للتوثيق مقالات سابقة في الصحافة السودانية حول قضايا آنية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 01:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-16-2010, 02:31 PM

Hassan Elhassan

تاريخ التسجيل: 12-14-2004
مجموع المشاركات: 487

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
للتوثيق مقالات سابقة في الصحافة السودانية حول قضايا آنية

    للتوثيق مقالات سابقة في الصحافة السودانية حول قضايا آنية

    khartoumvp1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    قناة النيل الأزرق في ضيافة ابن أم درمان
    أبو صلاح



    حسن احمد الحسن

    سعدنا في غربتنا لبعض الوقت بحلقات قناة النيل الأزرق " عبر الانترنت "حول شاعرنا الأمدرماني الهمام صالح عبد السيد أبو صلاح وبثقافة مقدمة البرنامج وطلتها الجميلة كما يقول اللبنانيون ،وبإضافات ضيوف الحلقة المتميزين ومعلوماتهم الثرة حول فارس من فوارس الحقيبة وشعرائها الفحول.
    وأبو صلاح يعني عندي أم درمان بكل كنوزها الإبداعية وأسرار جمالها معنى ومبنى. وما أامله من قناة النيل الأزرق الاتجاه إلى التوثيق الإبداعي لهذه المدينة ومبدعيها ، سيما وأن معظم القنوات الخاصة المتميزة ولعل مصر هي الأقرب مثالا تخلد ذكرى مبدعيها في صور مختلفة وجاذبة تعمق من مفاهيم الانتماء والاعتزاز خاصة للأجيال الصاعدة.
    وهناك الكثير الذي يمكن ان تكون ام درمان كمدينة مدخلا له كنافذة للمبدعين السودانيين على مر الأجيال بوصفها أهم مسارح التطور الاجتماعي والإبداعي في السودان بناسها وأحداثها وهي ثمثل مادة لا تنضب للمبدعين في مجال التوثيق والإنتاج كمدينة من مدن الروايات القديمة بوقائعها ورموزها وكنوزها .

    وأم درمان عندي كالبسملة لا يبدأ الحديث إلا بها وهي كالشرافة لا ينتهي اللوح إلا بزخرفها .مدينة كقنينة العطر وبوتقة الانصهار جمعت فأوعت رسمت ملامح أمة وجسدت بطاقة وطن وتغنت بأعزب الألحان لسير وأحداث وذكريات وقيم هي سر أبنائها وبناتها المتوسدون سطح أقمارها المضيئة.

    وأم درمان بكل ما احتوت من مبدعين في الأدب والفن والسياسة والرياضة والعلم والإعلام تمثل بحرا واسعا للناشطين في مجال الإعلام والبحاثة من المبدعين ومحبي التراث وهي المدينة الأكثر تأهيلا لتقديم هذا العطاء . بل تنطبق عليها مواصفات المدن القديمة بما جمعت وأوعت فضلا عن كونها تشكل عند أبنائها مكمن عشق قديم يروي حكاياتهم وذكرياتهم .

    فالمدينة هي التي تسكن في دواخلنا بعد أن نكون قد سكنا في تفاصيلها وأسرارها وشعابها وفي كل مدينة تكبر بعض الزوايا والمنحيات والأمكنة من حارات وحواري وأزقة وتقبع في ذاكراتنا بما يشبه الإدمان المكاني وبما ينتج ما يمكن تسميته بإلفه الأمكنة .
    شكلت المدينة حضورا تفصيليا في الرواية العربية وفي الروايات العالمية على اختلافها فقلما توجد رواية بلا مدينة تتحرك في داخلها الشخصيات وبلا أمكنة تتوالد فيها الأسرار والحكايات.

    ولكل مدينة سطحها وقاعها "القاع " الذي يعبر عن واقع المستضعفين في المجتمع اثر المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تطرأ في فترات زمنية معينة مثلما ان السطح يعج بنجوم المجتمع وطبقاته البرجوازية الأخرى.
    وقد جسد كثير من الروائيين في أعمالهم هذه المتغيرات متخذين من المدينة وعاء دراميا للسير والحكايات وفي هذا الإطار نجحت أعمال روائية هامة في تجسيد هذه الصور الاجتماعية في مدينة ما أو مكان ما . ومن هذه الأعمال على سبيل المثال لا الحصر رواية الأديب السوداني الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال والتي جعلت من العاصمة البريطانية لندن مسرحا لأهم أحداثها واختارت من شخصياته أبطالا لأحداث الرواية في صراعهم الدرامي حول الإشكالية التي طرحتها .
    وحول أهمية المدينة في تفاصيل حياة الناس كتبت العديد من القصص والأحداث ، كتب الروائي المصري يوسف القعيد " أطلال النهر " ثم كتب صنع الله إبراهيم " تلك الرائحة " وفي أحدث رواية عن المكان والناس كتب علاء الأسواني " عمارة يعقوبيان " وجميعها روايات تبدو أقرب إلى القصص الإخباري تصور المتغيرات التي تجتاح المجتمعات وتتخذ من المدينة والحارة والعمارة مسرحا لأحداثها.
    وتتفاوت المدن في حراكها بقدر ما تختزنه من متناقضات وما تحركه من أحداث ففي أميركا على سبيل المثال لا الحصر جسدت روايات " بول أوستر " وريتشارد فورد " ما يمكن تسميته بواقعية القاع في الرواية الأميركية وأطلت المدن الأميركية وقيعانها وأمكنتها من بين تفاصيل هذه الأعمال كمواضع مهمة طبعت تلك الروايات بلونها وطعمها ورائحتها الخاصة .

    فرواية بول أوستر " ثلاثية نيويورك " حملت في متنها مهمة تشخيص الواقع الأميركي في رسالة مفادها تدمير " الحلم الأميركي " الجميل الذي تصدره أميركا للعالم وذلك من خلال تناولها لواقع التهميش الإنساني في المجتمع الأميركي والمشاكل النفسية التي تطال أفراد المجتمع بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تحاصرهم في شوارع المدن وقيعانها المظلمة، وسار ريتشارد فورد على نفس الطريق وهو يجسد وقائع المدينة القاسية من خلال روايته " حياة وحشية "
    سلط فورد الأضواء على قاع المدينة وما يحمله من حكايات العمال والمزارعين والمتسكعين وغيرهم من الأفراد المنسيين في هوامش المدن . وتتشابه الصور الدرامية وتتعدد الحكايات والسير وتختلف من واقع إلى آخر ولكن تبقى المدينة ويبقى المكان هو المسرح الذي يكمل الصور بالشخصيات برونقه وإيقاعه الخاص .

