مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +صور)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 04:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-04-2010, 05:48 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +صور)

    كانت ناجحة، تحدث العارفون بانسانية طيبنا وادبه .





    ...
    رابطة الاعلاميين السودانيين نجحت في تنظيم ندوة (مع الطيب صالح في الدوحة ضمن احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010)

    كانت الندوة ابرز فعاليات الاسبوع الثقافي السوداني .
                  

10-04-2010, 05:52 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    قدمها : الدكتور مرزوق بشير، رئيس اللجنة الاعلامية لاحتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية . وحضرها السيد علي مجوك المؤمن ، وزير الدولة للثقافة،وسعادة ابراهيم عبدالله فقيري، سفير السودان ، وسعادة سوسن محمد صالح نائب السفير، وسعادة القنصل عماد حجازي، ولفيف من المثقفين السودانيين والعرب، وتواجد كثيف لوسائل الاعلام (صحافة الارض والفضاء)،الشرق والوطن والراية والعرب، ومجلة الدوحة، ومجلة ليالينا، والحياة ، تلفزيون السودان، الجزيرة (الفضائية) و(العنكبوتية).

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 10-04-2010, 08:38 PM)

                  

10-04-2010, 05:55 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    تحدث اساتذة اجلاء:

    - الدكتور امير تاج السر
    - البروفيسور محمد ابراهيم الشوش
    - البروفيسور سيد احمد البيلي
    - الدكتور حسن رشيد الكاتب والناقد القطري
    - الدكتور النور حمد


    ..........



    المتحدثون .. سيرة مختصرة

    * امير تاج السر، روائي ، طبيب مقيم في الدوحة،كاتب بجريدة الشرق، صدرت له عدة روايات، كرمكول 1988، سماء بلون الياقوت 1996،نار الزغاريد 1998،مرايا ساحلية ، سيرة الوجع ، واشهر اعماله مهر الصياح وزحف النمل.

    * بروفيسور عثمان سيد احمد اسماعيل البيلي،مدير مركز الشيخ محمد بن حمد آل ثاني لاسهامات المسلمين في الحضارة ، استاذ التاريخ والحضارة الاسلامية بكلية الدراسات الاسلامية بمؤسسة قطر،مدير مركز الوثائق والدراسات الانسانية جامعة قطر،رئيس قسم التاريخ بكلية الاداب جامعة الخرطوم، عضو اللجنة التنفيذية لليونسكو. وزير التربية الاسبق في السودان.

    * بروفيسور محمد ابراهيم الشوش،مستشار اعلامي بسفارة السودان في الدوحة،المستشار الثقافي في لندن ،رئيس تحرير مجلة الدوحة في السبعينيات،عميد كلية الادآ ب جامعة الخرطوم رئيس شعبة اللغة العربية ، استاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة البرتا في كندا،كاتب زاوية بصحيفة الرأي العام .
    *دكتور النور حمد ،استاذ جامعي ،رئيس قسم التربية الفنية جامعة قطر ،عمل استاذا بجامعتي مانسفيلد وشرق واشنطن ، تشكيلي ،رسام كاركاتير، كاتب صحفي.
    * الدكتور حسن رشيد، ناقد وكاتب قطري.

    ...
    سيتم نشر الاوراق التي قدمها المتحدثون عن طيبنا عبقري الرواية العربية.

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 10-04-2010, 10:22 PM)
    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 10-04-2010, 10:24 PM)

                  

10-04-2010, 09:36 PM

عثمان كباشي

تاريخ التسجيل: 08-10-2009
مجموع المشاركات: 88

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    مجهود مقدر يا فيصل هل أقول تشكر عليه أم أقول لا شكر على واجب.

    كانت من أميز الفعاليات

    بانتظار أز
    وراق العمل تعميما للفائدة والمتعةالذهنية.
                  

10-04-2010, 10:01 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: عثمان كباشي)

    الزميل كباشي قدم تغطية متميزة على موقع الجزيرة نت هذا نصها :

    Quote: الدوحة تتذكر الطيب صالح الإنسان




    أصدقاء الطيب صالح ومحبوه ناقشوا أبرز ملامح شخصيته (الجزيرة نت)

    عثمان كباشي-الدوحة

    في أمسية تكاد تنطبق عليها تماما عبارات للطيب صالح في روايته الأشهر "موسم الهجرة إلى الشمال"، "في ليلة مثل هذه تحس بأنك تستطيع أن ترقى إلى السماء على سلم من الحبال"، التقى أصدقاء ومريدو الراحل الطيب صالح ليتذكروا أيامه في الدوحة التي أحبها فبادلته حبا بحب وودا بود، ويتذاكروا الجانب الأبرز في شخصيته وأريحيته وبساطته وتواضعه النبيل.الطيب الإنسان المتواضع كان محور مداخلات المتحدثين الذين شاركوا بأوراق لم تستطع أن تغادر إنسانية الطيب رغم اختلاف مشارب معديها، تحدثوا عنه لأن الطيب صالح -بحسب رئيس قسم الإعلام بوزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية الدكتور مرزوق بشير الذي ابتدر المداخلات وقدم بقية المشاركين في الندوة- "يحدثك عن كل شيء إلا عن نفسه، ولم يكن يعادي أو يحابي، قنوعا لدرجة البساطة، بسيطا في لباسه، ومتعففا في أحاديثه، وقنوعا في طلباته".

    "
    الروائي السوداني أمير تاج السر ابن شقيقة الطيب صالح أضاء جانبا مهما من شخصية خاله وهو الجانب المتعلق بعلاقة المودة التي ربطت بينه وبين أسرته الصغيرة وبأهل قريته النائية كرمكول شمالي السودان
    "
    شجرة وارفة
    الروائي السوداني أمير تاج السر ابن شقيقة الطيب صالح أضاء جانبا مهما من شخصية خاله، وهو الجانب المتعلق بعلاقة المودة التي ربطت بينه وبين أسرته الصغيرة وبأهل قريته النائية كرمكول شمالي السودان "وكانت تلك واحدة من ميزات الطيب الكثيرة المتشعبة، شجرة وارفة تهب الظلال في كل وقت، ولكل مستظل، ونخلة عالية في وسط ذلك النخيل المغروس في ود حامد، تلك القرية الرمز التي حمل مجتمعها على ظهر موهبته، وسما بشخوصها إلى آفاق بعيدة".

    وقد أكد الناقد القطري الدكتور حسن رشيد في مداخلته على ما سبقه به بقية المشاركين، متمنيا أن تُجسد أعمال الطيب صالح بأبعادها الإنسانية المتعددة في أعمال درامية.

    طاقة الحب
    الناقد السوداني ورئيس التحرير الأسبق لمجلة الدوحة الدكتور محمد إبراهيم الشوش انطلق في مداخلته بما سماها بطاقة الحب لدى الطيب صالح حيث يرى الأخير أن المحبة هي الشيء الوحيد القادر على حل مشاكل العالم.وأكد أن معظم شخصيات رواياته تجسد ذلك التوجه مستشهدا بنص للراحل تحدث فيه بلسان الطاهر ودالرواس في رواية "مريود" يقول فيه "الحياة يا محيميد ما فيها غير حاجتين اثنتين.. الصداقة والمحبة.. لا مال ولا جاه.. ابن آدم إذا ترك الدنيا وعندو ثقة إنسان واحد يكون كسبان".

    "
    لم يكن الطيب صالح شخصا عاديا بل كان مؤثرا سيظل من تعرف عليه سواء كان ذلك عبر التواصل الإنساني أم عبر قراءة نتاجه الأدبي يذكر ذلك جيدا
    أستاذ التربية الفنية بجامعة قطر الدكتور النور حمد
    "
    لم يكن الطيب صالح شخصا عاديا بل كان مؤثرا سيظل من تعرف عليه سواء كان ذلك عبر التواصل الإنساني أم عبر قراءة نتاجه الأدبي يذكر ذلك جيدا، بحسب أستاذ التربية الفنية في جامعة قطر الدكتور النور حمد.

    فالطيب -والحديث ضمن مداخلة حمد في الندوة- أبدع نصوصا ذات طبقات غير عادية قابلة للتأويل ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فقد دعا للتعايش الإنساني في بلده السودان وكأنه يقرأ واقعه الحالي بعينين مفتوحتين. وبحسب نص في رواية "ضوء البيت" "فإذا نحن بين عشية وضحاها لا ندري من نحن وما هو موضعنا في الزمان والمكان، وقد خيل إلينا يومها أن ما وقع وقع فجأةً. ثم تكشف لنا رويدا رويداً ونحن في ذلك الخضم المتلاطم بين الشك واليقين، أن ما حدث كان مثل سقف البيت حين يسقط. لا يكون قد سقط فجأة ولكنه يظل يسقط منذ أن يوضع في محله أول مرة".جاء اللقاء الذي نظمته رابطة الإعلاميين السودانيين بقطر وعقد بالصالون الثقافي بحديقة البدع بالدوحة مساء الأحد، وأمه جمهور غفير من بينهم سفير السودان بقطر إبراهيم فقيري ضمن أيام الثقافة السودانية احتفالا بالدوحة عاصمة للثقافة العربية لعام 2010.

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 10-04-2010, 10:01 PM)

                  

10-04-2010, 10:02 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    كلمة السفير ( نص مكتوب)

    Quote: ندوة "مع الطيب صالح في الدوحة"
    الاحد 3 اكتوبر 2010 – الصالون الثقافي

    كلمة سعادة / ابراهيم عبد الله فقيري
    سفير جمهورية السودان – الدوحة

    سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري
    وزير الثقافة والفنون والتراث
    السيد / علي مجوك المؤمن
    وزير الدولة بوزارة الثقافة
    السيد / بشير صالح
    الحضور الكريم
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،

    نجتمع اليوم في رحاب الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010، وبهذه المناسبة اتوجه بجزيل شكري وامتناني الى دولة قطر، اميرا وحكومة وشعبا، على كرم الضيافة،واسمحوا لي ان اتوجه باسمى ايات التقدير والعرفان الى مقام حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ، امير دولة قطر المفدى ،لرعايته الكريمة لهذه الاحتفالية، وان كانت الدوحة استحقت لقب "عاصمة الثقافة" عن جدارة، فانها تستحق ايضا لقب "عاصمة السلام"،ويحدونا الامل ان تكلل جهودها بالنجاح في "سلام دارفور" الذي لاحت تباشيره في الافق.

    إن الثقافة عنصر مهم في حياة المجتمع ومحور من محاور التنمية الشاملة، وتهدف إلى تنشيط المبادرات الخلاقة وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري، وذلك عبر إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة لفعاليات عاصمة الثقافة والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب وتعزيز القيم والتآخي والتسامح وإحترام الخصوصية الثقافية، وهذا ما انجزته الدوحة .
    والحديث اليوم عن الراحل الطيب صالح ، ذو شجون،فقد كان – رحمه الله – انسانا نادرا،جسد قيم السماحة والتسامح،وارتبط بوجدان الجميع،ولم اجد للحديث عن علاقته بدوحة الخير إلا ما كتبه في مختارات " خواطر الترحال" فقد قال طيبنا " كانت الدوحة حين حللت بها اواخر عام اربعة وسبعين، بلدة صغيرة،إنما كان واضحا ان الخطط قد اكتملت لعمل نهضة واسعة،وبالفعل سرعان ما انطلقت حركة شاملة للبناء والتعمير والاصلاح وإقامة اسس الدولة الحديثة وفي نهاية السبعينات اكتمل صرح جامعة قطر".

    وعن الامير الوالد قال طيبنا" سوف يذكر التاريخ للشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، كل ذلك، وهو رجل شديد الاحساس بالتاريخ،وسيذكر له ، انه انجز مشروعه التنموي بالتعاون بين الخبرات القطرية والخبرات العربية ، ولم يحدث ذلك اعتباطا ، بل بوحي سياسة متعمدة وعت عبر الماضي واحتمالات المستقبل".

    وعن حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ، امير دولة قطر المفدى،قال طيبنا" يحمد للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،انه سارع فاشاد بدور والده الجليل،ووعد بترسم خطاه،وقد عرفته وهو ولي للعهد فوجدته انسانا متهلل الوجه على الدوام متواضعا، جم الذكاء، انني ارجو له التوفيق والسداد".


    هذا ، وقد ترك طيبنا قطر اواخر عام ثمانين،فقال" احسست ان مهمتي قد انتهت ، وعلي ان ابدل ارضا بارض وافقا بافق، واشهد انني لم افارقهم عن قلبي، ولاهم فرطوا في عن ملالة، وانما هو ذلك الداء القديم الذي عكر على ابي الطيب صفوه، داء الرحيل:
    لا أقمنا على مكان وإن طاب
    ولا يمكن المكان الرحيل


    رحل الطيب صالح الى الدار الباقية،وترك لنا زوجته وبناته الصالحات،زينب وسارة وسميرة،وترك لنا صدقة جارية،تمثلت في كتبه الادبية،ينهل منها الجميع،ونسأل الله ان يتغمده بواسع رحمته،. وتخليدا لذكراه اعلن عن اطلاق اسمه على المكتبه بالمدرسة السودانية،ويحدونا الامل ان نتعاون جميعا على اعمارها بامهات الكتب . وارجو من الحضور الكريم الوقوف والترحم على روحه.

    .والسلام عليكم .
    الدوحة / الاحد 3 اكتوبر 2010

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 10-04-2010, 10:04 PM)

                  

10-04-2010, 10:05 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    كلمة الدكتور مرزوق بشير *
    Quote: كلمة في رحيل الطيب صالح
    الدكتور مرزوق بشير

    في هذا المساء يدعونا الطيب صالح، كسالف عهده وأيامه إن نجتمع حوله، وان كنا نجتمع له... نجتمع حول زاده الشخصي، تلك الشخصية المتعففة، المخلوطة بالكبرياء والتواضع، وحول زاده الفكري الذي أورثنا إياه لنجعله وقفا على الفكر والثقافة العربية والإنسانية.
    فكر الطيب صالح وأدبه،يشعرك بعمقه رغم قربه من أحاسيسك ووجدناك ،يشبع نهمك لقراءته و لا يشبعك و يجبرك على معاودة قراته، كتابات تشعرك بأن الطيب انتهى لتوه ، ولكنه لم ينهيها،تشعر بأن مازال لادبه بقية ولرواياته بقية،لانها مرتبطة بدائرة الحياة.
    هذه الليلة نجتمع ليلقي ثلة ممن عاصروه وعملوا معه وتحدثوا اليه بشهاداتهم حوله، واصدقكم القول انني لم اشهد بالزخم الهائل من الاقوال والكتابات ، مثل ما شهدتها حول المغفور له ان شاء الله الاديب الطيب صالح .
    اقوال وكتابات ومقالات ، خطت بعد رحيله ، وكانها صحوةالضمير، او حالة تطهر،من اغفال الاعلام له، وهو الذي لم ينشغل بالاعلام رغم اشتغاله منه منذ نعومه اظافره، كان من اوائل العرب الذين انضموا الى محطة" بي بي سي" اللندنية، وارسى قواعد البرامج الدرامية فيها، وشرع استديوهاتها للممثلين والمخرجين والمؤلفين العرب.
    عندما سئل الطيب مرة على اصراره البقاء في الهامش ، اجاب بان تكوينه النفسي كاي سوداني يجعلني ان لا أعلي عن نفسي بسهولة، واتصور الذي يستسلم للشهرة يعرض نفسه وموهبته لخطر التزييف ويتحول الى نمطا لانه راغب في الاستسلام لصورة الناس عنه ، وغير مخلص لصورته وقناعته ولقد علمته خبرته الطويلة في العمل الاعلامي ان يحصن نفسه من الاضواء.
    لقد دابت دولة قطر عند الشروع في تأسيس مؤسساتها الاعلامية والثقافية ، باستقطاب عدد من خيرة ابناء الامة العربية خبرة واخلاصا في هذه المجالات، وفد الى قطر اسماء لامعة من معظم الدول العربية ، التي اسست مجالات الاعلام المختلفة من إذاعة وتلفزيون ووكالة انباء وإعلام خارجي ومطبوعات ، بالاضافة الى مجالات الى مجالات الفنون والثقافة المختلفة من مسرح وفن تشكيلي وفنون شعبية وغنائية، واخلصت هذه النخب في تأسيس وانطلاقة العمل الثقافي والاعلامي وما زال عطائهم يثمر حتى يومنا هذا ، من بين من استقدمتهم قطر المرحوم الطيب الصالح وذلك في منتصف سبيعينات القرن الماضي، لكي يتولى منصب المدير التنفيذي لوزارة الثقافة والإعلام . ويشهد من عمل معه ،ومعنا هذا المساء عدد منهم، بان الطيب الصالح كان حريصا على إرساء القواعد العلمية للعمل الثقافي والاعلامي ، وينقل خبرته وما تعلمه في الاعلام الغربي الى الاعلام القطري.
    التقيت به شخصيا بعد عودتي من دراستي الجامعية وتسلمي عملي مراقبا مساعدا للبرامج في اذاعة قطر، سوف امر بعجالة على بعض الشواهد من تلك التجربة.
    كان لقائي الاول في مكتبه في الوزارة التي كانت تشغل جزءا من مبنى تلفزيون قطر الان، قام من مكتبه بتواضع ومد يده لي طالبا مني الجلوس،شعرت من اول لقاء ان هذا الرجل يشاطرني مشاعري ، وفيه شئ مني،وفي شئ منه، تحدث لي حديث الشعراء والكتاب والمبدعين ، ولخص لي في دقائق قليلة تجربته الاولى في العمل الاعلامي،واتذكر جيدا عندما تحدثت له بطموحاتي الكبيرة وحلمي الذي للاعلام والثقافة في قطر، أن قال لي ، الاحلام والطموحات ، خصوصا لمن في سنك امر طبيعي ومشروع، لكن عليك ان يكون لهذه الاحلام والطموحات قدم تخطو بها على الارض ، واتذكر قوله لي، بانكم ايها القطريون تريدون ان تنطلقوا في الفضاء من الفضاء بينما عليكم ان تنطلقوا من الأرض ، ان تبداوا بالاشياء الصغيرة وتكبروا معها وتكبروها معكم،وحكى تجربته في البي بي سي، حيث تعلم الأبجديات الأولى لكل تفاصيل العمل الإذاعي وأدواته،وكان يمثل أحيانا.ورد هذا الكلام على من سبقوني من الزملاء ، قاصدا تان نستوعب تجربة العمل بكاملها.
    التقيته مرة أخرى اشكوا له احباطاتي في العمل،وبان أفكاري لا تلقى إقبالا،وشعوري بالإهمال،وعدم إشراكي في المسئوليات. هناك فاجأني بقوله" علمت انك حاصل على درجة علمية في النقد الدرامي، وقرأت لك بعض الكتابات في هذا المجال الرحب من العمل الإبداعي،وشدد قائلا بان الكتابة عملا راقيا لا يتاح إلا لقليلين ، أرجو أن تركز على جانب الكتابة، فهي التي سوف تبقى لك وهي التي سوف تقدمك للآخرين،واذكر أنني رددت عليه بان قدرنا نحن القطريون من أبناء هذا الجيل أن نسرع من خطى تقدم وطننا ، لذلك نلزم أنفسنا،ان نعمل في كل مجال نشعر بأنه ناقص، نريد أن نكون إداريين وكتابا وشعراء وممثلين ورسامين في وقت واحد.
    وبعد فترة وجدت نفسي منتدبا في مجلة الدوحة، لأعمل بجانب الدكتور محمد إبراهيم الشوش ، ومن بعد مع المرحوم الأستاذ رجاء النقاش اللذان أمداني بخبرة في مجال النشر الثقافي ما زلت أتزود بها حتى اليوم وحرص الطيب صالح على ان يكون لي بابا ثابتا ومسئولية ثابتة على شئون الخليج الثقافية.
    كما أتذكر عندما أوقفت واحدة من أعمالنا المسرحية والدور الذي لعبه الطيب صالح بتهوين الأمر علينا ونصائحه لنا بالصبر ، لان الطريق إلى المجد ليس مزروعا بالورود .كان الطيب صالح يحدثك عن كل شئ إلا عن نفسه، ولم يكن يعادي أو يحابي، قنوعا لدرجة البساطة، بسيطا في لباسه،ومتعففا في أحاديثه، وقنوعا في طلباته يقول الطيب صالح " لقد خطر للدكتور حسن ابشر ان يجمع مالا ليبني لي بيتا في السودان فقلت له أن يعيد المال للمتبرعين، لكن طلب مني ان تخصص لجائزة ادبية تحمل اسمي" . ويقول احد الزملاء الصحفيين ، إن الطيب صالح لم يكن شخصا طالبا لزعامة سياسية ، لكنه كان عروبيا من أعماقه دون أن يكون بوقا لهذا أو لذاك ، لقد كان يرى أن ما يوحد العرب ليس اللغة العربية فقط وإنما الشاعر المتنبي ، كما يوحد الشاعر شكسبير الانجليز.
    هناك الكثير الذي لا يسع المجال في الحديث عن المرحوم الطيب صالح .. وسوف اترك المجال لبقية الزملاء أن يدلوا بشهادته.

    * رئيس اللجنة الإعلامية لاحتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010.

                  

10-04-2010, 10:09 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    ورقة الدكتور امير تاج السر*

    Quote: الطيب صالح غيمة الإبداع الإنساني
    أمير تاج السر*

    أذكر ذلك اليوم من شهر أغسطس عام 2008، وكنت برفقة الشاعر كمال الجزولي في منزله بالخرطوم بحري، نتابع حوارا أخيرا، أجراه تلفزيون السودان، مع الطيب في منزله بلندن، وسماه ساعة سياسة مع الطيب. في ذلك الحوار غير المألوف، بدا الطيب منهكا، يشكو من دوار في الرأس، كما ذكر، لكنه تحدث بثبات كعادته، أجاب عن كل الأسئلة التي طرحت، خاصة فيما يتعلق بالهوية، ورأيه في الحكم ومعارضيه، وترك مادة خصبة للذين سيؤيدونه، أو يهاجمونه فيما بعد، وحين سئل عن مسألة الكتابة، وخصومته مع الإبداع التي استمرت زمنا طويلا، وأثارت استغراب من آمنوا بموهبته، وتوقعوا استمرارية عطائه، لم يقل جملته المعهودة، أنه مجرد مزارع بسيط، جاء إلى الكتابة مصادفة، وقال ما عنده، واكتفى، بل قال إن في ذهنه نصا جديدا، وسيكتبه حتما، إذا مد الله في عمره. كان الطيب منهكا حقا، وبدا لي يتحدث بحلق الموت الذي كان يرفرف حوله في تلك الأيام، ويعرف هو عن يقين، أنه راحل، ولا توجد فرصة لمصالحة الكتابة الروائية بعد تلك السنوات الطويلة من هجرها، وكانت المفاجأة أن لا أحد قد استن لسانه أو قلمه ليهاجم الطيب، والذي تعرضوا لذلك الحوار، وما جاء فيه، كتبوا على استحياء، كانوا يحبون الطيب بلا شك، ويحترمون آراءه مهما اقتربت أو ابتعدت، وكانت تلك واحدة من ميزات الطيب الكثيرة المتشعبة، شجرة وارفة تهب الظلال في كل وقت، ولكل مستظل، ونخلة عالية في وسط ذلك النخيل المغروس في ود حامد، تلك القرية الرمز التي حمل مجتمعها على ظهر موهبته، وسما بشخوصها إلى آفاق بعيدة.
    ويعرف الجميع أنه لم يأت إلى الشهرة مسنودا من أحد، فقط تلك الموهبة الكبيرة، وتلك الثقافة الواسعة، وذلك الصفاء الذهني الذي ما فارقه حتى آخر حياته. ولم يكن غريبا ان يصبح خالا لكل أهل السودان، بمختلف أفكارهم وتوجهاتهم، بمن فيهم حكام الخرطوم أنفسهم، ولا أقول ذلك مجازا، وقد التقيت بعدد كبير من السودانيين، يقسمون أمامي بأنه خالهم، من دون أن يدروا بأنني ابن أخته، وما كان للطيب سوى أخت واحدة، وأخ واحد. اما بالنسبة للكتابة الأبداعية التي تركها الطيب مشتاقة إلى قلمه الوهاج، فليس الأمر في رأيي مسألة مزارع قال ما عنده واكتفى، وتوجد موسم الهجرة إلى الشمال التي حيرت القراء والنقاد معا، وما زالت تحيرهم منذ صدورها، إلى الآن، ويوجد عرس الزين، أشهر الأعراس المكتوبة روائيا، وتوجد ضو البيت، النص السحري الذي أسرني بشدة، تلك الدلائل التي لا تشير إلى ذهن بسيط بأي حال من الأحوال، ولكن إلى موهبة نادرة، ولكنه الذكاء الغريب، حين تقدم أعمالا مكتملة من كل النواحي، وتعتزل، نفس ذكاء لاعب كرة القدم الماهر الذي يعتزل في قمة المجد، ويترك اسمه خالدا إلى الأبد.
    أول مرة التقيت بالطيب، كان في عام 1972،العام الذي مات فيه والده محمد صالح، وعمه إمام صالح، وآخرون من أهل قرية كرمكول أو ود حامد كما سماها في كتاباته، سقطوا بأمراض بسيطة، لكن لم تكن القرية بمستشفاها الريفي المتواضع الذي يحوي طبيباً واحداً، ومساعدي تمريض وأدوية بسيطة للغاية، تستطيع السيطرة على تلك الأمراض الموسمية .. سافرنا من مدينة بورسودان الساحلية حيث نقيم، إلى تلك القرية، لنتلقى العزاء في فقد الجد الذي كان أيضاً علامة من علامات القرية، ورجلاً محباً للعلم والتعليم، وجاهد جهاداً مستميتاً حتى تعلم الطيب وتعلم أخوه بشير، وأبي الذي هو ابن أخته، وكثير من أبناء القرية حين كان ينتزع لهم مقاعداً في فصول المدارس التي كانت محدودة بشدة في تلك الأيام ولا تتوفر إلا في المدن الكبيرة. كان الجميع مشغولين بالفقد، وكنت تلميذاً ابتدائياً، لا أعرف شيئا عن الفقد،ولا أحس بمرارته التي كانت بادية على الجميع، ولكن أعرف الشهرة وأن لي خال يملكها وساراه لأول مرة وقد هاجر إلى بعيد حتى قبل أن تتزوج أخته، وصنع ذلك المجد الذي لم يصنعه أحد. كنت أرسم الطيب في خيالي، أرسمه نجماً من أولئك الذين كنت أشاهدهم في سينما الخواجة المجاورة لبيتنا في مدينة بورسودان، هو بلا شك يشبههم، أحاور والدي المشغول في العزاء ووالدتي التي تبكي أباها، أسألهم عن الطيب ولا يرسمون ملامح محددة ولكن بعض ملامح لا تشبع فضولي. وحين توقفت عربة من تلك التي تنقل الناس والبضائع بين القرى والعاصمة في سكة الوحل ولا توجد مواصلات غيرها في ذلك الزمان، أسرعت برفقة الجميع لاستكشافها، وفوجئت حين هبط المسافر الوحيد، وأسرع الجميع لتعزيته أو البكاء معه، لم يكن ذلك الذي رسمته نجماً بالبدلة ورباط العنق والبريق الذي يشع ويغمر، ولكن مواطناً عادياً، قروياً بسيطاً يشبه الذين أحاطوا به في كل شيء،يرتدي الجلباب والعمامة،وحذاء بنيا من الجلد، ويتلقى العزاء من أناس كان يعرفهم تماماً، يسألهم عن حياتهم وأخبارهم، واستغربت بشدة.. كيف يكون النجم قروياً بهذه البساطة، وكيف يأتي حامل الشهرة هكذا على عربة يقودها ( ختوم حسن)،الذي كان واحداً من سائقي السفر المعتمدين في خيالات الفقراء، يبهر القرويين بشدة حين يقهر تلّاً رملياً أو يخرج من طين ووحل، لكنه لا يبهر أبناء المدن بأي حال من الأحوال.. هكذا هو الطيب..الذي أزعم أنه صادق السائق في رحلة السفر تلك، وأزعم أن السائق قد اعتمده خالاً.. وأصبح يزهو به كما يزهو الآخرون .
    قدمني والدي للطيب حين سنحت فرصة التقديم، قال له .. إنه ولدي الكبير الذي يقرأ كثيرا ً، ويحاول كتابة الشعر ويفاخر بك بين زملائه في المدرسة، وأكرمني الطيب بشدة، وقَّع لي على كراستين مدرسيتين، إهداء مجاملاَ .. كتب فيه .. إلى أمير تاج السر .. ابن أختي علوية .. مع الأمنيات بالتوفيق، من خالك الطيب .. وقع بقلم الحبر الرخيص الذي قدمته له أو لعله قلم رصاص، لا أذكر بالتحديد، وأحسست إنني قد حصلت على كنز، وقد كان بالفعل كنزاً معنويا، ظللت أحتفظ به لسنوات طويلة، أحمله إلى المدرسة لأريه لزملائي التلاميذ الذين يطالعونه بحسد، وأيضا للمدرسين الذين كانوا يغتاظون بشدة ويغتاظون،ثم ليتفتت الورق، ويضيع الكنز، لكن لا يضيع عربون المحبة الذي قدم لي في تلك السنة .. وطوال وجود الطيب في العزاء الذي كان ثلاثة ايام، كنت لصيقاً به .. أستمع إلى صوته المميز وأتمنى لو امتلكته، أسمعه يحاور شخوصه القرويين، يعد بعضهم بكتابته في رواية جديدة،ويجامل آخرين، مؤكداً لهم بأنهم هم فعلا من ظهروا في رواياته، وكانوا في الغالب أميين لا يعرفون حتى معنى الرواية، وربما أقنعهم بعض المتعلمين ممن قرأوا روايات الطيب بأنهم كانوا شحوصا فيها.
    كان من أهم ما لاحظته على الطيب في تلك الفترة، هو موهبة الإنصات.. الإنصات الواعي والصابر لأناس يتعذب الصبر من الإنصات إليهم .. تجتمع المجالس وتنفض وهم يثرثرون،تجتمع وتنفض مرة أخرى، وما زالوا يثرثرون، والطيب ينصت. كان يعتبرهم كما أخبرني بعد ذلك، رواة شفاهيين كان يمكن أن يبدعوا لو نالوا قسطاً قليلاً من التعليم،وقد كان أحد أعمامه واسمه حمزة، يملك موهبة رص الكلام في جمل ممتلئة بالحكم،وكانت في أغلبها جملاً هجائية أو تصف حالة من حالات عدم رضائه، كان الطيب ينصت إلى عمه ولا يمل .. يقول إنه كان يمكن ان يصبح شاعراً هجاء، تماماً كالفرزدق لو تعلم .. أيضاً كان يوجد اسماعيل، حكاء المغامرات الغريبة في صحارى لم يزرها، وبحار لم يصارع موجها، والدافئ في أحضان نساء لم يعرف دفئهن أبداً، الرجل الذي التقى بالممثل عبد الوارث عسر وصادقه، ولم يزر مصر أبداً في حياته، ولا زار عبد الوارث قرية كرمكول بالطبع .. كان اسماعيل في عرف الناس، حكاء كاذباً يفرون من مجالسه، وفي عرف الطيب روائياً فذاً تنقصه حروف الكتابة والقراءة، وقد أتيحت لي فرصة أن استمع إلى حكايات إسماعيل بعد أن عرفت طريق الكتابة، وقبل أن يرحل، وغصت في عالمه الفنتازي، وعرفت لماذا كان الطيب ينصت إليه بكل ذلك الاهتمام .
    في إحدى السنوات زارنا الطيب في بورسودان، نزل في بيتنا المتواضع، وتقاطرت عليه الناس، بعضهم يعرفه وبعضهم ينساق خلف شهرته ويود معرفته، وأذكر إنني قدمت إليه صحفياً مغموراً أراد أن يجري معه حديثاً لإحدى المجلات الأسبوعية، وكان مراسلا لها في بورتسودان، قدمت له الرجل على استحياء وتوقعت أن يرفضه، وقد غضب والدي لكن الطيب لم يغضب، وجدته يجلس إلى الرجل الذي لم يكن قد قرأه ابداً ولايعرف عنه سوى ما يكتبه الآخرون عن أدبه وفنه، ولا كان يفهم حتى ذلك الذي يكتب .. سأله أسئلة سطحية جداً، وأجاب الطيب عنها بعمق غطى على سطحيتها، وحين نشر ذلك الحوار، أصبح الصحفي علماً من أعلام المدينة، يحمل مجلته في كل مكان .. يزهو بما حوته، ويضيف صداقة حميمة جمعته بالطيب، لم تكن في الواقع موجودة، لكنه استخلصها من حفاوة الراحل العظيم.. كان يقول لي .. إنني قضيت يومين كاملين أطارد أحد المغنيين الذين لا يملكون ربع ما يملكه الطيب، ليمنحني كلمة ولم يمنحني، وظننت إنني سأطرد من بيتكم .. أهنئكم على هذا الرجل العظيم .وفي تلك الأيام أيضاً، كانت موهبة الإنصات عند الطيب عظيمة، ذلك حين التصق به أحد الحزبيين المعروفين بكثرة الكلام،ولم يكن يترك فرصة لأحد، لكن الطيب لا يقاطعه .. ينصت وينصت حتى يتعب حلق الكلام عند ذلك الحزبي الغريب.
    ماذا كان يدور بين الطيب وأخويه، وليس لديه من الإخوة سوى علوية وبشير؟
    كان بشير في الواقع صديقاً حميماً للطيب، القاضي الرسمي الذي انتهج الصراحة مسلكاً طوال حياته،هو أيضاً مثقف كبير، وقارئ واع للآداب والعلوم، وشاعراً أحياناً حين يصفو مزاجه، وبهذه الخاصية لم يكن أخاً فقط للطيب،ولكن صديقاً ومحاوراً، وحين يلتم شمل أولئك الإخوة، لا تبدو الأخت علوية التي لم تتعلم، بعيدة عن الطقس أو دخيلة عليه، لأن الحوار كان قريباً منها والطيب بثقافة الريف هو أخوها القديم نفسه، أخوها الذي يحتفي بالأساطير وحكايات الجن المبذورة في تراث القرويين، حكاية الشيخ( ود دوليب وأولاده الستة) المدفونين في كرمكول، صلاحهم وتقواهم وغبار أضرحتهم الذي يعتبر بركة يتبرك بها الناس .. هنا تواضع الطيب وإخلاصه للقرابة والقرية، وتفرد ذلك الكبير الذي لا يشبه أي تفرد آخر .
    معرفتي الحقة بالطيب، جاءت هنا في دوحة قطر، وقطر عند الطيب بلدا يفخر بأنه عاش فيه زمنا ليس بالقليل، صادق أهله وأحبهم، وأحبوه، وكان يقول دائما، أن وجوده في قطر قد أتاح له فرصة أن ينعم بالسكينة، وأن يسافر، ويشاهد العالم. كنت قد قدمت للعمل، وكان الطيب موجودا في مهمة من اليونسكو، استمرت بضعة أشهر، كنت خلالها لصيقا به، نقضي أمسياتنا معا،نتحدث في الأدب، وشجون الكتابة، ولطالما شجعني على معاودة الكتابة، ولم أكن كتبت في ذلك الحين سوى رواية واحدة، فيها الكثير من عالم القرية الذي رسمه، وبرغم ذلك لم يقل لي أن فيها عالمه. كنت أعمل مؤقتا في مستشفى حمد العام، ولطالما جررت إليه زملائي الأطباء بلا موعد، ودائما ما كان يحتفي بهم، ويخرجون من عنده وهم يحملون إحساسي نفسه، إحساس أبناء أخت في جلسة عائلية جمعتهم بخالهم. وحين انتهت مهمته وسافر إلى بلاده البعيدة، كان ثمة فراغ كبير، سعيت إلى ملئه بالكتابة، وأمامي نموذجه الذي لا يغيب عن ذهني أبدا، وكان من حسن الحظ أن حبه لقطر، كان يأتي به، ونستعيد تلك الجلسات المبهجة.
    الآن وبعد رحيله، أفتقد الطيب بلا شك، وهذا رجل لا يمكن لأحد عرفه أو اقترب منه، إلا أن يحس بالفقد، لم يكن مجرد كاتب روائي من أولئك الكثيرين، ولكن ظلا كبيرا،وممتدا في أي وقت.

    *
    * امير تاج السر، روائي ، طبيب مقيم في الدوحة،كاتب بجريدة الشرق، صدرت له عدة روايات، كرمكول 1988، سماء بلون الياقوت 1996،نار الزغاريد 1998،مرايا ساحلية ، سيرة الوجع ، واشهر اعماله مهر الصياح وزحف النمل.



                  

10-04-2010, 10:10 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    ورقة البروفيسور الشوش*
    Quote: الموروث الشعبي والروحي فى أدب الطيب صالح
    1.
    د: محمد أبراهيم الشوش#

    فى أوائل الستينات ظهر الطيب صالح فى الميدان فجأة كما ظهر بطلا رواياته مصطفى سعيد فى موسم الهجرة وضو البيت فى بندر شاه . ظهر بلا أرهاصات وبلا مقدمات ولد ونما واستوى ناضجا مكتمل النموء خارج التجارب والمؤثرات الأدبية التى تعرض لها السودان لانه جسديا كان بعيدا عن مسرحها فلم تلعب دورا فى تكوينه سلبا أو أيجابا .
    جاء من قرية صغيرة من قرى الشمال وظل يعيش فى هذه القرية وتعيش فى داخله حتى وهو يتلقى العلم مع عشرات من طلبة الأقاليم مثله.وفى العاصمة ظل قرويا يحمل فى داخله كل ملامح القرية وتختزن ذاكرته العجيبة أدق تفاصيلها . كان الحب الذى يحمله للقرية الفقيرة القابعة على ضفاف النيل فى الشمال طاغيا لم يترك للمدينة ثغرة تنفذ منها الى قلبه . كانت المدينة بالنسبة له مجرد محطة تلقى فيها العلم ورحل .ومن العاصمة أطل أطلالة على معهد بخت الرضا وهى أطلالة لم تدم طويلا ولكنها منحته – مع ميل طبيعى للأرض والجذور – قدرة على الصمود فى مواجهة قوى التغريب التى تعرض لها أثناء أقامته فى بريطانيا , والتى أمتدت على مدى عمره العملى كله .لم يدر ظهره للمدينة الكبيرة: أستوعبها فنا وثقافة ولكنه لم يغمض عينيه أبدا ولم يسلم القيادة لها أبدا .
    هذه النقلة المفاجئة الى عالم غريب تماما.وهى نقلة لم يخترها ولم يسع لها ، وانما جاءته عن غير تدبير أو تخطيط، ركزت ماكان يختزنه فى الذاكرة عن قريته ، وكل الحب الذى كان يحمله لها ، وفى أطار لحظة من العمر توقف عندها الزمن . لم تتغير القرية ولم تتبدل ولم تضمحل، بقيت معلقة فى لحظة تاريخية معينة. وعلى البعد أزدادت الصورة المختزنة بالحنين توقدا وتوهجا وصفاء. وتعمقت خطوط ملامحها فى ذهنه .
    وبعيدا عن التجارب القصصية الناضجة منها والفجة ، والجاد منها والهازل، نمت ملكته الفنية وسط مجتمع أرتقى فيه الفن القصصى الروائي الى سماوات من الأبداع الفنى استوعبه واستلهمه ,بينما القدم راسخة فى الارض والقلب فى موضعه لم يتزحزح.
    وأرتباط الطيب صالح بألأرض والتراث واضح فى كل أعماله ، يعبر عنها الراوي فى "موسم الهجرة للشمال" و"دومة ود حامد" و"الرجل القبرصى" و "ضو البيت" و" مريود".
    وفى "موسم الهجرة ألى الشمال" يتحدث الراوى عن عمق حبه لأهل قريته يقول : سبعة أعوام وأنا أحن أليهم وأحلم بهم . ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة أن وجدتنى حقيقة قائما بينهم ، فرحوا بى وضجوا حولى ،ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجا يذوب فى دخيلتى فكاننى مقرور طلعت عليه الشمس .ذلك دفء الحياة فى العشيرة فقدته زمنا فى بلاد تموت من البرد حيتانها .
    النخلة والنيل والجد رموز بقائه وأستمراره وعمق جذوره . ينظر الى النخلة فى فناء الدار فيحس بالطمأنينة :
    أحس أنى لست ريشة فى مهب الرياح ولكنى مثل
    تلك النخلة مخلوق له أصل وله جذور و له هدف.

    وينظر الى النهر ويشعر بالرضى :
    أحس بالأستقرار ، أحس
    باننى مهم ومستمرومتكامل

    لالست انا الحجر يلقى فى الماء
    2

    لكننى البذرة تبذر فى الحقل
    ويعانق جده فيحس بالغنى :
    كأننى نغمة فى دقات قلب الكون نفسه

    وحين يقارن نفسه بمصطفى سعيد ويوازن تأثير الغربة عليهما ،ندرك مدى أرتباطه بأهله وببيئته:
    (( لقد عشت أيضا معهم ، ولكننى عشت معهم على السطح لاأحبهم ولا أكرههم – كنت أطوى ضلوعى على هذه القرية الصغيرة أراها بعين خيالى أينما ألتفت . أحيانا فى أشهر الصيف فى لندن ، أثر هطلة مطر كنت أشم رائحتها . فى لحظات خاطفة قبيل مغيب الشمس كنت أراها . فى أخريات الليل كانت الأصوات ألأجنبية تصل الى أذنى كأنها أصوات أهلى هنا .أنا لابد من هذه الطيور التى لاتعيش الا فى بقعة واحدة من العالم )).

    صورة من القرية
    ونلمس أرتباط المؤلف بجذوره فى قدرته على أختزان كل مايتصل بالقرية وأهلها فى ذاكرته .كل صورة مهما صغرت واضحة فى وجدانه يستحضرها دون عناء: حكايات القرية ، أساطيرها وخرافاتها وعبثها واحلامها وجلساتها ومكر أهلها وأفراحها وأحزانها وذكريات فيضاناتها وحصادها وزراعتها وعاداتها فى الزواج والختان ودفن الموتى. أختزن عقله المذهل كل شئ حتى رائحة التربة والثمار حتى أصوات النخل والزرع والطير، حتى حفيف اوراق الشجر حين يداعبه النسيم. ينقل لك كل ذلك فى عفوية حتى ليجعلك تحس أنك جزء من تجربته ، تسير فى شوارع القرية ، وتشارك فى مجالسها وتشم رائحتها وتصل الى أذنك أصواتها وتتكشف لك فى كل بساطتها وفقرها وحنوها وعبثها .
    ينقل لك مزاح بت المجذوب فى" موسم الهجرة الى الشمال" وهو مزاح لايخلو من بعض فحش ، ولكنه فحش قروى برئ ، لايترك فى النفس مرارة لأنه لايتعدى دائرة اللسان ، يضحكهم ساعة أو بعض ساعة ثم يستغفرون الله ويروحون فى حال سبيلهم .
    ويحدثك عن مسبحة خشب الصندل فى يد جده وهى تدور فى حركة دائبة كقواديس الساقية .وبنفس القدرة على أستيعاب التفاصيل يصف لك الباخرة بصافرتها المبحوحة وهى تمر كقلعة عائمة بين شاطئين تغطيهما غابات كثيفة من النخل وتدور فيها سواقٍ ، ويقف عليها رجال يزرعون ،صدورهم عارية وسراويلهم طويلة.
    ويحكى لك عن المنازل المطلية بالطين الاسود وزبالة البهائم ، وحوش جده حيث ينشر التمر على بروش ليجف ،ويتكوم الشطة والبصل وأكياس القمح والفول وحيث تقف عنز فى الركن تمضغ شعيرا وترضع مولودا .
    ويقدم لك صورة شعبية واضحة المعالم لبيت جده ويحدثك المؤلف عن أدوات التجميل عند النساء فى القرية واكثرها سودانية خالصة : الكحل والدلكة ومايفعله العريس فى ليلة زفافه حين يلبس الحريرة ويتمسح بالدلكة ويضع الضريرة على الرأس وتحيط به الصبايا يهزجن بالأغانى .
    ويحتفظ الطيب صالح فى رأسه بذخيرة كبرى من الشعر الشعبى والدوبيت يستشهد بها فى رواياته .وفى رأسه موسوعة ضخمة من الالفاظ والتعبيرات والأمثال اشعبية التى لم تفلح سنوات الغربة فى محوها من ذاكرته.وتتردد فى أقوال شخصياته عبارات مثل" الفحل ما عواف"


    3
    "والعنزه تاكل عشاه" ، و"الغزال قالت بلدى الشام"، و"فلان تلقاه فى الحارة والباردة" ،و"كله كوم وهذا كوم" وغير ذلك من التعبيرات التى تطالعك فى كل صفحة من صفحات رواياته.والطيب
    يعرف كل صغيرة وكبيرة عن الطب البلدي . ينقل اليك حديث الطاهر ود الرواسي مع سعيد عشا البايتات ينصحه الطاهر:
    " زمان قلنا ليكم عليكم بالحلبة والجنزبيل ، الجنزبيل الصباح على الريق والحلبة قبل النوم والعجب كمان تشرب ليك كباية سمنه كل يوم " ويجيبه سعيد: "كله جربناه مانفع ،بلدى وأفرنجى .... شربنا موية القرض والحرجل ، وقرشنا التوم و البصل. وآخر الزمن كمان الناس قالوا تسوي الحنة وناس قالوا تقعد فوق دخان الطلح" .
    وفى رواية ضو البيت تصوير مبدع لعادة البطان فى قرى شمال السودان يعنى المبارزة بالسياط لأظهار الشجاعة والقوة أمام الفتيات . ويبلغ التصوير درجة عليا من الاتقان بحيث يشعر القارئ بوقع السياط على جلده.
    وبعيدا عن التفاصيل المتناثرة فى ثنايا كتاباته يجد القارئ أحيانا وصفا مجملا للقرية فى كلمات موحية مضيئة تنزلق فى حلاوة على حافة اللسان كما لو كان الكاتب شاعرا مجيدا ضل طريقه الى عالم الرواية .
    يحكي محيميد كيف طلب الأحالة الى المعاش ليعود للقرية :
    "وقتين طفح الكيل ، مشيت لى أصحاب الشأن قلت لم خلاص ،مش عاوز أدونى حقوقي عاوز أروح لى اهلى ، دار جدى وأبوي أزرع وأحرث زى بقية خلق الله أشرب الموية من القلة وآكل الكسرة بالويكة الخضرا من الجروف ، وأرقد على قفاى باليل فى حوش الديوان أعاين السما فوق صافية زى العجب والقمر يلهلج زى صحن الفضة ، قلت ليهم عاوز أعود للماضى ، أيام كان الناس ناس والزمان زمان ". ويرد عليه ود الرواسى فى صورة شعبية شاعرية أكثر أشراقا :
    "أنت يامحيميد اما شاعر أو مجنون ، أو خرف الشيخوخة . لكن أهلا بيك ومرحبا . ود حامد مسجمة ومرمدة ، فى الصيف حرها مابيتقعد وفى الشتاء بردها اجارك الله النمتي وقت لقوح التمر ، والصنبان وقت طلوع المريق ،فيها الدبايب والعقارب ومرض الملاريا والدوسنتاريا حياتها كد ونكد ، مشاكلها قدر سبيب الراس . أسألنا نحن خابرنها زين . الولادة بى كواريك والموت بى كواريييك ، جنابك قضيت حياتك كلها منجعص فى مكتب تحت المروحة ، الموية بالحنفية والنور بالكهرباء والسفر درجة أولى هالا هلا! ماوقفت قراع عز الشتا ، ماركبت الحمير لامن جعباتك ورمن، لاقعدت تعاين للتمر لامن ينجض يا الله السلامة ما تصب عليه مطرة ولا تحتوا هبوب. ماحرست القمح وأيدك فوق قلبك يصيبه طير ولا دانقيل . وهسع وقت الصعيد جاب الهبوب مقلوبة ، جيت تكوس رقدة الديوان ، تعاين للقمر يلالئ فى سابع سما . مرحبتين حبابك ألف واهلا وسهلا.
    وفى حديث محمود ود جبر الدار للغريب الذى حط على القرية فى رواية (ضو البيت) نتعرف على صورة معنوية للقرية وأخلاق سكانها صيغت بنفس الأسلوب الشاعري المحكم
    " ياعبد الله نحن كما ترى نعيش تحت ستر المهيمن الديان. حياتنا نكد وشظف لكن قلوبنا عامرة بالرضى ، قابلين بى قسمتنا التى قسمها لنا الله . نصلي فروضنا ، ونحفظ عروضنا متحزمين ومتلزمين على نوائب الزمان وصروف القدر . الكثير لايبطرنا والقليل لايقلقنا حياتنا طريقها مرسوم ومعلوم من المهد الى اللحد .القليل عندنا عملناهو بى سواعدنا ، ماتعدينا على حقوق انسان . ولا أكلنا ربا ولا سحت ناس سلام وقت السلام وناس غضب وقت الغضب . المابعرفنا يظن اننا ضعاف أذا نفخنا الهواء يرمينا . لكننا فى الحقيقة مثل شجر الحراز النابت فى الحقول ".




    4
    التراث الروحى
    ولقد كان طبيعيا فى أطار هذا التلاحم بين المؤلف وبيئته وتمثله الكامل لها أن يكون التراث الدينى الروحى الشعبي فى السودان هو أكثر المؤثرات قوة ووضوحا فى أعماله الروائية . ولقد لعب هذا التراث دورا كبيرا فى حياة السودانيين فى الماضي بسبب عزلتهم عن منابع العلوم الفقهية .ولقد كانت القوة الروحية المتمثلة فى الفقراء والزهاد والنساك والصالحين هى الملجأ والملاذ ضد الطبيعة وقسوة الحياة وظلم الولاة .وقد أستغل ذلك لمصلحته الخاصة بعض ضعاف الأيمان فأدعوا لأنفسهم قوى خارقة مستغلين بساطة العامة .
    والطيب صالح فى تأثره بالأثر الروحى وتمثله له فى أعماله الروائية يمنحه قوة أيجابية أنسانية منتزعة من أيمانه الدينى العميق ، ويتجاوز به المشعوذيين ، الى التسامى بهذا التعلق الروحى ليكون منارة للخير ونصرة الضعيف وأحقاق الحق وأطلاق طاقة الحب التى هى عصب الحياة. فالذين يسلط الضوء عليهم مثل ود حامد والحنين ونصر الله وبلال هم الفقراء الزهاد المنقطعون الى عبادة الله . وهم لايدعون لأنفسهم قدسية تبيح لهم أستغلال الناس وخداعهم ولا يطمعون فى شئ من عرض الدنيا. وكل مانسب اليهم يحمل الخير ويدعو الى الخير وينصر الضعيف ويفك ضائقة المعسر ،وقوتهم أنما تكمن فى عمق أيمانهم بالله وتجردهم من المطامع لا فى أدعاء قدرة ذاتية من دون الله.
    طاقة الحب
    ويتمثل أبلغ تأثير للتراث الروحى عند الطيب صالح فى تركيزه على طاقة الحب بأعتبارها طريق الخلاص الوحيد للبشرية .
    يقول الطاهر ود الرواسي لمحيميد فى رواية ( مريود) : الحياة يامحيميد مافيها غير حاجتين أثنين الصداقة والمحبة . ماتقول لى حسب ولا نسب ولاجاه ولا مال. أبن آدم أذا كان ترك الدنيا وعندو ثقة انسان واحد يكون كسبان .
    ولم يكن وجه الزين حسنا أو وجيها كان بعكس ذلك أبلها مهزارا لاحيلة له ،ومع ذلك أختارته النعمة بعد أن رفضت وجهاء البلد لأنها ادركت الجمال الحقيقى فيه. وكان بلال أسود منصرفا عن الدنيا فى لسانه لكنة وعجمة ومع ذلك أحبته حواء بنت العريبي حبا جنونيا يقرب أن يكون وجدا صوفيا . ثم لما أنصرف عنها ليتفرغ لنسكه ظلت وفية له حتى ماتت كما فعلت ليلى العامرية فى النصوص الصوفية الفارسية أذ رفضت ان تمنح نفسها للزوج الذى فرض عليها وظلت عذراء وفية لحبها حتى الموت .وسارت على هذا النهج حسنة بنت محمود التى أصبحت مقتنعة كليلى العامرية أن الزواج الذى فرض عليها .لايجوز فى شرع الدين أو العاطفة النبيلة التى تحملها لزوجها المتوفى ولهذا أنهارت عندما أراد ود الريس أن يدنس هذه العاطفة ففضلت الموت على أن تستسلم له وظلت مريم وفية لذكرى حبها الاول حتى الرمق الأخير غير قادرة على أن تغفر لمريود ضعفه وتخليه عنها. وهذا الحب الطاغى المجرد هوالذى ظل يميز فاطمة بنت جبر الدار وقد ظل حبها النعمة الكبرى التى ظل يشيد بها زوجها فى كل مجلس ( ها الله ها الله يافاطمة بت جبر الدار ) وكلهن يفترقن قليلا ثم ينصهرن فى شخصية واحدة ذات أسماء متعددة .
    والزين الذى تحسبه القرية درويشا أبله مهزارا كان قويا بقدرته الفائقة على الحب كان رسولا له ينقل عطره من مكان الى مكان. كان قلبه الكبير يحتضن المنبوذين والمحرومين

    والفقراء والدراويش والشواذ فى القرية كعشمانة الطرشاء وموسى الأعرج وبخيت المشوه والحنين ،

    5-
    وبهذا القلب الكبير أستطاع أن يحتضن القرية كلها فجاءت بكل تناقضاتها لتشاركه فرحة زواجه من أجمل فتاة فى البلد. أصبح الزين بحبه نقطة التقاء لكل العوالم المتناقضة والمتخاصمة وحتى فى لحظة فرحه وهو فى قمة أنتصاره وبهجته لم ينسى صديقه (الحنين) دفعه الحب لأن يترك حفل عرسه ليبكي وحيدا أمام قبر الرجل الصالح الذى حال موته دون المشاركة فى الزواج . لم يكتفى الزين بأن جمع حوله بالحب كل العوالم المتناقضة ، أراد أن يشرك حتى الاموات فى فرحته .
    وعلى النقيض من ذلك كان مصطفى سعيد ، أراد له المؤلف أن يكون الوجه المضاد تماما للزين كان الزين ابلها فى نظر الناس ولكنه كان يملك قلبا كبيرا يسع القرية كلها. وكان مصطفى سعيد ذكيا يملك عقلا جبارا كمدية حادة وفى صدره أحساس بارد هامد ، طاقة الزين جمعت واسعدت وجلبت الخير، وتحول مصطفى سعيد باحساسه البارد الهامد لطاقة مدمرة تسببت فى أنتحار فتاتين وحطمت حياة أمرأة متزوجة ثم قادته فى النهاية فتاة سوداوية المزاج فى طريق مظلم يؤدى الى الجريمة والجنون والموت.
    مصطفى سعيد كان أداة فى يد الشر لانه ببساطة كان يزيح القناع الوردى عن وجه الحياة فيبدو قبيحا لايحتمل . كان يعرى الحياة من الوهم والحلم فيجعلها قاحلة كئيبة .
    يقول له القاضى قبل ان يصدر الحكم عليه " أنك يامستر مصطفى سعيد رغم تفوقك العلمي رجل غبي ، ان فى تكوينك الروحى بقعه مظلمة لذلك فأنك قد بددت أنبل طاقة يمنحها الله للناس طاقة الحب .ومصطفى سعيد نفسه يدرك ذلك ولكن البقعة المظلمة فى داخله تدفعه الى الهلاك يقول للراوي:
    " نعم اعلم الآن أن الحكمة القريبة المنال تخرج من أفواه البسطاء هى كل املنا فى الخلاص ، الشجرة تنمو ببساطة ، وجدك عاش وسيموت ببساطة ذلك هو السر ولكن الى أن يرث المستضعفون الارض ، وتسرّح الجيوش ويرعى الحمل آمنا بجوار الذئب .....الى ان ياتى زمان السعادة والحب هذا ، سأظل أنا أعبر عن نفسى بهذه الطريقة الملتوية ".
    وفى بندر شاه حيث يبلغ الحب الروحى اقصى مداه ،يرتبط الحب الصوفى بالحب الانساني فى صورة رائعة مؤثرة تتمثل فى حب حواء بنت العريبى لبلال
    " لم يعلق قلب حواء هذه من دون الناس جميعا الا ببلال فكانت تعرض له فلايرد عليها ولايجاوبها وظن الناس أول الامر انها تعبث به ثم تيقنوا أنها وياللعجب قد هامت به هياما كاد يذهب عن نفسها . ولما اعيتها الحيلة ذهبت الى الشيخ نصر الله ود حبيب وشكت له وتذللت . فأشار على بلال أن يتزوجها فقال له " ياسيدى روحى فداك لكن لاتخفى عليك خافية .انا ماشى فى دروب اهل الحضرة وأنت تأمرنى بأفعال أهل الدنيا " فقال له الشيخ " يابلال ان دروب الوصول مثل الصعود فى مسالك الجبال الوعرة .مشيئة الحق غامضة يابلال أن حب بعض العباد من حب الله وهذه المسكينة تحبك حبا لا أجده من جنس حب اهل الدنيا . فعسى الحق أن يكون أرسلها اليك لأمر أراده .عساه جلت مشيئته أراد لك ان تختبر ميزان حبك بميزان حب هذه المسكينة لك . فاما صحوت وانقطع سبيلك . وأما أزددت ظمأ الى كأس الحب السرمدي ويكون الحق سبحانه وتعالى انفذ مشيئته بأذلالك فى أرادته القصوى " .
    وتزوجها بلال طاعة لشيخه وأنجبت أبنا واحدا هو الطاهر ود الرواسي .يحدث محيميد عن امه بعد موتها ويقول :
    "مارأيت حبا مثل حب هذه الام.. وماشفت حنانا مثل حنان تلك الأم .ويوم يقف الخلق بين يدي ذى العزة والجلال ..سوف أقول : ياصاحب الجلال والجبروت عبدك المسكين –الطاهر ود بلال
    ولد حواء بنت العريبى يقف بين يديك خالى الجراب مقطع الاسباب ماعنده شي يضعه فى ميزان عدلك سوى المحبة.

    * بروفيسور محمد ابراهيم الشوش،مستشار اعلامي بسفارة السودان في الدوحة،المستشار الثقافي في لندن ،رئيس تحرير مجلة الدوحة في السبعينيات،عميد كلية الادآ ب جامعة الخرطوم رئيس شعبة اللغة العربية ، استاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة البرتا في كندا،كاتب زاوية بصحيفة الرأي العام .
                  

10-04-2010, 10:10 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)
                  

10-04-2010, 10:12 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    ورقة البروفيسور البيلي*

    Quote: بسم الله الرحمن الرحيم
    مع الطيب صالح في الدوحة

    بروفيسور : عثمان سيد احمد اسماعيل البيلي *


    في مساء اليوم العاشر، من الشهر العاشر، من عام 1985 هبطت بي طائرة الخليج القادمة من الخرطوم في مطارالدوحة،كان استقبال الزملاء من قسم الاستقبال والزملاء من جامعة قطر رائعا بكل المقاييس. وسرعان وجدتني في غرفة فارهة بفندق الشيراتون انترناشونال المعروف بجماله وكماله الواقع على كورنيش الدوحة الرائع الجميل.لم يكن مجئي لجامعة قطر لاعمل مديرا لمركز الوثائق والدرسات الانسانية صدفة. لا شئ يحدث صدفة عند المسلم المؤمن الذي يقرأ قوله تعالى" إنا كل شئ خلقناه بقدر() وكل شئ فعلوه في الزبر() وكل صغير وكبير مستطر". وانما عندما ارجع بذاكرتي لذلك الخيط الرفيع المتصل من الاحداث الذي انتهى باتحاد مجلس إدارة جامعة قطر دعوني للعمل بعيد اسبوعين فقط من سقوط نظام مايو في 6 ابريل 1985 دون ان اكون قد اتصلت باحد او تقدمت بطلب للعمل ازداد ايمانا بالآيات الكريمات. وبأنه تعالى إذا اراد شيئا هيأ له الاسباب . ولم يكن المجئ اعتباطا،فرع ذلك القدر كانت فسحة من الاختبار. دعوت للزيارة زميلا بجامعة كمبردج بكلير هول . انتخبني زملائي بالمجلس التنفيذي لليونسكو لارأس لجنة كانت تعنى الالتحاق بالعمل باليونسكو لانها كانت تقتضي التفرغ.بيد أني تركت هاتين الفرصتين المغريتين لالتحق بجامعة قطر. لاكون في الدوحة حيث كانت لي فيها مآرب اخرى غير كسب لقمة العيش لي ولأسرتي واهلي.كنت اسعى لمجتمع جامعة قطر وفيها من فيها من كبار الاساتذة واجلاء العلماء. كنت اريد ان ينشأ ابنائي في مجتمع عربي مسلم عرف اهله بالسماحة والاصالة. وكنت اريد ان اقرب من الاخ ابن العم الطيب محمد صالح والصديق إبراهيم الصلحي منذ عرفتهما منذ ايام العز في وادي سيدنا وايام الدراسة الجامعية في لندن . وتقاطعت دروبنا كثيرا. وقبيل مجئي للدوحة ومجئ الطيب – رحمه الله- اليها ممثلا لليونسكو في الخليج كنت التقي به كثيرا عند زياراتي المتكررة لباريس عضوا في المجلس التنفيذي لليونسكو او رئيسا لوفد السودان في اجتماعات المجلس العام كل عام في الفترة 1982-1985 . كان عليه رحمة الله يحرص ان نلتقي في داره مع العديد من الزملاء نطعم ونسمر ونتجاذب الحديث في الكثير مما يحدث انذاك في السودان والوطن العربي والوطن الافريقي وحوادث العالم الجسام . كان الانخراط في العمل في جامعة قطر سهلا ميسورا. فالسماحة ظلت طابع التعامل مع الاساتذة الزملاء،ومع الطلاب والطالبات،ومع الاداريين والموظفين في الجامعة. وكما هو معروف بالتجربة فأن للاخوة القطريين نبل واصالة تجعل السماحة ما يميزهم عن الاخرين .

    سرعان ما استقر بي المقام في مدينة خليفة جنوب واتت أسرتي لتستقر معي والتحق ابني الاصغر بكلية الدوحة اسمها كلية ولكنها مدرسة تبدأ بالروضة وتنتهي بالمستوى المتقدم ADVANCED LEVEL دخلت ابنتي لتكمل دراستها بكلية المعمار في جامعة الخرطوم في الخرطوم . وسرعان ما بدأت اتعرف على من بالدوحة من الاخوة السودانيين ممن بالجامعة وممن خارج الجامعة إلى أن بلغت السعادة مبتغاها عندما توثقت عرى التواصل بيني وبين السمحين القمتين الطيب محمد صالح – رحمه الله- وصديقه وصفيه الاستاذ ابراهيم الصلحي – امد الله في عمره- لاكون لهم ثالثا في كثير من الاحيان.وهأنا كما تلاحظون اكرر كلمة "السمح" و"السماحة" فيما اورد.افعل ذلك عمدا .وما احسب ان غير السودانيين من العرب يستعملون هذه الكلمة "سمح" كما يستعملها السودانيون في شمال البلاد وغربها وشرقها وجنوبها. ابسط ما تعني الكلمة نعن – سافعل ، واعمق واشمل ما تعنيه كمال الجمال المعنوي – الحسي – الغنى – الاجتماعي ...ألخ . اسمع حاج الماحي وكم كان السمحان القمتان يستمعان له،"سمح الوصوفو يارب نشوفو – حرمه وصروفه ونعقب نطوفو"، وهل اجمل من الرسول عليه افضل الصلاة واتم التسليم، فذات الرسول وصفاته هما كمال السماحة . في احاجينا"فاطمة السمحة" اما فتاة البقارة فغناها" زولا سمح صورة بالفاتحة بندوره ذوق وزهد وعفاف من اجل السماحة.
    هكذا اخذت تنداح حياتي في الدوحة، التي امتدت الى ربع قرن من الزمان وفي تلك السماحة المنبته من كل مكان. وكان اسمح ما فيها اللقاءات المتكررة المتجددة مع السمحين القمتين وقد كانا كالمازني والعقاد لا تجد احدهما إلا وجدت الاخر معه او قريبا منه او في سعي اليه. بهما ومعهما اخذت دوائر التواصل والاتصال تتسع لتشمل من كانوا وتبقى الصلة بهما او من كانوا يتحلقون حولهما وهم كثيرون. وكان من بين هولاء من ذوي القرابة والمعرفة كمولانا بشير محمد صالح شقيق الطيب،وابن العم مولانا عبد المنعم عبد الله المكي، ومولانا الفاتح عووضة، وسعادة السفير احمد دياب والاستاذ الدكتوراحمد عبد الله،ومولانا بابكر عبد الكريم الفادني وحلقته، والخليفة احمد محجوب وجماعته،وعبر هولاء مما يضيق المكان بذكرهم ، في هذا الاطار المفعم بالسماحة والاريحية سارت بي الحياة في الدوحة . تعددت لقاءتنا وتنوعت اماكنها وكان اهم ما يجمعنا في تلك اللقاءات ليالي الذكر في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، ذكر لم يقتصر على طريقة واحدة او شيخ واحد من المتصوفة ومداح الرسول. وذكر لم تكن تنشده جماعة واحدة او مادح واحد . انها ليالي لا تنسى في بيت الصلحي، في بيت مولانا احمد محجوب، في بيتي،وفي بيت الطيب، وانها لجلسات انس وصفاء في كل البيوت وعلى رأسها بيت مولانا بشير محمد صالح، وبيت شيخنا عبد الكريم الفادني، وبيت مولانا الفاتح عووضة وبيت السفير احمد دياب، وغيرها، ليالي وجلسات معه نجتر ذكراها إذ هي زادنا في هذه الحياة. وقد رحل عنا المرحوم الطيب، وبعد عنا الاخ الصلحي،وغاب عن الدوحة،مولانا بشير. وكان من يطرب القمتان السمحان الصلحي والطيب صالح القصائد الصوفية العميقة المعنى الرائعة السبك لابن الفارض وغيره ، التي كان ينشدها لنا في ختام الليالي ابننا المبارك بشير ابو كساوي.
    والطيب محمد صالح – عليه رحمة الله- كان سمحا كانسان وسمحا كاديب وسمحا كعالم في اللغة العربية وتراثها، واللغة الانجليزية وآدابها ملما بكل روائع الادب العالمي خبيرا بذخائر الادب العربي قديمه ووسيطه وحديثه. بل كان حجة في كل ذلك. كان قارئا جيدا، وكان فهامة فيما يقرأ،يرى ما لايراه غيره فيما يقرأ من شعر او نثر. وكان قوي الذاكرة،جيد الحفظ. كان قطب المجالس ، خاصة كانت ام عامة. إذا ما بدا الحديث وهو لا ينسرع او يقاطع في ذلك،انساب صوته المتميز ، وصمت من بالمجلس ليسمح وينتشي من ذلك الرحيق المنساب المتدفق في كلماته وما يعوض بها من اراء وافكار. انه استاذ إنسان يأخذك بتواضعه ويأسرك بعذب حديثه وغزارة علمه. ليالي المديح كانت فوائح للغوص في ذكر التصوف والمتصوفين ومدائح الرسول من السودانيين وغير السودانيين. كانت جلسات الانس حلقات في التبحر في الآداب كلها شعرا ونثرا ، رواية وقصصا ، سياسة او اجتماع وغير ذلك. وإذا ذكر المتنبي او المعري او ابي تمام او البحتري او ابو نواس وبشار وابي العتاهية، او ابي فراس والاخطل الصغير والعقاد وشوقي وحافظ ونزار قباني ومحمد المهدي المجذوب وصلاح احمد ابراهيم الي غيرهم كان سيد الحديث هو الطيب . والطيب كما يعلم الجميع كان ابرز نجوم اللقاءات الادبية في العالم العربي قي شرقه وغربه وشماله وجنوبه.
    اما إاذا تعرضنا الى الادب الانجليزي قديمه ووسيطه وحديثه، وهو ما يتميز بمعرفة الكثيرون من السودانيين لا سيما خريجي مدرستي وادي سيدنا وحنتوب وبعدهما خور طقت فالطيب هو استاذ الاساتيذ كما يقول ابننا الاستاذ وانا ازعم ان سر ذلك هو الدراسة في وادي سيدنا التي كانت صورة لهارد وايتون . ففي وادي سيدنا تعرفنا على عمالقة الادب الانتجليزي من امثال شكسبير وشو وكونراد وهاردي ووردروبرت وميلتون و(...) وهكسلى وغيرهم. كانت الدراسة باللغة الانجليزية وكان للمسرح مكانة. ولم تكن الادآب العربية غائبة فقد عرفنا منها القديم والوسيط والحديث ، وان احسب ان علاقتي بالسمحين القمتين كانت لها خصوصيتها وذلك من فضل الله علي . ولا اعجب ان يكون هذا شعور الكثيرين من اصدقاء السمحين غيري فسماحة القمتين اكبر واوسع من ان تنحصر في شخص ضعيف مثلي . كان لنا ما كنا نسميه لقاء قمة . كنا نجلس ثلاثتنا بعض امسيات نهاية الاسبوع حول "صحن فتة" يعقبه شاي بحليب وسادة. نتحدث ما شاء لنا . ونجنا نجد ان الطعام مع قلته قد بقى منه الكثير . عندما كنت اشير الى الطعام الباقي واستحث ضيفي للمزيد يضحك الصلحي ويقول " اب عثمان . حوطت الاكل . ما بيكمل " وكنت ارد عليه" ياشيخنا انها بسم الله قالها ثلاثتنا وهي سر الاسرار . ألاتذكر قوله صلى الله عليه وسلم – رواه الترمذي وابن ماجة " طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الاربعة وطعام الاربعة يكفي الثمانية وهكذا يقتسم الفقراء النبقة ياسادة يا كرام.
    ما ياتي ذكر السمحين القمتين إلا وعادت بي الذاكرة الى ايام مقتبل العمر . وكما يقول شوقي :
    وحولك فتية غر صباح لهم في الفضل غايات وسبق

    ايام الدراسة بوادي سيدنا وهي في عزها وقد سبقاني اليها. وكان حسن حظي انني سكنت في ذات "العنبر" الذي كان فيه السمح الطيب صالح . وكان ممن يشار اليه بالبنان . وكان في وادي سيدنا السلحي وعبد الله ابراهيم ومن بعهدهما شبرين . وقد بدت عبقريتهما الفتية من ذلك الوقت وكانوا حديث مستر ديفز استاذ الفنون. ثم كان لقاؤون بانجلترا كمبعوثين للدراسة بجامعاتها بينما كان الطيب نجما من نجوم "البي بي سي" ثم كانت اللقاءات بباريس ثم العيش المتصل بالدوحة إلى ان غادر السمحان الدوحة. ولكنهما كما يعرف الجميع لم ينقطعا عنها البته. وكان الطيب – عليه رحمة الله- الاكثر حضورا في مهرجانات الدوحة الثقافية إذ له مكانته المتميزة بين المسئولين في الدولة في كل وزاراتها ومجتمعها. وكان محبته الى تلك المواسم الثقافية مناسبة لليالي المديح وجلسات الانس التي تحدثت عنها سابقا ويعود تحلقنا حوله تحلق الكواكب السيارة حول الثوابت من النجوم. والطيب كان نجم النجوم.

