الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
|
Re: ليتَ " فبراير " يكون رحيماً بالشلك ( أولاد المك ) !!! (Re: منوت)
|
كاملَ الشوقِ و الحبِّ لك أيها " الخال " عثمان ، و كيف هما ( عنتر ، وبكري ) ؟ و كيف هي الرنك ؟ و كيف هو المشرع " مسبّل " ؟ و كيف " أشروك " هذا المركب الشلكي الجميل ؟ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآهٍ ، يا خال ! كم هي أيامٌ تمضي كما ينسحب " أشروك " على سطح سيد الأنهار !!!
و ...
هاكَ ما يلي :
" كُلَّما اتسعتِ الرُّؤيةُ ، ضاقتِ العبارةُ " (الإمامُ الَّنفّري) - Nyan Tenu? , Nya Tuktuk , Yee kal Kanj ? - Ya Kal Luk - Tundur Ba ne ne Kedi Pinj , Ne Ne Ba tau, Ru waw we chada - Kub Maya bil Nya Mau me mada , chung ya dong Malakal Wa youda .
- أ صغيرتي ؟ ، يا أيتها التي تتزيَّنُ بالسكسك ، من أين أتيتِ ؟ - أتيتُ من الجانب الآخر للنهر - تعالي نَنَمْ ، نوماً كالموت ، و عند بزوغ الفجر نذهب - أخبرنَ أمي بأن تحتفظ لي بمريستي التي أحب ، و عند عودتي من ملكال أجدها . (إحدى الأغنيات المشهورة بديار قبيلة الشلك)
للنهرِ مسارٌ تاريخيٌّ صاخب ، ضجيجٌ حياتيٌ مُزبد . التيّارُ الوابليُ الفكتوري الجنوبي يدفعه إلى الأمام تجاه الشمال ، معانقاً أعشاب النيل الريّانة بالخضرة و الماء المنقّى – طبيعياً- . و (الدّيس) الشامخ كثافةً ، يتشابك غابةً من الأوراق الرفيعة الخضرة على السطح و في الجوف ، يطاوع النهرَ تيّاراً و انتباهاً ، محتضناً في أغواره البعيدة ، و أعماقه الدافئة السحيقة ، جماعاتِ السمك المتنوعةَ الطّباع .. المتباينةَ الألوان .. المتفاوتةَ الأحجام و السلوك الزعنفي . هذا (البلطي) يأبى أن ينصاع لأوامر الأم ، فيضلُّ السبيلَ ضائعاً بين جذور العشب النيلي المنتفخ ماءً و ثباتا . و ها هنا سمكة تخترق كثافة ال (H2O) مسبِّحةً لربِّها الذي حباها فماً حادّاً أحمر اللون ، لتعزف لحنها المتفرِّدَ و تشدو بهرمونية الأحياء النيلية و سمفونية الأسماك ، إنها (خشم بنات) هذا الوسمُ الذي أطلقه عليها النيليون جنوبَ كوستي ، شمالَ تونجه على ضفاف النيل ، مروراً ب ملكال ، و فشوده ، و كدوك ، و ملوط ، و كاكا التجاريه ، وجبل أحمد أغا ، و فلوج ، والمطيمر، و جلهاك ، و كوع المنقو، و ملولو ، وليلو أماره ، و ود دكونه ، و البشاره ، والرنك ، و أبو خضره ، وبير كدوك ، و القيقر ، و الكويك ، و أم جلاله ، و هلكه ، و جوده ، و الجبلين حتى تخوم النعيم و جوري و الرديس و خور أجول و أم مهاني جنوب النيل الأبيض ، و ذلك للتشابه الواقع بين كليهما في حدة الاختراق. و على جذور (أم فوله) المسماة – بحق – وردةَ النيل ، تختبئ (البَرَده) تلكم المشحونة بدفق الحياة في فيزيائها الفاعلة، و كيمياء لسعاتها الكهربائية المخففة ، باثةً مفردات الشفاء و التعالج في الذهن الشعبي المستسلم لجازم الاعتقاد في النيل و ما يحوي من أنماط حيولات و تمائم خرافية . أما (أُكوك) هذا (القرموط) أو (القرقور) فتأبى خياشيمه التسليم لأناشيد (الصير) المهتزة دوماً - حال القلب - آن يرجُّهُ الفرحُ السخي . و حدّث عن فرس البحر و حارسه الأمين ( القرنتيه) هذا المخلوق الذي ينتسب إلى عوالم لا تعرف الانتماءَ إلى غير أعظم الأنهار في المعموره ( النيل الأبيض ) ، مطلقاً صوته – المحايد- " حُووو ، حُووو ، حُووو " ، واضعاً فكَّه على ظهر الذي يسبقه سبحاً و – عوماً- في إلفةٍ تستدعي تواريخَ المخاوف المحدقةِ بقبيلةٍ من العصر الحجري يتعاضد أفرادُها زوداً عن إرثٍ تاريخي يحاول الهرب . ثعبانُ البحر ( أم دبيبو) يعشق الطينَ و السوادَ اللّزج ، و كأنه فطن إلى أصل الخلق و قيمة الوطن الممهور بالسواد و خصوبة التمازج بين العناصر المشيمية للتراب . و على مناخيرِ سيِّد الأعماق الرحبة و الضفاف الواعدة بالتحدي التاريخي في النهر العتيق ، هذا الفتى الشائخ نيلياً( التمساح ) ينفض الطائرُ الصديقُ – من على شموخه - جناحيه من البلل انتشاءً بصحبة الملك .. و سيدُ النيل يضرب بذيله الأسطوري شاقاً طريقه إلى فريسة سمكية أو أخرى حيوانية بريّة . و هناك على الضفاف الخلاسية يرقد خادمُ البرِّ و البحر ( الورلُ ) هذا البرمائي الموسوم بالجبن في القاموس الشعبي ، و الممتلئ لحماً مدرّاً للسعد المفضي إلى عوالم الخصوبة في فضاءات النيليين المسكونة اعتقاداً في طاقته الجبّارة و مداه ذي الأفق اللامتناهي الإشباع . ( أنونق ) فتاةُ العشقِ النيلي المحض الهاربِ مخلِّفاً إرثَ التطلُّعِ إلى البوح الصُّراح ، و وارف الأحلام و الآمال (الورلية) في أرضٍ تستوعب (شتاته) و تشرُّده بين اليابسة و الماء .. تتماهى في لحنها الليموني العبق ، صادقةَ الابتسام مهديهً إياه للسابلة و ضالي الطريق، بطاقمِ اللُّجين الأسناني اللّبِن .. مُحبةٌ للحياة في ابتدائها المشيمي الآسر .. تؤمن بأن الجدة ( نادينق ) تتقمصها برويةٍ حتي أقصى بليدِ التَّصرُّفِ فيها آن يشاغب ذروةَ الإشراقِ فيها نغم ٌ من (ربابة) السفر المشع – ضياءً – على درب التواصل الحميم .. تقول و تفعل - بلا ريب أو تهارب - ما يعنُّ لها من بهرة حقيقةٍ تطرّز كاملَ الأحلام في أنثى حباها اللهُ عمقاً وطوقاً من جمال الروح قبل متاهات و دهاليز الجسد الفناء .. طينيةٌ الملامح و الصفات .. لا أرضَ تستوعب أحلامَها العذراء و لا سماء .. حتى (الكجور) صار يذكرها في جلساته الحميمة الاستشرافية الأودية و الأصقاع .. لها بُعدُ التفاؤلِ و انطفاءاتُ الرؤى البليدة ، و السلام .. تحمل (جرّتها) يومياً و تهاجر نحو الحياة و سخبها النيلي .. نعم تهاجر كعادة قريناتها – دوماً – ينزلقن في محبّةٍ إلى النهر و عوالمه السخية الواعدة بالانطلاق إلى مواطنِ مزامير الزمن اليحنِّ إلى حداء الأسئلة ، و الولود بالاستجابات الغارقة في اللا متناهي ، و المغيّب ، و المسكوت عنه ، و المخبأ بين صُديفاتٍ زرقٍ / بِيضٍ تمنح النيلَ معنى أن يرشق الضفافَ بالأمل الغياب .. نعم