|
مقارنة بين حركات دارفور وأمل بقلم العتباني (الكوز)
|
--------------------------------------------------------------------------------
مقارنة بين حركات دارفور و«أمل»
إرتفاع «تيرمومتر» الشحن العرقي
قرنق قتله من استخدموه في إضعاف أواصر الوحدة
الغرب لم ولن يفي بوعوده في أوسلـــو
-------------------------------------------------------------------------------- ... لماذا ظلت الحركات المسلحة في دارفور تفتقر الى النصاب الوطني وبلا مشروع نصاب قومي؟.. وما هي اوجه الشبه بين مشروع السودان الجديد لجون قرنق ومشاريع النخب الدارفورية؟ .. وكيف تتحول دماء وآلام وبؤس اهل دارفور الى موائد خضراء وارصدة في البنوك؟.. ولماذا بدأت حركات الثورة في دارفور كحركات نضال وقتال وعنف، علماً بان كل دعوة يجب ان تبدأ بالمشروع واطره وحدوده وسقفه، وان تكون هناك مرحلة للحوار وللأخذ والرد. ولكن حركات دارفور ظهرت كحركات بندقية ومن اجل البندقية وكصناعة اعلامية بلا مقدمات وبلا مرجعية فكرية.
نعم ان لدارفور مطالب عادلة تتلخص في التنمية وتوزيع الموارد والايرادات وقسمة السلطة والثروة وهذا ما تواضع عليه الجميع، وتنادوا للحوار وتم الوصول فيه الى اتفاق سلام. ولكن لماذا تظل الحركات المسلحة ترفض الاتفاق الذي يجنب اهل دارفور البؤس والآلام وويلات الحرب.. لماذا يمنع اللاجئون والنازحون في المعسكرات داخل وخارج دارفور من العودة الطوعية الى قراهم التي هجروها، ولمصلحة من يدفع هؤلاء استحقاقات الصراع ومخاضات الآلام؟..
--------------------------------------------------------------------------------
حسناً .. لنقارن مثلا حركات دارفور بحركة «المحرومين» في لبنان التي اشترعها الامام المرحوم موسى الصدر.. حيث ان « الصدر» لم يطلق رصاصة واحدة الى ان اختفى من الساحة.. وهو قد بدأ مشروعه منذ العام 1967 وذلك بتأسيس المجلس الاسلامي الاعلى للشيعة في لبنان.. وسعى للتوافق مع المجلس الاعلى لمسلمي لبنان السنة، ثم حينما بدأ في تجميع الضعفاء والبؤساء، لم يملّكهم الرصاص والبندقية وانما ملكهم الافكار.. وتكلم عن التفاوت الطبقي في لبنان... وعن توزيع السلطة والثروة... وعن ان لبنان فيه اربعة مجتمعات.. مجتمعات متحالفة مع الامريكان واخرى متحالفة مع الفرنسيين كالموارنة وغيرهم، ولبنان السنة المتحالفة بعض مكوناته، مع الخليج العربي.. كما فيه لبنان « المحرومين».. ثم اصدر المجلات والصحف والكتب.. الى ان اختفى من الساحة في العام .1989 ولم يطلق رصاصة واحدة.. وانما اطلق بعد حركة المحرومين، حركة امل التي لا تزال قائمة وحصد كسبها السياسي رئيس مجلس النواب الحالي « نبيه بري».
وبعد أن تجاوز مشروع حركتي المحرومين وامل الاطر الموضوعية والفكرية برز حزب الله في العام 1999 - أي - بعد ثلاثين سنة من تدشين المشروع.
وهنا لم نسمع بالحركات المسلحة في دارفور ولم نسمع بقياداتها، وانما فقط وذات مرة سمعنا بالكتاب الاسود.. الذي برز وكأنه وثيقة سرية، ثم اطلت علينا الفضائيات بما حدث في مطار الفاشر وضرب الطائرات ثم تداعت ظواهر النهب والسلب التي تحدّث الناس كثيرا عنها.. فمن قائل ان هذا نتاج لعمليات اعادة البناء في القوات المسلحة وفصل العناصر الهشة والضعيفة.. وبعضهم تحدث عن صراع القبائل حول الموارد والمسارات في دارفور.. وآخرون يعزون ذلك الى تداعيات الصراع في دول الجوار حيث القبائل المشتركة.