    هـو السمـح انى جيئته لوجـدته بشوشا ودودا طيب القول والفعل
    كان فعال الخير لم تر موضعا تحط به إلإ هو نسعى لالي الفضي

    ولا زلت اذكر اخر كلماته لي قبل وفاته – عليه رحمة الله - بقليل وقد امضه الالم وطال به السقم .كنت بكمبردج في كلير هول . هاتفته لا حييه واطمئن عليه واحدد موعدا لزيارته. جاء رده في صوته الحبيب المعهود" انا في شوق للقائك كما انت بابن العم عثمان. أنا بالمستشفى ولن تستطيع زيارتي لظروفي؟ننتظر لعل الله يهيا لنا لقاء" كان احساسي اننا لن نلتقي فقد كان علي ان اعود . كما انني كنت ملما بظروفه مسبقا لحالته مع الاخ بشير والاخ صالح والدكتور ابراهيم الطيب والاخ الصلحي والاخ الشوش .وكان القدر المقدور. رحم الله الطيب رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته . وانهم السابقون ونحن اللاحقون اخي الطيب . وانه الايمان انه اليقين.

    لو لا اليقين لبادرنا مصارعنا ولكنه قوله اصبر كما صبروا #

    # والاشارة الى الآيةالكريمة" واصبر كما صبر اولي العزم من الرسل"

    اللهم الحقنا بهم ..آمين

    بروفيسور عثمان سيد احمد اسماعيل البيلي،مدير مركز الشيخ محمد بن حمد آل ثاني لاسهامات المسلمين في الحضارة ، استاذ التاريخ والحضارة الاسلامية بكلية الدراسات الاسلامية بمؤسسة قطر،مدير مركز الوثائق والدراسات الانسانية جامعة قطر،رئيس قسم التاريخ بكلية الاداب جامعة الخرطوم، عضو اللجنة التنفيذية لليونسكو. وزير التربية الاسبق في السودان.

    (عدل بواسطة Faisal Al Zubeir on 10-04-2010, 10:19 PM)

                  

10-04-2010, 10:14 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    ورقة الدكتور النور حمد*
    Quote: الطيب صالح: تجسير الهوة مع الجذر الحضاري المنسي
    د. النور حمد *
    الطيب صالح من أكثر الروائيين العرب الذين كُتبت عنهم الدارسات، ولا غرابة!! فهو قد جاء إلى قراء العربية من حيث لا يحتسبون، وأتاهم بما لم يكونوا يحتسبون! قال عنه يوسف نور عوض، في كتابه، (الطيب صالح في منظور النقد البنيوي): ((ظهر الطيب صالح من "الفراغ والسكون" ـ بحسب مصطلح السيدة نازك الملائكة ـ ولم يكن له رصيد في الحياة سوى القبول الذي فرضته أعماله واستجابت له تلك "الإرادة الإجماعية")) ويقول يوسف نور عوض أيضاً: ((كان ظهوره في حد ذاته حدثاً فريداً لم يتكرر كثيراً في تاريخ الأدب العربي الحديث، فهو لم تقدمه للحياة الأدبية حركة إيديولوجية أو سياسية .... وهو لم يكن واحداً من الكتاب الذين تعود القارئ العربي أن يطالع أسماءهم في الصحف والمجلات)) . كما ورد في رسالة أرسلها الأديب اللبناني توفيق صائغ إلى الطيب صالح في 6 يناير 1966م، ما نصه: ((موسم الهجرة إلى الشمال تلاقي استحساناً وإعجاباً شديدين لدى كافة القراء. يتحدثون عنها كما لا يتحدثون عن عمل قصصي عربي)) . وفي نفس الرسالة قال توفيق صائغ للطيب صالح عن "موسم الهجرة إلى الشمال": ((الشاعر محمد الماغوط كتب لي من دمشق يقول إنها "فريدة" وإنها عمل خارق وكائن لا مثيل لنضرته وحيويته بين عشرات السنين من "الطروح" الأدبية في بلادنا)) . وفي بطاقة بريدية أرسلها الأديب والروائي جبرا إبراهيم جبرا وقرينته لميعة إلى توفيق صائغ، في العام 1966م، ورد ما نصه: ((قصة الطيب صالح أروع ما قرأت من قصص في اللغة العربية. تهانينا على اكتشافك الهائل!)) . الشاهد أن الطيب صالح وجد قبولاً لم يلقه كاتب عربي قبله، وقد شمل ذلك القبول بلده السودان، كما شمل قراء العربية من المحيط إلى الخليج، وتعدى ذلك القبول المحيطين القطري والإقليمي، ليشمل العالم بأجمعه.
    أيضاً، لم يسكن كاتب رواية عربي، ربما باستثناء نجيب محفوظ، عقول قارئيه كما سكن الطيب صالح. عاش الطيب صالح في عقول الناس لاكثر من أربعين عاما حتى الآن. ولا أشك أن الطيب صالح سيبقى في عقول قارئية لزمنٍ طويلٍ قادم. فما السر يا ترى؟ وعلى سبيل المثال فقط، قرأت أعمال الطيب صالح الأولى "مجموعة عرس الزين"، و"موسم الهجرة إلى الشمال"، وأنا طالب في نهاية المرحلة الثانوية، وعلى الرغم من مرور ما يقارب الأربعة عقود من الزمان لا تزال بعض من فقرات تلك الروايات محفوظةً لدي عن ظهر قلب! وأخال أن نفس الشيء قد حدث مع كثيرين غيري. يضاف إلى ذلك أن السقف الإبداعي الذي رسمته أعمال الطيب صالح الروائية، سقف لم يستطع أحد اختراقه إلى اليوم، وأعني هنا تحديداً في وطنه السودان. مرت على نشر أعمال الطيب صالح أكثر من أربعين عاماً، ولا زالت الأعمال الروائية السودانية تأتي تحت السقف الذي رفعه الطيب صالح. فما السر وراء ذلك؟! وإجابتي المبدأية على هذا السؤال أن السر يكمن في رؤيته، ونفاذ بصيرته، وعمق ثقافته وسعتها، وجعله خصوصية السودان الحضارية قضية محورية في أعماله.
    ريادته في التنبيه إلى حالة التوهان:
    الذي يهمني في هذه المساهمة، لا يتعلق بالبنية الروائية المتميزة، التي أدهش بها الطيب صالح الناس، ولا الشاعرية الدفاقة، والسلاسة، وجو الأنس الذي يأخذ بتلابيب القارئ، وغير ذلك مما يمكن أن يتفرع من كل تلك الميزات. أيضاً، ليس مما يهمني إبرازه هنا، على أهيمته، يتعلق بقدرة الطيب صالح على رسم شخوص نارية، نابضة بالحياة، على حد وصف رجاء النقاش. الذي يهمني في هذه المساهمة هو تسليط الضوء على معرفة الطيب صالح المبكرة بحالة التوهان الحضاري الطويلة التي لفت القطر السوداني، ومن ثم ضمور الوعي فيه بالخصوصية الحضارية، والشخصية الحضارية المنمازة. هذه الخصوصية التي ظلت مجهولة لدى أهلها أنفسهم، ومجهولة لغيرهم ممن يسكانونهم في الإقليم من عرب وأفارقة. أزعم أن الطيب صالح حاول في كل أعماله تجسير الهوة التي فصلت بين الكيان السوداني في كله المركب، وبين جذره الحضاري المنسي. وينبني ذلك بطبيعة الحال على فرضيتي أن السودان قطر تاه عن جذر مكوناته الحضارية، وعن التركيب في شخصيته الحضارية، بعد أن أخذ بخيط واحد من مكوناته دون سواه من الخيوط. وظف الطيب صالح نصوصه لكي يلفت نظر الجميع إلى التركيبة المختلفة للأمة السودانية، التي ما فتئت تخوض غمار معركة التعرف على هويتها القومية المنمازة، ولا تصيب في ذلك نجاحاً يُذكر.
    يقول الطيب صالح في روايته ضو البيت/بندرشاه في نسقٍ رمزيٍ عميق الدلالات، بعيد المرامي: ((فجأة اختل ذلك التناسق في الكون. فإذا نحن بين عشية وضحاها لا ندري من نحن وما هو موضعنا في الزمان والمكان، وقد خيل إلينا يومها أن ما وقع وقع فجأةً. ثم تكشف لنا رويداً رويداً ونحن في ذلك الخضم المتلاطم بين الشك واليقين، أن ما حدث كان مثل سقف البيت حين يسقط. لا يكون قد سقط فجأة ولكنه يظل يسقط منذ أن يوضع في محله أول مرة. بلى إننا جربنا شتى سبل المقاومة؛ قلنا إنما حدث شيء قائم بذاته، لا صلة له بما كان وما سيكون، ظاهرة شاذة منعزلة كأن تلد العنز عجلاً أو تثمر النخلة برتقالاً)) . إن الذي جعل أعمال الطيب صالح أعمال خالدةً لهو الرؤية والحدس. ولا أعنى هنا الرؤية والحدس الجزافيين، وإنما أعني الرؤية والحدث الذين قاما على قراءة ناقدة للتاريخ، وعلى فرز حاذقٍ للقوى التي ظلت تصطرع داخل بينة الحياة السودانية منذ القدم، مضافاً إلى كل أولئك الإلمام الوافي بالفكر الإنساني والقدرة على موضعة السياق السوداني الجزئي في الصورة الكلية للحراك الكوكبي الذي حدثت فيه انقلابات فكرية غير مسبوقة عبر بحر القرن العشرين، الذي كان أكثر القرون عنفاً، وأكثرها حيوية ودفقاً، أيضاً. والنص الذي أوردته عليه نص شديد الدلالة على قوة الحدس في بصيرة الطيب صالح. ورد أيضاً في روايته ضوالبيت/بندر شاه ما نصه: ((لا أستطيع أن أتذكر ذلك الضحى إلا وتنتابني قشعريرة. كانت البلد كأن طائراً رهيباً اقتلعها من جذورها وحملها بمخلبه ودار بها ثم ألقاها من شاهق... كنت كشخص في قبضة كابوس مليء بالصراخ والحركة، وهو مشلول في وسطه، لا يملك أن يتأخر أو يتقدم. كانت الفوضى كأنها تتفجر من تحت أقدامنا، وكان الناس يجرون مشتتين ها هنا وها هنا، يبحثون عن شيء ولا شيء، يبحثون عن المصدر وليس ثمة مصدر، الصور كلها كنثار الغبار ، ما تكاد تستقر في العقل حتى تتفتت فتتاً، ومعها الكون والحياة. هكذا رأيت حمد ود حليمة في ذلك اليوم يتقدم إلى أمام ثم يتقهقهر إلى وراء ، كأنه نائم أو ميت تتلاعب به قوى غير مرئية)).
    صراع التصوف والفقه:
    من علامات إدارك الطيب صالح لتميز الشخصية السودانية وقوفه الثابت ضد الغلو من أي جهة كان. استخدم الطيب صالح شخصية الشيخ الحنين عبر أعماله الروائية ليشير إلى التوسط ونبذ التطرف، مؤكداً، في غيرما مباشرةٍ مخلةٍ بقواعد العمل الروائي، أن سمة التسامح وقبول الآخر سمة مشرجة في بنية الشخصية السودانية. ففي روايته "عرس الزين" يركز الطيب صالح مثلاً على ارتباط الزين الشديد بالشيخ الحنين، وانصياعه التام له، في مقابلة كراهية الزين الشديدة، لإمام الجامع. وهي كراهية لا يستطيع الزين، قط إخفاءها، على خلاف أهل البلدة. يقول الطيب صالح: ((لكن الزين في موضوع الإمام كان معسكرا قائما بذاته، يعامله بفظاظة، وإذا قابله قادماً من بعيد ترك له الطريق، ولعل الإمام كان الشخص الوحيد الذي يكره الزين)) . أيضاً، صور الطيب صراعاً آخر على جبهة أخرى، تدور رحاه بين نفس إمام القرية، الذي ينظر إليه الناس كجسم أجنبي، وبين بعضٍ من مجاميع أهل القرية المتنوعي المشارب، المتعايشين مع بعضهم، رغم تنوع المشارب. يقول الطيب صالح: ((وكانت البلد منقسمة إلى معسكرات واضحة المعالم إزاء الإمام (لم يكونوا أبداً ينادونه بإسمه، فكأنه في أذهانهم ليس شخصاً بل مؤسسة). )) . يتضح من النص السابق أن الطيب صالح يفرق تفريقاً واضحاً بين التدين الصوفي الموروث من الحقبة السنارية، وما ورثه السودانيون من الحقبتين المسيحية والكوشية، وبين الفقه المدرسي الوافد الذي جاء إلى السودان مع الحكم التركي، وابقاه الإنجليز من أجل محاربة التصوف الذي خرجت لهم من عباءته الدعوة المهدوية، وأرتهم وجهاً مقاتلاً شرسا لم يألفوه. الأمر الذي حدا بهم إلى الاستعانة بالمؤسسة الدينية الرسمية التي أنشأها الأتراك لتصبح معينا لهم على حكم البلاد. أكد الطيب صالح هذا المعنى حين قال: (((لم يكونوا أبداً ينادونه بإسمه، فكأنه في أذهانهم ليس شخصاً بل مؤسسة))، كما أكدها في منحى آخر من خلال استخدامه لرمزية الشيخ الحنين، التي ضمنها رسالة مفادها أن المكون الصوفي في الوجدان السوداني، يمثل قاسما مشتركا أعظم، يمكن أن تلتقي في إطاره الثقافات السودانية باختلافها. في هذا المنحى يلتقي الطيب صالح بالمفكر الجنوبي فرانسيس دينق الذي يقول: ((في الجنوب، كما في البلدان الإفريقية، تُمارس أديان مختلفة داخل العديد من العائلات، ولكن الدين لا يتدخل في وحدة العائلة الضرورية، التي تترسخ بولاءات القرابة. ويحمل هذا السلوك الكثير المشابه للتقاليد الصوفية، التي مثلها مثل المعتقدات الإفريقية المحلية، مُشخصنة، وترتبط كثيراً بالنسب، وتتميز بقدرٍ كبيرٍ من التسامح)) . وفي تأكيد منحى ميل الطيب صالح إلى التوسط الذي يمثله التصوف، في مواجهة الفقه المدرسي الذي يعني التشدد والتزمت، روى الدكتور إبراهيم القرشي في المقدمة التي كتبها للأعمال الكاملة التي نشرها مركز عبد الكريم ميرغني بالتعاون مع دار مدارك للنشر، شيئاً سمعه من فم الطيب صالح نفسه. يقول إبراهيم القرشي: ((قال لي مرة في هدأة الليل في فندق قصر الرياض: السودانيون انتفعوا من منهج التصوف كما لم ينتفعوا من منهج آخر .. وهو العامل الأوحد في توحيد السودانيين خصوصاً في باب التزاوج وتشكيل النسيج العرقي .... ولو تُرك أهل السودان للتربية الصوفية لذابت الفوارق وتمازجت الأعراق بمرور الزمن ولأعان ذلك على الاستقرار)) .
    لم تكن المقابلة بين الغلو والتوسط منحصرة لدى الطيب صالح في الإطار الديني وحده. فقد عالج الطيب تلك الإشكالية في تجليات التطرف العلماني كذلك. وما أكثر ما رسم الطيب صالح من الصور الكاريكاتورية الساخرة لتجليات الغلو، التي لا تطفح عادةً إلا من جهاز الدولة، بمختلف تشكلاته. كتب الطيب صالح في "ضوالبيت/بندرشاه" عن محيميد الذي أحالته الحكومة إلى التقاعد ما نصه: ((هو محيميد، أيضاً مهزوم، هزمته الأيام وهزمته الحكومة. إن طال الزمن وإن قصر سيسألونه، سيسأله ود الرواسي في الغالب، سيقول له ((ما بالك تقاعدت وأنت لم تبلغ سن التقاعد؟)) سيقول له: ((أحالوني إلى التقاعد لأنني لا أصلي الفجر في الجامع)) سيقول ود الرواسي ((هل هذا جد ولا هزار؟)) سيقول محيميد ((عندنا الآن في الخرطوم حكومة متدينة، رئيس الوزراء يصلى الفجر حاضراً في الجامع كل يوم، وإذا كنت لا تصلي أو تصلي وحدك في دارك فسيتهمونك بعدم الحماس للحكومة. أن تُحال للمعاش كرمٌ منهم)). يُدهش ودالرواسي ويقول (أما عجائب)). وسيقول محيميد ((بعد عام أو عامين أو خمسة ستجيئنا حكومة مختلفة. لعلها غير متدينة. وقد تكون ملحدة. إذا كنت تصلي في دارك أو في الجامع فإنهم سيحيلونك للتقاعد)) سيسأل ود الرواسي بدهشة عظيمة ((بأي تهمة؟)) وسيرد عليه محيميد قائلاً ((بتهمة التواطؤ مع الحكومة السابقة)) . هكذا يضع الطيب صالح ببراعة فائقة حكمة الأهالي البسطاء الناصعة، بإزاء نزق وطيش الحكومات وديماغوغية الخطاب الحكومي الرسمي، ويا لها من مقابلة أو juxtaposition كما يقول متحدثو الإنجليزية!
    الطيب صالح والتسامح الديني:
    في الكلمة التي ألقاها الطيب صالح باللغة الإنجليزية في الجامعة الأمريكية في بيروت في 19 مايو 1980م، وترجمتها الدكتورة مؤمنة بشير العوف، ورد قوله: ((لقد كان السودان مسيحياً قبل الإسلام بوقت طويل. والإسلام في السودان الآن ليس متزمتاً. والحركة المهدية ليست دينية، ولكنها قومية. وإذا كنتُ قدمتُ أي شيء للأدب العربي الحديث فهو دعوتي الدائمة للتسامح الديني. وهذا الموقف يأتي من كوني سودانيا)) . إذن، يعي الطيب صالح تماماً أن كونه سودانياً، يعني إنتماءه إلى كيانٍ يراه ذا خصوصية حضارية. فهو، أي الطيب صالح، رغم انتمائه إلى الوسط والشمال النيلي حيث تسود العربية والدين الإسلامي، إلا أنه، مع ذلك، يرى لنفسه خصوصية يجب ألا تذوب في الإطار المتعارف عليه للعروبة والإسلام في الجزيرة العربية، والعراق، والشام الكبير، وبعض دول شمال إفريقيا. ويمضي الطيب صالح في كلمة بيروت المشار إليها، فيقول: ((وبسبب التركيب الديني الإجتماعي للسودان ولظروفي الشخصية فإنني لم أبحث عن أية حقيقة خارجية، وبالأحرى فإنني أبحث عن العالم الذي تستطيع أن تتعايش فيه الأفكار المتضاربة، كما تتعايش الأساليب المختلفة للحياة)) . وتسير مقولة للقائد الجنوبي الراحل جون قرنق في نفس الوجهة تقريباً، وذلك حيث يقول جون قرنق: ((ليس هناك وضوح قاطع في أمر هويتنا؛ نحتاج إلى التخلص من التشرذم والنظر بعمق داخل بلادنا)) .
    خاتمة:
    خلاصة هذه الورقة الموجزة أن الطيب صالح ظل مدركا لما يجري تحت السطح في الحياة السودانية. فالطيب صالح مفكر ذو رؤية حضارية تتعلق بقطره السودان الذي عرف أنه له سمات مغايرة لكل المحيط الذي يحتويه. فالطيب صالح ليس كاتبا رؤائياً عادياً، وهذا، في نظري واحد من الأسرار الكبيرة التي تقف وراء ديمومة تأثير أعماله. فقد ظل الطيب صالح مهموما ببلده، وكان تواقا للعودة لكي يستقر فيه بشكل نهائي. ولكن الأمور في البلد كانت تسير على خلاف ما كان يرغب. وظل الطيب يؤجل العودة النهائية حتى عاد جثمانه محمولاً في نعش في ذلك الضحى الحزين. كتب الطيب صالح رسالة إلى صديقه توفيق صائغ في سبتمبر 1967، يقول فيها: ((أما أنا فما أزال معلقاً بين السودان وهنا ـ إحتمالات العودة النهائية ما تزال قائمة، ولم أكتب شيئاً، وثمة إحساس بالقحط الروحي والعقلي)). حاول الطيب صالح أن يبث رسالته حول المحبة، والتعايش السلمي، وقبول الآخر المختلف، وتجنب الغلو، والتطرف، في قالبٍ فني بالغ الروعة. لم تكن دعوته مجرد أمنية يمكن أن يتمناها أي شخصٍ على هينته، وإنما كانت أمنية مؤسسة على معرفة عميقة بتاريخ البلاد، وأهم من ذلك كانت مؤسسة على معرفة عميقة بوجدان أهل البلاد، وكيف تشكل ذلك الوجدان، وأين انطمس، وأين تشوه، وأين دهته الدواهي. لقد رمز الطيب صالح لإمام المسجد في البلدة نظرة أهل البلدة إليه كمؤسسة، لا كفرد، إلى الإنقلاب الذي أحدثه الاستعمار التركي، المصري، (1821م-1885م)، والذي سار على دربه الاستعمار الثنائي البريطاني المصري، (1898م-1956م). فقد استبدل المستعمرون الدين الشعب بالدين الرسمي، وهو دين غريب على المواطنين. فقد تم أستبدال الفقير "المتصوف" بالفقيه "الحشوي"، على حد تعبير وجيه كوثراني. وبذلك تاه غالبية أهل السودان عن جذورهم، وعن مواردهم الوجدانية العذبة. ولا يزال هذا التيه مستمراً إلى اليوم. في هذه الحقبة الاستعمارية الطويلة، تغلغل النهج التعليمي المصري، وتغلغلقت الثقافة المصرية. وأعقب ذلك تبني نخبنا المتعلمة من الخريجين الأوائل للثقافة المصرية. كل هذه الأمور التي جرت على مدى جاوز المائة وخمسين عاماً هي التي أطالت من غيبوبتنا الحضارية. وهي غيبوبة حدثت يوم أن خرجت مملكة مروي من قلب صناعة التاريخ إلى هامشه في القرون الميلادية الأولى. وقد كان يرجي للتصوف أن يعيد البلاد إلى مجرى الفعل الحضاري، غير أن التمدد العثماني التركي، والإستعمار المصري الإنجليزي، فعلا فعليهما في أن نكون مستلبين ثقافياً. وها نحن اليوم على شفا التشظي، الذي يسبق ذهاب الريح بالكلية. فلو أننا جلسنا، منذ أن وعينا ضرورة التخلص من المستعمر، وتأملنا جذورنا العرقية والروحانية، وتعرفنا على خصائصنا، ومزاجنا النفسي، وعرفنا، كيف نضع أولوياتنا، منذ بدايات الحراك لنيل الاستقلال، لكنا اليوم، قد قطعنا شوطاً كبيراً في مشروع بناء أمتنا، ولربما كنا اليوم، أكثر تصالحاً مع أنفسنا، وأكثر انسجاماً وتجانساً مع محيطنا الإقليمي.

    * دكتور النور حمد ،استاذ جامعي ،رئيس قسم التربية الفنية جامعة قطر ،عمل استاذا بجامعتي مانسفيلد وشرق واشنطن ، تشكيلي ،رسام كاركاتير، كاتب صحفي.

                  

10-04-2010, 10:17 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    رؤية النور حمد ( فراءة جديدة):

    Quote: خلاصة هذه الورقة الموجزة أن الطيب صالح ظل مدركا لما يجري تحت السطح في الحياة السودانية. فالطيب صالح مفكر ذو رؤية حضارية تتعلق بقطره السودان الذي عرف أنه له سمات مغايرة لكل المحيط الذي يحتويه. فالطيب صالح ليس كاتبا رؤائياً عادياً، وهذا، في نظري واحد من الأسرار الكبيرة التي تقف وراء ديمومة تأثير أعماله. فقد ظل الطيب صالح مهموما ببلده، وكان تواقا للعودة لكي يستقر فيه بشكل نهائي. ولكن الأمور في البلد كانت تسير على خلاف ما كان يرغب. وظل الطيب يؤجل العودة النهائية حتى عاد جثمانه محمولاً في نعش في ذلك الضحى الحزين. كتب الطيب صالح رسالة إلى صديقه توفيق صائغ في سبتمبر 1967، يقول فيها: ((أما أنا فما أزال معلقاً بين السودان وهنا ـ إحتمالات العودة النهائية ما تزال قائمة، ولم أكتب شيئاً، وثمة إحساس بالقحط الروحي والعقلي)). حاول الطيب صالح أن يبث رسالته حول المحبة، والتعايش السلمي، وقبول الآخر المختلف، وتجنب الغلو، والتطرف، في قالبٍ فني بالغ الروعة. لم تكن دعوته مجرد أمنية يمكن أن يتمناها أي شخصٍ على هينته، وإنما كانت أمنية مؤسسة على معرفة عميقة بتاريخ البلاد، وأهم من ذلك كانت مؤسسة على معرفة عميقة بوجدان أهل البلاد، وكيف تشكل ذلك الوجدان، وأين انطمس، وأين تشوه، وأين دهته الدواهي. لقد رمز الطيب صالح لإمام المسجد في البلدة نظرة أهل البلدة إليه كمؤسسة، لا كفرد، إلى الإنقلاب الذي أحدثه الاستعمار التركي، المصري، (1821م-1885م)، والذي سار على دربه الاستعمار الثنائي البريطاني المصري، (1898م-1956م). فقد استبدل المستعمرون الدين الشعب بالدين الرسمي، وهو دين غريب على المواطنين. فقد تم أستبدال الفقير "المتصوف" بالفقيه "الحشوي"، على حد تعبير وجيه كوثراني. وبذلك تاه غالبية أهل السودان عن جذورهم، وعن مواردهم الوجدانية العذبة. ولا يزال هذا التيه مستمراً إلى اليوم. في هذه الحقبة الاستعمارية الطويلة، تغلغل النهج التعليمي المصري، وتغلغلقت الثقافة المصرية. وأعقب ذلك تبني نخبنا المتعلمة من الخريجين الأوائل للثقافة المصرية. كل هذه الأمور التي جرت على مدى جاوز المائة وخمسين عاماً هي التي أطالت من غيبوبتنا الحضارية. وهي غيبوبة حدثت يوم أن خرجت مملكة مروي من قلب صناعة التاريخ إلى هامشه في القرون الميلادية الأولى. وقد كان يرجي للتصوف أن يعيد البلاد إلى مجرى الفعل الحضاري، غير أن التمدد العثماني التركي، والإستعمار المصري الإنجليزي، فعلا فعليهما في أن نكون مستلبين ثقافياً. وها نحن اليوم على شفا التشظي، الذي يسبق ذهاب الريح بالكلية. فلو أننا جلسنا، منذ أن وعينا ضرورة التخلص من المستعمر، وتأملنا جذورنا العرقية والروحانية، وتعرفنا على خصائصنا، ومزاجنا النفسي، وعرفنا، كيف نضع أولوياتنا، منذ بدايات الحراك لنيل الاستقلال، لكنا اليوم، قد قطعنا شوطاً كبيراً في مشروع بناء أمتنا، ولربما كنا اليوم، أكثر تصالحاً مع أنفسنا، وأكثر انسجاماً وتجانساً مع محيطنا الإقليمي.
                  

10-06-2010, 07:42 AM

عبدالأله زمراوي
<aعبدالأله زمراوي
تاريخ التسجيل: 05-22-2003
مجموع المشاركات: 744

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    شكرا أستاذنا فيصل الزبير على هذه التغطية الرائعة..


    أجمل ما قرأت عن الراحل على الإطلاق...


