الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
|
Re: نخب إلهٍ لم يعرف أن يخلّصنا - آنا آخماتوفا (Re: عادل عبدالرحمن)
|
________________
الأدب الروسي من أمتع الآداب التي تصلح للقراءة والاستعمال الآدمي منذ وقت طويل وآنا رغم جمود صورتها إلا أنها تملك قلباً ملائكياً طوّعه الحب والحنين لا سيما في الرسائل التي كانت تكتبه لزوجها عندما غادرها للحرب.
قرأت لها ديوانها (السرب الأبيض) وكان من أمتع ما قرأت على الإطلاق. ولها ملكة متفردة في اقتحام الحالة الشعورية ووصفها بما يكفي ليجعلك تستشعرها تماماً
كيف لا وهي تخرج من مدرسة بوشكين وهوميروس ودانتي. كما أنها قد شربت من الأساطير الشرقية ما يكفي لتزيد به من مخزونها الفكري الكثير
أشكرك عزيزي عادل عبد الرحمن على هذا السرد وأتمنى أن تتحفنا بالمزيد من قصائدها
بقي أن أقول أن آنا أخماتوفا هو ليس اسمها الحقيق
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: نخب إلهٍ لم يعرف أن يخلّصنا - آنا آخماتوفا (Re: عادل عبدالرحمن)
|
.. شكرا يا عادل ! هكذا نرتقي , و نذهب الي عوالم الحرية و الجمال ! والشعر مثل الذي عند آكماتوفا يحررنا من سوءاتنا , و مخاوفنا ! و ينير دروبنا الجوانية ! كان شكسبير يقول : انني لا اثق في من لا يتذوق الشعر و الموسيقى .. نسال القوى العزيز ان يعيد للشعر دولته في السودان ! الاستئنائي في آكماتوفا انها كانت تكتب شعرا بذلك المستوى الرفيع منذ القرن التاسع عشر , وقبلها قالت العدوية مخاطبة الاله في ادب البوح ايضا , وبعد ان تحررت ايضا من شواغل الدنيا و مخاوفها : ليت الذي بيني و بينك عامر .. و ما بيني و بين العالمين خراب ! وفي القرن التاسع عشر قالت المراة الصفية الوفية بنت المكاوي و هي تشرح ضيقها بحكم الاتراك و ترمي باستدلالات شعرية لظهور المهدي المنتظر : طبل العز ضرب هاوينا في البرزة .. و غير ضرب ام كبان انا ما بشوف عزة .. ان زاد الوبر واسيه بالجزة .. و ان ما عم نيل ما فرخت وزة !
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: نخب إلهٍ لم يعرف أن يخلّصنا - آنا آخماتوفا (Re: عادل عبدالرحمن)
|
Quote: في العاشرة، تصاب بمرضٍ عضال ينهكها طوال حياتها. في السادسة عشرة، ينفصل والداها، فتتمزَّق بينهما. في الحادية والعشرين، تفقد أعزَّ صديقة لديها بلعنة السل. في التاسعة والعشرين، يطلِّقها زوجُها الأول نيكولاي غوميليوف. في التاسعة والعشرين، تعرف أنها لن تكفَّ يومًا عن حبِّ زوجها الأول نيكولاي غوميليوف. في الحادية والثلاثين، يضربها زوجها الثاني لشدَّة غيرته عليها ومنها. في الثانية والثلاثين، يعدمون غوميليوف رميًا بالرصاص. في التاسعة والثلاثين، يخونها زوجها الثالث مع زوجته الأولى. في الحادية والأربعين، ينتحر صديقها الشاعر فلاديمِر ماياكوفسكي. في التاسعة والأربعين، يسجنون ابنها الوحيد، ويعذِّبونه طوال نحو عشرين عامًا. في الثانية والخمسين، تنتحر صديقتُها الشاعرة مارينا تسفيتايِفا. في السادسة والخمسين، تتعرض للاضطهاد بسبب علاقةٍ عاطفية مع السكرتير الأول للسفارة البريطانية. في الحادية والستين، تكتب، رغمًا عنها، خمس عشرة قصيدة مهداة إلى ستالين كي لا يُعدم وحيدها. في الحادية والستين، تكره نفسها لأنها اضطرَّت إلى كتابة خمس عشرة قصيدة مهداة إلى ستالين كي لا يعدم وحيدها. في التاسعة والستين، تعاني وحشة قاتلة وانهيارًا عصبيًّا حادًّا. في السابعة والسبعين، يتوقف قلبُها الحارُّ عن الرفرفة فوق أرض موسكو الباردة.
حياةٌ كأنها شجرة لم تورق إلا لكي تخسر أوراقها وتُُبتَر أغصانُها. حياةٌ – انتهاء حياةٌ – مقصلة حياةٌ – يباس ليخضرَّ الموت. ج.ح. |
العزيزة : ميسون الأعزاء : نور الهدى ، هشام ، طراوة .. تحيّاتي ،
هكذا قدّمت لنا جمانة حدّاد شاعرتنا آخماتوفا .. أوجزت فأوفت التعرّيف حقّه ! في هذه الأسطر القليلة / الجارحة مثل مبضع جرّاح لا يداوي الجراح ، بل يتركها "لنا" مفتوحةً على آخرها لننظر عبرها الى هذه الروح التي تسند هذا الجسد المدمى بجراحه ِ .. المعلّق على خيبات الحبّ ِ ، وانتصاراته ِ !
كنت ُ وأنا أقرأ هذه الترجمة ( الكتابة ؟! ) أرى الى "جمانة" وهي ترتعش ، تتمرّغ في دغل اللغة ، تتأمّل جسد القصيدة في زيّها "الروسيّ" - باحثةً ، مضناةً ، عمّا يناسبه ( يحاوره ؟! كما يقول صديقنا عادل القصّاص ) من ثوب ٍ "عربيّ" ! كنت ُ وأنا أراها – جمانة – وهي تتعرّق ، أفكّر ، وأشفق على أولئك الذين يترجمون الشعر ( ينحرونه ؟! ) بدم ِ بارد ..
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نخب إلهٍ لم يعرف أن يخلّصنا - آنا آخماتوفا (Re: عادل عبدالرحمن)
|
Quote: مثلما يتوق الظل إلى الانفكاك عن الجسد، مثلما يتوق الجسد إلى الانفصال عن الروح – هكذا أنا اليوم. أتوق، يا عشَّاقي الكاذبين، إلى أن تنسوني |
لك التحية والشكر أخ عادل وضعت مبضعك على جروحنا فداويت حراحات عديدة عمقها غور أزمان بعيدة كمها عد أفكارى الشريدة أحسنت الإختيار نعدك بالعودة سمية الحسن طلحة
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: نخب إلهٍ لم يعرف أن يخلّصنا - آنا آخماتوفا (Re: عادل عبدالرحمن)
|
Quote: * في الحادية والستين، تكتب، رغمًا عنها، خمس عشرة قصيدة مهداة إلى ستالين كي لا يُعدم وحيدها. * في الحادية والستين، تكره نفسها لأنها اضطرَّت إلى كتابة خمس عشرة قصيدة مهداة إلى ستالين كي لا يعدم وحيدها. |
أختي سميّة ، ما هو العقاب الأشدّ قسوة من إجبارك على كتابة قصائد ، و إهدائها الى مَن لا تحبّ ؟! إنّه السؤال الذي لا جواب له ؛ لأنّه ما مِن قسوة ٍ أشدّ ، ما من جلاّد سيتمتّع بعبقريّة تفوق هذا الإيذاء إيذاءً ! ولكنّ العجيب أن تحتفظ " آخما " بقدرتها على كتابة الحب .. فلا الجلاّدين ، ولا عشّاقها الكاذبين إستطاعوا النيْل من نُبل حبّها ، ولا حرفها عن هدايتها الى جادّة ِ العشق / الصواب . فلعلّها كانت ، حين تتلقّى تلك القبلة - من عاشقها - على الخدّ أو الجبين أو الشفاه ، لا تلتفت الى ما عداها من ثمر ٍ ضمُر من طول إصطباره بلا قطاف ، لعلّها ..
ف : ( القبلة ُ فاكهة ُ الحب ) عادل القصّاص
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نخب إلهٍ لم يعرف أن يخلّصنا - آنا آخماتوفا (Re: عادل عبدالرحمن)
|
 أنّا اخمدوفا عام 1924 فى احدى نوبات (غربتها النفسية والعاطفية)..
