|
بيريز محاوراً.../سمير عطا الله
|
Quote:
ما يحدث في العراق وفلسطين ولبنان، له عنوان واحد: ثقافة الإقصاء أو الإلغاء، وهذه نتاجها الإبادة، فمثل هذه الثقافة، أو هذا التعليم، يؤدي إلى سلوك اجتماعي واحد، هو إبادة الآخرين، وليس فقط «الآخر»، كما يتلطف المتفذلكون، والراسخون في تبرير الإبادة الجماعية.
أحيانا ـ فقط أحيانا ـ ودائماً عرضا، أو بداعي الاضطرار، أشاهد برنامجاً «حواريا» على حلبة فضائية، ولا أسمع سوى زعيقاً وصراخاً ولعنات، وقبل أيام حضرت «منتدى الدوحة» على البي بي سي، وكان ضيفه شمعون بيريز، ومناقشوه جميعاً من العرب، وذهلت أمام الهدوء الذي ساد البرنامج في حضرة شمعون بيريز، لا صراخ، لا عبطة، لا زعاقون، بل شباب وشابات منقبات، يجادلن رجل «قانا» الأولى، بكل هدوء، وكل منطق.
وانتقلت إلى محطة أخرى فوجدت عرباً «يتحاورون» بأيديهم وأرجلهم وما هو أسوأ: بألسنتهم، وكان أحدهم مغتاظاً وهائجاً إلى درجة مخيفة، وهو يبرئ جميع إيران وجميع العرب مما يحدث في العراق، ويؤكد أن جميع مفجري أهل العراق من عملاء الاحتلال، ولم يسأله أحد عن كتاب وضعته سيدة عراقية تقول فيه أن نساء بغداد لم يعدن يذهبن إلى النوم في غرف النوم، بل تعمد نساء العائلة إلى النوم في الصالونات بثيابهن الكاملة، خوفاً من أن يدخل عليهن الحرامية وهن في غير احتشام. ولم يسأله أحد إن كان عملاء الاحتلال هم الذين حولوا 3.5 ملايين عراقي إلى لاجئين في الخارج ـ عدا نازحي الداخل ـ أو إن كان عملاؤهم أيضا هم الذين شردوا أربعة ملايين آخرين أيام العهد الماضي. ولا سأله أحد، كم بقي من العراقيين في العراق وكم يتوقع أن يبقى، لماذا لم يطرح عليه السؤال؟ لأن الرجل كان يحاور كمن يبيد الناس في ساحات بغداد، كان هو وحده الحق والحقيقة والقومية والإيمان، والباقون مجرد عملاء للاحتلال.
بكلام آخر؟ بكلام آخر، يا مولاي، يجب ألا نتوقف عند هذه الظاهرة العرضية: مقتل 500 في اليوم وهجرة 50 ألفا في الشهر وفق الأرقام الدولية المؤدبة والمحافظة، فكل القضية عملاء بعملاء، عملاء يقتلون وعملاء يموتون كالذباب والمستشفيات تضيف والقبور تفيض.
والحل؟ الحل واضح وسهل: زعقة حوارية أخرى وينتهي كل شيء، ولا تفرض قواعد الحوار وآدابه ويمنع الزعيق إلا في حضور شمعون بيريز، رجل السلام والحكمة، الذي كان على يمين أولمرت في حرب لبنان، وأصبح على يسار حركة «ميرتز» في «منتدى الدوحة». حاضر الدكتور محمد أركون في معرض الكتاب في القاهرة قبل أيام، ومما قال أنه «لا أحد ينكر أن الاستعمار لعب دوراً في تأخرنا، ولكن التأخر حدث قبل مجيء الاستعمار، عندما توقفنا عن المناظرة والتعددية الفكرية، وانقطعنا عن تقليد مهم كان في الحضارة الإسلامية وهو الحوار والتعددية. وقد تعلمت ذلك من أبي حيان التوحيدي صاحب المقايسات، وغياب الحوار والتعددية، يعني أنه ليس هناك مجتمع مدني نتحدث عنه في العالم العربي». |
الشرق الأوسط الاربعـاء 19 محـرم 1428 هـ 7 فبراير 2007 العدد 10298
|
|

|
|
|
|