بئس التاريخ هو تاريخنا الوطنى ، ذلك التأريخ الحافل بالمتناقضات ، التأريخ غير الممحص وغير المدروس ، ذلك المغتغت بفعل الفاعلين أو بتراكم الغبار نتيجة للكسل الذهنى للباحث السودانى أو للخوف من أبواب الريح أو حتى للرضا عن تراتب الأشياء الناتج عن هذا التاريخ القبيح الملئ بالقيح والصديد والجراحات المتعفنة.
أشد ما يؤلمنى فى شباب اليوم هو التسليم بقبائح الماضى و البناء الملتوى عليها من منطق الكنس تحت السجادة و تجاوز الماضى دون حتى تحديد أى موقف واضح منذلك الماضى و تلك القبائح أو إدانتها ولو على مستوى المحاكمة الشخصية للذات ، فليس من المعقول أن يوجد مستنير سودانى أو مثقف يعول عليه فى إنجاز أى نوع من أنواع التغيير وهو لم يزل يرزح على المستوى النفسى تحت رزيلة التسليم بتجارة الرقيق كمحض تجارة سادت فى يوم من الأيام أو حتى القبول بعاديِّتها أو التعامل معها كشئ قابل للتندر به و الضحك حوله والتسامر بمنتوجاته .
أجد الكثير من الإخوة و الأصدقاء (فيما يخصنى وحدى ) يمرون على هذه القضايا بعفوية موغلة فى التناسى لجراحات أقوام كثيرة أصابها ما أصابها من تجارة الرق و بيع وشراء الإنسان وسلب الحرية والعنت البدنى و النفسى الذى طال أولئك البشر ، و كأنما ما تم من قبائح هو كالدين الهالك يسقط بالتقادم ويقينى فى علم الجميع بأن محاكمة التاريخ هى أساس التغيير ولعق الجراح وتطبيبها هو بداية الشفاء واللحمة ، وأجد أن من غير المقبول أو اللائق على الإطلاق أن يدعى الإنسان التحرر والوعى و الثقافة وهو لا زال يردد فى قرارة نفسه مفاهيم العبودية و الإستعلاء النوعى و العرقى على الأخرين من خلفيات سوداء و زنجية أو حتى على سبيل الفخر و التندر بأصول ذات فرضيات عروبوية لها شأن أعلى و نسب شريف أو مقام مطلى بالذهب ،و العجب العجيب و المثير للسخط هو ذلك الوفاق الجماعى على إمكانية الدوس على جراح العبودية دون أن يئن لها أحد أو يتألم بسببهاإنسان ، إستنادا على أن تلك مجرد ونسة أو نكتة أو (كلام ساى) والعلم عند الله أنها ليست بونسة لا هو (بكلامٍ ساى) و أن هنالك الكثيرين ممن يتألمون لمثل هذه الثرديات و الأحكيات القبيحة و ذلك الإستعلاء المؤلم ، ولو تناسى منتسبو الأعراق السامية وجودهم.
حينما ألتقى بصديق ما و يبدأ بالحديث عن الخلفيات العرقية و القبلية لأى كان فإننى و على المستوى الشخصى و الخاص لا أقبل ولا أسمح له بالتندر أو الضحك و السخرية من قضايا تتعلق بتجارة الرقيق أو أى كلام من شاكلة هؤلاء كانو عبيدا لجدى الأكبر أو أنه كان يربطهم بالحبال مع البهائم فى الزريبة و كان يفض غشاءات البكارة لفتياتهم الصغيرات قبل أن يتصدق بهن على ضيوفه ذوى العمائم البيضاء ، تخيلوا معى أن تجلس اليوم إلى مستنير و مثقف شاب فى الألفية الخامسة بعد العشر ويردد دون أن يفكر أن هؤلاء العبيد لا يستحقون إلا العصا وأن لا خير فيهم مهما تعلموا أو فهموا أو تفتحوا على العالم ،وقد بلغ بأحدهم بعد نقاش مطول أن يهرب إلى التبريرات الفطيرة بأنه يعلم أن الإسلام يقول:(لافرق لعربى على عجمى إلا بالتقوى ) و لكنه ( يكره هؤلاء العبيد لله فى الله كدا ) وهذا لعمرى لمما تشيب له الولدان ويغضب له الرحمن جل وعلا .
أهمية البحث عن الحقيقة فى تأريخ الرق وتجارة الرقيق فى السودان تنبع من ضرورة التأسيس الصحيح على الوقائع التاريخية من أجل بناء مجتمعنا المعافى و المتجاوز لتلك المظالم بالتسامح المبنى على التوبة النصوحة و الإعتذار عن فظائع الماضى و مثالبه و مغارمه ، وتقع المسؤولية فى ذلك على أحفاد تجار الرقيق من مستنيرى اليوم و فصحاء المنابر الذين يفتأون تندرا و قهقهة حول جدى وجدك الأول الذين سادوا بالأمس و جابو الصخر بالواد وباعوا البشر للأتراك العثمنليين وسفن البيض التى ترسو قبالة سواحل إفريقيا الغربية وبلاد فاس الما وراها ناس ، فكيف يهب الإنسان الواعى للدفاع عن تاجر رقيق تحت طائلة المحاكمة التأريخية فقط لأنه جده الأكبر أو جد صديقه الحميم ؟
هذا القبح البائن فى الذهنية الجمعية لابد له أن ينمحى ويزول فليس من المعقول أن يردد الإنسان ولو بينه وبين نفسه ما كان يردده أبوه فى العلن و ما كان يفتخر به جده الأول من قبله حول بيعه وشراءه لأدميين كرمهم ربهم و صانت كرامتهم أديانه جمعاء و نهى عن أذيتهم كل الأنبياء و الرسل و المبشرين ، فبأى شئ يبشر المستنير المنحرر و هو يلقى بالنكات السمجة حول بشر رزحوا فى الأغلال و السلاسل دون أن يرف له جفن ضمير أو تنزح عليه كرامته ، وكيف يمكن لمثقف أن يقود مسيرة ما نحو الغد المتصالح مع حاضره إذا فشل فى تنظيف نفسيته من أدران الإستعلاء و الكبر و الغرور و إذا ظل يراكم الغبار على تأريخ ينز بالقبح و الشرور .
توجب علينا جميعا كسودانيين أن نكف عن تضييع إنسانيتنا فى التناسى و أن نهب هبة واحدة ضد أنفسنا ونعمل جهدنا للتخلص من هذه النقائص المميتة إن كنا لا نزال نرغب فى التعايش مع الأخر بناءً على الإحترام المتبادل و الحوار الإنسانى المتحضر .
مع التحية
.......
04-26-2010, 07:08 AM
الوليد عمر
الوليد عمر
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 327
وليد عمر رؤيتك مراية ما فيها غباش لك التحيه ومحتاجين زيك كتار شان نلمم باقي بلد قسمنها كيمان بمنظار استعلائي زائف بس اكيد تغير الوعى درب طويل وصعب بنمشي معاك
04-26-2010, 09:21 AM
اسلام عبد الرحمن عمر
اسلام عبد الرحمن عمر
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 422
Quote: بس اكيد تغير الوعى درب طويل وصعب بنمشي معاك
واقع الأمر أن الإنسان يصاب بإحباط كبير و هو يرى هذا التردى الخلقى الموغل فى العمق و الضارب بأطنابه فى نفسية أناس مستنيرين و مثقفين يفترض أن نظن بهم الخير الكثير و لكن تصطدم بأرضيتهم النفسية المتناقضة فى ما يخص صميم قضايا الإنسانية كنجارة الرق و مواقفهم المخزية منها ، وليت الأمر يتوقف عند هذا ، لكن أن تجد من يدافع رعاة تلك التجارة و مرتكبى فظائعها فهذا أمر لا يمكن إحتماله بالمرة
....