Quote: لم يُعشَق أحدٌ أكثر منك، لم يعذِّبْني أحدٌ أكثر منك – ولا حتى ذاك الذي خانني حتى كدتُ أحتضر، ولا حتى ذاك الذي غمرني ورحل. |
هذه ترجمة ليس لها نظير. فيها عمق وقدرة على التغلغل فى خطرات النفس ودقائق الشعور. هذه كتابة تدخل فى الموت بتفاؤل قديس. بل تطلب الموت بعد ضياع الحبيب. هذه وحدة قاسية. قاسية. ومتفلسفة. وبسيطة فى آن. الرعب الاخير الاستالينى. ميراث الشرق العنيف. خطف حبيبها . حبيبها كان معنى وجودها وحياتها. ليس من تبعية ونقصان وضآلة او هشاشة. فقد كانت اخمدوفا وحبيبها عاشقين متوحدين. كانا معآ ولم يكونا معآ. كلاهما وحيد ومكتئب.
Quote: سوف أشرب نخبًا أخيرًا لمنزلنا المدمَّر، لحياتنا التَّعِسَة، لوحدةٍ عشناها اثنين. |
قصيدة قاسية وموجعة كالحياة تمامآ. بل واكثر. اول مرة اسمع تنهيدتى حرّى وموجوعة وساخنة على لهاتى.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: نخب إلهٍ لم يعرف أن يخلّصنا - آنا آخماتوفا (Re: عادل عبدالرحمن)
|
Quote: في هذا المعني لا يعود المثقف محض مثقف فحسب. انه ضمير وضوء في العتمة. ولا تعود الصفحة الثقافية محض صفحة ثقافية. أنها وطن. ومن طبيعة الوطن أن يكون بيت الذات والآخر في آن واحد، وأن يكون منفتحاً ورحباً ومتعدداً ومتنوعاً. وأن لا يكتفي بنفسه. وأن لا يطمئن الي ما هي عليه هذه النفس، بحيث يصنع مناخاً تتوالد فيه حيوات كثيرة ومختلفة. |
و :
Quote: لأجل ذلك، تكمن احدي أهم مسؤوليات المثقف وأرقاها، في أن يكون أستاذ حياة . وأجمل عملية مقاومة يمكن أن يقوم بها هي أن يعلّم الناس حبّ هذي الحياة، ضد كل أنواع الموت التي تهددنا. وما أكثرها.
جمانة حدّاد |
Quote: ( كل ما له علاقة بآخماتوفا هو جزء من الحياة.. والحديث عن الحياة يشبه محاولة القط لإقتناص ذيلـه.. إنه صعب بشكل لا يصدق، لكني أود أن أثبت هنا بأن كل لقاء مع آخماتوفا كان بالنسبة لي معاناة رائعة.. لا سيما حين تدرك جسديا وروحيا بأنك تلتقي بأفضل الشخصيات، بأنسان، نبرة واحدة منه تهزك من الأعماق، فنبرة واحدة من صوت آخماتوفا أو إلتفاتة واحدة من رأسها كافية لتثملك، فمن خلال الحديث معها، عند شرب الشاي او الفودكا تشعر بانك أصبحت مسيحيا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.. وفي أسوأ الأحوال ستقرأ النصوص المطلوبة أو ستذهب الى الكنيسة. إن دور الشاعر في المجتمع يؤدي في حد ما الى الطريق نفسه..).
يوسف برودسكي |
آنــــــا آخــمـــاتـــوفــــــــا ( 1889 – 1966 ) شـهادة شــخصـية
باختصـــــار ... عـــن نفـســــــي
ولـدتُ في 11 تمـوز من العـام 1889 في منطقــة ( بلشـوي فونتان – معناها النافورة الكبيرة) بالقرب من مدينة ( أوديسـا ). كان أبي مهندسـا ميكانيكيا في الأسطول البحري. ولم يكن عمري عاما حينما أنتقلت عائلتي إلى منطقة ( تسارسكوي سيلو – معناها الضيعة القيصرية ) في الشمال. وهناك عشت حتى بلغت السادسة عشرة.
أولى ذكرياتي تعود إلى تسارسكوي سيلو: خضراء، حدائق ندية رائعة، حيث كانت مربيتي تذهب بي، ملاعب تتوسطها الجياد الصغيرة المبرقشة التي تنط وتتقافز، محطة قديمة، ولا شيء آخر. كل هذا جاء ذكره في قصيدتي الطويلة عن ( تسارسكوي سيلو).
كنت أقضي الصيف في منطقة ( سيفاستوبل) على ساحل البحر الأسود، وهناك بدأت علاقتي بالبحر. أكثر ذكرياتي وضوحا خلال هذه الفترة هي عن قرية ( خير سونس) بالقرب من منتجعنا.
تعلمت القراءة من خلال كتاب ( الألفباء) الذي وضعه للأطفال ( ليف تولستوي)، ومنذ الخامسة بدأت تعلم الفرنسية سماعا من خلال الدروس التي كانت تعطيها لي معلمة فرنسية بمعية الأطفال الأكبرسنا.
كنت في الحادية عشر من عمري حينما كتبت أول قصيدة شعر. ولم أبدأ الشعر مع بوشكين أو ليرمنتوف، وانما مع قصائد درجافين ونكراسوف التي كانت أمي تحفظهما غيبا.
درست في ثانوية ( تسارسكوي سيلو) للبنات، وقد كنت في البداية سيئة في دراستي، ورغم تحسني فيما بعد، إلا أني لم جيدة قط.
في العام 1905 إنفصل أبي عن أمي، فسافرت معها إلى الجنوب، وعشنا سنة كاملة في ( إفياتوري )، إذ درست إجبرت على الدراسة في البيت من أجل التحضير لإنهاء دراستي الثانوية التي إنقطعت.
كنت أشتاق إلى ( تسارسكوي سيلو) فكتبت عددا هائلا من القصائد التي لا حول لها ولا قوة. إلا أن أصداء ثورة 1905 ترددت ضعيفة في تلك الأقاصي التي كنت أعيش فيها.
أنهيت سنتي الدراسية الأخيرة في العام 1907 بمدينة ( كييف ) وسجلت في كلية الحقوق، في صف النساء. لقد كنت متحمسة للدراسة، لاسيما وأننا بدأنا بدراسة تاريخ القانون واللغة اللاتينية، لكن حماستي فترت حينما توغلنا في النصوص الجامدة فتركت الدراسة.
وفي نيسان ( أبريل) من العام 1910 تزوجت من (نيقولاي غوميلوف) ( شاعر روسي مهم وصاحب ورشة الشعراء مع ماندلشتام وبيلي، وقد كان ضابطا في الجيش القيصري، وقد وقف ضد الثورة الاشتراكية فألقي القبض عليه وأعدم في بداية العشرينات – ب ش ) وسافرنا لقضاء شهر العسل في باريس.( هناك تعرفت على الرسام مودلياني وربطتهما فيما بعد علاقة وطيدة، حتى أن ملامحها تكاد تكون في معظم أعمال مودلياني- ب ش ).
تجولت في الأزقة والحدائق الباريسية المتدفقة الحياة، تلك التي وصفها ( أميل زولا). (فيرنز) صديق ( أديسون) أشار ذات مرة إلى طاولتين في إحدى الأماكن قائلا هنا كان يجلس البلاشفة وهناك المناشفة ). النساء حينها كن قد بدأن لتوهن بلبس البنطلونات، ودواوين الشعراء كانت تُشترى لوجود رسومات وتخطيطات هذا الفنان أو ذاك عليها. عندها قد أدركت بأن الرسم الفرنسي قد إبتلع الشعر الفرنسي.
وحين عودتي إلى ( بيتربورغ ) سجلت في الصف العالي لتاريخ الأدب. وفي هذه الفترة بدأت بكتابة أشعاري التي ضمتها مجموعتي الأولى. وحينما وقعت أمام ناظري مخطوطة ( صندوق من خشب السـرو) لأنوكتين أنينسـكي كنت مذهولة، فقرأتها ناسية أي شيء حولي.
كان واضحا في العام 1910 بأن ( الرمزية) تعيش أزمة خانقة. ( الرمزية الروسية تختلف في الكثير من طروحاتها وإشاراتها وفلسفتها عن الرمزية الفرنسية – ب ش ) وكنا رعيل الشعراء الشباب غير متحمسين للإقتراب من هذا التيار، فبعضنا إتجه إلى ( المستقبلية – فوتورزم) والبعض الآخر إلى ( الأكميزم – الذروة الروحية )، وكنت مع رفاقي في (الورشة الشعرية) أمثال: ماندلشتام، زنكيفج، ناربوت، قد أسسنا للاتجاه الثاني.
