجنوب، وعلي ضوء هذا الوعد انضم النواب الجنوبيون في البرلمان للشماليين ليتم اجماع علي الاستقلال الذي اعلن في أول يناير 1956.. ولقد تمت بعض الأعمال في الجنوب بالنسبة للجنوبيين لكسب ثقتهم.. وفي عام 1957 قامت الحكومة بضم المدارس التبشيرية في الجنوب اليها، ولقد أدي هذا الاجراء الي عداوة الكنيسة الكاثوليكية للحكومة السودانية.. وعندما نشأ الحزب الفدرالي الجنوبي في عام 1958 (Southern Federal Party) كان من ضمن أهدافه جعل المسيحية الدين الرسمي في الجنوب، واللغة الانجليزية اللغة الرسمية، الي جانب إقامة نظام فدرالي يكون فيه للجنوب جيش خاص، ونظام تعليم وادارة خاصين، الي جانب برنامج خاص لتطوير الجنوب. ولقد ضم الحزب الفدرالي اؤلئك المثقفين من الجنوبيين الذين يعارضون حزب الأحرار الجنوبي، والذين هم في الحقيقة يسعون الي الإنفصال.. وعندما كونت لجنة الدستور كان الجنوبيون غير راضين عن تمثيلهم فيها اذ انهم اعطوا ثلاثة مقاعد فقط من 43 مقعدا. وقد طلب الجنوبيون من اللجنة ان توصي (بالفدريشن)، الا أن اللجنة رفضت ذلك، وفي ديسمبر 1957 رفضت أغلبية لجنة الدستور (الفدريشن).. ولقد استغل الحزب الفدرالي الجنوبي هذه الظروف واستطاع ان يكسب 40 مقعدا من المقاعد الستة واربعين المخصصة للجنوب، ولقد انسحب اعضاؤه من لجنة الدستور في يونيو 1958.. ولقد كانت الاحزاب الشمالية مهتمة بكراسي الحكم، ولم تهتم بمشاكل البلاد في الشمال او الجنوب، وكان لذلك أثره السيء علي الأوضاع في الجنوب، فقد استغل هذه الظروف المبشرون ودعاة الانفصال من الجنوبيين، وبداوا يكثفون دعايتهم في الجنوب ضد الشمال.. وقد كان انتصار الحزب الفدرالي في الانتخابات البرلمانية في عام 1958، دليلا واضحا علي سيادة الاتجاه المتطرف بين الجنوبيين، وقد استغل المتمردون الذين لجاوا الي الغابة بعد أحداث عام 1955، هذه الظروف، وبداوا ينشطون في ممارسة أعمال العنف.. وفي هذه الظروف التي شهدت فشل التجربة الديمقراطية في الحكم بسبب فساد الاحزاب، تم انقلاب عبود العسكري في 17 نوفمبر 1958، في محاولة لإنقاذ البلاد من الوضع السياسي والاقتصادي المتردي الذي وصلت اليه.. وبقيام الحكم العسكري دخلت مشكلة الجنوب مرحلة جديدة..
