هواجس.... قصة قصيرة ، قديمة،بمناسبة المنتدى الأدبي بمدني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 09:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-03-2007, 07:25 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هواجس.... قصة قصيرة ، قديمة،بمناسبة المنتدى الأدبي بمدني

    سلام يا ود الشريف كان لازم أقرأ حاجة في منتدي سمؤال مدني ، وهنا مشاركتي



    هواجس

    ها وأنني الأن قد تأكدت ،تماماً، من أنني لم أمت في تلك المعركة كما كنت أحلم ، تلك المعركة التي دارت وأنا في وسطها ،بكامل قصفها المدفعي والجوي ولم اكترث لها ، فقط ، كنت أمارس صيد السمك في ذلك النهر ، الذي يفصل بيننا و جيش العدو، والذي يشبه كل تلك الأنهار التي عبرتها أثناء الحرب . يدي اليسرى سليمة ،يمكنني الأن ان أحركها هكذا ، كما يمكنني أن ألف كفها ، أقصد يدي اليسرى ، حول معصم يدي اليمنى وأكور كفي الأيمن واجعله هكذا في وجهه مباشرة بعد ان افتح له الباب وانا اقذف بسبابي المعهود عليه ، ذلك الرجل اللعين الذي إعتاد كل يوم في هذه اللحظة ، اللحظة التي يجب ان تكون قد تذكرتني فيها ،كما تذكرتها أنا أيضاً ، يوقظني أو يحضر إليّ في وقت متأخر من الليل ليذكرني بانه صاحب هذه الغرفة التي إعتدت أن ادفن نفسيّ فيها كل مساء وانا متنازع بين الشك والشك بأنني لن اخرج منها صباحاً إلا نعشاً محمولاً صوب مكانٍ ما ، مما سيحمله ،هو، صاحبها على اللحاق بي نعشاً من الغيظ لإستطاعتي الإفلات منه دون أن أدفع له ما كان يريد مقابل موتي فيها كل يوم .
    علي الأن وقبل أن أخرج إليه شاهراً يدي بالطريقة التي قررت أن ألقاه بها وأفجر الوضع مرة واحدة ، عليّ أن أزيل آثار تفاحة ليلة البارحة ، كما يجب أن أضيف لذلك الوضع إطلاق سبابي المعتاد،أنا، على إطلاقه بعد ان اسكر ،أو، بعد أن أتناول قليلاً من الخمرة ، الخمرة التي سيكون قد دعاني إليها أحدهم دون أن أكون ، أنا ، راغب في تلك الدعوة و التي لا أستطيع أن أقاومها حتى لا أحرج صاحبها بحكم طبيعتي أو تكويني الذي لم يعتد على رد أي دعوة كانت منذ أن تعرفتُ وأحصيتُ عدد الشامات التي على جسد بنت جارنا و مدرستي ، التي تجتاح ذاكرتي ، الأن ، بشتى أنواع ممارسة الحب معي .
    أجل سيفلت منك السباب الذي اعتدت أن تطلقه عليه سراً ، دون أن تقصد ، سيفلت منك في وجهه مباشرة ثم تلحقه بهذا الوضع الجديد ليديك، الوضع الذي قررت أن تلقاه به اليوم ، ليس لأنك متأكد من أنك ستدفع له إيجار الشهر الذي مضى بعد أسبوع من الآن ، ولا لأن الوضع بينك وبينه خالٍ من أي عقد معك يحتوي على اتفاقٍ حول هذه الغرفة بمقتضاه يستطيع هو ،مالك الغرفة ، أن يشكوك أو يجرجرك أمام البوليس والقضاة ، بل ، وأولاً، لأن هذا الوضع الجديد ليديك أمام وجهه سيضفي عليك ،على هذا الصباح و على هذه اللحظة المتكررة شئ من التغير ، ثانياً ، لأنه صار يقطع هجرتها اليومية إلى ذاكرتك مثلما ستكون أنت قد هاجرت إليها في هذه اللحظة بالذات ، وفي شكلك ذاك ، شكلك الذي يهم بالخروج من دفئها إلى صباح ، كصباح هذا اليوم الشتوي قبل أن تكتشف أمك غيابك المبكر أو نومك خارج المكان المخصص لذلك ، بعد ان تكون هي ، مدرستك ، قد أوصتك وعينيها تسعيان نحو الاختفاء في وجهك المشرق أو المطل على الحياء وبصرك الهارب من النظر إليها مباشرة ، تلك التي صارت توقظك من الصحو كل صباح شتوي غائم كهذا ، توصيك وبلهجتها الناعمة ، أو ، الخالية من تلك الصرامة ، التي طالما رأيتها تتدثر بها طوال النهارات المدرسية مع زملائك وزميلاتك ، فتقول لك وبتلك النعومة ،أو، بذاك الخلو من الصرامة
    • لا تخف في المساء من أن تبادر أنت بالخروج إليّ إذا اعتراني شئ من الخوف
    الخوف الذي لم ولن يعتريها من أن يشعر والدها الأعمى بحركتها صوبي ،أو ،صوب اختطافي، أنا ، إلى حيث يرقد دفئها ،ونومي المتمزق الأحلام بجانبها ، تتعرى أمامي دون ذلك الحياء الذي صرت لا أتصالح معه قط في أي أنثى ، خاصة بعد أن أقنعتني بأنني زوجها في المستقبل لا محال ، بالرغم من فارق العمر الذي حددته هي عندما كنت أنا في الثانية عشرة من عمري وهي في الخامسة والعشرين فقالت لي وهي تقاوم خروج روحها إليّ،أنا القابع في قلب أحضانها
    • أن الفرق بيننا الآن عشرة أعوام فقط
    ثم تلحق جملتها تلك بتذكير خاص لك وبعد ان تكون قد استعادت جزء من أنفاسها التي أهدتك عبرها الكثير من الدفء والعلوم الحسابية ، تذكرك ، بزواج السيدة خديجة من النبي بالرغم من أنها كانت تكبره بأكثر من عشرة أعوام ثم تقوم ، هي ، بتحويل ذلك الفارق ، أو الفارغ في العمر، كما تتعمد أن تقول هي ، بعد بلوغك السابعة عشرة سيتقلص إلى ستة أعوام لا غير،ثم تلف ذلك التقليص بوعد منها بتخفيضه إلى الصفر إذا تر آت لها جديتك عند بلوغك العشرين .
    لم تكن أنت تهتم لذلك بقدر ما كنت تهتم وتكترث إلى كيف ستتخلص منه أو إخفائه من والدتك ، ذلك الجنيه اللعين الذي كانت تعطيك إياه حينما تكون عائداً من المدرسة وهي تتلبسك ،أو تتلبسكما العلاقة الحميمة التي نشبت في ذلك الوقت بينكما ، بينك وبينها ، تدسه في يدك ذلك الجنيه وهي توصيك بان تذهب إلى السينما بدلاً عن الذهاب إلى النيل كما يمكنك بالباقي شراء كمية لا بأس بها من السمك الذي يقتسم معها حبك لها ، هي ، مدرستك أو بنت جارك الطيب الذي طالما ناداك بالمبروك ، ولم يعلم انك ، وبعد أربعة أعوام فقط من خروجك طوعاً للحرب ، أو تمردك كما يسمونكم في أجهزة الإعلام والمساجد ،أجل لم يعلم أنك وبعد أربعة أعوام من خروجك وحينما كنت عائداً من المعارك التي صرت تعتقد أنها ، أي تلك المعارك ، لن تنتهي إلا بأسرك ثم قتلك أو هروبك إلى أي مكان آخر ليس به حرب ، كما ليس بالضرورة أن يكون بها سلم ، فقط حتى ولو حرب لا يعنيك أمرها إلا في حدودها الشِبهِ غير مباشرة ، لم يدرك جارك الطيب ،أو بالأحرى والدها ، حتى الأن وأنت متأكد من ذلك ، ليس لأنه أعمى، بل ، ولا بد من ذلك ، سيكون الآن قد رحل و للأبد تاركاً ابنته تلك بكامل حبها لك أو بكامل حبك أنت لها ، رحل ودون أن يدرك ، أنك في ذلك اليوم الذي هو بعد أربعة أعوام من خروجك ، اليوم الذي كنت عائداً فيه من إحدى المعارك و مررت بمنزل أحدهم ، كنت تعرفه ، أجل تعرفه ولكن ليس جيداً، فقط كنت تعرفه ،مررت به لتغسل عنك غبار تلك المعركة بأي ماء يمكن أن يؤديّ تلك الوظيفة ، لم تجد سواها ، زوجته، أقنعتك الفكرة التي حومت بذهنها ، بأنها زوجة شخص ما ولا تجالس سوى سوء حظك الذي كان يجلس بجانبها مرتدياً قلق انتظارها لك ، تحفزت الخمرة برأسك، كما تحفزت هي حينما تململت معلمتك ، أو، ابنة جاركم الطيب في ذاكرتك ،ففعلتها هي صاحبة البيت واغتصبتك بتحريض منك ، أجل فعلتها هي كما صارت تفعلها كلما أرادت ذلك ، حتى بعد أن صارت عارية من تحريضك الأول ذاك، إلى أن فاجأتك بهروبها من زوجها صوبك ، لم تفكر أنت كثيراً في ذلك ، وبنفس عدم جديتك التي تتمنى لو تتلبسك دوماً لو لا الحرب التي تحاصرك بذاكرتها اللعينة ، رددت أنت ،بان بإمكانها أن تبقى معك إلى أن تشاء الرحيل ، بالرغم من أنك تعلم أنها تكبرك بأعوام لا تظهر عليها إلا بعد أن تقول لك أن عمرها ثمانية عشرة أعوام فقط . ردت عليك هي ، بعنف ،بعد أن راودها شئ من القلق لعدم اكتراثك الراشح في كل ممارستك معها ومع غيرها :
    • هل تعلم ماذا سيحدث إذا ما عدت إليه ، أو ماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني موتك لأنه سيعتقد أنك أنت الذي دفعتني إلى ذلك ، وفي أحسن الأحوال ستحاكم بستة أبقار ، كسر بيت ، وسابعة كغرامة للمحكمة عندها لا يمكنني أن أتعاطف معك لأن الضرورة تقتضي أن أقف بجانب من هو ، أو من سيكون زوجي . لم تجب عليها ، أنت ، بأكثر من " معك حق" وذلك لأنك كنت تعلم أبعاد ما تقوله ،هي، بالرغم من انتمائها لثقافة زراعية لا تتعامل بالأبقار في مهور الزواج أو الطلاق ، فقط أرادت أن تضخم المسالة علها تفلح في إثارتك ، كما أنك لا تكرهها و لا تكره أي أحد ، وعموماً لا بأس بتلك المعركة الواقفة في انتظارك أمام المحكمة ولسبب ما يمكن أن يستحقها .
    عليّ الأن وقبل أن اخرج إليه بيدي وبنفس الطريقة التي ابتدعتها قريحتي اليوم ، ان أخفي قشر التفاحات التي عاقرتها ليلة البارحة وأنا أختفيّ خلف باب الغرفة ، كما نصحني أحد أصدقائي بذلك الفعل في كل مرة يمر خلالها طعم التفاح بفمي داخل هذه الغرفة ، نصحني بذلك ووافقته ، أنا، الرأي حتى لا يعتقد هو ، مالك الغرفة ، الذي يقيم معي في نفس المنزل ، أو الذي أقيم أنا معه ،أو أننا نقيم معاً، طالما أنني ادفع له سعر إقامتي في هذه الغرفة ، بغض النظر عن شكل طريقتي في الدفع التي لا و لن تعجبه ، عليّ أن أحرر يدي اليمنى من قبضة يدي اليسرى حتى أزيل قشر التفاحة ليس لأنني أخاف إذا رآها ، أي قشر التفاحة، سيرسخ لديه الاعتقاد بأنني ميسور الحال ولا أريد ان أدفع له ، سيما وانه عبر عن ذلك حينما رآني أحمل جاكيتي الوحيدة للغسالة في ذلك الشهر الذي بيني وبينه الأن شهر آخر مضى ، ليس لذلك السبب ، بل لأنه لو رآها ، أقصد،قشر التفاحة التي فجرت فيها كل أحقادك المشروعة ، التي هي ثورية مطعمة بالهزيمة لا الانكسار ، في الليلة الماضية ، نعم بسبب أنه لو رآها سيرتفع ضغط الحسد عنده لحياتي أنا العاذب جداَ، مما يجعله أكثر اندفاعا، تجاه أن أخرج من هذه الغرفة أو أحضر زوجتي التي ادعيتُ ،أنا، في الأيام الأولى ،تلك الأيام التي كانت تحتوي على قدر لا بأس به من الود ، ادعيت بأنها، اقصد زوجتي ، ما زالت على قرار أنها زوجتي ، مع علمي بأنها انفصلت عني ، أو ، انفصلت ،أنا ،عنها ..كلا انفصلنا عن بعضنا وذهب كل منا في سبيله بالرغم من ما بيننا من ود لم تضعضعه المسافة التي نشبت بيننا . لم يعلم هو ،مالك المنزل، أنني ادعيت ذلك حتى لا يصاب بتلك الغيرة على غير المتزوجين التي اكتشفتها حينما كنت على قيد الزواج ، كما،رأيتها تصيب آباءنا وآباء أصدقائي فتدفعهم لطرد أي عازب يستأجر بجوارهم أو في أي مكانٍ آخر ،بدعوى خوفهم على عوراتهم من النساء والبنات . عليّ أن أضعها ،قشر تلك التفاحة اللعينة ، في اسفل كيس القمامة الخاص بيّ، أنا وحدي في هذه الغرفة ، حتى أتمكن في منتصف النهار والبيت خالٍ من نظراته الباحثة عن أي سبب للاشتباك معي ،من قذفها في المرحاض وبسرية تامة .
