كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-16-2024, 01:01 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة فتحي علي حامد علي البحيري(فتحي البحيري)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-09-2003, 03:05 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم


    يبدو أن (إعلان القاهرة) الذى أصدره المهدى والميرغنى وقرنق
    فى الرابع والعشرين من مايو المنصرم ، بما تضمَّنه من اتفاق على أن "قومية العاصمة التى تساوى بين الأديان والمعتقدات كافة .. ضرورة لازمة للحفاظ على وحدة بلادنا على أسس جديدة" ، سوف يظل يشكل ، لوقت طويل ، عنواناً رئيساً تنتسب إليه جملة عناوين فرعية ما انفكت تحتدم فى إثره احتدام نثارة الحديد فى بؤرة المجال المغناطيسى ، من أوَّل حراك (التحالفات) وحتى بيانات (التكفير وإهدار الدماء)! وقد اندرج (الاعلان) ، كما يُستفاد منه ، فى سياق استبشار الموقعين عليه بمفاوضات السلام الجارية بين الحكومة والحركة الشعبية تحت مظلة الإيقاد ، وما تمخض عنها ، حتى تاريخه ، من (اتفاق إطارىٍّ) تعهُّدوا بضمان الاجماع الوطنى على رؤاه الأساسية ، وتطويرها من خلال مشاركة القوى السياسية كافة فى أى اتفاق سلام نهائى.

    ولئن كان ترحيب الأوساط الشعبية بهذا (الإعلان) متوقعاً ، رغم اقتصاره ، فى ما يتصل بالتشريعات ، على وضعية (العاصمة) فحسب ، فإن اللافت أن ردُّ الفعل الأوَّلى للنظام جاء ، هو الآخر ، إيجابياً ، حيث أطلق الفريق البشير ، قبله بأقل من أربع وعشرين ساعة ، ما يمكن اعتباره ترحيباً استباقياً بلقاء الزعماء المعارضين الثلاثة فى القاهرة بهدف الترتيب "للدخول للسودان للمنافسة الانتخابية" ، على حدِّ خطابه فى الجلسة الختامية لاجتماعات هيئة شورى الحزب الحاكم التى أوصت بدورها بنبذ "العنف والتعصب" ، ورحبت "بكل" القوى السياسية "للعمل الحر" ، و"المشاركة" فى بناء الوطن ، وتوحيد "الجبهة الداخلية" لتحقيق السلام والوفاق (الرأى العام ، 24/5/03). وبعد صدور الاعلان رحب به أيضاً أمين الحزب الحاكم د. أبراهيم أحمد عمر ، ومن جهته وصفه المستشار السياسى لرئيس الجمهورية د. قطبى المهدى بأنه "سار جداً للحكومة" ، بل وتمنى أن لو قد "دعيت" الحكومة "للانضمام" إليه (الأيام، 26/5/03) ، كما امتدحه مستشار رئيس الجمهورية للسلام د. غازى العتبانى بأنه يصب فى اتجاه توحيد رؤى القوى السياسية ".. وهو ذات التوجه الذى تعمل من أجله الحكومة" ، على حدِّ قوله. ضف إلى ذلك فيض من تعبيرات البشاشة صدرت عن كثير من الرسميين والكتاب والصحفيين الداعمين للنظام.

    على أن الأمر لم يدُم غير يوم أو بعض يوم ، إذ ما لبثت اللهجة العدائية أن حلت محل الترحيب ، مما خلف انطباعاً بأن النظام قد بوغت وأخذ ، لأوَّل وهلة ، على حين غرة ، ولذلك ارتبك موقفه ارتباكاً شديداً ، واضطرب بين أكثر من لسان ، مما اضطره ، فى سبيل تنسيق صفوفه وتوحيد كلمته ، إلى اللواذ ، كالعادة ، بنظام "القيم" بدلاً عن نظام "المفاهيم" ، المرض القديم الملازم لحركات الاسلام السياسى فى المنطقة بأسرها ، والذى ظلَّ موضع الشكوى الدائمة لعدد من مفكريها الذين يصدرون عن عقل نقدى ، بدرجة أو بأخرى من الاستنارة ، كالمرحوم الشيخ محمد الغزالى والسيد الصادق المهدى والدكتور عبد الله فهد النفيسى والدكتور محمد سليم العوا والشيخ راشد الغنوشى وغيرهم.

    هكذا ، ولما لم يكن ميسوراً رفض الجزئية المتصلة بالوضع الدستورى (للعاصمة) خلال الفترة الانتقالية ، بإزاء دقة استخدام الاعلان لمفهوم "القومية" ، فقد كان لا بد لخطاب النظام من إجراء عملية "كشط" و"تعديل" فى الاعلان نفسه ، بحيث تبدو (علمانية العاصمة) هى مطلبه بدلاً من (قوميتها) ، كون الهجوم (دينياً) على الأولى أيسر ، بل أضمن مردوداً ، وفق العلاقة غير الصحيَّة التى نسجتها الحركة الاسلامية تاريخياً بين خطابها الدعائى وبين مستوى الوعى الاجتماعى السائد وسط غالب المستعربين المسلمين فى السودان ، بما فيهم فئة الانتلجينسيا ، وهو ما وصفه السيد الصادق المهدى "بالخطاب التهريجى" (بى بى سى ، 4/6/03) ، ووصفه البيان التوضيحى الصادر عن مكتبه "بالمزايدة والمناورة وتضليل الرأي العام" (سودانايل ، 1/6/03) ، كما وصفه السيد الميرغنى ، من جانبه ، "بالمزايدة الخطيرة" التى ستتحول إلى "مأزق كبير" إن لم يكف النظام عنها (الأضواء ، 1/6/03).

    ثم ما لبث أن وقع حدث آخر ، لا يقل أهمية ، ليصب المزيد من الزيت على لهب هذه المعركة الجديدة ، وذلك بتوقيع الحركة الشعبية (ورقة عمل) بتاريخ 3/6/03 فى العاصمة البريطانية مع المؤتمر الشعبى ، التيار المنشق عن السلطة بقيادة د. الترابى ، حيث اتفقا على أن تعتمد الفترة الانتقالية ، بعد توقيع اتفاق السلام فى مشاكوس وتكوين الحكومة الانتقالية ، على الاجماع الوطنى قاعدة للتشريع كما هو قاعدة للسياسات ".. بما يسهم فى درء مفسدة الحرب ، وبما يقدم مثالاً لعاصمة قومية واحدة تجعل وحدة السودان خياراً جاذباً عند الاستفتاء على تقرير المصير" (الرأى العام ، 4/6/03).

    ولأن من أغراض مقالتنا هذه ، تقصِّى حقيقة مواقف الأطراف كافة من هذه القضية الخلافية ، بعد إعادة ترتيبها فى سياقها المنطقى ، وتمييز خيوطها البيضاء من السوداء وسط غبار التعانف الكثيف الذى ما فتئ يتضخم حولها متخذاً هيئة "كرة الثلج" ، فإننا نفضل تحرير النزاع هنا بردِّه إلى أسئلته المباشرة ، القاطعة والصارمة ، على النحو الآتى: هل كان هذا الجانب من الاعلان مباغتاً ، حقاً ، للسلطة فى الخرطوم؟! بعبارة أخرى: هل كانت خافية عليها ، أصلاً ، رؤية حزبى الأمة والاتحادى الديموقراطى لهذه المسألة قبل ورودها فى الاعلان؟! ثم هل هى ، فى الأصل ، قضية دينية أم سياسية؟! وإن كانت قضية دينية ، كما يزعم الخط الدعائى للاسلامويين ، فكيف يمكن تفسير موقف تيار د. الترابى ، القائد التاريخى للحركة ومهندس انقلابها عام 1989م ، من مسألة "العاصمة الجاذبة" للوحدة فى "وثيقة لندن"، والتى لا يمكن قراءتها إلا كرديف لمسألة "العاصمة القومية" فى "وثيقة القاهرة" ، بالنظر إلى كون "الجاذبية" مقصوداً بها أهل الجنوب الذين سوف يصوتون فى استفتاء تقرير المصير عند نهاية الفترة الانتقالية؟! وفى سياق متصل ، هل يمكن ، إجمالاً ، اعتبار موقف الاسلامويين من هذه المسألة متسقاً بثبات فى كل الأحول كما ينبغى؟!
                  

08-09-2003, 03:37 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)


    (2)
    تلزمنا ، للاجابة على هذه الأسئلة ، العودة ، ابتداءً ، إلى أبرز المواقف الباكرة نسبياً من مسألة تطبيق الشريعة الاسلامية فى البلاد بعامة ، وفى العاصمة بخاصة ، وذلك من جهة حزبى الأمة والاتحادى الموقعَين على (إعلان القاهرة) يطالبان (بالعاصمة القومية) ، ثم من جهة الحركة الاسلامية التى كانت موحَّدة قبل انشقاق تيارها الرئيس بقيادة د. الترابى الموقع على (إعلان لندن) يطالب (بالعاصمة الجاذبة) ، ثم من جهة التيار الحاكم الذى يتصرف كما لو كان قد أعفى نفسه من مسئولية الموقف القديم (الموحَّد) خلف قيادة د. الترابى قبل الانقلاب، حيث كان قد وافق ، من حيث المبدأ ، على (استثناء العاصمة) من تطبيق (القوانين الدينية) ، مما سنأتى على ذكره فى حينه ، ولكنه يعود الآن "(ليدمغ) مطلب (الاستثناء) دينياً بتأويله على مطلب (العاصمة العلمانية) ، تمهيداً لتصويب سهامه إليه على هذا الأساس. وفى هذا السياق يجدر أخذ عدد من الملاحظات فى الاعتبار.

    فعلى أيام النميرى ، وبرغم التفاوت بين حزبى الأمة والاتحادى فى درجة حدَّة الموقف من "قوانين سبتمبر 1983م" التى كان النظام قد أصدرها باسم "الشريعة" ، بمباركة ودفع حلفائه آنذاك من الاسلامويين بقيادة الترابى ، إلا أن موقف كلا الحزبين قد خلص ، فى المحصلة النهائية ، إلى رفض تلك القوانين ، باعتبارها محض افتئات على الشريعة ، وأن الهدف من ورائها هو ، فحسب ، قمع الخصوم السياسيين وتثبيت أركان النظام المترنح وقتها، فهى "لا تسوى ثمن الحبر الذى كتبت به" ، وفق عبارة الصادق المهدى الشهيرة.

    ومما فاقم من كراهية الشعب لتلك القوانين ، أن الاسلامويين استخدموها ، فعلياً ، فى يناير 1985م ، لتصفية خصومة قديمة مع الجمهوريين وقائدهم الشهيد محمود محمد طه ، والذين ظلوا يكدحون ، حتى ذلك الوقت ، فى بذل تأييدهم للنظام ، ترتيباً على خطأ فادح فى الحساب السياسى ، حيث كانت كل الدلائل تشير إلى اكتمال عزلته عن الجماهير وقواها السياسية الغالبة ، فما شفع لهم شئ من ذلك عندما استغل الاسلامويون أوَّل بادرة معارضة أبدوها لتلك القوانين ، مع الخيوط الأخيرة لشمس النظام الغاربة ، ليقدموهم ، بتهمة الردة ، إلى محكمة قضت بإعدام الشهيد واستتابة أتباعه ، وتم تنفيذ ذلك كله فى مشهد مأساوى توزعته ساحة الاعدام الفسيحة وغرفة الاستتابة الضيِّقة ، مِمَّا أعاد إلى الأذهان ذاكرة عصور الانحطاط ، وشكل صدمة مروِّعة للوجدان المسلم ، فى السودان وفى غير السودان ، لم يخفف من أثرها حتى قرار المحكمة العليا ، عقب سقوط النميرى المدوِّى ، ببطلان تلك المحاكمة.

    وبعد انتفاضة أبريل 1985م التى أطاحت بالنميرى ، دخل حزب الترابى (الجبهة الاسلامية القومية) ، على خلفية ملابسات الانتخابات العامة ، فى حكومة ائتلافية مع حزبى الأمة والاتحادى ، بعد أن أعلن موافقته على (تجميد) قوانين سبتمبر ، (مشترطاً) إصدار (قوانين بديلة) فى غضون شهرين! ومع أن عدة (مشاريع بديلة) كان قد جرى إعدادها من قبل جهات مختلفة ، على رأسها مشروع لجنة الوفاق الوطنى ومشروع حزبى الأمة والاتحادى علاوة على مشروع نقابة المحامين ، إلا أن د. الترابى سارع ، من موقعه كوزير للعدل ، وفى ظروف انعدام الارادة السياسية الموحَّدة فى تلك الحكومة ، لإعداد مسودة للقانون الجنائى (لاحظ: القانون الجنائى!) ، أراد تمريرها وحدها عبر إجراءات مجلس الوزراء فالجمعية التأسيسية.

    لكن ، ولما لم تفت على القوى السياسية الأخرى ، بما فيها حزبا الأمة والاتحادى ، المخاطر الجمَّة المخبوءة طىَّ تلك المسودة ، فإن صراعاً حاداً ما لبث أن انفجر حولها ، كما كان متوقعاً ، فى مجلس الوزراء ثم فى الجمعية التأسيسية.
                  

08-09-2003, 04:03 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)



    (3/1) إنفجر الصراع ، ابتداءً ، داخل مجلس الوزراء الذى أبدى رئيسه السيد الصادق المهدى العديد من التحفظات الفقهية والسياسية على المشروع ، سواء من حيث عدم قطعية ورود ودلالة بعض ما اشتمل عليه من حدود ، كحدِّ الردة ، مثلاً ، أم من حيث وضعية (العاصمة القومية) التى كان الجنوبيون قد رفعوا مطلب استثنائها من التطبيق على أقل تقدير. هكذا ، ولما صار من المتعذر إجازة مجلس الوزراء للمشروع كنص متكامل ، فقد تقرر تقديمه إلى الجمعية التأسيسية مصحوباً بمذكرة التحفظات التى كان أهمها:

    أ/ أن المسائل المختلف عليها بشأن الحدود تترك للنقاش والتصويت المفتوحين فى الجمعية.

    ب/ أما بالنسبة لوضعية العاصمة القومية فقد كلف المجلس رئيس الوزراء بالاجتماع مع رؤساء القوى المكوِّنة للائتلاف الحكومى بغرض الوصول (لاتفاق سياسى) بشأنها ، مع الأخذ بمطالب الجنوبيين فى الحسبان (الأيام ، 12/9/8.

    نتوقف هنا لنلاحظ من الناحية المبدئية أنه إذا كانت (الاتفاقات السياسية) هى نتاج (التفاوض) الذى يرتهن نجاحه إلى المدى الذى تكون فيه أطرافه مستعدة للمساومة وتقديم التنازلات bargaining ، فإن الصيغة الوفاقية الوحيدة التى أمكن لمجلس الوزراء ، بما فيه الاسلاميون ، الخروج بها لجهة وضعية التشريع فى العاصمة القومية ، هى تكليف رئيسه بإدارة (مفاوضات) بين مختلف الأطراف (السياسية) ، بغية التوصل لاتفاق (سياسى) حولها ، بكل ما يلزم ذلك من استعداد مبدئى للمساومة وتقديم التنازلات ، على حين بقى (الثابت) الوحيد الذى ينبغى استصحابه هو مطالب الجنوبيين ، أى المطالب التى سرعان ما سنعلم أنها تصبُّ بقوة فى اتجاه (استثناء العاصمة) من تطبيق أى قوانين دينية.

    (3/2) وفى الحقيقة لم يكتف غير ما واحد من أعضاء مجلس الوزراء أنفسهم ، شماليين وجنوبيين ، علاوة على قيادات بارزة فى حزبى الأمة والاتحادى ، بتأكيد عدم إجازة المجلس للمشروع ، وخروجه فقط بهذه الصيغة ، بل زادوا على ذلك تعبيرهم صراحة عن رفضهم لذلك المشروع ، وتفضيلهم للمشروعات الأخرى المار ذكرها ، علاوة على كيلهم الاتهامات للاسلامويين بإساءة استغلال الظروف والاجراءات.

    أ/ فلقد شنَّ ، مثلاً ، د. أحمد بلال ، عضو الهيئة البرلمانية عن الحزب الاتحادى ، ووزير الدولة للصحة آنذاك (يشغل الآن منصب وزير الصحة الاتحادى ، منسلخاً عن حزبه ، ومتحالفاً مع حزب الاسلامويين أنفسهم ، بل وداعياً للاندماج فيه ، فتأمَّل!) شنَّ هجوماً عنيفاً على الاسلامويين ، متهماً إياهم بالسعى لإعادة تجربة قوانين سبتمبر وتجربة السفاح نميرى فى تشويه صورة الاسلام والبطش بالشعب (الأيام ، 13/9/8.

    ب/ كما أكد د. عبد الملك الجعلى ، وزير الشئون الدينية والأوقاف عن الحزب الاتحادى أيضاً، بأن الجمعية ستنظر فى جميع المشاريع وصولاً لصيغة موحدة ، ووصف ادعاءات الاسلامويين بأنها محض "مزايدات سياسية" (الأيام ، 16/9/8.

    ج/ أما السيد نقد الله ، عضو المكتب السياسى لحزب الأمة ، فقد صرح ، من جهته ، بأن لديهم تحفظات واضحة حول الأحكام الحدِّية فى المشروع ، وأن قطاعاً من نوابهم يرى الأخذ بمشروع لجنة الوفاق وإرجاء البت فى مشروع د. الترابى لحين انعقاد المؤتمر الدستورى (المصدر نفسه). ودعا السيد سيد احمد الحسين ، نائب الأمين العام للحزب الاتحادى ، إلى تقديم كل المشروعات إلى الجمعية التأسيسية (الأيام ، 19/9/8.

    د/ وأما من جهة الوزراء الجنوبيين فقد أكد السيد جوشوا دى لوال ، وزير الشباب والرياضة وعضو الجمعية ، أن مجلس الوزراء لم يصدر أمراً بإجازة المشروع ، بسبب الخلاف الذى نشب حوله ، بل اكتفى بإحالته إلى الجمعية مع بقية المشروعات. ووصف المشروع بأنه سيعوق مساعى إنهاء الحرب فى الجنوب ، كما أنه سيصادر حقوق غير المسلمين ، خاصة فى العاصمة القومية إذا ما رفض اقتراح الأحزاب الجنوبية باستثنائها من التطبيق (الأيام ، 13/9/8.

    (3/3) ولكن د. الترابى أصرَّ ، رغم ذلك كله ، على تفسير قرار مجلس الوزراء بأنه إجازة لمشروعه ، ووصف تلك الاجازة المزعومة ، فى نمط معهود من المكابرة السياسية ، بأنها "انتصار للارادة الاسلامية"، و"تجاوز لمقاومة حادة ذات ضغوط داخلية وخارجية" ، بل واستبق أعمال الجمعية التأسيسية ، قاطعاً بأنها ، هى الأخرى ، "ستسير بذات الاتجاه فتتجاوز تلك المقاومة بإجازة المشروع" (الأيام ، 12/9/8.

    (3/4) مهما يكن من أمر ، فلا مناص من مضاهاة ذلك الموقف القديم ، المتحمِّس لإخضاع التشريع (للارادة الاسلامية) ، على حدِّ تعبير د. الترابى فى معركة القانون الجنائى عام 1988م ، بالموقف الجديد الذى يخضع ذات التشريع (للاجماع الوطنى) ، حسب النص المتضمن فى (إعلان لندن) عام 2003م ، وذلك بطرح السؤال الملح عمَّا إذا كان المطلوب ، فى كلا الحالين ، نصرة الدين لوجه الله تعالى أم مجرَّد الكسب الحزبى فى معمعة الصراع الدنيوىِّ على السلطة؟!

    ولعلنا نستطيع ، من هذه الزاوية وحدها ، وبصرف النظر عن موضع (إعلان لندن) من إعراب (إعلان القاهرة) ، أن نلمح (الأيديولوجية السياسية) الكامنة خلف ما يراد تصويره (كعرفان دينى) ، بحيث لا يعود ثمة شك فى أن ما يصفه المهدى (بالتهريج والتضليل) والميرغنى (بالمزايدة والمأزق) ليس هو ، بالقطع ، (الشريعة) المُعرَّفة بالألف واللام ، بل (تصوُّر) الحركة الاسلاموية للشريعة كأداة سياسية لإلجام المعارضين ، وقمع الخصوم ، وفتح الطريق، من ثمَّ ، لحصد النقاط الحزبية.

    (3/5) الشاهد أنه ، ولما كان تباين المواقف قد حال دون إجازة المسودة فى مجلس الوزراء ، فقد تقرر إيداعها طاولة الجمعية التأسيسية مع مذكرة بالمسائل الخلافية ، وأهمها ترك مسألة الحدود للنقاش والتصويت المفتوحين فى الجمعية ، وترك وضعية العاصمة القومية (للتفاوض) بغية الوصول لاتفاق (سياسى) بشأنها ، مع الأخذ فى الحسبان بمطالبة الجنوبيين (باستثنائها) من تطبيق القوانين الدينية. هذا هو ما يسميه د. الترابى (إجازة) من مجلس الوزراء لمشروعه انتصاراً (للارادة الاسلامية)!

                  

08-11-2003, 09:26 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)

    up
                  

08-09-2003, 04:13 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)




    (4)

    (4/1) وكما كان متوقعاً أيضاً ، انتقل الخلاف حول ذلك المشروع من مجلس الوزراء إلى الجمعية التأسيسية.

    أ/ فما أن اكتملت مناقشته فى مرحلة القراءة الأولى وأصبح جاهزاً للتصويت عليه فى مرحلة القراءة الثانية ، حتى فوجئ الاسلامويون بزعيم الجمعية عن حزب الأمة يقترح سبع مسائل للتصويت عليها بدلاً من التصويت على المشروع! أهم تلك المسائل ضرورة الاتفاق على ماهية الحدود و(استثناء العاصمة القومية) حال التطبيق!

    ب/ مُنيت كل الجهود التى بذلها الاسلامويون لتصحيح ذلك الخطأ اللائحىٍّ البيِّن بالفشل الذريع، حيث كان واضحاً أن نواب الأمة والاتحادى قد قطعوا أمرهم فى ما بينهم على ذلك خارج الجمعية ، بما لديهم من أغلبية داخلها!

    ج/ ثم تكرر الفشل حين حاول الاسلاميون تعديل الاقتراح ، بحيث تتم إجازة المشروع والمسائل السبع معاً! ولكن زعيم الجمعية تمسَّك باقتراحه دون أدنى تعديل.

    (4/2) ولما لاحت ، نهائياً ، نذر الأزمة التى كان من شأنها الاطاحة بالاسلامويين إلى خارج دائرة الائتلاف الحاكم ، نهض د. الترابي ليعلن أنه لا يرى فرقاً بين مشروعه وبين اقتراح زعيم الجمعية بنقاطه السبع!

    هكذا فاز الاقتراح المضاد ، بما فيه (استثناء العاصمة القومية) من تطبيق أى قوانين مستمدة من الشريعة ، بموافقة الاسلامويين الذين احتفظوا بمقاعدهم ، على هذا الأساس ، ضمن تركيبة الحكم ، لا يرون فرقاً بين هذا وذاك!

    (4/3) تداعت الأحداث بعد ذلك حتى وقع الانقلاب الاسلاموى فى الثلاثين من يونيو 1989م دافعاً ببقية القوى السياسية إلى مواقع المعارضة داخل وخارج البلاد. وبالمقابل فإن النظام لم يوفر وسيلة للقمع المادىِّ أو المعنوىِّ إلا واستخدمها ضد هذه المعارضة ، بما فى ذلك الترويج الدعائى القديم لجعل القطاع المسلم وسطها (متهوماً) فى الذهنية والوجدان الشعبيين بالسعى (لمحاربة) الدين وإقامة نظام (علمانى فاسق)! وهذا هو ، بالضبط ، ما فعله النظام أيضاً بمناسبة صدور (إعلان القاهرة) مؤخراً.



    (5)

    (5/1) يجدر بنا ، عند هذا الحد ، وقبل أن نعمد إلى تقصِّى حقيقة مواقف الأطراف المختلفة طوال الفترة الممتدَّة ما بين الانقلاب وصدور (الإعلان) ، أن نقف على حقيقة الدلالة الاصطلاحية التاريخية لمفهوم (العلمانية) نفسه ، ونشأته فى تاريخ الفكر الأوروبى فى مطلع عصر الحداثة بحقبه الثلاث (النهضة ـ الإصلاح الدينى ـ التنوير) ، من جهة ، واستخدامه المخل من جانب السلطة فى سياق صراعاتها مع المعارضة من الجهة الأخرى. نفعل ذلك بإيجاز ، كوننا قد أسهبنا فيه ، من قبل ، عبر عدة مقالات منشورة يمكن الرجوع إليها لمن أراد الاستفاضة.

    أ/ فالعلمانية secularism ، بالمصطلح الغربى العام ، أو اللائكية laicisme ، فى الطور الفرنسى الخاص ، هى مفهوم محدَّد أنتجه الفكر البرجوازى الأوروبى بدلالة تحرير (السلطة الزمنية) من قبضة (الاكليروس الكنسى) ، المؤسسة الإجتماعية ذات المصالح الدنيوية التى ارتبطت بكل المظالم التى أفرزتها التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية للاقطاع ، والحارسة الأيديولوجيَّة لعلاقات إنتاجها ، وصائغة تبريراتها الروحية فى التاريخ القروسطى الأوروبى ، قبل أن تهب البرجوازية ، رافعة مجموع الشعب الكادح على طريق ثوراتها التاريخية ، وأشهرها الثورة الفرنسية (1789م) ، لتقوِّض سلطة (الإكليروس) بمصادرة أملاكه ، وإلغاء الأتاوات التى كان يفرضها ، بل وبتصفية النظام الإقطاعى نفسه ، وإصدار (الإعلان الفرنسى لحقوق الإنسان والمواطن) ، تحت التأثير المباشر لفلسفة الأنوار ، وإلحاق شئون الأسرة ومسائل التربية والتعليم وما إلى ذلك باختصاصات السلطة (المدنية). لقد تلازم صعود المركانتلية مع عمليات التهميش الثورى المتسارع للاقتصاد الطبيعى الريفى الذى كان يشكل أساس نفوذ الإقطاع والكنيسة ، مما هيَّأ لصعود مناهج جديدة فى الفلسفة والميتافيزيقيا كتفكير فى الوجود خارج مفاهيم اللاهوت ، ورتب لواقع فكرى جديد ، أصبحت فيه الفلسفة عقلية ، على حين بقى اللاهوت نقلياً ، حسب د. برهان غليون.

    ب/ ورغم أن (العلمانية) لم تستهدف ، أول أمرها ، إنجاز مفاصلة ما مع (الدين) ، بقدر ما هدفت إلى إخضاع الكنيسة الكاثوليكية لسلطة الدولة باستقلال عن كنيسة روما ، إلا أن ثمة عوامل تاريخية محدَّدة دفعت (بالعلمانية) ، وبخاصة طبعتها الفرنسية (اللائكية) ، على طريق التحوُّل إلى أيديولوجيا مصادمة للدين ، حسب ديفيد مارتن ورضا هلال. من ذلك وقوف (الكهنة) فى أعقاب الثورة الفرنسية ضد إعلان الجمهورية (1793م) ، الأمر الذى ترتب عليه وضع جماهيرى عام اتخذت من خلاله المعركة بين (الجمهوريين) و(الملكيين) طابع العداء بين (العلمانية/اللائكية) وبين (الإكليروس) المتحوِّل ، فى الذهنية العامة ، إلى معادل موضوعى لمفهوم (الدين) نفسه. ثم ما لبث الأمر أن تطور ليفضى ، فى الجمهورية الثالثة ، إلى مواجهة شاملة ، بين (الدين) و(الدولة) ، باسم القيم (اللائكية الجمهورية) فى مواجهة القيم (المسيحية الملكية).

    ج/ إذن ، وبما أن لكل ثقافة وحضارة (عقلانيتها) الخاصة ، فإن (العلمانية) ليست سوى مظهر لـ (عقلانية أوروبا) الحداثية كمنجز حضارى تاريخى ، فى سياق وقائع محدَّدة لصراع المجتمع ـ الاكليروس ، كما قد رأينا ، بحيث أصبحت هذه (العقلانية ـ rationalism) أسلوباً فى التفكير والتفلسف ، فى الحياة اليومية وفى الممارسة المعرفية ، تتفق حوله أغلب الفلسفات السائدة في الغرب اليوم ، والتى تعود بجذورها ، كما هو معلوم ، إلى فلسفات تأسست ، أصلاً ، فى اليونان وروما القديمة.

    (العلمانية) ، بعبارة أخرى ، هى جنين (العقلانية) الأوروبية الوضعية ، الطالعة من رماد الحرب التى اندلعت ، فى التاريخ القروسطى الأوربى ، بين (إكليروس) حلَّ محلَّ السماء فى الأرض ، ومنح إرادته البشرية سلطاناً (مقدساً) على السلطة الزمنية ، وعلى حركة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والفلسفية والفكرية والثقافية ، وبين (مجتمع مدنى) صارع لتحرير سائر مقدراته من بين فكى تلك الهيمنة ، فكان محتوماً أن يقع الاصطدام (بالكهنوت) فى أفق ذلك الصراع ومآلاته التاريخية ، وأن يطبع ، من ثمَّ ، (عقلانية) أوروبا بطابعه الخاص ، إلى المدى الذى عمد فيه ذلك (الكهنوت) لترتيب التماهى ، فى الذهنية الغربية العامة ، بين ذاته والسماء ، وفق الأساليب والمناهج الثيوقراطية theocratic التى اتبعها.

    (5/2) أما (عقلانية) الثقافة الاسلامية فتتجذر فى صميم الدين نفسه ، فى عشرات الآيات والأحاديث التى توقر الكرامة الانسانية ، وتعلى من شأن العقل ، وتحض على حرية التفكير والاختيار حتى فى مسائل الإيمان نفسه. فليس فى الاسلام مؤسسة (إكليروس) تكفِّر أو تمنح صكوك غفران ، بل العكس هو الصحيح تماماً. فالاسلام ".. يعطى الانسان مجال التفهم بعقله .. حاثاً على استخدام العقل فى خمسين آية .. وعلى التفكير فى 18 آية" (الصادق المهدى ؛ أحاديث الغربة ، ط 1 ، دار القضايا ، بيروت 1976م ، ص 33). والمؤمنون مأمورون ، فى سبيل معرفتهم لله عزَّ وجل وإيمانهم نفسه ، بالتزام عمليات عقلية تستخدم فيها جميع الحواس من بصر وسمع وخلافه: "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون" (78 ؛ النحل) ، أى "تؤمنون" (تفسير الجلالين). كما وأنهم مأمورون بالتمييز بين شئون (دينهم) وأمور (دنياهم): "ما أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه، أما ما كان من أمر دنياكم فأنتم أدرى به" ، وفى رواية أخرى: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" ـ رواه مسلم وابن ماجه وابن حنبل. وهكذا فإن الاسلام لا يعترف بطبيعة للدولة غير الطبيعة المدنية.

    (5/3) وليس مستغرباً أن القائلين بخلاف ذلك لا يستصحبون أهم وجوه النظر الفقهى لدى الصحابة الأجلاء والخلفاء الراشدين ، فيسقطون من حسابهم ، بالكلية ، على سبيل المثال الساطع ، مراكمات الفاروق عمر الاجتهادية فى أعقد المسائل وأكثرها خطراً ، وهو الذى قال فيه النبى (ص) عن ابن عمر: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" ، وعن مجاهد قال: "كان عمر يرى الرأى فينزل به القرآن" ، وذلك لكون الوحى قد وافق فتاواه فى أغلب الأحيان، حتى سُمِّيَت تلك الفتاوى (موافقات عمر) أو (ما نزل من القرآن على لسان عمر) ، مما أفاضت كثير من المصادر فى تفصيله (راجع مثلاً: الاتقان فى علوم القرآن لجلال الدين السيوطى). وللدقة ، فإنك قد تصادف ، هنا أو هناك ، نماذج من تلك الفتاوى العُمَريَّة حول غيرة نساء النبى ، وحول احتجابهن ، وحول اتخاذ مقام إبراهيم مصلى ، وما إلى ذلك. ولكنك، بالكاد ، تصادف نماذج من فتاواه الأخرى ذات الطابع السياسى ، مثل فتواه بعدم توزيع أرض الشام وسواد العراق على المقاتلة ، والاستعاضة عن ذلك بالابقاء عليها فى أيدى أصحابها مع فرض خراجها عليهم ، وذلك برغم ما قد يُفهم من منطوق النص الكريم: "واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .." إلى آخر الآية (41 ؛ الأنفال). لقد غلب الفاروق وجه المصلحة فى مقاربة الفهم الصحيح لجوهر هذا النص فى تلك الواقعة ، تحديداً ، من حيث حرصه على توخى العدل تجاه الذرية والأرامل ، وتجاه أجيال المسلمين الذين سوف يأتون فى الغد ليجدوا الأرض بعلوجها قد اقتسمت وحيزت وورثت ، علاوة على احتياج الثغور لما تسَدُّ به. وما زال يسوق حججه (العقلية) للصحابة حتى اقتنعوا ، ففرض الخراج (أنظر: كتاب الخراج لأبى يوسف ، ص 14). ومن ذلك ، أيضاً ، إلغاؤه سهم (المؤلفة قلوبهم) المنصوص عليه ضمن الآية الكريمة (60 ؛ التوبة) ، والذى سار عليه ، من قبله ، أبو بكر اقتداءً بعمل الرسول (ص) ، وفتواه بعدم جواز قطع يد السارق فى عام الرمادة ، وغير ذلك كثير. ويتحفظ بعض المفكرين على تسمية هذا المنهج بـ (التعطيل) ، فالأمر ، من زاوية نظرهم ".. لا يعنى (تعطيل) النص، بل يعنى فقط تأجيله بالتماس وجه آخر فى فهمه وتأويله" (د. محمد عابد الجابرى ؛ الدين والدولة وتطبيق الشريعة ، ط 1 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 1996م ، ص 45). وهذا ، على أية حال ، موقف أكثر استقامة من مجرد الاستكانة إلى الوجَل والجمود اللذين لا يورثان ، فى نهاية المطاف ، سوى أحد أمرين لا ثالث لهما: فإما أن يُمسى هذا المنهج منكوراً عياناً بياناً ، أو يصبح مسكوتاً عنه ، فى أفضل الأحوال ، مع كون كلا الأمرين وجهاً لعملة فكروفقهية واحدة! ومهما يكن من أمر فإن ما ينبغى أن يكون مناط اهتمامنا هو المنهج نفسه ، لا عنوانه.

    التعاطى العقلى ، إذن ، مع النص من باب توخى (مصلحة الأمة) ، أو (المصالح الكليَّة) بالمصطلح الشرعى ، هو أحد أهم عناصر المنهج العُمَرى أو (الشروط العُمَريَّة) ، فى فهم النصوص وتطبيقها. وقد تطوَّر هذا المنهج (العقلانى) المستنير ، خلال تلك الفترة ، من باب استيفائه لمقتضياته الشوريَّة ، فلم يفرضه الفاروق ، على الأمَّة أو الصحابة. بل إن الصحابة أنفسهم قد دأبوا على اعتماد منهج (النظر العقلى) هذا فى مقاربة النصوص بمعيار (المصالح الكليَّة) ، فما كان الفاروق شذوذاً عن قاعدة ما ، بقدر ما شكل تجاوزاً بقدراته الاستثنائية شديدة التميُّز والخصوصية.

    (5/4) ومن ثمَّ ، فقد حقَّ النظر بعين النقد المباشر والمستقيم ، إن لم يكن بعين الشك المبرّر ، لأىِّ مسعى لإسقاط هذا المنهج ، أو أية محاولة لإغفاله ، والاستعاضة عنه بالمناهج التلفيقية لتوليف منظومة فقه (الأحكام السلطانية) الانتقائية المستندة إلى اجتهادات فقهاء آخرين من عصور وأزمنة مختلفة ، بعد (تنزيههم) عن خصيصة (المحدودية) البشرية ، و(رفعهم) إلى مستوى (القداسة) المستعلية فى فضائها السرمدى ، وذلك ضمن أعمال المتأخرين من حكام ومفكرى ومثقفى المسلمين ، فى غياب ، أو ربما تغييب أى مداخل نقدية تيسِّر قراءة أولئك الفقهاء قراءة صحيحة.

    (5/5) والمسلمون ، اليوم ، ومسلمو السودان بخاصة ، وفى ظروف الانقسام المبهظ ، إلى حدِّ التشظى ، الذى يَسِمُ راهنهم ، والتطوَّرات الهائلة ، على المستويين الداخلى والعالمى ، التى طالت كافة حقول حياتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية ، محتاجون ، أكثر من أى وقت مضى ، لـ ".. إعادة تأصيل الأصول على أساس اعتبار المصلحة الكلية ، كما كان يفعل الصحابة. وبعبارة أخرى ، فإن تطبيق الشريعة ، التطبيق الذى يناسب العصر وأحواله وتطوُّراته ، يتطلب إعادة بناء مرجعية للتطبيق. والمرجعية الوحيدة التى يجب أن تعلو على جميع المرجعيات الأخرى هى عمل الصحابة. إنها المرجعية الوحيدة التى يمكن أن تجمع المسلمين على رأى واحد ، لأنها سابقة على قيام المذاهب وظهور الخلاف ، وهى أيضاً الصالحة لكل زمان ومكان لأنها مبنية على اعتبار المصالح الكليَّة" (المصدر السابق ، ص 52 ـ 53). وفى قول الجوينى ، إمام الحرمين: "إن سُبرَ (أى اختبار) أحوال الصحابة رضى الله عنهم ، وهم القدوة والإسوة فى النظر ، لم يُرَ لواحد منهم فى مجالس الاستشوار (أى الاستشارة) تمهيد أصل واستثارة معنى ، ثم بناء الواقعة عليه (أى كما يفعل الفقهاء فى قياساتهم) ، ولكنهم يخوضون فى وجوه الرأى من غير التفات إلى الأصول ، كانت أو لم تكن"، ويقصد بذلك (الأصول) التى وضعها الفقهاء لمذاهبهم الفقهية (ضمن المصدر نفسه ، ص 51 ـ 52).

    (5/6) ولعل من أخطر ما انتهى إليه المسلمون اليوم هو هذا الوضع الفكروفقهى الذى يكاد يختلط فيه ما هو نصٌّ قطعىُّ الورود والدلالة فى القرآن الكريم أو السنة المطهرة بما هو محض اجتهاد فقهى بشرى مسيَّج بمشروطية أبستيمولوجية وتاريخية محدَّدة ، بصرف النظر عن مدى ثقل الشحنة التى يحملها من المصطلحات الإيمانية أو المعجم الثيولوجى. وإنه لمن المؤسف حقاً أن يحتاج المرء للتدليل على كون المشروعات الفقهية الضخمة نفسها فى التاريخ الاسلامى ، بما فيها أعمال وفهوم الصحابة الأجلاء ذاتهم ، وفيهم الخلفاء الراشدون ، دع عنك الحواشى والشروحات والتفاسير التى ترد على المتون المرجعية الأصلية فى القرآن والسنة ، إنما هى من قبيل هذا الاجتهاد الذى نهض بعبئه ، وراكمه ، بشر مسلمون كانوا بمثابة مفكرى ومثقفى عصورهم ، بالمصطلح الحديث ، وخلاصة مستوى الوعى الاجتماعى الاسلامى زماناً ومكاناً. فابن رشد ، على سبيل المثال ، جابه ، من موقعه كمفكر وفقيه وفيلسوف مسلم ، أسئلة عصره الكبرى ، خلال القرن الثانى عشر الميلادى ، فلم يقف متردِّداً ينظر إلى الخلف فى وجل ، بل مضى يقتحم بتجرُّؤ واقتدار كافة أسوار المعضلات الشائكة ، مستنهضاً فرضيته الأساسية القائمة فى عقلانية الاسلام الفلسفية والعلمية ، فخلص بالنتيجة إلى رفد الفكر العالمى بأسره بعناصر تنويره الأساسية. هكذا ، لم تكتف (الرشدية) بأن تتمأسس كمرجعية يستحيل تجاوزها على صعيد الفكر العربى الاسلامى ، فحسب ، بل وعلى صعيد الفكر اللاتينى المسيحى. والإمام الشافعى تصدى ، من جانبه أيضاً ، كعالم إسلامى ، لإشكاليات التشريع والقضاء فى عصره ، فوضع رسالته الشهيرة فى أصول الفقه ، مستهدفاً "أن يخلع على الفقه والتشريع نوعاً من التماسك والانضباط والوحدة لمواجهة قضايا العصر والمسلمين آنذاك .. كان يريد خلع نوع من التماسك والجدية على العمل العقلى للقاضى ، وعلى العمل العقلى للفقيه ، عندما يتنطحان للافتاء فى مسألة ما أو لحل مشكلة ما" (محمد أركون ؛ "الاسلام والحداثة" ، ترجمة وعرض هاشم صالح ضمن ندوة "مواقف" بنفس العنوان، ط1 ، دار الساقى ، لندن 1990م ، ص332 ـ 334).

    ومع ذلك كله فإن جلال ذلك الاجتهاد ، بالغاً ما بلغ من القِدَم أو سداد المقاربة للحقيقة الدينية ، لا ينفى عنه نسبيته المترتبة ، من جهة ، على محدوديته البشرية ، من حيث احتماله للخطأ والصواب ، كخاصية متأصلة وملازمة ، تقطع بينه وبين نصوص الوحى المطلق ، المنزَّه والمعصوم ، والمرتبطة ، من الجهة الأخرى ، بعامل تغيُّر الأزمان ، وهو عامل وثيق الصلة بخاصية المحدودية البشرية أيضاً. فمشروع ابن رشد ، على ضخامته وجرأته وعقلانيته ، لا يمكن إنجازه الآن ، مرة أخرى ، بذات المنهجيات التى اتبعها فى التاريخ القروسطى ، وكذلك مشروع الامام الشافعى فى عصره ".. لأن الطرائق والمنهجيات التى اتبعها الشافعى وابن رشد ، على الرغم من اختلافهما ، قد أصبحت الآن فى ذمة التاريخ (أى) .. مادة للتاريخ والمؤرخين ، وليست طريقاً ناجعاً يوصلنا إلى الشاطئ المرجو ويخرجنا من الورطة" (المصدر نفسه ، ص 334).

                  

08-09-2003, 04:19 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)



    (6)

    (6/1) إن شيئاً من ذلك قد قرَّ ، ولا بُد ، فى وعى المعارضة السياسية فى السودان ، بالثقل المستعرب المسلم داخلها ، فتمثلته وطوَّرته إلى حدٍّ مرموق، حتى الآن على الأقل ، عبر مسالك صراعها ضد مشروع (الدولة الدينية) الذى تهيَّأ للدفع باتجاه نهاياته القصوى ، منذ أواخر ثمانينات القرن الماضى ومطالع تسعيناته ، وحتى (إعلان القاهرة) أواخر مايو ، ثم (إعلان الخرطوم) مطالع يوليو الماضيين. فأول ما تلتقطه العين المنتبهة فى وثائق هذه المعارضة ، طوال الفترة المذكورة ، وسواء على مستوى نشاطها التحالفى أم أدائها الحزبى المنفرد ، هو عدم استخدامها لمصطلح (العلمانية) ، ولو مرَّة واحدة ، حتى بعد انضمام حركة قرنق إليها. أما معالجتها لمفهوم (فصل الدين عن السياسة) فقد خلت تماماً مِمَّا يمكن اعتباره احتجاجاً (علمانياً) على طابع التديُّن فى الحياة العامة ، أو (شطباً) للدين من حقول نشاط الأسرة أو المجتمع أو الدولة أو حركة الفكر أو الثقافة أو التربية أو التعليم أو ما إلى ذلك من مقوِّمات (العلمانية) فى أصل المصطلح الغربى ، علماً بأن الحديث لا يدور ، هنا ، عن محض (التمييز) بين ما هو (دينى) وما هو (دنيوى) ، مما أضحت هذه القوى تبدى ، منذ حين، انعطافاً باتجاهه يهئ لمقاربة إشكالية (الدين الدولة) من موقف أكثر استنارة ووثوقاً فى الانتماء إلى (عقلانية) الاسلام ، ومنابع الحركة والتجدد فى ثقافته. فليس هذا (التمييز) من (العلمانية) فى شئ ، وإنما هو (أصل) مؤسس جيداً ، كما قد رأينا ، على قاعدة منهج المصلحة فى الحديث الشريف: (أنتم أدرى بشئون دنياكم).

    (6/2) ولعلنا نجد معنى كبيراً هنا للنقد المفصح الذى سدَّده د. غازى صلاح الدين ، أحد أبرز مفكرى النخبة الاسلاموية الحاكمة نفسها ومستشار شئون السلام لدى رئاسة الجمهورية ، لشعار (الاسلام هو الحل) باعتباره مجرد (شعار فضفاض) ، على حدِّ تعبيره ، ودعوته للحركة الاسلاموية للصمود أمام تحديات (الحداثة) وأوضاع المرأة والأقليات والحريات ، دون أن تكون (الشعارات) منافذ للهروب الأمامى من مواجهة أزمات الماضى والحاضر والمستقبل، وذلك من خلال التأكيد على التعددية الحزبية والثقافات المغايرة والتيارات الحديثة، وضبط مفهوم الأمة فى سياق الظرف الدولى القائم. فبدون ذلك لن تحصد الحركة ، برأيه، سوى الفشل ، حيث لن يذهب الدين وإنما ستذهب هى (الرأى العام ، 23/11/2001م).

    (6/3) وبذات القدر والمنطق لا يستطيع التحليل المنتبه أن يغفل إفادة أخرى كالتى أدلى بها السيد مكي على بلايل ، القيادى الاسلاموى السابق فى الحزب الحاكم ، وسلف د. غازى صلاح الدين فى موقع المستشارية الرئاسية لشئون السلام ، حيث أحال هجوم الحكومة وحزبها على (إعلان القاهرة) إلى دوافع (سياسية) وليست (دينية) ، ووصف (الشعارات) التى استخدمتها لهذا الغرض العديد من واجهات النظام ، مثل هيئة علماء السودان والحركة الاسلامية وهيئة الدفاع عن العقيدة والوطن وغيرها ، بأنها محض تهريج واستغلال (بشع) للدين لتحقيق مصالح ضيقة حتى لو أدى ذلك الى فتنة عمياء بين الناس عامة والمسلمين خاصة. وقال إن مفهوم (العاصمة القومية) مشمول بمواثيق سبق أن أصدرتها أو وقعت عليها الحكومة ، وأورد مشابهات لهذا النص في اتفاقية الخرطوم للسلام من الداخل ، والدستور الحالي ، وبروتوكول ماشاكوس. واتهم النظام بأنه لا يطبق شرع الله بالفعل ، وأنه نحر المشروع الإسلامي وتنكر لجوهر الشرع ومقاصده ، حيث ظل يتعامل بالربا لتمويل خزان مروى من غير ضرورة ملحة ، ويهدر قيمة العدالة وهي من جوهر التشريع الاسلامي. وحمَّل بلايل نفسه ، كمنتسب للانقاذ يوماً ، قدراً من المسئولية ، ولكنه ألقى بالمسئولية الأساسية على عاتق من أسماهم "بالثلة المتنفذة" (صحيفة "الحرية" نقلاً عن موقع "الشعبى" على الشبكة العالمية ، 14 /6/ 2003).

    (6/4) مهما يكن من أمر ، وأيَّاً كانت التقديرات بشأن إفادات د. غازى والسيد بلايل ، فإن ما وقع فعلاً هو أنه ، وعلى حين انغلق النظام الاسلاموى فى إسار التوتر (الشعارى) لمطلبه المعلن (بتطبيق الشريعة) و(وصل الدين بالدولة) ، جاعلاً منه ترياقاً مضاداً للحداثة والديموقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ، فإن البيان الختامى لمؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية (23/6/1995م) ، والذى يعتبر أقوى وأشمل التعبيرات التواثقية التى صدرت حتى الآن عن تجمع المعارضة بثقله المستعرب المسلم ، لم يستخدم ، البتة ، صيغة (فصل الدين عن الدولة) ، رغم أنه صدر بعد انضمام حركة قرنق إليه ، بل استخدم منهج المصلحة ، بذهن منفتح ، ليخلص إلى حظر تأسيس الأحزاب السياسية على أسس دينية ، واعتماد المواطنة أساساً للحقوق والواجبات ، وإلزام الدولة باحترام تعدد الأديان والمعتقدات ، وعدم رؤية أى تناقض بين الاسلام وبين المبادئ العصرية لحقوق الانسان المضمنة فى المواثيق والعهود الاقليمية والدولية.

    (6/5) لقد جاءت تلك المقررات كتلخيص شامل لحزمة تعبيرات تواثقية سابقة عليها ، وأهمها، على سبيل المثال:

    أ/ نص المادة (10) من (مشروع الدستور الانتقالى) المجاز فى الدورة الثانية لانعقاد هيئة قيادة التجمع بلندن (26 يناير ـ 3 فبراير 1992م) على وجوب أن "تعامل الدولة معتنقى الأديان السماوية وأصحاب كريم المعتقدات الروحية دون تمييز بينهم فيما يخص حقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم فى هذا الدستور كمواطنين ، ولا يحق فرض أى قيود على المواطنين أو على مجموعات منهم على أساس العقيدة أو الدين ـ (و) يهتدى المسلمون بالاسلام ويسعون للتعبير عنه ـ (و) يهتدى المسيحيون بالمسيحية ويسعون للتعبير عنها ـ (و) يحظر الاستخدام المسئ للأديان وكريم المعتقدات الروحية بقصد الاستغلال السياسى".

    ب/ ونص (إعلان نيروبى) حول علاقة الدين بالسياسة (17 أبريل 1993م) ، على اعتبار مواثيق حقوق الانسان الدولية جزءاً من القوانين السودانية ، وبطلان ما يخالفها ، وكفالة القانون للمساواة بين المواطنين على أساس حق المواطنة ، واحترام معتقداتهم ، وعدم التمييز بينهم بسبب الدين أو العرق أو الجنس ، وبطلان ما يخالف ذلك فى القوانين ، وعدم جواز تأسيس أى حزب سياسى على أساس دينى ، ووجوب اعتراف الدولة واحترامها لتعدد الأديان وكريم المعتقدات ، وتحقيقها للتعايش والتفاعل والمساواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات ، وسماحها بحرية الدعوة السلمية للأديان ، ومنعها للاكراه أو التحريض على إثارة المعتقدات والكراهية العنصرية ، والتزام التجمع بصيانة كرامة المرأة ، والاعتراف لها بالحقوق والواجبات المضمنة فى المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان ، وتأسيس البرامج الاعلامية والتعليمية والثقافية القومية على الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الانسان الاقليمية والدولية.

    (6/6) ولا يمكن ، بالطبع ، إلا من باب المكابرة الفجة والمغالطة الغليظة ، إطلاق صفة (العلمانية) ، كما استقرت فى حرفية المصطلح الغربى ، على أىٍّ من كل هذا الذى توصلت إليه المعارضة ، فى مستوى نشاطها التحالفى.



    (7)

    (7/1) أما فى مستوى الأداء الحزبى المنفرد:

    أ/ فقد أعلن حزب الأمة ، غير ما مرة ، تمسكه بمقررات أسمرا ، رغم مغادرته (التجمع) ، بل اقترح أن توقع الحكومة عليها "إختصاراً للوقت .. بحيث تكتمل الصورة وينغلق باب المماحكة والجدل العقيم" (الصحافى الدولى ، 10/9/2000م).

    ب/ وما زال الحزب ناشطاً فى تعميق رؤيته لإشكالية (الدين والدولة) من منظور (العقلانية الاسلامية) ، مما انعكس ، مثلاً ، فى ورقة العمل التى أجازها مكتبه القيادى بتاريخ 9/7/2001م ، لتحمل موقفه التفاوضى النهائى فى المؤتمر التحضيرى من أجل الحل السياسى الشامل الذى كان مزمعاً عقده ، فى سياق المبادرة المصرية الليبية المشتركة أوان ذاك ، حيث طالب الحكومة بإجلاء (مسألة الدين والدولة) بما ".. يؤكد أن المواطنة هى أساس الحقوق والواجبات .. (وأنه) لا يحق لأى مجموعة .. أن تنال امتيازات بسبب انتمائها الدينى ، (وأن) الأحزاب .. تقوم على أساس مفتوح لكل المواطنين .. ولا تفرق بين الناس على أساس دينى ، (وأن) القوانين السارية على كل المواطنين مصادرها تكون مقبولة لهم جميعاً ، (وأن) القوانين ذات المصادر غير المقبولة للجميع يكون تطبيقها مخصصاً". كما حدد أن تكون ".. مصادر التشريع هى إرادة الأمة على ألا تخالف الشريعة ، الأديان السماوية ، الثقافات الوطنية والمواثيق الدولية".

    ج/ وفى محاضرته بكادونا فى 30/6/2001م ، حذر المهدى المسلمين النيجيريين من مغبة التطبيق الانفعالى للشريعة على حساب وحدتهم الوطنية ، وتجربتهم الديموقراطية ، والحكمة المتاحة لهم فى التعلم من تجارب الآخرين ، ضارباً المثل بتجربة نميرى الفاشلة فى 1983م (الصحافى الدولى ، 22/7/2001م).

    د/ كما حذر مسلمى السودان من ".. أن إكساب الدولة أية صبغة دينية من شأنه زيادة حدة الاستقطاب والفعل المضاد" (الرأى العام ، 20/8/2001م).

    ولا يخفى ، بالطبع ، فى هذه التعبيرات ، إتفق الناس أم اختلفوا حولها ، النزوع نحو الاتساق مع (العقلانية الاسلامية) ، والنأى عن الالتباس الذى يخلفه استخدام مصطلح (العلمانية) كمظهر (لعقلانية) الثقافة الغربية.

    (7/2) أما تمثل الحزب الاتحادى (للعقلانية الاسلامية) فى قضية (الدين والدولة) فقد تعمَّق عبر جملة مواقف سياسية عملية سابقة على (إعلان القاهرة) بوقت طويل:

    أ/ ففى (مبادرة السلام السودانية) التى أطلقها الميرغنى وقرنق بأديس أبابا فى 16/11/1988 تمهيداً لعقد المؤتمر القومى الدستورى ، نص البند (أ/1) على "تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة فى قوانين سبتمبر 1983م ، وألا تصدر أية قوانين تحتوى على مثل تلك المواد .. إلى حين قيام المؤتمر". فلئن كانت حركة قرنق تشترط ، فيما مضى ، الإلغاء التام لتلك القوانين ، فإن الحزب الاتحادى ، بنجاحه فى إقناعها بذلك الاتفاق ، قد أبدى مستوى مرموقاً من الاستعداد لمنازلة (الشعارات الفضفاضة) وإعلاء (منهج المصلحة) من خلال الحوار الديموقراطى ، مما استحق الترحيب الداوى فى الشارع السودانى ، المسلم وغير المسلم ، كونه فتح باباً واسعاً للأمل فى تجاوز الاختناق الوطنى إلى رحاب الوحدة والسلام والمساواة والديموقراطية ، عبر المؤتمر الدستورى الذى قطع الانقلاب الاسلاموى فى يونيو 1989م الطريق ، للأسف ، أمام عقده فى سبتمبر من نفس العام.

    ب/ وفى خطابه إلى بابنجيدا فى 21/9/1991م ، حول المبادرة النيجيرية لسلام السودان ، شدَّد الميرغنى على أن (اتفاق أديس) لم يهدف لمعالجة (قضية الجنوب) فقط ، بل كل قضايا السودان ، وأنه حظى بقبول كل القوى ما عدا الجبهة الاسلامية ، وأن الحكومة كانت قد حددت يوم 14/7/1989م موعداً لإبلاغ الحركة الشعبية بذلك لولا وقوع الانقلاب ، وأن هذه الآلية ما تزال محل إجماع قوى التجمع "لإيقاف الحرب .. (و) تأسيس السودان الحديث .. فى إطار الوحدة والسلام الدائم والديموقراطية و .. حقوق الانسان".

    ج/ وفى (نداء السودان) الصادر فى القاهرة بتاريخ 1/3/2001م أكد المهدى والميرغنى أن السلام العادل والتحول الديموقراطى يعنيان كفالة "الحرية ، والمساواة على أساس المواطنة ، و .. التعايش بين الأديان والثقافات .. وحقوق الانسان .. (و) التبادل السلمى للسلطة عبر انتخابات عامة .. (و) نبذ العنف ، ورفض القهر والتسلط .. وتحديد المسئوليات فى ظل دستور ديموقراطى يكفل الحقوق للجميع".

    د/ وفى رسالته من القاهرة إلى جماهير حزبه طالب الميرغنى ".. بالالتفاف حول مبادئ الحزب وثوابته المتمثلة فى الديموقراطية وحقوق الانسان وبناء السودان الجديد القائم على المساواة وحقوق المواطنة" (الأيام ، 24/7/2001م).

    هـ / ولعلها من المفارقات ذات الدلالة الخاصة فى ما نحن بصدده هنا أن النظام الذى (يتهم) المعارضة الآن (بالعلمانية) ، رغم أنها لم ترد فى (إعلان القاهرة) ، بل لم ترد ولو مرة واحدة فى كل أدبياتها كما قد رأينا ، هو نفسه الذى كان قد وافق على (إعلان المبادئ) الصادر عن (الإيقاد) فى 20/5/1994م ، والذى نصَّ صراحة على (الدولة العلمانية)! وتكتمل المفارقة تماماً حين نعلم أن الميرغنى ، رئيس التجمع والحزب الاتحادى ، هو الذى لفت نظر سكرتارية (الإيقاد) ، وقتها ، إلى "أهمية إعطاء الأولوية لوحدة السودان ، وتجنب المصطلحات التى تقود إلى البلبلة وسوء الفهم مثل مصطلح (العلمانية) فى الصياغة النهائية" (مذكرة حول السلام والوحدة والديموقراطية ، 27/12/1994م)!!

    (7/3) الشاهد أنه لا يصعب ، يقيناً ، أن نلمس فى مجمل هذا الطرح أيضاً مقاربة لذات اجتهاد حزب الأمة القائل بأن النظم الديموقراطية الحديثة تماثل المبادئ التى أتى بها الاسلام قبل خمسة عشر قرناً ، فيطابق تطور الفكر الانسانى فيها حقائق الوحى ، علاوة على الفقه الذى يعقد السيادة للشعب ، والمرجعية لهيئاته المنتخبة ، حيث العصمة للأمة ، فى مجملها ، لا لإمام فرد. فهل تجوز ، هنا أيضاً ، نسبة شئ من هذا إلى (العلمانية) ، كما فى الأبجدية الفكرية الغربية ، اللهمَّ إلا بغير القليل من (الحَوَل السياسى)؟!

    (7/4) وأما الحزب الشيوعى ، فإن انتباهته الباكرة لضرورة إعادة صياغة الاشكالية حول (الدين والدولة) من المنظور (العقلانى) إنما تكشف بجلاء عن كون اتهامه بـ (الالحاد) ، ناهيك عن (العلمانية) ، هو محض (مزايدة) مفضوحة فى إطار التشويه المتعمد لحقائق الصراع السياسى فى بلادنا (أنظر ، للمزيد من التفصيل ، مقالتنا: "مثار النقع" ، الصحافة ، 2/1/2001م).

    أ/ فقد جاء فى وثيقة مؤتمره الخامس (أكتوبر 1967م) أن القوى (الرجعية) ظلت تعمل "فى إطار الحركة السياسية (العقلانية) .. ولكن تصاعد نشاط الجماهير .. دفع بها إلى ترك الحياة السياسية (العلمانية) .. ونشر جو من الدجل اليمينى .. يهدف .. إلى قيام سلطة رجعية باسم الدين". ولذلك ألزم الحزب نفسه بالعمل "كقوة فكرية تتصدى لهذا الخطر ، وتواجهه بخط يضع الدين فى مكانه بين حركة الشعوب" (أقواس التشديد من عندنا ـ الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، دار الوسيلة 1986م ، ص 169 ـ 170).

    ولا يعجز حتى النظر العابر عن التقاط الاستخدام المنتبه ، هنا ، لمصطلح (العلمانية) ، لا بمدلولاته التى استقرت فى الفكر الغربى منذ حقبة التنوير ، وإنما كمرادف لمفهوم (العقلانية) فى الفكر الاسلامى.

    ب/ ويسخر الحزب فى برنامجه ممن يحاولون تصوير الاسلام وكأنه يدفع شعوبه إلى قبول العيش تحت ظل الاستعمار (المؤمن) ضد الاشتراكية (الملحدة) ، ويفصح عن موقفه الرافض لهذا (التزييف) للاسلام الذى يرى فيه "قوة للجماهير المناضلة فى سبيل الكرامة والحرية" ، معتبراً من واجبه أن "يجاهد بحزم وبصبر لتحرير الدين .. بوضعه فى مجرى تطوره الحقيقى .. ضد التمييز الطبقى وحكم الطاغوت ، ومن أجل السير بالحضارة الاسلامية إلى عالم القرن العشرين".

    ج/ وفى مذكرته إلى المجلس العسكرى عام 1985م طالب الحزب بأن يضمن الدستور الانتقالى أعلى درجة من احترام الأديان ، وأكد أنه "يستمد .. من أصول الشريعة الاسلامية ما يلائم العصر من أحكام ، ويحترم كل الأديان وكريم المعتقدات ، ويعارض كل دعوة فوضوية للمساس بمعتقدات وبمقدسات الشعب ، ويعارض بنفس المستوى المتاجرة باسم الدين فى السياسة وشئون الحكم" (المذكرة ، أغسطس 1985م).

    د/ وخلال المشاورات التى أجراها مجلس رأس الدولة عام 1988م مع الكتل البرلمانية ، وضح جليَّاً المستوى العالى الذى ارتقى إليه فكر الحزب فى تدقيق التعاطى مع المفاهيم والمصطلحات ، فقد سعى إلى فض الالتباس الذى يخلفه استخدام مصطلحات (دولة علمانية/دستور علمانى/دستور إسلامى .. الخ) ، وتقديم البديل الاصطلاحى والمفهومى المناسب ، حيث أكد أنه ليس معنياً بحرفية المصطلحات ، أو بما إذا كان مصطلح (العلمانية) بكسر العين أو فتحها، وإنما يولى كل اهتمامه لـ (الديموقراطية) ، كحريات عامة وحقوق أساسية ونظام حكم ومؤسسات ، وأنه يعارض (الدولة العلمانية) عندما تصادر (الديموقراطية)، كما فعل مع ديكتاتورية عبود (العلمانية) ، ومع نظام مايو الذى بدأ يسارياً و(علمانياً) ، ثم أعلن قوانين سبتمبر 1983م ونصب نميرى إماماً. ومنذ ذلك الحين ظل الحزب يدعو إلى تجاوز استقطاب (دولة دينية/دولة علمانية) ، مقترحاً مفهوم ومصطلح (الدولة المدنية) ، دون أن يغفل التنبيه إلى أن (الدولة المدنية) لا تسمح بأن يتحول المجتمع الى خمارة أو ماخور ، كما قد يسارع البعض (لاتهامها). لكن ضمانها لذلك ، وفق محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب ، لا يبدأ بأدوات القمع ، بل بواعز التربية السياسية والثقافية ، واعز الدين والاخلاق ومثال القدوة الحسنة في الأسرة والمجتمع.



    (

    أخيراً ، وبإصدار غالبية القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى فى 2/7/2003م (لإعلان الخرطوم) الداعم (لإعلان القاهرة) ، والمتضمن "الالتزام بالدولة المدنية الديموقراطية القائمة على المواطنة التى يتساوى فيها الجميع فى الحقوق والواجبات" ، لم يعد التركيز على مفهوم ومصطلح (الدولة المدنية) محض اقتراح من الحزب الشيوعى ، بل محل إجماع وطنى عام ، وقد رأينا كيف لامسته من قبل وثيقة مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية (1995م) ، بما يؤسس لأشراط مقايسات مفهومية مغايرة عمّا كان سائداً فى السابق وسط الجماعة المسلمة فى بلادنا ، على صعيد وعيها بذاتها وباستحقاقات السلام والوحدة والديموقراطية ، بما يفرض على الاسلامويين إعادة قراءة متأنية لمجمل تلك الوقائع والتحوُّلات ، وتحديد مواقعها من إعراب بعضها البعض ، توسُّلاً موفقاً لمراجعة أبنيتهم الفكرية ، وخطوطهم السياسية .. ويقيناً إن فيهم لأذكياء كثر!



                  

08-09-2003, 04:23 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)

    وجدنا هذا المقال الممعن في الثراء
    بسودانايل
    نستميحكم وكمال الجزولي وسودانايل عذرا في هذا النقل الذي نرجو ان لا يكون مخلا
    ولتعميم الفائدة
                  

08-09-2003, 09:36 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)

    فوق
                  

08-09-2003, 09:47 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)

    فوق
                  

08-11-2003, 03:00 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)

    UP
                  

08-11-2003, 11:45 PM

SAMIR IBRAHIM
<aSAMIR IBRAHIM
تاريخ التسجيل: 01-05-2007
مجموع المشاركات: 2628

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)

    الاخ الصحاف....قصدي هناي....البحيري...

    تحياتي

    يا خوي شايفك بترفع في الموضوع ده لمن نفسك قام......قلنا النديك مساعده شويه.......بس بدون مداخله....

    قالوا يا حبيبو في واحد نخرتو طويله....كان في ميت يبقي سيد الوجعه وكان في عرس يبقي ود خالة خال عم عمة العريس ..ويمسك العرس علي حسابو...المهم الحبيب ابو نخره طويله...جا ماشي لقي ليهو ناس ملمومه......يخوانا الحاصل شنو....قالو ليهو حادثه وفيها ميت......اخونا شال عمتو وربطها في نصو واتحزم بيها ....وقعد يكورك ..يا زول زح ...الميت عمي ..يا زول وسع الطريق الميت عمي...لمن الناس كلها قعدت تعاين ليهو مستغربه وتوسع ليهو ....لمن وصل الميت ..عاين ليهو لقاهو حمااااار....

    قلنا بس نرفع ليك الموضوع .......

    (عدل بواسطة SAMIR IBRAHIM on 08-11-2003, 11:49 PM)

                  

08-12-2003, 03:04 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: SAMIR IBRAHIM)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de