    ومابين الحكايات والروايات والسير والتقارير الإخبارية والتوثيق لحياة الناس والأحداث مجرد خيوط رفيعة وتصنيفات فنية ومهنية . ولعل ما يؤكد هذا التشابه ميلاد الرواية الأميركية الشهيرة التي تحولت إلى فيلم ومسلسل تيلفزيوني جذب إليه الملايين وهي رواية الكاتبة الأميركية "كانديس باشنيل " Sex and the city "،تقول الكاتبة عن هذه الرواية إنها كانت مجرد مشاهدات ومتابعات لإيقاع الحياة والعلاقات العاطفية والجنسية في مجتمع مدينة نيويورك في عمود يومي بصحيفة نيويورك تايمز قبل ان يتم تجميعها وصياغتها في شكل عمل روائي متكامل حول ثقافة العلاقات العاطفية والجنسية بين الرجال والنساء في مجتمع مدينة نيويورك .

    ومثلما أن للقاهرة أو نيويورك أو واشنطن حكاياتها كمدن فـ لمدينة أم درمان حكاياتها ولونها الخاص وإن كانت أكثر حياءا وتجملا وتواضعا فهي ليست كالقاهرة بضجيجها وحكاياتها التي تضيق بها المقاهي والشوارع والبنايات ، وليست كنيويورك بمجونها وسفورها وتبرجها وقسوتها على الغرباء، لكنها تحمل سماتها الخاصة وتعبر عن ملامحها بما احتضنت من مبدعين وشعراء وأدباء وساسة ولعل أبو صلاح واحدا من أبنائها الذين رسموا بكلماتهم السهلة الممتنعة لوحة جمالها وتألقها كلمة ولحنا خالدا ما خلد النيل.

    نهمس في أذن قناة النيل الأزرق بمد إرسالها إلى الولايات المتحدة شاكرين.
    جريدة الصحافة 8 يونيو 2010





    محطات

    سعادة المستهدي بسيرة بقعة المهدي


    حسن احمد الحسن/ واشنطن

    ذهبت بنا الغربة بعيدا لكن ام درمان ظلت كامنة في حركاتنا وسكناتنا لم نرى أجمل منها بنيانا وسكانا ومكانا وإنسانا وتحول عشقنا لها استذكارا في حكاياتها ورواياتها إطراءا لها وتدليلا على مكانتها في قلوبنا من هذه الاجترارات التي نستريح في إيقاعها بعيدا عن الغربة والسياسية أن نرى هذه المدينة التي ولدنا ونشانا في حواريها القديمة في تفاصيل دورها المميز .

    ففي حقبة ما قبل الاستقلال وبعده أصبحت ام درمان وطنا للمطربين والشعراء والمنشدين فانتشرت أغنية الحقيبة والأغنية الحديثة وتباري الشعراء بالقصائد والكلمات فأثروا الساحة الفنية والثقافية وبرز شعراء شعبيون شكلت كلماتهم وابداعاتهم وجدان قطاع كبير من أهل السودان
    وكان لشعراء الحقيبة القدح المعلي فأصبحت ام درمان بؤرة للنشاط الفني وتقاطر مبدعو الحقيبة من كل أنحاء السودان إلي المدينة التي شكلت أحيائها مسرح الهام ومكمن عشق لكثير من الشعراء والمطربين فسطع نجم كوكبة منهم ، على رأسهم شيخ شعراء الحقيبة محمد ود الرضي ابن العيلفون الذي وظف ترحاله بين اقاليم السودان في أعماله الشعرية ومن ثم تراه قادرا على تسمية الأماكن وود الرضي كان من اوائل الشعراء الذي كتبوا مايسمي ( بالرميات ) في الغناء والرمية هي مقدمة الأغنية الشعرية من هذه الرميات : الجرحو نوسر بي غوّر في الضمير
    في قلبي طبق الكي
    ياناس الله لي
    وملوك أمدر ( ام درمان)
    والتي مطلعها : الليلة كيف أمسيتو
    ياملوك امدر يبقي لينا نسيتو
    جلسن شوف ياحلاتن
    فزر في ناصلاتن
    الناعسات كاحلاتن
    وسطع نجم الشاعر ابراهيم العبادي وهوالمع شعراء فن الدوبيت في السودان ولقب بأمير شعراء الشعر الغنائي وكان العبادي أحد الشعراء الذين قام على أك########م مسرح الشعر القومي السوداني وقد كتب مسرحية المك نمر التي قدمها المسرح القومي في أول مواسمه الثقافية بعد افتتاحه وهو من مواليد عصر المهدية شارك مع صديقه الفنان محمد احمد سرور في تأسيس حقيبة الفن من أشهر أغنياته
    جدي العزاز الجيدو قزاز
    ياعزاز أنا نومي خزاز
    ومن أغنياته أيضا ( برضي ليك المولي الموالي ) (ومتي مزاري ) وهي من الأغنيات التي قام بتلحينها وأدائها المطرب محمد احمد سرور وكتب العبادي أكثر الأغنيات صيتا حتي يومنا هذا ( عازة الفراق بي طال وسال سيل الدمع هطال)
    وغني له سرور أيضا (ياسائق الفيات قوم بينا خد سندة بالدرب التحت قصاد ربوع هندّ )
    من هذه الكوكبة أيضا محمد احمد سرور الذي كان من عمالقة الطرب في عصره صدح بصوته العذب في أحياء امدرمان وكان له طقوس في الغناء وله معجبات وحبيبات لايكتمل رونق الحفل إلا بحضورهن طاف محمد احمد سرور البلدان العربية وسجل بعض أسطواناته واصبح علما في المجتمع زار اليونان وغني للجنود السودانيين في الميدان وتعقبهم حتي أسمرا وهناك كانت خاتمة مطافه حيث توفي هناك .
    كان من اجمل اغنياته (يا أنة المجروح) وهي الأغنية التي نالت استحسان الوفد الزراعي المصري في حفل اقيم بالفندق الكبير للبعثة التجارية الاقتصادية المصرية عام 1935 والتي من أبياتها (مصرية في السودان بحبي ليك أبوح ) غني سرور لمعظم شعراء الحقيبة أبو صلاح – ومصطفي بطران – وود الرضي .اتصل بخليل فرح ومحمد على فرح وحسب الله سلطان العاشقين .
    ويأتي صالح عبد السيد أبو صلاح كواحد من أبناء أم درمان وكنتاج مميز لديناميكية الإبداع الإنساني حين يزدهر في ظل التسامح وكرائد من ألمع شعرائها ولد بحي المسالمة واعتصم بالإسلام ونبغ في الشعر والفن والإبداع قربه إليه الشيخ الطيب السراج ورعاه تحت جناحه الإمام عبد الرحمن المهدي حفظ الكثير من شعر العرب وتباري مع الشعراء الأقدمين في أوزانه وأبحره قال عنه الشيخ عبد الله محمد عمر البنا لو نظم الشعر بالفصحي لفاقنا جميعا .
    انشد في في افتتاح مسجد الهجرة بودنوباوي قصيدته التي مدح فيها الإمام عبد الرحمن المهدي :
    بيك يا نور الهدي المهدي * نتنور والقلوب تنسر
    وبنجلك عبد الرحمن * اللينا بي فضله الإله يسر
    عجبا بالماء يتوضأ هو من ماء معين أطهر
    عجبا تظلو غرف هو من شمس الضحى أظهر
    ويمضي فيقول
    تكاد ليه الجبال تسعي * لولا بالقدرة تتصبر
    وتتطلع ليه الثريا تكاد * تتدلي و تنتصب منبر
    وأبو صلاح ابن حي المسالمة كان له مع كل قصيدة قصة ومناسبة ومنها أغنية (بدور القلعة )
    والقلعة أحد أحياء مدينة أم درمان العريقة الذي يزدان بحسانه في مناسبات الأفراح حيث كانت حفلات التي يحييها المطربون كالحاج محمد سرور وكرومة ويرافقهم فيها الشعراء كثيرا ما تتحول إلي مناطق إلهام للشعراء حيث يحرك جمال الفتيات في الشعراء زخات الإلهام وعجلة الإبداع . وتقول قصة الأغنية ( بدور القلعة)
    أن إحدى الحسناوات علقت على شكل الشاعر أبو صلاح وشكل عينيه بطريقة أظهرت أنها لم يعجبها شكله وكان شاعرنا منتبها للفتاة وتعليقاتها فسرح بخياله يستجمع كلماته ويستدعي ابداعاته ونظم قصيدته الشهيرة (بدور القلعة) نسبة لحي القلعة والتي يقول مطلعها :
    العيون النوركن بجهرا
    غير جمالكن مين الساهرة
    يابدور القلعة وجوهرة

    يقول الكاتب محجوب عمر باشري يعتبر ابوصلاح على رأس المدرسة التشكيلية في الشعر الغنائي السوداني فتجريده للأشياء هو اضافة للحقائق وكل حسناء وصفها دلت بحسنها عن نفسها . ولايفتن ابوصلاح بتكرار الألفاظ فمعجمه واسع وكأنه ينسي اللغة فهو أقرب إلي شكسبير الذي لا يكرر ألفاظه لذا يقولون عن شكسبير أنه أشخاصا كثيرين لأنه لا يكرر رواياته ولكل رواية لغتها الخاصة وهكذا كانت أغنيات وقصائد أبو صلاح .
    ويذكر أيضا أحد ملوك الطرب عبد الكريم كرومة ارتبط كثيرا بالحاج سرور فبعد أن كان ملحنا فقط شجعه سرور على الغناء وبرع كرومة في تنويع الغناء السوداني فأدخل التخت والإيقاع المرتبط برقص الفتيات في الحفلات برع كرومة في حسن الأداء حتى أن صوته قد جعل الشيخ الصوفي الجليل العارف بالله الشيخ قريب الله يهتز من النشوة وتقول القصة أن الشيخ كان على مصلاته في الثلث الأخير من الليل في مسجده بودنوباوي وكان كرومة يشدو في احدي الحفلات بأغنية:
    يا ليل أبقالي شاهد على نار شوقي وجنوني
    فما كان من الشيخ إلا أن صاح في نشوة الصوفي الله الله . وسأل حوارييه من هذا الذي يشدو فقيل له إنه مطرب يسمي كرومة فقال هل أخبرتموه ليقابلني ، وعندما زاره كرومة قال العارف بالله الشيخ قريب الله هلا أسمعتني ما كنت تنشده تلك الليلة فأنشده كرومة
    ياليل ابقالي شاهد على نار شوقي وجنوني
    ياليل صار ليك معاهد طرفي اللي منامي زاهد
    دنالي سهرك واشاهد فوق لي نجمك ظنوني

    فتأوه الشيخ من فرط وجده رحم الله الشيخ الجليل قريب الله من عاش ألقه الصوفي في ألحان كرومة دون مذمة للإبداع والطرب ورحم الله كرومة الذي جسّر صوته العذب المسافة بين المادة والروح .


    انجبت أم درمان الشاعر عمر البنا في عام 1900 وبدا كتابة الشعر منذ عام 1916 وحتي نهاية منتصف الثمانينات كان والده شاعر المهدية محمد عمر البنا الذي انشد
    الموت صبر واللقاء ثبات .. والموت في شأن الإله حياة
    وشقيقه الشاعر الكبير عبد الله البنا أشهر شعراء السودان وأستاذ الجيل في كل غوردون .
    من اغنيات عمر البنا التي كانت تجد مجالها في جلسات الشعر والأدب التي تجمع بين فحول الشعراء ابراهيم العبادي وأبوصلاح ويوسف حسب الله سلطان العاشقين :
    -أغنية زدني في هجراني وفي هواك يا جميل العذاب سراني
    طرفي قصدو يراك وما قصدت تراني وما بسيب حبك حتى لو ضراني –
    وغني عمر البنا كثيرا لأم درمان منها :
    (إمتي أرجع لأ مدر واعودا
    أشوف نعيم دنيتي وسعودا)
    وأغنية (في الليل الهاجع غرد يا سا جع أذكر أحبابي وهيج أشجاني)
    التي يؤديها الفنان عوض الكريم عبد الله . وغيرها من الروائع .
    أما الشاعر والمطرب خليل فرح فقد كان رفيقا لسرور وكرومة وقد تأثر الخليل بالحركة السياسية والاجتماعية وأحدث في الأغنية تغييرا واضحا بإدخال آلة العود وعرف الغناء على عهده ما يعرف بغناء الصالونات للنخبة فكانت قضايا أغنياته وطنية واجتماعية فغنى من الأغنيات الخالدة :
    - (عازه في هواك)
    -( وفي الضواحي وطرف المدائن يا لا ننظر شفق الصباح ).
    ويذكر أن أغنية
    (بين جنائن الشاطئ وبين قصور الروم
    حيى زهرة روما وأبكي يا مغروم ) نظمها وأداها في ابنة جوهري أرمني في منشية البكري عندما كان يقيم مع خاله هناك وقد شاءت الأقدار ان يقابل الفتاة مرة أخرى وعندما ذاعت القصيدة وترجمت للانجليزية اطلع عليها الخواجة ارمان والد ماري صاحبة القصيدة وأصر على تقديم هدية مالية قدرها خمسون جنيها من الذهب للخليل الذي رفض تلك الهبة .
    ويتصل العقد ببزوغ نجم آخر من نجوم البقعة وهو الشاعر عبيد عبد الرحمن نشأ في حي العرب بهذه المدينة العامرة كان من الشعراء الذين تعمر بهم مجالس الإمام عبد الرحمن الذي كان يرعي اهل الشعر والفن والأدب والرياضة نشأ في فترة ازدهر فيها شعر ود الرضي ، وابراهيم العبادي، وحدباي ، وسيد عبد العزيز ومحمد بشير عتيق ،والمساح ، وأبو صلاح وقد تأثر هؤلاء الشعراء ببعضهم البعض رغم تفرد أساليبهم . من أغنيات عبيد عبد الرحمن :
    (أفكر فيه وأتأمل .. أراه تجلى واتجمل .. هلالي الهلّ واتكمل )
    ويأتي في سلسلة العقد الفريد الشاعر سيد عبد العزيز الذي كان رفيقا لعبيد عبد الرحمن وصديق له يقول عنه محجوب باشري إن سيد عبد العزيز أم درماني نشأ في اسرة من أصول مصرية كان والده أحد شيوخ الطريقة القادرية وقد نشأت والدته في بيت عز وجاه في كنف الخليفة عبد الله التعايشي باني ام درمان ومؤسس بواكير نهضتها . ويعتبر سيد عبد العزيز من الجيل الثاني لشعراء الغناء الشعبي حيث كان الجيل الأول يتكون من أبراهيم العبادي ويوسف حسب الله سلطان العاشقين ومحمد ود الرضي وعمر البنا وابوعثمان جقود ، ومصطفي بطران وخليل فرح ومحمد عبد الرحيم العمري ولحق بهم سيد عبد العزيز ومحمد على عبد الله وعلى المساح .
    من أغنياته الخالدة :
    (يا قائد الأسطول تخضع لك الفرسان .. ياذو الفخار والطول
    أرحم بني الإنسان)
    وأغنية (الغصن الرطيب) وهو يصور حسناء تداعب بيدها غصن ورد يقول مطلعها
    يا مداعب الغصن الرطيب
    ببنانك ازدهت الزهور زادت جمال ونضار وطيب
    يا ألمنظرك للعين يطيب
    تبدل الظلمات بنور وتبدل الأحزان سرور
    لو شا فك المرضان يطيب.
    أما الشاعر عبد الرحمن الريح فقد نزع شعره إلي الرومانسية التي تنكر الواقع عزف على وتر الجمال في غمرة النضال الوطني والسياسي ضد الاستعمار وقد مثلت أغنيات عبد الرحمن الريح لحمة وسدي أغنيات المطرب إبراهيم عوض وقد جمعهما حي واحد هو حي العرب في أم درمان . من أغنياته :
    (جاني طيفه طائف لحاظه كالقذائف وأنا من عيونه خائف )
    وشعراء مبدعون جمعتهم مدينة أم درمان رغم ارتباطهم بالمدن الأخرى
    في مقدمتهم الشاعر محمد بشير عتيق الذي من أروع أغنياته
    ( جسمي المنحول براه جفاك يا مليح الزى ) وأغنية (هل تدري يا نعسان أنا طرفي ساهر ) وأغنية
    (صباح النور عليك يا زهور صباحك يوم يقاس بدهور ) والتي يبدع عندما يقول في ختامها
    ياصاحب الطرف المكسور .. كسرت قلب شجاع وجسور
    تتجاهلني وأنا بيك مأسور .. حسابي معاك بقي كلو كسور

    ويتصل العقد بجيل جديد ومجدد محمود فلاح - ومحمد على أبوقطاطي - والسر دوليب – وسيف الدين الدسوقي – وصلاح احمد ابراهيم ممن ولدوا ونشئوا في امدرمان وممن استوطن فيها .
    ومن السابقين في مجال التطريب والأغنية الشعبية والذين أعطوا أغنية الحقيبة نكهة خاصة بألحانهم وأصواتهم وأدائهم المميز– زنقار - وأولاد الموردة عطا كوكو ومحمود عبد الكريم – وميرغني المامون وأحمد حسن جمعة – وأولاد شمبات - وعوض الجاك – والأمين برهان _ وخلف الله حمد – واحمد عمر الرباطابي – وبابكر ود السافل – ومحمود فلاح - ورفد مسيرتهم جيل جديد من مطربي فن الغناء الشعبي محمد احمد عوض وأولاد البنا وطائفة اخرى ضمتهم دار فن الغناء الشعبي ودار فرقة فلاح في امدرمان ولعل وجود مثل هذه الدور بالإضافة لمقر الإذاعة قبل إنشاء التليفزيون قد شكل عنصر جذب للعديد من الشعراء والمطربين للإقامة في امدرمان وإثراء أنشطتها . ومع انتشار الإرسال الإذاعي وإنشاء التيلفزيون والمسرح وظهور ملوك الفن الحديث محمد وردي وابراهيم عوض وابن البادية والكابلي وسيد خليفة وعثمان حسين واساتذة المدرسة الغنائية الحديثة
    ابراهيم الكاشف وعثمان الشفيع وحسن عطية وعبيد الطيب ابن الفتيحاب – والتاج مصطفي – وعبد الدافع عثمان –– وصلاح محمد عيسي – وصلاح مصطفي – ثم احمد الجابري وزيدان ابراهيم والعشرات من المبدعين في مجال الموسيقي والغناء أضافوا نكهة خاصة للأحياء التي يقطنوها ويتساوي في ذلك العطاء جميع أبناء أمدرمان ممن ولدوا في أحيائها العتيقة أو من وفدوا إليها وأقاموا فيها .
    ومع الإسهام المتميز الذي أسهم فيه حي العرب بما قدمه من شعراء ومطربين برز في مجال الفن الحديث الفنان ابراهيم عوض الذي وآفته المنية في مايو 2006 والذي غني لعبد الرحمن الريح أجمل أغنياته " .
    ورد في كتاب الدكتور عبد اللطيف البوني والاستاذ طارق شريف
    " ابراهيم عوض .. خمسون عاما من الغناء العذب " عن ظهور
    ظهور الفنان ابراهيم عوض ارتبط بحركة التحديث التي انتظمت
    المؤسسات في السودان مع نيل السودان استقلاله ، ولم يكن ابراهيم عوض معزولا عن هذا المناخ بل كان مشاركا أصيلا فيه ومتفاعلا معه ، وبذلك اصبح ابراهيم عوض رمزا لأشواق تطلعات جيل ما بعد الاستقلال، ويعبر عن معاني الحرية والانعتاق . ، غني للوطن من كلمات سيف الدين الدسوقي
    (اعز مكان وطني السودان لأن حسانو اعف حسان وطيرو صوادح وروضو جنان)
    وأشار الكتاب إلي التأثيرات التي احدثها ابراهيم عوض مجتمعيا فأصبحت بادية للعيان وملموسة فقد اثر علي مستوى الموضة الازياء وطريقة تصفيف الشعر واختيار الألوان، كما ان تأثيره علي مستوى نجومية الفنان وصورته في الصحافة كانت ملموسة من حيث الأدبيات العديدة على المنتجة على مستوى الصفحات الفنية.
    تغنى ابراهيم عوض في بواكير نشأته الفنية لعدد من رواد المدرسة الوترية الاولي كالفنان احمد المصطفى ، والفنان حسن عطية ، ولكنه لم يجرؤ علي المجاهرة بموهبته الا في دائرة المقربين حيث كانت التقاليد ترفض اختيار الفن وتقاومه ،وما أن سافر والده الي أسوان حتى وجد الفرصة لتعلم العزف على آلة العود خلال هذه الفترة بمساعدة ابن اخت الشاعر عبدا لرحمن الريح والذي يعود اليه الفضل في رسم الخطوات الأولى لإبراهيم عوض الذي رعى موهبته وقدم له ثلاث اغنيات كانت بمثابة الاساس الذي وضعه في بداية الطريق وهي اغنية (هيجتني الذكرى) واغنية (عيونك فيها من سحر الجمال اسرار) واغنية) علمتني الحب و اختفت عني كيف انساها ملهمة فني)
    والثلاث من كلمات والحان عبدالرحمن الريح .
    ومن الشعراء والأدباء الذين ازدهت بهم أمدرمان من تركوا بصمات وآضحة في صفحات الإبداع السوداني من ابناء أم درمان مثالا وليس حصرا من مختلف الأجيال من فحول شعراء الفصحى والعامية الشاعر محمد عمر البنا – والشاعر يوسف مصطفي التني والشاعر أحمد محمد صالح- والشاعر عبد الله البنا كنماذج ولهم دواوين ساهمت في اسراء ساحة الشعر والمكتبة السودانية وكان يوسف مصطفي التني أول رئيس تحرير لصحيفة صوت الأمة في سنوات اصدارها الأولي .
    ولم تتوقف امدرمان عن انجاب المبدعين من الشعراء فأنجبت الشاعر السفير صلاح احمد ابراهيم الذي ولد في امدرمان عام 1935 وتوفي في باريس عام 1996 من دواوينه الشعرية – غابة الأبنوس – غضبة الهبباي ومن أروع قصائده الطير المهاجر التي صور فيها مشاعر الحنين إلي الوطن والحبيبة وهي الأغنية التي خلدها الفنان محمد وردي بعذب الحانه الخالدة :
    وان جيت بلاد تلقي فيها النيل بيلمع في الظلام
    ذي سيف مرصع بالنجوم من غير نظام
    بالله ياطير قبل ما تشرب تمر
    على بيت صغير من بابو من شباكو
    بيلمع ألف نور
    تلقى الحبيبة بتشتغل منديل حرير
    لحبيب بعيد
    تقيف لديها
    وتقول إليها
    وتحمل رسالة ليها بحبي الكبير ( وهي ذات الرسالة التي أبعثها إلى أم درمان رغم زخم الانتخابات)


    الصحافة






    قضي الأمر الذي فيه تستفتيان
    ماذا بعد

    كان معلوما من قبل ومنذ توقيع اتفاق نيفاشا أن هناك فترة انتقالية محددة بأجل قبل الشروع في إجراء الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان وفق بنود الاتفاق . كل المؤشرات طوال هذه السنوات كانت تدلل على أن علاقة الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لم تكن موفقة بقدر ما كانت مصدر توتر وشكوك لعدم وجود الانسجام المطلوب ولو توفر الأجندات المتباينة ولعدم وجود الثقة اللازمة ولو في الحدود الدنيا ولكن لم يكن من مخرج غير الاستمرار في الشراكة الفاترة والزواج النكدي بحكم اتفاق السلام حتى يمضي الى غاياته.
    ظلت الحركة الشعبية تتعامل مع شريكها وهي تعمل من أجل تأسيس دولتها القادمة وتعد في البرامج والخطط والخرط والاتفاقات داخل وخارج السودان وفي شتى المجالات وتدير الجنوب بصورة مستقلة وكدولة غير معلنة في انتظار اليوم الموعود الذي سيكون من أهم مكتسباته بعد الانفصال الكامل الحصول على مكتسبات اقتصادية توفرها النسبة الكاملة من النفط المستخرج دون قسمة مع الشمال. ثم اجتذاب كل رعاتها الغربيين لدعم مشروعاتها واستقرارها السياسي والاقتصادي والأمني وعلى رأسهم الحاضنة الرئيسية الولايات المتحدة الأميركية .
    ولعل التصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين في واشنطن وعدد من العواصم الغربية التي تلوح بالاعتراف السريع بالدولة القادمة والأخذ بيدها بل والحرص على إجراء الاستفتاء في موعده دون إبطاء، لعل فيها ما يؤكد ان قيام دولة جديدة في جنوب السودان أصبح أمرا لا جدال فيها رغم الحديث عن الوحدة الذي يعبر عنه المثل السوداني الذي يقول " الجس بعد الذبح " من قبل المؤتمر الوطني و من غيره ممن يغردون خارج سرب الوقائع .