عندما حل ربيع العام 1911 كنت في باريس وشاهدت نجاحات أول باليه روسي يعرض هناك، وفي العام 1912 سافرت إلى شمال إيطاليا ( جنوة، بيزا، فلورنسا، بولونيا، فينيسيا). إنطباعاتي عن فن الرسم والعمارة الايطالية كانت هائلة مثل رؤيا يذكرها المرء طول العمر. وفي هذا العام نفسه صدرت لي أول مجموعة شعرية بعنوان ( المساء). وكانت قد صدرت بثلثمائة نسخة فقط أستقبلها النقاد بشكل طيب.
وفي الأول من أكتوبر من هذا العام أيضا ولد إبني الوحيد ( ليف ). ( سيعتقل الأبن حينما يصير رجلا لمرات ومرات، ويرسل الى معسكرات الاعتقال في سيبيريا، فتكتب عنه آخماتوفا أجمل قصائد الأمومة، بل نجد في قصيدتها قداس جنائزي إشارات متكررة له ولزوجها الراحل – ب ش ).
في آذار(مارس) من العام 1914 صدرت مجموعتي الثانية (إكليل الورد)، ولم تمر أكثر من ستة أسابيع، ومع بداية حزيران بدأ الناس يغادرون المدينة، إنها الحرب.
لقد بدا لنا هذه المرة بأننا نودع ( بيتربورغ) إلى الأبد. وفعلا، حينما عدنا مرة أخرى، لم نعد إلى بيتربورغ وإنما إلى (بيتروغراد). ومن القرن التاسع عشر دخلنا الى القرن العشرين، فكل شيء قد تغير، حتى ملامح المدينة نفسها. وأصبحت مجموعة أشعار عن الحب لشاعرة شابة طي النسيان، نعم لقد تغير الزمن!!.
لقد كنت أقضي فصول الصيف في أحد الأماكن، على بعد خمسة عشر فرسخا من (بيجنسكا). إنه مكان قبيح، فعلى مساحات واسعة من التلال حقول مح
، طواحين، حدائق جدباء، مستنقعات جافة، قناطر، قمح، قمح، قمح.. وهناك كتبت معظم أشعار مجموعتي (السرب الأبيض). هذه المجموعة صدرت في آب من العام 1917، وقد إستقبلها النقاد بشكل غير مرض وعادل، ولقد إعتبروها أقل مستوى من مجموعتي (إكليل الورد). شخصيا أعتقد أن هذه المجموعة ولدت في ظروف أشد قساوة، فحتى طرق المواصلات إنقطعت في تلك الفترة، وكان من الصعب إيصال أية نسخة منها إلى موسكو، فوزعت في ( بيتروغراد) فقط. حينها أغلقت الصحف والمجلات، لذا فقياسا لمجموعتي ( إكليل الورد) لم يكن هناك ضجيج أو إستقبال صاخب. فالجوع والفوضى أخذا ينتشران في كل مكان على نحو واسع، ومن الغريب اليوم ألا تؤخذ تلك الظروف بالحسبان.
وبعد ثورة اكتوبر اخذت بالعمل في مكتبة المعهد الزراعي. وفي العام 1921 صدرت مجموعتي ( مزامير الراعي) وفي العام 1922 صدرت مجموعتي (Anno Dommini) ( كلمة لاتينية معناها ياعصرنا ، وهنا تتجنب آخماتوفا الحديث عن إعتقال زوجها الشاعر غوميلوف، وطردها على أثر إعدامه من إتحاد الكتاب ، ومنعها من النشر لأكثر من عشرين سنة لاحقة – ب ش )
ومنذ منتصف العشرينات أوليت لإهتمامي لفن عمارة ( بيوتربورغ) القديمة ولبوشكين، ونتيجة بحثي في بوشكين وحياته كتبت ثلاثة أعمال عن ( الديك الذهبي) و(أودلف) لبنيامين كونستان وعن ( الضيف الحجري)، وقد نشرت هذه الاعمال جميعا فيما بعد، وكذلك أعمالي ( الأسكندرانية) و (بوشكين وضفاف البيفا) و (بوشكين في العام 1928) والتي قضيت في كتابتها ما يقارب العشرين عاما ، فقد صدرت فيما بعد ضمن كتابي ( مقتل بوشكين)، المهم.. منذ منصف العشرينات لم تنشر لي أية قصيدة جديدة.