10-11-2010, 04:32 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الحكم العسكري (1958 - 1964) لقد فسر الجنوبيون تسليم السلطة للعسكريين بانه عمل قصد به ابعادهم هم عن الحكم، حتي ينفرد الشماليون بتقرير مصير الجنوب، وهو أمر لم يكن صحيحا.. ولم يكن للحكم العسكري رأي محدد في حل مشكلة الجنوب، وقد حاول ان يعمل علي نشر الإسلام واللغة العربية في الجنوب.. وقد وجد الحكم العسكري رجال التبشير في الجنوب يقومون بأعمال تهدد وحدة البلاد، الأمر الذي دفعه الي اصدار قرار بايقاف الجمعيات التبشيرية وطرد المبشرين خارج البلاد وكان ذلك في فبراير 1962، وقد كان لهذه الاجراءآت أثرها السيء علي مشكلة الجنوب.. وقد تناولت صحافة الغرب طرد المبشرين بالنقد، كما أدان الفاتيكان هذا الاجراء، وهكذا بدأت مشكلة الجنوب تخرج من حدود السودان، وتستحوذ علي اهتمام دول، وعناصر خارجية، وخصوصا ان عددا من الجنوبيين تركوا البلاد ولجأوا الي الدول المجاورة التي أخذوا يمارسون نشاطهم السياسي فيها.. وقد وصل الأمر الي حد أن الجنوبيين عرضوا قضيتهم علي هيئة الأمم المتحدة في عام 1963 وطالبوا بالاستقلال لجنوب السودان بحجة انهم فشلوا في الوصول الي حكم فدرالي.. كما طلب حزب سانو الذي تكون في 1963 من منظمة الوحدة الأفريقية التدخل لإيجاد حل لمشكلة الجنوب.. وفي داخل البلاد أعقب طرد المبشرين اضطرابات طلابية في الجنوب، كما ظهر في عام 1963 تنظيم الأنانيا في الجنوب والذي لجأ الي العمل العسكري في شكل حرب عصابات.. وقد أدت أعمال الأنانيا، ومحاولات النظام لقمعهم عسكريا، الي قتل الكثيرين، والي فرار الكثيرين أيضا، ولجوئهم الي يوغندا.. وقد قدر عدد اللاجئين السودانيين في يوغندا عام 1964 بأكثر من 12 ألف لاجيء.. ولما كانت الأعمال العسكرية في الجنوب مكلفة، فقد فاقم ذلك من الأزمة الاقتصادية في جميع البلاد، وزاد من عداوة المواطنين في الشمال والجنوب للنظام العسكري الذي استعلن فساده، وفشله، بصورة كبيرة.. وقد كان المواطنون والأحزاب في الشمال مشغولين بالعمل علي القضاء علي النظام العسكري اكثر من انشغالهم بمشكلة الجنوب. وقد استُغِّلت مشكلة الجنوب، واتجاه النظام لحلها عسكريا، من المعارضة في الشمال ضد النظام، حتي أنه لما قامت ثورة اكتوبر 1964، والتي أطاحت بالنظام العسكري، كانت مشكلة الجنوب من الأسباب المباشرة لقيام هذه الثورة..
ما بعد ثورة أكتوبر لقد ضمت حكومة اكتوبر الانتقالية، اثنين من الوزراء الجنوبيين من بينهم وزير الداخلية. وقد رحب حزب سانو الجنوبي بالنظام الجديد وأرسل مذكرة الي رئيس الوزراء الجديد السيد سرالختم الخليفة ن يعبر فيها عن رغبة الجنوبيين خارج البلاد في العودة الي البلاد وفق بعض الشروط التي حددتها المذكرة.. وقد أشارت مذكرة سانو الي أن (الفدريشن) هو الحل الوحيد الممكن للمشكلة.. وفي هذه الفترة ظهر تنظيم يضم المثقفين الجنوبيين بالخرطوم تحت اسم (جبهة الجنوب)، وقد اعتبرت الجبهة الممثل لوجهة نظر الجنوبيين ودعيت للاشتراك في الحكومة القومية، وقد كانت جبهة الجنوب منذ تكوينها تعمل في تعاون تام مع حزب سانو الذي كان مركزه بكمبالا في يوغندا.. وفي نوفمبر 1964 اعلن رئيس الوزراء أن مشكلة الجنوب تجد الاهتمام الكبير من حكومته، وأن المشكلة لا يمكن أن تحل بالطرق العسكرية، ودعا الي السلام والحل عن طريق المفاوضات.. وفي ديسمبر من نفس العام أعلن رئيس الوزراء العفو العام عن كل الذين فروا خارج البلاد، منذ أحداث عام 1955، وعن كل المطلوبين للمحاكمة في قضايا سياسية.. وطلب من الجنوبيين اللاجئين في الدول المجاورة، والزعماء السياسيين العودة الي البلاد.. ثم أرسل اثنين من الوزراء الي يوغندا لتوقيع اتفاقية مع حكومتها بخصوص اللاجئين السودانيين، واجراء مفاوضات مع زعماء حزب سانو لاقناعهم بالعودة الي السودان..
10-12-2010, 01:22 AM
Omer Abdalla Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة