في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 01:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-03-2010, 11:04 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي

    في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي



    تاريخ رسمي أم "نعي أليم"؟

    في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان



    قال لي الشيخ حسن الترابي مرة وهو يذكر الأخ المحبوب عبدالسلام فيما يشبه الإشادة –ونادراً ما يجود الشيخ بالإشادة في حق شخص- أن المحبوب أقدر الناس على التعبير عن أفكاره. وأضاف إنه كثيراً ما يعهد إلى المحبوب بتناول بعض الأمور كتابةً نيابة عنه، حتى إذا سطر نص الخطاب أو الموضوعة ونظر فيه فنادراً ما يحتاج إلى تغيير كلمة أو جملة فيما سطر. ولا شك أن من يطالع كتاب المحبوب الذي صدر مطلع هذا العام عن دار مدارك السودانية بعنوان "الحركة الإسلامية السودانية: دائرة الضوء- خيوط الظلام" يصعب عليه أن يحدد أي الرجلين سطر حروف هذا الكتاب. وليس هذا فقط لأن المحبوب قدم رواية لتاريخ الحركة من منظور شيخه، بل كذلك لاستخدامه اللغة العربية الجزلة التي تميزت بها كتابات الشيخ الترابي.

    كثيرون ممن تابعوا انتاج الترابي الفكري يغيب عنهم أن الرجل ليس مناضلاً فقط في المجال السياسي أو مفكراً في أمور الدين، بل هو كذلك مناضل شرس عن اللغة العربية، وداعية إلى تجديدها وإثرائها. ولهذا فإنه يحاول أن يجسد هذا النهج في كتاباته وخطابه السياسي والديني. ويتعمد الترابي أن يكتب باللغة العربية كما لو أنه لم يتعلم أو يقرأ غيرها، ويجتهد في اشتقاق مصطلحات جديدة تكتسب معانيها مباشرة من المعاني المتعارفة تراثياً، رافضاً في ذلك (باحتقار) بعض المصطلحات التي تأتي بمثابة ترجمة مباشرة لمصطلحات غربية بدون أن يكون لها عمق تراثي. فهو على سبيل المثال يستخدم مصطلح "الكسب" بديلاً ل "الإنجاز"، و "التوكل" بدل "المغامرة"، و "التوالي السياسي" عوضاً عن "التنظيم السياسي"، وقس على ذلك. وقد اقتفى المحبوب آثار شيخه في هذا السفر فأبدع وأمتع في غالب الأحيان، وأثار الضيق في بعضها حين لامس التنطع.

    ولكن اللغة ليست موضوعنا اليوم، وإنما مضمون ما سطره المحبوب، وهو يعتبر بحق إضافة حقيقية إلى ما كتب عن الحركة الإسلامية، ولعله أول تاريخ شبه رسمي لعشرية الإنقاذ الأولى يأتي من شخص كان في قلب الحدث، وعلى متابعة لصيقة بكل القرارات الهامة التي صدرت، وملابساتها ومبرراتها. ولا بد أن أعترف هنا بأنني، رغم أنني كنت أرى نفسي من المتابعين عن قرب لما كان يجري، استقيت من الكتاب معلومات جديدة في أكثر من باب. وإن كان يؤخذ على صاحبنا أنه يغفل تحديد التواريخ الدقيقة للأحداث، ويخطئ في بعضها (اتفاقية فرانكفورت وقعت في مطلع عام 1992 وليس الذي يليه، ومذكرة العشرة لم تقدم في ديسمبر 1999).

    وفوق أن الكتاب يقدم المعلومات، فإنه كذلك يقدم المبررات. فالكتاب يسطر تاريخ الإنقاذ من وجهة نظر صناعها، ولهذا فإن كل قرارات الإنقاذ تطرح ومعها مبرراتها التي ساقها صناع تلك القرارات، بحيث يتعدى الأمر تقرير الحقائق والوقائع إلى دفاع مبطن أو ظاهر عن كل خطوة اتخذتها قيادة الحركة الإسلامية. فالمصالحة مع الرئيس النميري قرار حكيم (وإن كان فرض على الحركة من الصادق المهدي) كانت له بركاته على الحركة والبلاد، أما انقلاب يونيو 1989 جاء لإنقاذ البلاد من تدهور مريع وضعها على حافة الكارثة. وإذا دلفنا إلى مؤتمرات الحوار التي عقدتها الحكومة فقد كانت منابر لا مثيل للحوار الحر والتواصل بين النخبة في المجتمع بدون أدني تدخل من الحكومة. أما نظام المؤتمرات الذي أعلنته الإنقاذ وعاءً وحيداً للتوالي السياسي فقد استقبلته "كل ولايات السودان بحماس وتفاعل". ولا ينسى أن وجود هذه الولايات ونظام الحكم المحلي والفدرالي فقد كان فتحاً مبيناً في نقل السلطة إلى الجماهير، سوى بعض تعقيدات مثل دور المحافظين الملتبس إدارياً. وقس على ذلك.

    ولكن هناك أيضاً رواية موازية، تقسم اللاعبين وأبطال القصة ضمناً (كما أشار عدد من المعلقين) إلى فسطاطين: أحدهما معسكر الأشرار بقيادة نائب الأمين العام (علي عثمان محمد طه) وبدعم من رئاسة الجمهورية، والآخر معسكر الأخيار، بقيادة الأمين العام (الشيخ الترابي) ومعاونيه المقربين. ويكاد الكتاب يعيد تفسير تاريخ الإنقاذ بحيث تصبح كل تصرفات نائب العام موضع شبهة وخاضعة لأسوأ التأويلات، حتى قبل أن يظهر الخلاف، كما أن كل ما أتاه معسكر الشيخ خلا من كل شبهة خطأ. أما الصراع بين الطرفين فقد كان محوره إصرار معسكر الشيخ على بسط الديمقراطية وإعادة السلطة للشعب، وتمسك الأمين العام وشيعته باحتكار السلطة بعد أن أغواهم بريقها.