فرق بائن
اذاً فان حركات الرفض والثورة والقتال في دارفور نشأت في محنة البؤس الاجتماعي والتهميش السياسي... ولكنها ماذا فعلت غير حرق دارفور وزيادة رقعة التهميش فيها.. عكس ما حدث في لبنان مثلاً. فالحركات التي نشأت في محيط البؤس الاجتماعي والتهميش السياسي هناك لم تحرق جنوب لبنان.. وانما نادت بالعدالة والنصاب السياسي والاستواء الاجتماعي.
ومع ذلك لم تحارب لبنان وانما حاربت اسرائيل ودخلت على نادي الشرعية السياسية والنادي السياسي من خلال رفض الوصاية الاجنبية والهيمنة الصهيونية ولا تزال قلوبهم على الدولة اللبنانية.
وللأسف الشديد فان حركات العنف المسلح في دارفور دخلت على النادي السياسي السوداني من خلال مناداتها للوصاية الاجنبية، ومن خلال امريكا وبريطانيا وفرنسا ومن خلال اسرائيل.
وكذلك فاننا نلاحظ فرقاً بائناً مع ما يتصل بدعاة السودان الجديد ونهجه ونصابه وحركات تحرير دارفور... فالحركة الشعبية لتحرير السودان سعت الى ان تكون قومية المنطلق، وضمت الى صفوفها العديد من «اولاد البحر» كما يقولون .. كالدكتور منصور خالد وياسر عرمان ومجموعات التحالف... كما اسست مشروعا سياسيا نتفق معه او نختلف.. وصحيح اننا نميل الى الاعتقاد بان الذين استخدموا الدكتور جون قرنق لاضعاف أواصر الاندماج القومي والوحدة هم الذين قتلوه في النهاية.. وصحيح ان التوظيف الخارجي للحركة الشعبية في الجنوب كان ذكيا ومستميتاً ووراءه كنائس ومنظمات مشبوهة وشركات بترول وقوانين مناطق مقفولة.. ومع ذلك تم توحيد الجنوب تحت قيادة قرنق.. وامكن التفاوض معه من خلال مشروعه للسودان الجديد... وكانت من غنائم د. جون قرنق غنيمة «تقرير المصير»... وهي غنيمة كذلك للذين ساندوه من كنائس وعقليات استعمارية لانها تريد الاستحواذ على الجنوب والانفراد بثرواته وضرب « أسفين» بين الشمال والجنوب .. ونهب السودان.
ونحن نعتقد بأن اتفاقية نيفاشا أعدت على عجل.. واعدت على خلل.. وبها ثغرات كثيرة وكبيرة وهي بذلك اتفاقية « مفخخة».. ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يقي السودان شرورها، ولكن مع ذلك لابد من الالتزام بها.. ولابد من العمل على تجاوزها من الداخل.
اجهاض حلم
ثم كان هناك مشروع قسمة عائدات البترول لاعطاء الجنوب القدرة على مواصلة البقاء، ولجعل تفكير الجنوبيين التصويب على الاستحواذ على النصف الآخر من عائدات البترول. بل في اعتقادنا ان الذين اعتسفوا هذا النص انما وضعوا « السم في الدسم» لان ما قصده الخواجات ان يكون ذلك حافزاً للانفصال، متناسين ان المناصب الدستورية على المستوى المركزي او الاتحادي تجد تمويلها شمالا. ونواة الجيش القومي يتم تمويله مركزياً.
واكثر من نصف الجنوبيين موجودون في الشمال ويتم تعليمهم وعلاجهم وتقدم لهم الخدمات كافة هم وأهاليهم من نصيب الشمال... ومع ذلك تم وضع هذا النص المسموم الذي اقترحه الخواجات حتى يكون حافزا للجنوبيين على الانفصال، بحجة أن بإمكانهم إذا انفصلوا الاستحواذ على كل البترول، فلماذا يكتفون بالنصف... ولك ان تنظر الى الفعل الشنيع والمتجاوز للتكليف الذي مارسته لجنة الخبراء التي ادعت أنها فشلت في ترسيم حدود العام 1905 ولكنها لم تقف عند ذلك التكليف وقامت برسم حدود ،وبدفع اجندتها الخاصة ضمت فيها غالب مناطق البترول في منطقة «ابيي» الى الجنوب.
ولكن مع ذلك.. فان امر الجنوب كان وسيظل اسهل من امر دارفور .. ففي دارفور الى الآن لم تبرز ملامح نصاب منهجي ونصاب وحدوي لمشروع دارفور يبين كيف يستوي امر دارفور ويرسم خارطة طريق يتواضع عليها اهل دارفور كافة للخروج من ازمة دارفور... وكيف هو السبيل الى العبور في حالة العنف والتشرذم والقتال الداخلي إلى حالة السلام والأمن الاجتماعي. والقتال الداخلي المقصود ليس هو قتال الحكومة المركزية ولكنه القتال (الدارفوري - الدارفوري) وقتال الحركات المسلحة فيما بينها حيث اصبحت كل حركة الآن تحمل في رحمها مشروع انقسام جديد.
وحركات دارفور ممزقة وبدون رؤية شاملة لقضايا السودان.. ودارفور في حد ذاتها تبقى دون موارد قابلة للقسمة، فهي لا تملك شيئا الآن يمكن ان تجود به على المركز، ويمكن ان تعول عليه اذا ارادت ان تقيم اودها، وذلك لان الحركات المسلحة ولدت قبل ان تحبل بالمشروع فجاءت ولادتها مجهضة .. جاءت ولادتها استجابة لضغوطات الخارج ولإنتهازية النخب... والخوف كله الآن ان يكون حصاد نضال حركات العنف والسلاح في النهاية « سجن» دارفور في ذات الأوضاع التي ادت الى اجهاض الحلم ثم الحمل خصوصا وان دارفور ليست في حاجة الى فكرة تقرير المصير.. وليست فيها موارد بترولية او معدنية حاضرة الآن ليتم قسمتها. وتبقى مواردها رهينة في حفرة النحاس وفي ما يرد من معلومات غير محققة عن البترول .. وربما بعد خمسة عشر او عشرين عاما تبرز اذا لم يتم الاستقرار وبروز مشروع تصالحي يجمع كل الدارفوريين.
وليس في دارفور الآن غير الحريق الذي بات يأكل الاخضر واليابس، وطاقات ومروءة الشباب... وليس فيها الا الحريق الذي قضى على كل ما تبقى بعد الجفاف والتصحر وتم تخريب البنى التحتية بأيدي الابناء... وليس هناك الا موارد شحيحة ولا يبقى لها الا منافسة الشرق وكردفان والشمال في موارد المركز الشحيحة، ذلك اذا افترضنا ان الاقليم الاوسط قادر على تأهيل ذاته والاستقلال بموارده.
سوال لنخب دارفور
والسؤال موجه الى نخب دارفور واساتذة الجامعات الدارفوريين واطباء ومهندسي دارفور ومفكري دارفور، الذين يريد بعضهم ان يحولوا آلام دارفور وبؤسها وشقاءها الى ارصدة في البنوك وموائد خضراء وشقق ووظائف، كيف يمكن اخراج اهل دارفور من حالة الندرة والبؤس والمعسكرات والانتحار والتخريب الذاتي؟
كيف الطريق الى توحيد اهل دارفور زرقة وشبه زرقة ومزارعين وبدو ونازحين ومقيمين وسوادنة ومتسودنين؟ ولعلنا نلاحظ ان « تيرمومتر» الشحن العرقي يزداد ويرتفع كل يوم.. ولذلك نسأل « المشحونين»، عن من اكل مواردهم، ومن نهب خيراتهم غير ابنائهم وصراعات الموارد والمسارات والقبائل؟ وغير لغة الجاهلية والثأرات.. ونسأل المشحونين والمتوترين الذين فيهم عصب عرقي متوتر، كيف يمكن بروز مشروع دارفوري قابل للتنزيل والتطبيق وليس فقط مشروع « مجنح» في الخيال ليس له حظ من القبول والاجماع؟ مثل المشاريع « المجنحة» التي اطلقها بعضهم بين النازحين في ان كل اسرة تنزح سيتم اعادة توطينها واعطائها ثلاثين الف دولار.. من اين لهم ان يأتوا بذلك ودارفور ليست « لبنان» ولايهتم بها الغرب، ولن يعقد لها مؤتمر « دافوس» واذا كان الغرب قد اعطى لبنان عشرات المليارات من الدولارات فهو لن يعطي دارفور حتى بضعة ملايين.
