نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 06:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-19-2010, 07:32 AM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    عزيزي القارئ
    السلام عليكم وبعد
    في سياق البوست الذي افتتحه الدكتور سعيد زكريا سعيد تحت عنوان:
    (الملحد Hawking يقول بأنَّ الله لم يخلق الكون)!
    تردد ذكرُ نظرية الفيض أو نظرية الأفلاك والعقول، التي قال بها كلّ من الفارابي وابن سينا،
    ومن تبعهما، وقد وعدت في مداخلتي الأخيرة في ذلك البوست بأن أنشر بحثاً صغيراً كنت أعددته
    من قبل لدراسة هذه النظرية، فهذا هو:
                  

09-19-2010, 07:36 AM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: صلاح عباس فقير)

    نظرية الفيض و الصدور

    مدخل :
    يستند تصور فلاسفة الإسلام للنفس الإنسانية إلى رؤية متكاملة هي ما يعرف بنظرية الفيض و الصدور أو نظرية العقول و الأفلاك ، فيما يلي نحاول:
    أولاً أن نرسم الإطار العام لهذه النظرية كما عرفت لدي الفيلسوفين الفارابي و ابن سينا ،
    ثم نورد في المبحث الثاني من الشواهد و النصوص ما يشير إلى أن حجة الإسلام الغزالي كان قد تأثر بهذه النظرية .



    ملحوظة: هذا البحث جزء من بحث كبير عن فطرة النفس الإنسانية.
                  

09-19-2010, 07:39 AM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: صلاح عباس فقير)

    المبحث الأول
    نظرية الفيض لدى الفارابي و ابن سينا

    أ / دافعها الأساسي :
    تكونت هذه النظرية على يد الفيلسوف أبي نصر محمد الفارابي (ت95.م) الملقب بالمعلم الثاني ، و ذلك في خضمّ الجدال الكلامي و الفلسفيّ حول مسالة خلق الله للعالم .
    إن نصوص الشريعة تقرّر بوضوح انه ( كان الله و لم يكن شيء قبله ) ، أي أن الخلق قد خرج من دائرة العدم ، بينما تنكر الفلسفة ذلك ، و يقول الفارابي معبراً عن موقفها أنه ( منذ الأزل كان الله و معه العالم ) ، إذن فثمة تعارض كبير بين الشريعة و الفلسفة إزاء مسالة الخلق بحيث يستحيل الجمع بينهما .
    و الفارابي لا يريد أن يضحي بموقفه الفلسفي و لا بانتمائه إلى الإسلام ، فلذلك ينهض مجتهداً في إزالة هذا التعارض من خلال تكوين رؤية توفيقية ، استمد عناصرها من مصادر مختلفة ، أبرزها أف########ن اليوناني و صابئة حران عبدة الكواكب و تيار الحركة الباطنية و النظام الفلكي القديم ، فكان خلاصة ذلك ما يعرف بنظرية الفيض و الصدور أو نظرية العقول و الأفلاك .

    ب/ أصولها الاعتقادية :
    تستند نظرية الفيض إلى تصور خاص عن ذات الله سبحانه و تعالى و صفاته ، يبدو كما يلي:
    ذات الله سبحانه وتعالى عقل محض ، أي روح خالص برئ من المادة وصفاتها .
    وبما أنه تعالى عقل محض فهو إذاً عقل كامل ، ومقتضى كماله - في زعمهم - شيئان :
    أ -أنه لا يعقل ماهو دونه ، بل يعقل ذاته فقط .
    ب-وأن عقله لشئ وعلمه به يقتضى وجود هذا الشئ تلقائياً ، دونما حاجة لصفتي الإرادة والقدرة .
    ج- وهو سبحانه وتعالى واحد لاشريك له ، وبسيط لا تركيب فيه ، وما كان كذلك فليس يصدر عنه أو يخلق بواسطته إلا شئ واحد بسيط مثله ، فليس يجوز أن يعتقد وفقاً لذلك بأن هذا الكون المتعدد قد خلقه الله هكذا بإطلاق، فلننظر إلى أصولها الكونية .

    ج/ أصولها الكونية :
    ترسم هذه الأصول رؤية كونية متكاملة للعالم السماوي والأرضي ، رؤية تنبثق مباشرة من الأصول الاعتقادية لنظرية الفيض ، التي تقتضي أن الله سبحانه إنما يعقل ذاته فقط هذا على مستوى الفكر ، أما على مستوى الفعل فلا يصدر عنه إلا شيء مثله فقط . وهكذا فقد عقل الله ذاته ومن عقله لذاته فاض عنه عقل ثان ، يعني لو أنه عقل شجرة لوجدت هذه الشجرة ، ولكنه لا يعقل ولا يفكر في الكائنات الأدنى منه ، وبالتالي فلم يعقل إلا ذاته ففاض عنه عقل آخر مثله ، وهذا العقل الآخر كذلك لا يعقل ما هو دونه فعقل العقلَ الذي قبله وعقل نفسه ففاض عنه عقل آخر ، ... وهكذا تواصلت سلسلة الفيض إلى العقل العاشر ، مرتَّبةً من الأعلى إلى الأدنى درجة وليس طبيعة ( = إذ طبيعتها واحدة وهي أنها أرواح محضة ) ، هذا هو العالم السماوي في حقيقته عندهم يتكون من العقول العشرة ، التي هي الله وملائكته - بزعمهم - فإن سألت : أين الأفلاك والكواكب ؟ سيقال لك هي نفسها الملائكة الذين نسميهم عقولاً .
    أما العالم الأرضي فيترتب على عكس العالم السماوي ، أي من الأدنى إلى الأعلى ، من المادة الأولى إلى العناصر الأربعة ، ثم المعادن ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان.
    والصلة بين العالمين هي العقل العاشر(=عقل فلك القمر) الذي أبدع الموجودات الأرضية ؛ فلذلك يسمى عندهم بالعقل الفعال ، وهو في اعتقادهم جبريل عليه السلام .

    د/ جوهر نظرية الفيض :
    حركة التسامي والارتقاء :
    وهي الحركة الصاعدة بالإنسان في مراتب الكمالات المنوطة به ، و هم يمهدون لهذه الحركة بملاحظة تسلسل أنواع الموجودات الأرضية أي المعادن ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان ، فيقررون قاعدةً : أن آخر أفق كل نوع متصل بأول أفق النوع التالي له ، وبالتالي يكون مستعداً لأن يرتقي حتى يصير مثله .
    إذاً فكما أن آخر أفق الحيوان متصل بأول أفق الإنسان ، فكذلك آخر أفق الإنسان متصل بأول أفق الملائكة أي العقل الفعال جبريل ، ومستعد ليصير مثله روحاً ملكياً خالصاً ثم يواصل ترقيه في مراتب الأرواح والأفلاك حتى يبلغ الغاية فيفنى في ذات الله ويصير هو إياه .
    وبذلك يستعيد الإنسان كينونته الحقيقية باعتباره جوهراً روحانياً خالصاً ، ويتحرر من هذا السجن الذي وجد نفسه أسيراً فيه أي سجن البدن .

    هـ / المعاد في نظرية الفيض :
    ذلك التصور الفيضي يتناقض مع ما تقرره النصوص الشرعية بوضوح من أن الإنسان يبعث يوم القيامة بجملته جسداً وروحاً ويجازى حسياً ومعنوياً . أدرك ابن سينا ذلك وأكد أن المعاد الذي يكون ببعث الأجساد أمر ( لا سبيل إلى إثباته إلا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة ) . أما المعاد الذي يكون بتحرر النفوس والأرواح من سجون أبدانها لتسعد سعادة روحية محضة أو تعذب عذاباً معنوياً بحتاً فهو أمر ( مدرك بالعقل والقياس البرهاني ) .
    فابن سينا مع شعوره بأن الدلالة الصريحة للنصوص تخالف نظريته في النفس . لكنه لا يجد في نفسه ما يدعوه إلى اتباع مقتضى الشريعة فيلجأ كما لجأ سلفه الفارابي إلى الإدعاء بأن الفلسفة تتضمن حقائق الأشياء بأسبابها وارتباطاتها ، بينما تتضمن الشريعة صوراً ومثالات لتلك الحقائق ، فيأخذ العامة ظاهرها من صور ومثالات ، بينما يقتنصون هم تلك الحقائق .
                  

09-19-2010, 07:42 AM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: صلاح عباس فقير)

    المبحث الثاني
    موقف الإمام الغزالي من نظرية الفيض

    أ/ سؤال :
    أيمكن أن يَعتقد أو يتأثر حجة الإسلام أبو حامد الغزالي بهذه النظرية المتهافتة ، وهو الذي كانت له مع الفلاسفة ومقاصدهم صولات ، كما كانت له مع الباطنية وفضائحهم جولات ؟
    سؤال يفرض نفسه علينا بإلحاح ، ننظر إلى الجانب المشرق المعروف عن أبي حامد الغزالي صاحب ( إحياء علوم الدين) ، وغيره من التصانيف البديعة فنستنكر ، ثم نطالع بعض الدراسات الحديثة التي تكشف في شخصية الغزالي عن جانب آخر وتسوق الشواهد والأدلة على وجوده فنتحير .
    ومن كل ذلك نستشعر حاجة ماسة إلى دراسة منهجية متكاملة للتراث الفكري الذي خلفه أبو حامد الغزالي ، دراسةٍ تتيح لنا - على الأقل - أن نجيب عن ذلك السؤال بوضوح .
    لكن ذلك لا يمنعنا في إطار هذا البحث بل يوجب علينا أن نقترب من ذلك الجانب المشار إليه، لنطلع على حقيقة ما يقال فيه عن الوجه الآخر لشخصية أبي حامد الغزالي الفكرية .

    ب/ شخصية ذات وجوه متعددة :
    مما هو معلوم بالضرورة عن أبى حامد الغزالي ، أنه قد قسم كتبه إلى قسمين : قسمٍ سماه الكتب (المضنون بها على غير أهلها) وخاطب به صفوة من الناس وأودع فيه ما أسماه بالأسرار ، وقسمٍ قدّمه للجمهور ومن أمثلته (إحياء علوم الدين) .
    قال ابن تيمية ( وأما "المضنون به على غير أهله" فقد كان طائفة من العلماء يكذّبون ثبوته عنه ، وأما أهل الخبرة به وبحاله فيعلمون أن هذا كله كلامه ، لعلمهم بمواد كلامه ومشابهة بعضه بعضا) .
    بل قد صرح الغزالي في خاتمة كتابه ميزان العمل بأن المذهب الذي يعتنقه المرء ( اسم مشترك لثلاث مراتب : إحداها ما يتعصب له في المباهاة والمناظرات ، والأخرى ما يسارُّ به في التعليمات والإرشادات ، والثالثة ما يعتقده الإنسان في نفسه مما أنكشف له من النظريات ، ولكل كامل ثلاثة مذاهب بهذا الاعتبار) .
    نستطيع - بناءً على ذلك - أن نقول إن لشخصية الغزالي الفكرية وجوهاً متعددة ، وهذه صفة في حد ذاتها قد تكون حسنة ، ولكن السؤال هو: هل القول بنظرية الفيض - اتباعاً للفارابي وابن سينا - أحد هذه الوجوه ؟
    سنحاول الإجابة عن هذا السؤال معتمدين على أحد كتبه (المضنون بها على غير أهلها) كتاب معارج القدس ، الذي كتبه الغزالي مضطراً – كما قال- لأن ( الزمان قد خلا من الوارثين لهذه الأسرار ) ، فلم يجد بداً من تسطيرها وتوجيهها إلى صفوة من الإخوان ، ( الذين لهم المناسبة العلوية والقريحة الصافية ) ، ولم ينس أن يوجه إليهم – في خاتمة كتابه - هذا التحذير قائلاً بنبرة حاسمة ( ثم إني حرمت على جميع من يقرؤه من الإخوان ... أن يبذله لنفس شريرة أو معاندة أو يطلعها عليه أو يضعه في غير موضعه :
    فمن منح الجهال علماً أضاعه ومن منع المستوجبين علماً فقد ظلم ) .
    فلنر ماهيّة هذه الأسرار التي اضطرّ إلى كشفها أبو حامد الغزالي في هذا الكتاب .