    وهناك أكثر من قراءة ممكنة لسفر المحبوب، كلها تبعث في نفس القارئ الحادب على الإسلام ونهجه نوعاً مختلفاً من الأسى. فمن الممكن أن يقرأ قارئ الكتاب تماماً كما أراد له المحبوب أن يقرأ، فيرى أن الحركة الإسلامية السودانية بقيادة شيخها قد حققت إنجازات عظيمة للبلاد، بداية بتطوير نفسها من حركة صفوية صغيرة إلى حركة جماهيرية فاعلة، ثم وثبتها إلى السلطة في لحظة حرجة لإنقاذ البلاد من الفوضى والانهيار، والتحرك وفق نهج مدروس نحو تحقيق السلام وإبداع نظام سياسي فريد يناسب أوضاع البلاد، مخالفاً للحزبية النازعة نحو الفوضى والدكتاتورية القابضة، وإصلاح الاقتصاد جذرياً عبر التحرير والأسلمة ثم استخراج النفط، وأخيراً تطبيق النظام الفدرالي وإقرار دستور لا سابقة له في شموله ومناسبته لأوضاع البلاد. ولكن مسيرة الإنقاذ القاصدة (وهذا مصطلح آخر من إبداع الشيخ) تعثرت لأن قلة من القيادات، هم ثلة من العسكريين وقليل من المدنيين، تمردوا على نهجها القويم، وانقلبوا عليها بعد أن ملكتهم غواية السلطة. وقد انحاز إلى هؤلاء غالبية أعضاء الحركة الإسلامية وأنصار الإنقاذ، لأنهم مثلهم غرتهم الحياة الدنيا، فاختاروا المصالح على المبادئ والفانية على الباقية.

    هذه قراءة مؤلمة، تخبرنا أن الحركة الإسلامية السودانية سقطت عند أول امتحان، وفتنت غالبية عضويتها بالدنيا، وكان تمسكها بالدين والمبادئ هشاً لا يرقى لالتزام بعض الأحزاب العلمانية وحتى اللادينية، التي تمسك أعضاؤها بمبادئهم، ولم تلن قناتهم لإغراءت السلطة ولم يخوفهم إرهابها. وهذه بلا شك إدانة شاملة للحركة الإسلامية ولقياداتها التي عجزت عن تلافي هذه الكارثة.

    هناك قراءة أخرى قد ترى في الكتاب منشوراً حزبياً يعيد كتابة التاريخ من وجهة نظر فريق واحد، فيبرئ هذا الفريق من كل إثم، ويدمغ مخالفيه بكل نقيصة، ويشكك في كل تصرف قاموا به، ولا يعترف بأن الخصوم قد يكونوا اجتهدوا كما اجتهد، فلهم أجرهم إن أخطأوا أو أصابوا. وهذه أيضاً قراءة مؤلمة وباعثة على أسف كثير.

    هناك قراءة ثالثة، تعترف للكاتب وفريقه بالصدق والاجتهاد، وترى في الرواية تعبيراً جاداً عن رؤية وقناعات هذا الفريق، وأنه ظل، رغم كل ما حدث والشواهد الكثيرة، مقتنعاً بصواب موقفه، مؤيداً لسابق تصرفاته بحيث يرى أنه لو استقبل ما استدبر فإنه لن يغير شيئاً في أفعاله وأقواله، سوى أنه كان سيتخلص مبكراً من قادة الفريق المفارق المكابر. ولعل هذه تكون أكثر القراءات مأساوية، لأنها إن صحت تؤكد أن الكاتب ومن معه كانوا ولا يزالون يعيشون في كوكب آخر غير الذي يسكنه بقية البشر.

    هناك إشارتان في الكتاب قد تدعمان هذه القراءة، أولاهما إشارة عابرة في موضعين لقضية النازحين من سكان أكواخ الصفيح في العاصمة السودانية. في الإشارة الأولى، يتحدث الكاتب عن تكثيف العمل الطوعي في أول عهد الثورة "برعاية مباشرة من نائب رئيس الثورة" باتجاه "تأهيل النازحين واستيعابهم في الأحزمة المحيطة بالمدن" حيث "أصبحت الإغاثة والسياسة في تلك الأطراف من عمل طاقم الحركة الذي نشط في ظروف العسرة والمشقة واحتمل ذلك بنية تخلص لحماية المشروع الإسلامي." (ص 128). وفي موضع آخر يطرق الكاتب نفس الموضوع في سياق رواية لصراع احتدم بين والي الخرطوم د. مجذوب الخليفة، ووزير الإسكان فيها د. شرف الدين بانقا، محوره كما يقول الكاتب اعتراض الأول على سياسة الثاني الرامية لإسكان النازحين.

    في كلا الإشارتين طرح الموضوع كما لو كان الأمر يتعلق بمسائل عادية تتعلق بالنشاط الإغاثي لدعم واستقطاب النازحين وتزويدهم بالمساكن، لولا اعتراضات والي الخرطوم الأسبق عليه رحمة الله. ويبدو أن أخانا المحبوب لم يكن معنا على هذا الكوكب حين ثارت تلك الضجة في شتاء عام 1991 حول قيام بانقا بترحيل عشرات الآلاف من سكان مدن الصفيح قسراً إلى فضاء قفر عند تخوم العاصمة القصية، بدون مأوى أو أغطية تسترهم من البرد، حتى اضطر البعض إلى حفر الأرض علهم يتقوا البرد داخل قبور للأحياء. وقد كانت هذه الضجة إحدى عوامل إفشال زيارة الترابي إلى لندن في ربيع عام 1992، لأن الحوار بينه وبين المسؤولين البريطانيين لم يتمكن من تجاوز الحديث حول هذه القضية. ولكن الكاتب لا يكاد يذكر في إشاراته العابرة هذه المحنة الكبرى التي مست حياة مئات الآلاف وولدت الكثير من الضغائن والشعور بالظلم، وشوهت صورة السودان دولياً، بل لا يرى فيها إلا ما يصفه بتفاني كوادر الإسلاميين في الإغاثة، وهمة أعضاء معسكر الشيخ في الإغداق على النازحين، لولا تدخلات الوالي المنتمي للمعسكر الآخر.

    هناك إشارة عابرة أخرى في الكتاب لممارسة التعذيب في حق المعتقلين، وحتى الفتوى الدينية بجوازه، إضافة إلى احتجاز المعتقلين السياسيين في مواقع غير رسمية سمتها المعارضة "بيوت الأشباح". ويتحدث الكتاب عن تولي عناصر من الاستخبارات العسكرية كبر هذه الممارسات، مع مشاركة "عناصر من أبناء الحركة الإسلامية"، أحياناً في حضور "الكبار من العسكريين الملتزمين وقادة أجهزة الحركة الخاصة". وقد "تناهت الأنباء المفزعة للصفوف الوسيطة في الحركة من الأقرباء والأصدقاء، وبلغت أعضاء في مجلس الثورة، لا سيمها في لقاءاتهم... في رحلاتهم الخارجية." وقد استنكرت هذه الممارسات "فئة من أبناء الحركة، واعترضت عليها بالصوت العالي داخل أجهزة الحركة."

    مرة أخرى لا يسعنا إلا أن نتساءل: أي كوكب هذا الذي لا يسمع فيه كبار المسؤولين وقيادات الحركة الوسيطة بتجاوزات بهذا الحجم، سارت بها الركبان، ودأبت على بثها الصحف العربية والإذاعات الدولية، لا يسمعون بها عبر الأصدقاء أو حين يلتقون السودانيين في الخارج؟ هل هم صم بكم عمي فهم لا يعقلون؟ ومن أين إذن جاء "كبار العسكريين" وغيرهم من الكوادر التي مارست التعذيب، وبأي سلطة؟ وكيف يتم الاعتراض على هذه الممارسات داخل مؤسسات الحركة الإسلامية من قبل "البعض" فقط دون أن تتم مساءلة من اجترحوا هذه الممارسات ومعاقبتهم؟ ثم ألا يعني طرح هذه الأمور من قبل "البعض" داخل مؤسسات الحركة أن الآخرين داخل قيادة الحركة لم يقبلوا هذا الطرح، مما يعني عملياً أن أطر الحركة أقرت هذه الممارسات؟ ثم ألا يمكن أن نستنتج من هذا أن قيادات الحركة كانت على علم مسبق بتلك الممارسات، وهي التي تعين هؤلاء المسؤولين؟

    ولكن الأغرب من هذا أن يردد هذا الكلام بعد أكثر من عشرين عاماً على قيام حكم الإنقاذ، كما لو كان رواية مقنعة لما حدث، أو باعتبارها تبرئ البعض، خاصة من كانوا على قمة هرم السلطة، من المسؤولية عن كبائر ارتكبت من قبل كبار المسؤولين، ثم "سمع" بها هؤلاء كم يسمع العابرون بأخبار حوادث الطرق في المدن النائية.

    أتوقف هنا لأن المساحة محدودة، ولكنا ننوي العودة إلى الاسترسال في مناقشة هذا السفر الهام الذي يكشف عن حقبة الإنقاذ الأولى بما سكت عنه أكثر مما يكشف بما روى، وقد يفسر على أنه نعي للحركة الإسلامية أكثر مما هو تاريخ شبه رسمي لها.



    نقلا عن سودانايل
                  

03-03-2010, 11:27 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: هناك إشارة عابرة أخرى في الكتاب لممارسة التعذيب في حق المعتقلين، وحتى الفتوى الدينية بجوازه، إضافة إلى احتجاز المعتقلين السياسيين في مواقع غير رسمية سمتها المعارضة "بيوت الأشباح". ويتحدث الكتاب عن تولي عناصر من الاستخبارات العسكرية كبر هذه الممارسات، مع مشاركة "عناصر من أبناء الحركة الإسلامية"، أحياناً في حضور "الكبار من العسكريين الملتزمين وقادة أجهزة الحركة الخاصة". وقد "تناهت الأنباء المفزعة للصفوف الوسيطة في الحركة من الأقرباء والأصدقاء، وبلغت أعضاء في مجلس الثورة، لا سيمها في لقاءاتهم... في رحلاتهم الخارجية." وقد استنكرت هذه الممارسات "فئة من أبناء الحركة، واعترضت عليها بالصوت العالي داخل أجهزة الحركة."

    مرة أخرى لا يسعنا إلا أن نتساءل: أي كوكب هذا الذي لا يسمع فيه كبار المسؤولين وقيادات الحركة الوسيطة بتجاوزات بهذا الحجم، سارت بها الركبان، ودأبت على بثها الصحف العربية والإذاعات الدولية، لا يسمعون بها عبر الأصدقاء أو حين يلتقون السودانيين في الخارج؟ هل هم صم بكم عمي فهم لا يعقلون؟ ومن أين إذن جاء "كبار العسكريين" وغيرهم من الكوادر التي مارست التعذيب، وبأي سلطة؟ وكيف يتم الاعتراض على هذه الممارسات داخل مؤسسات الحركة الإسلامية من قبل "البعض" فقط دون أن تتم مساءلة من اجترحوا هذه الممارسات ومعاقبتهم؟ ثم ألا يعني طرح هذه الأمور من قبل "البعض" داخل مؤسسات الحركة أن الآخرين داخل قيادة الحركة لم يقبلوا هذا الطرح، مما يعني عملياً أن أطر الحركة أقرت هذه الممارسات؟ ثم ألا يمكن أن نستنتج من هذا أن قيادات الحركة كانت على علم مسبق بتلك الممارسات، وهي التي تعين هؤلاء المسؤولين؟

    ولكن الأغرب من هذا أن يردد هذا الكلام بعد أكثر من عشرين عاماً على قيام حكم الإنقاذ، كما لو كان رواية مقنعة لما حدث، أو باعتبارها تبرئ البعض، خاصة من كانوا على قمة هرم السلطة، من المسؤولية عن كبائر ارتكبت من قبل كبار المسؤولين، ثم "سمع" بها هؤلاء كم يسمع العابرون بأخبار حوادث الطرق في المدن النائية.

    أتوقف هنا لأن المساحة محدودة، ولكنا ننوي العودة إلى الاسترسال في مناقشة هذا السفر الهام الذي يكشف عن حقبة الإنقاذ الأولى بما سكت عنه أكثر مما يكشف بما روى، وقد يفسر على أنه نعي للحركة الإسلامية أكثر مما هو تاريخ شبه رسمي لها.
                  

03-03-2010, 11:54 PM

BAKTASH
<aBAKTASH
تاريخ التسجيل: 02-21-2003
مجموع المشاركات: 2522

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: هذه قراءة مؤلمة، تخبرنا أن الحركة الإسلامية السودانية سقطت عند أول امتحان، وفتنت غالبية عضويتها بالدنيا، وكان تمسكها بالدين والمبادئ هشاً لا يرقى لالتزام بعض الأحزاب العلمانية وحتى اللادينية، التي تمسك أعضاؤها بمبادئهم، ولم تلن قناتهم لإغراءت السلطة ولم يخوفهم إرهابها. وهذه بلا شك إدانة شاملة للحركة الإسلامية ولقياداتها التي عجزت عن تلافي هذه الكارثة


    وسقط الهتاف (هي لله , هي لله )
                  

03-04-2010, 03:19 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: BAKTASH)

    Quote: كثيرون ممن تابعوا انتاج الترابي الفكري يغيب عنهم أن الرجل ليس مناضلاً فقط في المجال السياسي أو مفكراً في أمور الدين، بل هو كذلك مناضل شرس عن اللغة العربية، وداعية إلى تجديدها وإثرائها. ولهذا فإنه يحاول أن يجسد هذا النهج في كتاباته وخطابه السياسي والديني. ويتعمد الترابي أن يكتب باللغة العربية كما لو أنه لم يتعلم أو يقرأ غيرها، ويجتهد في اشتقاق مصطلحات جديدة تكتسب معانيها مباشرة من المعاني المتعارفة تراثياً، رافضاً في ذلك (باحتقار) بعض المصطلحات التي تأتي بمثابة ترجمة مباشرة لمصطلحات غربية بدون أن يكون لها عمق تراثي. فهو على سبيل المثال يستخدم مصطلح "الكسب" بديلاً ل "الإنجاز"، و "التوكل" بدل "المغامرة"، و "التوالي السياسي" عوضاً عن "التنظيم السياسي"، وقس على ذلك. وقد اقتفى المحبوب آثار شيخه في هذا السفر فأبدع وأمتع في غالب الأحيان، وأثار الضيق في بعضها حين لامس التنطع.


    مرحب باكتاش ولى عودة
                  

03-08-2010, 01:54 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: ويتعمد الترابي أن يكتب باللغة العربية كما لو أنه لم يتعلم أو يقرأ غيرها، ويجتهد في اشتقاق مصطلحات جديدة تكتسب معانيها مباشرة من المعاني المتعارفة تراثياً، رافضاً في ذلك (باحتقار) بعض المصطلحات التي تأتي بمثابة ترجمة مباشرة لمصطلحات غربية بدون أن يكون لها عمق تراثي. فهو على سبيل المثال يستخدم مصطلح "الكسب" بديلاً ل "الإنجاز


    أهم ما جاء به السويسرى سوسير فى مسألة اللغة هو البعد الثقافى لها ..فالدال فى اللغة (اللفظ ) يرتبط عشوائيا بالمدلول (المعنى) وان اللغة نظام علامات ، المدلول هو اتفاق المجتمع فى الزمان والمكان المجدد على معنى للكلمة او العلامة الصوتية وهذا معنى العشوائية ..
    اهتم هنا بكلمة كسب لانها وردت فى عنوان مقال الافندى اضافة الى ورودها فى المتن.. استخدام الترابى (وبالتالى الحركة الاسلاموية فى ادبياتها) لكلمة (الكسب) بديلا عن (الانجاز) هو تغييب للمجتمع الحديث (الناطق بالعربية والقابع فى زيل التطور الحضارى) بحكم انه المسؤول عن الاتفاق فى المدلول او المعنى الى مجتمع صدر الاسلام حيث صعود المجتمع المسلم واعتماده على لغة (قريش) اى استبدال الاتفاق المعاصر حول المدلول الى اتفاق اهل القرنين السابع والثامن الميلاديين .. كلمة كسب هى حصيلة اتفاق اهل صدر الاسلام
    استحضار اللفظ هنا محاولة لاحياء لفظ قديم القصد منه استحضار ذلك المجتمع ..انها هروب (وجدانى من الحداثة) ورجوع الى الماضى عن طريق استخدام اللغة...
    الموضوع لا ينحصر فقط فى ايجاد بعد تراثى ، انما استخدام ايديولوجى للغة نفسها امن احل العبور السلس الى الماضى الذهبى دون مواجهة استحقاقات المعاصرة..
                  

03-08-2010, 05:34 AM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    طلعــت ..

    ومــا هــو عدم المشروعيــة فى ذلك ؟

    Quote: استحضار اللفظ هنا محاولة لاحياء لفظ قديم القصد منه استحضار ذلك المجتمع ..انها هروب (وجدانى من الحداثة) ورجوع الى الماضى عن طريق استخدام اللغة...
                  

03-08-2010, 08:21 AM

البحيراوي
<aالبحيراوي
تاريخ التسجيل: 08-17-2002
مجموع المشاركات: 5763

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    Quote:
    هناك إشارتان في الكتاب قد تدعمان هذه القراءة، أولاهما إشارة عابرة في موضعين لقضية النازحين من سكان أكواخ الصفيح في العاصمة السودانية. في الإشارة الأولى، يتحدث الكاتب عن تكثيف العمل الطوعي في أول عهد الثورة "برعاية مباشرة من نائب رئيس الثورة" باتجاه "تأهيل النازحين واستيعابهم في الأحزمة المحيطة بالمدن" حيث "أصبحت الإغاثة والسياسة في تلك الأطراف من عمل طاقم الحركة الذي نشط في ظروف العسرة والمشقة واحتمل ذلك بنية تخلص لحماية المشروع الإسلامي." (ص 128). وفي موضع آخر يطرق الكاتب نفس الموضوع في سياق رواية لصراع احتدم بين والي الخرطوم د. مجذوب الخليفة، ووزير الإسكان فيها د. شرف الدين بانقا، محوره كما يقول الكاتب اعتراض الأول على سياسة الثاني الرامية لإسكان النازحين.

    في كلا الإشارتين طرح الموضوع كما لو كان الأمر يتعلق بمسائل عادية تتعلق بالنشاط الإغاثي لدعم واستقطاب النازحين وتزويدهم بالمساكن، لولا اعتراضات والي الخرطوم الأسبق عليه رحمة الله. ويبدو أن أخانا المحبوب لم يكن معنا على هذا الكوكب حين ثارت تلك الضجة في شتاء عام 1991 حول قيام بانقا بترحيل عشرات الآلاف من سكان مدن الصفيح قسراً إلى فضاء قفر عند تخوم العاصمة القصية، بدون مأوى أو أغطية تسترهم من البرد، حتى اضطر البعض إلى حفر الأرض علهم يتقوا البرد داخل قبور للأحياء. وقد كانت هذه الضجة إحدى عوامل إفشال زيارة الترابي إلى لندن في ربيع عام 1992، لأن الحوار بينه وبين المسؤولين البريطانيين لم يتمكن من تجاوز الحديث حول هذه القضية. ولكن الكاتب لا يكاد يذكر في إشاراته العابرة هذه المحنة الكبرى التي مست حياة مئات الآلاف وولدت الكثير من الضغائن والشعور بالظلم، وشوهت صورة السودان دولياً، بل لا يرى فيها إلا ما يصفه بتفاني كوادر الإسلاميين في الإغاثة، وهمة أعضاء معسكر الشيخ في الإغداق على النازحين، لولا تدخلات الوالي المنتمي للمعسكر الآخر.


    تحياتي - لعل ذكر أن ما حدث في معالجة أمر السكن العشوائي في محيط العاصمة ثم مما قاد إلي إفشال زيارة الشيخ الترابي للندن ينبئ وكأن الكاتب أو الأفندي يتحسر علي تلك الزيارة ينبئ بأن الإهتمام ينصب فقط علي رضاء الآخر وليس للحمة الأقرب لأن تُكرم وتحيا حياة هادئة وآمنه من دون بيوت أشباح أو غيرة . وينهد ركن الشعار القائل هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه.

    بحيراوي
                  

03-10-2010, 05:02 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: البحيراوي)

    Quote: طلعــت ..

    ومــا هــو عدم المشروعيــة فى ذلك


    العزيز بدر الدين
    لم اتحدث عن انعدام مشروعية هنا ولكنى احاول ان اقدم نقدا ربما يتضح لاحقا
    فيما يتعلق بالمشروعية فلى رأى محتلف ايضا فى هذا الخصوص ساسعى لتوضيحه ايضا باذن الله
                  

03-10-2010, 09:14 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    شكرا يا بحيراوى على المرور والتعليق
    فعلا مقال الافندى يظهره بالمتحسر على تلك الزيارة ولو اننا لا نستطيع ان ندخل فى نوايا الكاتب
    الدخول فى النوايا يدخل فى باب مصادرة حقوق الاخرين وهو طريقة اشتهر بها اهل الاسلام السياسى ولانود ان نتشبه بهم
    لكن تبقى طبعا ملاحظتك سليمة فيما يمكن ان يوحى به التعبير..
                  

03-11-2010, 03:25 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    الموضوعي والشخصي والمؤسسي في أزمة الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي
    الخميس, 11 مارس 2010 10:56


    عود إلى "اعتذاريات" المحبوب:





    في يوم الجمعة الماضي أدلى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون بشهادته أمام لجنة تشيلكوت التي شكلت لإجراء تحقيق شامل في ملابسات غزو العراق. وكما فعل سلفه توني بلير الذي شهد أمام اللجنة في يناير الماضي، دافع براون عن قرار غزو العراق وعن سجله السياسي المتعلق به، قائلاً إن القرار كان صائباً وقد اتخذ للأسباب الصحيحة. هذا بالرغم من الكوارث التي سببها الغزو للعراق وبريطانيا معاً، وما أزهق من أرواح وأضاع من أموال وخرب من ديار، ورغم عدم وجود الأسلحة المدمرة التي زعم الزاعمون أنها كانت مبرر الغزو.

    وليس مستغرباً من السياسيين ممن لا يزالون في قلب المعمعة السياسية أن يدافعوا عن سجلهم السياسي وأن تعمى أبصارهم عن كبائر في ذلك السجل يراها عامة الناس ولكنها عندهم غير ذلك، لأن إظهار أقل قدر من عدم الثقة بالذات أو تردد في تعضيد موقف الحزب قد يكون بمثابة انتحار. فأي اعتراف بالتقصير سرعان ما يصبح ذخيرة في يد الخصوم. ولو أن ستالين وهتلر بعثا من مقابرهما لدافعا عن "إنجازاتهما" أشد الدفاع، ولأكثرا من اتهام الخصوم بتشويه صورتهما أو تعويق "إصلاحاتهما". وهناك على كل حال اعتذاريون كثر يتولون الدفاع عنهما وعن مستبدين آخرين كثر قضوا في غابر الزمان أو قريبه، بأشرس ما يكون الدفاع.

    من هنا لم يكن بدعاً أن قدم كتاب المحبوب عن الحركة الإسلامية الذي بدأنا مناقشته في الأسبوع الماضي عرضاً "دفاعياً" لتاريخ الحركة الإسلامية في السلطة عموماً، وفصيلها المعارض خصوصاً. فالرجل وطائفته ما يزالون في قلب المعترك السياسي، وذكر محاسن الأحزاب –مثل ذكر محاسن الموتى- مندوب لأنه عرض لبضاعة يراد أن يقبل عليها الزبائن. ولكن كتاب المحبوب كان إضافة إلى ذلك محاولة للتحليل وتدارك أخطاء الماضي التي أطاحت بفصيله من السلطة، وعليه كان لا بد من تتبع الأخطاء ومكامن الداء ووصف العلاج. ولكن التشخيص، مثل الوصفة، كان حزبياً، يجد الداء في موقف الفصيل المخالف في داخل الحركة، وأيضاً في ميل العسكريين تحديداً للتمسك بالسلطة الاستبدادية.

    وقد أشرنا في مداخلتنا السابقة إلى أن هذا توصيف تبسيطي أكثر من اللازم ويفتقد إلى الدقة، إذ يصعب تفسير الإشكالية التي وقعت بسوء نية البعض أو بالخلل الوظيفي عند آخرين. وبنفس القدر فإن تبييض سجل بعض المشاركين في سوء إدارة الأوضاع وإلقاء اللوم بكامله على فئة واحدة أمر لا تسنده الوقائع ولا تجربة غالبية السودانيين ممن شهدوا عهد الإنقاذ وشهدوا عليه.

    ولنبدأ هنا ببعض التناقضات الداخلية في رواية المحبوب وتوصيفه للأوضاع. فعلى سبيل المثال نجد المحبوب يرفض ما أجمع عليه المعلقون من قرار حل الحركة الإسلامية، ويرى بالعكس، إنها قد تم توسيعها وتقويتها وبث الديمقراطية فيها. ولكن التأمل في رواية المحبوب نفسها يكشف خواء هذا التنظيم المزعوم، سواءً في فترة الخفاء الأولى أو في فترة المؤتمر الوطني. فبينما كان التنظيم الأصلي حركة طوعية الانتماء، ينتخب قادتها من قبل القواعد، فإن "الحركة" الجديدة هي حركة بالتعيين في العضوية والقيادات معاً. وقد شكا المحبوب من تدخل الدولة في تشكيل الحركة ومنظماتها الشبابية وغيرها، ولكنه يستنكره فقط حين جاء من نائب الأمين العام، بينما الأسلوب واحد في الحالين، وهو التشكيل الفوقي للمنظمات.

    ولا شك أن الإشارة المستمرة للشيخ الترابي والأستاذ علي عثمان بأوصافهما التنظيمية (الأمين العام ونائبه) في كل الكتاب تثير تساؤلاً مهماً عن انطباق هذا الوصف في غياب الحركة التي "اؤتمنا" عليها. فكل جوانب سرد تكشف زئبقية هذه الحركة التي تبدو باستمرار سراباً يحسبه الظمآن ماء. فمن جهة نجد أن المظهر الحقيقي الوحيد لوجود هذه الحركة تمثل في ما سمي بالمكتب القائد المكون من تسعة أفراد فقط، كلهم معينون في مناصبهم من قبل الأمين العام، بينما بقية التشكيلات، بما فيها مجلس الشورى (وهو أيضاً معين) فإنها بعيدة عن موقع اتخاذ القرار، وأهم من ذلك عن المعلومات التي على أساسها يتخذ القرار.

    ثم يروي المؤلف كيف أن قرارات المؤتمر الوطني بانتخاب أمينه العام تم تزويرها نهاراً جهاراً، ويلمح أو يصرح في مواقع أخرى بحجب المعلومات عن مجلس الشورى بحجة أن كثيراً من أعضائه من القادمين الجدد غير الملتزمين. إذن التنظيم موجود وفاعل حين يراد أن يقال أن أمينه العام يتصرف باسمه، ولكنه مغيب في غير هذا الوجود الافتراضي.

    وفي موقع آخر يتحدث المحبوب عن نظام المؤتمرات وكيف أنها تحولت إلى منابر حوار مفتوح شاركت فيها النخبة وعبرات عن آرائها بحرية وتوصلت إلى قرارات بدون تدخل الدولة، ثم يعود ليصف كيف أن مقترح هيكل ما سمي بالمؤتمر الوطني تم التوصل إليه "بعيداً عن قاعة المؤتمر" ثم تولى شخص تم اختياره "ليتولى تقديمه للمؤتمرين بوصفه يستلهم خلاصة مداولاتهم"!!

    ويكاد كتاب المحبوب بأكمله يقوم على فكرة أن الخلاف بين الأمين العام ونائبه دار حول فكرة توسيع الديمقراطية والشورى. ولكن تناول الكتاب لقضية مذكرة العشرة تعطي رسالة مختلفة. فإذا كانت الشورى والديمقراطية هي القضية، فإن المذكرة عكست الممارسة الديمقراطية في أمثل صورها، حيث أنها قدمت بموجب لوائح المؤتمر التي حررها أمينه العام وأجازتها مؤسساته، وهي لوائح تجيز لأي عشرة أعضاء من مجلس الشورى أن يتقدموا بما شاءوا من مقترحات للمجلس الذي له أن يجيزها أو يرفضها. وربما كانت شكوى الأمين العام وأنصاره صحيحة في أن ورءا المذكرة تآمر، ولكنه تآمر مشروع. ومهما يكن، فإن القرار لم يكن بيد العشرة، وإنما كان بيد مجلس الشورى الذي ناقش المقترح كما قال المحبوب على مدى عشر ساعات متواصلة ثم أجازه بنسبة كبيرة. وعليه كان على الكل أن ينزلوا على قرار المؤسسات الديمقراطي، لا أن يتحركوا كما حدث فيما بعد لعقد مساومات تقوم بإبطال هذا القرار الذي جسد الممارسة الديمقراطية.

    مهما يكن فإن كل هذه الممارسات سواء أكانت ديمقراطية أو غير ذلك كانت تجري في ظل نظام غير ديمقراطي، ظلت سلطة الأمين العام المفترضة فيه تفرض بقوة السلاح، وعبر آلية الجيش والأجهزة الأمنية التي كانت تمنع كل الأحزاب السياسية من عقد مؤتمراتها أو انتخاب قياداتها. وهذا يقودنا إلى لب المسألة، وهي الفهم الخاطئ كلياً لطبيعة المسألة كما طرحها الكتاب، الذي وازن بين سلطة الأمين العام المشتقة في عرفه من فكر التنظيم الإسلامي وعضويته، وبين سلطة العسكر المستندة إلى السلاح والقوة. ولكن هذه رؤية واهمة للوضع، حتى لو افترضنا أن التنظيم كان له وجود فعلاً. فسلطة الأمين العام لم تكن تستند إلى تنظيم يتم حله في الصباح وإعادة بنائه في الليل، ويجمع حسب رغبة القيادات ويصرف بإشارتها، وإنما كانت تستند إلى الجيش والأجهزة الأمنية وقدراتها القمعية.

    ولا شك أنها كانت معجزة أن هذه الأجهزة قد ظلت لفترة طويلة في انصياع تام للأمين العام واتباع لتعليماته بغير سؤال. وبنفس القدر فإن جذور الصراع لا تعود إلى الخلاف بين توجه ديمقراطي وآخر استبدادي، وإنما عن التعقيدات والتناقضات الوظيفية الناتجة عن محاولة إدارة الدولة من خارجها. فقد فرضت دواعي التمويه أن يظل الأمين العام ونائبه وعدد من كبار قيادات الحركة خارج أطر الدولة، ولكنهم مع ذلك احتفظوا بسلطات الدولة في أيديهم، كانوا يمارسونها عبر "ممثلي الولي الفقيه" في أجهزة الدولة، وعلى رأسهم قيادات "التنظيم الخاص" أو "السوبر-تنظيم". ولكن هذه المؤسسات نفسها أخذت تشكو منذ الأيام الأولى بأن هذه الترتيبات المعقدة تشل الفاعلية وتؤدي إلى التضارب في الاختصاصات وتهدد بإفشاء أسرار الدولة.

    وقد تحولت ترتيبات التمويه إلى ما يشبه المهزلة بعد أشهر قليلة من بداية عهد الإنقاذ، حيث أصبح غالبية السودانيين وحتى الدبلوماسيين الأجانب على علم تام بمن بيدهم السلطة الحقيقية، فأصبح القوم يتخذون سبيلهم إلى منازل قادة الحركة سرباً ليناقشوا معهم أمور الدولة، وكان أولئك يحرصون على التباهي بسلطاتهم أمام أولئك، ويتجملون بكشف أسرار الدولة. وقد اتخذت هذه الإشكالية في أول الأمر مظهر الصراع بين "الحركة" والدولة، إلى أن انتقل على عثمان إلى موقع نائب الرئيس في مطلع عام 1998، فكسبت "الدولة" أحد أبرز أقطاب الحركة، ومالت الكفة لصالحها.

    وإذا كان معسكر المنشية سعى إلى استخدام سلاح الديمقراطية ضد خصومه في معسكر الدولة، وهو تكتيك اتبع من قبل في أكثر من ساحة، حيث استخدم السادات ضد "مراكز القوى"، وغورباتشوف في روسيا وزان زيمين في الصين. إلا أن الخصوم هنا كما في حالة الصين، قالوا لصاحبهم "أعلى هامان يافرعون"؟ لأنهم يعرفون كما يعرف المحبوب، ما هي حقيقة "ديمقراطية" مؤسسات الحركة ومؤتمراتها.

    وليس هذا الأمر ببدع في شأن الأحزاب التي استولت على السلطة بالقوة أو شاركت في ذلك، سواء أكان ذلك الحزب الشيوعي السوداني وغيره من الأحزاب اليسارية والقومية (مثل أحزاب البعث في سوريا والعراق)، كلها أصبحت أول ضحايا مغامراتها الانقلابية. وفي كل تلك الحالات، فإن الأدوات التي استخدمت للاستيلاء على السلطة (وهي الأجهزة المخابراتية) ابتلعت التنظيم والدولة معاً. ففي العهد الستاليني في روسيا لم يكد ينج عضو واحد من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأصليين من التطهير والإعدام.

    من هنا يمكن أن نقول إن الأخ المحبوب قد قدم مادة مهمة ومعلومات كثيفة يمكن أن يستفاد منها في تقييم مسيرة الحركة الإسلامية السودانية، وعبر عن رؤية من الداخل للمبررات التي استندت إليها قراراتها في تلك الحقبة. ولكن القيمة التحليلية لما كتب شابتها آفتا الدعاية الحزبية والتبرير بأثر رجعي لمواقف معينة. والعارفون ببواطن الأمور يدركون أن القراءة التي تقول أن هناك صراعاً دار منذ البداية بين دعاة الانفتاح وأنصار القبضة الشمولية هي صحيحة جزئياً، سوى أن الأولين كانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة، وليس بينهم أي من قيادات ورموز المؤتمر الشعبي اليوم. ولم تتعرض القلة التي نادت للانفتاح والتصالح مع الآخرين (ومنهم الإخوة أحمد ابراهيم الترابي ومحجوب عروة وحسن مكي وعبدالله بدري وأحمد عثمان مكي (رحمهما الله))، لم تتعرض هذه الفئة للعزلة والإهمال فقط، بل أيضاً للاستهداف والملاحقة والاعتقال (كما حدث لعروة). وقد تعرضت فئة من هؤلاء مرة للشتم والتعنيف في حضرة الشيخ الترابي ومن قبل بعض مرافقيه المقربين منه حين دعوا الشيخ إلى لقاء في منزل عبدالله بدري في مطلع التسعينات.

    وكانت القيادة وقتها على إجماع برفض أي حديث عن الديمقراطية والإصلاح داخل التنظيم، ناهيك عن الانفتاح. وإذا صح كما جادل المحبوب بأن فئة منها انحازت إلى خيار الانفتاح فيما بعد، فإن هذا الانحياز جاء متأخراً، وبعد فقدان السلطة. وقد كنا ناشدناهم من قبل علناً بأن ينحازوا إلى هذا الخيار وهم سالمون، وحين كان يمكن أن يكون لقرارهم تأثير، ولكن سبق القول عليهم فكان ما كان.

    لا شك أن أي مساهمة في قراءة نقدية لتاريخ وأداء الحركة الإسلامية في السودان هي مساهمة مرحب بها، لأن إصلاح هذه الحركة وإخراجها من ورطتها ضروري لمستقبل التعايش والاستقرار في السودان. ونحن نقترح أن تنشأ في السودان لجنة مثل لجنة تشيلكوت يتم اختيارها من بين القيادات الفكرية المشهود لها بالاستقلال، يتاح لها الإطلاع على كل الوثائق واستجواب كل الشهود، حتى تخرج بتقرير متكامل وحيادي يوضح للرأي العام السوداني والعالمي ملابسات التطورات التي شهدها السودان منذ انقلاب عام 1989 حتى اليوم، حتى يكون ذلك مقدمة للتصالح بين كل فئات المجتمع على أساس الحقيقة والمصارحة.
                  

03-11-2010, 03:29 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: ويكاد كتاب المحبوب بأكمله يقوم على فكرة أن الخلاف بين الأمين العام ونائبه دار حول فكرة توسيع الديمقراطية والشورى. ولكن تناول الكتاب لقضية مذكرة العشرة تعطي رسالة مختلفة. فإذا كانت الشورى والديمقراطية هي القضية، فإن المذكرة عكست الممارسة الديمقراطية في أمثل صورها، حيث أنها قدمت بموجب لوائح المؤتمر التي حررها أمينه العام وأجازتها مؤسساته، وهي لوائح تجيز لأي عشرة أعضاء من مجلس الشورى أن يتقدموا بما شاءوا من مقترحات للمجلس الذي له أن يجيزها أو يرفضها. وربما كانت شكوى الأمين العام وأنصاره صحيحة في أن ورءا المذكرة تآمر، ولكنه تآمر مشروع. ومهما يكن، فإن القرار لم يكن بيد العشرة، وإنما كان بيد مجلس الشورى الذي ناقش المقترح كما قال المحبوب على مدى عشر ساعات متواصلة ثم أجازه بنسبة كبيرة. وعليه كان على الكل أن ينزلوا على قرار المؤسسات الديمقراطي، لا أن يتحركوا كما حدث فيما بعد لعقد مساومات تقوم بإبطال هذا القرار الذي جسد الممارسة الديمقراطية.
                  

03-11-2010, 03:33 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: ولا شك أنها كانت معجزة أن هذه الأجهزة قد ظلت لفترة طويلة في انصياع تام للأمين العام واتباع لتعليماته بغير سؤال. وبنفس القدر فإن جذور الصراع لا تعود إلى الخلاف بين توجه ديمقراطي وآخر استبدادي، وإنما عن التعقيدات والتناقضات الوظيفية الناتجة عن محاولة إدارة الدولة من خارجها. فقد فرضت دواعي التمويه أن يظل الأمين العام ونائبه وعدد من كبار قيادات الحركة خارج أطر الدولة، ولكنهم مع ذلك احتفظوا بسلطات الدولة في أيديهم، كانوا يمارسونها عبر "ممثلي الولي الفقيه" في أجهزة الدولة، وعلى رأسهم قيادات "التنظيم الخاص" أو "السوبر-تنظيم". ولكن هذه المؤسسات نفسها أخذت تشكو منذ الأيام الأولى بأن هذه الترتيبات المعقدة تشل الفاعلية وتؤدي إلى التضارب في الاختصاصات وتهدد بإفشاء أسرار الدولة.

    وقد تحولت ترتيبات التمويه إلى ما يشبه المهزلة بعد أشهر قليلة من بداية عهد الإنقاذ، حيث أصبح غالبية السودانيين وحتى الدبلوماسيين الأجانب على علم تام بمن بيدهم السلطة الحقيقية، فأصبح القوم يتخذون سبيلهم إلى منازل قادة الحركة سرباً ليناقشوا معهم أمور الدولة، وكان أولئك يحرصون على التباهي بسلطاتهم أمام أولئك، ويتجملون بكشف أسرار الدولة. وقد اتخذت هذه الإشكالية في أول الأمر مظهر الصراع بين "الحركة" والدولة، إلى أن انتقل على عثمان إلى موقع نائب الرئيس في مطلع عام 1998، فكسبت "الدولة" أحد أبرز أقطاب الحركة، ومالت الكفة لصالحها.
                  

03-12-2010, 03:34 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في تأملات المحبوب في كسب الحركة الإسلامية في السودان .. بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي (Re: طلعت الطيب)

    من المعروف ان القيادات المغامرة فى الجيش السودانى تصل الى السلكة عى طريق رفع شعارات القوى الحديثة
    هذا الشعارات كانت تميل لكفة اليسار (اشتراكية) عند انقلاب مايو ويمينية فى انقلاب الجبهة الاسلامية او الانقاذ
    الحديث هنا ليس حول صدق او عدم صدق هؤلاء فى رفع الشعارات كما يدعى اصحابها (اضحابها تعود للاجزاب العقائدية)
    المهم ان قيادات القوات المسلحة ترفع تلك الشعارات حسب فهمها لتلك الشعارات
    واذا اتفقنا حول مقولة فردريك نيتشة حول علاقة المعلومة بالقوة ايقنا ان الجميع يرفعها من اجل السلطة والقوة فى النهاية
    وربما نلاحظ ذلك فى تباهى (قيادات الجبهة الاسلامية ) حين يقضدهم دبلوماسى فى الخرطوم لاداء حاجة ما وسعيهم لكشف اسرار الدولة
    حسب ما جاء فى افادة د ع الافندى .. ظاهرة ادواجية الدولة هذه (الحزب - الدولة ) وتداخل الاختصاصات وتضاربها تضىء هذا المفهوم
    مفهوم تسلط قيادات الجبهة الاسلامية وسعيهم المحموم وتعطشهم للسلطة ..
    الصراع بين قيادة الاحزاب العقائدية والعسكريين بعد نجاح الانقلابات على الديمقراطية لم يكن فى يوم من الايام حول الديمقراطية
    انما كان حول (احقية) قيادات الاحزاب العقائدية فى الحكم باسم الشعارات المرفوعة
    وقد تمّ التعبير عن تلك الاحقية بوصف قيادات العسكر (بالبرجوازية الصغيرة فى مايو) المترددة الغير قادرة على المضى بالثورة الى نهاياتها المنطقية
    ولكن فى كل الاحول سواء فى الانقاذ او فى بدايات مايو فانه يتم (اسقاط) فى التحليل اللاحق لايهام القارئة بان الصراع كان حول الديمقراطية وكأن الحزب العائدى كان زاهدا فى الانقلاب عند مشاركته فيه !!!!!!!
    يلاحظ ان الظاهرة الفكرية مشتركة سواء فى فى كتاب المجبوب او فى تقييم الحزب الشيوعى لانقلاب حركة يوليو &#1639;&#1633;
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de