    هناك قضايا حقيقية من حق الشعب السوداني ان يعرف ماذا أعدت الحكومة بشأنها وبكل الوضوح لمعالجة تداعيات الانفصال التي ستنعكس على حياتهم المعيشية ومن أهمها قضية البترول ومشتقاتها وكيف سيؤثر ذلك على حياة الناس وماهي الخطط والبرامج التي أعدت لذلك؟.
    قضية اختلال ميزان الصادرات الذي يشكل النفط فيه نسبة 50 بالمئة على أقل تقدير وبماذا ستعوض الحكومة هذا النقص بهذه النسبة وكيف ستعالج الداعيات السلبية وماذا أعدت من مشروعات تعويضية ؟
    معلوم أن عائدات البترول قبل الانفصال المحتمل تشكل 90 بالمئة من عائد الصادرات وأن مجمل صادرات السودان الأخرى تشكل نسبة 10 بالمئة فقط . إذن ماهو حجم التدهور المحتمل الذي سيحدثة إختفاء الـ 90 بالمئة من الصادرات البترولية وكيف ستتم معالجة ذلك ؟
    وقضايا كثيرة معلومة أخرى ستخلفها تداعيات الانفصال على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحدودي والسكاني وعلى مستوى الأمن القومي للبلاد ورؤية الحكومة للعلاقات مع الدولة الوليدة باعتبارها الحقيقة الوحيدة التي ينبغي التعامل معها .
    أما الذين يتحدثون عن الوحدة الآن والتعبئة لها في ظل تنامي وتعالي الأصوات المطالبة بالانفصال في أوساط الانتلجنسيا الجنوبية الحاكمة ذات الارتباطات الخارجية الواضحة وفي ظل الوقائع الموضوعية والسلوك السياسي اليومي للقيادة السياسية للحركة الشعبية بل وفي تشجيع قوى اجنبية عديدة لخيارات الانفصال يصبح حديث هؤلاء لامعنى له ولا علاقة له بالواقعية والعملية ولا يعدو عن كونه مجاملات سياسية سودانية ومحاولة من الحزب الحاكم لاقناع نفسه ومواطنيه بأنه حاول من أجل الوحدة لكن الجنوبيين قد اختاروا غير ذلك بغض النظر عن التقييم الحقيقي للوقائع والاتفاقيات والأحداث منذ اتفاق نيفاشا مرورا بالفترة الانتقالية .
    ما يهم المواطن السوداني إذن الآن هو أن يجد الآن إجابات واضحة من الحكومة للعديد من التساؤلات المطروحة في الشارع السوداني بكل شفافية ووضوح وكل من يعتقد بأن هناك مجالا ولو بنسبة ضئيلة لأن يختار الجنوبيون الوحدة في ظل الظروف الموضوعية الراهنة والمناخ السياسي الماثل يحتاج إلى أن يعيد قراءة الوقائع فيما تبقى من عمر السودان الذي كنا نعرفه من خلال مطالعتنا لجغرافيا وتاريخ المليون ميل مربع. غدا ستكتمل الصورة .
    جريدة الصحافة






    الشموقراطية


    كان من المفترض أن يكون نظام الإنقاذ طبعة ما بعد الانتخابات الأحرص على إثبات أن هناك تغييرا ما يحدث على صعيد الممارسة الديمقراطية وأن يكون الأكثر طمأنة للمواطنين بشأن الحريات بعد اللغط الذي شاب الانتخابات وذلك من خلال وقف عمليات الاعتقال ومصادرة الصحف واعتقال الصحفيين والساسة مهما كانت المبررات التي تساق تحت بند " بث الحقد والكراهية ضد الدولة " وهي عبارة مطاطة من أهم سمات النظام الشمولي .

    ولكن بإعادة سياسة الاعتقال ومصادرة الصحف وكبت الحريات باسم الديمقراطية ترتكب السلطة الحاكمة " المنتخبة " حسب المفوضية أكبر أخطائها رغم أنه خطأ مفهوم سيكلوجيا باعتبار أن النظام الشمولي الذي تعود على الانفراد بالقرار والسلطة والثروة لمدة طويلة سيجد صعوبة في ممارسة السلوك الديمقراطي حتى لوكا ن جادا في عملية الانتقال للديمقراطية . وهو ما كشفت عنه التطورات الأخيرة باستعادة سياسة الاعتقال ومصادرة الصحف وتشريد صحافييها .

    كل عاقل يدرك أن الحكومة والنظام بطبعتهما الجديدة يواجهان ظروفا معقدة وتحديات خطيرة تستوجب ترشيد السلوك والسياسات على نحو تتفادى بموجبه البلاد المزيد من الأزمات وتستعيد لحمتها الوطنية وتضامن أبنائها ولكن إعادة سياسة الاعتقال بموجب القوانين المقيدة للحريات سيئة السمعة ومصادرة الصحف سلوك يتناقض تماما مع أي توجه ديمقراطي حتى لو كان شكليا إلا إذا كان نظاما "شموقراطيا" يجمع بين الديمقراطية والشمولية وهو جمع لا يجوز شرعا وفقها "كالجمع بين الأختين" مما ينسف من الأساس فكرة أن هناك نظام ديمقراطي يبشر بتوجه جديد يتجاوز أخطاء وتجاوزات الماضي ويشكل أساسا لعملية ديمقراطية بكل ما شابها من أخطاء يمكن البناء عليها .

    لقد بادرت الولايات المتحدة إلى رصد أكثر من ملياري دولار دعما لميزانية إدارة الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية لاستعادة وجه أميركا الحضاري والإنساني في العالمين العربي والإسلامي بعد التشوه الذي ألحقته تداعيات أحداث سبتمبر بأميركا لمحو كل الذكريات المؤلمة .
    وبالطبع ليس مطلوبا من حكومة الإنقاذ رصد مبلغ مماثل لتقديم صورة أفضل لنظامها بعد "الانتخابات" تتجاوز أخطاء الماضي وذكرياته المرة أمام الشعب السوداني بقدر ما أن المطلوب هو التعود على الالتزام والتقيد بالقيم الديمقراطية وتقبل الآخر والالتزام بالقانون في مواجهة الخصوم السياسيين ومراعاة القيم السودانية في ممارسة الحكم .

    ولعل الدليل الوحيد والممكن الذي يثبت منطق الحزب الحاكم في أن هناك انتخابات "غير مزورة وحكومة ديمقراطية منتخبة " هو في مدى الالتزام بالسلوك الديمقراطي وتجاوز ثقافة القمع والاعتقال والمصادرة والالتزام بالقانون نصا وروحا .


    لأن الالتزام بالزي الديمقراطي شكلا وممارسة الشمولية جوهرا أمرا لا يمكن تقبله او الدفاع عنه . فهل سيستطيع الحزب الحاكم أن يصوم عن ممارسات النظام الشمولي ويستشرف واقعا ديمقراطيا في التعامل مع التناقضات يّعود عليه نفسه ويقنع به الآخرين أم أنه "سيفسر بعد جهد الماء بالماء "
    جريدة الصحافة






    الحكومة القومية بين ثقافة الحانوتية وفكر الإجماع الوطني



    أثارت تصريحات الدكتور غازي صلاح الدين بشأن اتجاه الحزب الحاكم إلى تشكيل حكومة قومية تضم جميع الأحزاب المعارضة التي شاركت والتي قاطعت الانتخابات إحساسا بأهمية المرحلة القادمة ومتطلباتها، أثارت تلك التصريحات ردود أفعال متباينة في أوساط تلك القوى .
    فبينما رحب حزب الأمة القومي بحذر باعتباره صاحب فكرة تشكيل حكومة انتقالية منذ البداية تمهد لقيام الانتخابات ولدعوته المتكررة للإجماع القومي، رفض المؤتمر الشعبي مبدأ المشاركة مع الوطني " حتى لا يتشابه البقر الإسلامي على الناس وقد ظل الشعبي كما قال زعيمه الترابي يميز مواقفه عن الوطني لأسباب معلومة تتعلق بالسيكلوجيا السياسية للأحزاب.

    الحزب الاتحادي الديمقراطي لا يمانع والحركة الشعبية طالبت بإشراك قوى جوبا في الحكومة القادمة بغض النظر عن نتائج الانتخابات المعروفة سلفا والتي صحب مسيرتها لغط كبير أودى بقيمتها السياسية من حيث كونها تحولا ديمقراطيا كاملا لما شابها من شبهات التزوير والفوضى " الخلاقة " التي تفوقت فيها المفوضية على نفسها لتفرز لنا واقع ما بعد الانتخابات بكل تحدياته .

    ولعل ما دفع المؤتمر الوطني لإطلاق مبادرة تشكيل حكومة قومية بعد الفوز المعلوم في الانتخابات حسب المراقبين هو ما توفر من خروقات وعمليات تزوير وفوضى وانسحابات للمرشحين وعمليات مقاطعة لقوى مؤثرة وعزوف لقطاع واسع من المواطنين أودى بروح التنافس العادل وحول العملية الانتخابية إلى مجرد تمرين انتخابي لم يبلغ غاياته .
    فضلا عن أن ما صحب هذه الانتخابات من تجاوزات ملئت أسماع وأبصار المراقبين قد أودى بأي فرحة منتظرة للحزب الحاكم تحشد لها الدفوف والمزامير احتفالا بنصر مزعوم على منافسيه وقبرهم ديمقراطيا بعد حجرهم 20 عاما في غرفة الرعاية الشمولية المكثفة.


    ثانيا أن حجم التحديات التي ستجابه الحكومة القادمة ستكون كبيرة وفارقة في تاريخ السودان مما لا يقدر عليه المؤتمر الوطني بمفرده، من استفتاء وانفصال يلحق به وتداعيات قيام دولة جديدة في جنوب السودان بكل مشاكلها .

    لكن لابد من فهم أن الدعوة إلى الحكومة القومية من قبل المؤتمر الوطني التي يتبناها الرئيس وبعض مساعديه من الذين يستشعرون خطورة الوضع في السودان قد لا تتوافق مع " رغبات حانوتية " المؤتمر الوطني من المتشددين الذين وعدوا الأحزاب الكبيرة بقبرها في الانتخابات بوسائلهم التي فضحت وإلى الأبد ،مما حدا بزعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي وصف كبير عناترتهم " بحانوتي المؤتمر " ولذلك ربما تقتصر نظرة هؤلاء لهذه المشاركة فقط من باب مدارة سوءة الانتخابات وما صحبها من موبغات للحصول على قبول هذه الأحزاب لنتائجها لاضفاء قدر من الشرعية.

    وإذا تسيد هذا الفهم فسرعان ما سيقود إلى انفراط عقد أي إجماع
    وطني مثلما أن أي تصرف للحزب الحاكم مع شركائه بمنطق أنه حزب فائز في الانتخابات وهو يتفضل عليهم بغض النظر عن تحفظات منافسيه على هذه الانتخابات وماشابها من تجاوزات تطعن في نزاهتها سيؤدي إلى ذات النتيجة .


    ومهما يكن فإن الدعوة إلى تشكيل حكومة قومية تعتبر دعوة عقلانية إذا أحسنت مقاصدها وصلحت النوايا يمكن أن تسهم في تقليل حجم الا نفجارات والمخاطر وتعطي البلاد فرصة لالتقاط أنفاسها لمواجهة أقدارها القادمة.

    وقد أثبتت التجربة الماثلة أن دعوة زعيم حزب الأمة إلى تحقيق الإجماع الوطني عبر صيغة الحكومة القومية أو الاتفاق على برنامج وطني قبل الانتخابات كانت صائبة مثلما أثبتت الوقائع أن مقاطعة الأمة القومي والشيوعي والحركة في شمال السودان للانتخابات كانت تمثل قراءة متقدمة لمآل ومسار العملية الانتخابية التي لم يعد أحد يجادل في عدم نزاهتها بل لم يعد أحد من المراقبين الدوليين ينكر ما صحبها من خلل قاتل وإن تجملا .

    ومابين ثقافة الإجماع الوطني والدعوة لحكومة قومية وبرنامج وطني شامل ومابين ثقافة حانوتية المؤتمر الوطني الذين يريدون تعميق فكرة الإقصاء المباشر عبر القمع وغير المباشر عبر انتخابات غير نزيهة يظل قدر العقلاء البحث عن مخارج لهذا الوطن المتعثر الذي لا يزال يبحث عن استراحة محارب.
    الصحافة





    سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء



    ما أن أشرقت شمس يوم الانتخابات الأول حتى استبان الخيط الأبيض من الأسود في أكبر عملية فوضى انتخابية على مرأى ومسمع من العالم . فلم تسعف كل مهارات المؤتمر الوطني في عمليات التزوير وعبقرية المفوضية في إخراج مسرحية الانتخابات حيث تكشف ضعف النص والأداء العملي للانتخابات واتضح حجم الخلل الذي طالما نبهت له الأحزاب المقاطعة والمشاركة معا .
    وحيث لم يعد ممكنا في ظل الرقابة الوطنية والأجنبية والحضور المكثف لوسائل الإعلام إخفاء مظاهر الفوضى والتزوير والخلل الذي كشف ومنذ اليوم الأول، يتضح حجم المهزلة الانتخابية بكل حيثياتها وتجاوزاتها ووقائعها التي تسجلها لحظة بلحظة مواقع الانترنت والفضائيات .

    ثم ماذا بعد

    سيستمر المشهد بكل تفاصيله الدراماتيكية حتى لو خلا المسرح من الرواد أو واصل البعض مشاهدة لوحاته المعلومة وفقا لما هو مرسوم له ليحافظ الحزب الحاكم على تشبسه في الحكم بعد أن علقت العقلانية ووئدت أحلام المتفائلين بنقلة جديدة ولو نسبيا .
    فلينسحب من ينسحب من المرشحين الذين راهنوا على ما تبقى من فتات النزاهة والشفافية التي ما هي إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء . محجوب عروة – الهندي عزالدين –عثمان ميرغنى وغيرهم ليلحقوا بركب المقاطعين الذين رأوا بعيون الزرقاء مالم يراه غيرهم .

    سينتهي المشهد وسيصبح البشير رئيسا وسيعيد المؤتمر الوطني صياغة دوره من جديد بلغة الدولة والامساك بقوتها الآمرة رغم أنف الديمقراطية الموءودة في يوم عرسها المفترض .
    لكن ستظل التحديات ماثلة والأخطار متعاظمة وسيصبح السودان سودانان
    وبينهما حقول من النفط والألغام المزروعة على الحدود ،والموارد ، والملفات العاثرة .
    مشهد كان يستوجب أن تكون القوى السياسة موحدة ومتضامنة لتكبح سنان المخاطر الداهمة على الوطن لكن بريق السلطة والثروة التي عود قادة المؤتمر الوطني أنفسهم على التربع على عرشها بمفردهم قد حالت دون أن تأخذ المسؤولية الوطنية موضعها دون إحساس بان الوطن هو للجميع طالما أن الجميع قد اختاروا التبادل السلمي للسلطة سبيلا بشرط أن يكون شفافا ونزيها دون تزوير في شمس منتصف النهار الحارقة .
    وتبقى الحقيقة أن الحزب الحاكم قد نجح في إقصاء منافسيه ليس عبر انتخابات حرة ونزيهة تعيد الأمل بعد 20 عاما من اليأس لكنه نجح أيضا في أن يخدع نفسه على طريقة النعامة التي تدفن نفسها في الرمال ظنا منها أن لا أحد يراها . اللهم يسر ولا تعسر.

    جريدة الصحافة



    التكفيريون الجدد في السودان وتحريم الممارسة الديمقراطية




    عندما طالبت الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية بضرورة مراجعة مناهج التربية الدينية في مدارس وكتاتيب بعض الدول الإسلامية التي صعدت فيها تيارات التشدد والانغلاق في أعقاب أحداث سبتمبر كانت مدفوعة بنتائج أقوال وأفعال بعض هؤلاء المحسوبين على الإسلام ممن فرختهم هذه المدارس الدينية وأثقلتهم بالمفاهيم الخاطئة والمحدودة والضيقة والمهووسة التي شوهت الإسلام وأهدرت مقاصد الشرع في كثير من القضايا بل ربطت بين الإسلام والإرهاب .

    ورغم اننا مبرؤون في السودان نوعا ما بحكم تربتنا الصوفية الإسلامية المتسامحة وطبيعة التركيبة الوطنية السكانية المتباينة المتعايشة إلا أن جماعة ما يسمى بعلماء السودان وهي جماعة نصبت نفسها دون مشورة أحد تصر أن تزج بنا في أتون جب مظلم وهي تمضي دون وعي في تشويه الدين والإساءة إلى قيم الحرية والعدل التي بسطها الإسلام .

    هي ذات الجماعة التي برعت في إطلاق الفتاوى العشوائية الجاهلة كالفتوى التي ضرب بها الرئيس البشير عرض الحائط ولم يحترمها عندما قرر السفر إلى دولة قطر وهي فتوى تحريم سفره حفاظا على " رمز الأمة " في أعقاب تداعيات قرار المحكمة الجنائية وبالطبع هي فتوى تزلف وتودد للحاكم .
    وهي ذاتها الجماعة التي أصدرت تحريم أحد الأحزاب السودانية العريقة " الحزب الشيوعي وشككت في اجتهادات المفكرين والمجددين الإسلاميين في السودان وخارجه من رواد الصحوة الإسلامية.

    هي ذات الجماعة إذن التي لم تستوعب أن هذا السودان المتنوع المتعدد المتباين عرقيا وثقافيا وجغرافيا وطن للمسلمين وغيرهم وللعرب وغيرهم وطن للجميع على أساس حقوق متساوية وواجبات متساوية أقرها الدستور ، تستدل بالآيات في غير محلها وبالعبارات في غير مكانها ولايرون في الاسلام إلا قوانين عقابية ،هي نفس الفئة التي ظاهرت وعاضدت قوانين سبتمبر وتاجرت باسم الاسلام لحماية نظام الرئيس الراحل جعفر نميري "

    ولم يكفي هذه الجماعة ما اقترفت من تشويه وتضليل ومتاجرة باسم الدين بل ذهبت في تحد سافر لتاريخ وقيم الإنسان السوداني وتاريخه النضالي إلى تكفير من يشارك في ممارسة حقه الديمقراطي بالتظاهر والاحتجاج الذي كفله الدستور أو من يتعاطى في الشأن العام وكأنها نظام انقلابي شمولي قادم من العصور الوسطى باسم الدين وهي تسفر عن وجه عنصري بغيض نهي عنه الدين والشرع قبل كونه يناقض الدستور والقانون ويكفي فقط تأمل البيان الذي صاغته وأصدرته هذه الجماعة للحكم على مدى الظلامية التي تعيشها وتريد حبس الآخرين فيها .

    والتساؤل الذي يدور في ذهن أي مواطن سوداني بعد سقطة هذه الجماعة بتحريم الممارسة الديمقراطية هو من نصب هذه الجماعة للتحدث باسم الإسلام أصلا ؟، ومن خولها للحديث والفتوى باسم المسلمين في السودان، وفي السودان كيانات إسلامية ذات تاريخ وعطاء وفي السودان علماء أجلاء مفكرون ومجتهدون لهم اسهاماتهم الفكرية المعلومة في قضايا الفكر الإسلامي المختلفة.

    وماهو رأي الجهات المختصة في الدولة إزاء هذه الجماعة التي استهوت إطلاق مثل هذه الفتاوى الجاهلة التي تبث الحقد والكراهية وتحرم كل ما أقره الشرع والدين الحنيف بإعلاء قيم الحرية والشوري وحق إبداء الرأي والجهر بالحق أمام السلطان الجائر والعادل معا ؟

    إن مثل هذه الجماعة تمثل من خلال ممارساتها دون جدال مصدر تشويه للإسلام كما تمثل خطرا حقيقيا على الكيان الوطني السوداني وعلى وحدة المجتمع وعلى قيم الديمقراطية وعلى حقوق الناس التي أقرها الشرع وهو ما يستوجب مساءلتها قانونا حيث لا يبرر ميلها إلى الحزب الحاكم وتعلقها بامتيازاته المادية استهداف القيم الدينية والسودانية بل استهداف الكيان الوطني بفتاويها الساذجة لقاء دراهم معدودة دون مساءلة .
    رحم الله الشاعر احمد شوقي حين قال:
    ليس أشجى لفؤادي
    من دميم يتحالى
    وعجوز تتصابى
    وعليم يتغابي
    وجهول يملأ الدنيا سؤالا وجوابا


    الصحافة
                  

07-16-2010, 03:39 PM

Hassan Elhassan

تاريخ التسجيل: 12-14-2004
مجموع المشاركات: 487

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للتوثيق مقالات سابقة في الصحافة السودانية حول قضايا آنية (Re: Hassan Elhassan)

    للتوثيق مقالات سابقة في الصحافة السودانية حول قضايا آنية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de