|
يا زمن (المتعافي) وقف شوية : خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل رقشة..!
|
عزيزي الدكتور إسماعيل عبد الحليم المتعافي تحية وإحتراماً قالوا، الشعراء اربعة: واحد يجري ولا يجرى معه وواحد يخوض وسط المعمعة وواحد لاتشتهي إن تسمعه وواحد لاتستحي إن تصفعه ونضيف من عندنا: وإبراهيم الرشيد يجب أن تسمعه..! (1) إبراهيم الرشيد، شاعر يمكن تسكينه في البند الثاني من الشعراء الاربعة، لأنه (يخوض وسط المعمعة).. معمعة المعايش الجبّارة، رافق شعره الفنان إبراهيم عوض منذ العام 1948م ليرفد الأذن السودانية بأروع الأغنيات: لو داير تسيبنا جرب وانت سيبنا لو داير تحب حب وانساهو ريدنا يوم ترجع تصافي بسامحك ياحبيبنا يا عايش في دنيا من اوهام خيالك يا تاعب ضميرك ما رضيان بحالك ماتودر شبابك روّق وهدئ بالك رفقاً بي قلوبنا ورفقاً بي شبابك (2) ورفقاً بشيخوخة الرجل الذي ركب العشاق (لساتك أغنياته) يتوسلون بها لمحبوبة عصية النوال لايلين قلبها إلاّ بعد أن (يقطع) فيها (مشروخ الحشا)، بيتين تلاتة من نظم الرشيد: يازمن وقف شوية وأهدي لي لحظات هنية وبعدها.. شيل باقي عمري شيل شبابي شيل عينيّا (3) وحتى لا (يشيل) الفقر باقي عمر الشاعر الفنان، تعالوا نسمع حكايته: هبط من الطيران المدني بمظلة المعاش غير الآمنة في العام 1992م قبل أن تكمل سنابك ثورة الانقاذ الوطنى من (فتح) السودان في طبعته الحضارية الجديدة المنقحة.. فجمع (قريشات) المعاش لــ (يفتح) بها دكاناً صغيراً.. بالله عليكم شوفوا الناس بتفتح في شنو وشاعرنا بيفتح شنو..! ماعلينا.. لم (يفتح) الله له رزقاً (فأغلق) الدكان ليترك باب الديون (مفتوح) العينين.. ليسهر الرجل جراها ويختصم..! قلت له مداعباً: ــ يعني طلعت من الدكان بكرامة البليلة؟ قال ساخراً: ــ أبداً..بالكرامة بس.. بليلة مافي..! (4) تراكم على الرجل هم وغم كبيرين، حتى صرعه المرض وكاد يلزمه طريحاً لسرير الثرى الابدي بــ (مستشفى) أحمد شرفى، لولا رحمة الله، ثم عناية صديق المنكوبين سبدرات والفريق عبد الرحيم محمد حسين والشاعر كامل عبد الماجد واللواء عبد الجليل المشرف وآخرين.. فخرج من وعكته ممتلئاً باليقين مؤمناً بتداول الفقر والغنى والليل والنهار والجنيه والدينار معاً.. جمع شاعرنا مالاً (زي دم الحجامة) ليشتري به (رقشة)، ــ غاية العبقرية الهندية لأماني الفقراء السودانيين ــ ولأن الرقشة مصابة بالطاعون في عرف السلطات، بالتالي لايحق لها دخول البلدة الآمنة أهلها، سحبها (الجوكي) ليلقط بها (حبة) الدراهم المتناثرة في أطراف أركويت. (5) في أول مشوار للرقشة، تقابل مع وحش ياباني كاسر من ذوات الأربع في زقاق ضيق، فإحتضن الرقشة في عناق (جسيم) فرتقتها حتة .. حتة..! (6) هل سمعتم بكلب الباشا الذي عض الفلاح؟ الباشا أوكل محامين اقنعوا القاضي بأن الفلاح هو الذي عض الكلب..! والفلاح هنا هو (الرقشة) التي لو عضاها (قندران إبن كلب) لطلعت ستين غلطانة..! ما علينا.. نعود لرقشة إبراهيم الرشيد الغلطانة، كانت مثل القطة أدخلت صاحبها النار، فدخل إبراهيم الرشيد الى الحراسة لأنه لم يستطع سداد 450 ألفاً من جنيهات السودان القديم جداً..ما قبل ميلاد السيد قرنق وآرثر أكوين وآخرين..! مكث الشاعر ابراهيم الرشيد في الحبس ثلاثة أيام يندب الحظوظ السود والليل الضرير حتى تصادف ان شاهده المحسن د. عبد المحسن البدوي وسدد عنه الغرامة.. (7) حين حكى لي إبراهيم الرشيد ملهاة البؤس به، مستنكراً سماح السلطات للرقشات بأن تقطع البحر الاحمر والابيض والاصفر والميت حتى تصل الديوم الشرقية ثم تحرم عليها ان تقطع بحر أبيض ونيل غردون وخور ابو عنجة، قلت له لماذا لاتخاطب المتعافي شعراً، لعله يعطيك رخصة، ضحك الرجل وقال: ــ الرخصة في شنو؟ ــ للرقشة. لم تعد هناك رقشة اصلا حتى يسأل لها رخصة.. فلماذا لا يقتطع المتعافي من قوت ولايته الشبعانة (حق رقشة) إكراماً للرجل الذي يقول متعففاً حيث لارقشة: ما قلت داير بص لا حافلة لا أمجاد او قطعة في الطايف أو رخصة استيراد انا لي طلب هايف بس رخصة للرقشة لي عيشه الاولاد ما عندي يا دكتور غير الشعر مهنة القلتوا ما بشفع تمنحني استثنا؟ (8) وسام شرف يا والي وما كان خطر بي بالي ادخل حراسة الحركة واعزف هناك موالي واقعد مع الشماسة فوق البريش البالي ويسألني زول مسطول يا (فردة) شن سويت؟ ونحنا في الزنزانة ناقصانا بس (فردة) جابونا ناس الحركة في كشه في جردة دا الوالي صغرنا وقرارو حيرنا خلانا في لحظات، كم تهنا، كم ودرنا من عهد (روبرت هاو) ما حدّ حقرنا يا حليلهم اولاد (جون) الفاتو بندرنا انا ماني داير بيت او عزبة في المنشية او فيلا في كافوري اغشاها ليل وعشية داير لي رخصة رقشه نتاري في الدغشيه تجيب عشا الاولاد وتتقرش العصرية وكتبنا للريس ما جانا منو جواب حردلوا قال يا ناس منعول ابوها بلد ما بتنصف المبدع معاها كتب وسرد واخر المطاف يا ناس تلقوه غاب وشرد (9) انه الشاعر إبراهيم الرشيد الذي غنى له الفنان الذري إبراهيم عوض، أجمل عشرة من أغنياته، كما غنى له محمد وردي (سليم الذوق) ومحمد الأمين (صورتك تذكار) وعثمان مصطفى (ما بعاتبك ما بلومك) و(بعد الرحيل) و(عدّ فات) ، وعثمان حسين (مشوار غرام) ومجذوب اونسة (آخر خبر كتبو في جواب) وأبو عبيدة حسن (ياعقد الجواهر) وسيد خليفة (الزحام والشارع) و.... وياترى ماذا سيكتب المعتصم بالله المتعافي في مذكرته اليوم عن شاعرنا الرشيد؟ * حاشية: خمسة عشر رجلاً الذين عنيتهم في المقدمة، هم الذين كانوا (يعتاشون) من الرقشة المكلومة.
|
|

|
|
|
|