|
|
سفير غير دبلوماسي
|
كان حلمه منذ أن وطئت قدماه أرض الجامعة أن يصير سفيرا، هكذا كانت رغبة أمه، ، فعزم على أن يحقق رغبتها مهما كلفه ذلك من جد واجتهاد. حالفه التوفيق وتم قبوله في الجامعة، ومن ثم اختار الكلية التي تؤهله لتحقيق ذلك الحلم بعد استشارة أخوانه الذين سبقوه بالدراسة فعمل بمشورتهم. أنهى حياته الجامعية بنجاح، وكان محظوظا أن أعلنت وزارة الخارجية رغبتها في تعيين سكرتيرين، كاد يطير من الفرح لأن مثل هذه الوظائف لا تتوفر بشكل منتظم، سارع بالتقديم للوزارة وأعد نفسه جيدا للمقابلة (Interview ) ،بعد أن دبر الواسطة ، لأنه يوقن بأن مثل هذه الوظائف لا تنال عن طرق التنافس الشريف ومقصورة فقط على أبناء الأسر المرموقة، ولم يكن منهم، لكن إصراره على تحقيق رغبة أمه كان حافزا له ولم يفقده الأمل.
حان موعد المقابلة. جهز الفتى حقيبته استعدادا للذهاب إلى الخرطوم. جاء الفتى يستأذن أباه في الذهاب لإجراء المقابلة. قال الوالد: اليوم لدي مواعيد مع الطبيب يا بني. كان الوالد يعاني من مرض القلب. قال الفتى في نفسه هذا الوقت الذي يحتاج فيه الوالد للولد ومن ثم عدل عن رأيه في الذهاب للمقابلة. لم يفلح والده في إقناعه بالسفر لإجراء المقابلة. قال الوالد: إن صحتي ليست بالسوء الذي يمنعك عن الذهاب للاختبار الذي انتظرته طويلا. قال الولد: إن صحتك هي الأهم وإن العمل "ملحوق" يا أبي . ظل الفتى يعتني بصحته ويذهب معه بانتظام لمقابلة الطبيب،وكان يسمع منه كلاما طيبا وثناء حسنا.
طال مرض الوالد واستمر لمدة ثلاث سنوات ،و كلما ازدادت آلامه كان يجد ابنه بجانبه .أحس الوالد بدنو أجله وصار يتنفس بصعوبة، وبينما هو في أشد حالات الضيق ، همس في أذن ولده وقال: أنا عافي وراضي عنك كل الرضا يا ولدي، قال الولد : أسألك يا أبي أن تعفو وترضى عن أخواني فإنهم سيقومون بنفس الدور إن كانوا موجودين قال الوالد: أنا عافي وراضي عنكم جميعا، وأنت بالذات عافي وراضي عنك رضاء ما بعده، لأنك خدمتني وقمت بدور الابن والزوجة يا ولدي . عاش الفتى على هذا الرضا الذي أصبح زادا له، وجنى ثماره في الدنيا قبل الآخرة، وصار محبوبا بين الناس وكسب احترامهم وتقديرهم وأصبح مضرب المثل في البر.
بعد وفاة الوالد، سافر الابن للعمل خارج السودان، فرزقه الله عملا سهلا ورزقا ميسرا، ووفقه في غربته وحقق كثيرا من أحلامه وصار سفيرا ليس في وزارة الخارجية، وإنما لوالديه يسافر إلى مكة والمدينة، يحج ويعتمر ويدعو ويستغفر ويهب ثواب ذلك لهما.
|
|

|
|
|
|