04-26-2010, 09:49 AM
الوليد عمر
الوليد عمر
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 327
كتب على أن أعيش بالخليج لفترة طالت و تطاولت حتى كدت أظن ألا نهاية لها ، ولكن رغم ذلك لا أخفيكم أننى أشعر ببعض التطاول من العرب علينا كسودانيين، رغم أننى لا أصنفه فى خانة الإستعلاء العرقى بقدر ما أراه حالة من التنافس الإقتصادى بين منتسبى الجاليات النازحة للخليج لأهداف إقتصادية بحتة و لست أرى أى من العرب الموجودين أو حتى المستعربين منهم متقوقعا فى ذهنية إستعبادية متشدقة بالأصول العرقية بهدف إقصاء الأخرين أو النيل من كرامتهم أو التندر بخلفياتهم العرقية ، على النقيض تماما مما يحدث فى بلادنا التى سيطرت عليها هذه المفاهيم و التى فى تقديرى لم تكن قائمة حتى على الصورة النمطية لدواعى الرق و الإسترقاق فالمفهوم الكلاسيكى للعبودية هو إمتلاك إنسان ذو سحنة لون فاتحة و شعر (مهبهب) أو أصفر و طويل و عندو شنب لإنسان ذو أنف أفطس و شعر مجعد و بشرة داكنة اللون ، وهذا أمر غير موجود فى الحالة السودانية لأنه لا يوجد هنالك من يمكنه الإشارة إلى كونه أبيض أو عربى أو صاحب دم سامى نقى غير ملوث بالدماء الزنجية ذات الوضاعة المفترضة و النتونة الجينية الإجبارية ، إذن فالقومة و القعدة فوق أم كم ، إذا كنا كسودانيين غير معترف بعروبتنا من الأساس ولا نمتلك مقومات السادة و صفاتهم الشكلية فلماذا نستعبد إخوتنا و نسترقهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا جداً ؟
هذه الحالة السودانية من التشدُّق بأنساب بالية لا يعترف بها حتى أجدادنا العرب المفترضين لهى حالة مثيرة للعجب و الغرابة و الدهشة فى الحقيقة و تحتاج للدراسة المستفيضة سيكولوجياً و إجتماعيا للوقوف على أسباب إستشراء هذه الأمراض القاتلة و المقوِّضة للحضارات و إن كان لابد لنا من التفكير فى مستقبل أبنائنا فيجب علينا العمل على حمايتهم من هذه المفاهيم الموغلة فى اللا إنسانية و العمل فى ذات الوقت على أنسنة أنفسنا و تشذيب أخلاقنا و قيمنا الجمعية .
.....
04-26-2010, 10:01 AM
الوليد عمر
الوليد عمر
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 327
لماذا دائما نلقى باللائمة على الغرب ، دون أخذ نصيبنا من تلك اللائمة لست أرى فى إستعلاء الخواجات على الأخرين عربا كانو أو زنوجا -سببا كافيا لتبنى ذات النهج بيننا كمستضعفين ونمعن فى إستضعاف بعضنا البعض ، شئ شديد الغرابة ، أن نهرب بتبريراتنا إلى نفس العوامل فى كل مرة ، و السبب الرئيسى لقة تمسكنا بالمبادئ الإنسانية الأساسية هو عللنا النفسية الخاصة وليست عدوى مكتسبة من الأخرين ، خواجات ساميين أو أريين أو غيرهم من شراة الإدميين .
بخصوص الأعراب و إستخفافهم بإنسانيتنا راجع المداخلة عاليه
مع التحية .
....
04-27-2010, 05:28 AM
الوليد عمر
الوليد عمر
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 327
منصور خالد في كتابه جانبا من تاريخ تجارة الرق في السودان
Quote: للرق تاريخ طويل في السودان يعود لما قبل الحكم التركي (1821 ـ 1889) الا ان التوسع والتحديث في الاقتصاد الزراعي في ذلك العهد واكبه نمو ملحوظ في امتلاك الرقيق الزراعي، كما اصطحب قيام الدولة المركزية نمو متزايد لظاهرة الرقيق العسكري، فامتلاك العبيد في عهد الفونج (العهد الذي سبق الحكم التركي) كان مقصورا على النبلاء والاقطاعيين. كما اقتصر دور الأرقاء على القيام بالأعمال المنزلية، والمعاونة في الزراعة المحدودة، والتسري (الإماء). استخدم الرقيق ايضا في العهد السناري، وبصور واسعة، لحراسة الثغور النائية للمملكة، والتي اخذت في التوسع بعيدا عن حاضرة الملك في سنار. فالرق، اذن، كان مؤسسة بارزة في المجتمع الشمالي المسلم قبل مجيء الأتراك، وكان ذلك المجتمع يشبع حاجته للعبيد باصطياد غير المسلمين من الجزء الشمالي من جنوب السودان (خاصة مناطق الشلك)، وجبال النوبة، وجنوب النيل الأزرق على حدود إثيوبيا. حتى إثيوبيا نفسها لم تنجح من قناصة الرقيق السودانيين، خاصة لاستجلاب النساء المكاديات (ومكادا اسم عربي قديم لبلاد الأحباش). وما زال أهل الشمال حتى اليوم يحسبون الزبير ود رحمة (أحد تجار الرقيق الشماليين) واحدا من ابطالهم، ويتوسلون المعاذير لولوغه في النخاسة. من تلك المعاذير افلاحه في نشر الاسلام في الجنوب واقامته دولة فيه، وبسالته في حروب الأتراك. وما اقام الزبير الا سلطنة بطرقية، هو بطريقها الاكبر، ومثل كل البنى البطرقية كانت تحكمها تراتبية اجتماعية يهيمن فيها الاكبر على اصغر، والذكر على الانثى والسيد على العبد، وادنى طوائفها العبيد. ولا شك في ان الاسراف في تمجيد الرجل ـ رغم شجاعته وطموحه ـ يشي بفقدان للحساسية تجاه ضحاياه، خاصة وما زالت ممارسات الرق تلقى ظلا كثيفا على العلاقات الشمالية الجنوبية، أي العلاقات بين الورثة المعنويين للزبير والورثة المعنويين لخصومه.
* فهم القضية: وحتى يمكن فهم مؤسسة الاسترقاق فهما صحيحا يجب ان نضعها في سياقها الموضوعي ومسارها التاريخي الصيحيح. ويحسن بنا ايضا ان نزيح عنها الاقاصيص التي ما فئتت تؤسطرها، وننفي عنها الانقباضات الانفعالية التي ظلت تصاحبها. ان فشلنا في هذا، فلن ننصف التاريخ، ولن يتسم حكمنا بالموضوعية، كما لن نسهل الامر على انفسنا في معرض بحثنا عن حل للمشاكل التي ورثناها عن تلك المرحلة المخزية من تاريخ السودان ان لم نتوخ المقاربة الموضوعية للمشكل. لهذا نبدأ القول بأن الاسترقاق في الشمال النيلي في عهوده الأولى لم ينحصر على النوبة والأحباش والشلك، وانما كان الشماليون انفسهم يغزون بعضهم البعض من اجل السبي، ومثال ذلك حملات النوبة ضد المستضعفين من حولهم. ووراء حملات النوبيين على من جاورهم تاريخ طويل منذ ان اخذوا يدفعون بالقادرين من بنيهم وبناتهم الى الحاكم الاسلامي في مصر امتثالا لاتفاق مذل تعاهد فيه حاكمهم قليدرون مع عبد الله بن أبي السرح على ان يعطيهم الأمان لقاء مد الدولة الاسلامية بثلاثمائة وستين رقيقا كل عام ليس فيهم شيخ هرم ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم. للايفاء بذلك الاتفاق الذي ظل راسيا لمدة ستمائة عام حتى العهد الاخشيدي. لجأ النوبة لاختطاف الرجال والنساء من الاقوام المستضعفة التي تحيط بهم. وشهد السودان الشمالي ايضا غزو ملوك الفونج لمملكة تقلي المسلمة على عهد بادي أبو دقن لسبي نسائها واستعباد رجالها، كما شهد حملات المك (أي الملك) عدلان على الهمج واسترقاق بناتهم بمن فيهم بنات شيخهم أبو لكيلك. وينسب شبيكة قبيلة الهمج الذين كان يستهجنهم ملوك الفونج الى الجعليين العوضية، على ان الهمج عندما ملكوا زمام امرهم في عام 1762، ثاروا على سادتهم الفونج واقتلعوهم من عرشهم وولوا محمد أبو لكيلك نفسه على الملك. ظاهرة تعدي المجتعمات القوية على المجتمعات الضعيفة من حولها، كما قالت المؤرخة الاجتماعية ويندي جيمز، ليست فقد نتاجا لدوافع سياسية او اقتصادية، وانما ايضا هي تأكيد لقوة المجتمعات المعتدية، وضمان لتلاحمها الاثني، وتماسكها السياسي.
وان اتجهنا الى غرب السودان، نجد ان ظاهرة الاسترقاق كانت متفشية في دارفور منذ عهد ملوك الكيرا. ويروي مؤرخ نابه ان دارفور كانت تصدر في العالم الواحد ما بين ثلاثة الى اربعة آلاف رقيق الى تركيا ومصر. وللمؤرخ أوفاهي رأى فريد نفذ فيه الى ما نفذت اليه وبندي جيمر من ان الفور، بعدوانهم على القبائل المغلوبة على امرها، كانوا يسعون ايضا لتأكيد منعتهم واثبات سيادتهم. عرفت الرق ايضا في غرب السودان سلطنة المساليت، حيث كانت طبقات المجتمع تصنف تصنيفا صارما. حسب ذلك التصنيف كان الماجير (العبيد الذكور) يحتلون الدرك الاسفل من طبقات المجتمع بعد الحكام ثم المساكين (عامة الشعب)، اغلب هؤلاء العبيد يتحدرون من قبيلة الداجو. ومع ان المساليت كانوا يصنفون كل غريب عليهم في خانة العبيد، الا ان الثقافة السائدة بينهم كانت تتيح لهذا النوع من «العبيد فرص الترقي حتى يصبحوا جزءا لا يتجزأ من النسيج العام للقبيلة». اما في الجنوب، فقد اشتهر الزاندي بالاغارة على قبائل الفرتيت الاقل شأنا في بحر الغزال، لا بغرض الاتجار وانما لأداء الخدمات المنزلية في مساكن سادتهم. ولكن سرعان ما انخرط الزاندي في تجارة الرقيق بعد وصول الجلابة حيث اخذ الزاندي يقايضون عبيدهم لقاء السلع الضرورية، وبوجه خاص الاسلحة النارية. وانتهى الامر بالزاندي للعمل في وحدات تجار الرقيق العسكرية المعروفة بـ«البازنقر».
الاسترقاق لم يكن ظاهرة موقوفة على السودان، بل عرفته كل الدول الأفريقية، في الشرق كان ذلك او في الغرب. فمثلا، كانت قبائل الأشاتي والداهومي، وهي قبائل محاربة في غرب أفريقيا، تستعبد، القبائل الضعيفة التي تحيط بها. وفي الشرق بقي الاسترقاق مؤسسة معترفا بها في الحبشة حتى الاربعينات من القرن الماضي (1942). ومع الغاء الرق في ذلك العام، استمرت قنانة الارض في اثيوبيا صور مختلفة طوال العهد الامبراطوري، وكان ضحايا ذلك الاسترقاق، في الاكثر، من بين القبائل التي تعيش عند منحدر النيل الأزرق وتعرف بالشانكلا، أي الدهماء. من جانب آخر، شاعت تجارة الرقيق ايضا بين عرب الساحل الأفريقي الشرقي خاصة في زنجبار، وكان فارسها تيبو تيب، الذي سارت بذكره الركبان، رجلا من نسيج الزبير رحمة.
في تكثيف غير مخل، تلك هي الصورة العامة لظاهرة السبي والاسترقاق في السودان وأفريقيا. وبرسمنا لهذه الصورة نبتغي الخروج بظاهرة الرق من مربع الانفعالات. بيد أننا نذكر في ذلك الوقت بأن الموروثات الثقافية من تلك الظاهرة، والتي تتمثل في ظواهر اجتماعية أتينا على بعضها وسنأتي على البعض الآخر، هي التي تجعل من استرقاق الشماليين للجنوبيين أمرا مؤرقا، وتزيد من غليان الانفعالات.
* الغاء الرق: وعلى أي، فبحلول أغسطس (آب) 1877 تم ابرام معاهدة الغاء الرق الانجليزية المصرية والتي اجبر الخديوي ـ وفق نصوصها ـ على تحريم الاسترقاق وتجارة الرقيق في المناطق الواقعة تحت سيطرته. وكانت الدولة العثمانية نفسها قد اعلنت الغاء تجارة الرقيق في عام 1874، واغلقت كل اسواق الرقيق في اسطنبول. وللاشراف على تنفيذ القرار عين الخديوي، بايعاز من بريطانيا، كلا من صاموئيل بيكر وتشارلز غوردون في عام 1869. وفي أول تقرير له اورد غوردون ان السودان قد صدر ما بين ثمانين ومائة ألف عبد في الفترة ما بين 1875 ـ 1879. ولكن، مع تظاهرهم بالالتزام بالغاء الرق، ظل وكلاء الخديوي في السودان يغضون الطرف عن الاسترقاق زاعمين بأن أي محاولة لاطلاق سراح الارقاء لن تجدي، اذ سرعان ما يستعيد السادة عبيدهم القدامى. حقيقة الامر، ان الخديوي نفسه لم يكف، حتى بعد الالغاء، عن اصدار اوامره بالتجنيد العسكري للزنوج في الجيش. لا عجب، اذ ظل قصر الخديوي في مصر يكتظ بعد الغاء الرق والدعوة لتسريح الارقاء، بمئات الجواري من الروميات والشركسيات ممن كن يعرفن بالقلفاوات. وحيث كانت محاربة الرق ممكنة (جنوب السودان) فان حملات بيكر الضارية ضد تجار الرقيق ومصادرة ما يملكون من عبيد، كانت ذات اثر سلبي على الحكم التركي اذ عبأت كل تلك الجماعات ضده.
Quote: هذه الحالة السودانية من التشدُّق بأنساب بالية لا يعترف بها حتى أجدادنا العرب المفترضين لهى حالة مثيرة للعجب و الغرابة و الدهشة فى الحقيقة و تحتاج للدراسة المستفيضة سيكولوجياً و إجتماعيا للوقوف على أسباب إستشراء هذه الأمراض القاتلة و المقوِّضة للحضارات و إن كان لابد لنا من التفكير فى مستقبل أبنائنا فيجب علينا العمل على حمايتهم من هذه المفاهيم الموغلة فى اللا إنسانية و العمل فى ذات الوقت على أنسنة أنفسنا و تشذيب أخلاقنا و قيمنا الجمعية .
التشدق بالنسب والاحتماء به بل ورفعة شان كل قبيلة لنفسها في مواجهة الاخرى موجود بكل دولة وفي كل زمان ومجتمع انساني .. وحتي اليوم تعاني منه دول في المحيط العربي غير السودان .. من حقنا ان نلوم انفسنا ونسعي لتصحيح المسار وبث الوعي ولكن بغير ان نفترض اننا الوحيدين المصابين بهذا الداء والعيب .. نعم لنعمل على محاربة العنصرية والاستعلاء بعقل ووعي من اجل تثبيت مفهوم المواطنة والاخاء بين الكل ..
04-28-2010, 12:06 PM
الطيب رحمه قريمان
الطيب رحمه قريمان
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 12377
Quote: أهمية البحث عن الحقيقة فى تأريخ الرق وتجارة الرقيق فى السودان تنبع من ضرورة التأسيس الصحيح على الوقائع التاريخية من أجل بناء مجتمعنا المعافى و المتجاوز لتلك المظالم بالتسامح المبنى على التوبة النصوحة و الإعتذار عن فظائع الماضى و مثالبه و مغارمه ، وتقع المسؤولية فى ذلك على أحفاد تجار الرقيق من مستنيرى اليوم و فصحاء المنابر الذين يفتأون تندرا و قهقهة حول جدى وجدك الأول الذين سادوا بالأمس و جابو الصخر بالواد وباعوا البشر للأتراك العثمنليين وسفن البيض التى ترسو قبالة سواحل إفريقيا الغربية وبلاد فاس الما وراها ناس ، فكيف يهب الإنسان الواعى للدفاع عن تاجر رقيق تحت طائلة المحاكمة التأريخية فقط لأنه جده الأكبر أو جد صديقه الحميم ؟
هذا القبح البائن فى الذهنية الجمعية لابد له أن ينمحى ويزول فليس من المعقول أن يردد الإنسان ولو بينه وبين نفسه ما كان يردده أبوه فى العلن و ما كان يفتخر به جده الأول من قبله حول بيعه وشراءه لأدميين كرمهم ربهم و صانت كرامتهم أديانه جمعاء و نهى عن أذيتهم كل الأنبياء و الرسل و المبشرين ، فبأى شئ يبشر المستنير المنحرر و هو يلقى بالنكات السمجة حول بشر رزحوا فى الأغلال و السلاسل دون أن يرف له جفن ضمير أو تنزح عليه كرامته ، وكيف يمكن لمثقف أن يقود مسيرة ما نحو الغد المتصالح مع حاضره إذا فشل فى تنظيف نفسيته من أدران الإستعلاء و الكبر و الغرور و إذا ظل يراكم الغبار على تأريخ ينز بالقبح و الشرور .
يا ليت قومى يعلمون
04-29-2010, 09:54 AM
الوليد عمر
الوليد عمر
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 327
ليتهم يا ليت يا الطيب أخوى . لكن تبقى المشكلة لو كانو يعلمون و يتحايلون على ما يعلمون مثل قصة ود العرب الذى قال لى : " يا أخى أنا عارف الإسلام بيقول ، لا فرق لعربى على عجمى إلا بالتقوى لكن ياخ ( العبيد) ديل أنا ما بدورهم لله فى الله كدا " عليك الله يا الطيب بعد زى دا تانى فاضل فوقا يعلمون . أبقى طيب ومشكور على الطلة المفرحة
مرحب بك أيضاً حبيبنا HAIDER ALZAIN وأشكرك على تداخلك .
Quote: التشدق بالنسب والاحتماء به بل ورفعة شان كل قبيلة لنفسها في مواجهة الاخرى موجود بكل دولة وفي كل زمان ومجتمع انساني .. وحتي اليوم تعاني منه دول في المحيط العربي غير السودان .. من حقنا ان نلوم انفسنا ونسعي لتصحيح المسار وبث الوعي ولكن بغير ان نفترض اننا الوحيدين المصابين بهذا الداء والعيب .. نعم لنعمل على محاربة العنصرية والاستعلاء بعقل ووعي من اجل تثبيت مفهوم المواطنة والاخاء بين الكل HAIDER ALZAIN
يا أخى إن الله خلقنا مختلفين شعوباً و قبائل لنتعارف وليس لنتفاخر ولم تحمد أى من الديانات السماوية للقبائل تفاخرها و تعاليها على بعضها البعض و الإسلام يقول : (دعوها فإنها منتنة ) ، ثم أن أحداً لم يقصر هذه العلة فينا كسودانيين ولم أقل بذلك ، إنما أقول أنها حادة و مبرِّزة للغاية عندنا، حتى بين المستنيرين و المتعلمين و نحن نعيش فى عالم يكرس للعولمة و إزالة الحدود أجدنا مازلنا منغلقين فى مفاهيمنا القبلية البالية ، وهذا هو مكمن التساؤلات التى طرحتها هنا:
Quote: محاربة العنصرية والاستعلاء بعقل ووعي من اجل تثبيت مفهوم المواطنة والاخاء بين الكل
مودتى
......
04-30-2010, 09:30 PM
الوليد عمر
الوليد عمر
تاريخ التسجيل: 01-07-2010
مجموع المشاركات: 327
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة