نحو قانون ديمقراطي للصحافةالسودانية:فحص الوثائق 2:من أوراق منظمة ح الصحافة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 11:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة فتحي علي حامد علي البحيري(فتحي البحيري)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-24-2004, 09:24 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نحو قانون ديمقراطي للصحافةالسودانية:فحص الوثائق 2:من أوراق منظمة ح الصحافة



    حالة الصحافة في السودان
    آمال عباس
    صحيفة "الحرية"
    (ورقة عمل مقدمة في المؤتمر السنوى للمنظمة العربية لحرية الصحافة – مايو 2002)

    إن بروز منظمة حرية الصحافة العربية التي تداعينا لحضور مؤتمرها السنوي الأول … دليل على ان واقع الصحافة حتم علينا هذا التلاقي المجيد .. بغية الخروج بها من مكبلاتها والعمل على تمكينها من أداء رسالتها كسلطة وكمرآة تعكس واقع مجتمعها .. وتجسد آمال وطموحات شعوبها.

    إن العلاقة بين الصحافة والديمقراطية لا تنفصم أبداً فواقع الصحافة في الدول المتقدمة حيوي وهام في صنع القرار وتشكيل الرأي العام .. أما في كثير من بلدان العالم العربي مكممة الأفواه ومغلولة الأيدي بفعل كثير من السياسات الأحادية والقوانين المعيقة.

    استمحيكم عذراً أن أقف عند حالة السودان..
    رغم أن بروز قانون الصحافة في السودان يعود لعام 1930 إلا أننا نجد أن السودان يفتقر لوجود مؤسسة صحيفة أمتد عمرها لخمسين عاماً فقط.. ورغم قدم التجربة فقد ظلت القوانين بمثابة القيد المكبل لانطلاقة الصحافة مع أن الكثير من المراقبين يجمعون على أن القارئ السوداني من أكثر القراء التهاماً للمادة المطبوعة كتاباً كانت أو مجلة أو صحيفة وإذا كان قانون الصحافة ظل منذ إجازته في عهد الاستعمار يهدف لتغييب الإرادة الوطنية … فقد زادت وطأته أكثر في عهد الحكومة الحالية بدرجات متفاوتة .. وظل قانون الصحافة والمطبوعات يتعرض للتعديل منذ عام 1993-1994-1996-1999 .. وكل التعديلات تتحدث عن هامش الحرية … ويترك الأمر للجنة الشكاوي والرصد لتتابع هذا الهامش.

    ففي دورة 1999 عطلت صحيفة "الرأي الآخر" لمدة 72 يوماً خلال خمسة أشهر منذ مايو – 15 سبتمبر وفي السادس عشر من سبتمبر عطلت بقرار من رئيس الجمهورية استمر لمدة ثلاثة أشهر وعشر أيام وعادت بفضل الضغط الشعبي ومجهودات الكثيرين.

    إن قضية حرية الصحافة في بلادنا لا تتحكم فيها إرادة لجنة الشكاوى بالمجلس القومي للصحافة فقط فهناك الرقابة المباشرة التي يقوم بها جهاز الأمن الداخلي والتي ظلت تخضع الصحف للمطالعة بواسطة أفراد من هذا الجهاز يأتون الى دور الصحف … وينزعون ما ينزعون من المواد.

    وواصلت الصحف التعبير عن الضيق بهذه الرقابة في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن الحريات … وبالفعل وبعد اجتماعات عديدة مع رئيس الجمهورية ومع وزير الاتصالات والإعلام رفعت الرقابة عن الصحف باستثناء أربع صحف هي (الرأي الآخر – ألوان – الوطن – خرطوم مونتر ) ولاحقاً رفعت الرقابة ولكنها أرجعت إلى (ألوان – خرطوم مونتر).

    ولكن وبعد صدور القرار الخاص بإلغاء الرقابة القبلية ظلت الأجهزة الأمنية على اتصال دائم بالصحف تحدثها عن الخطوط الحمراء وعن الأخبار المطلوب تغييبها أو المطلوب إبرازها … ورغم القرار الصادر بإلغاء الرقابة إلا أن الصحف ظلت تتلقى اللوم والتأنيب مقابل مواد وجدت طريقها للنشر.

    مثلاً صحيفة "الحرية" قامت بنشر حوار أجري مع المعارض السوداني د. منصور خالد… اتصل جهاز الأمن برئيس التحرير وأبدى عدم رضائه إلا أن العقاب جاء بعد يومين .. إذ قام جهاز الأمن الداخلي بحجز حصة الأقاليم من الصحيفة وواضح أن العقوبة اقتصادية.

    والمؤسف أن الحد من الرقابة القبلية المباشرة واكبه رفع عدد من قضايا النشر من قبل مصالح ومؤسسات حكومية. مثلاً مقابل كاريكاتير واحد رفعت ثلاثة قضايا ضد صحيفة "الحرية" .. من (ديوان الزكاة، ديوان الضرائب، ومصلحة الجمارك) ومقابل القضية التي رفعت من ديوان الزكاة أدينت الصحيفة وغرمت ثمانية مليون جنيه سوداني، ومازالت قضية الضرائب والجمارك أمام المحكمة وأيضاً صحيفة "الرأي الآخر" التي أدينت مؤخراً في دعوى رفعتها وزارة المالية وغرمت 4.5 مليون جنيه سوداني وهناك قضايا مرفوعة ضد صحف (الأيام – وألوان – والوطن) وكلها من قبل مصالح أو مؤسسات حكومية.

    بالاضافة الى ذلك هناك حرب شعواء على الصحافة المستقلة تتمثل في حجب الاعلان الحكومي عن كل صحيفة تريد أداء رسالتها المقدسة بعيداً عن المؤثرات … فعانت الصحف والصحفيون … وبات خطر التوقف عن الصدور يهدد العديد من المؤسسات الصحفية.

    ومن صور محاولات تقييد الصحافة ظاهرة التحقيق مع الصحفيين بواسطة نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة في قضايا رأي لا علاقة لها بالثوابت الممثلة في الأمن الوطني أو القوات المسلحة.. مثال ذلك قضية ديوان الزكاة رفعت الى نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة مع رئيس التحرير الأستاذ سعد الدين ابراهيم ورسام الكاريكاتير الأستاذ صلاح حمادة.
    من المفارقات … أنه في الوقت الذي يتسع فيه صدر العالم للاستماع للرأي الآخر والعمل على تمكينه من القيام بدوره في مجتمعه نجد الأمور في شرقنا تسبح عكس التيار … رغم بروز بعض الاشراقات هنا وهناك ولكن يبقى القول أن علينا كمعنيين بحرية الصحافة الاستفادة القصوى من المواثيق والعهود الدولية التي تدفع بالصحافة نحو آفاق أرحب وهنا أشير لمواثيق الأمم المتحدة في مجالات حقوق الانسان التي تأتي في طليعتها حرية التعبير كما أن بروز منظمات أممية داعمة للشفافية مثل منظمة الشفافية العالمية واتفاقية كوتونو الموقعة بين الدول الأفريقية والكاريبية والباسيفكية والاتحاد الاوروبي لنسهم بفاعلية في ازالة قيود الصحافة .. ويبقى علينا كصحافيين عرب البحث عن سبل يتم من خلالها تفعيل دور الصحافة
                  

04-24-2004, 09:30 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو قانون ديمقراطي للصحافةالسودانية:فحص الوثائق 2:من أوراق منظمة ح الصح (Re: فتحي البحيري)


    القانون والحرية: قراءة فى ملامح التنظيم القانونى لحرية الرأى والتعبير فى التشريعات العربية
    د. محمد نور فرحات
    (ورقة عمل مقدمة في المؤتمر السنوى للمنظمة العربية لحرية الصحافة – مايو 2002)


    الحديث عن علاقة القانون بالحرية حديث متعدد الأطراف متشعب الدروب. والاصطلاحات المستخدمة فى هذا الحديث اصطلاحات ذات طبيعة إشكالية . فهل نقصد بالقانون القواعد التشريعية النافذة ؟ أم يضاف إلى ذلك القواعد العرفية باعتبار أن العرف هو مصدر من مصادر القانون يأتى بعد التشريع ؟ بديهى أن الحديث عن التشريع والحرية ينطوى على تناول نظرة السلطة العامة أو مؤسسة الدولة العربية لقيمة الحرية كما أفرغت فى قالب تشريعى . أما إذا توسعنا فى معنى القانون لنضمنه العرف فإننا نضع بذلك عينا على حقل القانون وننظر بالعين الأخرى إلى حقل الثقافة الاجتماعية لكون العرف هو أحد أوعية هذه الثقافة .

    ورأينا فى عجالة أنه سواء أخذنا القانون بمعناه التشريعى أو بمعناه العرفى الاجتماعى فهو يقف موقفا محافظا إن لم يكن مخاصما لقيمة الحرية. ذلك أن القانون أنطولوجيا هو نقيض الحرية المطلقة أو نفى لها مادام يستهدف تنظيم العلاقات الاجتماعية بما يعنى وضع قيود على ممارسة الأفراد لحرياتهم إذا كان فيها مساس بالمجتمع أو بحريات الآخرين .
    ولهذا شغل البحث عن مناطق فى السلوك الإنسانى مرتبطة بحريات ألإنسان لا يجوز للقانون أن يفتأت عليها شغل شرائح المفكرين منذ أقدم العصور بدءا من شيشرون فيلسوف القانون الرومانى حتى فلاسفة القانون الطبيعى والحقوق الطبيعية غير القابلة للتنازل عنها فى مطلع العصر الحديث حتى منطرى حقوق الإنسان وسيادة الديموقراطية والحريات العامة فى الوقت المعاصر . واستقر فى الضمير القانونى الحر اليوم أن النظام القانونى الناضج والرشيد هو الذى يقيم موازنة دقيقة بين قيمة الحرية واحترام حقوق الإنسان من ناحية وبين مصلحة المجتمع وأمنه واستقراره من ناحية ثانية
    ومن أسف أنه سواء أخذنا القانون بمعناه التشريعى أو بمعناه العرفى فإن السلطة العربية – سلطة الدولة كانت أو سلطة المجتمع - تولى الاعتبار الأكبر لأمن المجتمع واستقراره على حقوق الأفراد وحرياتهم فى سياقات ثقافية تختلط فيها كثيرا مصلحة المجتمع مع مصالح الزمر العشائرية التقليدية والجماعات الحاكمة . فكل من السلطة العربية والمجتمع العربى إذن يضع الحرية فى درجة دنيا من درجات الأولويات .

    فى عام 1957 نشر فيلسوف القانون الأشهر هربرت هارت H. Hart كتابه الشهير عن القانون والحرية والأخلاق ناقش فيه السؤال الأزلى الذى ما زلنا نناقشه الآن عن مشروعية أن يعتدى القانون على الحريات الفردية بزعم حماية الأخلاق العامة . وقاده هذا إلى مناقشة عدد من القضايا التفصيلية ذات الأهمية البالغة حول أولوية الأخلاق الإجتماعية على المصلحة أو العكس كمحتوى للتنظيم القانونى . وانتهى بطبيعة الحال إلى النهاية المتوقعة من أصحاب التيار الوضعى فى الفقه الأنجلو أمريكى من أحفاد جيرمى بنتام فيلسوف النفعية الأكبر أن معيار التنظيم القانونى هو المصلحة الاجتماعية وحدها مقاسة بمقياس نفعى وأن مسألة الأخلاق وحمايتها تخرج بطبيعتها عن دائرة التنظيم القانونى .
    ونحن بطبيعة الحال لا نستطيع لانتمائنا إلى نسق ثقافى مغاير تماما يعطى الأخلاق مكانا بارزا فى منظومة الضبط افجتماعى ، لا نستطيع أن نوافق على ما انتهى إليه هارت حتى ولو كانت هذه الرؤية الفلسفية للقانون أصبحت هى الرؤية المعتمدة لدى مشرعى الغرب اليوم وشائعة على المستويات المعرفية والتطبيقية فى عصر العولمة.
    وكل ما نأمل فيه وندعو إليه ونناضل من أجله كمثقفين أو كرجال قانون ينتمون إلى حضارة القهر والتسلط أن نخفف من قبضة القهر والتسلط هذه بأن تكون السلطة سواء تمثلت فى سلطة الدولة أو المجتمع أو الأسرة أو المسجد والكنيسة عندنا أكثر رأفة برعاياها وأكثر تمثلا لثقافة العصر من حيث الإنحياز لقيم الحرية وحقوق الإنسان فيما تصدره من أنساق لمعايير السلوك الإنسانى سواء أكانت هذه المعايير هى القانون الصادر عن الدولة أو العرف الذى يسنه المجتمع أو معايير الحلال والحرام التى تخطها المؤسسات الدينية أو قواعد العيب التى تضعها المؤسسات الإجتماعية الأخرى .
    ولنتوقف بعض الشئ عند نظامنا التشريعى العربى لنتفحص صلته بقيمة الحرية .
    أما عن التشريع فالتعرف عليه أمر هين فى النصوص التشريعية النافذة بين ظهرانينا تنظم أمورا درجت الثقافة الإنسانية على اعتبارها مرتبطة بحريات الإنسان وحقوقه . وأما معنى الحرية فلن نبحث عنه بعيدا فى التراث الفلسفى للإنسانية وإنما سنتوقف عند هذا المعنى كما صاغته وحددته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بدءا من الميثاق العالمى لحقوق الإنسان حتى العهود والآتفاقات والإعلانات اللاحقة .وطبيعى أن تتعدد المسائل التى ينظر إليها على أنها تشكل محتوى للحريات والحقوق الأساسية : من حقوق وحريات مدنية وسياسية إلى حقوق وحريات إقتصادية وإجتماعية وثقافية إلى غير ذلك . وطبيعى أن تشتمل كل طائفة من هذه الحقوق والحريات على حقوق متعددة مثلما تشتمل الحقوق والحريات المدنية والسياسية على حرية الرأى والتعبير وعلى حق تطوين الجمعيات وحق تكوين الأحزاب السياسية وحرية العقيدة والحريات الدينية إلى غير ذلك .
    القانون العربى وحرية الرأى والتعبير
    ولكننا سنتوقف هنا عند حرية الرأى والتعبير لكونها فى نظرنا هى أم الحريات المدنية والسياسية لنرى كيف ينظمها المشرع العربى وإلى أى قيمة ينحاز – قيمة الحرية أم قيمة قهر الحرية .


    فإذا ما التفتنا إلى إلى التشريعات المنظمة لهذه الحريات فبوسعنا ان نورد باطمئنان الملاحظات التالية :

    الملاحظة الأولى :

    أن المشرع العربى ينظر ماديا إلي وسائل التعبير ونقل المعلومات على أنها قابلة للتحكم فيها والسيطرة عليها ماديا بواسطة أجهزة السلطة العامة .

    فالصحف تمكن مصادرتها أو وقف طباعتها أو إغلاقها بالطرق الإدارية أو القضائية. وينطبق نفس الأمر على الكتب والمطبوعات وأجهزة البث الصوتى أو المرئى . والصحفيون أو ناشرو الرأى والمعلومات هم دائما فى متناول قبضة السلطات العامة فى الدولة تسهل ملاحقتهم ومحاكمتهم وتقييد حرياتهم بل وتوقيع كافة العقوبات عليهم و إيذائهم بوسائل الإيذاء التى تملكها الدولة بأجهزتها المختلفة . فالمعبرون عن رأيهم وفقا لهذا التصور التشريعى الموضوعى هم دائما فى متناول يد الدولة وتحت سيادتها . ووسائط التعبير هي وسائط مادية تقع فى اطار الحدود الاقليمية للدولة وتخضع لسيادتها المطلقه كانت هذه السيادة مقيدة أو غير مقيدة بالقانون .





    الملاحظة الثانية :

    أن المشرع العربى فى تنظيمه لحرية الرأى والتعبير بما فى ذلك التنظيم القانونى للصحافة ووسائل الاتصال الجماهيرى يغلب ما يتصوره هو من اعتبارات للأمن والمصلحة العامة على قيم الحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان .



    وبهذا تمتلئ التشريعات العربية العقابية منها وغير العقابية بعديد من النصوص التى تنظر الى النشر الصحفى والبث المسموع والمرئى وممارسة حرية التعبير عموما على أنها أنشطة خطرة غاية الخطورة تجدر إحاطتها بسياجات قوية من المحظورات والقيود الملحقة بها جزاءات رادعة حفاظا على ما توهمه المشرع من اعتبارات الصالح العام والأمن القومى والنقاء العقائدي وثوابت الأمة الفكرية ومقدساتها وغير ذلك .



    إن الموازنة الدقيقة بين قيمة الحرية من ناحية وقيمة الأمن والنظام من ناحية ثانية ، هى موازنة مختلة فى التشريعات العربية لصالح الكفة الثانية دون الأولى. ويحار المرء عند ما يطالع عددا من التشريعات العربية ، كيف يمكن للسلطات العامة فى هذه المجتمعات أن تطبق هذا الكم الهائل من التشريعات المطاطة الغامضة العبارة القاسية الزاجرة فى وقت يتحدث فيه الجميع عن الالتزام بقيم التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان ؟ . وكيف يمكن للصحفيين وأهل الفكر والرأي ان يباشروا عملهم وأن يعبروا عن آرائهم مع ضمان حد أدنى من أمنهم الشخصي فى وجود هذا الكم الهائل من النصوص العقابية التى تعاقب على الفكر والرأى والهمسات والنوايا والخلجات والسوانح تطبقها أجهزة الدولة إذا تراءى لها وجود مساس بما تتصورة صالحا عاما فى وقت يختلط فيه مفهوم صالح الوطن بمصالح جماعات الحكم.



    ويمكن أن نعطى فى هذا السياق أمثلة من التشريع المصرى كنموذج على أمثلة متكررة فى العديد من التشريعات العربية لا يتسع المقام لذكرها جميعا- يمكن أن نعطى أمثلة بالنصوص العقابية الواردة فى قانون الصحافة وقانون المطبوعات . فبالإضافة إلى جرائم السب والقذف المنصوص عليها فى قانون العقوبات ( المواد من 303 إلى 308 ) تضمن القانون بابا هو الرابع عشر عن الجرائم التى تقع بواسطة الصحف وغيرها .



    فتعاقب المادة 171 على الإغراء بارتكاب جناية أو جنحة . وتعاقب المادة 172 على التحريض على ارتكاب جنايات القتل والنهب والحرق او الجنايات المخلة بأمن الحكومة . وتعاقب المادة 174 على التحريض على قلب نظام الحكم أو كراهيته أو الازدراء به أو تحبيذ وترويح المذاهب التى ترمى إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية او النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة أو الإرهاب او أية وسيلة غير مشروعة . وثمة نصوص تعاقب على تحريض الجند على الخروج عن الطاعة (م 175 ) والتحريض على بغض طائفة أو طوائف من الناس (م 176 ) والتحريض على عدم الانقياد للقوانين (م 177) وحيازة صور من شأنها الإساءة إلى سمعة البلاد (م 178 ) وإهانة رئيس الجمهورية (م 179) والعيب فى حق ملك او رئيس دولة أجنبية (م 181) والعيب فى حق ممثل دولة أجنبية معتمد فى مصر (م 182) وسب مجلس الشعب او مجلس الشورى او غيرها من الهيئات (م 184) هذا فضلا عن العديد من أفعال النشر وصور التعبير عن الرأى الأخرى التى تخضع للتجريم القانونى سواء بنصوص قانون العقوبات أو بنصوص قوانين اخرى .



    الملاحظة الثالثة :

    أن المشرع العربى ينظر بريبة شديدة إلى مبدأ حرية تداول المعلومات وحق الصحفيين والمواطنين عامة فى الحصول على المعلومات .ويكاد يكون المبدأ الحاكم فى هذا الشأن هو مبدأ الحظر لا الاباحه ، والتقييد لا الإتاحة .

    ومن الملاحظ أن النص على حق الصحفى فى الحصول على المعلومات والأخبار لم يرد إلا فى تشريعات خمسة دول عربية هى مصر والسودان واليمن والأردن والجزائر .



    ومع ذلك فان حرية تداول المعلومات تحاط فى كافة الدول العربية بقيود شديدة . فمن ناحية تخضع كافة التشريعات العربية الصحف والمجلات الأجنبية الواردة من الخارج لمختلف صور الرقابة وسلطة القبص والمصادرة . ووصل الأمر فى بعض البلاد العربية إلى تحريم الاتصال بشبكة الإنترنت ومتابعة الصحافة الإلكترونية أو فرض الرقابة عليها .



    وتمتلئ التشريعات العربية بالنصوص التى تحدد المعلومات المحظور تداولها أو نشرها . من ذلك المادة 77 الفقرة السابعة من قانون نظام العاملين بالدولة فى مصر التى تحظر على العامل أن يفضى بأى تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف إلا إذا صرح له الرئيس المختص كتابة . ويحظر قانون نشر الوثائق الرسمية رقم 121 لسنة 1975 على كل من اطلع بحكم عملة او مسئوليته أو حصل على وثائق ومستندات غير منشورة تتعلق بالسياسة العليا للدولة أو الأمن القومى ان يقوم بنشرها الا بتصريح خاص من مجلس الوزراء .



    وحدد القرار الجمهورى رقم 472 لسنة 1979 حدا أدنى لحظر هذه الوثائق بثلاثين عاما. وقد تبنى المشرع العربى عموما مفهوما واسعا جدا لأسرار الدفاع التى يحظر نشرها . من ذلك أنه يدرج ضمن هذه الأسرار كثيرا من المعلومات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية بل والقضائية التى تخرج عن المفهوم العادى لمعنى أسرار الدفاع . كما يحظر المشرع نشر أية أخبار أو معلومات أو بيانات أو وثائق تتعلق بالمخابرات العامة إلا بعد الحصول على إذن كتابى من رئيسها . كما يعطى لسلطات التحقيق القضائى الحق فى حظر نشر أية أخبار بشأن تحقيق قائم .



    كل هذه النصوص وغيرها وما يشابهها فى تشريعات الدول العربية تجعل ما تضمنته بعض الدساتير والقوانين العربية من تقرير حق الصحفى فى الحصول على معلومات نصوصا خاوية من أى مضمون .



    الملاحظة الرابعة :

    تتفق التشريعات العربية كافة فى القيود الشديدة التى تفرضها على إصدار الصحف وملكيتها من ناحية وتحكم قبضتها عليها بعد صدورها من ناحية ثانية . فهناك 17 دولة عربية لا تجيز إصدار الصحف إلا بناء على ترخيص أو تصريح مسبق . وتشترط تشريعات بعض الدول تأمينا ماليا كبيرا كشرط لمنح الترخيص بإصدار الصحيفة . كما تشترط البعض حدا أدنى لرأسمال الصحيفة .

    وتأخذ كثيرا من الدول العربية بنظام الملكية العامة او الملكية المختلطة للصحف . وتحظر جميع التشريعات العربية ملكية الأجانب للصحف او مشاركتهم فيها بأية صورة .

    وتفرض تشريعات 12 دولة عربية رقابة مسبقة على مضمون الرسالة الإعلامية . وتعطى كافة التشريعات العربية المتعلقة بالمطبوعات لأجهزة الإدارة حق منع الصحف من التداول ، وتخول لها سلطات الضبط الإداري على الصحيفة . وتعطى بعض التشريعات جهات الادارة حق التعطيل الإداري للصحيفة .

    أما فى حالات الطوارئ والحالات الاستثنائية فان قبضة السلطة العامة على الصحف وما تنشره من أنباء و آراء تشتد كثيرا .

    وتأخذ جميع التشريعات التى أخذت بنظام الترخيص بنظام الإلغاء الإداري للصحيفة اذا صدرت بدون ترخيص أو اذا خالفت شروط هذا الترخيص " .



    *****



    هذا النهج التشريعى العربى الذى يضيق ضيقا شديدا بممارسة حرية الرأي والتعبير ومنها حرية النشر والصحافة ، يمكن بطبيعة الحال رده تاريخيا إلى تجذر الاستبداد العربى فى البنية السياسية والاجتماعية العربية . ولكنه يرد فضلا عن ذلك من الناحية المعاصرة إلى التبريرات السياسية الرسمية التى تتبناها النخب الحاكمة على الساحة العربية .



    من هذه التبريرات ما يتذرع بالأمن القومى وضرورة الحفاظ على النقاء ( الثورى ) أو الايديولوجى ضد أعداء الثورة المتربصين بها رغم أن الأحزاب الأيديولوجية والتنظيمات (الثورية) العربية قد فشلت طوال مدة تقرب من نصف قرن من تحقيق أهدافها ولم يبق لها إلا لافتاتها التى تحتمى وراءها لمصادرة حقوق الإنسان لمواطنيها ومنها حرية الرأى والتعبير .



    ومن هذه التبريرات ما هو ذو طابع دينى يرفع شعار الحفاظ على العقيدة ضد أفكار الزيغ والهرطقة ، و الحفاظ على الأصالة ضد موجات التغريب ، والحفاظ على التراث فى مواجهة الرياح التى ترمى إلى اقتلاع هوية الأمة . وهذه كلها لافتات مقدسة يراد بها حماية الركائز الكهنوتية للنظم السياسية من أن تنال منها أقلام حرة أو صحافة منفتحة على عالمها وعلى قارئها .



    ويبدو الأمر كما لو انه لم يبق من مظاهر وحدة العالم العربى إلا اتفاق كافة المشرعين العرب على كبت حرية الصحافة وتقييد حرية الرأى والتعبير للمواطنين .



    التناقض مع روح العصر:

    ويبدو هذا النهج التشريعى العربى فى تناقض تام مع روح العصر سواء من حيث الأطر الفكرية القيمة السائدة فيه أو من حيث الواقع المادى المتمثل فى الثورة التكنولوجية وتأثيراتها المتصاعدة على تكنولوجيا الاتصال وحركة تدفق المعلومات عبر العالم .

    فالقيمة الفكرية الكبرى التى تحكم ضمير عالمنا اليوم هى قيمة حقوق الانسان . وعن طريق مرجعية مبادئ حقوق الإنسان يكون الحكم على أى تشريع منظم لمهنة الصحافة وممارسة حرية الراى والتعبير بالسلب أو الإيجاب .



    ومعلوم أن الدستور الدولى المنظم لحرية الرأى والتعبير متضمن فى المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية . هذا الدستور يقوم على ركائز أربعة :

    حرية اعتناق الآراء دون مضايقة ، وحرية التعبير المكتوب والمرئى والمسموع عن الرأي والمعتقد ، وعدم مشروعية فرض قيود الا تلك المتعلقة بصيانة حريات الآخرين وصيانة أمن المجتمع وفقا للمفاهيم السائدة عن مثل هذه القيود فى مجتمع ديموقراطى حر ، وحق المواطنين فى الاتصال وفى الحصول على المعلومات مع توافر الآليات القانونية لتأمين ذلك .



    ومن المسلم به فى فقه حقوق الإنسان ان الاستثناءات والقيود على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة يجب ان تكون محددة ونسبية وليست مطلقة بأي حل من الأحوال . وقد أكدت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أنه عندما تريد الدولة فرض قيود معنية على ممارسة حرية التعبير فلا ينبغى أن تؤدى هذه القيود الى شل الحق نفسة "



    ولكن يبدو أن هذا القيد الفكرى المتمثل فى ضمير وثقافة العصر لا يشكل هاجسا كبيرا يؤرق مشرعنا العربى . فقد اعتمد هذا المشرع منهجا فى التعامل مع قضايا حقوق الإنسان رآه منهجا مريحا مبرئا للذمة : أن ينص على هذه الحقوق ويحتفل بها فى الدستور و ألا يعبا بها كثيرا فى نصوص التشريع العادى والممارسات الإدارية .



    التشريع وثورة الاتصالات :

    و إذا كان هذا هو أمر مشرعنا العربى مع مبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بحرية الصحافة ، فان أمره مع تطور الواقع المادي المحيط بممارسة هذه الحرية أى مع ثورة الاتصالات الكونية لابد ان يكون جد مختلف . فالموقف التشريعى من المبادئ والقيم محكوم بالاختيار ، أما الموقف من الواقع المادى فتحكمه الضرورة .



    وثورة الاتصالات ، أي السرعة الهائلة لتدفق المعلومات فى عصر السماوات المفتوحة ليست قاصرة فى تأثيرها على الصحافة وحدها بل تمتد لتشمل كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة . وتتميز ثورة الاتصالات من ناحية التقنية بخصائص ثلاثة هى كما يلى : تلاشى المكان ، واختزال الزمان، والاستعصاء على القيود الإدارية الآمر الذى يخرجها عن سيطرة الدولة الوطنية بكل أجهزتها التقليدية.

    فلم يعد البعد المكانى الذى يصل الى آلاف الأميال حائلا بين صدور الصحيفة فى وقت واحد فى أطراف المعمورة ،أو حائلا دون بثها بالطريق الإلكتروني ليشاهد مادتها كل سكان الأرض فى وقت واحد على شبكة الإنترنت .



    وما كان يستغرق إرساله شهورا وسنوات من أخبار ومعلومات أصبح لا يستغرق إلا ثوان معدودة بحيث أن وقت الإرسال أصبح هو ذاتة وقت الاستقبال.

    ولما كانت القيود الإدارية والقانونية والأمنية التى دأبت الدولة الوطنية التقليدية على فرضها على تداول المعلومات والتعبير عن الراى تفترض بداءة إمكانية السيطرة المادية على مصادر الرأي والمعلومة أو على مستقبلى الرأي او المعلومة ، وهى الإمكانية التى تلاشت بفعل ثورة العلم التكنولوجيا وانعكاسها على المعلومات والاتصال ، أصبحت هذه القيود بما فيها جابها القانوني والتشريعي غير ذات معنى فضلا عن أنها غير ذات جدوى فى ظل واقع تقني جديد تماما على سلطة الدولة وجهازها التشريعى .



    وبعبارة أدق ، فقد ترتب على التقدم النوعى الهائل وغير المسبوق فى تقنيات الاتصال ان أصبحت القيود التشريعية على حرية الرأي والتعبير ومنها حرية الصحافة والإعلام نوعا من اللغو التشريعي. إذ أن النصوص المقيدة لحرية الإعلام والاتصال والتى يحفل بها النظام القانونى العربى، وقد عرضنا لقسماتها العامة آنفا ، أصبحت شاهدا بارزا على تحول التشريع إلى أداة عاجزة عن فرض هيبتها واحترامها وحمل الآخرين على الامتثال لها .



    فماذا تعنى تلك القيود الصارمة التى فرضها المشرع العربى على إصدار الصحف وعلى دخول المطبوعات الأجنبية إلى داخل البلاد فى وقت أصبحت فيه حيازة جهاز حاسب آلى شخصى مزود بجهاز صغير متصل بالأقمار الصناعية نافذة يطل منها صاحبها على أخبار و آراء العالم أيا كان تصنيف المشرع الوطنى لهذا الآراء والأخبار



    لقد لجأت بعض الدول العربية إلى محاولة مواجهة هذا التدفق الاتصالى بنصوص تشريعية بلهاء . والمشرع فى هذه الحالة يستخدم السيف الخشبى للتشريع لمحاربة ظواهر غير مألوفة لا قبل له بها . فإذا جرم المشرع حيازة أطباق الاتصال فغدا تصبح هذه الأطباق فى حجم الكف الصغير بحيث يتعذر اكتشافها. وإذا حظر المشرع على صاحب شركة الإمداد بخدمة الإنترنت بث المواقع التى تذيع معلومات أو آراء او صور محظورة ، فغدا ، بل الان، سيمكن الاتصال بشبكة الإنترنت مباشرة دون وسيط .



    وما يقال عن عجز المشرع الوطنى عن فرض قيود على مصادر بث المعلومات بفعل ثورة الاتصالات يقال أيضا عن الرقابة الإدارية على مضمون المادة الإعلامية وإحاطة هذه المادة بالمحظورات الأمنية والتشريعية ، ويقال كذلك عن السلطة التقليدية لأجهزة الدولة فى مصادرة الصحف وإغلاقها ، الى غير ذلك من السلطات والقيود التى أصبحت لا معنى لها فى عالم السماوات والافاق المفتوحة والحرية اللامحدودة فى انسياب المعلومات بثا واستقبالا عبر القارات.



    القيود التشريعية والتبعية الإعلامية ( الحرية إلى الخارج) :
    بل ان من شأن القيود التشريعية الشديدة التى تفرضها التشريعات العربية على حرية الرأى والتعبير بما فى ذلك حرية الصحافة والبث الإعلامي ،ان تصبح الساحة العربية فى ظل ثورة الاتصالات ساحة مستقبلة للرأي والمعلومات دون ان تكون منتجة لها .

    فكيف يمكن انتاح إعلام حر مبدع على الأرض العربية يصمد أمام المنافسة الدولية فى ظل القيود التشريعية الصارمة التى تحيط به ؟. حقيقة انه قد يخفف من هذه الظاهرة - ظاهرة عجز الإنتاج الإعلامي العربى – ظاهرة أخرى انتشرت على الساحة العربية وهى ظاهرة البث الإعلامي والنشر الصحفي العربى متعدى الأوطان أى الذى لا يتوحه بخطابه إلى مواطنيه وإنما إلى المستقبلين العرب من خارج الوطن.ويتمثل ذلك فى العديد من الفضائيات العربية ودور الصحف العربية التى تعمل متحررة من القيود التشريعية الوطنية بشرط ان يكون خطابها موجها الى المواطنين خارج بلدة المنشأ وتجنب التعرض لقضايا بلدة المنشأ من قريب أو بعيد . وتلك ظاهرة فريدة من الحرية الإعلامية المشروطة بتوجهها الخارجي المصحوبة بتقييد إعلامي عند ما يتعلق الأمر بالداخل الوطني .
    وعلى أى حال فان ما يتخوف منه البعض من التبعية الإعلامية لآلة الإعلام الغربية فى ظل ثورة الاتصالات وقعود مجتمعات العالم الثالث ومنها المجتمعات العربية عن المشاركة فى هذه الثورة إلا بالاستقبال غير القابل للمقاومة والإنتاج المحدود ، يصبح تخوفا مشروعا فى وقت تشل فيه البنية التشريعية الإعلام الوطنى عن أن يساهم مساهمة إيجابية فى حركة تدفق الثقافة والمعلومات عبر العالم .

    لقد ترتب على ثورة الاتصالات وعلى التدفق اللا محدود للمعلومات عبر قارات العالم ان أصبحت البنية التشريعية العربية الحاكمة لحرية الصحافة والإعلام وحرية الرأى والتعبير بصفة عامة بنية عاجزة عن ملاحقة الواقع المادى الجديد المتسارع فى وتائر تطوره .

    ولا بديل أمام المشرع العربى إزاء ذلك الا ان يتخلى عن قناعا ته التشريعية السابقة التى تتمحور على فرض القيود على الحقوق والحريات العامة ومنها حرية الرأى والتعبير وحرية الصحافة والإعلام . وان لم يكن ذلك عن عقيدة فهو امتثال للضرورة. والضرورات كما تعلمنا مأثور أتنا العربية تبيح المحظورات !!!
                  

04-24-2004, 09:40 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو قانون ديمقراطي للصحافةالسودانية:فحص الوثائق 2:من أوراق منظمة ح الصح (Re: فتحي البحيري)



    انتهاكات حرية الصحافة في العالم العربي وكيفية مواجهتها

    إبراهيم نوار
    رئيس المنظمة العربية لحرية الصحافة

    ورقة عمل في "منتدى الإصلاح الديمقراطي وحقوق الإنسان في العالم العربي" بيروت- مارس 2004

    مقدمة

    حق التعبير عن الرأي في حرية كاملة خالية من أي قيود أو ضغوط هو حق أساسي من حقوق الإنسان الفرد لا يعلو عليه إلا حق الحياة. وهو حق في ذاته بصرف النظر عما إذا كان الرأي الذي يتم التعبير عنه صحيحا أو خاطئا، مقبولا أو مكروها من أغلبية أو أقلية، أو من سلطة أو حكومة. وهو حق مجرد من اعتبارات الظروف المحيطة به مثل اعتبارات الزمان والمكان. ولا يجوز تقييد حق التعبير عن الرأي بحال من الأحوال إلا فيما يتجاوز التعبير عن الرأي إلى تهديد حق الحياة لفرد أو أفراد آخرين. ومن ثم فإن التحريض على العنف والقتل لا يدخل في باب حرية التعبير عن الرأي لأنه قد يؤدي إلى قتل نفس بريئة، أي قد يؤدي إلى إزهاق حق الحياة لأفراد آخرين وهو حق يعلو على حق التعبير عن الرأي.



    وحق التعبير عن الرأي هو في جوهره حق الاتصال والمعرفة. اتصال الفرد بغيره من الأفراد واتصاله بالجماعة التي ينتمي إليها وبالجماعات الأخرى المجاورة أو البعيدة. ويكون حق الاتصال والمعرفة بالتعبير الشفاهي أو المكتوب أو بالرسم أو بالتمثيل. وقد تطور حق التعبير عن الرأي داخل المجتعات وفيما بينها تطورا كبيرا بسبب تطور التكنولوجيا منذ اهتدى الإنسان إلى عناصر اللغة ومكوناتها. فمن اختراع حروف الكتابة إلى تطور تكنولوجيا الكتابة وصناعة الورق والطباعة والنشر والتوزيع إلى تطور تكنولوجيا الاتصال السمعي والبصري وأخيرا إلى تطور تكنولوجيا الاتصال والبث الفضائي عبر الأقمار الصناعية وعبر شبكة الإنترنيت، تطورت أدوات ممارسة حرية التعبير عن الرأي تطورا ثوريا في كل عصر من العصور.



    ويتصل حق التعبير عن الرأي مباشرة بعملية تطوير الوعي الفردي والجمعي، أي تطوير الوعي بالذات وتطوير الهوية للفرد وللجماعة. فثورات المعرفة في كل عصر من العصور لم تكن لتأخذ مداها بدون حرية التعبير عن الرأي. وسواء نظرنا إلى عصور النهضة في التاريخ القديم أو الوسيط أو الحديث، فإن تراكم المعرفة كان يرتبط في كل منها بازدهار حرية التعبير عن الرأي. كذلك فإن التطورات السياسية الكبرى في تاريخ العالم كانت في جوهرها تعبيرا عن انقلاب في الوعي بسبب تراكم المعرفة أي بزيادة حرية التعبير وحركة الاتصال فيما بين الأفراد والجماعات. وقد أدى الاستبداد المعرفي وقمع حرية التعبير عن الرأي إلى تدهور إنجازات وتراجع الحضارة والانحطاط إلى حلول عصور الظلام والجهل وانتشار الفساد واختلال القيم وتدني قيمة الإنسان الفرد إلى أدنى درجة.



    ويمكن القول بدون مبالغة إن التطورات التكنولوجية في كل عصر من العصور جاءت معها بإمكانات جديدة للحرية. فالتكنولوجيا التي جاءت لتساعد الإنسان في صراعه من أجل التحرر من رق الطبيعة ساعدته أيضا على التحرر في صراعه ضد استبداد وتسلط أخيه الإنسان. إن الحلقة الأخيرة من حلقات التطور في صناعة المعرفة ووسائل الاتصال أسقطت إلى حد كبير القيود التي كانت تفرضها حدود "الدولة القومية" على حرية التعبير عن الرأي. فحدود "الدولة القومية" كانت إلى وقت قريب تفرض جدارا عازلا يحول بين المواطنين وبين حق المعرفة. الدولة كانت حتى وقت قريب تستخدم نقاط التفتيش على حدودها في مصادرة الصحف والمجلات والكتب والرسوم التي لا تتفق ورغبة السلطان. أما الآن وبفضل تكنولوجيا البث الفضائي والاتصال عبر الإنترنيت فإن الفرد يستطيع في معظم الأحوال التغلب على قهر "الدولة القومية" والحصول على المعلومات التي يرغب فيها والتي تمنعها الدولة عن الوصول إليه. كذلك يستطيع الفرد أن يتصل بالآخرين الممنوعين من الوصول إليه أو الممنوع هو من الوصول إليهم إذا تمكن من استخدام وسائل الاتصال الجديدة، ومن ثم يتخلص من أحد وجوه قهر الدولة القومية له. إن منع الأفراد من السفر في الماضي ومراقبة صناديق بريدهم كان يعني في أغلب الأحوال عزلة نهائية عن الاتصال بالغير خارج الحدود، غير أن الأمر لم يعد كذلك.



    وهذه التطورات الثورية في صناعة المعرفة تعني في واقع الأمر أن وجوها للقهر كانت ولا تزال تمارسها "الدولة القومية" قد عفا عليها الزمن وتخلف من يمارسونها عن ركب الحضارة والمدنية في القرن الحادي والعشرين. إن ممارسات مثل الرقابة على الصحف والمطبوعات والسينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون وأيضا على المواقع الإليكترونية التي تنشأ على شبكة الإنترنيت تعتبر كلها ممارسات مضادة لتطور العلم والتكنولوجيا ولتطور الحضارة البشرية. إن مثل تلك الممارسات هي عقبات تواجه التطور والنمو الإنساني وتعرقل احتمالات التقدم والرفاهية للشعوب في المستقبل.



    وإضافة إلى التطور في صناعة المعرفة الذي يعزز حرية التعبير عن الرأي ويوسع آفاقها فإن الفترة منذ منتصف السبعينات في القرن الماضي شهدت تحولات سياسية درامية في تاريخ العالم، عززت هي الأخرى حرية التعبير عن الرأي ووسعت آفاقها في أنحاء كثيرة من العالم. إن العالم منذ بداية تلك الفترة شهد سلسلة من التحولات الديمقراطية في عدد كبير من البلدان التي كانت تعيش في ظل استبداد سياسي ومعرفي، أسفرت عن إقامة نظم حكم تعددية ديمقراطية دستورية مكان النظم السابقة الاستبدادية التي كانت تستمد حياتها من خنق الحريات العامة وحرمان شعوبها من أبسط حقوقها الأساسية. ولم تقتصر هذه التحولات الديمقراطية التي اجتاحت العالم على إقليم دون غيره أو قارة دون أخرى، فإنها انتشرت في أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية وإقليم البلقان وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأجزاء من أفريقيا. غير أن ما يلفت نظر المتابع لموجة التغيير تلك أن المنطقة الوحيدة في العالم التي استعصت على هذه التغيرات هي العالم العربي! وهو ما يضع الحالة السياسية في العالم العربي بشكل عام في صدام عملي مع موجة التغيير الديمقراطي التي تجتاح العالم كله.



    ومن الملفت للنظر أن موجة التغييرات الديمقراطية في الربع الأخير من القرن العشرين قد بدأت في أوروبا الغربية، وكأنما أراد هذا الجزء من العالم أن يستكمل أولا هيئته الديمقراطية قبل أن تجتاح موجة التغيير بقية أنحاء العالم في أوروبا وخارجها. كانت البداية هي سقوط النظامين الاستبداديين العسكريين في كل من إسبانيا والبرتغال ثم في اليونان وإقامة أنظمة ديمقراطية تعددية مكانها. بعدها أخذت الحركة الديمقراطية في عدد من دول أوروبا الشرقية مثل بولندا (نقابات العمال المستقلة بقيادة ليخ فالينسا) وتشيكوسلوفاكيا (حركة المثقفين المستقلين بقيادة فاتيسلاف هافل) تنمو نموا كاسحا لتمثل تهديدا حقيقيا للأنظمة الشيوعية الشمولية القائمة هناك. وما أن سقط سور برلين قبل نهاية الثمانينات حتى اكتسح فيضان التغيير السياسي أوروبا الشرقية كلها ثم الاتحاد السوفييتي الذي سقط هو الآخر ليفتح الباب لتدفق الفيضان إلى بلدان آسيا الوسطى. وفي غضون تلك الفترة (الربع الأخير من القرن العشرين) اكتسحت موجة التغيير السياسي أيضا الديكتاتوريات العسكرية في جنوب شرق آسيا (مثل دكتاتورية فرديناند ماركوس في الفلبين وسوهارتو في إندونيسيا) وفي أفريقيا سقط نظام الإمبراطور هيلاسلاسي ثم سقط بعده نظام منجستو ماريام وسقط النظام العنصري في جنوب القارة. وفي أمريكا اللاتينية معقل الديكتاتوريات العسكرية في العالم سقطت هذه الديكتاتوريات فاتحة الطريق لبزوغ فجر ديمقراطي جديد لشعوب القارة وظهرت أنظمة ذات وجه مشرق في بلدان مثل البرازيل وتشيلي.



    وفي المقابل فإن العالم العربي شهد للمرة الأولي في تاريخه ولادة نمط جديد من أنماط الحكم الأكثر استبدادية هو نظام "الجمهورية الوراثية" الذي دشنته سورية, وشهد حكاما يعدلون دساتير بلدانهم لكي يحكموا فترات ممتدة ربما إلى مدى الحياة كما حدث أخيرا في تونس, وشهد استمرارا لحكام في مقاعد الحكم وهم مصابون بما يشبه الشلل. كما شهد العالم العربي للمرة الأولى منذ نهاية حقبة التحرر عودة قوات الاحتلال العسكري إلى أراضيه مرة أخرى. لقد انحدرت مكانة الإنسان العربي خلال الربع الأخير من القرن العشرين من درجة "مواطن" إلى درجة "رعية" ثم وهو الأسوأ إلى ما يشبه فردا من قطيع يساق وتمتهن كرامته. إن سياسات خنق الحريات العامة وسلب الشعوب قدرتها على المبادرة أدت عمليا إلى إرهاق الشعوب وإلى إضعاف طاقتها على الاستجابة إلى درجة أنها شوهدت في بعض الأحيان وكأنها جثة هامدة ليس فيها حراك. إن سياسات مصادرة الحريات العامة وقهر الشعوب في العالم العربي وصلت إلى ما يكاد يعادل عملية قتل متعمد للروح الجماعية وإرادة المقاومة والتحدي. إن الربع الأخير من السبعينات في العالم العربي كرس ثلاثة أنظمة سيئة وجامدة للحكم هي الأنظمة الجمهورية الوراثية والملكية المستبدة غير الدستورية والديكتاتوريات العسكرية، وذلك على النقيض مما حدث في العالم كله.



    وقد ارتبطت التحولات الديمقراطية التي شهدها العالم خلال العقود الأخيرة بنمو قوة الاحتجاج السلمي وحركة الدفاع عن حرية التعبير عن الرأي. وأسفرت هذه التحولات الديمقراطية عن تعزيز قوة الاحتجاج السلمي وتوسيع نطاق حرية التعبير عن الرأي. فهناك إذن علاقة تفاعل جدلي بين المطالبة بحرية التعبير عن الرأي و بين التحول الديمقراطي. فالمطالبون بحرية التعبير عن الرأي يدافعون عن حق المجتمع في المعرفة وحق الأفراد في الاتصال. إن المطالبة بحرية الصحافة على سبيل المثال لا تعني بحال من الأحوال المطالبة بحرية التعبير للصحفيين فقط، وإنما تعني في المقام الأول المطالبة بحرية التعبير للجمهور بشكل عام وحق الجمهور في المعرفة بلا إخفاء أو تحريف أو تشويه أو تضليل. وتصطدم المطالبة بإطلاق حرية التعبير عن الرأي للأفراد بمصالح الحكومات المستبدة والجماعات الأوتوقراطية والثيوقراطية وجماعات الفساد المالي والسياسي. وتفرض هذه الحكومات أو الجماعات قيودا شديدة على حرية التعبير عن الرأي تصل إلى حد سلب هذه الحرية في الدستور والقوانين، مما يستلزم مناهضة تقييد حرية التعبير عن الرأي أو فرض الرقابة عليها.



    ولمناقشة تطوير سبل وأدوات رصد ومواجهة انتهاكات حرية التعبير عن الرأي سنتناول النقاط التالية مع إعطاء أهمية خاصة لحرية الصحافة:



    أولا: علاقة حرية التعبير عن الرأي بالتحول الديمقراطي

    ثانيا: أركان حرية الصحافة

    ثالثا: انتهاكات حرية الصحافة

    رابعا: رصد ومواجهة انتهاكات حرية الصحافة



    ثم نبلور في النهاية رؤية مبسطة لحالة الحريات الصحفية في العالم العربي والانتهاكات التي يتعرض لها الحق في حرية التعبير عن الرأي كما يبدو في هذه المنطقة من العالم في أوائل القرن الواحد والعشرين.



    ***



    أولا: العلاقة بين حرية التعبير عن الرأي والتحول الديمقراطي



    حرية التعبير عن الرأي هي حق أساسي من حقوق الإنسان كما نصت عليه المعاهدة الدولية لحقوق الإنسان والمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان والمعاهدة الأمريكية لحقوق الإنسان. وهذا الحق تضمنه الدساتير والقوانين في دول العالم الحر والدول التي أخذت طريقها حديثا إلى الديمقراطية. وقد أصبح حق التعبير عن الرأي بحرية وبدون خوف أو قيود تراثا ثابتا في النظم الديمقراطية القديمة ويتم ممارسته بصورة طبيعية كواحد من مسلمات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للفرد والمجتمع. وابتداء من التربية والتنشئة الأولى في محيط الأسرة وفي رياض الأطفال وفي المدارس تترسخ مبادئ حرية التعبير عن الرأي. ويؤدي هذا عمليا إلى تطوير وتنمية "العقلية الناقدة" المتفاعلة الخلاقة وليس "العقلية المتلقية" الأحادية ذات الطابع السلبي الخامل الكسول.

    وفي مراحل لاحقة يترسخ أكثر فأكثر حق التعبير عن الرأي كأساس للتعبير عن التنوع والاختلاف في المجتمع. ولا يشترط حق الفرد في التعبير أن يكون رأيه صحيحا، بل على العكس تزداد أهمية ممارسة هذه الحق في كل الأحوال بما في ذلك الحالات التي يكون فيها الرأي خاطئا. وكم كانت الآراء والأفكار الخاطئة في نظر المجتمع (مثل فكرة كروية الأرض!) ثورية وأقرب إلى الحقيقة من الآراء السلفية الموروثة التي كان يعتقد البعض أنها مقدسة. فالحق في التعبير عن الرأي لا يشترط أن أكون على صواب لأن الأهم من ذلك أن يتوفر لمن هم على خطأ أيضا لأن هؤلاء هم أكثر من يحتاج إلى حق يحميهم من استبداد الأغلبية التي تعتبرهم على خطأ. وتبدو مزايا وفوائد توفر هذا الحق جلية في ميدان الممارسة السياسية. فالأفراد الذين ينتمون عادة إلى طبقات أو شرائح اجتماعية مختلفة كما ينتمون إلى ديانات وأصول عرقية وثقافية مختلفة يجدون في حق التعبير عن الرأي وسيلة مهمة من وسائل إثبات الهوية والحوار مع "الآخر" على أساس حر ومتكافئ.



    ويرتبط حق التعبير عن الرأي بمنظومة الحقوق والحريات السياسية الأساسية في المجتمعات الديمقراطية. ومن خلال ممارسة هذا الحق يكون الباب مفتوحا لكشف الفساد ومكافحة الاحتكار السياسي والاقتصادي وتطوير الهوية السياسية والثقافية للأفراد وتجديد النظام السياسي بصورة تلقائية من خلال توفير ديناميكيات أو آليات التغيير. وفي مجالات الحياة العامة الثقافية والعلمية والتكنولوجية يكون حق التعبير هو الطريق إلى التجديد والابتكار وتجاوز القديم الراكد المتهالك إلى الجديد الثوري الفعال. إن حق التعبير هو الطريق إلى تحقيق الذات من خلال الحوار الخالي من الخوف أو القيود مع النفس ومع الآخرين وهو الحوار الذي يساعد على اكتشاف إمكانيات الذات (الفردية أو الجماعية) وتطويرها بهدف التفوق في إقامة أنظمة أفضل في السياسة والاقتصاد والعلوم والثقافة والتنظيم والإدارة والاتصال تزيد من رفاهية الأفراد والمجتمع.

    ويشمل حق التعبير عن الرأي حرية التجمع السلمي وحق الاحتجاج السلمي بواسطة كتابة العرائض وجمع التوقيعات والتظاهر والاعتصام والإضراب عن العمل وحرية الاتصال بين الأفراد والجماعات بواسطة أجهزة ووسائل الاتصال المختلفة بالكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية وبالرسم والتعبير التمثيلي. ولهذا فإن حرية الصحافة تعتبر شكلا أسمى من أشكال ممارسة حرية التعبير عن الرأي وذلك نظرا لانتشارها وتأثيرها الجماهيري الواسع. والمقصود بالصحافة أو الإعلام هنا كل أشكال الاتصال بالكلمة (المسموعة والمكتوبة والمرئية) والرسم والتعبير التمثيلي بين الأفراد عن طريق الصحف والمجلات والكتب وغيرها من المطبوعات والإذاعة والتليفزيون والسينما والمسرح والإنترنيت.



    ويكون حق التعبير عن الرأي هو الضحية الأولى بين ضحايا النظم السياسية الاستبدادية التي تقوم على قاعدة مصالح ضيقة اجتماعيا مستندة إلى أسرة أو عشيرة أو أقلية اجتماعية عرقية أو مهنية (ومنهم العسكريون). فمثل هذه النظم غير الدستورية (حتى وإن تبنت دساتير شكلية في بعض الحالات) تفتقر إلى الشرعية وتخشى الحريات العامة التي تحول الفرد إلى قوة فاعلة ذات وزن في المجتمع. وفي العادة تقوم مثل هذه النظم بمصادرة الحريات العامة وعلى رأسها حق التعبير عن الرأي تحت مبررات أو أسباب كثيرة (أهمها طبعا المصالح الوطنية العليا واعتبارات الأمن القومي) ويقود هذا عمليا إلى تهميش إمكانات الأفراد وإلى ضعف الصفات السياسية للجماعة بشكل عام، فيستتب الحكم للحاكم المستبد! وفي مقابل استتباب الحكم للحاكم فإن المجتمع بأكمله يدفع ثمنا فادحا يتمثل في التخلف العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي وانتشار الفساد والفوضى كما يحدث حاليا في بلدان مثل سورية والسعودية وتونس والسودان. ويصل التردي في الحالات الأسوأ إلى إخضاع المجتمع بأسره من جديد لنظام استعماري كما نراه الآن في العراق.



    وقد ارتبط التحول الديمقراطي الذي شهده العالم منذ بداية الربع الأخير من القرن الماضي بإطلاق حرية التعبير عن الرأي كأول أجراء يدل على نهاية الأنظمة المستبدة القديمة. وكانت حرية الصحافة هي الشارة الكبيرة والأكثر ظهورا بين الشارات الأخرى التي حملتها معها الأنظمة الجديدة للدلالة على التغير العميق الذي حدث في النظام السياسي. غير أن ذلك لا يعني القول بأن حرية الإعلام جاءت بمثابة منحة من الحكام الجدد، لأن الكفاح من أجل حرية الإعلام وحق العبير عن الرأي بشكل عام هو أحد المعاول الرئيسية التي أسهمت في تحطيم النظم المستبدة القديمة وإقامة نظم جديدة على أسس ديمقراطية تحترم الحريات الأساسية للمواطنين وتكتسب شرعيتها من مدى احترامها لهذه الحريات ولحقوق الإنسان وتطبيق مبادئ العدالة والمساواة وحكم القانون.



    ومن الأمور المهمة التي يجب لفت الأنظار إليها أن العلاقة بين حرية التعبير عن الرأي والتحول الديمقراطي إنما تتحقق من خلال بناء تحالفات واسعة النطاق بين كل القوى المعنية بالتحول الديمقراطي. وكما ذكرت من قبل فإن حرية الصحافة لا تعني الصحفيين فقط وإنما تعني المجتمع كله بما فيه من أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات مدنية وتنظيمات مهنية وغيرها. وإذا استطاعت القوى المطالبة بإطلاق حرية التعبير عن الرأي أن تقنع المجتمع كله بصحة شعاراتها ومطالبها وأن تجعل قطاعات هذا المجتمع تتبنى هي أيضا شعارات الدفاع عن حرية التعبير عن الرأي فإن هذا النجاح يكون في العادة بداية عملية محاصرة الأنظمة الاستبدادية من أجل إسقاطها واقتلاع جذورها وإعادة بناء النظام السياسي على أساس ديمقراطي.



    ***

    ثانيا: أركان حرية الاتصال والإعلام


    تتكون حرية الاتصال والإعلام من مجموعة من المقومات الأساسية هي:

    1- حرية الوصول إلى المعلومات والحصول عليها وتداولها.

    2- حرية إصدار الصحف والمطبوعات والبث الإذاعي والتليفزيوني والإنتاج المسرحي والسينمائي. ويشمل ذلك: أ) حرية تكوين وتملك وسائل الاتصال. ب) حرية الطبع والنشر والتوزيع والعرض في الأماكن العامة. ج) حظر الرقابة المسبقة واللاحقة بكل أشكالها

    3- حرية التنظيم المهني والنقابي للعاملين في مجالات الاتصال والإعلام

    4- وجود ضمانات دستورية وقانونية و مؤسسية لحماية حرية التعبير عن الرأي من تجاوزات الحكومات و أصحاب الأعمال.أو حتى الرؤساء في أماكن العمل.



    1- حرية الوصول إلى المعلومات والحصول عليها وتداولها

    إن رحلة البحث عن الحقيقة من أجل تكوين الرأي تبدأ في العادة بالبحث عن المعلومات. وقد تكون هذه المعلومات في صورة وثائق أو أرقام وإحصائيات أو صور أو حتى مجرد أخبار من مصادرها الأصلية. فالبحث عن الحقيقة لا يبدأ من أفكار أو آراء مسبقة، ولا من أحكام شخصية تم تكوينها بالفعل بناء على افتراضات وهمية. غير أن المعلومات التي يحتاج إليها الفرد لتكوين رأيه قد تكون في حوزة آخرين. قد تكون في حوزة أفراد أو مؤسسات أو في حوزة الحكومة. وفي حالات انعدام الشفافية وفرض السرية على المعلومات فإن الأفراد لا يستطيعون بسهولة و بطرق قانونية الحصول على المعلومات التي يبحثون عنها. ولذلك فإن قوانين سرية المعلومات هي العدو الأول لحق الوصول إلى المعلومات والحصول عليها. وترتبط بذلك العدو ترسانة من الممارسات المتخلفة تؤدي إلى انعدام الشفافية وانتشار الفساد والتضييق بكل السبل على عرض المعلومات وإتاحتها للأفراد.



    هذا في جانب العرض، أما في جانب الطلب على المعلومات فإن هتاك الكثير من الاعتبارات التي تؤدي إلى تضييق الطلب، وعرقلة محاولات توسيع سوق المعلومات. وتقف الأمية، سواء أمية القراءة والكتابة أو الأمية السياسية على رأس الاعتبارات التي تعرقل جانب الطلب. ومن أجل التغلب على هذه الاعتبارات في جانبي العرض والطلب فإن الحكومات يجب أن تتبنى سياسات الانفتاح والشفافية تجاه المواطنين، ويجب الضغط عليها من أجل إلغاء قوانين سرية المعلومات والاتفاق على الحد الأدنى الممكن من الاستثناءات التي ينظمها القانون في هذا المجال. كما يجب محو الأمية الأبجدية والسياسية للأفراد لتشجيعهم على إدراك أهمية المعلومات ودفعهم إلى زيادة الطلب عليها.



    وفي العادة تستخدم الحكومات في العالم العربي حجج الأمن القومي كمبرر لفرض قوانين السرية وأحكام الطوارئ. وفي أوقات الحرب أو مجرد شبح نشوبها تسارع الحكومات العربية في العادة إلى تعليق الحريات العامة والوسع في فرض أنظمة الحكم العسكري. وتفترض هذه الحجج أن الحكومة وحدها هي المعنية بسلامة الوطن وأن السياسيين وحدهم هم الحريصون على الأمن القومي. وفي هذه الفرضية استبعاد للمواطن ومصلحته في تأمين سلامة الوطن والدفاع عنه. وهذا خطأ، لأن مسؤولية المواطن العادي في الدفاع عن بلاده لا تقل عن مسؤولية السياسي. ولهذا فإن السياسيين في العادة يلجأون إلى تعبئة الرأي العام، لكن عن طريق فرض قوانين الطاعة العسكرية وليس عن طريق الإقناع والمشاركة.



    هناك بالطبع أمور تقع في دائرة الأسرار العسكرية في وقت الحرب لا يجوز الكشف عنها. مثلا أسماء الجواسيس الذين يعملون خلف خطوط العدو، لأن كشف أسماءهم يعرض حياتهم للخطر. وكذلك مثل الخواص الهندسية أو العسكرية لأسلحة يتم تطويرها في المعامل لغرض مباغتة العدو بها. ولكن بمجرد انتهاء العمليات العسكرية فإن كل الأمور تصبح محل جدل ونقاش وفي الحدود المسؤولة التي لا تعرض حياة الناس للخطر. ومن الأمثلة الإيجابية في هذا السياق الدور الذي لعبته الصحافة المصرية في كشف الفساد والانحرافات العسكرية في الجيش المصري في حرب فلسطين عام 1948 وهي الانحرافات التي أودت بالجيش إلى الهزيمة. لقد كشفت الصحافة أسرار صفقات الأسلحة والذخيرة الفاسدة. ودعت الصحافة إلى تطهير الجيش من الفاسدين، وكانت تلك الدعوة إحدى المقدمات القوية للتغيير السياسي الذي شهدته مصر في 23 يوليو 1952 على أيدي قيادات تنظيم "الضباط الأحرار" الذي ولد داخل الجيش.



    إن حق الوصول إلى المعلومات والحصول عليها هو أحد المقومات الأساسية لحق التعبير عن الرأي. ويتعارض مع إقرار هذا الحق الكثير من السياسات والقوانين واللوائح والإجراءات الشائعة في العالم العربي. إن غياب الشفافية وقوانين سرية المعلومات والرقابة الشديدة عليها تمثل كلها حواجز تحول دون ممارسة حق الوصول إلى المعلومات والحصول عليها. ومن أجل فتح الطريق أمام ممارسة الحق الأول من الحقوق الأساسية للمواطن فإنه يجب إزالة هذه العوائق.



    2- حرية إصدار الصحف والمطبوعات والبث الإذاعي والتليفزيوني والإنتاج المسرحي والسينمائي



    المعلومات هي أولى مدخلات التفكير. هي اللبنة الأولى للأفكار والآراء. وبمجرد أن ينتهي الفرد من تكوين أفكاره وآرائه، فإنه ينزع إلى الاتصال بالأفراد الآخرين لنقل هذه الأفكار والآراء والتعبير عنها والحصول على ردود الفعل تجاهها، وربما ينتج عن ذلك الاتصال تعديل الأفكار أو تطويرها أو التخلي عنها نهائيا. وفي مجتمع بسيط يتكون من الأسرة فقط أو من الأقارب أو من رفاق العمل والجيران إلى جانبهم في قرية صغيرة، لا يحتاج الفرد بالضرورة إلى وسائل الاتصال الجماهير لنقل أفكاره إلى الآخرين. فالفرد يستطيع من خلال الاتصال الشفاهي بالآخرين ومن خلال التجمعات التلقائية أن يتداول أفكاره مع الآخرين، الذين هم في الوقت نفسه يشعر كل واحد منهم بالرغبة في تداول أفكاره وآرائه مع الآخر. لكن الحال غير ذلك في المجتمع المتقدم الذي نعيش فيه ونوعية التنظيم الاجتماعي الناتج عن هذا المجتمع. ففي مجتمعاتنا المعاصرة يحتاج الفرد إلى وسائل اتصال بالآخرين لتداول أفكاره. ولهذا الغرض تحالفت الأفكار الجديدة مع الصناعة لينتج الإنسان لنفسه وسائل اتصال متطورة تلبي له تحقيق حاجته في تداول أفكاره في مجتمع ذي تنظيم أشد تعقيدا من المجتمع الأولي البسيط. وهكذا وخلال قرن واحد أصبح لدينا الراديو والتليفون والتليفزيون والإنترنيت إلى جانب الصحف والمجلات و والدوريات والكتب التي كانت موجودة من قبل لتلبية الحاجة نفسها.



    ولكي يستطيع الإنسان نقل أفكاره وتداولها في المجتمع الحديث فإنه يحتاج إلى استخدام واحدة أو أكثر من هذه الوسائل التي ابتكرها لتسهيل تداول المعلومات. وهنا تتكامل العلاقة بين حرية التعبير عن الرأي والحق في الوصول إلى وسائل الاتصال الحديثة واستخدامها في تداول الأفكار. ويتضمن حق الفرد في نقل وتداول الأفكار الحق في الكلام والكتابة والنشر والتمثيل والرسم من خلال وسائل الاتصال الحديثة بإمكاناتها المختلفة. ولا يجوز حرمان الفرد من استخدام وسائل الاتصال الجماهيري لأي سبب من الأسباب طالما أنه لا يعتدي على حرية الآخرين بالدعوة أو التحريض على القتل واستخدام العنف. ولا ينطوي ذلك على الحق في استخدام وسائل الاتصال القائمة فقط، بل إن حق نقل وتداول المعلومات يتضمن أيضا الحق في إنشاء وسائل الاتصال الجماهيري مثل الصحف والمجلات ودور الطبع والنشر والتوزيع والإذاعة والتليفزيون والمسرح والسينما والبث الفضائي والإنترنيت، سواء تم ذلك بمجهود فردي أو بالاشتراك مع آخرين من خلال مؤسسة أو شركة.



    في البلدان العربية يبدو حق نقل وتداول المعلومات من خلال حق التملك والإصدار والطبع والنشر والإنتاج والبث الإذاعي والتليفزيوني مهدرا إلى حد كبير. وباستثناءات قليلة فإن مؤسسات الدولة تفرض احتكارا شاملا على وسائل الاتصال الجماهيري. وهذه الظاهرة هي إحدى مخلفات سياسات التحرر الوطني التي عمدت إلى تهميش دور الفرد وصادرت دور الجماعة لصالح أجهزة الدولة. فكأن الدولة قامت بتأميم المجتمع كله ومصادرة أفكاره وتعيين مؤسساتها وكيلا عنه، تتصرف باسمه وتتحدث عن أحلامه وطموحاته. وإذا ألقينا نظرة قطاعية على دور أجهزة الدولة في وسائل الاتصال الجماهيري، فإننا سنجد الصورة تقريبا، باستثناءات محدودة، على الوجه التالي:



    - قطاع الإرسال الإذاعي والتليفزيوني يخضع لاحتكار الدولة.

    - خدمات تقديم الإنترنيت تخضع لسيطرة الدولة.

    - خدمات الإرسال الفضائي تخضع لاحتكار الدولة أو احتكار العائلات الحاكمة (باستثناءات محدودة فيما يتعلق بالمناطق الإعلامية الحرة).

    - الصحف اليومية تخضع لقيود وترتيبات تفرضها قوانين النشر.

    - الرقابة الحكومية تفرض ظلالا كثيفة على أسواق المطبوعات والنشر في الدول العربية سواء كانت المطبوعات محلية المنشأ أو مستوردة.



    ويتجاوز الاحتكار أو السيطرة مجرد احتكار الدولة، فيصل في بعض البلدان إلى احتكار العائلات المالكة أو النخب الضيقة الحاكمة لوسائل الاتصال الجماهيري. ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال يحصل الأمراء من العائلة الحاكمة وحدهم على تراخيص إصدار الصحف والمجلات. كما يحصلون وحدهم أيضا على تراخيص إنشاء الإذاعات أو محطات التليفزيون، التي تنشأ غالبا في الخارج للتحرر من قيود المؤسسة الدينية الوهابية المحافظة ولشراء النفوذ السياسي للمملكة في الخارج. وفي السعودية أيضا تتحكم الرقابة الحكومية في كل ما ينشر سواء في الكتب أو المجلات وكل ما يوزع في داخل البلاد من المطبوعات المستوردة من الخارج. أما فيما يتعلق بالإنترنيت فإن المورد الوحيد للخدمة في المملكة العربية السعودية هو إحدى المؤسسات العلمية الحكومية. ومن خلال هذه المؤسسة يتم فرض رقابة صارمة على المواد المتداولة في السعودية، من خلال منعها من الدخول أو إغلاق النوافذ المحلية التي لا ترضى عنها الحكومة لأسباب متفاوتة.



    وقد تكون السعودية حالة متطرفة في هذا السياق لا يجوز القياس عليها. ومع ذلك فإنه حتى في الأنظمة العربية التي تسعى للتحول إلى الديمقراطية، تعاني حرية التعبير عن الرأي من قيود شديدة ومن تناقضات ومعايير مزدوجة في النظام القانوني. فحرية التعبير عن الرأي مكفولة في الدستور( هناك دول عربية ليس لديها دستور حتى الآن) مقيدة بترسانة من القوانين الصارمة، وتعاني من الاختناق الفعلي بسبب عنكبوت ضخم من الإجراءات واللوائح البيروقراطية التي تعمل كلها في اتجاه واحد وهو تهميش دور الفرد ومصادرة حرياته الأساسية. وعادة ما تلجأ الدول العربية إلى الأوامر الإدارية، متجاوزة في ذلك حكم القانون، لمصادرة حرية التعبير عن الرأي. في بداية عام 2000 أصدر الحاكم الإداري للقاهرة (المحافظ) أوامر إدارية بوقف 14 مطبوعة مرة واحدة‍‌‍. في تونس والمغرب وغيرهما من الدول العربية التي تتباهى بأنها في طريقها إلى التحول الديمقراطي تلجأ الحكومات إلى القرارات الإدارية لإغلاق المطبوعات.

    وفي كل البلدان العربية بشكل عام فإنه يمكن القول أن حرية نقل وتداول المعلومات لا تزال محدودة جدا ومحكومة بقيود شديدة خصوصا فيما يتعلق بنقل وتبادل المعلومات عبر الإذاعة والتليفزيون. ومع ذلك فإن هناك تطورات إيجابية في مجالات البث الفضائي في بلدان مثل لبنان ومصر والأردن والمجلات والمطبوعات غير الدورية كما هو الحال في مصر والمغرب والأردن.



    ومن أجل دفع حرية نقل وتداول المعلومات في العالم العربي إلى الأمام وفي الاتجاه الإيجابي من الضروري إنهاء احتكار الدولة لوسائل الإعلام خصوصا البث الإذاعي والبث التليفزيوني عن طريق المحطات الأرضية والصحف والمطبوعات القومية اليومية. وهذه الخطوات لن تقدم حرية نقل وتبادل المعلومات على طبق من ذهب إلى المجتمع، لكنها تزيل العوائق الأساسية التي تعترض هذه الحرية في الوقت الحاضر. فإذا ما انتقلنا إلى مرحلة جديدة فإننا سنكون في مواجهة مشاكل وتحديات جديدة يتعبن علينا أن نجتهد في إيجاد الحلول لها. ومن أهم المشاكل والتحديات التي يمكن أن يواجهها العالم العربي في المستقبل وضع المعايير الصحيحة لدور القطاع الخاص في مجال صناعة الإعلام والمعلومات وترسيخ مبدأ المسؤولية الاجتماعية ودفعه إلى مكانة أعلى من مبدأ الحرص على تعظيم الأرباح بأي وسيلة ممكنة. ومن الضروري أن تتوفر أرضية صحية لإجراء حوار عام بشأن هذه المعايير.



    3- حرية التنظيم المهني والنقابي للعاملين في مجالات الاتصال والإعلام

    لا يزال حق التنظيم النقابي غير معترف به في بعض الدول العربية مثل دول الخليج. غير أن دولا عربية أخرى كانت في طليعة دول العالم التي اعترفت بحق التنظيم النقابي وكفلته دستوريا وقانونيا مثل مصر. ومع ذلك فإن حق التنظيم النقابي والمهني تعرض لتشوهات كثيرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين بسبب اتساع نطاق سلطة الدولة وهيمنة الأنظمة الشمولية على مقاليد الأمور في الدول العربية الرئيسية، خصوصا في مصر وسورية والعراق. فقد صادرت الدولة حق التنظيم النقابي والمهني لصالحها، واحتكر تنظيمها السياسي السيطرة على العمل النقابي والمهني.

    ففي مصر سيطر تنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي على العمل السياسي والنقابي في البلاد، وفي سورية والعراق كان حزب البعث العربي الاشتراكي هو المظلة الوحيدة للعمل السياسي والنقابي في البلدين. وتفاوت الحال في البلدان العربية الأخرى، لكن هذه البلدان كانت في معظم الأحوال أقل نضوجا مهنيا ونقابيا باستثناءات محدودة، حيث تنفست الحياة السياسية والنقابية في بعض البلدان مناخا من التعددية البدائية مثلما كان الحال في المغرب مثلا.



    ويعتبر حق التنظيم النقابي والمهني أحد الحقوق الديمقراطية الأصيلة للمواطن. وهو ركن من أركان حرية التعبير عن الرأي، وبدونه تعتبر هذه الحرية منقوصة للأسباب التالية:

    - وجود التنظيمات النقابية والمهنية يساعد على خلق حالة من التوازن المؤسسي بين مصالح الأفراد وبين مؤسسات الدولة ومؤسسات السوق المختلفة (مثل الشركات وتنظيمات رجال الأعمال)، ويساعد هذا بدوره على قيام حوار صحي بين أطراف في مستويات قوة متقاربة.

    - التنظيمات النقابية والمهنية ضرورية لقيام علاقات عمل متوازنة بين أولئك الذين يبيعون مهاراتهم ومعارفهم وبين أصحاب الأعمال والمؤسسات الكبرى. ومن شأن غياب هذه التنظيمات أن تطغى عناصر الاستغلال في علاقات العمل، وإهدار مصالح العاملين، وهو ما يقود في العادة إلى التوتر وعدم الاستقرار في مواقع الإنتاج، ومن ضمنها صناعة الإعلام والمعلومات.

    - تعمل التنظيمات النقابية والمهنية على حماية أعضائها وتوفير خدمات مختلفة لهم تتكامل مع الخدمات العامة أو تعوض عدم وجودها في مجال أو أكثر من مجالات الحياة. فالمنظمات النقابية والمهنية تعني في العادة بتوفير خدمات صحية وتعليمية وتأمينية على مستوى أعلى من تلك التي تقدمها الدولة أو الشركات الخاصة.

    - تهتم التنظيمات النقابية والمهنية برفع المستويات المهنية لأعضائها من خلال التعليم والتدريب والبعثات وتبادل الوفود والزيارات. ومن ثم فإن تطوير مستوى الأداء في مهنة من المهم أو صناعة من الصناعات يتطلب بالضرورة وجود جسم نقابي أو مهني يهتم بأعضائه.

    - وأخيرا فإن وجود التنظيمات النقابية والمهنية يساعد على بلورة رأي عام في أوساط أصحاب المهنة أو الصناعة الواحدة سواء فيما يتعلق بمهنتهم أو فيما يتعلق بقضايا المجتمع بشكل عام، ويساعد على ممارسة حرية التعبير عن الرأي وتطوير الممارسة في إطار مهني واحد يتمتع بمرجعيات فكرية أو إجرائية متفق عليها.



    ومن الطبيعي أن الأفراد الذين ينتمون إلى تنظيمات نقابية أو مهنية يشعرون بقوة أكبر وهم يعبرون عن آرائهم، ويشعرون بتعاضد زملاء المهنة معهم في مواقفهم المختلفة، كما يشعرون أكثر من غيرهم بالمصالح التي تربط بينهم وبين المجتمع المهني الذي ينتمون إليه. وتلعب التنظيمات النقابية والمهنية دورا مهما في حماية الحريات العامة وتعزيزها والمساهمة في الوصول بالمجتمع إلى مستويات أفضل في الممارسة الديمقراطية بشكل عام.



    وعلى هذا الأساس فإن إطلاق حرية التنظيم النقابي والمهني هو ركن أساسي من أركان حرية التعبير عن الرأي. وتجاهل حق الأفراد في إنشاء هذه التنظيمات والانضمام إليها هو اعتداء على الديمقراطية. ويتطلب إطلاق حرية التنظيم أولا أن تضمن الدساتير والقوانين في الدول العربية هذا الحق، وثانيا إزاحة قبضة الدولة من السيطرة على التنظيمات القائمة، وثالثا توسيع حرية الاختيار أمام الأفراد بإلغاء احتكار نقابة أو تنظيم مهني واحد للعمل في قطاع معين.



    4- وجود ضمانات دستورية وقانونية و مؤسسية لحماية حرية التعبير عن الرأي من تجاوزات الحكومات و أصحاب الأعمال.أو حتى الرؤساء في أماكن العمل.أو الحق في المساواة القانونية



    إصلاح قوانين الصحافة والإعلام وتوفير ضمانات قانونية لممارسة حرية التعبير عن الرأي هو واحد من الموضوعات الساخنة في العالم العربي. وفي الوقت الحاضر فإن الصحفيين والكتاب والمفكرين يخضعون في معظم الأحول لقوانين متشددة عندما يتعلق الأمر بحريتهم في التعبير والنشر. إنهم في معظم الأحوال لا يخضعون للقوانين العادية، وإنما لحزمة من القوانين الخاصة بالصحافة كما أنهم يحاكمون أيضا ليس أمام محاكم عادية وإنما أمام محاكم خاصة بقضايا النشر أو محاكم الطوارئ. وفي معظم الدول العربية توجد أجهزة أمنية وقضائية متخصصة في التعامل مع الصحافة والصحفيين مثل مباحث الصحافة ونيابة الصحافة ومحاكم الصحافة أو محاكم أمن الدولة. وتتميز قوانين الصحافة العربية بالتشدد تجاه الصحافيين والمطبوعات في قضايا النشر.



    وغالبا ما يحاسب الصحافي على نواياه، وتصل العقوبات في قضايا النشر إلى السجن لسنوات عديدة قد تصل إلى السجن مدى الحياة إذا رأت سلطات الادعاء العام أن النشر يهدد أمن الدولة. وقد تخف عقوبة السجن إلى ثلاث أو خمس سنوات إذا اقتصر الإدعاء على اتهام الصحافي بإهانة رئيس الدولة. وفي العادة ما ترتبط أحكام السجن بالغرامة المالية أيضا. ومن أغرب العقوبات التي يتعرض لها الصحافيون العرب المنع من الاشتغال بالمهنة أو الكتابة في الصحف والمجلات لفترات قد تكون طويلة أو قصيرة. أما بالنسبة إلى المطبوعات (الصحف والمجلات) فإنها تتعرض في قضايا النشر للمصادرة أو للوقف المؤقت عن الصدور أو سحب تراخيص النشر ومنعها من الصدور نهائيا. ولدينا أمثلة كثيرة من المغرب واليمن ومصر وتونس والسودان وسورية وغيرها لصحافيين ومطبوعات تعرضوا سواء بمحاكمة أو بدون محاكمة للعقوبة بواحد أو أكثر من العقوبات المشار إليها.



    وهناك دعوة قوية في العالم العربي في الوقت الحاضر لإلغاء عقوبة السجن في قضايا النشر. كما أن هناك دعوات في أنحاء كثيرة من العالم العربي لتبني قوانين صحافة أكثر تسامحا وأقل تشددا من القوانين الحالية. وتتبنى نقابة الصحفيين المصريين نهجا معتدلا وعقلانيا يعارض بقوة القيود المفروضة على حرية الصحافة ويدعو إلى ضرورة احترام الصحفيين لمبدأ المسؤولية في أدائهم لعملهم، كما يدعو الأطراف المتخاصمة في قضايا النشر إلى اللجوء لطرق ودية في تسوية خلافاتهم مثل حق الرد والمطالبة بالاعتذار العلني في حال الاعتراف بالخطأ من جانب الصحفي أو الصحيفة. وفي هذا السياق تعمل النقابات في معظم الدول العربية على إقرار مواثيق شرف للعمل الصحفي يلتزم بها الصحفيون والمسؤولون عن الصحف. وفي هذا السياق أيضا يعمل اتحاد الصحفيين العرب جنبا إلى جنب مع اتحاد المحامين العرب من أجل تنظيم حملة للضغط على صناع القرار في العالم العربي من أجل إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات ومنها حرية الصحافة والتعبير عن الرأي على وجه الخصوص إضافة إلى العمل على إلغاء العقوبات السالبة للحريات الشخصية في قضايا النشر بشكل عام.



    وهناك عدد من القضايا المهمة التي ترتبط عمليا بأركان حرية التعبير عن الرأي بشكل عام وحرية الصحافة بشكل خاص. ومن أهم هذه القضايا واحدة ذات طابع اقتصادي والثانية ذات طابع أخلاقي. أما القضية ذات الطابع الاقتصادي التي ترتبط بحرية الصحافة فإنها تتمثل في طبيعة السوق الذي تمارس فيها وسائل الاتصال الجماهيري عملها، وهل هذه السوق تتمتع بشروط المنافسة الصحية أم تسيطر عليها الاحتكارات. وأما القضية ذات الطابع الأخلاقي فإنها تتمثل في التوازن الصحي بين اعتبارات الحرية واعتبارات المسؤولية. ومن المنطقي أن مسؤولية الصحفي إنما تتحدد بمقدار حريته وليس العكس. بل إنه يمكن القول أيضا أن مقدار الموضوعية والكفاءة المهنية إنما يتحدد بشكل عام بمقدار الحريات الصحفية والحريات العامة التي يتمتع بها أصحاب الرأي.



    الاحتكار والمنافسة

    وقد لوحظ في السنوات الأخيرة أن سوق الإعلام في العالم العربي تتشكل وتنمو على أسس احتكارية مغلقة. وهناك أولا احتكار الدولة ثم هناك احتكار القلة في الأسواق التي تم تحريرها أو التي تخضع لنفوذ أمراء النفط. فالاحتكارات الممثلة للعائلات الحاكمة (مثلما هو الحال في السعودية والخليج بشكل عام) أو رجال الأعمال أصحاب النفوذ (مثلما هو الحال في لبنان ومصر) هم الذين يتمتعون بحرية العمل الإعلامي. ومن الطبيعي أن الرسالة الإعلامية التي تحملها وسائل الاتصال المملوكة لمثل هذه المجموعات تعمل بصورة كبيرة على ترسيخ الأمر الواقع وعدم المساس به والتمادي في تكريس ثقافة القهر والاستهانة بالشعوب. ويلعب رأس المال السعودي بشكل خاص دورا مخربا بصورة مفضوحة من خلال ما يملكه من وسائل للتأثير على الرأي العام العربي مثل صحف الشرق الأوسط والحياة ومجلة المجلة والقنوات الفضائية السبع التي يملكها كليا أو جزئيا وهي قنوات أوربت، أم بي سي، العربية، أيه أر تي، المستقبل، إل بي سي، المجد إضافة إلى ما يملكه رأس المال السعودي من تأثير داخلي في الصحافة وأجهزة الإعلام العربية من خلال نظام الرشاوى والإفساد المتعمد للإعلاميين العرب. وقد دخل المال السعودي مؤخرا إلى أنشطة جديدة تمتد إلى السينما والموسيقى والغناء.



    ويتشابك الاحتكار الإعلامي مع الاحتكار الإعلاني حيث تمثل الإعلانات المورد الثاني لمعظم لشركات الاتصال الجماهيري الكبرى في العالم العربي (المورد الأول هو الإعانات الحكومية والإعانات التي تأتي من القصر الملكي). وقد تحول الإعلان التجاري في العالم العربي إلى إعلان ذي طابع سياسي توجهه السياسة وتتحكم فيه مصالح الدول. ومن الشائع مثلا أن الشركات السعودية لا تعلن في قناة "الجزيرة" القطرية بسبب المنافسة والنزاعات السياسية بين الأسرتين الحاكمتين في الرياض والدوحة. ومن صور الاحتكار في صناعة الإعلان ما يسمى بالامتيازات الإعلانية الحصرية في لبنان. وتعتبر الوكالات الإعلانية الحصرية من أخطر عوامل قتل المنافسة في سوق الإعلام اللبناني ومن وسائل استخدام الإعلانات لممارسة ضغوط سياسية على شركات الإعلام والاتصال. وفي مواجهة حال الوضع الاحتكاري الراهن من الضروري أن يتم أولا تحطيم احتكار الدولة وأن يتم ثانيا إقامة سوق صناعة الإعلام على أسس المنافسة العادلة وإنهاء احتكارات أمراء النفط وجماعات رجال الإعمال أصحاب النفوذ السياسي.



    الحرية والمسؤولية

    من البديهي أن النظرة إلى العلاقة بين الحرية والمسؤولية تختلف اختلافا كبيرا من زاوية رجال الحكم المعنيين ببقائهم في مواقع السلطة عنها من زاوية الصحفيين والعاملين في قطاع الإعلام المعنيين بالبحث عن الحقيقة وحق الجمهور في أن يعرفها. وعندما يتحدث رجل الدولة عن الصحافة المسؤولة فإنه في معظم الأحوال يهدف إلى ترويع الصحفيين واستمالتهم إلى جانب الدولة ضد الشعب. أما الصحفي الذي يتحدث عن الصحافة المسؤولة فإنه يعني بها الصحافة الموضوعية المخلصة للحقيقة ولا شئ غير الحقيقة مهما كان الثمن. ولهذا فإن كثيرين من الصحفيين يرتابون كثيرا من أولئك الذين يتحدثون عن الصحافة المسؤولة. ورغم أن لهذا الارتياب ما يبرره فإنه من الضروري وضع المعايير السليمة التي تضمن حياد الصحفي وموضوعيته (خصوصا فيما يتعلق بتدقيق المعلومات وتوثيق الوقائع) وعدم المساس بالحرية الشخصية للأفراد وعدم التمييز ضد الأشخاص أو الجماعات وعدم الحض على العنف أو على كراهية الآخرين والتعبير عن تنوع المصالح والآراء والبحث عن الحقيقة في كل جوانبها وقبول الرأي الآخر وإتاحة حق النقد وحق الرد بصورة متكافئة. إن هدف معركة الإعلام هو كسب عقول الناس وقلوبهم إلى جانب فكرة معينة. ومن البديهي أن هذا لا يمكن أن يتحقق بالكذب أو التلفيق أو إثارة مشاعر الناس بإطلاق شعارات حماسية هنا أو هناك.



    ولتحقيق علاقة صحية بين الحرية والمسؤولية في الصحافة العربية يوجد حاليا اتجاهان في العالم العربي:

    - الأول يميل إلى أن تفرض الدولة المعايير التي تضمن جانب المسؤولية في الصحافة كما هو الحال في تجربة المجلس الأعلى للصحافة في مصر.

    - والثاني أن يتولى الصحفيون أنفسهم وضع ميثاق الشرق الصحفي والإشراف على تنفيذه كما هو الحال في المغرب والجزائر حيث أنشأ الصحفيون أنفسهم في كل من البلدين مجلسا يسمى المجلس الوطني أو المجلس الأعلى لأخلاقيات المهنة يقوم بوظيفة مراقبة أداء الصحف بالأساس ورصد التجاوزات ومحاولة تصحيحها. غير أن كلتا التجربتين انطوتا على عدد من الأخطاء بسبب عملية صوغ ميثاق الشرف الصحفي وطبيعة تشكيل الجهاز القائم على إنفاذ نصوص ذلك الميثاق.



    ففي تجربة المجلس الأعلى للصحافة في مصر يتوقف دور المجلس على إصدار تقارير تبين التجاوزات التي ارتكبتها الصحف وتترك لنقابة الصحفيين المصريين اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد دور الصحف أو ضد الصحفيين الأفراد الذين ارتكبوا المخالفات. وفي العادة لا تستطيع النقابة (لاعتبارات انتخابية) اتخاذ إجراءات عقابية لضمان تصحيح الأخطاء أو التجاوزات التي تم ارتكابها. وفي التجربتين الجزائرية والمغربية يظهر جليا مدى ضعف مجلس أخلاقيات المهنة بسبب أن المجلس منتخب من الصحفيين وأن القانون لا يتضمن صلاحيات لهذا المجلس. ولهذا فإنه من الضروري إعادة تقييم تجربة مواثيق الشرف الصحفي وأخلاق المهنة بهدف تحقيق التالي:

    1- أن يكون ميثاق الشرف الصحفي نابعا من الصحفيين أنفسهم وليس مفروضا عليهم وأن يشارك مع الصحفيين في إعداده قيادات تمثل أقسام المجتمع وقواه المتحركة خصوصا قيادات النقابات المستقلة والأحزاب والجماعات السياسية الديمقراطية وأن يتم ذلك بعيدا عن السيطرة الحكومية وأي شكل من أشكال تدخل الدولة.

    2- أن تتضمن القوانين المعمول بها التأكيد على مبادئ حرية الصحافة وقواعد حل المنازعات الصحفية وديا والنص على قيام مجلس أعلى للإعلام يكون أعضاؤه غير قابلين للعزل خلال فترة ولايتهم وأن تكون لهذا المجلس سلطة الفض في المنازعات بما في ذلك إحالة نزاعات معروضة عليه إلى القضاء وأن يكون هذا المجلس مسؤولا أمام البرلمان (المنتخب انتخابا حرا).

    3- أن يكون عمل المجلس الأعلى للإعلام ونقابات الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية والصحفيين الأفراد مكرسا لتأكيد قيم الحرية والديمقراطية وحق الجمهور في المعرفة وأن تكون القاعدة الأساسية لعمل الصحفيين هي الحرية في تناول كل ما يتعلق بالحياة اليومية للجمهور بما في ذلك التعرض للقائمين على السياسات التي تقرر طبيعة الحياة اليومية للمواطنين، أي حق انتقاد الشخص العام مهما كان مستواه من حيث دوره في الحياة العامة.



    إن شرف مهنة الصحافة وقواعد حرية التعبير عن الرأي لا يقصد منها في أي حال من الأحوال تقييد حريات الأفراد أو الجماعات وإنما المقصود هو ضمان المصداقية وإعادة الثقة المفقودة بين الصحافة وقطاعات كبيرة من الرأي العام تردد في حالات كثيرة عبارة "كلام جرايد" بما يعني أنه كلام غير موثوق فيه أو لا يعني شيئا مما جاء فيه!



    ***



    ثالثا: انتهاكات حرية الصحافة


    تشمل انتهاكات حرية الصحافة كل التشريعات والقوانين والإجراءات الإدارية التي تفرض قيودا على حرية التعبير عن الرأي من خلال وسائل الاتصال المكتوبة والمسموعة والمرئية سواء كانت هذه القيود مانعة أم رادعة. وقد تأتي الانتهاكات من جانب الحكومة لكنها قد تأتي أيضا من جانب ملاك وسائل الاتصال (الدولة أو القطاع الخاص) أو حتى من جانب الناشرين ورؤساء التحرير. ومن أهم أشكال انتهاكات حرية الصحافة التي يمكن الإشارة إليها:



    1- انتهاكات دستورية . وقد تكون هذه الانتهاكات بالنص على قواعد يجب على الصحافة أن تلتزم بها، مثلما كان الحال في الدستور في العراق تحت حكم صدام حسين وكما هو الحال في معظم الدساتير والقوانين العربية. ومن تلك الانتهاكات النص على أن تعمل الصحافة في خدمة المجتمع وصيانة المصالح الوطنية العليا واحترام الثوابت والقيم الوطنية العليا. ومن تلك الانتهاكات أيضا النص على أن تلتزم الصحافة بالعمل في إطار استراتيجية الحزب الحاكم، كما هو الحال في سورية التي يمتلئ الدستور والقوانين فيها بعبارات العمل على تعزيز القومية العربية ومحاربة الاستعمار والصهيونية، وهي عبارات مقصود منها الدفاع عن النظام الحاكم لا غير!



    2- انتهاكات قانونية وإدارية. وتشمل القيود والمحظورات والعقوبات التي من شأنها أن تقيد حق الأفراد والجماعات في التعبير عن نفسها من خلال ما سمح به الدستور، حيث ينص الدستور في العادة على ممارسة الحقوق الأساسية "في حدود القانون" أو "بالشكل الذي يحدده القانون"، فيجئ القانون ليسلب من المواطن ما قرره الدستور مهما كان ذلك ضئيلا! وتشمل هذه الانتهاكات:

    - تقييد حق التملك في قطاع الاتصال والنص على مقابلة هذا الحق بقيود في القانون تمنح الجهات الإدارية سلطة أو حق إصدار التراخيص بالملكية على أساس مجموعة من الشروط القانونية التي يتعين على طالب أو طالبي الترخيص استيفاؤها عند التقدم بطلب لامتلاك وسيلة من وسائل أو قنوات الاتصال الجماهيري (الصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون وحتى خدمات امتلاك محال الإنترنيت!) ويصل تقييد حق التملك إلى ذروته بمنح الجهات الإدارية السلطة المطلقة في منح أو منع الترخيص. وتتضمن القوانين المعمول بها في معظم الدول العربية قيودا مالية وسياسية وإدارية واجتماعية (مثل المستوى التعليمي!) على الراغبين في الحصول على تراخيص لامتلاك مطبوعات دورية أو محطات للإذاعة أو التليفزيون.

    - تقييد حقوق الطبع والنشر والتوزيع والبث الإليكتروني.

    - تقييد حق التنظيم المهني والنقابي

    - فرض قيود رقابية على النصوص المعدة للطباعة والنشر وعلى المصنفات الفنية المعدة للإنتاج الإذاعي أو التليفزيوني أو السينمائي أو المسرحي قبل أو بعد نشرها أو عرضها.

    - إلزام الصحف والمجلات بالطبع في المطابع المملوكة للدولة كما هو الحال في سورية.

    - إلزام الصحف والمطبوعات بالتوزيع فقط عن طريق الشركات المملوكة للدولة كما هو الحال في سورية.

    - غلق الصحف أو مصادرتها كليا أو جزئيا (بصورة دائمة أو مؤقتة).

    - توقيف الصحفيين بسبب اتهامات ناتجة عن ممارستهم للمهنة.

    - فصل الصحفيين أو حبسهم أو إنزال عقوبات رادعة بهم بسبب اتهامات تتعلق بممارستهم للمهنة.

    - تغريم الصحفيين ودور الصحف بغرامات رادعة قد تؤدي في أحيان إلى إفلاس الصحفي أو الصحيفة.

    - وقف الصحفي عن ممارسة المهنة نهائيا أو بصورة مؤقتة لفترة من الزمن بسبب اتهامات متعلقة بممارسته للمهنة.

    - حجب الإعلانات وغيرها من مصادر الدخل عن الصحف والمؤسسات الإعلامية التي تعارض السياسات الحكومية أو جماعات المصالح المسيطرة.

    - ممارسة ضغوط مباشرة أو غير مباشرة على الصحفيين ودور الصحف لتجنب الخوض في القضايا التي قد تؤدي إلى الكشف عن الفساد وعيوب الحكم.

    - غلق مواقع الإنترنيت أو اعتراضها حتى لا تصل إلى الجمهور.

    - التضييق على المواطنين فيما يتعلق بالوصول إلى الإنترنيت بفرض نظام للتراخيص على مقاهي الإنترنيت ورقابة على استخدامها كما هو الحال في تونس والسعودية.

    - استخدام المؤسسات الدينية في التضييق على حرية التعبير عن الرأي من خلال منح هذه المؤسسات مثل الأزهر في مصر وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية سلطة حق الاعتراض على الآراء وإصدار الفتاوى التي تجيز مصادرة الآراء المرفوضة من وجهة نظر هذه المؤسسات.



    3- انتهاكات في مكان العمل: كثيرا ما يتعرض الصحفيون أو أصحاب الرأي لانتهاكات ضد حقهم في التعبير من داخل مكان العمل نفسه. ومن الأمثلة الملموسة في هذا السياق نقل الصحفيين إلى أقسام أخرى ومنعهم من الكتابة أو التدخل في كتاباتهم وحرمانهم من السفر أو الاتصال بمصادر المعلومات والتضييق عليهم مهنيا وماليا داخل مكان العمل والإثقال عليهم بمسؤوليات لا تدخل في اختصاص عملهم وحرمانهم من الترقيات وما غير ذلك من الإجراءات التي قد يتفنن فيها المديرون مثل توجيه الإنذارات بدون تحقيق وبدون وجه حق والخصم من الراتب. ويتطلب التصدي لمثل هذه الانتهاكات أولا أن يكون هناك تنظيم نقابي قوي يحتمي به الصحفيون في مكان العمل. ويتطلب ثانيا أن يكون الصحفي على علم تام بمسؤولياته وواجباته وحقوقه والتزاماته القانونية حتى لا يكون فريسة لغول الإدارة الذي يحاول أن يفترسه في كل وقت!



    إن هناك العديد من أشكال انتهاكات حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي في العالم العربي. وهذه الأشكال تصل إلى أقصاها وأشدها غباء في بلدان تتميز بتخلف نظامها السياسي كما هو الحال في السعودية وتونس وسورية والسودان وليبيا. وفي مثل هذه البلدان يقوم رجال الأمن بمراقبة الصحفيين وقيادات الرأي العالم كظلهم والتفنن في مضايقتهم وتخريب ممتلكاتهم والتضييق على أبنائهم وبناتهم وأفراد عائلاتهم وقطع الاتصالات عنهم وفصلهم من وظائفهم وتسليط أقلام السوء عليهم ومحاولة تشويه سمعتهم وتاريخهم ومنعهم من الحديث ومن الكتابة ومحاصرة بيوتهم وتهديد أصدقائهم وتلفيق القضايا ضدهم بكل شكل من الأشكال، فانظر أي نظم تتحكم في شعوب ومصائر تلك البلدان!



    ***



    رابعا: رصد ومواجهة انتهاكات حرية الصحافة


    تحدث انتهاكات حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي كل يوم. وقد نجهل ما يحدث بسبب عدم علمنا به إما بسبب عمدي مثل محاولات السلطات إخفاءه أو بسبب غير عمدي ناتج عن عدم قدرتنا على الوصول إلى الخبر ذاته المتعلق بعلمية الانتهاك. إن معرفة ما يحدث من انتهاكات لحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي في بلد مثل ليبيا هو شئ شديد الصعوبة حيث أن النظام السياسي في ذلك البلد هو نظام مغلق يعاني من قيود شديدة على حرية الوصول إلى المعلومات وتداولها. وكذلك الحال في بلدان مثل السعودية وتونس والسودان وسورية. غير أن جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي في سورية تجعل المهمة أسهل نظرا لنشاط هذه الجماعات وقدرتها على الحصول على المعلومات وتوصيلها إلى الخارج.



    وتبدو مهمة رصد انتهاكات حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي في النظم السياسية المفتوحة نسبيا كما هو الحال في المغرب ومصر أسهل بكثير منها في النظم المغلقة. كذلك فإننا من خلال تجربة المنظمة العربية لحرية الصحافة نجد أن النظم السياسية العربية المنفتحة نسبيا تتمتع بقدرة على الاستجابة لا تتوفر في الأنظمة المغلقة. ومن ثم فإننا في حملاتنا الموجهة ضد انتهاكات حرية الصحافة نتوقع بعض الأثر الإيجابي. وفي العادة فإننا في المنظمة العربية لحرية الصحافة نقيس هذا الأثر الإيجابي بعدد من المعايير منها أولا الرد على رسائل المنظمة أو الاتصالات التي تقوم بها. وقد لاحظنا أن الأجهزة الحاكمة في الأردن ومصر واليمن والمغرب تهتم في العادة بالرد على رسائل المنظمة ومن المعايير التي نلجأ إليها أيضا لقياس استجابة السلطات المعنية التحقيق في الوقائع التي نتقدم بها. وفي بعض الأحوال يتم التحقيق في الشكاوى والوقائع التي نعرضها. كذلك فإن أحد المعايير يتمثل في الاستجابة لمطالب المنظمة. وقد حدث هذا بالفعل في حالات قليلة. وهناك أنظمة تصمت تماما عن الرد مثل النظام السعودي والنظام التونسي والنظام السوري. فلم يحدث في أي حال من الحالات أن تلقت المنظمة العربية لحرية الصحافة ردا على شكوى أو احتجاج تقدمنا به إلى السلطات المعنية في هذه الأنظمة.



    ومن الضروري أن تكون عملية رصد انتهاكات حرية الصحافة دقيقة ورصينة وصادقة. ولا يجوز هنا النقل عن الآخرين بدون تحقق، وإنما يجب أن تكون عمليات الرصد مبنية على أساس العمل الميداني وأن تعتمد على مصادر مدربة تدريبا جيدا وموثوقة. وعلى هذا الأساس فإن بداية عمليات الرصد تتمثل في بناء شبكة المصادر وتدريب أفرادها على أساليب الرصد والإبلاغ والتوثيق وأيضا على المشاركة في حملات مناهضة انتهاكات حرية التعبير عن الرأي.



    ويمكن تقسيم عملية رصد انتهاكات حرية الصحافة ومواجهتها إلى المراحل التالية:

    1- التحقق: سواء كانت الانتهاكات من جانب الحكومات أو الناشرين (أو ملاك شركات الإعلام) أو من الرؤساء في مواقع العمل (رؤساء التحرير- مديرو التحرير- رؤساء الأقسام أو سكرتيرو التحرير) فإنه من الضروري التأكد تماما من عناصر واقعة الانتهاك. ويتضمن ذلك مكان الواقعة وتاريخها وأطرافها وماذا حدث فيها وكيف وقعت ولماذا ونتائجها على الضحية وقد يكون القائم بعملية الرصد شخص واحد (الراصد) أو مجموعة من الأشخاص (المرصد) وفي كل الأحوال فإن هناك مسؤولية كبيرة على الراصدين في التحقق مما حدث قبل الإبلاغ. ولتعظيم إمكانيات الرصد من المهم أن تتوفر عناصر ارتباط داخل الصحف والمجلات ودور الإذاعة والتليفزيون وشركات الإنتاج الإعلامي. كما أنه من الضروري العمل مع النقابيين المعروفين بمواقفهم في الدفاع عن الحريات الصحفية.

    2- الإبلاغ: يتم الإبلاغ بعد الاطمئنان تماما إلى صحة وشمول المعلومات التي تم الحصول عليها بخصوص واقعة الانتهاك. ويجري الإبلاغ من خلال اتصال المرصد أو الراصد بالجهات المعنية بموضوع الواقعة أو بالمنظمات المعنية بحرية الصحافة والتعبير عن الرأي أو بمنظمته التي يعمل من خلالها. ومن الممكن أن يرفق الراصد مع البلاغ توصية بخصوص حملة لمواجهة الانتهاك أو الرد عليه.

    3- النشر: يتم إعلام الرأي العام بوجود حالة أو حالات انتهاك لحرية الصحافة من خلال استخدام وسائل الاتصال الجماهيري المختلفة مثل الصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون والمواقع الإليكترونية على الإنترنيت. ويكون الهدف من النشر أيضا البدء في حملة تعبئة الرأي العام ضد الانتهاكات والضغط على الجهات التي ارتكبت تجاوزات ضد حرية الصحافة.

    4- التوثيق: لا يتوقف دور الراصد أو المرصد عند حد المراقبة والإبلاغ عن انتهاكات حرية الصحافة وإنما من الضروري متابعة الحالات التي يتم رصدها متابعة دقيقة عن قرب وتوثيق أحداث وتطورات الوقائع. وفي نهاية الحالة أو في كل مرحلة من مراحلها تساعد أعمال التوثيق على تكوين ملفات عمل دقيقة لمتابعة الحالة ذاتها ولربط الحالة بالتطور العام الجاري على صعيد حال الحريات الصحفية في العالم العربي.

    5- التعبئة: يكون هدف التعبئة ضد الانتهاكات هو إزالة هذه الانتهاكات ومنع وقوعها مرة ثانية أو في مكان آخر. وتتم التعبئة من خلال:

    (أ‌) التضامن مع الضحية سواء كان فردا أو مؤسسة.

    (ب‌) الاحتجاج على الانتهاك والسلطات أو الطرف الذي قام به. وقد يكون الاحتجاج بإرسال الرسائل والبرقيات أو بإصدار البيانات أو بالتظاهر أو بإرسال الوفود أو بعقد اجتماعات عامة وغيرها من الأساليب.

    (جـ) بناء تحالفات لمناهضة انتهاكات حرية الصحافة متعددة المستويات بدءا من المستوى المحلي إلى المستوى الإقليمي إلى المستوى الدولي. ومن الضروري تنويع أساليب التضامن وأساليب الاحتجاج وأساليب بناء التحالفات بما يستجيب بمرونة مع احتياجات كل حالة. ومن المهم الاستفادة إلى أقصى حد ممكن من الطاقات المحلية التي يمكن حشدها في عمليات التعبئة مثل النقابات المستقلة والمنظمات الأهلية والروابط المهنية والشخصيات العامة الديمقراطية.

    6- الدفاع والمساندة القانونية والمهنية والاجتماعية: على الرغم من أن قوانين العقوبات وقوانين الإعلام في العالم العربي على وجه العموم هي قوانين جائرة إلا أنه من الضروري تنظيم حملات الدفاع القانوني عن ضحايا انتهاكات حرية الصحافة على أعلى مستوى ممكن لأنه من خلال حملات الدفاع القانوني يمكن أيضا تعرية القوانين الجائرة والمطالبة بتعديلها. كذلك فإن حملات الدفاع والمساندة يمكن أن تتضمن مساعدات مهنية واجتماعية للضحايا وأسرهم.



    إن حالة الحريات الصحفية في العالم العربي على وجه العموم هي حالة تبعث على الرثاء. ويواجه الصحفيون العرب خلال عملهم اليومي تقريبا الظروف المهينة نفسها تقريبا اللهم باستثناءات قليلة. ومن المهم جدا أن يبلور الصحفيون العرب والمعنيون بحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي والحريات الديمقراطية العامة مجموعة من الشعارات المشتركة التي تنسجم مع احتياجات إطلاق حرية التعبير عن الرأي في العالم العربي. وقد نجحت الحركة الديمقراطية العربية حتى الآن في بلورة شعار "إلغاء العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر والرأي العام" ويتردد هذا الشعار من المحيط إلى الخليج. وقد استطاع ذلك الشعار الموحد أن يحقق عددا من الانتصارات حتى لو كانت محدودة في بعض البلدان العربية.



    وتتضمن الشعارات وبرامج العمل التي تم الاتفاق عليها في المؤتمرين الأول ( لندن في مايو 2002) والثاني (القاهرة في مايو 2003) للمنظمة العربية لحرية الصحافة عددا من النقاط الجديرة بالاهتمام منها ما يلي:



    - التأكيد على ان مهنة الصحافة في العالم العربي يجب ان تحرر من كل القيود المفروضة عليها قانونيا وسياسيا واقتصاديا حتى يتمكن الصحفيون من العمل دون عوائق لتكريس دورهم في خدمة تطوير المجتمع الى الأفضل، وفي خدمة التحول الديمقراطي وتعزيز الحريات السياسية والتنوع والتعددية واحترام أفكار وعقائد الآخرين. ويرتبط بذلك ان يعمل الصحفيون على التصدي للفساد والاحتكار السياسي وسيطرة الحزب الواحد والأنظمة الاستبدادية، ضمن دورهم كوسيلة اتصال شفافة للجماهير مع الأحداث واتجاهات المجتمع على تنوعها.



    - التأكيد على العلاقة العضوية بين حرية الصحافة والديمقراطية، فلا توجد ديمقراطية بدون حرية الصحافة، كما أن الدعوة الى حرية الصحافة والعمل من اجل تحقيقها. يرتبطان ابتداءً بحق المواطنين في الإعلام وحقهم في ابداء الرأي دون خوف. والتأكيد على أن حرية الصحافة تعني توافر مقومات العمل الصحفي وفي مقدمتها حرية الوصول إلى المعلومات، والحق في ملكية الصحف وإصدارها وطبعها وتوزيعها دون تعرضها لأي شكل من أشكال الرقابة



    - مطالبة نقابات الصحفيين، والمحامين والمنظمات المعنية بحرية الصحافة، والقيادات السياسية الديمقراطية الى العمل المشترك من اجل إلغاء قوانين الطوارئ، والمحاكم الاستثنائية، ورفع القيود عن الحريات العامة.



    - إن أحداث 11 سبتمبر قد أدت إلى زيادة الميل نحو سياسات اقل تسامحاً مع حرية الصحافة حتى في الدول الغربية الليبرالية، ومن الضروري التحذير من اتساع نطاق هذه السياسات، وتشجيع الدعوة إلى التفاهم والحوار بين الناس على اختلاف ألوانهم وأفكارهم، والتنبيه إلى خطورة تردي حالة الحريات السياسية في معظم الدول العربية، خصوصا تلك التي لجأت أنظمتها في الآونة الأخيرة إلى تشديد العقوبات في قضايا الرأي، تلك التي فرضت قيوداً غير مقبولة على حرية الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية وصحافة الإنترنت.



    وفي سياق إصلاح قوانين الصحافة والإعلام فإنه تجدر الدعوة إلى:

    1- تحرير التشريعات الصحفية العربية من كل القيود المكبلة لحرية الصحافة سواء حرية التعبير أو النشر أو الملكية أو الإصدار أو الطبع أو التوزيع، بما في ذلك إلغاء كافة التشريعات والقوانين والأنظمة التي تسمح بتدخل الدولة في شئون الصحافة ومعاقبة الصحفيين بالعقوبات الرادعة والتحكم في لقمة عيشهم.



    2 - إلغاء العقوبات الإدارية والقانونية التي تمكن السلطات التنفيذية من فرض الرقابة على المطبوعات أو البرامج الإذاعية أو التليفزيونية. والدعوة إلى إلغاء النصوص والقرارات التي تسمح بتعطيلها إداريا أو مصادرتها أو سحب تراخيصها و إدانة فصل الصحفيين لأسباب تتعلق بممارستهم لمهنتهم أو تعبيرهم عن آرائهم والدعوة إلى الفصل بين الملكية والإدارة في الصحافة الحزبية والخاصة.



    3 - إلغاء جميع النصوص التشريعية التي تسمح بتوقيع العقوبات السالبة للحرية على الصحافيين في الجرائم المتعلقة بممارسة مهنتهم. وكذلك جميع الإجراءات المقيدة للحرية بما فيها الحبس الاحتياطي.



    4 - توفير الضمانات القانونية والسياسية للممارسة الصحفية، والعمل على الارتقاء بمستوى مهنة الصحافة عن تطوير علاقات العمل داخل الأسرة الصحفية وعلاقة الصحافة بالمجتمع. ويتضمن ذلك أيضا إقرار حق التنظيم النقابي للصحفيين على أسس مستقلة وديمقراطية وإلغاء كل التشريعات القائمة التي تعوق أو تجرم ممارسة هذا الحق ودعوة المجتمعات الصحفية العربية التي لم تتشكل فيها نقابات أو تنظيمات مهنية مستقلة إلى المبادرة لتشكيل كيانات نقابية تمثل الممارسين الفعليين لمهنة الصحافة في هذه البلدان للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم.



    5 - ضرورة أن يتجنب الصحفيون الآثار السلبية للرقابة الذاتية في ممارساتهم المهنية، وأن يبتعدوا عن الممارسات المنافية لآداب المهنة وعن الخضوع لإغراءات غير مشروعة من جانب جماعات المصالح أو شركات الإعلان وعدم الخلط بين المادة التحريرية والإعلان.



    وعلى صعيد الشروط والمعايير الضرورية للارتقاء بمستوى مهنة الصحافة فقد تم بلورة النقاط التالية:

    1 – المطالبة بأن يتفق الصحافيون – دون تدخل من أو ضغوط – من أي جهة أو سلطة على مواثيق شرف مهنية تحدد القواعد الأخلاقية ومعايير الجودة الصحفية للالتزام بها من جانب العاملين في الصحافة.



    2- التأكيد على شفافية الأداء النقابي للصحافيين العرب ودعوة النقابات إلى تأكيد مبدأ طوعية العضوية فيها وعدم السماح لغير المشتغلين بالمهنة بالانضمام إليها. ودعوة النقابات والاتحادات الصحفية إلى احترام مبدأ الفصل بين العمل النقابي وبين تولي المسئوليات الإدارية والتحريرية العليا في المؤسسات الصحفية.



    3 – استحداث آلية تقييم الأداء الصحفي في العالم العربي من خلال الاستناد إلى معايير شاملة للقياس والمقارنة، على أن تتضمن هذه المعايير مؤشرات أخلاقية ومؤشرات حول العلاقة بين الإعلام والمجتمع الإعلام والسلطة الحاكمة، ومدى احترام الحريات الصحافية، ونسبة شيوع منتجات أجهزة الإعلام المختلفة. ومن خلال استخدام هذه المؤشرات يمكن الحكم على الدولة بمدى ابتعادها أو قربها من المؤشرات الصحية والإيجابية.



    4 – تعريف الصحفيين بحقوقهم القانونية وواجباتهم، وتعريف الجمهور بالمخاطر السلبية للتشريعات المقيدة للحريات، والتحالف مع كافة المنظمات والهيئات الشعبية في البلاد العربية، من اجل ترويج ثقافة الحريات الديمقراطية، والتعددية الصحفية.



    5 – إنشاء شبكة عربية للإنذار المبكر في حالة اعتقال الصحافيين وانتهاك حقوق الصحافة، يكون لها مراسلون في كل الدول العربية، وتكون المنظمة العربية لحرية الصحافة هي الحلقة المركزية في هذه الشبكة من خلال موقعها على الإنترنت ومن خلال فروعها وكذلك بالتعاون مع المنظمات الصحافية المعنية بحرية الصحافة.



    ***



    إن قضايا التحول الديمقراطي في العالم العربي أخطر من أن تترك للحكام يلهون بها كما يلهون بشعوبهم! وما يحدث الآن في المنطقة العربية يؤكد للقاصي والداني أن الشعوب هي التي تدفع في النهاية فاتورة تأخير التغيير المطلوب. لقد قفز العالم قفزات طويلة على طريق الديمقراطية. ولا يحتاج التحول الديمقراطي إلى عقود من الزمان أو إلى الانتظار حتى يحدث تدخل خارجي! إن بناء الديمقراطية من أسفل إلى أعلى يتطلب أولا وقبل كل شيء أن يتنازل الحكام عن سلطاتهم المطلقة أو شبه المطلقة لأننا دخلنا إلى عصر جديد انهارت فيه الحدود بين الدول وانزاحت منه الأنظمة الاستبدادية إلا في منطقتنا العربية فقط تقريبا!



    إن مسؤولية المنظمات الأهلية والروابط المهنية والنقابات والتنظيمات السياسية الديمقراطية هي مسؤولية كبيرة وخطيرة. فهذه التجمعات هي التي يمكن أن تستجيب لنبض المستقبل وهي التي تستطيع إن وفرت لنفسها أساليب العمل الصحيحة أن تقود تغييرا إيجابيا لطبيعة الحياة التي نعيشها بالمشاركة مع الكتل العريضة من المواطنين. إن أمثلة كثيرة تؤكد هذه المسؤولية، ففي أوروبا الشرقية وفي أمريكا اللاتينية وفي جنوب شرق آسيا إستطاعت هذه التجمعات أن تفتح الكثير من الطرق المسدودة كما أنها لا تزال حتى الآن تلعب دور الحارس لصون الإصلاحات الديمقراطية ومنع انهيارها أو الاعتداء عليها.



    لقد آن الأوان لإقامة نظام عربي إقليمي جديد يقوم على أساس مصلحة المواطنين وطموحاتهم في غد مشرق وديمقراطي، غد مشرف يفتخر به الأبناء والأحفاد.





    المنظمة العربية لحرية الصحافة

    لندن في 12 فبراير 2004

                  

04-24-2004, 09:42 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو قانون ديمقراطي للصحافةالسودانية:فحص الوثائق 2:من أوراق منظمة ح الصح (Re: فتحي البحيري)

    الوثائق أعلاه من موقع http://www.apfw.org
    موقع المنظمة العربية لحرية الصحافة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de