|
Re: الــــــــــرســـــــــــام.............William Hogarth (Re: فيصل محمد خليل)
|
يعدّ المصوّر وليام هوجارث أكثر الفنانين البريطانيين شعبيّة في عصره، إذ طبع الفن الإنجليزي أثناء حياته بطابعه الشخصي. وكان لاعتزازه بأسلوبه الفريد صداه في خلود صيته، فلقد كانت موضوعاته المتـّـسقة مع روح العصر، أو بمعنى آخر "رواياته المصوّرة" – كما كان يُطْـلـَـق عليها في زمانه وفي القرن التالي - أهم ما أبدعته قريحته حتى ذهب الأديب وليام هازلت إلى أن مقام هوجارث يأتي في المرتبة التالية لشكسبير باعتباره أكثر الفنانين إدراكاً لجوهر الملهاة الإنسانية. فقد ابتكر هوجارث - من خلال تنسيق مشاهده المصوّرة في سلسلة متـّـصلة تروي قصة مكتملة مستمرة من الحياة المعاصرة - لوناً جديداً من الفن انطوى شأن معظم مسرحيات عصره على حبكات مسرحية بالغة الإتقان، ومواجهات درامية عميقة، وعناصر تراجيدية متكاملة، وديكورات متنوّعة، فضلاً عن تناول أحداث اجتماعية معاصرة. وما من شك في أن الكثير من السوابق الفنية التي تناولت مثل هذه العناصر كانت متوفـّـرة، تأتي في مقدمتها سلسلة تاريخ ماري ده مديتشي لروبنز بمتحف اللوفر، وكذا الصور الهولندية الحاضّة على التمسّك بالفضيلة، واللوحات الفرنسية المصوّرة والمطبوعة بطريقة الحفر التي تسجّل السلوكيات المعاصرة بحذق شديد وخفـّـة ظل ملحوظة. والثابت أن مردّ ابتكار هذا النمط التصويري الذي يضم هذه العناصر جميعاً هو "المسرح"، ثم الأدب الروائي والشعر الهجائي الإنجليزي
ولقد أثبت هوجارث جدارته الإبداعية بتقديم هذا اللون الجديد من التصوير الذي أطلق عليه اسم "الموضوعات الأخلاقية المعاصرة المشابهة لما يُقدَّم فوق خشبة المسرح"، إذ كان دائم التطلّع إلى الظفر بصفة المؤلف المسرحي على الرغم من أن ممثّليه كانوا يؤدون أدوارهم ضمن إطارٍ مسرحي صامت. وقد عُرضت لوحاته الأصلية ونسخها المطبوعة بطريقة الحفر للبيع في مجموعات تنتظم تفاصيل يتكرّر بعضها في كل مشهد بغية إضفاء قدر من الوحدة على السياق الفني للمجموعة بكاملها. ويبقى هوجارث أكثر المصوّرين الإنجليز شعبية بما قدمه من نمط جديد في فن التصوير، فلقد كان شديد الوضوح في تحديد أهدافه، كما انطوى إنتاجه على سمة أدبية لا تكاد تُـلحظ تُرهص بأعمال الفنان الفرنسي جروز، ومع أنه لم يقصد أن تنهج صوره نهج الرواية المسرحية تماماً إلا أن العنصر السردي تجلّى بوضوح في أعماله. ومن الإنصاف أن نقرّ بأن كافة الأحداث السّردية التي انتظمتها مجموعات صوره المطبوعة بطريقة الحفر والتي تـُـبرز مخاطر الجشع والعلاقات مع العاهرات أن مساوئ الانتخابات إلى غير ذلك، جعلته يتبوّأ عن جدارة مكانة الفنان الرائد في هذا المضمار، لقدرته الفذّة على التصوير الدرامي لسلوك الأنماط المختلفة الشائعة في مجتمعه. وشأنه شأن مصوّري طراز الروكوكو المعاصرين له كان يعرض لوحاته وكأنها منصّات مسرحية منمنمة لا يدور فوقها إلا ما يبعث على السخرية من حماقات قومه والتنديد بها. وكان هذا الاتجاه الثوري الناقد قد سبقه إليه جون جاي John Gay (1685 – 1732) حين قدّم على خشبة المسرح مسرحي اوبرا الشحاذ التي ظفرت بإعجاب هوجارث لأنها كانت من ناحية الشكل والمشاعر تمثـّـل نموذجاً فنياً يـُـتيح لمواهبه الإفصاح عمّـا تتطلـّـع إليه، إذ قامت على الهجاء والسخرية والفكاهة وإثارة العواطف واستمالة النفوس. وكلها عناصر ذات جاذبية شديدة بالنسبة لكافة طبقات المجتمع الإنجليزي، فضلاً عن أنها كان تنتظم العديد من الألحان والأغاني والمواقف القائمة على المفارقة بهدف السخرية من تقاليد الأوبراالإيطالية - وهى الصيغة الموسيقية لطراز الروكوكو - وحوارها المحشو بالعبارات الطّنانة الرنانة المثيرة حيث يبدو المغني الخصي والمغنيَّة الأولى "البريمادونا" ينشدان أغنية حب لا ينتهي بالنهاية السعيدة المنشودة ببن العاشقين، أمام جمهور تشدُّه الواقعية غير مكترث بالرومانسية المثيرة للسخرية،فإذا هوجارث يسارع إلى تسجيل مشهد ماكهيث بطل المسرحية محاصراً بين زوجته وعشيقته، وقد ضمَّن المشهد الممثّلين والمتفرّجين على السواء.