    ج/ جوهر فكرة الفيض :
    في النص التالي نجد توكيداً لصفتي الوحدة والبساطة اللتين يتصف بهما لله - سبحانه وتعالى - في تصور أصحاب نظرية الفيض مع ما يبنونه عليها من القول بأن الواحد البسيط لا يصدر عنه إلا واحد ، يقول أبو حامد الغزالي ( فالواحد الحق هو الله سبحانه ... ويكون التركيب منفياً عنه من كل وجه ) ، أما ما سواه ( فلا يخلو عن تركيب ما ، وإن كان من حيث العقل لا تركيباً جسمانياً أو متوهماً ) ، يعني أن ما سوى الله سبحانه إن لم يكن عقلاً فهو مركب تركيباً بدنياً حسياً ، أما إن كان عقلاً فلا يكون تركيبه كذلك ، وحتى يبين طبيعة تركيب العقول يضرب مثالاً بواحد منها فيقول ( حتى أن العقل الذي هو المبدع الأول لا يكون واحداً صرفاً بل فيه اعتباران ) ، وهذان الاعتباران هما بحسب نظرية الفيض أنه عقل مبدأه ثم عقل ذاته ، يقول الغزالي ( ولهذا صدر منه أكثر من الواحد ) .
    إن هذا النص - الذي قدمناه مجزأً من أجل شرحه - يدل دلالة قاطعة على تأثر الغزالي بنظرية الفيض . بل لنقرأ في نص آخر محاولة جريئة للاستدلال بنصوص الشرع على فكرة الفيض والعقول ، يقول أبو حامد الغزالي ( أما العقل فيطلق ويراد به العقل الأول ، وهو الذي يعبر عنه بالعقل في قول النبي  ( أول ما خلق الله العقل ، فقال له أقبل فأقبل ، ثم قال له أدبر فأدبر ) ) ثم بعد هذا الاستدلال يشرح الغزالي كلمتي (أقبِل ) ، (أدبِر) بقوله ( أي أقبل حتى تستكمل بي ، وأدبر حتى يستكمل بك جميع العالم دونك ) ولعلنا نلحظ بوضوح في هذه العبارة جوهر فكرة الفيض وقد لبست لباساً شرعياً.

    د/ العقول والأفلاك :
    والنص التالي يبين الدور المهيمن الذي تلعبه الأفلاك ، يقول أبو حامد الغزالي ( وجميع ما يحدث في العالم العنصري منوطة بالحركات السماوية ، وحتى الاختيارات والإرادات ... فجميع الاستعدادات تابعة للحركات السماوية ( = ثم هذه) مستندة إلى اختيارات النفوس الفلكية ، والكل يستند إلى العقل الإلهي المستعلي على الكل ... فالجود الإلهي بواسطة العقول والنفوس والحركات السماوية يعطي كل مادة استعدادها ) .
    إذاً فالجود الإلهي إنما يحصل بواسطة العقول والنفوس والحركات السماوية ، وليس ذلك بمعنى أن ( العقل الإلهي المستعلي على الكل ) يأمر أحد العقول أو الأفلاك أو الملائكة بإفاضة الجود على بعض خلقه ، ليس كذلك لأن ذاتَ ذلك العقل الإلهي- كما أشار الغزالي في الفقرة السابقة- بسيطة لا تركيب فيها ، فلا يصدر عنها إلا شئ واحد بسيط مثله .
    بل يوظف أبو حامد الغزالي قوله تعالى ( ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) ، ليستدل على هذه الحقيقة بقوله ( فالمخلوقات كلها مفطورة على الازدواج : لطيفها وكثيفها ، معقولها ومحسوسها ، ففي المركبات ازدواج ، وفي البسائط ازدواج ،وبين البسائط والمركبات ازدواج ) ، فهو هنا يقرر أن الزوجية فطرة عامة للمخلوقات وأنها تتنوع صورها في المركبات وفي البسائط وفيما بين المركبات والبسائط ، ويبدأ بأن يوضح طبيعة الازدواج فيما بين البسائط والمركبات ، يقول ( والنفوس بواسطة الأفلاك معطية والعناصر ( = الأرضية ) قابلة ، وبين المعطي والقابل نتائج ومواليد من المعادن والنبات والحيوان والإنسان ) ، ويبدو أن هذا الازدواج الذي تم بين المركبات والبسائط يستند إلى ازدواج أرفع تم في عالم البسائط ، يقول ( وبين العقل والنفس ازدواج كما بين القلم واللوح ازدواج ، ومواليدهما الروحانيات من العقول والنفوس ) ، أما الازدواج في المركبات فيحدث كما هو معلوم في عالم العناصر الأرضية ، وكما لا حظنا فكل ازدواج من هذه الثلاثة قد نتجت عنه مواليد هي أصناف الموجودات المختلفة ، فهذه المواليد أهي من خلق ذلك ( العقل الإلهي المستعلي ) أم إنه يتبرأ منها ؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح ، و يردّ عليه أبو حامد الغزالي – في ختام هذا النص – قائلاً ( و مَن له الخلق والأمر متعالٍ على الازدواج أداء وقبولاً ، سبحانه أن يكون له ولد ولم تكن له صاحبة و خلق كل شيءٍ فقدره تقديراً ) ، لنتابع هذا النص من بدايته إنه يقرر أن الإنسان مثلاً قد نتج من الازدواج بين نفوس الأفلاك والعناصر فهو وليد لتلك النفس الفلكية ، أما الله سبحانه فيتعالى عن أن يكون له ولد ، وهذه حقيقة من ثوابت العقيدة الإسلامية لكن الغزالي يدسّ فيها معتقد أهل الفيض عن الذات الإلهية ، من خلال وصفه لها بِ( العقل الإلهي المستعلي على الكل ) ، فوصفه بالاستعلاء للدلالة على الترفع والتنزه عن الفكر فيما هو دونه ، و بالتالي عن خلق ما هو دونه.

    هـ/ مراتب العقل من الكتاب الإلهي :
    كما مرّ بنا فإنّ جوهر فكرة الفيض يتمثل في حركة صاعدةٍ مترقية ، وهذه الحركة الصاعدة المترقّية إنما تحصل للإنسان من خلال ما يسمونه بعملية التجرّد أي من البدن وصفاته ، بحيث تتحرّر كينونته الحقيقية فيصير روحاً خالصاً أو عقلاً ، وذلك يتم _ كما اتفق القائلون بالفيض _ عبر الارتقاء من مرتبة العقل الهيولاني إلى العقل المَلَكي ، ثم إلى العقل المستفاد الذي هو أعلى مراتب العقل في طوره الإنساني والذي يكون مستعدّاً لاستقبال فيوضات العقل الفعّال ، وذلك حتّى يصير مثله عقلاً كلياً أو كوكباً من الكواكب التي هي – في تصورهم _ الملائكة .
    تحت العنوان أعلاه يحاول أبو حامد الغزالي أن يستدل على مراتب التجريد العقلي التي يرتقي من خلالها الإنسان – كما يزعمون – حتى يصير ملكاً من الملائكة . يقول أبو حامد ( اعلم أن الله تعالى ذكر هذه المراتب في آية واحدة ، فقال (الله نور السموات والأرض ) إلى نهاية الآية الخامسة والثلاثين من سورة النور ، ثم يقول ( فالمشكاة مثل للعقل الهيولاني ) ، وهكذا يبذل جهداً في المقابلة بين الأسماء الواردة في الآية ، وبين مراتب العقل عند الفلاسفة وأصحاب الفيض حتى يبلغ إلى قوله تعالى ( نور على نور ) فيفسره بأنه ( نور العقل المستفاد على نور العقل الفطري ) ومن أين استفيدت أنوار العقل المستفاد ؟ يجيب أبو حامد الغزالي عن هذا السؤال بوضوح يزيل كلّ شك عن حقيقة مقاصده يقول ( هذه الأنوار مستفادة من سبب (= تُعتبر) هذه الأنوار بالنسبة إليه كالسراج بالنسبة إلى نار عظيمة طبقت الأرض ، فتلك النار هي العقل الفعال المفيض لأنوار المعقولات على النفس البشرية) .

    و/ العقل الفعّال:
    يتردّد مصطلح العقل الفعّال كثيراً في كتاب معارج القدس ، متسماً بنفس السمات تقريباً التي يتسم بها عند أصحاب الفيض . فالعقل الفعّال هو آخر العقول العشرة ، والغزالي يؤكد ذلك إذ يذكر أن الروحانيات قد ( انتهت بروح القدس أو العقل الفعال) ، وعندهم هو الجوهر المفيض للمعقولات وواهب الصور وكذلك يستخدم الغزالي نفس هذه الأوصاف في تحديد طبيعته .
    وفي النص التالي يبدو لنا جلياً أن الغزالي إنما يريد بثّ نظرية الفيض من خلال نصوص الشرع ، يقول ( وإثبات العقل الفعّال من حيث الشرع أظهر من أن يثبت لوروده جلياً في النصوص كقوله تعالى (علمه شديد القوى ، ذو مرة فاستوى) ) . إن ما يلفت النظر في هذا النص أنه يتحدث عن العقل الفعّال باعتباره اسماً واضحاً بذاته وعَلَماً بارزاً الأمر الذي لا يجد تفسيراً إلا في إطار المرجعية الفلسفية ، لأن نصوص الشرع لم يذكر فيها هذا الاسم العلم .
                  

09-19-2010, 07:44 AM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: صلاح عباس فقير)

    [green]انتهى!
    وعفواً إذ لم تظهر هوامش البحث وتوثيقاته!
                  

09-19-2010, 07:46 AM

محمد عمر جبريل
<aمحمد عمر جبريل
تاريخ التسجيل: 08-27-2009
مجموع المشاركات: 2263

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: صلاح عباس فقير)



                  

09-19-2010, 08:11 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: محمد عمر جبريل)

    الأخ العزيز: صلاح عباس فقير
    تحياتي .. وكل عام وأنتَ بخير وكل من تحب

    نظرية الفارابي وفلسفته والتي وافقه عليها ابن سيناء، ونظرية الغزالي التي انتقد فيها الفارابي وابن سينا، بل وكفرهما، (في رأيي الشخصي) لا ترقى لمُسمّى (نظريات) بل أُسمّيها (تنظيرات)؛ إذ لا تقوم إلا على تخمينات فلسفية، لا على حقائق مُصاغة رياضيًا، بحيث يُمكن التثبتُ منها بشكل قاطع. نظرية الفارابي والتي تسمّيها نظرية "توفيقية" أُسمّيها أنا "تلفيقية"، ولقد رأينا رد ابن رشد على الغزالي في كتابه "تهافت التهافت" ومُناظرات الفلاسفة العرب، إجمالًا، لا تخلو من سفسطة مُزعجة، فمثلًا ما هو دليل الغزالي على بساطة الله وعدم تركيبه؟ كما أنني لا أرى الغزالي إلا بالمنظار الذي أرى به إسهامات الفارابي وابن سينا حول الذات الإلهية من حيث هي (عقل = روح محضة) فلا وجود للعقل خارج المادة، إلا من تخميناً تلفيقيًا. النظرية العلمية هي محاولة لتفسير ظاهرة مُشاهدة، فهل الذات الإلهية "ظاهرة" ناهيكَ عن كونها مُشاهدة؟ عمومًا، أحترم لكَ ولعكَ بالغزالي وفلسفته، ولكن لي تساؤل بسيط، فهل نظرية الفيض والصدور لها علاقة بنظرية القبض والبسط؟

    تحياتي لك
                  

09-19-2010, 08:52 AM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: هشام آدم)

    شكراً لك أخي محمد عمر جبريل على المرور!
                  

09-19-2010, 09:01 AM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: صلاح عباس فقير)

    شكراً لك أخي هشام آدم، وكل عام وأنت بخير ومن تحب!
    قلت:
    Quote: نظرية الفارابي والتي تسمّيها نظرية "توفيقية" أُسمّيها أنا "تلفيقية!
    فعلاً، وأنا أيضاً أطلقت عليها هذا الوصف، فهي حقيقةً تلفيق!
    وقلت:
    Quote: النظرية العلمية هي محاولة لتفسير ظاهرة مُشاهدة، فهل الذات الإلهية "ظاهرة" ناهيكَ عن كونها مُشاهدة؟
    الذات الإلهية أقرت بوجودها كلّ الأمم، وعلى مدار العصور، ولم يشذّ في ذلك إلا عدد قليل من الأفراد!
    وإنما كان الخلافُ بين الأمم لا في وجود الإله الخالق ذاته، بل في صفاته! وبالتالي في تحديد ذاته!
    ومناهج العلم الحديثة، لم تعد تقصر "العلميّ" على ما هو مُشاهد، وبالتالي فالنظرية العلمية
    هي بنيان نظري متماسك، يُشترط فيه أن لا يخالف الحقائق العلمية التجريبية المثبتة!
    بل، ولا مانع من أن يتضمّن عناصر غيبيّةً، ما دام أنّها متّسقة منطقيّأً مع سياق البحث،
    وتفسّر ظائفةً من الظواهر الواقعيّة المرتبطة به!
    تحديدك للنظرية هو تحديد إحدى المدارس الفلسفية، وليس أمراً متّفقاً عليه بين سائر المدارس !
    وقلت:
    Quote: أحترم لكَ ولعكَ بالغزالي وفلسفته،
    كلا لست مولعاً بالغزالي ولا بفلسفته، ولكنه –طبعاً- عقل كبير!
    ولا شكّ عندي أن نظريته في الشك هي أساس منهج ديكارت،
    بناءً على معلومةٍ تلقيتها من كتابٍ: أنّ أحد الباحثين التونسيين، زعم أنه رأى نسخة من
    كتاب الغزالي (المنقذ من الضلال) في (مكتبة ديكارت) ولاحظ في المواضع التي
    قرر فيها الغزالي فكرة "الشك المنهجي"، أنّ ديكارت كتب على الهامش عندهابخط يده
    هذه العبارة: (يُضاف إلى منهجنا). وللأسف نسيت توثيق المعلومة.
    والمبحث الثاني من هذا البحث ياهشام مخصص لنقد الغزالي.
    وتساءلت:
    Quote: هل نظرية الفيض والصدور لها علاقة بنظرية القبض والبسط؟

    ما أظنّ توجد علاقة بين النظريتين!
    أجدد خالص شكري لك!
                  

09-19-2010, 09:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: صلاح عباس فقير)

    العزيز: صلاح عباس فقير
    تحيّاتي

    أشكركَ على الرد، ولا أريد الخروج عن موضوع البوست الذي أردته له، ولكن فقط أحببتُ أن أوضح أن الأمم لم تتفق على الذات الإلهية، لقد وضعت الأمم والحضارات السابقة تصوّرات مختلفة للذات الإلهية، وبناءً على ذلك اختلفت الآلهات منذ العصور السحيقة، وفي كل الحضارات كنتَ تجد آلهات مُختلفة عن غيرها من آلهات الحضارات الأخرى. إن فكرة الإله نشأت في أساسها من جهل الإنسان وخوفه، ثم بدأت هذه الفكرة بالتطوّر عبر الأزمنة والحضارات المختلفة، ولا نتصوّر أن فكرة الإله الواحدة نشأت على يد الديانات الإبراهيمية فقط، هذا ظن خاطئ، ولكن ومع الثورة الكبيرة في العلم وتقدّم المعارف العلمية الإنسانية، فإن مساحات الإله أخذت تتناقص بشكل كبير، وربما تصاب بالذهول إذا عرفتَ عدد المُلحدين حول العالم، وأنهم في ازدياد يومًا بعد يوم. لقد أصبحت فكرة الله في هذا الزمن فكرة تراثية، ولا أعتقد أنها سوف تصمد كثيراً السنوات القادمة. أكتفي بهذا القدر مع ترك مساحة للاختلاف بيننا حول مفهوم "النظرية العلمية" والتي أختلف معكَ حولها جزئياً.

    تحياتي لك
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de