القاري الكريم..في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته في الآونة الآخيرة ظهر من جديد السجال حول شخصية د. جعفر شيخ إدريس بعد الحلقات التلفزيونية التي أجريت معه عبر قناة (النيل الأزرق) وقد بان للمشاهدين كراهية وبُغض جعفر شيخ إدريس لشخصية حسن الترابي وقد كان قريباً للغاية أن شخصاً يكره شخصاً ويذكره للمشاهدين بـ (صاحبنا داك) والذين لم يعرفوا سر هذه الكراهية وهذا البغض أنشر لهم هذه الحلقات التوثيقية وانا لا أقصد الدفاع عن الترابي أو الترويج لكتابي الذي نشرت فيه هذه المادة (د.الترابي والحركة الاسلامية في السودان) .. القصة كتبها د. أمين حسن عمر في العام 1998م بصحيفة (الأنباء) الحكومية - متوقفة عن الصدور-
الحلقة الأولى..
قصة رجلين.. !!
كلما جاءت العطلة السنوية للدكتور جعفر شيخ إدريس إلي السودان ملأ المنابر بذكر الدكتور حسن الترابي بأسوأ ما يذكر به المسلم أخاه المسلم وما جلس أناس إلي مجلس لجعفر شيخ إدريس فغاب عنه اسم الدكتور الترابي مقروناً بالسوء من القول والافتراء والبهتان ، وما تحدث الدكتور جعفر شيخ إدريس لصحيفة من الصحف إلا وكال للدكتور الترابي التهم جزافا بلا مكيال ولا معيار وأما الآخر فساكت صامت لا يجاريه ولا يرد عليه ويمد له حبالا من الصبر الجميل لو تعلقت فيه كل أغربه بور تسودان لوسعتها . لذلك فأن من المشروع ان يتساءل المرء ما قصة هذا الرجل وهذا الرجل وكيف تتقاطع سيرة الحياة بينهما وهذا ما سنفصله في هذا الكتاب : (قصة رجلين) ومصادر هذه القصة مكتوبات ومرويات ومشهودات• فأما المكتوبات فكل ما كتب حتى اليوم وحُفظ من تاريخ الحركة الإسلامية بالسودان وأما المرويات فلقاءات وروايات لعشرات من الإسلاميين من المؤسسين للحركة الإسلامية الذين التقيناهم وسجلنا لهم علي فترات متباعدة من الزمان. منهم من التقيناه ونحن نعين الأخ حسن مكي محمد أحمد لإنجاز بحثه عن حركة الأخوان المسلمين بالسودان وكان ذلك في أواخر السبعينات وكنا ثلاثة (العبد المذنب) والأخ التجاني عبد القادر والأخ عبد المحمود الكرونكي واذكر من أولئك الأستاذ محمد يوسف محمد والأخ موسى ضرار وعبد الباقي عمر عطية ويس عمر الأمام وتوفيق طه وآخرين ثم جاءت الثمانينات مطالعها وكلفنا ببحث توثيقي لتاريخ الحركة الإسلامية فسجلنا ما يربو عن العشرين شريطا لأعضاء الحركة الإسلامية منفردين ومجتمعين وكان ممن إِلتقينا بهم جماعة منهم مدثر عبد الرحيم وأحمد عوض الكريم وميرغني النصري وبابكر كرار وعثمان خالد مضوي وإبراهيم السنوسي وعباس حسن التوم ويوسف حسن سعيد وصلاح أبو النجا ومبارك قسم الله والتجاني أبو جديري (كان منظما .. لهذا الجهد ) وآخرين.
