فصل من رواية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 08:09 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-03-2010, 03:47 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فصل من رواية

    تم سحب المادة لعل جوهرية، على مستوى الأسلوب.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 10-04-2010, 01:00 AM)

                  

10-06-2010, 09:36 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)

    الشارع/ فصل بديل لسابقه
                  

10-06-2010, 09:40 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

10-06-2010, 09:50 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

10-06-2010, 09:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

10-06-2010, 10:10 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)

    فجأة، سقط قلبي تحت أقدامي. ثمة شيء، شيء ثقيل، له وقع الصاعقة، أخذ يسحب روحي من جسمي دفعة واحدة. حلقي جفَّ تماما. وجدتني أتسمّر في مكان ما من سيرجنت. ثمة غلالة ملحية تعشي عينيَّ. كما لو أنني في سبيلي إلى أن أتقيأ ألم السنوات برمته. لم أعد أسمعه. لم أعد أقوى حتى على الوقوف. للحظة خيل لي أن الحياة ليست سوى خيوط معلقة على ضحكة القدر الساخرة. بعد نحو شارعين، أوثلاثة، من تقاطع تورنتو مع سيرجنت، توقف ياسر عن الحديث على حين غرة. رأيته بعدها وهو يهرول نحو الجانب الآخر من الشارع بلا مقدمات. يكاد يقفز من فرحة. كل شيء بدا بغتة كابوسيا تفوح منه رائحة الذعر أوالفزع. رأيته وهو يُشرع ذراعيه نحو سمانتا رأسا. بدتْ في حضنه مرتبكة وقد لمحتني من وراء كتفه وأنا أتابعهما من الجانب الآخر للشارع بكل ذلك العناء. كان الآسيوي بعينيه المبتسمتين يقف غير بعيد منهما. لا يزال برغم دفء الجو متدثرا داخل بالطو الصوف الأسود الطويل. كما لو أن شعره الطويل المهمل أكثر ثقلا في ميزان الرهبة من سائر جسده الضامر النحيف. هذا شاهد الرحلة الأبدية. يقف هناك في مكانه المعتاد تماما عند منتصف جسر الأحياء والموتى. ياسر بعد عناق سمانتا بدا منشرحا وهو يتجه إليه. بدا الآسيوي مرتبكا بدوره وهو يخرج يده الهيكلية من جيب بالطو الصوف الأسود الطويل. يمدها لياسر. يصافحه على عجل وبخوف. يعيد يده إلى موضعها القديم نفسه ونفس الإبتسامة اللعينة لم تغادر عينيه الواسعتين كما لو أنها شيء آخر من خارج ذاته.

    عاد ياسر أخيرا يمشي إلى جانبي. في عينيه فخر وتيه ولسان حاله يقول بالنبرة القديمة الواثقة نفسها "انظر إلى أخيك، يا حامد، كيف يسحر النساء هنا، في كندا، أرأيتني"؟.

    ثمة خوف. لا شيء سوى الخوف. الخوف يملأ جوانح نفسي. وخذ الأسئلة يثقب رأسي المثقلة في غير مكان. هناك، داخل تجويف صدري، لا يزال قلبي يواصل دقاته بعنفٍ وتسارعِ منقار عصفور صغير على قشر صلب بينما خيوط من العرق شرعت تنسكب تباعا من أعلى جبيني كما لو أنني أقف قرب فوَّهة بركان على وشك الانفجار في أية لحظة. أخيرا، سألته بصوت خافت مرتعش "ياسر، إنت شفت البت دي قبل كدا". قال "كتير، كتير كتير، يا حامد، ها ها ها". دققتُ أكثر، متسائلا برعب "عملت معاها شنو". تساءل متهكما "حامد، راجل ومرة في سرير، يعملوا شنو". واصلت استجوابي بصوت ميت "كم مرة ضاجعتها، يا ياسر". قال "ها ها ها، كتير، كتير كتير". قلت "كان عندك عازل طبي"؟.

    قال "حامد، أخوك ياسر الماشي معاك في كندا دا عندو خبرة، دا بت نضيف، خلي عندك وجهة نظر". اقتربنا كثيرا من جامعة وينبيك. بدا لي بورتيج بليس القريب في ثنايا تلك اللحظة الكابوسية بعيدا ونائيا تماما. لم تعد قدماي تحملانني أكثر على المسير. جلست على إحدى تلك الدرجات الحجرية المتعاقبة لبوابة الجامعة الخلفية. وضعت يديَّ على رأسي. انفجرت في نوبة عالية من البكاء وجسمي يختلج كله.

    كان صوت ياسر كوكو يتناهى إلى مسامعي من حين لآخر حائرا ملتاعا متسائلا في تعاطف وشفقة غامضين "حامد، يا زول، إنت كويس". كلما جاوبته في سري زاد بكائي "هذه البنت مريضة بالإيدز، يا صديقي". حتى الآن، لم يخالجني أدنى قدر من الندم. فعلت ذلك من دون أية ذرة تأنيب. الناس منذ قديم الأزل يغادرون "المراكب الغارقة" بغير أسف. لست في هذا نشازا.

    هكذا، لم أكشف له فيما تبقى من ذلك المساء عن سر بكائي ومرارته التي لا تطاق. تركته وهو يصارع قدره المحتوم وحيدا. لم أخبره حتى بمأزق وجوده الذي لا يحسد عليه. كان البكاء قد جعل الموقف برمته في ذهني واضحا صافيا وخاليا من شوائب العاطفة التي بدا وكأن نبعها قد جف في دواخلي في أعقاب آخر قطرة. آنذاك، استجمعت شتات نفسي بصعوبة. واصلت معه الرحلة كما هو مقرر إلى بورتيج بليس. لكأن شيئا لم يحدث. هو لاذ بعدها بصمت كثيف كما لو أنه قرأ حقيقة ما انطوت عليه نفسي من قرار. لم يفه مثلي بكلمة واحدة. لعل البكاء أيقظ كذلك في نفسه مرارة تلك الأشياء الثاوية. لكن المؤكد أنه لم تعد خطواته خفيفة مرحة مثلما بدت عليه عقب لقاء سمانتا منذ لحظات قليلة.

    كان المنفيون الغرباء يتحدثون هناك حديثا فاترا مليئا بمرارة بدت لي غريبة عن لؤم الفلبينيين في أماكن العمل. بعضهم استقبل ياسر بالأحضان. لو رأووا مثل ما رأيت منذ قليل لفروا من وجهه كما يفر الشجاع أمام أسد. كنت قد بدأت بالفعل أنظر إليه من آن لآخر نظرتي إلى رجل ميت. هو شرع يحدثهم بكثير من المرح عن رغبته في إقامة مشروع تجاري صغير في السودان. كنت أعرف أنه يسعى إلى شراء ماكينة لتصليح الأحذية القديمة التالفة في أحد الأحياء العشوائية المحيطة بالخرطوم. سأله عادل سحلب بتثاؤب وضجر عما إذا كان قد أقام دراسة جدوى لمشروعه بعد أم لا. قال له قم أنت بالدراسة لنفسك وأترك لي مهمة الشراء لنفسي. أعجبني رده برغم شبح المأساة الماثل. لم أدهش لحظة أن تقبل عادل سحلب ما بدا مهينا لمثله خلال سنوات القاهرة في صمت. لقد أدرك أن كل ما قد كسبه في الماضي من معارف وثقافة ودهاء سياسي قد آل في ظل لغة لا يعرف حتى أبجديتها إلى شيء لا جدوى منه. كان ياسر يُطيب له في أحيان كثيرة أن يمازحه ضاربا على كتفه كزميل في مهنة هامشية أخرى مؤكدا له في كل مرة أنهما لو ظلا معا داخل الوطن لما ألقى عليه مجرد تحية عابرة. ظلّ عادل يواصل العمل في مطعم فخم متخصص في تقديم الدجاج المشوي يدعى "سويس شاليه" كغاسل للأطباق. مطعم يؤمه عادة المتقاعدون من البيض وبعض المحتفلين بمناسبات خاصة. مطعم مزدحم تسع قاعته لأكثر من خمسمائة زبون يتم خدمتهم في لحظة واحدة. كان يقف يوميا لمدى ثماني ساعات وسط أرتال من الأطباق والملاعق والشوك والأكواب المتسخة وقد غمرته أبخرة حارة ما تنفك تتسرب من الغاسلات الآلية على مدى ساعات خدمته الممتدة بلا نهاية. عند آخر كل مساء، كان يعود إلى شقته بقدمين متورمتين تقريبا ورأس محترقة ونصف دزينة من بيرة باردة تسمى "مولواكي آيس". يسند ظهره إلى كنبة في الصالة. يمدد ساقيه على استقامتهما. يغمض عينيه يبدأ يرتشف من علب البيرة المثلجة مباشرة. يظل على هذا المنوال نحو الساعة تقريبا قبل أن يمسك بسماعة الهاتف ويتسقط آخر أخبار المنفيين الغرباء في تلك الأحياء المتفرقة من المدينة.

    عدت من بورتيج بليس حوالي العاشرة مساء.

    على امتداد سيرجنت، لم يكن ثمة من أثر يدل على سمانتا وصديقها الآسيوي ذي العينين المبتسمتين. لعلهما ذهبا آنذاك في طريق الإيقاع بضحية أخرى.

    أومأت قبيل ذهابي لياسر كوكو برأسي مودعا. لاحقني صوته مطهما بفسحة الأمل "أشوفك بكرة". لكأنني لم أسمعه. الآخرون كانوا وقتها في نقاش محتدم حول انخفاض قيمة الدولار الكندي مقابل ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي "هذه الأيام". ربما لهذا لم يولووا مسألة انصرافي عنهم كبير اهتمام. "أشوفك بكرة". أخذت أردد في نفسي كلماته تلك أثناء الطريق إلى البيت. لم تكن أماندا قد عادت من زيارة صديقتها القديمة جسيكا بعد. ثمة شيء غامض لا يزال يربطهما معا. أماندا أخبرتني في مرات عديدة أنها لم تعد تكن لها مشاعر حقيقية منذ فترة. لكنها ظلت دائما في حيرة من أمرها. لا تدري كيف تحسم شيئا وُلِدَ ونما عبر سنوات عديدة وصار جزءا لا يتجزأ من نسيجها النفسي. لقد بدا من الصعوبة بمكان على أماندا أن تقول لكل تلك المغامرات العاطفية وجملة المواقف والذكريات المشتركة بينهما "إلى هنا وداعا فقد انتهى كل شيء". ما زاد الأمر تعقيدا أن جسيكا كانت تعلم جيدا أن أكثر ما يمكن أن يشل إرادة أماندا في هذا العالم: الدموع.

    ظللت أقول في نفسي، في مثل تلك الأحوال، لو أن أماندا عاشت في منفى وسيط مثل القاهرة لما كلفها الأمر كل هذا العناء. هناك ظل معظم الناس يستبدل العلاقات كما يستبدل ملابسه القديمة بأخرى جديدة. لكل مرحلة حساباتها. لا صداقة دائمة. لا عداء دائم. كان مثل هذا السلوك يؤدي ببعض المثاليين إلى الانتحار أوالجنون أوالاحباط أومعاقرة الخمر آناء الليل وأطراف النهار. المنفى تحكمه الحاجة لا القيم. علمتني الخبرة هناك أن أكثر الناس حديثا عن القيم كانوا أكثرهم بعدا عنها. أُطلق أحيانا على تلك الفترة من حياتي اسم الحرباء. كانت كلمات كثيرة، مثل "الاحترام" أو"الأخلاق" أو"الصداقة"، قد شرعت تتحول في ظل شح النقود وانعدام فرص العمل أوندرتها إلى عُملات لا بد منها لشراء الطعام أوتأمين المأوى أوحتى تعمير خرائب الرؤوس التي عصف بها الحنين بخمر رخيصة ولربما لاقصاء منافس تنقصه الخبرة للصراع حول تلك الغنائم المتناثرة من "الفُتات المتاح". لا لم تكن دواخلي متماسكة إلى تلك الدرجة التي ظننتني عليها قبيل ساعات في أعقاب نوبة البكاء تلك التي داهمتني على احدى درجات البوابة الخلفية لجامعة وينبيك. كما لو أن الانهيار في حاجة دائمة إلى مثل تلك المواقف للظهور أوالاعلان عن هشاشة دواخل المنفيّ الغريب المتداعية كركائز بيت قديم.

    هكذا، ما إن أخذت أفكر في مآل ياسر كوكو مرة أخرى حتى اندفعت في موجة أخرى طويلة من البكاء. وإن لم يبدل كل ذلك في الأخير من أمر قرار اعتزالي له مرة واحدة وإلى الأبد. لست في حاجة أخرى لما يشدني نحو هذه الأرض. بي رغبة عميقة في الطيران والتحليق في سماوات بعيدة. وتلك حكمة زائفة: علاج الذات عن طريق فنائها في خدمة الآخر. هناك، في قلبي، بحيرة كافية من الأسى الراكد. تطفو على سطحها خيبات وجثث كثيرة. لياسر كوكو قلوب عزيزة في مكان ما من الوطن البعيد ولا ريب. بها كذلك متسع لجثته ودمع كاف لرثائه. لقد حضرت أماندا، الآن.
                  

10-06-2010, 01:00 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)

    ظللت أقول في نفسي، في مثل تلك الأحوال، لو أن أماندا عاشت في منفى وسيط مثل القاهرة لما كلفها الأمر كل هذا العناء. هناك ظل معظم الناس يستبدل العلاقات كما يستبدل ملابسه القديمة بأخرى جديدة. لكل مرحلة حساباتها. لا صداقة دائمة. لا عداء دائم. كان مثل هذا السلوك يؤدي ببعض المثاليين إلى الانتحار أوالجنون أوالاحباط أومعاقرة الخمر آناء الليل وأطراف النهار. المنفى تحكمه الحاجة لا القيم. علمتني الخبرة هناك أن أكثر الناس حديثا عن القيم كانوا أكثرهم بعدا عنها. أُطلق أحيانا على تلك الفترة من حياتي اسم الحرباء. كانت كلمات كثيرة، مثل "الاحترام" أو"الأخلاق" أو"الصداقة"، قد شرعت تتحول في ظل شح النقود وانعدام فرص العمل أوندرتها إلى عُملات لا بد منها لشراء الطعام أوتأمين المأوى أوحتى تعمير خرائب الرؤوس التي عصف بها الحنين بخمر رخيصة ولربما لاقصاء منافس تنقصه الخبرة للصراع حول تلك الغنائم المتناثرة من "الفُتات المتاح". لا لم تكن دواخلي متماسكة إلى تلك الدرجة التي ظننتني عليها قبيل ساعات في أعقاب نوبة البكاء تلك التي داهمتني على احدى درجات البوابة الخلفية لجامعة وينبيك. كما لو أن الانهيار في حاجة دائمة إلى مثل تلك المواقف للظهور أوالاعلان عن هشاشة دواخل المنفيّ الغريب المتداعية كركائز بيت قديم.

    البرنس عبدالحميد
    تحياتي يا صاحب

    مثل هذا القص الروائي ، أغوص فيه و أغرق حتى نخاع القراؤة
    في هذه الجزئية أعلاه ، تكمن عدة حكم و زبدة الإغتراب في المنافي ، لن يقف عندها إلا من عاصر الغربة في تلكم الأزمان.
    قرأت بشغف و بي حنين لأماندا التي عانقت الأبنوس على شواطيء جنيف و رذاذا النافورة و كأنه يغمر وجهي

    شكرا لهذه الدهشة
    تحياتي للأسرة الكريمة
                  

10-06-2010, 03:14 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: ابو جهينة)

    Quote: قرأت بشغف و بي حنين لأماندا التي عانقت الأبنوس على شواطيء جنيف و رذاذا النافورة و كأنه يغمر وجهي


    أذكر ذلك جيدا، وأقطف من عالمها هذا المشهد البديع:

    Quote: إسمي أماندا
    تحملق مبهورة ،، تتفرس في ملامحي بعناية
    قلت لها : إلام تنظرين ؟
    لونك جميل
    و أنا أعتقد أن لونك أجمل ،، و عيناك في زرقة البحر ،، و ....
    إحمر وجهها خجلا و أطرقت تتشاغل بعملها ،، توقفت عن وصفها
    قلت : هل هناك مانع لو دعوتك لتناول العشاء معي ؟
    ضحكتْ بعفوية طفل ،، لم أعرف إن كانت ضحكة موافقة أم إعتذار
    أعذريني لجرأتي
    قالت : لا عليك ،، أود ذلك
    أحاطها جو من الإلفة و الإطمئنان
    تتحدث معي ،، المشترون لا ينقطعون
    قلت لها : سأشغلك عن عملك ،، أراك فيما بعد
    أصرت على بقائي
    مدت يدها الصغيرة و تحسست يدي و كأنها تريد أن تتأكد من أن لوني حقيقي
    تركتها على سجيتها

    أماندا و الأبنوس

    شكرا، صديقنا أبا جهينة، تحاياك الصادقة وصلت.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 10-13-2010, 08:39 AM)

                  

10-07-2010, 08:21 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

10-08-2010, 07:41 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)

    فرنسا في عيون الروائي أحمد أبوخنيجر



    *أحمد أبو خنيجر

    * أطعمة و سجائر و لافتة.
    رحلة لفرنسا.



    عبر أربعين عاما تكون لدي معرفة جيدة بمعدتي و أمراضها، بعضها معلن و الآخر تدخره لأوقات حرجة، و طوال هذه المدة صارت لدي الحساسية الكافية بتكهن أحوالها، فقد قمت – عرضا- بتطوير حواس أخري تستطيع إخباري بما يمكن أن تدبره من مقالب، هذه الحواس، و في مقدمتها الشم، أحيانا تتواطأ معها، فيصبح الأمر كارثيا، لذا و إمعانا في الحرص بدأت أضيق على نفسي فيما أتناوله، خاصة و كما تقول أمي- مبررة نحافتي المفرطة- أن معدتي ضيقة.

    إذن سافرت لفرنسا و عندي هذه الهواجس، و أيضا جهلي المزدوج: اللغة، و معرفة المطبخ الفرنسي. و كان علىَّ أن أجاهد كي أفوت الفرصة على معدتي حتى لا تضعني في مواضع حرجة، أنا في غني عنها؛ في كل مرة كانت تأتى قائمة الطعام، أضع يدي على بطني في محاولة يائسة أن تتركني كي أجرب أصناف جديدة و مذاق مختلف، و رائحة جديدة، لكنها تعلن عبر الرسائل المتبادلة أنها غير موافقة؛ أنظر للجالسين حولي طالبا العون كي يفسروا لي لوغاريتم القائمة، و فك شفراتها المعقدة، محاولا الاستفهام عما يحتويه كل صنف، و لما كانت المسميات لذيذة و لها وقع و طعم فرنسي، كنت أتحسر على اللغة التي تعلمتها يوما و تسربت مع الزمن و ندرة الاستخدام.

    في مرة أخطأ محمد القاسمي، و هو جزائري و مقيم بفرنسا، و كان قد رفقنا مترجما في مدينتي لا روشيل و روشفورد، حين قدم الطبق قائلا: أمعاء الدجاج. و هو طبق من ضمن المقبلات، أي قبل الطبق الرئيسي، و تساءلت مندهشا: أمعاء الدجاج. فأكد بهزة من رأسه أن نعم، فما كان مني أن صرفتني معدتي إلى نوع أخر، و إلا تسببت لي في فضحية، كما قالت في رسالتها، و كانت نفسي قد امتعضت و هي تتذكر أمعاء الدجاج و أمي تلقي بها للقط أو الكلاب بعد ذبح الدجاجة و فتح بطنها كي تنظفها جيدا؛ لكن هذا لم يمنع بعضا من الجالسين أن يطلب أمعاء الدجاج، فقلت في بالي: ما علينا. و عندما جاءت الأطباق اكتشفنا أن أمعاء الدجاج ما هي إلا كبد و قوانص الدجاج، و التي كنا نتصارع أنا و إخوتي – لما كنا صغارا- على من يفوز بها؛ بالطبع انتابني الندم، لكن الوقت كان قد فات، و علىَّ أن أكل من الطبق الذي أمامي.

    رغم كل هذا ظل العيش الفرنسي هو المتعة الحقيقية في كل ما ورد علىَّ من أنواع، و ذلك بسبب أن يشبه كثيرا خبز أمي، العيش الشمسي،حين يخرج مع الضحى من الفرن المتوهج، و يترك في الظل كي يبترد قليلا قبل كمره في ماجور أو حلة كبيرة حتى وقت المغرب، يخرج في هذه اللحظة ملدنا و طعمه لا يقاوم، و يمكن الاكتفاء به دون غموس لفرط طعامته؛ المدهش هو تعدد أنواع الخبز، ما بين طويل، و مدور، أو ملفوف، أبيض و أسمر و بين بين.

    و أنت ماشٍ في الشارع ستجد محلات كثيرة للأكل، مطاعم من كل نوع، و من مختلف المطابخ، و خصوصا الآسيوية: الهندية و الصينية و اليابانية. طبعا لا وجود للمطبخ العربي أو المصري. فربما بلادنا حتى الآن لا تعرف معني المطبخ، مع أن حياتها كلها مكرسة للطعام و الجري بحثا عنه، المهم ستجد مطاعم كثيرة و مختلفة، بين كل مطعم و الثاني، يوجد مطعم مندس بينهما، و كأن أهل باريس لا يعرفون الأكل داخل البيوت، ربما بسبب العمل طوال اليوم خارج المنزل، و أيضا ستكتشف أن الأكل داخل المطاعم نوع من البهجة و المتعة التي يقدرها الباريسيون تماما، أحاديث و ضحكات و كئوس تقرع يصهلل بها النبيذ، و خروج متقطع للمدخنين أمثالي.
    في مرة بينما سائر في الشارع استوقفني مطعم صغير، ما أوقفني تحديدا يافطة صغيرة ملصقة على الحائط بجوار باب المطعم، مكتوب عليها بالعربية: حلال. دخلت و أنا أرد السلام: السلام عليكم. فقال واحد من الواقفين خلف النصبة، و كانوا ثلاثة: و عليكم. بدا الرد جافا، لكني لم أقلل من ابتهاجي الداخلي، كان المحل يقدم الشاورمة و الفراخ و بعض اللحوم، يقوم الخباز بخبز العيش أمامك، يقطع العجين، و يفرده على الصاج حتى يستوي، ثم يلفه و يدخله الفرن المخبوء داخل الحائط، طاولات قليلة مرصوصة بعناية عليها جنسيات و ألوان مختلفة من البشر، و إن بدا أغلبهم ممن يتحدثون باللهجات العربية المتعددة، قال واحد: إيش تريد؟ نبرة البائع هي الأكثر وضوحا، و أنا لم أكن جائعا، لكني أرغب في جرجرة الكلام، قلت: فراخ. ثم تلكأت و أنا أقول: منين! قال دونما اهتمام: تونس. ثم بنفس النبرة: و الأخ! لم أمهله: مصري. وأنا أحاول وضع ابتسامة على وجهي، فما لبث أن قال ثمن ما طلبته و سألني أن كنت أريد مشروبا. و لم يكن من أثر للبيرة أو النبيذ، فقط ثلاجة مليئة بالعلب الصفيح للمشروبات الغازية، قلت شكرا، فقال حين لمح تلجلجي في الوقفة: فوت على جوه أقعد. دخلت و جلست أرقب القاعين يأكلون في صمت، دون بهجة أو متعة، كأنما فقط يزيحون هم الجوع كي يخرجوا للجري في أنحاء باريس الواسعة؛ أتي الثالث يحمل طبقا خشبيا عليه ربع الفرخة و السلطة الخضراء و العيش و البطاطس المقلية، و وضعها أمامي و مضي دونما كلمة أو ابتسامة.

    هذا النوع من المحلات "حلال" منتشر بكثرة ليس في باريس، بل في أغلب المدن التي زرناها، و معظم العاملين بها، أو أصحابها أما من تونس أو الجزائر، أما أهل المغاربة فهم متخصصون في صناعة الكسكسى و العيش المغربي، المخبوز من الذرة، و يشبه إلى حد بعيد البتاو الذي كانت تخبزه جدتي، قبل ظهور القمح في أفق الريف المصري في بداية السبعينات من القرن الماضي.. كنت أراه هكذا في الشارع فوق العربات الواقفة و يخبز أمام الزبون، لكني تأكدت أكثر حين ذقت طعمه، لما قدمته لي السيدة "باسكال" أثناء تناولي معها طعام العشاء في منزلها.

    كنت في اليوم قبل الأخير لي بباريس ذهبت للمركز المصري، طلبا للشاي المصري، ذلك الشاي الذي بدا لي المشكلة غير القابلة للحل، فبداية أنا أعتبر نفسي شريب شاي معتبر، و بالطبع مدمن للشاي الوطني" العروسة" و لا أرضي باللبتون بديلا له، إذ كان يبدو لي شاي مدجن، منزوع النكهة الوطنية و الثقل الذي تجده و أنت تأخذ شفطة الشاي بمرارتها و طعمها الحاد، فما بالك و أنت تجد الشاي بفرنسا مخلوط بفواكه و روائح غريبة، من الزيتون و المشمش و الرمان و غيرها، مما تنفي العلاقة بين هذا المشروب و المسمى عبثا بالشاي، بالطبع كان هناك نوع أخر و هو الشاي الأصفر غير المخلوط بأي رائحة أو فاكهة، حتى هذا لم تكن له علاقة بالشاي الوطني إلا في اللون، لكن الطعم و المذاق و القدرة على ظبط الدماغ، و إشعارك بأن اليوم قد بدأ، كل هذه الصفات لم تكن موجودة به من قريب أو من بعيد؛ المهم ذهبت للمركز رغم برودة الجو الثقيلة، مدفوعا لعم مصطفي كي أصبر نفسي بكوب كبير من الشاي المصري المعتبر، و كان عم مصطفي أحد الاكتشافات المهمة لي، فبعد عدة أيام من وصولنا لباريس، كانت هناك ندوة معقودة لنا بالمركز: الأستاذ جمال الغيطاني و أنا، و كنا قد تعرفنا على الدكتور محمود إسماعيل مدير المركز في أول يوم لنا و أيضا الدكتورة كاميليا صبحي المستشارة الثقافية للمركز، و قد أبدو من الكرم و الاحتفاء ما يفوق التقدير و الوصف؛ المهم في يوم الندوة قابلت العم مصطفي عندما نزلت للمكتبة، و قد قام بتقديم كوب شاي كبير لي، رغم عدم معرفته بي، اللهم إلا أنها عادة المصريين حين يقدم عليهم أحد الغرباء، فأنه بداية يعزمون عليه بالشاي أو القهوة، و لما كنت قد تركت من زمن بعيد شرب القهوة، أي البن، بسبب المعدة اللعينة، فتهللت و قلت الشاي يا عم مصطفي؛ و حين شكوت من الشاي الخوجاتي، عرض علىَّ عن طيب خاطر أن أمر عليه كلما سنحت الفرصة كي أشرب الشاي معه، لكننا خرجنا من باريس و لم نعد إلا قبل الرجوع لمصر بيومين، و كان علىَّ طوال هذه المدة أن أصبر نفسي بمشروبات أخري غير الشاي.


    يتبع:
                  

10-08-2010, 01:21 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)

    في هذا اليوم عندما ذهبت، وجدت المركز مظلما، و ظننت أنه غير مفتوح، لكن الدكتور محمود إسماعيل لمحني من خلف الزجاج، و أشار لي بالدخول، و كان سبب الظلام، أنهم يعرضون فيلم الأخر ليوسف شاهين، دخلت و بعد السلامات و الذي منه، سألت عن عم مصطفي، فأشار لي على إنه تحت بالمكتبة، نزلت و بعد السلامات أيضا و الاطمئنان على الأحوال كان كوب الشاي الساخن تسبقه الرائحة أمامي، قبضت على الكوب بكفي التماسا للدفء و رحت استمتع على مهل وسط الدفء و المودة التي يشعها المكان و الذين حوالي، خاصة بعد أن جاء بعض الأصدقاء –مصادفة- و خرجنا من المكتبة و كان الفيلم قد انتهي، ووقف بعض الحاضرين ملتفين حول الدكتور محمود يناقشوه في الفيلم، و كانت السيدة باسكال بينهم.

    في الندوة السابقة سألت السيدة باسكال سؤالا يخص علاقة الكاتب بالمتلقي، و هل الكاتب يضعه في حسبانه و ينصت جيدا لأرائه؛ بدا السؤال معقدا و هي مصرة على أنه يجب على الكاتب أن يستمع لمتلقيه، ليس أثناء الكتابة بالطبع، و لكن عقب الانتهاء، و أيضا الاسترشاد بهذه الآراء في الكتابة القادمة، تذكرت هذا حينما سلمت علىَ بحرارة ، و لما كانت مدخنة مثلي خرجنا للشارع، أخرجت سجائرها، و أخرجتُ سجائري و عزمت عليها بواحدة كليوباترا، فتهللت لما رأتها، و مدت أصابعها النحيلة و التقطت واحدة، أشعلت لها، فشدت النفس بقوة، ثم نفثت الدخان بترو و بسمة فرح تنطلق من ملامحها، فعزمتْ علىَّ أن نتعشى معا بمنزلها فوافقت.

    صار التدخين مشكلة للمدخنين في فرنسا، فكل الأماكن المغلقة ممنوع فيها التدخين، حتى في المقاهي عليك أن تخرج للشارع، للبرد الزمهرير و تقف وحيدا منبوذا كي تدخن، أو تنزل في المحطة التي توقف فيها القطار لتسرق نفسين قبل أن يقلع التي جي في، في المتاحف عليك أن تجبر نفسك على عدم الجلوس، أو التفكير، لأنه حتما ستقرر الخروج، و إذا أردت العودة عليك أن تقطع تذكرة دخول جديدة، إذن أمامك ست أو سبع ساعات بدون تدخين، هي المدة التي سوف تبقاها داخل المتحف أو القطار أو الطائرة، أو يمكنك اتخاذ قرار جدير بالتأمل و هو أن تقضيها بالشارع، متسكعا و مستمتعا بالسيجارة حيث البرد و التعب، و كونك وحيدا؛ لذا و في كل الندوات التي حضرتها أقف قبل الدخول ملتهما سيجارة قبل الدخول لفترة الصوم الإجباري، مدة الندوة، و التي سأسارع عقب الانتهاء منها بالخروج إلى رحاب الشارع حيث الصقيع و الدخان.

    الأكثر غرابة كان في الفنادق، حيث ممنوع عليك التدخين داخل غرفتك الخاصة، و إلا تعرضت للملاحقة القانونية، كما أعلن مضيف الطائرة، تخيل نفسك و الانتربول الدولي يطاردك كي يقبض عليك، فأنت مجرم خطير، مدخن، و لما كان الأمر زائدا عن الحد، فقد أوجدوا حلولا خاصة، و هي أن تعلن رغبتك بالحصول على حجرة للمدخنين، و أنت و حظك، فربما كانت هذه الغرف القليلة، كلها مشغولة، و هي غرف غالبا تقع في الطابق الأخير من المبني، و عليك أن تفتح شباك الغرفة من أجل التهوية، و ما علينا من دخول البرد و الزمهرير، المهم هو أنت و السيجارة مقرونا بالبرد والوحدة، و بالتالي لن تستمع بسيجارة في السرير أو أنت جالس في الدفء اللذيذ.
    كنا في لاروشيل، و الوقت ساعة غروب، و علينا الانطلاق صوب الندوة، و دليلنا الصارم، مقدم الندوة، و المدرس السابق، على وشك الوصول قبل الموعد بدقائق؛ كان قد عمل مدرسا بمصر لمدة ثلاث سنوات، و مع أنه أحب الملوخية لكنه لم يختلط بالناس، من البيت للمدرسة و العكس، بدا جادا و حازما لكن في رفق، و يطالبنا بإصرار حاد على وضع حزام الأمان، حتى للجالسين في المقعد الخلفي من سيارته، شديد الدقة و الحساسية، يمتلك تلك العقلية الخاصة بالمعلمين، بدا طوال الوقت مشغولا بأن يقدم لنا وصفا دقيقا و تاريخيا لكل ما نمر به، هكذا كان يصف المدن و الطرق و المباني، حتى أسئلته فيما يتعلق بالأدب كانت تأخذ الجانب المستقصي للدقائق و التفاصيل بما يدهش الكاتب نفسه فيما يخص النص الذي كتبه، المهم حين هبطت من الغرفة لم يكن قد جاء إلى بهو الفندق، فرحت و دفعت الباب و خرجت و أنا أقول: كسبنا بعض الوقت لشرب سيجارة.

    تمشيت قليلا باتجاه الميدان الرئيسي للمدينة، رحت ناحية موقف الباصات،

    أشعلت سيجارتي مستمتعا بالتمشية القصيرة في قلب الميدان، التقطت بعض الصور للمباني الجميلة التي تحوطني في هذا الوسع منعش البرودة، كنت أسير على مهل ريثما تنتهي السيجارة، كان الخريف في أوج سطوته، و كنت في قمة وحدتي، و لم يكن بد من تذكر رائعة يحيي الطاهر عبد الله:" أنا و هي و زهور العالم". رحت للموقف، يوجد كراسي عليها بعض المنتظرين، و كنوع من المشاركة، و للتقليل من كثافة الوحدة، جلست علي أحد المقاعد، و جال بخاطري هاتف: هل الذين حولي يعتبرونني سائحا، كما نفعل نحن في بلادنا حين نري أي أجنبي مار بالشارع أو المقهى؟ لكن المفارقة كامنة في أن أحدا لا يلتفت نحوك. رحت أتطلع للباص الواقف أمامي، شبه خال، انتبهت على عيني فتاة صغيرة تحدق في المقعد المجاور، التفت كان فتى يافعا، و بالمصادفة كان أفريقيا، أسمر، كان يسارق الفتاة النظرات ثم يعاود النظر ليديه التي يفركها، تبسمت، و صرفت نظري، لكن الفضول دفعني للمتابعة، لكن بحذر أن يحسا بي أتجسس عليهما، نظرت للفتاة في نافذة الباص، مالت تكلم من يجاورها، فرأيت أنها سيدة، خمنت ربما والدتها، و هكذا بدا الموقف يتضح، ابتسمت في أسي، و رحت أتابع الحركة في الميدان من حولي، بعض أزواج العاشقين واقفين متأبطين بعضهم البعض، و البعض يندمج في قبلة، و أنا متوحد مع سيجارتي الثانية التي أشعلتها جلبا للدفء، كان الغروب فأنار السائق الباص بعدما صعد، فرأيت السيدة تزغد الفتاة حين وجدتها تنظر للمراهق الصغير، خفت أن تبدو بسمتي و أنا أحاول كتم الضحكة و أنا أستعيد ميراث الحموات العتيد؛ تحرك الباص فوقف الفتي يشيعه بنظراته، و عندما استدار الباص عند المنحي القريب أخرج من جيبه الموبايل، و راح يعبث به حتى أتته الرنة التي ينتظرها، نظر للشاشة الموبايل بسعادة، و حين همدت الرنة أعاده لجيبه، و مر من أمامي و هو يدندن بأغنية ما، و كان علىَّ العودة مسرعا قبل أن يكتشف المدرس السابق تأخري، و لأهرب من نظراته الدمثة نحو عقارب ساعته.

    تمشيت و السيدة باسكال تجاه محطة الأتوبيس، و مع أن البيت قريب كما قالت، لكن مع هذا الزمهرير الذي لا تعرف من أين يهاجم جسمك، كان علينا أن نحتمي بالدفء داخل الأتوبيس عوضا عن أن يقصفنا البرد، سألتني إن كان معي تذكرة أم لا، فأجبت بنعم؛ و كنا حين وصلنا لباريس وبي الرغبة الجامحة للرمح في الشوارع لاكتشاف المدينة و زيارة المتاحف و كل المزارات التي قرأت عنها أو شاهدتها في التلفزيون أو في أفلام السينما، و لما كانت المدينة متسعة أيضا، و لن تسعفني خطوتي الواسعة، علىَّ إذن اللجوء للمواصلات: المترو و الأتوبيس، و أخير التاكسي. كي أنجز، أوصاني الأستاذ/ جمال الغيطاني بشراء التذاكر من محلات الtapac و هي محلات متخصصة في بيع السجائر و كروت الشحن للتليفونات و الولاعات و العطور و غيرها، محلات صغيرة و منتشرة بكل المدينة، و تبيع أيضا التذاكر، نفس التذكرة تستخدم في المترو و الأتوبيس، تذهب و تشتري عشرة تذاكر مجتمعة، و هكذا كانت معي، فسهلت معي التنقل بسهولة و يسر.



    يتبع:
                  

10-08-2010, 11:55 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)

    يقولون في السفر سبعة فؤاد، و في رواية أخري عشرة، و أنا حقيقة لا أقدر أن أعدد هذه الفوائد، لكن أهم فائدة في ظني هي التعرف الجيد لرفيق السفر، قبل هذه الرحلة لم تكن علاقتي بالأستاذ/ جمال الغيطاني تتعدى المعرفة البسيطة، المعرفة المهنية، أعرفه جيدا ككاتب و أديب كبير، لكن تلك المعرفة الإنسانية العميقة، لم تكن قد قامت بعد، كانت الرحلة هي بداية لهذه المعرفة، التي كشفت لي عن قلب كبير محب للحياة و الناس، لديه الرغبة في المعرفة و الاكتشاف، خاصة ما هو جديد و غريب، كنت أحسد رغبته تلك عندما كان يجرب أصناف مختلفة من الأطعمة التي يتعرف عليها للمرة الأولي، بدا هو الشاب في إقباله و جسارته، و بدوت كالشيخ الذي أكتفي بما خبر و عرف، لكنني سأثير دهشته بمعرفتي للطرق بعد السير فيها مرة واحدة، و هذه ميزة يتمتع بها صحراوي أصيل، لم تمثل لي فارقا كبيرا، ففي الصحراء لا يوجد لافتات تحدد السير، و لا أسماء للطرق، عليك أن تعتمد على معالم الطريق، و تحتفظ به في ذاكرتك لاستدعائه وقت الحاجة بسهولة و يسر، كما أنني أعتمد على ذاكرة لا تخطئ و هي الأقدام، لكن هذه تحتاج لوقت أطوال، و هذا لم يكن في يدنا.

    طوال الطريق كانت السيدة باسكال تتحدث عن غرامها بمصر، و هن رحلاتها المتعددة إلى القاهرة، و بعض الأماكن الأخرى، و ترددها الدائم على المركز المصري، لحضور الندوات و العروض الفنية، لكنها الآن و قد كبرت و كبرت معها بعض الأمراض المصاحبة أصبحت زيارتها لمصر متباعدة، و كيف أنها تفكر بالقدوم في الربيع القادم؛ في الشارع كانت تشير لبعض المباني و تتحدث عنها، و أوصتني بزيارة بعض الأماكن التي لم أزورها، أخبرتها: ربما في مرة قادمة، فلن يبقي لدي بباريس سوى الغد، و هو ما خصصته لشراء بعض الهدايا لأطفالي و الأهل.

    لما وصلنا أمام الشقة، أخرجت من حقيبتها المفاتيح، في البداية فتحت كالون في أعلى الباب، ثم نزلت بمفتاح أخر إلى أسفل الباب و فتحت، ثم اعتدلت و بمفتاح ثالث وضعته في منتصف الباب و فتحت، و أنارت المدخل، ووجدتها تضع مفتاح رابع في الباب الداخلي قبل أن تبتسم و تدعوني للدخول؛ دخلت للدفء المنزلي، شقة صغيرة يفتح الباب في صالة صغيرة، مليئة بالأغراض: الكتب و اللوحات، منضدة دائرية فوقها أوراق و أقلام و ألوان؛ على الحائط في المواجهة رأيت اللافتة الخضراء التي تحمل أسماء الشوارع عندنا، قرأت: شارع أحمد بن طولون. قالت حين أشرت إليها: وجدتها بالشارع، بجوار الزبالة، و حين سألت الناس، قالوا لي خذيها. قلت و كيف عبرت بها من المطار؟ قالت: وضعتها بين الملابس في الحقيبة و لم يسألني أحد.

    جلسنا بالمطبخ الصغير نأكل و نثرثر، بدت السيدة باسكال مهتمة بأن نقدم كل ما تقدر عليه، و كنت أردها بلطف مكتفيا بما هو أمامي، على الرف كانت علبة شاي العروسة الشهيرة تقف متفردة بين علب و قناني فرنسية على الرف المواجه لنا، قالت: جئت بها لما كنت هناك أخر مرة. و لم أفتحها. و عرضت أن تقوم بفتحها لعمل الشاي منها، و رغم وجاهة العرض، و شدة اشتياقي للشاي الوطني، لكني قلت في بالي: أبسبب دعوة طارئة تخسر علبة الشاي التي تحتفظ بها! شكرتها و شربت الشاي الأصفر، الذي يشبه الشاي، أما هي فقد غلت حلبة حصى و شربته بدون سكر.

    حين بدأنا التدخين فتحت نافذة المطبخ، و دخل الزمهرير، فمازلت الأمطار تتساقط، قامت و عبرت الصالة و ردت باب الحجرة الوحيدة، و قالت: كيلا يتسرب الدخان إليها؛ سألتها لِمَ أصرت على دعوتي؟ قالت أنها ترد الجميل. و ضحكت، فقلت: أي جميل؟ قالت أنها في زياراتها المتعددة لمصر، تجد الناس يرحبون بها، و يصرون على دعوتها لمنازلهم، مع عدم معرفتهم بها، و كانت تذهب عندما يكون لديها فائض من الوقت، أما أنت فأنا على الأقل أعرفك. هززت رأسي مستفهما، قالت: رأيتك في الندوة، و قرأت :غواية الشر الجميل. قامت و أحضرت الكتاب المترجم به القصة، و راحت تسألني عن بعض الجوانب المتعلقة بالقصة و الترجمة، و أيضا شعرية اللغة وأنا متعجب لاهتمامها، و رأيت أنها وضعت خطوطا تحت بعض الأسطر.

    نزلت من عندها و أنا أشكرها لكرمها، و أصرت على أن توصلني حتى محطة المترو، كي لا أتوه، خاصة و أن الجو لا يسمح ببعض التوهة، فالمطر و البرد و أيضا تأخر الوقت، توقفت و هي تمد يدها للمطر، قالت: لقد بدأ الثلج في التساقط. نظرت لكني لم أستطع التميز، لكن الثلج المتطاير سقوطا يشبه ندف القطن، و هو ما سوف يكون في ودعنا و نحن بالمطار في انتظار إقلاع الطائرة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de