    يمكنك الآن أن تنتظره حتى يطرق لك الباب ليجدك بهذا الوضع الذي حتماً سيدهشه ، بالرغم من أنه لن يرضي معلمتك ، التي صارت تحوم حول ذاكرتك الأن و منذ عشرة أيام خلت، لماذا؟ لا تعلم ، يمكن لأن هذه الفترة تماثل فترة الشتاء هناك مما يجعل علاقتك بها اكثر إنشداداَ ، ليس فقط لأن الشتاء بارد وأنك تحتاج أو هي تحتاج لدفئك الغارق في نهم النمو، بل لأن الصيف هناك يجعلك تتآمر عليها وتذهب للنيل لممارسة هوايتك المفضلة بعد أن تكون قد أخرجت صنارتك وتسللت إلى النيل مساءاً ،دون أن يراك أحد من أسرتك ،أو من أي أسرة تجاورك وتعطي نفسها الحق في الخوف عليك من الغرق في مياه النيل ، الذي، أي النيل ، احتضن عدد لا بأس به من أصدقائك أو زملاء دراستك ، "إلا أنك لم تتعظ من ذلك" كما كانت تقول لك بنت جارك ، التي صارت تغرق في دموعها كلما علمت أنك ذهبت إلى هناك ولا تكف عن النهنهة والتوتر أمام الآخرين ،أو ، البكاء داخل حجرتها إلا بعد أن تعود أنت ممتلئاً بعقدة الذنب وحبها فتعدها بأنك لن تذهب إلى هناك مرة أخرى ،كما ،وأيضا أن الصيف هناك،حيث هي الآن، يدفع الكل للنوم خارج غرفهم أو في ساحات بيوتهم ، مما يجعلها وأنت تتهيبان هذه المغامرة ، التي ما أجملها في الشتاء بالرغم من أنك لست الطرف المتشجع لدخولها ، كعادتك، في تلك الفترة ،حينما كانت توصيك فيها بأن تحافظ على نفسك من أولئك المعلمات اللائى كن يتلاهين بك بدعوى ذكاءك الذي لا تعلم أين ذهب الآن . لم تكن تأتي ، هي، بعد التاسعة ليلاً أو برداً لتسرقك ، فقط أنت الذي كنت تنسرق ، إليها،أليست مدرستك ، كما أنت تلميذها متعدد الأغراض ؟.
    لابد وأن زوجها ذاك ، الذي كانت تكره، هي رؤيته، في تلك الفترة مثلما كنت أنت ،لا تكرهه،بل وفقط ، كنت لا ترغب في رؤيته، وحتى الآن لا تريد أن يمر بذاكرتك طيفه ، وفي هذا الوقت تحديداً ، الذي يجب ان تكون هي قد غادرته في مثله ، أي الوقت ، دون أن تلقي عليه تحية الصباح وبعد ان تكون قد رفضت له ، طيلة الليلة الماضية والتي نحن الآن في صباحها ، أن ينقض على حقوقك فيها.
    كان ينبغي عليّ أن لا اقلق ، لأنها طرقته التالية للطرقة التي أصحو عليها ،أعني صاحب البيت، إلا أنها تذكرني بالصفارة الثانية في مراكز التدريب القتالي والثوري جداً ،التي ، أي الصفارة الثانية ،يجب أن أكون قد سمعتها غصباً عني وعن رفاقي الذين هم معي في نفس الدورة التأهيلية الأولى والأساسية للقتال ، وسأكون قد شرعت بعدها ،أي الصفارة الثانية ، مباشرة في تجهيزي ووضع خرقي البالية على جسدي ، أو حشر جسدي البالي فيها ، ثم أشرع في البحث عن مسواكي الخشبي الذي يزعجني بضياعه اليومي أو هروبه الدائم من أمامي ، مما يكلفني نصف الزمن المتاح ليّ لأضع نفسي في حالة الاستعداد للصفارة الثالثة والنهائية كما أنهما ،أي المسواك والبحث عنه ،يتلفان كل فكرتي التي جهزتها البارحة ليلاً للإفلات من البرنامج الرياضي ،أو العقابي ، والذي هو إجباري طبعاً ويستمر لثلاث ساعات كاملة دون أي توقف يشكك في الولاء الثوري أمام مدربينا ، الذين لا يفوتون أي فرصة أو خطأ ليحولوه إلى ساعات إضافية من العمل المضني والفردي أحيانا.
    ما عليك الأن إلا أن تجهز نفسك و تجعلها في الوضع الذي اقترحته ، أنت ،لتقابله به هذا الصباح بعد الطرقة الثالثة ، التي هي حتماً آتية بعد دقيقتين من الآن . اعلم انك لا تريد أن تدخل معه في حوار طويل يمكن أن يفسد لك مزاجك الصباحي الذي استقرت فيه نواياك ، الحسنة جداً ، على أن تقابل به ذاكرة صديقتك ، تلك التي ستكون الأن وبلا شك قد بلغت أنت أيضا ذاكرتها ،عملاً بالمثل الذين يقولون أنه يقول " القلوب شواهد" .
    عليك الآن أن تستعد في وضعك الجديد الذي اخترته للقائه هذا الصباح أو الوضع الذي اقترحه سلوكه ،هو ، الملحاح اللجوج واللزج معك ، أنت ذو الحساسية المفرطة لحد ابتداع شتائم لا وجود لها في قاموس أي لغةٍ ، شتائم أشبه بشيءِ ناعم يتحرك بين الهمهمات و رائحة النعناع، تبتدعها أنت من جراء حساسيتك المفرطة على إذن جارتك الرقيقة تلك ، تبتدعها لا لشيء سوى أن تجعل (فورتك) الصباحية تلك غير ناقصة من حيث الإحساس الشتائمي الذي يجب أن يصاحب حالات كتلك الحالات التي صارت تتلبسك كل صباح عند رؤيته ،كما أنه هو ، وبحكم عدم إجادته للغتك ، أو أي لغة غير التقرنجة ، سيعتقد أنها شتائم وستكون بذلك قد أبلغته رسالتك الشتائمية كاملة وغير منقوصة ، مما يحمله على التراجع مندهشاً ومتوارياً عنك خلف شتائمه ، هو ، والتي لا تفهم منها أنت شيئاً سوى اعتقادك بأنها شتائم يجب أن يطلقها الشخص في المرحاض ثم يخرج ليواصل فورته الصباحية .
    ضع يدك بهذه الطريقة التي لم تجربها قط حتى في طفولتك ، بدعوى التهذيب الذي يصفك به كل جيرانك ومعلميك، ولا تريد أنت إفساد هذه الصورة التي في أذهانهم عنك ، مما جعلك ، أنت ، أسير فكرتهم تلك ولا تجيد أشياء بديهية وضرورية لمواقف كهذه ، كالسباب وأشياء أخرى كان من الممكن أن تنفس بها أو تنفذ بها كل مخططاتك العدائية حينما لا تواتيك الجرأة أو القدرة على ذلك الفعل المادي الذي يحتاج منك لقوة كافية لا لجسدك النحيل هذا ، كما وأنه يحتاج أيضاً ، ذلك الفعل ، لحماية قانونية تضمن لك عدم دخولك غرف لا تريد المرور بها في هذا الظرف الماثل أمامك دون أن تظهر عليه بادرة ملل أو رغبة في الذهاب من أمام وجهك ، وجهك الساعي نحو الحياد والابتسام حتى في قمة ضجره .