يقارب العدد الثلاثين ثم جولة أخرى من اللقاءات والروايات بدأناها في السبعينات ومن كل هذه اللقاءات استللنا المادة المناسبة لرواية قصة الرجلين ونرجو ان يصححنا المصححون وأن يراجعنا المراجعون وأغلبهم أحياء يرزقون (بحمد الله ومنته وفضله) .. وأما المشهودات من مادة هذه الرواية فهي معايشات ومشهودات شخصية عبر اكثر من ربع قرن قضيته بين أيدي وبين ظهراني الحركة الإسلامية بالسودان كنت أبان ذلك لصيقاً بمؤسساتها القيادية وقيادتها التنظيمية والفكرية وكانت لي علاقة خاصة بالدكتور الترابي تأتت من عملي مديرا لمكتبه بالنائب العام وسكرتيرا خاصا له سائر اليوم لعامين علي الأقل فمصادر القصة إذا ما كُتب فقراته واستشهدت به وبنيت عليه ما سمعته من أهل الثقة الذين لا يتهمون بقلة العناية أو الضبط ومن معايشتي الشخصية للأحداث والوقائع. والقصة مدارها رجل استثنائي الحضور منذ كان طالبا في حنتوب الثانوية كان حافظاً للقرآن فقيها ضليعا بالعربية وهو لم يعد أن يكون حدثاً يافعاً وكان بارزاً مبرزاً باللغة الإنجليزية يتحدثها بطلاقة تدهش أقرانه وأخدانه وكان نابها في دروسه إلي درجة انه قفز للامتحان النهائي من الصف الثالث عندما كانت الصفوف الثانوية أربعة فكان مع ذلك من أوائل السودان كان هكذا قوي الحضور في الجامعة حدثني عنه المرحوم بابكر كرار في لقاء فقال : (كان الترابي أذكاهم عقلاً وأصفاهم نفساً) وكان هكذا قوي الحضور في بريطانيا مبعثا وفي فرنسا الفرانكفونية وهو الحديث القدوم من عالم الانجلوفونية وكان هكذا قوي الحضور عندما جاء عميداً لكلية القانون وقائداً لانتفاضة اكتوبر ومنسقاً للتفاوض مع العسكر ومع الأحزاب وكان هكذا قوي الحضور وهو يعود لتلتف حوله القيادة الجماعية للحركة الإسلامية ليكون أمينا للجماعة وسكرتيراُ للجبهة ومؤسسا لكتلة برلمانية ناهضة وحائزاً علي أعلي الأصوات في قطاع المثقفين ولهذا القول المجمل تفصيله في مكانه من القصة.
وأما الرجل الآخر فلابد لك أن تذكر عشرة أو تزيد من مؤسسي الحركة السلامية أو قادتها حتى يرد اسمه ولكنه علي الرغم من تأخره في الصف فقد كان وعلي مدار الأيام هو الرجل الآخر ولكنه كان دائما الرجل خلف رجل آخر يحارب حرباً لا يكون المقدم فيها وأن كان دائماً المحرك والمحرض وهي حرب لا يُطفا أوارها ولا يذهب غبارها ، لها في كل مرة عنوان فمرة هي حرب علي تركز القيادة وحرص علي الجماعية ومرة هي حرص علي الأصالة الاخوانية ومرة هي حرص علي أولوية التربية وأخيرا هي حرص علي الإسلام من التجديد النصراني الكنسي. والقصة محاولة للإجابة عن سر نار المجوس التي تشتعل في صدر ذلك الرجل . وليس المقصود من القصة مجرد الإثارة الصحفية أو إمتاع القراء بل هي عبرة لأناس يتفكرون تحكي قصة الصراع الداخلي في الحركة الإسلامية من أيام تأسيسها الأولى ولا عجب أن تشهد الحركة الإسلامية اصطرعا داخلياً مرده إلي اختلاف التقديرات والأحكام أو مرده وهو الأغلب (في كل حركة) إلي النزاع حول حظوظ الأنفس في القيادة والظهور . وليس المقصود من رواية القصة التركيز علي السجال بين رجلين أحدهما قاد الحركة الإسلامية باستمرار منذ العام 1964م (علي الأقل) وكان دائماً مؤثراً ونافذاً علي جميع الأصعدة فكرية وسياسية وتنظيمية وكان الآخر هو المحرك للمعارضة الداخلية للقيادة علي مر السنين استظهر بكل مخالف وكل ساخط وحانق ليعبئ حرباً علي الحركة الإسلامية من داخلها، ومثل هذه القصة يمكن ان تنتفع بها الحركات الإسلامية في فهم انساق الصراع الداخلي فقصة الصراع بين الأصوليين والوصوليين يمكن أن تتكرر في كل حركة تغيير اجتماعي ولذلك نكتب هذه القصة وهي في مجملها مخلص لتاريخ الحركة الإسلامية في السودان رؤية من الداخل . وربما كره بعض الإسلاميين ذلك اعتبروه نشراً لغسل علي الشرفات وربما كان ذلك كذلك لكن فلنسأل عن ذلك من بدأه مزيفاً وظالما كما ان الأمر لا يخلو من فائدة كما قدمنا ولكي لا تكون القصة خالية من التكامل بسبب التركيز علي حيثية العلاقة الثنائية بين رجلين فحسب سنقوم بروايتها بجميع شخوصها الرئيسيين مع تركيز خاص علي ملابسات العلاقة بين الرجلين ولذلك فسترد عبرها بعض الأحداث والوقائع الجسام في تاريخ الحركة الإسلامية وبعض الشخوص الكبار من أمثال بابكر كرار والرشيد الطاهر ومحمد يوسف محمد ويس عمر الأمام وصادق عبد الله عبد الماجد ومحمد صالح عمر وآخرون ولعل ذلك يثير حواراً جديداً حول توثيق تاريخ الحركة الإسلامية في السودان وهي قمينة بما حركت من تغييرا اجتماعي وأسع أن يدون تاريخها وأن توثق أحداثه يحدث ذلك كله بعون الله والله غالب علي أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون ..
الحرب والحرية
صمتت مدافع الحرب العالمية الثانية بعد أن شارك فيها أهل السودان مشاركة فاعلة ودفعوا فيها تضحيات جمة في الحرب ضد الطليان في إريتريا والحرب في شمال أفريقيا ضد روميل وكان انتصار الحلفاء دافعاً لكثير من الأمم التي دفع بها في آتون الحرب للمطالبة بنصيب من النصر يتمثل في إعطائها حق تقرير مصيرها .. وكانت هذه هي الأجواء التي سادت في السودان في أوساط المتعلمين والمثقفين في خواتيم الأربعينات فمؤتمر الخريجين قد حرك أشواق الشباب للحرية كما أن مشاركة العسكريين السودانيين في صنع نصر الحلفاء كان دافعاً ومحركاً للمشاعر الوطنية في أوساط العسكرية . وفي هذه الأجواء تأسست الحركة الإسلامية السودانية في جامعة الخرطوم وفي المدارس الثانوية لا سيما حنتوب وخورطقت تأسست الحركة الإسلامية عملاً معارضاً للاستعمار وترياقاً مضاداً للشيوعية التي استشرت بين الطلاب وتمثلت في نبرة معادية للاستعمار ودعوة للتحديث والتحرر الاجتماعي من التقاليد البالية والقيم الدينية العتيقة .. وكانت الحركة الشيوعية تعبر عن نهجها السياسي عبر الحركة المعادية للاستعمار وفي أوساط الطلاب عبر ما عرف آنذاك بمؤتمر الطلاب كما كانت تعبر عن نفسها اجتماعياً عبر سلوك مخالف للقيم السائدة وذلك بالسكر والعربدات الطليقة أو الفوضى الجنسية . ولئن كانت بعض تيارات الإسلاميين لا تخالف الشيوعيين في كراهية الاستعمار فان السلوك الإباحي للطالب الشيوعي كان يستفز تلك العناصر فلا تجد إجابة فكرية لدحض ما كان يعرف حينها بالتحرر الاجتماعي ولذلك نشأت الحركة الإسلامية أول ما نشأت جمعيات دينية تدعو للانضباط السلوكي ولكنها سرعان ما تطورت عندما برز في أوساط هؤلاء قيادي تنظيمي من الطراز الأول ومفكر جدير بالاحترام وكان هذا الشاب النابه هو الأستاذ بابكر كرار المؤسس الذي يتفق السواد الأعظم من قدامي المحاربين أنه مؤسس حركة التحرير الإسلامي حيث كانت هي النواة الحقيقية للحركة الإسلامية السودانية.
يتبع
أخي القاري الكريم
هذه القصة من 13 حلقة..سأنشر كل يوم حلقة..وبالطبع عندما كتب الاخ أمين حسن عمر هذه الحلقات كان الحركة (الاسلامية) جسم واحد وكان أميناً حلقة الوصل ما بين الدكتور الترابي ورئيس الجمهورية عمر البشير، بل كان الأقرب للشخصيتين وجداناً.. والاخ أمين حسن عمر الآن في صف الرئيس بعيداً عن الشيخ أ{جو أن لا يزعل منا وقد وضعته في هذا الموقف الحرج متحدثاً حول د. الترابي.. وهذه السلسلة هي أكثر الكتابات التي كشفت للناس عن محبةأمين حسن عمر للترابي، وقد صب فيها عصارة معرفته به..على العموم ارجو ان اوفق بنشر الحلقات يومياً.. وطبعا التعليق مفتوح للجميع.. وللاخوة من خارج المنبر ..يمكن ارسال مداخلاتهم عبر البريد الالكتروني: [B][email protected] ولكم فائق محبيتي وتقديري..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة