قصة بناء جامعة جوبا
كيـف سَقينا الفـولاذ (1) قصة بناء جامعة جوبا هذه حصيلة خواطر ومراجعات لتجربة بناء جامعة جوبا، وقد عملت بها من بداية عام 1978 وحتى صدور قرار فصلى فى الأشهر الأولى بعد انقلاب الجبهة الاسلامية القومية فى يونيو 1989. ولا يحتاج المرء للافاضة فى مرارة فقدان حق العمل باعتباره تعدياً جائراً على حق انسانى توطنت عليه الأمم، وما ينطوى عليه من تقطيع وشائج الصلات الانسانية فى مضمار العمل والحياة. هذه محنة الانفصام الذى حال بيننا واتمام المهمة التى أسهمنا فى ارساء أوتادها ووقفنا لها أنضر سنى حياتنا. اتمنى أن تكون مثل هذه الممارسة الضيقة الأفق آخر الفصول القاتمة فى تاريخنا المعاصر. لم يخفف من وطأة الظلم الذى حاق بنا، أننى بسبب تواجدى حينها فى الولايات المتحدة لم أعانى مثلما عانى الآلاف، ممن استيقظوا على قرارات الفصل التعسفى الذى لم يكن فى حسبانهم. فلم يدخروا له ما يكفى الأود. وتلك تجربة قائمة بذاتها ربما يأتى الوقت لمراجعتها. والمهم بالنسبة لى وآخرين فقد بادرنا بالانضمام لجامعة جوبا فى عامها الأول. حملنا اليها أحساس عظيم بأن الظرف قد أتاح لنا المشاركة المبكرة فى تمهيد الأرض ووضع اللبنات الأولى لبناء جامعة جوبا. سبقنا الى هناك أفراد ذوو ادراك عظيم بالمسئولية الوطنية، ربما لاتسعفتى الذاكرة لحصرهم جميعاً. وسوف نأتى على ذكرهم فى سياق لاحق. لكن لابأس من ذكر البعض: الدكتور جوزيف عوض الأمين العام الأول لمشروع جامعة جوبا، الدكتور أحمد خضر، الأستاذ موسس مشار، الأستاذة فايزة حسين، الدكتور روبن ميلز، الدكتور محبوب الدين، الدكتور عبدالغفار محمد أحمد، الأستاذة كارين أبوزيد، الباشكاتب لبانا، الأستاذة عزيزة محمد عباس، ومن العمال تبن وميرغنى، والاستاذ عبدالمنعم محمد عثمان، والاستاذ تعبان لوليونق. وفى سياق لاحق سوف نفرد حيزاً لمديرى الجامعة المتعاقبين. تحمل هؤلاء وغيرهم مشقة تأسيس كل شىء، من لا شىء، وتغلبوا على الاحكام المسبقة والموروثات القديمة، ووطنوا أنفسهم على شظف المعيشة، ووعورة المكان، وخواء الحياة الاجتماعية والثقافية، وهوجاء الأحوال المناخية. لم يكن الاسهام فى مشروع بناء الجامعة وقفاً على طائفة بعينها من الناس بحكم انتمائهم لاقليم بعينه أو أفكار وعصبيات ضيقة. فمن معانى تلك تجربة أنها وحدت أيادٍ ورؤىً عديدة ومتباينة. أسهم فيها الطلبة والأساتذة والعمال والتجار والأساقفة والموظفون وافراد الجيش فى حامية جوبا، وسكان الأحياء المجاورة. توحدت هذه الجهود مثلما لم تتوحد فى تاريخ السودان وجنوبه على وجه الخصوص. وقدمت دلالات حيةً لامكانية التآخى، وتوسيع القواسم المشتركة فى مضمار التحصيل والبحث والتدريب، وفى قاعات الدراسة والطعام وأركان النقاش والمناشط الأخرى. وبالطبع لم يكن بالامكن تجاوز مرحلة ‘التسنين‘ الباكرة بدون أخطاء ومواجهات عنيفة من حين لآخر بسبب التباين الثقافى والاحكام المسبقة وقلة المعرفة بالطرف الآخروصعوبة التخاطب، ولكن التجربة فى وجهتها العامة سارت بخطى أمامية نحو غايتها الكبيرى بدون انتكاسة مكبلة. لم بقتصر الجهد المضنى لبناء الجامعة على السودانيين فحسب. فقد أسهم معهم يد بيد وخطوة بخطوة افراد أوفياء من الاساتذة الأجانب فى بناء الجامعة وتثبيت أركانها حتى ارتقت الى مصاف الجامعات السودانية والافريقية الأخرى. توافد على الجامعة عدد هائل من الأساتذة الأجانب من الهند وباكستان وبنغلاديش ومصر والمملكة المتحدة وهولندا. عاشوا بيننا، وبذلوا أضعاف مابذلنا من الجهد للتأقلم على واقع الحياة الوعرة فى واحد من أكثر مناطق العالم انعزالاً عن مجريات الأحداث. أسهمت دول السوق الأوربية المشتركة (الاتحاد الاوربى) والمؤسسات الخاصة فى المملكة المتحدة وألمانيا وبلجيكا وهولندا على وجه التحديد فى امداد الجامعة الناشئة بالأساتذة والمعدات والمنح المالية والدراسية. شاهد الناس ضباط وجنود القوات المسلحة كما لم يشاهدوهم من قبل. فمن ساحة الحرب انتقل أفراد الفرقة الأولى (جوبا) الى معاول للبناء والتعمير. سخروا سواعدهم وآلياتهم وخبراتهم الفنية لتحويل الثكنات القديمة الى حجرات وقاعات للدراسة ومعامل. وأمدوا الجامعة بالمياه قبل أن تصل الى معسكرهم. وفى هذا الصدد تداول الناس واقعة عند بداية تشييد الجامعة. فقد أقسم مديرها آنذاك بروفسير السمانى عبدالله يعقوب بأنه سيقرع الجرس لبدء الدراسة فى جامعة جوبا بحلول سبتمبر 1977. وذهب الى القول بأنه سيأكل حذاءه اذا لم يتحقق ذلك. فالتقط أفراد القيادة الجنوبية ذلك التحدى وتعهدوا بأن يضعوا كل امكاناتهم لمسابقة الزمن. وقد تم لهم ذلك. وفى يوم الافتتاح حمل ضباط الفرقة الأولى حذاءاً من الشكولاته طلبوا من السمانى أن يلتهمه. المهم الأن أن نوجه فى سياق هذه الانطباعات رسالة لكل من يهمه أمر السودان موحداً أو منقسماً. فقد صدر قرار انشاء جامعة جوبا فى وحدة من لحظات التوافق السياسى النادرة. وفى سياق البحث عن مخارج لحل مشكلة جنوب السودان حلاً عادلاً يصون للوطن سلامه ووحدته على أساس المساواة فى الحقوق بين المواطنين والاعراق والديانات والأقاليم. وأياً كانت نتيجة الاستفتاء الوشيك، فاننا ندعو الى أن تظل جامعة جوبا بمثابة ‘الحبل السرى‘ الذى يآخى بين الشمال والجنوب لتهيئة فرص أفضل لخيارات المستقبل. ندعو الى التفكر فى ضرورة تغليب وشائج التاريخ المشترك والمشاعر المشتركة والمصالح الكبيرة فى الحاضر والمستقبل، والابقاء على كل الجسور المتاحة لتسهيل انسياب العلاقات الانسانية، واحتمالات العودة لاقامة الوحدة فى ظروف مواتية. ندعو الى ايجاد وضع خاص لجامعة جوبا باعتبارها جامعة السودان الموحد، باعتبار ماكان وما سيكون فى أمد لن يطول. ونحرص على تطويرها وتوثيق صلاتها مع مؤسسات التعليم العالى فى بقية أجزاء السودان. وتحفيز الاكاديميين والفنيين من كل انحاء السودان شمالاً وجنوباً للتعاون معها ودعمها، وربطها بوسائل الاتصال الحديثة لتهيئة أجواء العمل المشترك، فى مجال البحث العلمى والتدريب والتدريس والمناشط الرياضية والثقافية. وأن تتحمل الخزينة العامة تمويلها على قدم المساواة مع بقية مؤسسات التعليم العالى، وجلب المساعدات الاقليمية والعالمية لها. ونقترح اسراع الخطى لتسهيل انتقال الجامعة الى مقرها الأصلى فى مدينة جوبا. والشروع فى بناء فروع لها فى مدن الجنوب، والعناية بشكل خاص باعداد المدرسين وتدريب الفنيين. فالمهمة الرئبسبة التى انشئت من أجلها جامعة جوبا أن تتجسد فى حمل لواء المعرفة والاستنارة ودفع عجلة التقدم فى كل الميادين باعداد الكوادر العلمية والفنية وتوفير فرص التخديم، و تسريع وتائر الانصهار القومى فى جنوب السودان على وجه الخصوص. لقد افترعت جامعة جوبا منذ نشأتها قنوات اضافية لتوسيع فرص القبول أمام ‘الطلاب الراشدين‘ بهدف اتاحة فرص الدراسة الجامعية للعاملين فى القطاعين الحكومى والخاص بمعدلات قبول أقل يتم التعويض عنها بفضل الخبرات الميدانية المكتسبه بواسطة ‘الطلبة الراشدين‘. وقد أكدت التجربة نجاحها تماماً. ولذلك نقترح توسيع هذه الفرص الاضافية لقبول الطلاب من جنوب السودان فى كل مؤسسات التعليم العالى فى السودان. فليسهم الاكاديميون السودانيون اجمالاً فى تحمل المسئولية الرئيسية لوضع هذه المناشدة موضع الاهتمام اللائق وانزالها الى حيز التنفيذ. فى مقالاتنا اللاحقة نتطرق الى تفاصيل تجربة التأسيس، وفلسفة الجامعة، ومحاولة ايجاد بوتقة للتفاهم والانصهار بين الأساتذة والطلبة ونقلهم من حالة الاستقطاب بسبب التباين الثقافى والاثنى والدينى الى اقامة التحالفات السياسية والتلاقح الثقافى والوشائج الانسانية وضرورة تكملة بناء الدولة القومية. ونناشد كل من أسهم فى تلك التجربة ان يدلى بدلوه. (عن صحيفة الأحداث 12 أغسطس 2010) (عدل بواسطة A/Magid Bob on 08-18-2010, 10:44 AM) (عدل بواسطة A/Magid Bob on 08-18-2010, 11:05 AM)

08-20-2010, 06:45 PM

Nasr

Nasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10823

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين

Re: قصة بناء جامعة جوبا (Re: A/Magid Bob)
بوست دسم وذو أهمية في هذا الوقت بالتحديد يجب أن يبقي عاليا

08-20-2010, 07:02 PM

حاتم يوسف العبيد

تاريخ التسجيل: 01-11-2010
مجموع المشاركات: 534

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين

Re: قصة بناء جامعة جوبا (Re: Nasr)
أستاذي بروف / بوب .. مساك الله بالخير ... يوجد لديك بوست بنفس التسمية .. عن بناء جامعة جوبا .. وتداخلت معك فيه ... وهذا يعتبر بوست منفصل .. نرجو التكرم وتنبيه بكري أبوبكر .. لضم البوستين في يوست واحد حتى يتمكن الناس من المتابعة .. مع أطيب التحايا،، ..

08-20-2010, 07:10 PM

الصادق اسماعيل

الصادق اسماعيل
تاريخ التسجيل: 01-14-2005
مجموع المشاركات: 8620

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين

Re: قصة بناء جامعة جوبا (Re: Nasr)

Quote: يجب أن يبقي عاليا

08-20-2010, 10:15 PM

عمر ادريس محمد

عمر ادريس محمد
تاريخ التسجيل: 03-27-2005
مجموع المشاركات: 6787

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين

Re: قصة بناء جامعة جوبا (Re: الصادق اسماعيل)
up

08-21-2010, 11:11 AM

جعفر محي الدين

جعفر محي الدين
تاريخ التسجيل: 11-12-2008
مجموع المشاركات: 3649

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين

Re: قصة بناء جامعة جوبا (Re: عمر ادريس محمد)
البروف بوب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنت بألف خير كان لنا عظيم الشرف بأن ننتمي لجامعة الانتماء والتميز جامعة جوبا في العام 1984 كطلاب ... ولقد وجدنا فيها بحق كل مؤهلات المؤسسة الأكاديمية الناجحة وكان انتماءها لمحيطها الجغرافي كبيرا ومؤثرا وكان تميزها في طموحها لبلوغ غايات كبرى من العلوم فقد جمعت كما تفضلت بين جنباتها أساتذة وعلماء أجلاء أتوا من جهات الدنيا الأربعة ليساهموا في نهضة هذه الجامعة الفتية ولقد تميزت فيما بعد من خلال خريجيها الذين ما وطئوا ارضا إلا وسارت بسمعتهم الركبان إتقانا وتجويدا لما يوكل إليهم من مهام . وتميزت كذلك جامعة جوبا بذلك الألق الاجتماعي الفريد الذي جمع بين كل منسوبيها ليس طلابا فحسب بل أساتذة وإداريين وعمالا ... نتمنى عليك أن تبقى هذا الخيط عاليا وترفده بتجربتك الثرة في الجامعة

[رد على الموضوع]

صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]