في العام 1941 وخلال الحرب العظمى تركت (بتروغراد) التي صار أسمها (ليننغراد) ونقلت إلى موسكو بالطائرة. ( هنا تتجنب آخماتوفا الحديث عن فترة الارهاب الستاليني ومقتل ماندلشتام ومايرخولد وعشرات الكتاب ومضايقات باسترناك ومأساة صديقتها الشاعرة مارينا تسفيتايفا، لكنها خلدت لنا قصيدتها الكبيرة ( قداس جنائزي) التي جسدت فيها الكثير عن رعب هذه الفترة – ب ش ).
إبتداء من حزيران العام 1944 إنتقلت للعيش في طشقند، وكنت أتتبع أخبار مدينتي وما يجري على جبهات القتال، ومثل بقية الشعراء، سمح لي بقراءة الشعر علنا، فأخذت أقرأ قصائدي الوطنية للجنود والجرحى في المستوصفات العسكرية.
وفي طشقند عرفت لأول مرة ماذا يعني ظل الشجرة في قيظ الصيف، وماذا يعني صوت خرير الماء في الجداول، وهنا ايضا عرفت الطيبة الانسانية..، وكذلك في طشقند مرضت مرضا شديدا وطويلا، وفي هذه الفترة طرت الى موسكو مفعمة بالفرح بانتظار إنتصارنا النهائي، وفي تموز رجعت إلى ليننغراد.
وجه مدينتي الشبحي أرعبني، فكان لقائي بها نثرا..!، وفي هذه الفترة بدأت سلسلة مقالاتي التي كانت تحت عنوان ( في ضيافة الموت )، وهي عن قراءاتي للشعر في جبهات القتال والمستشفيات. لقد كان النثر يثيرني دائما، وكنت أراه مليئا بالأسرار، لذا حينما أمتدح الجميع بداياتي النثرية لم أثق بذلك، فأتصلت بالكاتب ( زوشينكو) الذي نصحني بحذف هذه الجملة أو تلك، إلى ان أصبح هو راضيا عن النص. لقد كنت سعيدة، ولكن بعد إعتقال ابني حرقت كل مخطوطاتي وأرشيفي. ( هنا تتجنب آخماتوفا أيضا الحديث عن إعتقالها، وطردها من إتحاد الكتاب السوفيت للمرة الثانية مع الكاتب زوشينكو وذلك بقرار من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي – ب ش ).
لقد كانت أسئلة الترجمة الفنية تثيرني دائما، وفي السنوات الأخيرة ترجمت الكثير، وانني أترجم حتى الآن. وفي العام 1962 أنهيت كتابة ( قصيدة بدون بطل) والتي قضيت أثنين وعشرين عاما في كتابتها.
في الشتاء المنصرم، الذي كان عام دانتي، سمعتُ الكلام بالايطالية ثانية، إذ كنت في روما وسيسيليا. وفي ربيع هذا العام 1965 سافرت إلى وطن شكسبير ورأيت السماء البريطانية والأطلنطي، وألتقيتُ بعدد من الأصدقاء القدامى، وتعرفت على أصدقاء جدد، ومررت بباريس.
أنا لم أهجر كتابة الشعر، ففيه أجد علاقتي مع الزمن، ومع الحياة الجديدة لوطني، فحينما كتبت أشعاري كنتُ أعيش تلك الايقاعات البطولية لتاريخنا. إنني سعيدة لأنني عشتُ كل هذه السنوات، ورأيتُ كل تلك الأحداث الملتوية.
آنا أندريـفـنـــا آخمـــاتوفــــا 1965
فيا صديقي : شمس الله عبد الدين ! فما الذي يمكن أن نقوله ، بعدُ ، ل ( آنا .. ) تنا – بعد أن قالت :
Quote: لقد علّمت النساء الكلام / ولكن يا إلهي كيف سأجبرهنّ على السكوت ؟! |
فمنذا يستطيع إجبارها - بعد موتها - على السكوت ؟ !!
| |

|
|
|
|
|
|
|