ولننظر الى الجنوب لنر كيف ان عاصمته جوبا الآن بدون مياه وبدون كهرباء.. بل حتى المياه الشحيحة التي كانت قبل اتفاقية السلام نضبت والكهرباء التي كان يسرى تيارها قبل اتفاقية السلام توقفت.. ونبتت « خيام» تهم النخب.. وفنادق الخيام الليلة فيها تساوي «120» دولاراً في اليوم.
وميزانية حكومة الجنوب يأكلها البند الاول وتقضي عليها المرتبات والامتيازات التي تذهب لاهل المناصب الدستورية والسياسية والامنية والادارية. واموال (الجنوب) التي وعد بها الغرب في اوسلو لم تأت ولن تأتي فهل هذا هو مشروع السودان الجديد؟
ولذلك لا نريد ان تتحول حظوظ اهل دارفور الى مجرد نثريات في جيوب النخب كما حدث في الجنوب.. وبعد عامين من السودان الجديد لا يزال الجنوب نهباً للحرب الاهلية والقبلية.. وحتى ما كان موجودا اندثر..
وها نحن نقرأ الصحافة اليسارية والكتاب اليساريين يتملقون ادارات الجنوب ويتفلسفون في معاني السودان الجديد ويتكلمون عن خطة المائتي يوم لاعمار الجنوب . وها قد انصرم أكثر من مائة يوم فوق المائتين، فماذا حدث في الجنوب غير ازدياد البؤس والمعاناة وتهريب الاموال الى كينيا ويوغندا واجلاء التجار الشماليين عن « جوبا» كونهم اكبر رصيد للوحدة واكبر جسر للتحرك الحضاري.
فبعد عامين من حكومة السودان الجديد تم اجلاء « الجلابة» الشماليين لمصلحة جلابة يوغندا وكينيا، فهل هذه هي هدايا (شماليي) الحركة الشعبية لجلابة الشمال.... ام هي هدايا (جلابة) السياسة لجلابة التجارة... وهل هذه هي معاني الوحدة عندهم.. علما بانه ليست هناك امكانية لانبعاث سودان جديد لعدم توافر « الظروف الموضوعية» كما يحلو القول لليساريين لهذا الانبعاث.
والسودان الجديد قد سعت في دربه « الانقاذ» حينما وضعت من حسبتهم على نصاب الاقلية المبدعة في طريق القيادة.. وحينما ازاحت الترابي والصادق ونقد من الصدارة الى ادوار قاعدية وثانوية. وجاءت بالمستضعفين من كل حدب وصوب.. وحينما صعدت بأهل الريف الى الحكم في العاصمة والأقاليم.. وحينما جاءت بابن الدويم والياً للخرطوم. وحينما شقت الطرق وهندست المشاريع وحفرت الآبار.. وحينما اختارت الحوار والحل السلمي ولغة نيفاشا وابوجا والشرق..
وغدا وبعد اربعة أشهر باذن الله يفرح الشرق بربط شارع « عطبرة - هيا - بورتسودان» ويفرح خزان مروي بتوليد الكهرباء التي ستتمدد شرقا وجنوبا وغربا.
ومن في «السلطان» الآن يتماهى مع السودان القديم، البشير ام علي عثمان ام نافع ام ابن الدويم المتعافي.. ومن عجب ان الذين يتماهون مع السودان القديم وللاسف الشديد هم الذين يريدون عودة الترابي والصادق ونقد، وهم اليساريون وهم بعض ابناء دارفور وامتدادات المؤتمر الشعبي وغيره.
ولذلك نقول.. للذين يبشرون بأنهم في الطريق للقضاء على الانقاذ « ابشروا بطول سلامة يا أهل الانقاذ وحكومة الوحدة الوطنية». فلن يكون القضاء عليكم الا عن طريق صندوق الاختيار الحر والانتخابات.
|
|

|
|
|
|