وتقوم المسرحية على سلسلة من المفارقات، فماكهيث قاطع طريق ضال، لكنه في الوقت نفسه بطل رومانسي ينحدر من أرومة النبلاء. وعلى حين نرى اللصوص عصبة متآخية يتبادل أفرادها الوفاء والإخلاص يبدو المحامون وزبانية السجون أوغاداً محتالين. ثم تبلغ المفارقة ذروتها في النهاية على لسان المؤلف الشحّاذ حين يعلّق قائلاً: لقد تبيّن لنا خلال الأوبرا من بدايتها حتى ختامها تشابه العادات بين أفراد الطبقتين العليا والدنيا حتى بات من الصعوبة بمكان حين نتأمل الرذائل الشائعة معرفة ما إذا كان "الجنتلمان" هو الذي يقلّد رجل الشارع أم أن رجل الشارع هو الذي يقلّد الجنتلمان، فللطبقة العليا أيضاً رذائلها شأن أفراد الطبقة الدنيا. وقد أدرك هوجارث منذ البداية أن جمهور المتفرجين جدير هو الآخر بنصيب من السخرية فجعله يشكّل جزءاً من الدراما الموسيقية، وإذا هو يصوّر في النسخ المبكرة للوحة "أوبرا الشحاذ" (1728) جمهور المتفرجين في صورة كاريكاتورية غير مبال بمتابعة العرض المسرحي شاهد لوحة رقم (1)
(لوحة 1).
ويقع المشهد الذي سجّله هوجارث قبيل خاتمة المسرحية عندما أخذت كل من لوسي - ابنة السجان في يسار اللوحة – وبولي - ابنة التاجر المخادع في يمين اللوحة - بالتوسّل إلى أبويهما للإفراج عن قاطع الطريق ماكهيث، فثمة مأزق عويص سيترتب على الإفراج عن ماكهيث، الذي يقف متوسّطاً اللوحة حائراً لا يدري أيتهما يختار من المرأتين الوفيّتين… زوجته أم عشيقته؟ وهنا تتباين الشخصية الجذّابة لقاطع الطريق مع تحجّر قلبي السجّان والمحامي المتلهّفيُن إلى مشاهدة ماكهيث وقد تدلـّـى جسده من حبل المشنقة. غير أن المؤلف يحاول الإفلات من هذا المأزق بحلٍّ يحسم الموقف، فيقضي بشنق ماكهيث، فإذا الممثـّـل يعترض المؤلف قائلاً: "إنك بهذا الحل تحوّل المسرحية إلى مأساة مع أن المفروض أن تنتهي الأوبرا نهاية سعيدة حتى نظفر برضاء الجمهور".
وكان جون ريتش منتج هذه المسرحية قد اشترى من هوجارث النسخة الأولى من هذه اللوحة، وطلب منه أن يعدّ نسخة أكبر حجماً وأحكم تفصيلاً لتعليقها في مسرحه، وهي النسخة الخامسة الموجودة حالياً بجامعة ييل بنيوهافن (1729) والتي يحتفظ التيت جاليري بنسخة منها مطابقة (1731)
(لوحة 2).
وهاتان النسختان الأخيرتان أشدّ إتقاناً وصقلاً من النسخ المبكّرة. وفضلاً عمّا أضافه هوجارث إلى هذه النسخة من تنقيحات إذا هو يضمّـن جمهور المتفرّجين شخصيات معروفة في المجتمع بعد أن أضفى عليهم مسحة كاريكاتورية، فرسم في أقصى اليمين "دوق بولتون" وهو يتطلّع في اشتهاء إلى "لافينيا فنتـوم" التي تؤدي دور بولي لوحة رقم
| |
 
|
|
|
|
|
|
|