الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
|
الاستاذ فتحي الضو ،رئيس اتحاد الصحافيين بامريكا في ندوة بميرلاند / صلاح شعيب
|
: الاستاذ فتحي الضو ،رئيس اتحاد الصحافيين بامريكا في ندوة بميرلاند : 1_2

إعداد : صلاح شعيب
أقامت الجالية السودانية الأمريكية بدلمارفا، مقاطعة برينسس آن ميرلاند، ندوة بعنوان: (سيناريوهات ما بعد الانتخابات)، والتي قدمها الأستاذ فتحي الضو رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين بالولايات المتحدة, وحضر الندوة جمهور غفير من المقيمين بالمقاطعة.
*استهل الضو الندوة التي أدارها الأستاذ معتصم إسماعيل محمد نور بقوله: (إن الدولة السودانية الحديثة عمرها 55 عاماً منذ الاستقلال. استنفدت فيها الحقب الديمقراطية الثلاثة أقل من عقد من الزمان، في حين استهلكت الأنظمة الديكتاتورية والشمولية نحو43 عاماً ولا يعلم أحد أيان مرساها. وبالتالي يصبح أي حديث عن المقارنة بين المنهجين حديثاً جائراً وغير منصف. لكن لابد للمرء أن يستوقف نفسه قليلاً في الأسباب التي جعلت أنظمة السوء هذه تجثم على صدر العباد وتستطيل سنواتها حتى تبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف الأنظمة البرلمانية التعددية. في الواقع لابد من أن نواجه أنفسنا بشيء من الشجاعة، لا سيما، وأن السودان الوطن يمر الآن بمأزق تاريخي وتقلصت خياراته بين أن يكون أو لا يكون. صحيح أنه لاعتبارات خاصة بتكويننا المجتمعي والنفساني والقيمي والروحي والفلسفي والسلوكي والنمطي، يعشق السودانيون الحرية والديمقراطية، لكن هذا لا يكفي، أي أن العشق وحده لا يكفي، لابد من ممارسة تُطبق النظري عملياً، وهذا لا يخلو من ضريبة ينبغي أن تُدفع. فالديمقراطية كما هو معلوم تستند على مبادئ احترام الآخر في خياراته السياسية والفكرية والدينية والحياتية بشكل عام، مما يجعل للحوار قيمته المثلى).
وقال الأستاذ فتحي الضو: (إننا شعب لم يعرف كيف يتحاور، ولهذا فالشعوب السودانية لم تتعرف على بعضها البعض حتى الآن، الحوار لا ينتهي إلى النتائج المنطقية الطبيعية، فهو دائماً ما يتخذ شكلاً عدوانياً، إما قاتل أو مقتول، عبارة عن شيء أقرب إلى مصارعة الثيران، الغلبة فيه للأعلى صوتاً والأصقل حنجرة، سماته العنف اللفظي بكل مكوناته، حتى في وصف الحوار الذي يجري بين اثنين مثل قولهم (فلان شرشح علان، علان مرمط فلان، فلان مسح بفلان الأرض وهكذا), مع أن سنام الحضارة ليس فقط أن تحترم الآخر في خياراته فحسب بل تدافع عنها متى ما اتضح لك أنها صحيحة، وهذا بالضبط ما عناه فليسوف الثورة الفرنسية فولتير في قوله المأثور: (قد أختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد للدفاع عن رأيك), وحتى لا يغضب منا أصحاب التأصيل نقول هذا ما عناه وأكثر الإمام الشافعي الذي قال: (والله ما ناظرت أحداً قط إلا وتمنيت أن يجري الله الحق على لسانه), ولهذا ليس غريباً بالنسبة لي أن ينتج الخلل الذي نعيشه ظاهرة أسوأ وهي التي تجلت في السنوات الأخيرة واتضحت بصورة مؤلمة، مع أنها ظاهرة تتقاطع تماماً مع مكونات الشخصية السودانية، فللأسف أصبح النفاق السياسي والاجتماعي ظاهرة لا تخطئها العين، ودخلت أساليب الفهلوة والخداع واتخذت السلبيات السلوكية معاني أخرى, فسرقة المال العام والاختلاس لم تعد عيباً إنما يمكن أن تعد شطارة، والفاسد بصورة عامة أصبح أحد المكرمين في المجتمع، وهكذا.. وأظن أن ذلك من إفرازات الأنظمة الديكتاتورية والشمولية التي أرهقت كاهل السودانيين).
وخلص الضو إلى أن طيبعة المجتمع السوداني المتعددة والمتباينة والكثيرة الاختلافات والتناقضات مسألة حتمية وضرورية إذا شئنا لهذا البلد أن يظل موحداً، مشيراً أنه لابد من التفريق بين الدولة والوطن، لأن الأنظمة الشمولية دائماً ما تحاول أن تخلط بين المفهومين بغرض تمرير أجندتها.
وقال: (إننا نعيش في كنف وطن لم تتحدد معالمه بعد، فالدولة لم تتفق حتى الآن على القضايا الأساسية التي ينبغي أن تنجزها تمهيداً لمشروع وطني شامل. على سبيل المثال لا يتم الاتفاق إن لم نقل يتم التلاعب في عد الأنفس، فالتعداد السكاني الأخير تعرض لممارسات لا يمكن أن تحدث في أكثر الدول تخلفاً، لماذا؟ ذلك لأسباب خاصة بمنافع يرجوها الحزب الحاكم. نحن الآن نعيش في ظل دولة لا تعرف عدد سكانها، بل حتى نحن الذين في الخارج بالرغم من وجود جهاز خاص بالمغتربين لا أحد يستطيع أن يحدد عدد السودانيين الموجودين في الخارج، ناهيك عن تفاصيل حياتهم. لهذا كما قلت ليس غريباً أن تنصرف الدولة نحو تبني القضايا الهامشية، على سبيل المثال هب أنك تعيش في إحدى المناطق الهامشية أو الطرفية، وتفتح ماسورة المياه ولا تعطيك إلا شخيراً (يحدث هذا في قلب العاصمة أيضاً), وفي نفس الوقت تفتح جهاز التلفزيون لتجد الوزير كمال عبد اللطيف يتحدث عن الحكومة الإلكترونية، وتجد عبد الرحيم محمد حسين يحدثك عن صناعة طيارة بدون طيار، ووزيرة الصحة تحدثك عن الإسعاف الطائر في ظل انعدام الدواء وأساسيات الاستشفاء. أعتقد أن الدولة السودانية وقعت تحت حكام يتحدثون عن دولة افتراضية ومواطن يعيش في دولة واقعية وشتان ما بين الاثنين).
وقال الأستاذ فتحي في الندوة التي أقيمت بجامعة ميرلاند (الساحل الشرقي): (إذا ما أسقطنا غياب لغة الحوار على الواقع السياسي السوداني، هناك خطوط عريضة تصلح كأسباب اجتهدنا في سردها ومنها: أولاً: عدم الثبات على المبادئ في المواقف السياسية، وذلك يتضح منذ الجدل الذي صاحب عملية الاستقلال وامتد عبر الممارسة السياسية في الأنظمة المختلفة، انظر على سبيل المثال للعبارة التاريخية التي نطق بها السيد الصادق المهدي بعد الاستقلال في وصفه لقوانين سبتمبر, (لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به) وعليها صاغ الحزب برنامجه السياسي (نهج الصحوة), وخاض الانتخابات وفاز بمقاعد كثيرة وأصبح قائل الكلمة رئيس الوزراء، وعندها كان أول شيء فعله أن تنكر لما نطق به لسانه، وتعرض إلغاء القوانين للمماطلة والتسويف الذي أدى في نهاية الأمر إلى الانقلاب في العام 1989, والآن إذا أردنا مثلاً آخراً أكثر وضوحاً، أقول يمكنك أن توزع البيان الأول لانقلاب الإنقاذ كمنشور ضد السلطة الحالية، ويمكن للمنقذين أن يعتقلوك بتهمة الطابور الخامس مع أن الموزع ملكهم وأفكارهم التي لم يثبتوا عليها أو ينجزوها. ثانياً: ظاهرة عدم الثبات على المواقف أدت إلى ما يمكن تسميته بالهرولة بين الأحزاب، الأمر الذي يؤدي إلى تخليط القضايا وازدواج المفاهيم وتعقيد الممارسة السياسية. تأمل الجالس على يمين نافع الآن في المؤتمر الصحفي وهو فتحي شيلا الذي كان بالأمس يجلس على يمين الميرغني، وانظر للسيد مبارك وهو نفسه الذي كان معارضاً ثم مساعداً لرئيس الجمهورية ثم معارضاً والطابور طويل هناك الزهاوي ومسار ونهار وهلمجرا. ثالثاً: في ظل غياب لغة الحوار يبرز ما يسمي بظاهرة التسامح السياسي السوداني، وهي كلمة حق أريد بها باطل، بالرغم من أن التسامح قيمة مبتغاة إلاّ أن القصد بالتسامح السياسي السوداني هو الهروب من ممارسات بعينها والخشية من المحاسبة، فالمعروف في كل المجتمعات والشعوب هناك ما يمكن تسميته بالتسامح الديني، الذي يفضي إلى التعايش بين أصحاب الملل والنحل والعقائد المختلفة جنباً إلى جنب، لكن لا يمكن أن نقول التسامح السياسي، لأن السياسة قائمة على الممارسة والتطبيق، وقابلة للخطأ والصواب، وبالتالي لابد أن تخضع لعملية الحساب والمحاسبة بأشكال شتى. والغريب في الأمر أن حكام السودان عملوا بنظرية الهرم المقلوب، تحدثوا عن التسامح السياسي وانتهكوا التسامح الديني باغتيال شهيد الفكر الإنساني الأستاذ محمود محمد طه، وكذلك تحدثوا عن التسامح السياسي بعد نيفاشا وهم الذين انتهكوا التسامح الديني قبل نيفاشا بتحويل الحرب إلى حرب دينية رفعت فيها شعارات الجهاد).
وأشار الضو أن النقطة الرابعة والمهمة تتمثل في انعدام الديمقراطية في كيانات الأحزاب السياسية، موضحا أن (السيد الميرغني يجلس على سدة الحزب بدون انتخابات منذ أكثر من أربعة عقود زمنية، وكذلك مثله السيد الصادق المهدي الذي يتحايل على ذلك بخصم سنوات السجن كما قال لي شخصياً، وقلت له حينها (ذلك يعني يا سيد أنك عندما تدخل السجن يدخل الحزب معك، وهو عذر أقبح من الذنب؟), السيد نقد فعل الأمر نفسه وجلس في رئاسة الحزب منذ العام 1971, أما الدكتور حسن الترابي وهو أطولهم باعاً منذ العام 1964 ومع ذلك ينبغي أن يستثنى والعصبة الحاكمة من شرط التداول الديمقراطي، ذلك لأنهم لا يؤمنون في الأصل بهذا المبدأ. والحقيقة هذا يفضح لنا هوية العصبة الحاكمة نفسها، والتي يمكن القول إنها ليست إسلامية، ولا شيوعية ولا اشتراكية ولا بعثية، فالواقع إنها جماعة أصبح يجمع بينها فقه المصلحة. ونستدل بنزع الهوية الإسلامية عنهم، بالحدث الحديث وهو قضية ما يسمى بسوق المواسير في الفاشر (ليس غريباً أن يمنحوه اسماً إسلامياً وهو سوق الرحمة) وهو أكبر سوق ربا ربما في العالم، تصور أن يحدث ذلك وفي منطقة كارثة إنسانية جراء الحرب، وانظر إلى خسائره التي بلغت نحو 300 مليار جنية أو يزيد، وكذلك انظر للدولة المسلمة التي أنتجت ظاهرة الأطفال فاقدي السند كما يقولون عنهم، والذين بلغ عددهم الآن نحو 800 طفل سنوياً، هذا غير الذين تنهشهم الكلاب أو يقبرون بعيداً عن العيون أو يقذف بهم في غياهب السيفونات).
|
|

|
|
|
|
|
|
|