|
ارباب معاشات ... لا ارباب سوابق
|
ارباب معاشات لا ارباب سوابق
طالعت مناشدة اطلقها – نقلا عن صحيفة الرأي العام – احد ذوي القلوب الرحيمة بموقع سودانيز اون لاين ينشد الاجر للمحسنين من القراء بالجود – كما يقول الخبر – على مدرس بالمعاش ومعاونته في دفع مبلغ 5 الف جنيه ، عبارة عن متراكمات اجرة المنزل الذي يأويه مع عياله وزوجته المهددين بالطرد والاخلاء في حالة عجزه – او بالاحرى – عجز المحسنين عن سدادها .
هذا المعلم والمربي المكلوم الذي يحتاج لمبلغ لا يزيد كثيرا على اجرة نصف مطرب يتقاضاها عن نصف ليلة ، قد وجه – بندائه – اكبر صفعة في جبين الوطن والمجتمع الذي امضى المعلم عمره كاملا في تنشئة ابنائه وتعليمهم .
حالة المربي الفاضل صاحب المحنة ، هي صورة طبق الاصل لحالة جميع ارباب المعاشات من موظفي الخدمة المدنية من غير ذوي الحظوة ، الذين لا ينالون من معاشهم الشهري الا مشقة الذهاب الى حيث يحصلون عليه ، ليعيدونه كاملا للدولة عدا نقدا عند ابواب منازلهم فيسلمونه – اي المعاش – يدا بيد لمحصلي العوائد ورسوم النفايات ورسوم المحلية ، فالمعاش الشهري – بالكاد – يكفي لسداد تلك الرسوم . فيما عدا حالة المرحومين اللورد كيتشنر واللورد غردون ، يتمتع جميع رؤساء الحكومات السابقين - او اسرهم في حال انتقال ارواحهم الى بارئها – بمزايا ومخصصات رئيس الجمهورية الحالي الذي يعود له الفضل في اصدار مرسوم اميري بهذا المعنى ، شمل – الى جانب الرؤساء السابقين – رؤساء الوزراء السابقين من عبدالله خليل حتى الصادق المهدي ، واعضاء مجالس الثورة السابقين ورؤساء القضاء السابقين بما في ذلك فؤاد الامين عبدالرحمن ، ورؤساء البرلمان السابقين وكبار ضباط القوات النظامية ، فهؤلاء جميعهم يتمتعون بمخصصات مناصبهم كاملة بما فيها بدل السكن اللائق وسيارة او اكثر وعلاج بالخارج وتذاكر السفر السنوية لاي جهة في كون الله الفسيح .
هكذا ، وبعين قوية لا تخشى يوم اللقاء الاكبر ، جعلت حكومة الانقاذ ما تقبضه فئة من مخدوميها السابقين في شهر واحد يوازي ما تقبضه بقية خلق الله ممن خدموا ذات الدولة في عشرة سنوات .
لا اريد ان ازيد من اوجاع هذا المدرس المنكوب ، ولكن لا يمكن ان اختم الحديث عنه دون ان نورد هذه الحكاية ، فقبل عام او يزيد ، استمعت ضمن نشرة الاخبار الرئيسية بالتلفزيون للمذيع وهو يتلو قرار جمهوري بترقية احد ضباط الجيش الشهيرين الى رتبة فريق اول ، وليس بالقرار ما يثير الخاطر او المحنة ، فلواءات المعاش وفرقائه وفرقائه الاوائل في بلادي يزيد كثيرا عن عدد الجنود النفر ، ولكن ما لفت انتباهي ، ان المذيع عاد وتلى في الخبر التالي مرسوما جمهوريا آخر يقضي باحالة نفس الضابط الى المعاش ، طيب وليه ؟ قال لي صديقي الباحث ، ان الفريق اول سيحط رحاله في التقاعد بمخصصات رتبة مشير بحسبما تقضي نظم القوات النظامية عند الاحالة للتقاعد ، يا لها من حظوة ، ان تكون ( الواسطة ) رئيس جمهورية بحاله ، اما امثال المدرسين وبقية الافندية فرئيس السودان ليس معنيا بهم .
قلبي مع هذا المعلم المنكوب الذي ان كان قد اخطأ في شيئ في عمره المديد ، انه – في شبابه - لم يحمل اوراقه الى الكلية الحربية بوادي سيدنا ، وعوضا عن ذلك امسك بلوح تباشير يعلم ابناء وطنه جيلا بعد جيل فتخرجوا وتفرقوا وبقى هو وحيدا في النهاية يتوسل اليهم ان يعينوه في كربته ويا عالم ان كان هناك من يستجيب . في بلاد الكفر والالحاد يطلقون على كبار السن عندهم ما يمكن ترجمته الى " المواطن الرفيع "، ينحني له كل الناس اجلالا واحتراما ، وتتعهد الدولة برعايته ورفاهيته وتوفير السكن اللائق له وحسن معاملته ، والمواطن الرفيع لا يذهب لمكاتب الدولة حين يحتاج لقضاء حاجة من حاجات الدنيا ، فالدولة هي التي تذهب اليه في داره فتقضيها .
هذه ... التي يعيش فيها هذا المعلم المتقاعد ليست دولة ، هذه اقطاعية تلك التي تجعل من معاش الفرد من ارباب المعاشات اقل كثيرا عما تنفقه ذات الدولة على ارباب السوابق من المجرمين في سجونها ، وأخيرا ..... انحني حتى الانكفاءة تقديرا لهذا المعلم الصابر .
سيف الدولة حمدناالله عبدالقادر
[email protected]
|
|

|
|
|
|