|
|
 نداءات عاجلة:أطفال دارفور جرح نازف مأساة الطفل عصام والبحث المتواصل عن العلاج بمستشفيات الخرطوم
|
مأساة الطفل عصام والبحث المتواصل عن العلاج بمستشفيات الخرطوم
غياب كامل للجهات عن متابعة حالات إصابات الاطفال الناتجة عن الحرب
الطفل عصام أبوبكر عبدالله آدم من مواليد منطقة (أبوسكين) بمحلية كورما شياخة (علي نصر) شمال دارفور عام (1995م).. ينتمى لاسرة تمتهن الزراعة منذ عهد بعيد، ولأنها مهنة متوارثة يذهب الصغار مع الكبار حتى يتعلموا أصولها، في ليلة الخميس المشؤومة الموافق (1/12/2006م) توجه عصام مع والده وشقيقيه إلى مزرعتهم لكي يديروا وابور المياه لسقاية الزرع.. وبالفعل وصلوا إلى المزرعة التي لا تبعد كثيراً عن القرية، ووصل بعدها عم الطفل وابناه وعدد من الأقارب لتقديم المساعدة، وبعد ان فتحوا الماء في الزرع وأنهكهم التعب أرادوا أخذ قسط من الراحة وكعادة المزارعين هناك افترشوا الأرض.
ولكن القدر أعد لهم مفاجأة غير سارة.. حوالي الساعة الثانية صباحاً هجم مسلحون مجهولون على المزرعة وأطلقوا، وابلاً من الرصاص على هؤلاء الأبرياء النيام.
توفي منهم في الحال والد الطفل (36) عاماً وشقيقاه الفاضل (15) عام وعبدالسلام (13) عاما وابن خالته (12) عاما وجرح عمه وابناء عمه الاثنان، ليجد عصام نفسه وحيداً بلا أسرة في هذه الدنيا الواسعة.
زيارة للطفل
وطلبت من عم الطفل أن يحكي لي كيف قضوا ثلاثة أشهر ونصف من تاريخ وقوع الحادث وحتى الآن، سكت قليلاً وبدا التأثر واضحاً على وجهه وهو يرجع بذاكرته إلى الوراء وقال لي بعد أن وقع هذا الحادث الأليم في تلك الليلة المشؤومة وبعد أن سمع سكان القرية دوي الرصاص في المزرعة هرعوا إلى مكان الحادث لكي يقدموا المساعدة وأول من وصل هما أحمد محمد نور (53) عاماً ومحمد عبدالله (18عاماً) ولسوء الحظ وجدوا الجناة لم يغادروا بعد وأطلقوا عليهم الرصاص وأجهزوا عليهم لترتفع حصيلة القتلى من أربعة إلى ستة، واضاف: كان كل همي منصياً على ابن اخي عصام فذهبت به إلى مركز صحي (كفوت) وبعد ان اجريت له الاسعافات الأولية حولنا إلى مستشفى الفاشر ومكثنا به حوالي الشهرين، حولنا بعدها إلى مستشفى الخرطوم لمزيد من العلاج.
بعين واحدة
التقرير الطبي مفاده (إصابة بعيار ناري في الرأس أدى إلى إزالة جزء من الجمجمة وتلف كامل في العين اليمنى، مكث في المستشفى شهرين وتم تحويله إلى مستشفى الشعب التعليمي قسم المخ والاعصاب لمزيد من العلاج).. هنا اسودت الدنيا في وجهي كيف أصل الخرطوم جواً وكيف أتغلب على تكاليف العلاج المرهقة هناك.. إلى ان لاح لنا بارق امل ممثل في (مركز أمل لاعادة وتأهيل ضحايا التعذيب) التابع لشبكة حقوق الإنسان الدولية، حيث اتصل بنا مدير المركز في الفاشر، معلناً استعداد المركز للتكفل بجميع تكاليف علاج عصام بما في ذلك تذاكر الطيران إلى الخرطوم.
ووصلنا مستشفى الشعب ومكثنا به قرابة الشهر حولنا بعدها إلى مركز التأهيل التخصصي التابع للسلاح الطبي يوم (26/2/2007م) لإجراء جراحات تجميلية للتشويه الذي لحق بالطفل وما زلنا بمركز التأهيل حتى اليوم، مع العلم أن اليوم بالجناح الاقتصادي يعادل (85.000) الف جنيه وتكاليف العلاج والعملية تساوي (227.675) الف دينار تكفل بها مركز امل جميعها، وبالحرف الواحد قال لي عم الطفل انه لم تقدم لنا أية جهة رسمية أو طوعية المساعدة سوى هذا المركز.
مركز أمل
بعد ان استمعت لحديث عم الطفل كان لا بد لي من التوجه إلى مقر رئاسة هذا المركز بالخرطوم العمارات شارع (59) ولمعرفة المزيد عن الأنشطة التي يقوم بها المركز وقال الدكتور نجيب نجم الدين مدير المركز وبعد ان تحدثنا عن حالة الطفل عصام: هذا واجبنا تجاه عصام والعشرات أمثاله من الحالات التي يرعاها المركز والموجودة بملفات التوثيقات الا أننا لا نستطيع الإفصاح عنها لسرية المعلومات عن هؤلاء الضحايا، فسألته عن تبعية المركز فأجاب بان مركز أمل هو جزء من شبكة (أمان) لإعادة وتأهيل ضحايا التعذيب وهي مجموعة من الشبكات والمراكز في الشرق الأوسط وأفريقيا آلت رئاستها إلى السودان عبر جمعية عمومية، والشبكة تتبع للأمم المتحدة وشبكة حقوق الإنسان.. قاطعته مستفسراً عن التمويل: هل هو أممي صرف أم هنالك جهات أخرى؟ أجاب بأن التمويل من الأمم المتحدة وبعض المنظمات مثل الاتحاد الاوروبي الذي يقدم دعم الإعلام والجانب القانوني، وهنالك منظمات مثل (تروكزا) تمول النشاط في الفاشر ونيالا، ونحن مسجلون في (هاد) ولا نعمل شيئا في الخفاء وكل نشاطاتنا في النور ونقدم تقريراً سنوياً عن حقوق الإنسان في السودان ونعطي الحكومة صورة منه.. ولكن هل تتلقون اي دعم حكومي؟ أجاب بالنفي حتى يتمتع المركز بالحيادية اللازمة.
(20) حالة اغتصاب
بعد الجولة التي قمت بها في المركز التقيت بالسيد نصر بشير كمبال المدير الإداري في نيالا ومسؤول التوثيق ويدعونه عم نصر فطلبت منه أن يروي لي بعض ما شاهده وعايشه هناك في دارفور عن ضحايا الحرب من الأطفال.
ابتدر حديثه بأنه مسجلة عندهم (20) حالة إغتصاب لأطفال، مثلاً هنالك طفلتان (11) و(12) عاماً تعرضتا للاغتصاب من جناة بعينهم وعندما احضرهما ذووهما للمركز تم عمل الإجراءات القانونية عن طريق المحامين المتطوعين بالشبكة، وتم الكشف الطبي وتحرير أورنيك (8) الجنائي، وفي النهاية تم القبض على الجناة وتمت محاكمتهم بموجب الأعمال الفاحشة وليس الاغتصاب، حيث حوكموا بثلاثة أشهر لكل.
وهذه الجرائم تترتب عليها آثار نفسية سيئة فالبنتان ما زالتا تتلقيا علاجاً نفسياً في المركز، وهنالك أيضاً طفل تم حرقه بواسطة مجموعات مسلحة عندما أغاروا على احدى قرى ولاية جنوب دارفور في (2004م) والحادث مسجل عندنا، حيث تم حرق قطية والقاء هذا الطفل فيها وتعرض لحروق في وجهه وصدره ويديه وحدث له تشوه كامل ويحتاج لعملية جراحية وعمليات تجميلية وتبنت إحدى المنظمات وتدعى (I R C) تكلفة العلاج بالخارج ولكنه منع من السفر بصبحة مندوب المنظمة (لانه يمكن علاجه هنا)، حسب وجهة النظر الرسمية.
المجلس القومي لرعاية الطفولة:ـ
توجهت للمجلس القومي لرعاية الطفولة والتقيت الأمين العام للمجلس الأستاذة أميرة الفاضل، وسألتها مباشرة: ما هو دور المجلس تجاه أطفال دارفور خصوصاً وأنهم يعيشون ظروفاً استثنائية؟ فأجابت بأن دور المجلس تجاه كل أطفال السودان يتمثل في رسم السياسة العامة والتخطيط والتنسيق بين الوزارات لتأمين حق الطفل في البقاء والحماية والصحة، أما أطفال دارفور فنحن نسميهم (الاطفال تحت الظروف الصعبة لأن الحرب تولد نازحين ومشردين) ودورنا تجاههم لفت نظر الحكومة واستقطاب الدعم من الجهات المختلفة.. قاطعتها كيف يتنزل هذا الدعم على هؤلاء الاطفال؟ فأجابت: عبر المجالس الولائية فنحن لدينا ثلاثة مجالس في ولايات دارفور الثلاث، ولكن ألا ترين ان هنالك تغييباً للدور الرسمي في هذه الولايات الثلاث تجاه الاطفال بدليل ان الاسر تلجأ إلى مكاتب المنظمات التابعة لحقوق الإنسان هناك؟ فأجابت بان الدور الرسمي موجود ولكنه ضعيف، فقلت لها: هنالك منظمات تتحدث عن اغتصاب أطفال وحرق وقتل ماقولكم؟ فقالت لي إنه يجب تناول هذه الآراء (بحذر) لان المنظمات العاملة هناك لا تعمل كلها من أجل هؤلاء الأطفال بل بعض منها لديه أجندات أخرى.
فقلت لها: حسناً هل هناك رصد للحالات الإنسانية بالنسبة لهؤلاء الاطفال؟ فقالت بالطبع المجالس الولائية لديها رصد لكل هذه الحالات بالتنسيق مع وزارة الصحة ووزارة الشؤون الإنسانية.
طفل بلا أبوين
لا شك أن هنالك العديد من المنظمات الطوعية الحكومية وغير الحكومة لها دور مقدر في كفكفة جراحات إنسان دارفور من خلال المساعدات الإنسانية التي تقدمها لضحايا هذه الحرب، ولكن لا بد من الالتفات للحالات الخاصة من الأطفال الذين فقدوا الأهل واصبحوا بلا اسر.
واجب على الجهات الرسمية المساهمة في قيام منظمة تهتم بهم لان دور هذه المنظمات الطوعية في الغالب ينتهي بعد تقديم التأهيل العلاجي والنفسي لهؤلاء الأطفال.. الذين ستبدأ رحلة معاناتهم مع الحياة بعد هذا التأهيل وسيكونون في أمس الحاجة إلى من يعبر بهم الطريق إلى أن يصبحوا قادرين على تحمل المسؤولية لوحدهم.
تحقيق: احمد الطاهر هجام
نقلاً عن صحيفة السوداني
العدد 497الصادرة بتاريخ 29/3/2007م
|
|
 
|
|
|
|
ابراهيم بقال سراج
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست