كرة القدم العربية وإشكالية التأهل للمونديال (1 من 4) ... د. محمد خير الشيخ

Quote: كرة القدم العربية وإشكالية التأهل للمونديال (1 من 4) د. محمد الخير الشيخ لا شك في أن كرة القدم أسهمت في ترابط الأجيال المتعاقبة وحققت وحدة نوعية بين شعوب الأرض, واتفق الجميع على حب تلك المستديرة التي استدارت معها قلوبنا وعقولنا، وأصبح المليارات من الناس ينتظرون تلك اللحظة التي يشتركون فيها بلغة واحدة ومشاعر إثارة واحدة ألا وهي المونديال. وأعتقد أن الكلمة فرنسية, وهي ربما تكون مشتقة من monde بمعنى العالم و mondial وهي تعني العالمي. ومهما كان أصلها أو فصلها فإنها تربعت وتكورت في عقولنا لأنها الأكثر شعبية .. الأكثر إثارة .. الأكثر متعة، حتى الشعوب التي لم تتأهل منتخباتها إلى كأس العالم ـ ونحن أولها وآخرها، فإنها تقوم بمتابعة المونديال بالحماس نفسه, بل بعضها يصبح أكثر جنوناً من البلدان التي تأهلت، تلك ربما تكون لحظات جميلة مجنونة تصيبنا بالهوس، يعيشها العالم ولو لأيام محدودة .. يأتي بعدها السؤال المحير هل كأس العالم عرس نحتفل به جميعنا من غير بطاقات دعوة أو علاقة رحم ودم؟ أم هي حفل صاخب مثير يصيب الأعصاب والعقول والمشاعر اتفقنا على حضوره ومتابعته ورصده والتفاعل معه بمحض إرادتنا؟ أم هي الحب اللا معقول؟ أم هي حب مجنون؟ أم كل ذلك جنون أصابنا وأصبحنا نستمتع به ونهلل ونكبر له, خاصة أن هذا المد الجنوني امتد إلى أطفالنا فأصبحت شعارات البرازيل وإيطاليا وألمانيا والأرجنتين تتبختر في شوارعنا وحاراتنا وساحاتنا وكأننا في ريوديجانيرو أو في حديقة من حدائق ميلان الشهية, وسبحان الله لا نرى أي شعار من شعارات دولنا العربية .. وصدق من قال إن الرياضة أصبحت مرآة للسياسة. وهذا احتلال لعقول أجيال جديدة من أبنائنا، أم هو هاجس يؤرق منامنا حينما نرى العالم كله يحوم حوله ولا نجد إلا ابنا واحدا من أبنائنا يقاتل باسمنا في بحر معركة تتقاذفه أمواج المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه عدة شعوب, بل أمة عربية خرجت كلها من جميع الأدوار، مثلما يحدث للجزائر في هذه الأيام. وطالما أن الأمر وصل إلى هذا الحد فعلينا أن نتدارس الأسباب التي أدت إلى ابتعادنا عن التأهل حتى لا نلام على هذا الجنون, لكن ما يفرحني حقاً أن من محاسن جنون كرة القدم أنه سبق جنون البقر وفي المستقبل سيكون على رأس القائمة التي ستحتوي على جنون الحمير وجنون القرود وجنون أكلة الهامبورجر والشاورما، وتأهل منتخباتنا العربية يعطينا سببا وجيها في التشنج والتمتع بالعصبية والهستيرية, وكل تسميات الجنون المؤقت، لأن بلادنا تشارك وأبناءنا يصولون ويجولون في الملاعب. وإذا أخذنا الموضوع بصورة أخرى أن كأس العالم ربما يثبت لنا أن هذا العالم قد تغير فلا عنصرية ولا قبلية ولا تفرقة طبقية بل أصبح يقدمك للعالم بصورة مغايرة لصورتك الأصلية فيضيف عليها ألوانا زاهية ويغطي على عيوبك وديونك ومشكلاتك الاجتماعية ويرفع درجة مكانتك عند الناس مثلما رفع أبناء السامبا فأصبحت البرازيل وأبناؤها أنشودة يتغنى بها العالم أجمع مثلاُ، وإذا أصبح المونديال يدر على الدول التي تستضيفه المليارات (تم ضخ 13 مليار يورو فقط في جنوب إفريقيا) وسلط الضوء عليها من جميع أنواع العدسات المكبرة والملونة مثلما يحدث في جنوب إفريقيا هذه الأيام وإذا أصبحت كرة القدم وسيلة فاعلة لتحقيق الازدهار والتقدم والتنمية والشهرة، فإن الأمر يستحق فعلاً أن نعمل بصورة علمية تعتمد على دارسة الأمر من كل جوانبه واختيار الطرق التي تؤدي بمعظم منتخباتنا العربية إلى المونديال, حتى نصل إلى ذلك علينا أن نستعرض تاريخ مشاركات الدول العربية في المونديال خلال 80 عاماً، و في خلال هذه الأعوام الـ 80 شاركت ثماني دول عربية فقط من أصل 22 دولة عربية في هذا المهرجان العالمي الذي تبادلت تنظيمه عدة دول وقارات. حيث إن مصر كانت أول دولة عربية تشارك في نهائيات كأس العالم في بطولة إيطاليا عام 1934، فإن تونس كانت أول دولة عربية تفوز في إحدى مبارياتها في المونديال في نهائيات الأرجنتين عام 1978, حيث فازت على المكسيك 3/1. أما السعودية فهي الدولة العربية الوحيدة التي تأهل منتخبها للنهائيات أربع مرات متتالية آخرها البطولة التي استضافتها ألمانيا عام 2006 وكانت جاب قوسين أو أدنى من التأهل للمرة الخامسة. ويمكن القول إن أول بطولة لكأس العالم التي خطط لها رئيس اتحاد كرة القدم العالمي جول ريميه والتي أقيمت في أورجواي عام 1930 كانت بطولة تدشينية حيث لم يشارك فيها سوى 13 فريقاً (سبعة من أمريكا الجنوبية وأربعة من أوروبا واثنان من أمريكا الشمالية) لم تكن بينها أي دولة عربية وانتهت مباراتها النهائية بفوز أورجواي على الأرجنتين بأربعة أهداف لهدفين أمام 93 ألف متفرج في مونتفيدو. وفي عام 1934 كان المنتخب المصري واحدا من 16 منتخبا شاركت في نهائيات إيطاليا وخرجت مصر من الدور الأول للبطولة بعد هزيمتها أمام المجر بأربعة أهداف لهدفين. وتعد مصر أول دولة إفريقية وعربية شاركت في نهائيات كأس العالم, وذلك لذاكرة التاريخ فقد أوقعت القرعة منتخب مصر في التصفيات المؤهلة لتلك البطولة مع منتخبي فلسطين وتركيا لكن اعتذرت تركيا عن المشاركة في التصفيات ولعبت مصر مع فلسطين الشقيقة مباراتين ذهاب وإياب لعبت مصر مباراة الذهاب على أرضها ووسط جمهورها وكان ذلك في يوم 16/3/1934 وانتهت تلك المباراة بفوز منتخب مصر 7/1 أحرز لمصر مصطفى كامل (هدفين) ومختار التتش (ثلاثة أهداف ) ومحمد لطيف (هدفين) وفي مباراة الإياب في 6/4/1934 وكان اللقاء في القدس وانتهت المباراة بفوز منتخب مصر أيضا 4/1 أحرز لمصر محمد لطيف ومختار التتش هدفين وعبد الرحمن فوزي، وصعدت مصر بعد فوزها بمجموع المباراتين إلى نهائيات كأس العالم. وقد أوقعتها القرعة في مواجهة منتخب المجر, وفي تاريخ لن ينساه العرب وهو تاريخ 27/5/1934 لعبت مصر أولى مبارياتها في مواجهة منتخب المجر - حيث أحرز هدفي مصر اللاعب عبد الرحمن فوزي في الدقيقة 35 من عمر اللقاء والهدف الثاني في الدقيقة 39 حيث انتهى الشوط الأول بهدفين لكل فريق. إلا أن اللقاء انتهى بفوز منتخب المجر بأربعة أهداف مقابل هدفين (ذكرت هذه الأحداث بتفاصيل مختصرة لأنها أول مشاركة لمنتخب عربي في المونديال). وبعد بطولة إيطاليا وعلى مدى 36 عاما كان هناك غياب عربي كامل عن ست نهائيات أقيمت أعوام 38، 50، 54، 58، 62، و66، في كل من: فرنسا والبرازيل وسويسرا والسويد وتشيلي وإنجلترا على التوالي .لذلك فإن كل العرب الذين عاشوا هذه الفترة تمتعوا بصحة وعافية ولم يعرفوا السكر والملح أقصد الضغط وغيرها من الأمراض التي تورثها كرة القدم.