    عليك الأن أن تبحث في ذاكرتك جيداً عن سباب يتناسب و هذا الوضع الجديد الذي انعطف عليه صراعك معه ، ذاكرتك التي أصبحت لا تحتوي أو لا تجيد سوى تذكر مواقفك مع بنت جارك / معلمتك أو صديقتك مؤخراً بعد أن بلغت ، أنت ،السابعة عشرة من عمرك وأصبحت المتلقي الأول لنصائحها الغير سارية المفعول عندك ، لا سيما وأنك كنت تعتقد أنها صممت خصيصاً لك ، خاصة وأنها قد بدأتها في ذلك اليوم الذي ضبطتك فيه متلبساً بمراقبتها وأنت تداعب شئٌ ما يخصها هي وحدها في ذلك الزمان، أجل حينما ضبطتك تمارس هواية مراقبتها وهي غارقة في إغماض عينيها المشرعتين صوب استرخاءها ، لم تنزعج هي كثيراً لذلك إلا أنها عبرت عن عدم ارتياحها لفعلتك تلك بتعليقها لك ، بعد يومين ، بأنك وحسب المفاهيم القديمة ، والتي تعلمتها من جدتها ، كما قالت لك
    • انك إذا فعلت كما فعلت في ذلك اليوم ستصبح أسير من كنت تنظر إليها وهي في تلك الحالة ، وستتعلق أنت بها حتى وإن هجرتك .
    لم اعمل أنا بهذا النصح لمرتين غير متتاليتين مما أوقعني في حالات حملتني إلى شبه اليقين من صحة حديثها ، أو من صدق نصحها ذاك الذي سأبدأ العمل به مع أول صديقة تتيسر ليّ .
    هاهي الطرقة الثالثة تقترب بخطواتها اللعينة وأنت غير متأهب تماماً، هاهما يديك في الوضع الذي اقترحته يدك اليسرى لليمنى ، لكن كيف ستتمكن من فتح باب الغرفة ويديك بهذا الوضع ، لا بد لك وقبل سقوط الطرقة على بابك ، باب الغرفة ، من أن تمرن إحدى قدميك على طريقة ما لفتح الباب وأنت في هذا الوضع ، قبل ذلك عليك أن تجعل الباب متحرراً من الاحتياج إلى المفتاح أو حتى السقاطة ، سيما وأن أي من قدميك لا تستطيع الارتفاع إلى حيث تقيم أو تقبع سقاطة الباب ، خاصة وأنك لم تحاول في طفولتك أن تتعلم أي شئ من فنون الكاراتيه يمكن أن يفيدك الأن .أيضا لابد من تصميم بعض الشتائم الناعمة لتقع دافئة على آذان جارتك الصغيرة التي تقاسمك انزعاجك اليومي وتتمنى ، أنت ، أن تشاركك أشياء أخرى تجذبك نحو هذه الغرفة التي تتهرب أنت ، ومنذ مدة ، دخولها مبكراً . عليك أن تختار شتائم لا وجود لها في قاموس الشتائم بأي لغة أخرى وفاءاً لها وللطفها الذي تقابلك به كل صباح حافل ، كهذا ، بابتسامة تشيع فيك المرونة و الرغبة في الاشتباك مع الآخرين بمثلها ، تلك الابتسامة ، أو بسباب مثل " يالك من رجل لا يجيد سوى طرق أبواب الآخرين صباحاً ومساءا" أجل سباب كهذا على أن تقوله بإحساس يملؤه الغضب وبصوت مستعار من أولئك الذين يؤدون الأفلام الشريرة . سيرد عليّ هو ، وحتماً، سيكون ذلك الرد تحت تأثير اندهاشٍ أجتاح وجهه من مشهد يديّ الجديد عليه وعليّ والمثير لقلقه وتساؤلاته عن معناه ، سيرد عليّ هو ، ومن المؤكد ، لأنه لا بد من أنه لم يكن مهذباً مثلي في طفولته ، سيرد عليّ بأبلغ مما صدر عني وبلغته هو طبعاً ، التي سيشحنها بغضبه ، وسوف لن افهم أنا منها شيئاً ، سيشحنني رده بالغضب ، مما يجعلني أنزل يديّ من أمام وجهه أطلق سبابي الآخر ، أو التالي للأول ، السباب الذي اقترحته عليّ طريقتي البسيطة في التفكير بأن يكون "عالمي أنت رجائي أنت عنوان أي شئ" ولا بد أن يكون ذلك حينما أكون قد وضعت قدمي اليمنى في الطريق إلى الحمام بعد أن أكون قد تأكدت،أنا ، تماماً ، من أن كل من في البيت قد دلف إليه أمامي وخرج ، وسوف لن يزعجني أحد بطرق الباب لي وأنا على المرحاض أو حتى بقلق انتظار أحدهم لخروجي ، الذي لن يحدث حتى افرغ كل مقولاتي المتلبسة ثوب فوضي الشتائم وغضبها أو غضبي الذي سأضفيه عليها أنا معه ، هو ، صاحب البيت .
    عند خروجي من الحمام وانا فارغ من كل تلك المقولات المتشبهة بالشتائم ، سيكون قد انتهى من ضخ بعض الهواء الناقص على إطار دراجته وشرع في الخروج متوعداً إياي ومتحرشاً بصورتي ، التي لن تفارقه ،كما أنها ستطارده بشتائمي الناعمة ، نعومة ابتسامة جارتي الصغيرة ، ستطارده حتى مكان عمله مما يجعله عاقداً العزم على إحضار رجل قانون ليخرجني أنا بكامل شتائمي الغير مقنعة له ولأذنه ، التي تعلمت شتائم من نوع أصيل يجعله يتنفس بارتياح لاشتباك صباحي يستعرض فيه قدراته الشتائمية أمام زوجته ، التي ستؤازره بالتصفيق له أحياناً أو بتلقينه بعض الشتائم التي ستغيب عنه من جراء مشهد يدي الجديد ، كما سأعتقد أنا او أستنتج ذلك من فشلي في استيعاب ما يقوله ، هو ، لي ، أو ما تلقنه له زوجته ،ثم ادخل أنا إلى داخل ملابسي على عجل ، حينها ستراودني ، وككل صباح وخاصة بعد الحلم الذي صحوت على تأثيره هذا الصباح، ستراودني فكرة أن اشتري صنارة لصيد السمك وأتجه لتلك النافورة ، التي هي ،وأنا اعلم ذلك أنها خالية من أي سمك . أتوجه إليها لاصطاد فيها ،أو بالأحرى، لأمارس فيها هوايتي المفضلة ، وساكون أنا مقتنع بانه ليس من الضرورة أن اظفر منها بسمك ، فقط عليّ أن استعيد تلك الأيام التي كنت اذهب فيها لصيد السمك في النيل و أعود خاوي الصنارة وانا منتشيّ لأنني لم ارتكب أي جرم علي السمك الذي أتوزع ، أنا ، بين حبه و حب بنت جارنا الطيب ، التي ستلقي بيّ في أحضانها وهي منهمكة في البكاء عليّ حينما تعلم أنني ذهبت إلى ذلك المكان الذي لا يعني لها سوى غرق كل من يقترب منه ، لكن ستواجهني الآن مشكلة يمكن أن تحول بيني واكتمال استمتاعي بممارسة هوايتي " إذ من أين سأوفر ديدان الصار قيل التي هو الوجبة المفضلة للسمك كما يرى الصيادون وال…….
    هاهي الطرقة الأخيرة تسقط على رأسك …………..
    لكن ماذا لو تمردت،أنا، علي هذا الروتين ولم افتح‍‍‍‍‍‍‍‍‍ !!!!!؟؟؟؟؟

    أسمرا 14 يونيو 1998
                  

02-03-2007, 07:39 AM

عصام عبد الحفيظ
<aعصام عبد الحفيظ
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 4159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هواجس.... قصة قصيرة ، قديمة،بمناسبة المنتدى الأدبي بمدني (Re: Abdulbagi Mohammed)

    مرحبا بقة
    ودى بداية تمتام
    وحقا نحتاج للتواصل


    ولى عودة
                  

02-03-2007, 01:18 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هواجس.... قصة قصيرة ، قديمة،بمناسبة المنتدى الأدبي بمدني (Re: عصام عبد الحفيظ)

    جدا يا ود عبد الحفيظ
    سأحاول وضع باقي الأعمال هنا تباعاً أراءك مهمة

    تسلم يا رجل
    وشكراً
                  

02-04-2007, 01:33 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هواجس.... قصة قصيرة ، قديمة،بمناسبة المنتدى الأدبي بمدني (Re: Abdulbagi Mohammed)

    نص آخر يا عصام


    سأموت اليوم

    عبد الباقي مختار

    -ساموت اليوم !
    في البدء لم تستوقف ذهنه تلك العبارة التي فلتت خارجة من فمه أثناء محاولته وهو نائماَ تغيير الجانب الأيسر الذي كان يستلقي عليه للجانب الأيمن ، لم تذهب تلك العبارة التي خرجت من فمه عند الرابعة والنصف صباحاً إلى عقله إلا أنها تركت عينيه فاتحتين أو بالأحرى رافضتين للإغفاء ثانية ،مما جعله عرضه للتفكير في تلك الجملة التي انزلقت دون أن تمر بوعيه.
    سأموت اليوم!
    كررها لسانه اكثر من مرة دون أن يتحكم فيه أو يتمكن من وضعها تحت سلطة وعيه إلا بعد أن تزحلقت من لسانه لبقية أعضاء جسده فكررتها عضو تلو الآخر حتى بلغت عضوه التناسلي الذي رفض تكرارها اكثر من مرتين، لا لشي،إلا لأنها قطعت عليه ذلك الحلم الجميل الذي كان قد وضعة للتو فقط بين ساقيها الممتلئتين ود وشبق ، حاول الاستجابة لحين إلا أنه عاد لانتصابه الصباحي،عادت، أي العبارة، لذهنه الذي عالجها بأنه حدسك.
    ما أن مرت كلمة ،حدس بذهنه إلا وجد نفسه قافزاً من السرير ليستقر في وضع الجالس على حافة سريره مسترجعاً كل الحوادث التي أستخدم فيها حدسه منذ أن تعرف على قرأة ومتابعة برج حظه بعد ان فصل عن العمل أو بعد بعد أن أحيل للصالح العام أو بالأحرى منذ أن طلق زوجته بسبب جلوسه كل صباح أمام البيت في انتظار مرورها إلى مدرستها وتحيتها التي يحلم بها فصار يبحث عنها في برجه، برجه الذي طالما نصحه " اتبع حدسك فهو دليلك" حاول مراجعة تلك الأحداث التي لم يصدق فيها حدسه حسبها جيدا فوجدها صفر ،.
    أزداد قلقه وارتفعت أو تسارعت نبضات قلبه حينما فكر بان برجه، برج الأسد، لم يخنه أبدا. تمنى لو انه كان من مواليد برج الجدي كجاره الذي يمقته ويحاول دائماً جعله صغيراً أمامها لحظة مرورها كل صباح ،فقط لأن برجه ، برج الجدي لم يصدق ولو لمرة واحدة معه حتى أنه ،أي ، جاره هجر قراءة الصحف والمجلات التي تحمل أو لا تحمل بين ثنياتها أحاديث الأبراج، تمنى لو أنه كان من برج الجدي ،.
    سأموت اليوم!
    استسلم لتلك المقولة التي سيطرت على عقله فجأة ورفضتها أعضاء جسده جملة وتفصيلاً ، بدأ جاداً التفكير في وضع برنامج متكامل لهذه الفكرة التي لا مفر منها ، نظر لساعته محاولاً تحديد زمن لهذه النهاية التي يتمنى لو لم ينتبه لها أحد، ليرى إن كان بإمكانه فعل شئٍ قبل رحيله ،
    - الخامسة والنصف وخمسة دقائق وثانيتين ، كلا ثلاثة ثواني .

    يفكر :
    في أي ساعة ترى سيكون ذلك ؟
    حاول الاستنجاد بمعرفته العلمية والدينية لتحديد الزمن بالضبط حتى يتثنى له وضع برنامج بفعاله حسب الأولويات خلال المدة المتبقية . في البدء اقترح الثامنة صباحاً بعد أن نظر لساعته التي تشير للخامسة والنصف وخمسة دقائق..نهض مسرعاً بعد أن حدد المدة المتبقية بساعتين ونصف ، إلا أنه قرر فجأة وهو جالس على مقعد المرحاض عند الخامسة والنصف وسبعة دقائق بأن يعمل لدنياه كأنه سيعيش حتى الثانية عشرة ليلًا ..حمل فرشاة أسنانه، متسائلاً إن كانت هنالك ضرورة لاستخدامها اليوم خاصة وأنه لا يتوقع أن يستخدم فمه مع شخص ما ،أو، معها،
    إلا أنه استدرك
    -"كلا لابد من استخدامها،علها تجود عليّ بتحية بلون قبلة "
    وضعها ، أي فرشاة أسنانه ، بعد أن فعل بها ما يفعله كل يوم دون اختلاف إلا في الزمن الذي أنقصه عن الأيام السابقة بنسبة تقدر بحوالي السبعة والتسعين بالمائة ..وضعها في كيس قرر أن يجمع فيه كل أشياءه، أمتعته ،التي لن تحصى ضمن الورثة أو لا يمكن إضافتها للوصية التي سيكتبها بعناية وبتفاصيل مملة تحمل جاره الفضولي الذي يكرهه ،الذي حتماً سيأتي بدعوى الجيرة والهيبة المفتعلة التي أقنع بها كل سكان الحي ليجعل من نفسه شخص جدير بالتدخل في حل مشاكلهم الخاصة والعامة .
    - لا بد من ذلك، لهذا الجار اللعين الذي حتماً سيأتي بتلك الدعوى للتدخل وفتح الوصية بعد دفني مباشرة لإشباع فضوله بمعرفة ،ولو القليل عن حياتي الخاصة التي حرمته من التدخل فيها جملة وتفصيلاً .
    نعم حرمه منها بذلك الغموض وتلك البرودة التي كان يحاول أن يلف بها نفسه كلما تقابلا في الطريق أو المناسبات العامة . حتى حينما طلق زوجته في صمت تام وتركها تذهب ، و في معييتها كل الأطفال، لم يتيح لأحد معرفة السبب حتى لا يصل إلى مسامعه ، أي جاره،أي شئ عنه ، كما أن زوجته رحلت وكأنها راضية عن ذلك بعدم إخبارها أي من أهل الحي أوالجيران بأسباب طلاقها .
    - اجل حتى أن خبر الطلاق، و أنا متأكد من ذلك كتأكدي من موتي اليوم، لم يخرج منها بل كان مجرد تخمين من جاري الآخر المتطفل، نعم جاري الآخر المتطفل الذي كان معتاداً على الجلوس أمام الباب في كل صباحٍ لرؤيتها، تلك الفتاة اليافعة ،فرونيكا، وهي تخطو كراقصة في طريقها إلى المدرسة أو في الأمسيات ليلتقط شيئاً أو معلومة عني ،لا ليثبت ،من خلالها لجاره الثاني ،الذي يمقته، بأنه عندما أحيل للمعاش قبل ستة عشرة عاماً كان في قمة إبداعه المهني،بل أيضاً بحثاً عن معلومة تعيد ذاكرته إلي تلك الخمسين عاماً الماضية التي عمل فيها كرجل أمن في قسم تجميع وتحليل المعلومات ،تلك المهنة التي كاد أن يتركها بعد أن يصل درجة تؤهله ليكون وزيراً أو وكيلاً لوزارة ما ، لولا الخطأ الفادح الذي ارتكبه بحق أهم رؤسائه وبعض قادة المجتمع السياسيين حينما ضبطهم في قضية أخلاقية ولم يتعرف عليهم .
    كان اعتقاده سليماً ، كما أن جاره الثاني المتطفل علي اليمين لم يدخل في ذلك التحدي، إلا ليجد ظل معلومة تجعله يتدخل في حياته الخاصة، إذن تلك المعلومة ، كما أقنع نفسه من قبل لم تخرج إلا حينما لمح ذلك الجار المتطفل المأذون خارجاً من البيت وخلفه الزوجة تحمل حقائبها وأطفالها الذين يلزمون الصمت و كأنه أوصاهم بذلك لتفجير معدة ذلك الجار غيظاً ، فوجئ الجار بتلك المعلومة وهو في طريقه للحمام بسبب مغص حاد داهمه ، لكن فكرة الطرق على الحديد وهو ساخن حملته على الركض خارجاً للحاق بالزوجة ،لا لإقناعها بالعودة كما سيبدو لأي شخص في مثل هذه المواقف الإنسانية ، بل لأسباب أخرى يعلمها هو . إلا أن حدة المغص أعادته إلى الحمام ،أيضا، ركضاً وحينما خرج كانت الزوجة قد اختفت داخل عربة أجرة وكان الزوج قد أطفأ الأنوار مستسلماً لنوم عميق لم يسمع خلاله الطرق على الباب أو سمعه ولم يستجب لها .
    ذلك الفضول الذي غذاه هو له، لهم،بعدم إخباره إي شي عن حياته الخاصة كما لم تفلت منه أي عبارة ممكن أن تقودهم لمعرفة ولو القليل عنه حتى حينما كان يلعب معهم الورق في المناسبات التي تقام في الحي وبينهم تلك السيدة التي لم تعرف قط منذ حياتها المبكرة الجلوس إلى النساء ،فكانوا يحبونها جميعاً إلا أنها كانت تستلطفه هو المحظوظ دائماً ، خاصة في لعب الورق الذي يسحبه بحدسه.
    ـ حدسي؟ تباً لحدسي.. إذن لا بد من كتابة وصية تجعله حينما يقرأها يموت بعدي مباشرة من الغيظ .
    سحب الورقة والقلم عند الدقيقة العاشرة قبل السادسة صباحاً كتب صفحتين ثم راجعهما بصوت عالٍ وصورة جاره الفضولي وهو يقرأ الوصية تطوف بخياله .. مزقها لأكثر من مرة بسبب أن صيغتها لن تحمل جاره إليه في نفس اليوم الذي سيقرأها فيه، بالرغم من أن احتمال انفجار جاره بالغيظ في اليوم التالي لقرأة الوصية وارد الحدوث، خاصة بعد أن يتزايد داخله الفضول .. مزق الورقة للمرة الأخيرة و قرر جعل هذه المهمة في ترتيب متأخر من الأولويات رغم أهميتها .
    ـ أجل ستكون الثالثة من حيث الترتيب
    هكذا أقنع نفسه ، لأنها تحتاج لمزيد من التفكير .
    خرج مسرعاً عند الدقيقة الثانية قبل الثامنة صباحاً نحو صندوق الهاتف على الطريق لمحادثة زوجته والتحدث لأبنائه للمرة الأخيرة ، إلا أنه و فجاءة توقف عند السؤال عن الكيفية التي ستتم بها تلك النهاية المحزنة ليس له وحده بل أيضاً لجارته القبيحة والعانس ، جارته التي صارت تلح في دعوته لتناول شاي المساء ،أو، الغداء أحياناً ، منذ أن سمعت خبر انفصاله عن زوجته، عملاً بالمقولة الكلاسيكية" المعدة اقرب طريق لقلب الرجل" إلا انه رغم كراهيته لها كان يعتذر بلطف كلما دعته خوفا من الاشتباك معها إذ ما أعتذر بشكل مغاير ، أو كان اعتذاره يحمل ولو قليل من الضيق للقائها، ذلك الخوف ، وهو متأكد من ذلك ، ليس نابعاً من خوفه من لسانها السليط إنما خوفاً من إي اشتباك كلامي يمكن أن يتيح الفرصة لذلك الجار المتطفل والباحث عن أي مدخل لحياته الخاصة ،أجل هذا ما كان يدفعه للاعتذار بذلك اللطف الذي لا يستحقه ذلك القبح كما كان يقول كلما انتهى من تلك المهمة الصعبة في الاعتذار أو الانتحار لها .
    ـ هل من الممكن أن تكون تلك العربة ،المكتملة الأناقة والجدة ، المتوقفة الرافضة للانطلاق رغم محاولات سائقها المتعددة …..؟أجل لابد من أنها في انتظاري لعبور الطريق لتقوم بتلك المهمة أو أي عربة أخرى
    عدل عن مهمة عبور الطريق ،لاستخدام الهاتف الكائن في الجانب الآخر من الطريق ،بتلك الطريقة التقليدية التي كان يعبر بها كلما أراد قبل هذا اليوم المشؤوم البداية ..فكر في أن ينتظر تلك المعلمة التي تأتي بمجموعة من أطفال المدرسة وتساعدهم في عبور الطريق إلى المدرسة وهي حاملة اللافتة التي كتب عليها "قف أطفال يعبرون الطريق" .. أعجبته الفكرة خاصة وأن أمام الأطفال أعمار طويلة بعد .. ركض صوبها ما أن لمحها تهم برفع تلك اللافتة.. حاول العبور بيمين الأطفال إلا أنه وجد وضعه مكشوف لأي عربة مرسلة لأداء تلك المهمة من هذا الجانب وكذلك وجدها حينما تحول إلى الجانب الأيسر ، كاد أن يحشر نفسه وسطهم رغم تمسك الأطفال ببعضهم البعض ،لولا تلك التحية الصباحية التي كان يتمناها منذ أن انفصل عن زوجته وبعد أن فصل عن العمل، منذ أن صار يجلس كل صباح أمام باب بيته فقط لرؤيتها وهي تخطو نحو المدرسة وحقيبتها المدرسية تتدلى حتى ردفيها ، تلك التحية ،التي أربكت تماسكه اليومي أمامها فسقط بين أولئك الصبية مما أثار حنقه على تلك المعلمة فصاح بها ساباً فمها الذي لا يرى جيداً رغم تلك الأسنان الاصطناعية التي تلفه من كل جانب و رغم نظاراتها السميكة.. كان كل ذلك السباب بعد أن رد التحية بأحسن منها ملايين المرات بالرغم من أنه متأكد من أنها لن تسمع رده خاصة بعد أن عبرت الطريق .. لملم قطعه النقدية التي كان يحملها صوب الهاتف بمساعدة الصبية .. كاد أن يدهس نظارة المعلمة إلا أنه عدل عن رأيه بسبها مرات تعادل تلك التحيات التي أطلقها خلف تلك التي عبرت الطريق أمامه كنسمة ، فكر في التخلص من هذا الموقف قبل أن تتهور إحدى تلك العربات المستعجلة التي توقفت
    ـ كل ذلك بسبب هذه المعلمة التي لا تجيد تنظيم الصبية بشكل يجعل من الممكن لأحد الأشخاص الدخول بينهم عند الضرورة .
    هكذا ختم سبابه مخاطباً المارة وهو عابراً الطريق
    ما أن انهي تلك المحادثة التي أعلن فيها لزوجته عن عدم رؤيته لها ثانية أو الأطفال دون أن يوضح الأسباب بشكل كافي ، حتى بدأ يفكر في الطريقة التي سيعبر بها الطريق عائداً . تلفت في كل الاتجاهات متمنياً أن يحدث أي شئ يقطع اليوم الدراسي لصبية المدرسة ، حتى ولو مظاهرة سلمية ، ليتمكن من العبور وسطهم .ما أن أحس بهدوء نسبي في حركة الطريق إلا وجد نفسه راكضاً للجانب الآخر وحذائه في يده اليمني .
    ما أن أنتهي من المهمة الأولى المتعلقة بالمشكل الأسرى حتى بدأ التفكير في المهمة الثانية التي ستستغرق منه زمن وتفكير لا يقلان عن تلك الوصية المستهدفة جاره الفضولي في مقتل ،
    ـ إذاً لابد من استرداد كل تلك الاعتذارات اللطيفة والتي هي في غير مكانها لتلك الجارة التي عذبتني بدعواتها الخارجة من بين أسنانها الذئبية ، الجارة التي لا تستحق حتى التحية لو لا الظرف الذي وضعني فيه هذا الجار الفضولي
    فكر في مداهمتها اليوم وقول كل الكلام الذي كان يتمنى أن يقوله لها منذ أن ظهرت في حياته ، هكذا وسوست له نفسه باسترداد كل تلك الاعتذارات والتحيات التي خرجت منه لها دون وجه حق لو لا ذلك الجار ،إلا أنه طرد تلك الوساوس التي هي لابد من عمل شيطان متضامن مع ذلك الجار .حزم أمره منتزعاً القلم من جيبه بشكل غاضب وحانق، شكل لو رأته تلك السيدة لأغنته عن كتابة كل تلك الشتائم و الفظا عات التي وصفها بها ولم يقتنع بأنها تعادل تلك الاعتذارات والابتسامات التي بذلها لها دون وجه حق .ختم خطابه لها بعبارات تعدد مزايا الموت بسعادة حينما يعلم الميت أنه لن يراها ثانية . ثم قام باختيار مظروف من القوة حيث لا يعطي الفرصة لا أي من تلك العبارات السقوط أو القابلية للتفسير المعاكس أو الخطأ .ما أن قذف بالخطاب مباشرة في صندوق البريد الخاص بها والقابع أمام بيتها ، إلا ووجد نفسه غارقاً في كتابة تلك الوصية التي ستكون حاسمة ومفجرة لمعدة جاره الفضولي .
    تحرك عدة مرات بعد أن نسخها وجهزها تماماً لأداء تلك المهمة .
    تحرك بين غرفة الجلوس والنوم ذهاباً وإياباً عدة مرات تعبيراً عن قلقه من ذلك السؤال الذي داهمه عند الحادية عشرة والربع قبل أن يجهز سريره لاستقبال ذلك الحدث.
    ـ ماذا لو كذب حدسي هذه المرة؟... جارتي اللعينة... الخطاب...لابد من أن يصدق حدثي
    لابد من أن يصدق حد................لابدأ من .........