يتدحرجن إلي ضفاف إمبراطور الأنهار ، و هو سادرٌ في انحداره التاريخي تجاه الريح بكل ما يستطيع من دفقٍ شديد البوح ، كاملَ القناعة في التواصل (المُؤنَّسَنِ و المُحيوَنِ و المُنبَّتِ) ، كاشفاتٍ عن معانٍ تسكن الماضي ، و الحاضر ، و ما ستأتي به الصباحات جميعها . في إحدى تلكم الصباحات الندية من بدايات أبريل بعد منتصف السبعينات - و الصيف يرسل أولى زخّات السخونة - تَصادفَ أن كان على ضفة النيل الغربية "محجوب الدوش" ، هذا الفتى ( الشندي) المنداح سودانويةً تظلل البلاد و العباد ، عابرةً ديار (الريح) لتنشر أريجها في كل الأصقاع الزولية ، مركزةً عبقها على (الصعيد) . إنه معلم تلاميذ المدرسة الابتدائية ألفَ باء التعليم النظامي ، و يائيةَ الحياة ، و الذي يذكره جميع (الود دكوناب) بكل خير و احترام و محبة .. كانت – حينها – أنونق تتدحرج إلى النهر مع صويحباتها ، تملؤها النضارةُ و ألقُ الفتوةِ و بياضُ السريرةِ سحراً من رونق ظلالٍ ذات جاذبيةٍ حوائيةِ الأصل و المنبت . ساعتها التقط الدّوشُ أولى إشاراتِ التواصل الحياتي الحميم آن شاهدها و هي ترشقُ إحدى صويحباتها بالماءِ الينزِّ رشاقةً ، مذكرةً إياه بما سجَّله الشاعرُ السودانوي الضخم – مع اختلاف مفردات المكان و الزمان ، و اتساق المآلات و فضاء النصين - (الناصر قريب الله) في إحدى قصائده : " و فتاةٍ ثمَّ تجني ثمرَ السُّنطِ في انفرادِ الغزالِ .. تمنحُ الغصنَ أسفلي قدميها ، و يداها في صدرِ آخرَ عالِ .. و يظلُّ النّهدانِ في خفقانِ الموجِ ، و الكِشحُ مُفرِطاً في الهزالِ ..." وهكذا ، قادته قدماه في رحلةٍ شاعريةٍ ذات جذور مشيمية إلى النيل في هذا الصباح المفارق لتواريخ مكوثه و تماهيه في القرية الأم و أهاليها ( ود دكونه ) . حيث كلَّفه العمدةُ (أبو آسيا) بإلقاء كلمة أهل المنطقة في الاجتماع التأسيسي الأول للجمعية العمومية لأصحاب مشاريع الطيارة الزراعية المطرية ، و الذي تقرّر إقامتُه بود دكونه . ومنذ أن شرّفه أبو آسيا بهذه الكلمة نيابةً عنه و أهل المنطقة ، ظلت الكلماتُ تتقافز أمامه و تنفر في حيادٍ و تبلُّد جانحة ًإلى الصمت السكون ، كفراشات تأبى الدخول إلى (جراب) مخزونه الفصيح عربياً و زوليا .. ناداها : يا كلماتُ ، أنبُتي على دربي الأخضر الفسيح ، و انسجيني لساناً يمنطق الآني و يهدي البوارَ شعاعَ الأسئلة النبيلة.. و لكن لا مجيب سوى الصدى و... و في ذلك الصباح قرر النزولَ إلى النهر مجترّاً تواريخ ( القرايه أم دق ) حينما كان تلميذاً بمدرسة (جبل أم على الوسطى) _ جنوب شندي / شمال الجيلي _ حيث للصباح إكسيره المدرُّ للتذكُّر و صفاء الذهن ... لذا حزم نفسه نازلاً إلى النهر قبيل بزوغ شمس يوم الاجتماع ، فكانت (أنونق) ملهمةَ المؤتمرين ظلال كلماتٍ ارتجلها الدّوش ، ( فوافقَ شنٌّ طبقا ) . تقاطرت جموعُ المحظوظين بامتلاك أرضٍ مساحتُها ألف و خمسمائة فدان زراعي في مشاريع الطياره المطريه .. كان تسعون في المائة منهم و أكثر من أبناء ( الريح) أي الشمال في القاموس السليمي ، و ما تبقى كان من نصيب أولاد (الصعيد) و من انتسب إليهم ، أي الملكية و السليم و الشلك و البرقو و الزغاوه و الفور والجعليين (علياب) وبني هلبه و سائر بطون الأنصار و مَن سار سيرهم المُتعب نحو أفقِ يتسودن .. حيث لم تُفلح نداءاتُ (أبو آسيا) لسكان القرية و ما جاورها باغتناء مشروع زراعي على أرض الطياره حتى و لو في شكل جمعيةٍ تعاونية ، مذكِّراً إياهم بما حدث لأهالي (الرنك) الأصليين من دينكا (أبلانق) و (صَبحه) و (نزّي) و (رفاعه) حينما قامت المشايعُ المطرية بأرضهم ، فلم يصيبوا منها غيرَ (الفتات) .. و حتى مَن كان منهم ذا رؤيا و بُعدِ نظر ، تهاوت محاولاتُه متهالكةً بعيداً عن الاستمرار في الزراعة ، و ذلك لتمكُّن العقل (الرعوي) من بصيلات تفكيرهم ، و غياب الحسِّ الزراعي من على أمسهم ، و تعتيم يومهم بالجهل و الركون إلى متاهات التعاضد ضد تيار الحياة الدافق بالجديد. و كما جرت العادةُ ، فإنّ أهلَ الرِّيح أصحابُ حقٍّ في الأرض – كسودانيين - ، و لكنِّ الأولوية – دائماً – تكون للقاطنين بتلكم الديار ، و لكن لا حياة لمن تنادي .. حيث يضرب الجهلُ و غيابُ الوعي التاريخيُّ بأطنابه نواحي فرقان و قرى و أشباه مدن تلكم المناطق . ونتيجةَ العوزِ (الثقافي - تنويري) لم يرعوِ اللاحقون بما حاق بالأولين منهم .. و كأننا يا (عمده) لا رحنا و لا جئنا !!!. عموماً ، كان الملتقى الأول لاتحاد مزارعي الطيارة تحت ظلال ثلاثِ شُجرات من (العرديب) شمالَ مُشرعِ البنطون ، جنوبَ محطة وابورات النقل النهري بود دكونه ، حيث ذُبحت البهائمُ بتنوعها من عجول و ضأن و دجاجٍ قروي .. و تنادى شبابُ القرية بكل ألوان طيفهم من ملكية و سليم و شلك و جعليين (علياب) خادمين للضيوف .. و حانت لحظةُ التشريف و القول الفصيح ، فشنَّف آذانَهم كَلِمُ (الدّوش) مرحباً و داعياً إلى نهضة زراعية ، ثقافية ، اجتماعية ينتظرها ( الكتاكو) قبل المالكين للمشايع الزراعية و ثرواتها المتوقعة – حجراً بكف – .. و انتهى المؤتمر بتعيين أعيان الزراعة و من بينهم (أبو آسيا) قادةً للعمل الزراعي و اتحاد مزارعي الطياره ... أمّا الدوش فقد كانت له مسارب أخرى و كلمات مجنحة ارتوت بطين الأرض و انتشت بالذي يأتي . فقد رشحه (العمدة) لقيادة الاتحاد ، و لكنه رفض في شموخ (تربوي) و آثر العيش (مؤدباً) و مرشداً لعموم (الكتاكو) و مَن ينتجون مِن بذرٍ إنساني . و حتى فكرة حيازة مشروع مطري نواحي الطياره ، رفضها الدوش متفرغاً لمشاريعه المنتمية إلى تواريخ مهنة الأنبياء في إقتناعٍ راسخ ركوزَ النيل في رحلته السرمديه . انتهت مراسيمُ تدشين أوَّلِ اجتماع عمومي لمالكي المشاريع المطرية نواحي الطيارة ، و لم تنتهِ – بدورها- أحلامُ الفتى الدّوش .. فقد ترسّخت عنده فكرة الانتماء إلى (القريض الجنّه ) ، أي ود دكونه .. وقبل بداية موسم الزرع ، أوائل الرّشاش ، حزم أمرَه و اندلق نحو ديوان العمدة ، معلناً أمامه الانتسابَ إلى مشروع إنسانوي زولي يهدي البلاد و العباد قيمةَ التمازج و التعارف الحق .. حيث طلب المشورةَ و السماحَ في تزويجه ب (أنونق) ملهمةِ الجمعِ المُستضاف كُليمات ٍتنزُّ حضورا.. قارَعهُ العمدةُ حجةً بحجه ، و دعاه إلى التفكير برويه .. و لكنَّ الذي حدث هو الإصرارُ على ما استوطن مستقراً في كروموسومات أفق الدُّوش من انتسابٍ إلى تواريخ النهر و مَن ينتمي إليه سودانوياً .. و كانت آخرُ الأوراق ( الواقعية / الواعية ) لدى أبي آسيا هي السؤال الغارق في وحل الاجتماع السوداني و الذي يبحث عن إجابه : " هل شاورتَ أهلك يا دوش " ؟ ، و كانت إجابته ، نعم .. بعثت إليهم بالخبر ، و لم يصلني منهم أيَّ رد حتى الآن .. و مهما يكن فأنا عازمٌ على المضي قدماً في هذا المشروع الحياتي (المُدوّش) .. و ها أنا ذا أرجوك بأن تقوم بدور الأب و المستشار .. حينها اسقط في يد العمدة ، فنادى على الأعيان ، و تمَّت مشورةُ أنونق ، فكان ما رغب فيه الدوشُ و باركته أنونق و أهلها .. القرية دبّ فيها الروحُ و الفرحُ السخي بعد زفِّ النهر الجنوبي إلى عديله ابن الشمال ، حيث مازالت أصداءُ (الدلاليك) تغازل بُرعمَ الموجِ الجديد ، و رقصة (الفنجفانج) السليمية تدوي مكسرةً و مقسمةً لأمواج سطح النيل و الدنيا رشاش ، و (عطرابة) أرجل الراقصين على إيقاع (نقارة) الشلك المدرّة للتواريخ الندية تنسج الأحلامَ في درب الصبايا ، و تهديهم الأمل اليجيء . و لكن ، و على نحوٍ مضطردٍ كما عودتنا (الزولية) في بعض بوارها التاريخي ، هبط – فجأةً – على القرية – و الناس نيام – أخو الدّوش ، حالاًّ ضيفاً على العمده ، سائلاً عن بيت أخيه في إحدى مساءات الدّرت ، بعد ثلاثة أشهرٍ و أربعةِ أيام من الاقتران ( الدوش - أنونقي) .. فاستمهله أبو آسيا حتى الصباح .. و بُعيدَ صلاة الفجر كان الضيف يلم أخاه حاقباً إيّاه في (بص) حاج محمد المتجه نواحي كوستي ثم الخرطوم و شماليها .. حيث كانت الحجة هي (مرض أم الدوش) و سؤالها الملح عنه .. طالت غيبة الدوش ، و أهل القرية في تضرُّع للخالق بأن يهبها السلامة و الشفاء .. أما أنونق ، فصارت صلواتها تتكاثف ناظمةً يومها و لياليها .. حتى أنها فكرت في استخارة الكجور .. و لكنها تراجعت مستغفرةً ربّها ، سالكةً درب زوجها العقائدي في إخلاصٍ خرافي .. حيث علّمها الفاتحة ، و آيةَ الكرسي ، و بعضَ آياتٍ من سورة الكهف كان يتلوها في الجُمعاتِ جميعها. و صارت تعي الفرق بين (القاف) و (الغين) ، حيث كانت تردّد في محاكاةٍ بهيه / مفرحة / مضحكة ما ينطق به الدوش ( معلمها أس الهجاء و DNA الحياه ) ابن نيلها المشحونُ حياةً سودانوية .. و ظلّت تردد الكلمات واعيةً بمعانيها، تاليةً لها بلكنةٍ شلكيةٍ كان يحبها الدّوش و يطرب لها بعنف .. شهرٌ يمرُّ و خلفه دهرٌ من الذكرى الحميمه ، و أنونق تنتظر فتاها المخطوف على أسنةِ رماح الاجتماع .. حتى إذا الوقت قارب عامهما الزواجي الأول .. عندها ناداها العمدة مفسراً لها غياب الدوش ، و رسالته النّازة بوحاً بالذي تخافه النيليات .. معلناً أمامها الطلاق .. لم تبكِ أنونق ، و لكنها (داخت) و عندما أفاقت ، كان (جار مويه) هو الخطيب المُرتجِي بسمةً من ثغرها البسّام .. فوافقت .. و اندلقَ الحلمُ يجري في عروق القرية بنيناً وبنات مهدياً إياهم برعم الانتماء إلى هذا الإنسان المسودنِ زولنةً أعمق و أندى مِن زُهيراتٍ صارَ يسكنها الخرابُ و بوارُ الأسئلةِ الحلال !! ... أمّا (الدّوش) ، فقد تناقل الناس أخباراً عنه – معظمها – تصبُّ في نهر المظان و الاحتمال .. فمنهم من قال بأنه كان مكتوباً بسحر الكجور ، و مأسوراً بظلال الطفشِ الجنوبي .. و بعضهم جنح إلى أنّ أمه منحته حق الاختيار بين رضاها و الزواج من أنونق – فتاةِ النهر الصعيدي الأنقى - فاختار رضى الوالده .. و آخرون بثّوا خبراً يقول بأنه ترك مهنة التدريس و صار إماماً لأحد مساجد ضواحي (السافل) .. أما زميله و رفيق دربه الأستاذ (ميرغني) فقد كان دائم الصمت ، قليل الخوض في تفاصيل الدوش ، و لكنه كان دائماً ما يردد في خلوته ، أو حتى – أحياناً – أمام ضيوف العمدة في ديوانه العامر بالناس ليل نهار، بيتَ شعرٍ ينسبه إلى الدّوش في غيابه القهري المنتسب إلى ( تابوه) الاجتماع الزولي ، قائلاً : النّاسُ تعشقُ مَن خالٌ بوجنتِه .. فكيفِ بي و حبيبي كلُّهُ خالُ ... ؟ . ( للتوضيح فقط : فإنَّ " الخال " يعني الشامة أو البقعة السوداء على الخد ، كنايةً عن الجمال ) .
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ليتَ " فبراير " يكون رحيماً بالشلك ( أولاد المك ) !!! (Re: منوت)
|
Quote: 1. العائلة جول Gol وتسكن كل عائلة في كوخ. 2. جال دونق هو الشيخ الذى يقود هذه العائلة. 3. باج Pacقرية صغيره تتكون من الأكواخ وتسكنها أسرة ممتدة ذات نسب واحد 4. جال دونق باج هو الشيخ الذي يرأس القرية . 5. المستوطنة بود وتتكون من مجموعة من القري الصغيرة. 6. جانق بود رئيس المستوطنة. 7. كل مجموعة من المستوطنات تتحد مع بعضها في وسائل العيش والدوافع والشفاء والطقوس. 8. هذه المستوطنات تكون في النهاية قسمين كبيرين هما الشمالي والقسم الجنوبي…أما القسمان الدينيان الكبيران فهما جول دينانج وجول نيكانج |
بوست رائع وثري يا دكتور كانت الاستفادة منه عظيمة والحمد لله مزيد من التوثيق الدقيق معزتي
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ليتَ " فبراير " يكون رحيماً بالشلك ( أولاد المك ) !!! (Re: منوت)
|
مهند مامون ، تشكر على المرور والتعليق ، و ننتظر المداخلات !
و ها نحن نرفد هذا البوست بما يفيد و ينوّر !! و ...
هاكَ الآتي : " و حين يغطي العشب ذكرياتنا .. و تشهق المأساة في البيوت .. بأي سيف أقهر الطغيان ؟ قال بيدبا : بسيف الضعفاء كلهم .. بأي نارٍ أحرق الأكفان ؟ قال بيدبا : بنار فقرهم و ذلّهم .. بأي شيء أصنع الإنسان ؟ قال بيدبا : تصنعه إذا سقطت واقفاً من أجلهم " .
( الشاعر محمد الفيتوري ) . الأرض تأخذ دورتها المحتومة حول نفسها و الآخرين ، و السماء تمطر ما سطّر على جباه الخلق – قدراً – منذ أن كانت البسمة و الحسرة نطفةً في رحم الودار، و الأيام لا يغيب عن ذاكرتها تقاطع الأحلام و واقع بني البشر المستسلمين - في حياد- عابرٍ لتقلّب النهارات و الليالي . و لكنَّ الإنسان " الحق " ما يزال يقوى متماسكاً -على نحو مطّرد- بما يواجه من محنٍ و انشطارات. هكذا تترى التداعيات .. و تنسلّ من أطر الذاكرة منفلتةً عن بوادر أمسنا الهارب .. إلى الآتي يا ترى ؟ أم إلى مآلات الغياب ؟ . و القرية تتمدد زولياً على جسد التصاهر ، و الناس تلهج ألسنتها - شكراً و حمداً - يعمّر دواخلها بأريج التواصل الإنساني الأسمي ، و التراب ينبت بذوراً هي الأقوى و الألمع في تواريخ التماهي المنتج خيراً لبني آدم المسكونين بالعقل و العاطفة و الاجتماع ، اقترن (خلف الله) ابن عم الحاج عطا المنان من أهالي العلياب (زوجاً) بآمنه (أم سيل) سليلة الملكية ، في عرس نحرت فيه الخراف و قبلها العجول و رطّبت الأنفس برياحين أذكار (المراغنة) ، متشبعةً بترانيم الختمية في (المولد) .. " مرحباً بالمصطفى يامثلا.. مثلا يا مثلا ..يا مثلا .. " . فأنجبا (قرشي) و (السّر) ليعلنا أن ما بين الناس أقوى من التجارة ، و الشطارة ، و الهروب إلى قمم جبال الثلج - و شمس الحقيقة في أوج توهجها اللاذع - ، و أرقى من كاذب الخيال المطعّم بالعنصر الفاني و الجهوية المدمّرة للواقع و قادم الأيام ، و أن الصباح لا يتخولق نهاراً إلاّ بالمساء ، كما أن الشمال لا يظل شمالاً إلا بالجنوب ، و الحق لا يعرف إلاّ بمغايرته للباطل. كبر قرشي و تزامل في دخول المدرسة الأولية مع (ميرغني) الأخ الأصغر لعمدة القرية (أبو آسيا) ، كأول طالبين للعلم – من القرية - يتعلمان بمدرسة الرنك الأولية عام 1962 ، و ذلك لأن ود دكونه – آنئذ - لم تكن بها مدرسة أو أي مؤسسة تعليمية سوى (خلوة) الفور الكنجاره هؤلاء الملكية أقرباء العمده .. و قد تزامن دخولهما المدرسة مع ميلاد ابن (أبو آسيا) من أم تنحدر من السليم ، في زيجة ظللتها غيوم (الأفروعربية) ، و دثرتها سحابات الغابة و الصحراء الهاطلة على تراب أهل السودان غالبهم، واهبةً إياهم عبير التفرّد و بشارات الهوية و مآلات الحلم الرائد الذي لا يكذب أهله .. فكان زواجهما فاتحة خير ذات سابقة تاريخية لمصاهرةٍ (عكسية) ، حيث الأم من (عرب) السليم و الأب ذو أصل يرجع إلى الفور .. و هكذا كان عرساً أفضى إلى زيجات لاحقة تقتفي أثره ، و تنعته بالريادة. بعد عامين من الدرس بالأولية ، قامت ثورة أكتوبر ، حيث أغلقت المدرسة المبنية من (رواكيب) القش و الحصير نسبةً للحريق الذي شبّ فيها نتيجة إضراب و عصيان الطلاب ، مناصرين الهمّ القومي بإزاحة (الفريق عبود) عام 1964، آملين في إفشاء الديمقراطية التي تمهر الأرض و الأنفس بالتماسك و العطاء و المسؤولية الجماعية ، باذرةً انتماء النيل لضفتيه ، و انفتاح المدى الإنساني على مصراعيه ، أو سريان الروح على جسد الوطن. و قد كانت النتيجة – للأسف- طرد سبعة طلاب و فصلهم – نهائياً- من المدرسة ، و كان من بينهم قرشي و ميرغني ... و هكذا عاد الرائدان (الأكتوبريان) إلى القرية ، لا يشغلهما سوى توطين الثورة (ود دكونياً) ، فبدءا تنوير الشباب قبل الشيوخ ، فاتحين أمامهم مغاليق التمدن .. مؤسسين فريقي كرة القدم ؛ المريخ بقيادة (ماجد) و الذي هو ميرغني ، و الهلال بريادة (جكسا) و ما هو سوى قرشي ، مؤمنين بأنّ (العقل السليم في الجسم السليم) . و مقسّمين للشباب الملكي و السليمي و العليابي و الشلكي بالقرية على الفريقين .. و على الصعيد التعليمي ، بدءا فتح فصول لمحو الأمية لشيوخ و شباب القرية – مرتين – أسبوعياً على ظلال شجرة (النيم) أمام ديوان العمده .. أما النساء فلهنّ الله عوناً ، و (راتب) الإمام المهدي حفظاً ، و أذكار (مولد) المراغنة قراءةً في موسم مولد المصطفى عليه الصلاة و السلام ، أو ترديد مقولة ( الصلا صلاتك .. و الوطا وطاتك .. نقوم و نقع على انجلاتك .. ) ، فهي قصة تروى – شعبياً - عن امرأة عابده ، وضعت (فروتها) على ضفاف النيل ، و صارت تصلي و تتمتم بكلمات هي أبعد ما تكون عن الفاتحه و سور الذكر الحكيم .. راكعةً و ساجدةً ما شاء ت لها طاقتها .. فرآها شيخ عالم بأمور الدين ، منتقداً صلاتها وشارحاً لها الصحيح من العباده , فلم تكلّمه بل ردّت عليه بوضع (فروتها) على الماء فتحركت بسرعة مهولة عابرةً النيل شرقاً و غربا .. و عند عودتها .. قال لها العالم : صلي صلاتك ، و الله وليّك .. هذه القصة ذات الطابع – اللامعقول – كانت تنسج حبالها على مخيّلات بعض نساء القرية – آنذاك- ، و مؤخراً نمي إلى علمي انتشارها بين جماعات لا محدودة العدد و الأصقاع من بني السودان الحالي. و الراجح أنها بعض ظلال صوفية تنتظم ديار المليون ميل مربّع ، هذا المدى الصوفي المترع بالتسامح و العفوية الموغلة هروباً إلى أودية البساطة و الدروشة في نقائها المشيمي ، و قوتها النورانية الناظمة لخيط المطلق و الواقع. في عام 1966 و نسائم الديمقراطية الثانية تلف البلاد و العباد بملاءة الإيراق والفعل السديد ، أسست مدرسة ود دكونه الأولية كخامس مؤسسة تعليمية رسمية جنوب كوستي - شمال كاكا التجاربة. حيث قام المواطنون _ بدعم معنوي من ميرغني و قرشي _ بالتباري في إدخال أولادهم و بناتهم المدرسة المختلطة ، و ذلك برعاية أبوية هائلة العطاء من العمدة (أبو آسيا) و الذي تبرع بتوفير الطوب الأحمر من (كمينته) ، لبناء الفصول الأربعة فصلاً تلو الآخر سنويا ، و كذلك مسكن ناظر المدرسة و (ميز) المعلمين. و القرية تجهز نفسها للاحتفال بتخريج أول دفعة من مدرستها الأولية ، وقعت أحداث 25 مايو معلنةً ثورةً على البلاد ، مست القرية في أخص مواردها (المعاشية) ، حيث تم تأميم المشاريع الزراعية و منها- بالطبع - مشروع ود دكونه الزراعي ، لتتولى "مؤسسة النيل الأبيض الزراعية" مقاليد الأمور في إدارة العمليات الزراعية . و نسبة لندرة المتعلمين من أبناء القرية ، فقد تم تعيين (قرشي) محاسباً بالمشروع ، و صار (ميرغني) وكيلاً لمكتب البريد (البوسته) . حافلات أو ( بصات ) حاج محمد – من أهالي الجزيره أبا – كانت الخيط الحيوي الواصل للقرية بمدينة كوستي .. حيث يتحرك البص بعد العاشرة صباحاً من كوستي ، ماراً على قرى جنوب النيل الأبيض ليصل ود دكونه قبيل المغرب ، حاملاً البشر و بعض خفيف البضائع ، و كل أدوات (الثقافة) – آنذاك – من صحف هي : الأيام و الصحافه و مجلات هنا أم درمان و الهلال و آخر ساعه ، لقرشي و ميرغني .. حيث كانت لهما مدارسات و مداخلات تثاقفية تتابع ما يجري في الوطن و خارجه في مصر و الشام و حتي جنوب شرق آسيا - فيتنام - و بلاد اليانكي غرباً .. و طبيعي جداً أن تجد أفراد سبع عشرة أسرةً – من الرجال – يتحلقون حول الراديو (الترانسيستر) ، و الذي منح هدية للعمدة مع (جاموسة لبون) من قبل إدارة المشروع نتيجة فوزه بالدرجة الأولى في منافسات جودة و نظافة و كثرة إنتاجه للقطن طويل التيلة .المذياع يعلن: السادسة و النصف صباحاً في أم درمان إذاعة جمهورية السودان .. إلى حضراتكم نشرة أنبائنا الأولى ، و هذه مقدمتها ... و يظل الجميع منصتين لما يبث من أخبار عبر صوت المذيع الندي في كل صباحٍ ود دكوني .. و هم يتناولون شاي الصباح باللقيمات الطازجة .. بعدها يدور نقاش – خفيف – و تترى التساؤلات على ميرغني و هو يجيب بمهارة العارف ببواطن الأمور و لغة الإعلام .. فينتشر الجميع ناهضين إلى موارد رزقهم و التي تغلب عليها الزراعة . في إحدى صباحات الدرت ، و ديوان العمدة تشع متهللةً منه وجوه الرجال ، الشاربين لشاى الصباح ، أعلنت المذيعة في أولى نشرات هنا أمدرمان ، أنه قد تم توقيع ميثاق التكامل بين مصر و السودان .. فانهالت الأسئلة على ميرغني ليشرح ما معنى التكامل .. و لأنه قد قرأ الأسبوع الماضي في بعض الصحف السودانية و مجلة – آخر ساعه – المصرية عن التفاصيل ، صار يقرّب المسافة ما بين الرسمي و الشعبي ، ذاكراً أن التكامل يعني تداخل و تصاهر البشر على وادي النيل .. و أن السودان واعد بخير وفير يغطي مصر ، و يسيل على كامل صحاري العرب وأدغال أفريقيا و سهول المعمورة المغمورة بالجدب و البوار والاهمال. بعد أشهر أربعة من سماع خبر التكامل ، زحفت على القرية آلات ذات هدير مرعب خرجت له القرية – عن بكرة أبيها – مستكشفةً ما يلفها من أصوات كانت لحافرات (الكرّاكات) ، فقد أخذت طريقها إلى موقع (وابور) رفع المياه ، منظفةً (الترعة الضنبيه) من الأعشاب النيلية و بعض الطمي اللذين يعيقان عملية سحب المياه من النهر لتنحدر راوية (الحواشات) أوان الزراعة في يوليو من كل عام. لاحظ الجميع وجود رجلين يعملان بهمة و نشاط ، و يحكيان لهجة هي أقرب إلى أهالي حلفا .. إنهما (سند) و (عكاشه) ، هذان المصريان من أهل الصعيد قدما إلى القرية عاملين في مؤسسة الحفريات الزراعية ، شاهدين على تطبيق مشروع التكامل السوداني المصري . و بعد انتهاء عمليات النظافة و (تسليك) الترعة الرئيسية ، آثر سند و عكاشة الإقامة بالقرية .. فمنح كل منهما (حواشة) يزرع فيها القطن و ما يطيب له من خضروات .. و ما أن بدأ الموسم الزراعي حتى انتظم كلاهما في عمل دؤوب – صباح مساء – و اندلقت على القرية خيرات بذرهما من طماطم و خيار و ملوخية و فجل و جرجير و بطاطس ، و بنجر ، كما أدخلا زراعة بذور(المسمس) و البصل الأخضر .. و هلمجرا . و بقدوم موسم الدرت ، حلت جماعات (لقاط) القطن من الكواهله – كالعاده – و لأن سند قد توطدت علاقته بالعمده أكثر من زميله ، فقد فاتحه في صباح ود دكوني بعد ارتشاف شاي الصباح باللقيمات الطازجة ، بأنه ينوي الزواج من (بخيته) تلكم المرأة (الكاهلية) ذات الحضور الجمالي الباهر ، فوعده العمدة بمشاورة أهلها .. فكان لسند ما يريد ، و كذلك زوج عكاشه بفاطمة سليلة الشلك و التي كان اسمها (الشلكي) سابقاً (اشول) . تمازجت الأفراح و الزمان درت ، و تبارت القبائل في الإعلان عن فرحتها .. فهنا (نقارة) تقرع ، و هناك أيادٍ تصفق في إيقاع منتظم تصحبها حناجر تخرج أنغاماً و غناءً حلوا .. فقد كانت القرية تنام و تصحو على غامر السعادة بزيجات كثر ، أميزها حضوراً ، زواجا سند و عكاشه . وهكذا كانت القرية – في سبعينات القرن المنصرم - مترعةً بكل ما يسعد و يبهج الأرض و الزرع و البشر ، إلى أن حلت الطامة – أواسط الثمانينات – لتصيب الأرواح قبل الديار بالشتات المفجّر (لقربة) الحزن الدمار ، حيث غطى الحزن ذكرياتنا ، و شهقت المأساة في البيوت .
___________
و لإن تداخلتم ، لَزدناكم أكواباً تعين على سبر دروب اللومنة !!!
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ليتَ " فبراير " يكون رحيماً بالشلك ( أولاد المك ) !!! (Re: منوت)
|
بنتَ عمي ، الحميمة ، الحنينة ، الهميمة ، رجاء العباسي ..
ليتنا نقرأ !
و هاكِ ، و الآخرين المتابعين ، ما يلي :
"سُئِل أبو يزيد البسطامي : ما الذي أخرجك عن وطنك ؟ قال : طلبُ الحق . فقِيل له: إنّ الذي تبحث عنه تركته وراءك ببسطام . فتنبّه أبو يزيد ، و لزم الخدمة ببسطام .. حتى فتح له ". محي الدين بن عربي (الفتوحات المكّية) " كل ما تباعد بينا عوارض .. ألقى هواك يا طيبه مكنّي ..." (الراحل المقيم مصطفى )
لم تزل الذاكرة تنضح بملايين الحكايات و الحوادث الممهورة بدم الشوق الحار و النازف على جرحٍ نسميه الأم ، و الأرض ، و الحياة ، أو فلنقل وطن . وما التواريخ السالكة إلى دربٍ يفضي إلى البوح الصراح ، سوى أيامٍ و ليالٍ مثقلة بالذكريات الطّرية ، و عوالم ما كنا نتصور امتطاءها للرؤى المنامية في زمن (الغربة و الارتحال) ، إنها الحلم و الزرع و الولد (الملاذ) و الآتي على (سنارة) السمك المسودن و المدوزن على تيار بحار غربتنا اللّزج. نهاية الحرب الكورية في عام 1953 , والتي قدّر فيها عدد الضحايا من الجيش الأمريكي بحوالي 56 ألف عسكري، صارت تاريخاً لميلاد قرية تقع جنوب غرب مدينة (الرنك) بحوالي أربعين ميلاً . حيث كان _ وقتها _ الذهب الأبيض مطلوباً - عالمياً – ، و السودان في بؤرة الاهتمام الدولي بسبب اتساع و خصوبة أراضيه الملبية لرغبات السوق العالمي من ذهب أبيض مجازاً ، و في الحقيقة (قطن) . و للعلم فقط ، فقد وضعت بيوتات الخبرة العالمية الموثوقة علمياً ، (السودان) - في سبعينات الألفية المنصرمة- ثالثاً على الدول المزودة للعالم أجمع بالغذاء : و أولها بلاد تلاقح أحفاد السجناء و (الأبورجينيس) (أستراليا) ، و ثانيها موطن الجليد (الحار) و تمازج الأنجلو ساكسون و الفرانكفون (كندا) ، و ثالثها ديار (الزولية) أحفاد رماة الحدق المغنين بلسان ، و المصلين بلسان آخر ، هؤلاء (السودان) . و الآن و نحن نعايش بدايات أحداث و واقع الألفية الثالثة، يحق لنا التساؤل : أين نحن من سلتي الغذاء العالمي (كندا و أستراليا) ؟ اقتصادياً و تمدّناً و ... ، و ... ، و ...، و ... , وأين نحن .. ؟ حقيقةً ، أين نحن.. ؟ و نحن أين ...؟ و .. دع عنك لومي ، فإنّ اللّوم إغراء ... و داوني بتلكم المشاريع الزراعية (الأهلية) التي كان يملكها مواطنون تجّار أغرتهم الندرة ، و شجعهم الطلب العالمي المتزايد على القطن ، فانتشروا على أراضي النيل الأبيض جنوب كوستي - شرقاً و غرباً- ، فكان مشروع (ود دكونه) الزراعي من نصيب حاج بدوي فضل المولى ، من أهالي العلياب شرق -شمال شندي ، جنوب عطبره-. وعلاقة العلياب بجنوب كوستي و شمال ملكال ضاربة القدم ، قبل وصول الحاج عطا المنان (أبو البنات) إلى (المطيمر) غرب جبل أحمد أغا - أحد مراكز الري المصري لقياس إيرادات النيل - ، و الذي يقع على بعد خمسين ميلاً شمال شرق كاكا التجارية . حيث استطاع الحاج عطا المنان أن يقيم تجارته الرابحة على ضفاف النيل ، مستفيداً من مدخلات و مخرجات كاكا التجارية (جنوبه) و الموانئ النهرية التي تمر بها بواخر نيلية محمّلة بالخير الوفير ، مستهلةً رحلتها من (الأسكله) ببحري ، مارةً بكوستي ، و الجبلين ، و القيقر ، و الرنك، و جلهاك ، و جبل أحمد أغا ، ثم ملوط ، و ملكال ، منتهيةً بعد أسبوعين إلى جوبا -حاضرة و عروس الجنوب -. نجح الحاج في إغراء بعض أبناء العلياب (الطموحين) بالهجرة جنوباً ، خاصةً و أن المنطقة تعد بمستقبل تجاري (مهول) . و قد كان حاج بدوي في مقدمة أولئك المستجيبين للدعوة المعمرة لأرضٍ طال انتظارها شوقاً للبذر و الزرع و العطاء. فكان مشروع ود دكونه الزراعي أحد ثمرات هذا الحلم (العليابي) المشروع إنسانياً. حدّثني الوالد (عليه الرحمة) بأنه كان يعمل في التجارة مع الحاج عطا المنان ، و عندما اقترح حاج بدوي إنشاء مشروع زراعي بود دكونه ، شجعه الوالد ، و بدءا تأسيس القرية و التي أطلقا عليها اسم (القريض) نسبةً إلى تكاثر شجيرات (القرض) بتلك النواحي ، و فيما بعد صارت ود دكونه ، مسماةً على أحد شيوخ قبيلة الشلك صاحبة الأرض. نهض المشروع الزراعي و استقام عوده على تركيبة اجتماعية ، و لوحة سودانوية تماوجت ألوانها مطرزةً بالعلياب ، و الملكية ، و السليم و الشلك . و الملكية تاريخًا، هم من مسلمي الجنوب المنحدرين من أصول تمت بصلة إلى قبائل غرب السودان و خاصةً (الفور) ، الذين هاجر آباؤهم أو أجدادهم إلى (البحر) نواحي طيبه و أرض الشفا بالجزيرة أبا ، مناصرين للإمام المهدي . و قد نزحوا جنوباً بعد واقعة (أم دبيكرات) و التي استشهد فيها عبد الله التعايشي خليفة الإمام المهدي. و هكذا صار للملكية (بطون) تنتسب إليها نتيجة تزاوج المسلمين ببعض قبائل الجنوب، حيث يعتبر الفرد (ملكياً) حال انحداره من أم جنوبية و أب شمالي ، أو العكس . و الثابت هو انتماؤهم إلى الإسلام ديناً ، و الجنوب داراً و موطناً تسكنه أحلامهم المشتولة بالتسامح و الانصهار ، و تطرزه طموحاتهم و أشواقهم التاريخية الملحة في ثبات ، بأن ينتظم السلام كامل ديار هؤلاء السودان. خلال سنوات أقل من أصابع اليد الواحدة ، استطاع كافة مواطني ود دكونه التحول إلى إتقان الزراعة و خاصةً زراعة القطن ، إذ إن غالبية المزارعين ينحدرون من قبائل (رعوية) لا تعرف من الزراعة سوى منتجاتها من ذرة و دخن و عنكوليب و عيش ريف و ما إلى ذلك.. و هي جميعها تنتمي إلى الزراعة المطرية. ولكنّ تجربتهم في المشروع قد أكسبتهم مهارة مزارعي المشاريع المرويّة بمياه النيل ، و الفضل يرجع إلى (العلياب) الذين وفدوا بأسرهم إلى ود دكونه ، من ديار الجعليين الواقعة بين عطبره و شندي ، حيث تقوم الحياة هناك على الزراعة المروية (بالشواديف) منذ أن شق النيل طريقه بين ديارهم ، مورثاً إياهم مجداً حضارياً، و سابقةً مدنية ما زالت تظلل الحاضر و ربما المستقبل. ليواصل النيل انحداره حاملاً بين قطراته إكسير الحياة ، متجهاً شمالاً ، صاباً في البحر المتوسط ، منعشاً حضارات سادت ثم بادت ، و مازالت تعتمد عليه كمقوم أساسي في حياتها لا تساوم في نقصانه قطرةً واحدةً ، دعك من إقامة مشاريع مروية أو (خزانات) على ضفافه الجنوبية.. و ما تجربة التهجير لأهالي حلفا ، و إقامة السد العالي و بحيرة النوبه ، ببعيدة عن الأذهان .. وها هو موقف شمال الوادي من اتفاق (مشاكوس) الأخير يصب في بؤرة التخوّف التاريخي ، ويقوم دليلاً على القيمة (الخرافية) لهذا النيل واهب الناس عنصر الحياة المشيمي. عوداً إلى (القريض) ، و زراعة الذهب المسمى (أبيض) ، نشأت مشاريع زراعية مروية شمال و جنوب ود دكونه ، حيث نبت مشروع (المامور) جنوب القرية ضاماً بين أجنحته قبائل السليم و الشلك و الفور ، و مشروع (البشاره) شماليها، و الذي تظلله (الأنصارية) الملتزمة بتعاليم الإمام المهدي ، مشرعةً أرديتها المطرزة (بالراتب) و سلوكيات من انتمى إلى الفكرة ليجعلها عقيده ، عاجاً بقبائل ؛ بني هلبه ، و برقو ، و المساليت ، و الزغاوه ، و الأحامده ، و أولاد أم كسبه المنحدرين من بطون دار محارب ، و المنتميين إلى السليم. و كانت علاقات الأرض بين المالك و المزارع تجنح إلى القسمة العادلة للإنتاج ، منتظمةً كل المشاريع المروية على ضفاف النيل الأبيض -شرقاً و غرباً- ، حتى أننا سمعنا و قرأنا بأن أهالي منطقة جوده -جنوب الجبلين ، شمال القيقر- على الضفة الشرقية للنيل الأبيض ، قد فاض رزقهم (القطني) و اشترى بعضهم (ثلاجات) صارت خزانات للملابس و (المراكيب)، بدلاً عن التبريد و الأطعمة، و ذلك لانعدام التيار الكهربائي بالمنطقة آنذاك ، كما ذكر الأخ الدبلوماسي -ابن جوده و الجبلين- سليل دار محارب د. علي حمد إبراهيم في روايتيه الرائعتين الممهدتين لشجيرات السلام، و المعنونتين ب (الذين دقّوا الأبواب) ، و (عشرون دستةً من البشر). جنيُ القطن و قطافه في وقت (الدّرت) ، نهايات الخريف ، يحيل القرية و ما حولها من مشاريع إلى عرس سودانوي ينضح بالتماوج و التمازج و التداخل بين قبائل ما كانت تقيم للآخر وزناً سوى (الضيافة) ، حيث تزداد وتيرة الفرح و تتسلق النزعات الزولية قمة الكرم و الاحتفاء آن قدوم (الكواهلة) من شرق كردفان ، نواحي (الترتر و أم بيوض ، و العباسية تقلي )، عاملين في جني القطن، مضيفين لوناً باهر الحضور على اللوحة الود دكونية. عندها تنام القرى على أنغام (المردوم ، و الدوبيت ، و الفنفانج ) المنبعثة من (رواكيب) عمال (لقيط) القطن – ليلياً- و لمدة ثلاثة أشهر هي عمر الحصاد للذهب الأبيض . الدرت هو أنسب الأوقات المفجرة للأفراح في القرية ، حيث يحصد الجميع ما بذروا منذ أربعة أشهر ، ينتظرون تفتق زهيرات الفلاح أواخر الخريف . و هاهي ود دكونه تلبس –سنوياً- ثوب أعراسها المنتمية إلى تواريخ التمازج الحر بين أناس يهربون بأحلامهم – دوماً- إلى واقع يتسودن في إلفة و كرامه. (الدلاليك) ترسل إيقاعاتها المدوية في سماء القرية ، معلنةً عن (عرس) أو (ختان) .. و (المردوم) يهز أحياء ود دكونة الثلاثة ؛ حي الملكية ، و حي العلياب ، و حي كوريا ، ترسله أصوات الكواهله ليعلو على صمت المساء.. و بينما ينام كبار القرية ، يتسربل شبابها الشلكي ، و الملكي ، و الجعلي ، والسليمي بملاءات تلفّ على شكل (اللاوو) لباس الشلك التقليدي , مهيجيين تراب القرية في الليالي المقمرة ، مشاركين في رقص (الطورو) بمساهمة جريئة من شباب الكواهلة - عمال جني القطن الموسميين- لتكتمل اللّوحة أفراحاً تلف خاصرة الجميع بزهيرات الفرح الموشى إلفةً ، و تنز واقعاً من الفتوة و الانصهار و قادم الحلم المسافر في سحابات ستمطر وعداً و تمنّي . كانت هذه بعض قطرات من بحر التداخل ، و قليل من حكايات القرى الآمنة جنوب خط عرض 12 , و وميض من مظاهر الإيراق السودانوي المفضي إلى وطن يسع الجميع ، حيث تتداخل شجيرات سلامه مهجنةً هذا المشترك ، مستشرفةً غداً أحلى و أروع ... و فجأةً و بمقدمات لم يصدقها أحد ،حلت الطامة الكبرى بالقرية و ما يرقد شمالها و جنوبها من زرع و ضرع و أنفس تتعايش في تلاقح و أمان . فكانت بدايات النصف الثاني من عام 1985 ، تنذر بتداعي و تهاوي الصرح الود دكوني .. و رياح الحرب الكريهة بدأت ترسل سمومها الحارقة للوز القطن ، و قناديل الذرة و العيش ريف ، وقبلها ، تحاول تقطيع أواصر القربى (البيقبلية) الممهورة بالتضامن وبالأخوّة الحقة بين أناس صار ألف بائهم (التسامح) ، منتظرين قادم الأيام السالكة لدربٍ سيفضي إلى فضاءات أرقى و أعمق من (الأنا). و كأن غياب (ناكوجي) الهارب نحو ديار النشأة الأولى (أتاضوي) جنوب كاكا التجارية ، و ما سبقه من تماهٍ تاريخي (لناكوجا) هو اللعنة التي أصابت الأرواح قبل الأرض بهذا الشتات و التصدع .
___________
و نظلّ على وعدنا بالمزيد ، المفيد ، الثريِّ ، المنير ! فهل من متداخل " ناقش " يثري ما نحن بصدده ؟
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ليتَ " فبراير " يكون رحيماً بالشلك ( أولاد المك ) !!! (Re: منوت)
|
و تتواصلُ الأمنياتُ الأشهرية ( الليتهات ) الرحيمات ! و ... ليت مارسُ - أيضاً - يكون أكثرَ رأفةً بأهلنا الشلك " أولاد المك " !!
و ...
" سوف أصنعُ لي فتاةً من دمي ، كي تُقدّسني ، وتبكي عندَ موتي ، دونَ زيف ! سوف أصنعُ لي فتاةً ، من دخانِ سجائري ، لتلمَّ عن وجهي غبارَ الاغتراب ِ و كي تقيني من مكابدةِ النزيفِ . سوف أصنعُ لي حبيبةً تفهمُ الوطنَ الذي أشقى به ، و أخصُّها بالشعرِ و الحمّى ، و أُسمِّيها : نضال !!! ( إنّ هذا الاسمَ أقربُ من دمي ) ... " .
( الشاعر : الصادق الرضي ، قصيدة : علاقة الدم ) .
و ...
هذه فرضية الأصلِ الشلكي / الشلكاوي للفونج :
" ... إلا أن دعاة الفرضية الشلكاوية قد يجادلون بأن هناك جذر شلكاوى صغير لكنه قوى في رواية الفونج والذي لا تستطيع هذه النظرية الشرقية (أعالي النيل الأزرق) اعتباره. من ثم نحاول تناول هذا الاعتراض وأيضاً إعطاء بعض التفاصيل عن الشلك أنفسهم الذين، حتى وإن كانوا مجرد مغيرين، قد وجدوا لأنفسهم مكاناً في تاريخ سنار. تقوم النظرية القائلة بالأصل الشلكاوى للفونج على عدد من العناصر يأتي في مقدمتها سرد بروس الذى يكثر الاستشهاد به. ثم هناك الاعتقاد الراسخ لدى كبار السن من همج جبل قولى بأن الفونج كانوا شلكاً، بالإضافة إلى ذكر الشلك والدينكا والكيرا في أنساب يعود تاريخ واحد منها إلى القرن السادس عشر وهى أنساب تجعل هذه المجموعات الاثنية الثلاثة تشترك في أصل واحد مع الفونج. هناك أيضاً طقوس التتويج مع الكُكُر المصاحب لها وهى طقوس تحمل الكثير من السمات المميزة للطقوس الشلكاوية. ورغم أن هذه العناصر قد تبدو غير كافية فإنها تمثل أساساً يمكن الإتكاء عليه. يفترض كراوفورد أن الارتباط الشلكاوى لم يتم اشتقاقه مباشرة من منطقة الشلك في النيل الأبيض، لكن بطريقة غير مباشرة من منطقة فازوغلى والجبال الواقعة إلى الغرب منها والتي كان سكانها جزئيا من أصل شلكاوى. عندما زحف عمارة دنقس شمالاً إلى أسفل النيل الأزرق وأسس مملكته قد يكون اصطحب معه بعض تلك الارتباطات الشلكاوية، لكن الأكثر احتمالا أنه قد تم إدخالها، أو أنها اتخذت جذوراً راسخة لها، عندما أصبحت سنار مقراً دائماً لملوك الفونج. ويربط كراوفورد ذلك بقدوم دكين "من الشرق". يتوافق ذلك جيداً مع إفادة المك حسن المشار إليها سابقاً بأن دكين سمي صاحب العادة ذلك أنه هو الذى أدخل للمرة الأولى طقوس التتويج. أفلا يجوز أن تكون تلك الإفادة صحيحة طالما أن دكين هو الملك الأول الذى تم تتويجه في سنار بعد أن وصل اليها ليجعلها مقراً لحاضرته الدائمة بدلاً عن مركزها القوى النائي في لامول؟ ويتفق آركل مع هذا التفسير ويرى بأن دكين هو الأول من ملوك الفونج الذى أرسى علاقات تعاضد مع الهمج المحليين الأوصياء على الطقوس التى تبناها الفونج. هناك خلط واضح بين الفونج والهمج يمكن ملاحظته بسهولة. ينتمي ملوك الفونج إلى طبقة القادة العسكريين الحاكمة التى يرجع أفرادها إلى أصول اثنية مختلفة بعضهم، بما في ذلك الملك الثاني عبدالقادر، يحملون أسماء عربية قحة. ضمت قوات عمارة دنقس الأصلية ضباطاً عرباً وأحباشاً وبجة ونوبيين وهو مجرد افتراض ذلك أن ما نعرفه عن الجيش هو أنه مؤلف من الفونج والهمج، وبما أن الهمج هم المحليون فان المنطق يقول بأنهم شكلوا الأغلبية العددية، وأن مصطلح الفونج استخدم للدلالة على طبقة الضباط. ففي الجزيرة لازال هناك تقليد شائع يقول بأن الفونج كانوا جيشاً بلا نساء وأنهم اتخذوا نساء لهم من السكان المحليين، من هنا يبدو لنا أساس الخلط بين الفونج والهمج. بخصوص هذا الخلط يطرح كراوفورد فرضية بشأن الطبيعة المزدوجة للتحدارات الشفهية عن أصل الفونج، وتقول فرضيته بأن الروايات الخاصة بالأصل الشمالي للفونج يمكن إرجاعها إلى الطبقة الفنجية الحاكمة، في حين ترجع الروايات القائلة بالأصول الجنوبية إلى سكان منطة فازوغلى التى تم غزوها. لا شك في أن أهل فازوغلى وصلوا أصلاً من الغرب. إنهم زنوج ومن ثم لا يمكن عدهم قادمين من الشمال أو من الشرق. وفي الجنوب الشرقي تمتد أرض الحاميين الجالا، إضافة فان أسماء الأماكن تشير إلى بينة واضحة لعلاقة بالشلك. كان وسترمان في مؤلفه عن الشلك أشار إلى أن هناك العديد من أسماء الأماكن في فازوغلى تحمل البادئة فا أو با وهى بادئة تميز أسماء قرى الشلك ومن ثم يصل إلى استنتاج بأن قرى فازوغلى هي مواقع للشلك الذين وصلوا إلى هناك كمهاجرين Westermann,1912. إضافة فان هناك نوع من الازدواجية في أسماء الأماكن (مثلاً كاكا) الموجودة في كل من فازوغلى ومناطق النيل الأبيض. الاتصالات المباشرة بين مملكة سنار والشلك وجدت بالتأكيد. لا بدَّ أنه كان هناك تداخل مستمر في المراكز الحدودية الفنجية في العيس. بفترة قصيرة بعد منتصف القرن السابع عشر، على سبيل المثال قتل شخص اسمه إسماعيل عازف العود وهو من المسلمين وقتل معه أكثر من أربعين مسلماً من قبل الشلك الذين وصلت غاراتهم أحياناً أبعد إلى الشمال. وقد أعطى بيثريك، الأول من الرحالة الأوربيين الذى وصل بلاد الشلك، وصفاً لتلك الغارات ويقول بأنه " خلال فيضان النيل (الأبيض) نزلت مجموعات من عصابات الشلك في زوارقهم الخفيفة بأسفل النيل وفاجأت العيس والسكان العرب على ضفتي النهر شمالاً حتى وادي الشللاى. وكانوا جريئين بحيث أنهم في العديد من الحالات بعد أن يخفوا زوارقهم في الحشائش قاموا باستكشاف عبر البلاد حتى المناطق المجاورة لسنار...استرقوا النساء والأطفال، وغنموا القطعان والمواشي" Petherick,1861. بين كوستى وسنار فان النيلين يبعدان عن بعضهما 60 ميلاً وكانت الجزيرة أكثر عرضاً إلى الشمال والجنوب من خط العرض هذا بحيث أن المناطق المجاورة لسنار كانت عرضة لمثل تلك الغزوات. ليس هناك سجل لهذه الغزوات لكن المرء يتوقع أن يتم العثور على سجل من هذا النوع. وصف شفاينفورث زوارق الشلك التى حظي بمشاهدتها بأنها من "الطرور الموثوق بالحبال، وإنها خفيفة الوزن كالريش بحيث يستطيع المرء حمل ثلاثة منها على كتفه مع أن كل زورق منها يمكن أن يسع لثلاثة أشخاص. عندما يصل الشلكاوى إلى نهاية الرحلة فانه يقبض على زورقه كما يفعل محارب قديم مع درعه، ويحمله معه ليضمن سلامته من جانب، ولجعله يجف حيث أن الطرور يمتص الماء بسرعة ويتشبع بالرطوبة . قابلتني مجموعة بأسطول كبير من تلك الزوارق تقدر بحوالي ثلاثة ألف زورق ، وبما أن مجموعة من التجار تعرضت للهجوم في طريق عودتهم إلى الخرطوم ونهبت بضاعتهم فانه انتابني قدر من القلق ". ويضيف شفاينفورث " يمكن رؤيتهم مندفعين نحو النهر بسرعة جنونية وهم يجمعون مراكبهم بكثافة مثل النمل" Schweinfurth,1873. في عام 1911 شكلت بلاد الشلك شريطاً ضيقاً على الضفة الغربيَّة للنيل من كاكا في الشمال حتى بحيرة نو في الجنوب. ووصف بيثريك مدينة كاكا في عام 1853 بأنها مكونة من قطاطى من القش وتبعد ميلاً واحداً عن النهر وهى الأبعد شمالاً والأكثر أهمية من بين مدن الشلك والمكان الوحيد الذى سمح فيه للأجانب بالاستقرار. عن التاريخ القديم للشلك لا نعرف سوى ما يمكن استقراءه من التحدارات الشفهيَّة. يوماً ما سنعرف أكثر إذ أن ضفتي النيل الأبيض مليئة بالأكوام التلية (الدَبَّات) التى تبدو جلية في الخريطة امتداداً من الجبلين حتى ملكال تقريباً والسوباط، كما توجد في حالات إلى الداخل بعيداً عن النهر على جوانب الوديان. وتوجد دَبَّات أخرى في بحر الغزال عند ملتقى نهر بونجو مع نهر قول وإلى الشرق باتجاه نهرجور. تلك الدبات ذات شكل مستدير وذات أحجام مختلفة تبلغ أربعة ألف/ عشرين ألف متر مربع ، بارتفاع 15-40 ق.م. الفخار الذى يغطى بعض تلك الدَبَّات يختلف عن فخار الدينكا، ويفسره السكان المحليون بأنه صنع من قبل جماعة من بارجو الذين كانوا طوال القامة. عودة لإشكالية أصل الفونج نجد أن أهل فازوغلى قد جاءوا من النيل الأبيض، ويرى كراوفورد أن هناك ثلاث طرق محتملة لإنجاز ذلك الارتحال: الأول من المناطق المجاورة لملوط عبر السهل شرقاً إلى حافة مرتفعات الحبشة ومن ثم التغلغل التدريجي شمالاً عبر الكرمك وقيلي، والثاني من حدود جبل أحمد أغا عبر الكرمك ومن ثم شمالاً، والثالث من المنطقة المجاورة للرنك مروراُ بجبل قلى وتلال تابى. إن تسمية جبل احمد أغا هي ولاشك تركية متأخرة وهو ذات الجبل الذى ذكره فيرنى باسم دفافونق وهكذا عُلَّم في الخريطة. ويعتقد كل من كراوفورد وآركل بأن الاسم دفافونق لا علاقة له بتأصيل الفونج. ويسمى ليجيان هذا الجبل تيفافان ويقول أن الاسم الدينكاوى للجبل كان "كور اوير" أى جبل اوير وأن العرب أسموه جبل بربا نسبة لاسم الأطلال الباقية بجواره. الاسم أحمد أغا يرجع تاريخه تحديداً إلى العام 1860 حيث وقعت معركة بين الدينكا والمستعمرين الأتراك. يرد الاسم في خريطة مصلحة المساحة ربع المليونية باسم احمد أغا بالإضافة إلى ذكر اسم بديل هو بيبان. لمصلحة الاحتمال الثالث يمكن ذكر الاسم قوز فامى الواقع حوالي عشرين ميلاً إلى الشمال الشرقي من الرنك. كانت فام واحدة من الأماكن التى مرَّ بها الفونج في طريق هجرتهم ... " .
( إشكاليةُ أصلِ الفونج : و. ج . كراوفورد ، ترجمة د. أسامة عبد الرحمن النور ، و الراحل د. محمد عثمان علي . مجلة أركاماني " السايبرية " ، العدد الأول ، أغسطس 2001 ) .
___________
و ليتَ الأزوالَ أكثرُ رحمةً بأهلهم !!!
| |

|
|
|
|
|
|
|