    Quote: : الطيب صالح غيمة الإبداع الإنساني
    أمير تاج السر*

    أذكر ذلك اليوم من شهر أغسطس عام 2008، وكنت برفقة الشاعر كمال الجزولي في منزله بالخرطوم بحري، نتابع حوارا أخيرا، أجراه تلفزيون السودان، مع الطيب في منزله بلندن، وسماه ساعة سياسة مع الطيب. في ذلك الحوار غير المألوف، بدا الطيب منهكا، يشكو من دوار في الرأس، كما ذكر، لكنه تحدث بثبات كعادته، أجاب عن كل الأسئلة التي طرحت، خاصة فيما يتعلق بالهوية، ورأيه في الحكم ومعارضيه، وترك مادة خصبة للذين سيؤيدونه، أو يهاجمونه فيما بعد، وحين سئل عن مسألة الكتابة، وخصومته مع الإبداع التي استمرت زمنا طويلا، وأثارت استغراب من آمنوا بموهبته، وتوقعوا استمرارية عطائه، لم يقل جملته المعهودة، أنه مجرد مزارع بسيط، جاء إلى الكتابة مصادفة، وقال ما عنده، واكتفى، بل قال إن في ذهنه نصا جديدا، وسيكتبه حتما، إذا مد الله في عمره. كان الطيب منهكا حقا، وبدا لي يتحدث بحلق الموت الذي كان يرفرف حوله في تلك الأيام، ويعرف هو عن يقين، أنه راحل، ولا توجد فرصة لمصالحة الكتابة الروائية بعد تلك السنوات الطويلة من هجرها، وكانت المفاجأة أن لا أحد قد استن لسانه أو قلمه ليهاجم الطيب، والذي تعرضوا لذلك الحوار، وما جاء فيه، كتبوا على استحياء، كانوا يحبون الطيب بلا شك، ويحترمون آراءه مهما اقتربت أو ابتعدت، وكانت تلك واحدة من ميزات الطيب الكثيرة المتشعبة، شجرة وارفة تهب الظلال في كل وقت، ولكل مستظل، ونخلة عالية في وسط ذلك النخيل المغروس في ود حامد، تلك القرية الرمز التي حمل مجتمعها على ظهر موهبته، وسما بشخوصها إلى آفاق بعيدة.
    ويعرف الجميع أنه لم يأت إلى الشهرة مسنودا من أحد، فقط تلك الموهبة الكبيرة، وتلك الثقافة الواسعة، وذلك الصفاء الذهني الذي ما فارقه حتى آخر حياته. ولم يكن غريبا ان يصبح خالا لكل أهل السودان، بمختلف أفكارهم وتوجهاتهم، بمن فيهم حكام الخرطوم أنفسهم، ولا أقول ذلك مجازا، وقد التقيت بعدد كبير من السودانيين، يقسمون أمامي بأنه خالهم، من دون أن يدروا بأنني ابن أخته، وما كان للطيب سوى أخت واحدة، وأخ واحد. اما بالنسبة للكتابة الأبداعية التي تركها الطيب مشتاقة إلى قلمه الوهاج، فليس الأمر في رأيي مسألة مزارع قال ما عنده واكتفى، وتوجد موسم الهجرة إلى الشمال التي حيرت القراء والنقاد معا، وما زالت تحيرهم منذ صدورها، إلى الآن، ويوجد عرس الزين، أشهر الأعراس المكتوبة روائيا، وتوجد ضو البيت، النص السحري الذي أسرني بشدة، تلك الدلائل التي لا تشير إلى ذهن بسيط بأي حال من الأحوال، ولكن إلى موهبة نادرة، ولكنه الذكاء الغريب، حين تقدم أعمالا مكتملة من كل النواحي، وتعتزل، نفس ذكاء لاعب كرة القدم الماهر الذي يعتزل في قمة المجد، ويترك اسمه خالدا إلى الأبد.
    أول مرة التقيت بالطيب، كان في عام 1972،العام الذي مات فيه والده محمد صالح، وعمه إمام صالح، وآخرون من أهل قرية كرمكول أو ود حامد كما سماها في كتاباته، سقطوا بأمراض بسيطة، لكن لم تكن القرية بمستشفاها الريفي المتواضع الذي يحوي طبيباً واحداً، ومساعدي تمريض وأدوية بسيطة للغاية، تستطيع السيطرة على تلك الأمراض الموسمية .. سافرنا من مدينة بورسودان الساحلية حيث نقيم، إلى تلك القرية، لنتلقى العزاء في فقد الجد الذي كان أيضاً علامة من علامات القرية، ورجلاً محباً للعلم والتعليم، وجاهد جهاداً مستميتاً حتى تعلم الطيب وتعلم أخوه بشير، وأبي الذي هو ابن أخته، وكثير من أبناء القرية حين كان ينتزع لهم مقاعداً في فصول المدارس التي كانت محدودة بشدة في تلك الأيام ولا تتوفر إلا في المدن الكبيرة. كان الجميع مشغولين بالفقد، وكنت تلميذاً ابتدائياً، لا أعرف شيئا عن الفقد،ولا أحس بمرارته التي كانت بادية على الجميع، ولكن أعرف الشهرة وأن لي خال يملكها وساراه لأول مرة وقد هاجر إلى بعيد حتى قبل أن تتزوج أخته، وصنع ذلك المجد الذي لم يصنعه أحد. كنت أرسم الطيب في خيالي، أرسمه نجماً من أولئك الذين كنت أشاهدهم في سينما الخواجة المجاورة لبيتنا في مدينة بورسودان، هو بلا شك يشبههم، أحاور والدي المشغول في العزاء ووالدتي التي تبكي أباها، أسألهم عن الطيب ولا يرسمون ملامح محددة ولكن بعض ملامح لا تشبع فضولي. وحين توقفت عربة من تلك التي تنقل الناس والبضائع بين القرى والعاصمة في سكة الوحل ولا توجد مواصلات غيرها في ذلك الزمان، أسرعت برفقة الجميع لاستكشافها، وفوجئت حين هبط المسافر الوحيد، وأسرع الجميع لتعزيته أو البكاء معه، لم يكن ذلك الذي رسمته نجماً بالبدلة ورباط العنق والبريق الذي يشع ويغمر، ولكن مواطناً عادياً، قروياً بسيطاً يشبه الذين أحاطوا به في كل شيء،يرتدي الجلباب والعمامة،وحذاء بنيا من الجلد، ويتلقى العزاء من أناس كان يعرفهم تماماً، يسألهم عن حياتهم وأخبارهم، واستغربت بشدة.. كيف يكون النجم قروياً بهذه البساطة، وكيف يأتي حامل الشهرة هكذا على عربة يقودها ( ختوم حسن)،الذي كان واحداً من سائقي السفر المعتمدين في خيالات الفقراء، يبهر القرويين بشدة حين يقهر تلّاً رملياً أو يخرج من طين ووحل، لكنه لا يبهر أبناء المدن بأي حال من الأحوال.. هكذا هو الطيب..الذي أزعم أنه صادق السائق في رحلة السفر تلك، وأزعم أن السائق قد اعتمده خالاً.. وأصبح يزهو به كما يزهو الآخرون .
    قدمني والدي للطيب حين سنحت فرصة التقديم، قال له .. إنه ولدي الكبير الذي يقرأ كثيرا ً، ويحاول كتابة الشعر ويفاخر بك بين زملائه في المدرسة، وأكرمني الطيب بشدة، وقَّع لي على كراستين مدرسيتين، إهداء مجاملاَ .. كتب فيه .. إلى أمير تاج السر .. ابن أختي علوية .. مع الأمنيات بالتوفيق، من خالك الطيب .. وقع بقلم الحبر الرخيص الذي قدمته له أو لعله قلم رصاص، لا أذكر بالتحديد، وأحسست إنني قد حصلت على كنز، وقد كان بالفعل كنزاً معنويا، ظللت أحتفظ به لسنوات طويلة، أحمله إلى المدرسة لأريه لزملائي التلاميذ الذين يطالعونه بحسد، وأيضا للمدرسين الذين كانوا يغتاظون بشدة ويغتاظون،ثم ليتفتت الورق، ويضيع الكنز، لكن لا يضيع عربون المحبة الذي قدم لي في تلك السنة .. وطوال وجود الطيب في العزاء الذي كان ثلاثة ايام، كنت لصيقاً به .. أستمع إلى صوته المميز وأتمنى لو امتلكته، أسمعه يحاور شخوصه القرويين، يعد بعضهم بكتابته في رواية جديدة،ويجامل آخرين، مؤكداً لهم بأنهم هم فعلا من ظهروا في رواياته، وكانوا في الغالب أميين لا يعرفون حتى معنى الرواية، وربما أقنعهم بعض المتعلمين ممن قرأوا روايات الطيب بأنهم كانوا شحوصا فيها.
    كان من أهم ما لاحظته على الطيب في تلك الفترة، هو موهبة الإنصات.. الإنصات الواعي والصابر لأناس يتعذب الصبر من الإنصات إليهم .. تجتمع المجالس وتنفض وهم يثرثرون،تجتمع وتنفض مرة أخرى، وما زالوا يثرثرون، والطيب ينصت. كان يعتبرهم كما أخبرني بعد ذلك، رواة شفاهيين كان يمكن أن يبدعوا لو نالوا قسطاً قليلاً من التعليم،وقد كان أحد أعمامه واسمه حمزة، يملك موهبة رص الكلام في جمل ممتلئة بالحكم،وكانت في أغلبها جملاً هجائية أو تصف حالة من حالات عدم رضائه، كان الطيب ينصت إلى عمه ولا يمل .. يقول إنه كان يمكن ان يصبح شاعراً هجاء، تماماً كالفرزدق لو تعلم .. أيضاً كان يوجد اسماعيل، حكاء المغامرات الغريبة في صحارى لم يزرها، وبحار لم يصارع موجها، والدافئ في أحضان نساء لم يعرف دفئهن أبداً، الرجل الذي التقى بالممثل عبد الوارث عسر وصادقه، ولم يزر مصر أبداً في حياته، ولا زار عبد الوارث قرية كرمكول بالطبع .. كان اسماعيل في عرف الناس، حكاء كاذباً يفرون من مجالسه، وفي عرف الطيب روائياً فذاً تنقصه حروف الكتابة والقراءة، وقد أتيحت لي فرصة أن استمع إلى حكايات إسماعيل بعد أن عرفت طريق الكتابة، وقبل أن يرحل، وغصت في عالمه الفنتازي، وعرفت لماذا كان الطيب ينصت إليه بكل ذلك الاهتمام .
    في إحدى السنوات زارنا الطيب في بورسودان، نزل في بيتنا المتواضع، وتقاطرت عليه الناس، بعضهم يعرفه وبعضهم ينساق خلف شهرته ويود معرفته، وأذكر إنني قدمت إليه صحفياً مغموراً أراد أن يجري معه حديثاً لإحدى المجلات الأسبوعية، وكان مراسلا لها في بورتسودان، قدمت له الرجل على استحياء وتوقعت أن يرفضه، وقد غضب والدي لكن الطيب لم يغضب، وجدته يجلس إلى الرجل الذي لم يكن قد قرأه ابداً ولايعرف عنه سوى ما يكتبه الآخرون عن أدبه وفنه، ولا كان يفهم حتى ذلك الذي يكتب .. سأله أسئلة سطحية جداً، وأجاب الطيب عنها بعمق غطى على سطحيتها، وحين نشر ذلك الحوار، أصبح الصحفي علماً من أعلام المدينة، يحمل مجلته في كل مكان .. يزهو بما حوته، ويضيف صداقة حميمة جمعته بالطيب، لم تكن في الواقع موجودة، لكنه استخلصها من حفاوة الراحل العظيم.. كان يقول لي .. إنني قضيت يومين كاملين أطارد أحد المغنيين الذين لا يملكون ربع ما يملكه الطيب، ليمنحني كلمة ولم يمنحني، وظننت إنني سأطرد من بيتكم .. أهنئكم على هذا الرجل العظيم .وفي تلك الأيام أيضاً، كانت موهبة الإنصات عند الطيب عظيمة، ذلك حين التصق به أحد الحزبيين المعروفين بكثرة الكلام،ولم يكن يترك فرصة لأحد، لكن الطيب لا يقاطعه .. ينصت وينصت حتى يتعب حلق الكلام عند ذلك الحزبي الغريب.
    ماذا كان يدور بين الطيب وأخويه، وليس لديه من الإخوة سوى علوية وبشير؟
    كان بشير في الواقع صديقاً حميماً للطيب، القاضي الرسمي الذي انتهج الصراحة مسلكاً طوال حياته،هو أيضاً مثقف كبير، وقارئ واع للآداب والعلوم، وشاعراً أحياناً حين يصفو مزاجه، وبهذه الخاصية لم يكن أخاً فقط للطيب،ولكن صديقاً ومحاوراً، وحين يلتم شمل أولئك الإخوة، لا تبدو الأخت علوية التي لم تتعلم، بعيدة عن الطقس أو دخيلة عليه، لأن الحوار كان قريباً منها والطيب بثقافة الريف هو أخوها القديم نفسه، أخوها الذي يحتفي بالأساطير وحكايات الجن المبذورة في تراث القرويين، حكاية الشيخ( ود دوليب وأولاده الستة) المدفونين في كرمكول، صلاحهم وتقواهم وغبار أضرحتهم الذي يعتبر بركة يتبرك بها الناس .. هنا تواضع الطيب وإخلاصه للقرابة والقرية، وتفرد ذلك الكبير الذي لا يشبه أي تفرد آخر .
    معرفتي الحقة بالطيب، جاءت هنا في دوحة قطر، وقطر عند الطيب بلدا يفخر بأنه عاش فيه زمنا ليس بالقليل، صادق أهله وأحبهم، وأحبوه، وكان يقول دائما، أن وجوده في قطر قد أتاح له فرصة أن ينعم بالسكينة، وأن يسافر، ويشاهد العالم. كنت قد قدمت للعمل، وكان الطيب موجودا في مهمة من اليونسكو، استمرت بضعة أشهر، كنت خلالها لصيقا به، نقضي أمسياتنا معا،نتحدث في الأدب، وشجون الكتابة، ولطالما شجعني على معاودة الكتابة، ولم أكن كتبت في ذلك الحين سوى رواية واحدة، فيها الكثير من عالم القرية الذي رسمه، وبرغم ذلك لم يقل لي أن فيها عالمه. كنت أعمل مؤقتا في مستشفى حمد العام، ولطالما جررت إليه زملائي الأطباء بلا موعد، ودائما ما كان يحتفي بهم، ويخرجون من عنده وهم يحملون إحساسي نفسه، إحساس أبناء أخت في جلسة عائلية جمعتهم بخالهم. وحين انتهت مهمته وسافر إلى بلاده البعيدة، كان ثمة فراغ كبير، سعيت إلى ملئه بالكتابة، وأمامي نموذجه الذي لا يغيب عن ذهني أبدا، وكان من حسن الحظ أن حبه لقطر، كان يأتي به، ونستعيد تلك الجلسات المبهجة.
    الآن وبعد رحيله، أفتقد الطيب بلا شك، وهذا رجل لا يمكن لأحد عرفه أو اقترب منه، إلا أن يحس بالفقد، لم يكن مجرد كاتب روائي من أولئك الكثيرين، ولكن ظلا كبيرا،وممتدا في أي وقت.

    *
    * امير تاج السر، روائي ، طبيب مقيم في الدوحة،كاتب بجريدة الشرق، صدرت له عدة روايات، كرمكول 1988، سماء بلون الياقوت 1996،نار الزغاريد 1998،مرايا ساحلية ، سيرة الوجع ، واشهر اعماله مهر الصياح وزحف النمل.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de