    نيروبي17/3/ 2001






                  

03-25-2007, 01:43 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هواجس.... قصة قصيرة ، قديمة،بمناسبة المنتدى الأدبي بمدني (Re: Abdulbagi Mohammed)

    Up 4 Amphareip
                  

03-26-2007, 10:32 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هواجس.... قصة قصيرة ، قديمة،بمناسبة المنتدى الأدبي بمدني (Re: Abdulbagi Mohammed)

    Quote: Up 4 Amphareip

    تاني
                  

03-27-2007, 02:24 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هواجس.... قصة قصيرة ، قديمة،بمناسبة المنتدى الأدبي بمدني (Re: Abdulbagi Mohammed)

    شكرا بقه علي الابداع والمؤازرة والمنتدي كانت له جلسة استماع بقرش منصور

    والشاعر ازهري محمد علي والصادق الرضي ضمن بامج الاسابيع القادمة


    اتمني ان يرعي المنتدي المواهب الادبية بالمدينة من طباعة قصص قصيرة او دوواوين شعرية او مسرحية الرجاء دعوة الاديب احمد الفضل
    اتمني التوثيق للمنتدي من صوت وصورة واشراك الجميع يابقه وسلامي واشواقي

    لقد اعطيت المنبر نكهة اديب ادمن التسكع في ساحات الفنون ويا ريت لو تكتب تجربتك الخاصة لانها غنية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de