|
اجعلــوا مـــن حگــــوم الجنــــوب قـــــــدوة
|
اجعلــوا مـــن حگــــوم الجنــــوب قـــــــدوة د. سعاد ابراهيم عيسي
الفساد بأشكاله المختلفة مثله مثل مرض السرطان، إن لم يتم اكتشافه مبكراً ومن بعد علاجه في حينه، سوف يستشرى بجسد المجتمع، ويقود الى تخريبه اجتماعياً واقتصادياً. حكومة جنوب السودان جزاها الله خيراً، فطنت الى تلك الحقيقة فقررت أن تعمل على محاصرة الفساد وهو في بداياته، لتتمكن من اجتثاث بؤره ومن فيها قبل أن تضرب جذوره في باطن مؤسسات الدولة فيتعذر اقتلاعها. ومن جانب آخر، وكوقاية من أمراض الفساد، رأت الحركة ان تجري تعديلات في المواقع القيادية، ببعض من حكومات ولاياتها لضمان وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. فقد جاء بجريدة الرأي العام بتاريخ 18 مارس 2007م وتحت عنوان «إعفاء وزراء ومعتمدين ومستشارين بثلاث ولايات جنوبية» ان السيد سلفاكير رئيس حكومة الجنوب، قد اصدر قراراً رفع بموجبه الحصانة عن وزير المالية بحكومة الجنوب، للتحقيق معه حول مبلغ الستين مليوناً من الدولارات، التي أشار اليها السيد رئيس الجمهورية في خطابه بجوبا بمناسبة الاحتفال بعيد التوقيع على اتفاقية السلام، والذي أوضح فيه سيادته بأن ذلك المبلغ قد سلم للراحل د.جون قرنق قبل حضوره للخرطوم. وبصرف النظر عن التساؤل حول إمكانية الكشف عن ذلك المبلغ إن لم يبادر رئيس حكومة الجنوب بالهجوم على حكومة الشمال، فان مسلك حكومة الجنوب الأخير هذا قد دلل علي انها قد أخذت أمر ذلك المبلغ مأخذ الجد، وبدأت العمل في اتجاه الوصول الى أصل حقائقه، ولعلها واصلة، لأن ما رشح بالصحف يؤكد عزمها على السير في طريق الحكم الرشيد. إن الشفافية والوضوح الذي تعاملت بهما حكومة الجنوب في معالجة تلك القضية، ضربت أروع المثل في الكيفية التي يجب إتباعها في محاصرة ومحاربة الفساد والمفسدين، بصرف النظر عن مواقعهم وحصاناتهم، تلك الحصانات التي ظلت تحمى رصفائهم بحكومة الشمال مهما كبر جرمهم وعظم. فقد ورد بذات الصحيفة أيضاً أن السيد رئيس حكومة الجنوب قد أوصى وزارة الشؤون القانونية بحكومته، بأن تتخذ كل الاجراءات القانونية ضد كل من يثبت تلاعبه بالمال العام واستغلال المنصب العام. فأين نحن في الشمال من مثل هذه القرارات؟ هذا المسلك الشفاف من حكومة الجنوب لابد من الاشادة به والدعوة للتمسك به. اذ عن طريقه وحده يمكن حماية المال العام وتحصينه بسد كل المنافذ التي يتسرب عبرها الفاسدون. كما أصدر السيد رئيس حكومة الجنوب قراراً أخر اجرى بموجبه تغييرات واسعة في المواقع القيادية ببعض حكومات الولايات الجنوبية، باعفائه لبعض الوزراء والمستشارين والمعتمدين، الأمر الذي يوضح عدم جمود حكومة الجنوب، وقدرتها على تغيير وتعديل المواقع القيادية بحكوماتها متى دعت الضرورة لذلك، من أجل محاصرة أىة سلبيات في الحكم ووأدها في مهدها. وهذه أيضاً من التصرفات التي يفتقر إليها الحكم بالشمال، حيث أصبحت المواقع القيادية ملكاً خالصاً للقيادات الانقاذية، التي رفع عنها قلم التغيير، لا لجودة عطائهم وتميزهم فيه، لكن لأن قاعدة حكومة الانقاذ، منذ مولدها، هي المحافظة على ذات كوادرها مهما اخطأوا أو فشلوا أو فسدوا، فهم لا يخرجون من موقع إلا بعد ضمان الانتقال إلى غيره. هل سمع أحدكم بأن هنالك أي قيادي من كوادر الانقاذ، قد رفعت عنه الحصانة لمساءلته عن جرم اقترفه مهما عظم ذلك الجرم، أو تم ابعاده من موقعه بعد ان تكشفت اخطاؤه مهما كان حجمها وخطورتها؟ لكن ما يدهش أن الفساد الذي أصبح مكشوفاً وعارياً من أي غطاء، وبعد أن تحددت مواقعه وكشف عن أسماء الممارسين له وبكاملها، أن تظل الحكومة غير عابئة ولا مهتمة بكل ذلك أدنى اهتمام. في ذات الوقت تنشط ذات الحكومة وتسارع في اتجاه التعرية لفساد الآخرين من غير منسوبيها، وادعاء الشفافية والجدية في التعامل مع قضاياهم. فقد ورد بإحدى الصحف أن هنالك تحقيقاً يجري حالياً مع أحد موظفي وزارة ما، نسبة لاختلاسه بعض الأموال بعد أن قام بتزوير توقيع الوزير بتلك الوزارة. يحدث هذا في حين كشفت بعض الصحف عن فساد كبير مارسته بعض من القيادات العليا لذات الوزارة، وتم كل ذلك تصريحاً لا تلميحاً، حيث ذكرت الأسماء المعنية بالأمر كاملة كما تحدد الفساد حجمه ومواقعه. وكان الظن ان ما أثير وتكشف من تلك القضية، يعتبر كافياً لرفع الحصانة عن المتهمين للتحقيق معهم، لإثبات جرمهم أو تبرئتهم. لكن الذي حدث هو أن زج بمن أثار قصة ذلك الفساد، في السجن، وظل المتهمون في مواقعهم وكأن شيئاً لم يكن. وها هو التحري مع من اختلس مالاً باسم الوزير تتسارع خطواته، أي أن الحكومة تغض الطرف عن الفيل لتطعن في ظله.. شيء آخر ينفرد به الانقاذيون، الاصرار على نصرة حكومتهم ظالمة أو مظلومة. ففي حين أن الشعب السوداني لم يظلم الحكومة أبداً، بشهادة قياداتها التي اعترفت بصبره عليها صبر أيوب على البلاء، فقد أشبعته من ظلمها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ومن بعد حرمته مجرد الشكوى. هؤلاء الانقاذيون ما أن تثار في حضرتهم أي من مشاكل الحكم، خاصة قصة الفساد، حتى تنبري الأقلام وتنطلق الألسن، لا لدحض ما يرونه خطأ، وبالحجة والمنطق، بل لينحرفوا بالموضوع ليحدثونك عن انجازات الانقاذ وعلى رأسها اسطوانة استخراج البترول، وأضيف إليه أخيراً الذهب، ودون أن يوضحوا لنا ما هي التغييرات الموجبة التي ادخلها استخراج أي منهما في حياة المواطنين، إن لم يكن قد زادها بؤساً وسوءاً؟ لا ننكر أن هنالك انجازات تمت في هذا العهد، وهو أمر طبيعي لنظام ظل قابضاً على السلطة ومنفرداً بها لما يقارب العقدين من الزمان، لكن لا يعني ذلك أن يصبح الانجاز مبرراً لارتكاب الأخطاء في الحكم أو ممارسة الفساد فيه. على كل قد تعهدت الحركة الشعبية بنقل محاربة الفساد إلى الشمال ونقول لها (يا ريت يا ريت). ملحوظة: جاء بجريدة الصحافة الجمعة 23/3/2007م رداً من إعلام المركز العام لحزب الاتحاد الاشتراكي على موضوع استنساخ الاحزاب الذي كتبته بذات الصحيفة من قبل. وبما أنهم لم يقرأوا الموضوع جيداً لا أجد ما يستحق التعليق عليه. ___________________________________________________________________________________ جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الصحافة © 2006
|
|
|
|
|
|